
من وعود الذكاء الخارق إلى كوابيس الفناء.. سباق لا يعرف التوقف
ورغم تعاظم المخاوف من أن يؤدي AGI إلى نتائج كارثية، ربما تصل إلى انقراض البشر، فإن الشركات والبلدان تصرّ على المضي قُدمًا، مدفوعة بالمنافسة الشرسة والمكاسب المحتملة لمن يصل أولًا.
المبتكرون يحذرون
وفق ما نشرت مجلة الإيكومنست البريطانية، يقود جيل جديد من علماء الذكاء الاصطناعي هذا المسار المزدوج بين القلق والدفع إلى الأمام. جيفري هينتون، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، يقدّر أن هناك احتمالًا بنسبة 10-20% أن تنتهي هذه التقنية بانقراض البشر. زميله يوشوا بنجيو يوافقه التقدير. بل إن البعض، مثل إليزر يودكوفسكي ونات سواريز، يخططون لنشر كتاب بعنوان:'إذا بناه أحد سيموت الجميع.'
رغم هذه التحذيرات، فإن الشركات الكبرى في الغرب والصين تسرّع وتيرة تطوير AGI، بحجّة أن التراجع يعني الهزيمة أمام المنافسين، وأن من يصل أولًا سيحصد كل الفوائد.
سباق بلا كوابح
من الناحية النظرية، تهتم شركات مثل OpenAI وAnthropic وDeepMind بالسلامة. فسام ألتمان دعا إلى تنظيم عاجل لتقنية AGI، وAnthropic تأسست أصلاً بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. حتى إيلون ماسك، الذي وقّع تحذيرًا عامًا في 2023، أطلق نموذج 'Grok' خلال أشهر قليلة.
لكن الواقع يقول شيئًا آخر. مارك زوكربيرغ، مثلاً، أطلق 'معامل الذكاء الخارق'، ويستقطب باحثين برواتب من 9 أرقام. كما يبني مركز بيانات بحجم مانهاتن، يستهلك طاقة دولة كاملة كـ نيوزيلندا. أما ألتمان، فيخطط لاستثمار 500 مليار دولار داخل أمريكا وحدها.
الذكاء البشري سيتلاشى
التوقعات داخل الصناعة تزداد جرأة. مؤسس شركة DeepMind البريطانية، ديميس هاسابيس، يتوقع أن تضاهي AI القدرات البشرية خلال عقد. بينما يقول زوكربيرغ: 'الذكاء الخارق بات في مرمى البصر'. وتشير دراسات إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على أداء مهام مبرمجين محترفين بحلول 2027، بل قد تتمكن من إدارة معامل أبحاث كاملة.
والمفارقة أن هذه التقديرات قد تكون متحفظة. فقد أظهرت دراسة حديثة أن نموذج OpenAI الأخير وصل بالفعل إلى مستوى فرق بشرية متخصصة، مثل علماء الفيروسات، قبل الموعد المتوقع بعقد كامل.
طفرة متواصلة
يرى جاك كلارك، المؤسس المشارك في Anthropic، أن ما يحدث هو طفرة شبه طبيعية: 'كلما زدنا البيانات والطاقة الحاسوبية، زادت القدرات الذكية.' ويضيف: 'الإيقاع لا يتباطأ'. جميع المختبرات الكبرى تستعد لزيادة هائلة في قدرات الحوسبة خلال العامين المقبلين، وهو ما قد يُسرّع ظهور AGI.
وفي هذا المشهد، لا تبدو الحكومات أكثر حذرًا من الشركات. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على سبيل المثال، أعلن مؤخرًا أن أمريكا 'ستفعل كل ما يلزم' لتظل في طليعة الذكاء الاصطناعي.
المخاطر الأربعة: كيف قد يخرج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة؟
حدّدت ورقة من DeepMind أربعة مسارات محتملة لانزلاق الذكاء الاصطناعي إلى الكارثة:
1. سوء الاستخدام: عندما يستخدم المفسدين الذكاء الاصطناعي لتنفيذ جرائم.
2. عدم التوافق: حين لا تتوافق أهداف AI مع أهداف صانعيه.
3. الأخطاء غير المتوقعة: بسبب تعقيد العالم الحقيقي.
4. المخاطر الهيكلية: مثل تفاقم تغيّر المناخ بسبب تصرفات AI العشوائية.
كل تقنية قوية يمكن إساءة استخدامها، لكن ما يُقلق الخبراء أن AI يجعل القوة المطلقة متاحة حتى للأفراد.
خطر الأسلحة البيولوجية… والبريد السريع
القلق الأكبر يتركّز على الأسلحة البيولوجية. فبينما لا يستطيع AI منح البلوتونيوم لصنع قنبلة نووية، يمكنه الأرشاد خطوة بخطوة لتصنيع فيروس قاتل. والأسوأ: الحمض النووي الصناعي يمكن طلبه عبر الإنترنت.
لذلك، تسعى المختبرات لوضع 'حواجز أمان' عبر مرحلة ما بعد التدريب (post-training) باستخدام تقنيات مثل 'التعلم المعزز بالتغذية البشرية'. لكن، حتى الآن، لم تنجح هذه الأساليب في منع 'التحايل' على تلك النماذج.
مفترق طرق خطير
مع كل نموذج ذكاء اصطناعي جديد، يقترب العالم أكثر من مفترق طرق بالغ الخطورة؛ فهذه القدرات الخارقة تتطلب استخدامًا رشيدًا ومسؤولًا.
وإلا فإن الانفلات قد يؤدي إلى نشوء كيانات لا يمكن السيطرة عليها، تتحكم في مصير البشر دون علمهم. السباق مستمر، ولكن وقت الحذر يوشك على الانتهاء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ يوم واحد
- مجلة سيدتي
محادثاتك الشخصية مع ChatGPT تظهر على محرك البحث جوجل
يبدو أن أداة ChatGPT أصبحت تهدد مستخدميها بشكل مباشر، فبعد أيام من تصريحات سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI ، التي حذر خلالها من وجود ثغرة في روبوت الدردشة لـ ChatGPT قد توقعك في قبضة العدالة في حال تم استخدام المعلومات التي أفصحت عنها مع الروبوت كدليل إدانة ضدك. وفي ذاك اللقاء الذي أجراه الرئيس التنفيذي لـ"أوبن آيه آي" عبر بودكاست ثيو فون، حذر من الاستعانة بـ ChatGPT بديلًا عن الطبيب النفسي، المفاجأة هنا أن خبراء التقنية اكتشفوا أن محادثاتك الشخصية مع ChatGPT موجودة بالفعل على محرك البحث جوجل ، الأمر الذي دفع شركة OpenAI لتوضيح الأمر. جوجل تظهر محادثات ChatGPT مع المستخدمين حسب ما ذكر في موقع techcrunch، فقد أوضح خبراء التقنية أنه في حال قمت بتصفية نتائج البحث على جوجل ستتمكن من العثور على محادثات غرباء تمت باستخدام ChatGPT، بعضها تضمن معلومات غير مهمة، وأخرى تعلقت بالمساعدة في إيجاد أفكار لوصفات وفهم الفيزياء الفلكية، لكن هل هذا يعني أن محادثاتك مع ChatGPT معلنة للجميع؟ بدأ الأمر يتضح تدريجيًا عندما تم العثور في نتائج بحث محرك جوجل على شخص استعان بـ ChatGPT من أجل كتابة سيرته الذاتية، ونتائج أخرى متعلقة بأسئلة غير منطقة لبعض المستخدمين، ويرجع السبب وراء انتشار تلك المحادثات أنه بعد الانتهاء من الدردشة يتواجد زر "المشاركة" عند الضغط عليه من قبل المستخدم يتم إنشاء رابط ثانٍ. بعد إنشاء الرابط، يمكن للمستخدمين تغيير ما إذا كانوا يريدون أن يكون هذا الرابط قابلاً للاكتشاف أم لا، مع ذلك، قد لا يتوقع المستخدمون أن تقوم محركات البحث الأخرى بفهرسة روابط ChatGPT المشتركة، مما قد يؤدي إلى كشف معلوماتهم الشخصية، وللأسف هذا ما حدث مع البعض بالفعل. رد شركة OpenAI على تسريب المحادثات جاء رد المتحدث الرسمي باسم شركة OpenAI على هذه الأخبار، ليوضح: "لا تُنشر دردشات ChatGPT إلا إذا اخترت مشاركتها"، وأكد على أنه تم اختبار طرق مختلفة لتسهيل مشاركة المحادثات المفيدة على أن يكون المتحكم فيها هو المستخدم، وعن سبب ظهور بعض المحادثات على محرك البحث جوجل أشار إلى أنها كانت تجربة لمن قاموا بالفعل بالضغط على مشاركة الدردشة. وبالفعل قامت شركة OpenAI بإزالة الميزة من ChatGPT التي كانت تسمح للمستخدمين بجعل محادثاتهم العامة قابلة للاكتشاف بواسطة محركات البحث، منوهة أن الأمر كانت بمثابة تجربة قصيرة الأمد. وفي رد المتحدث الرسمي لجوجل على تصريحات شركة OpenAI، أوضحت: "لا تتحكم جوجل ولا أي محرك بحث آخر في الصفحات التي تُنشر علنًا على الإنترنت، بل يتحكم ناشرو الصفحات في فهرستها من قبل محركات البحث".


الشرق السعودية
منذ يوم واحد
- الشرق السعودية
openai تتراجع عن خاصية إظهار محادثات chatgpt في محركات البحث
أعلنت شركة OpenAI التراجع عن إتاحة محادثات مستخدمي تطبيقها الذكي ChatGPT، في نتائج محركات البحث مثل "جوجل سيرش"، وذلك بعد انتقادات وتحفظات. وقال دان ستاكي، مدير أمن المعلومات في OpenAI، في بيان نشره على منصة "إكس"، إن الشركة قررت إنهاء هذه التجربة القصيرة التي كانت تهدف إلى تسهيل اكتشاف المحادثات المفيدة من خلال محركات البحث، موضحاً أن الخاصية كانت تتطلب من المستخدم اختيار محادثة لمشاركتها، ثم تفعيل خيار إضافي يسمح بإدراجها ضمن نتائج البحث. وأوضح ستاكي، أن "الخاصية تطلبت مشاركة طوعية تماماً من المستخدمين، الذين كان عليهم اتخاذ خطوتين واضحتين لتفعيل الفهرسة"، لكنه أشار إلى أن OpenAI خلصت إلى أن الخاصية "فتحت العديد من الأبواب لمشاركة محتوى شخصي عن غير قصد". وأضاف: "نعتقد أن هذه الميزة خلقت فرصاً كثيرة للمستخدمين لمشاركة معلومات لم يكونوا ينوون مشاركتها علناً، سواء بسبب سوء الفهم أو الإهمال"، مؤكداً قرار OpenAI بإزالة خيار الفهرسة تماماً من التطبيق، معلناً بدء العمل على إزالة المحتوى المفهرس من محركات البحث. أولوية الخصوصية وشدد ستاكي، على أن الشركة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، تضع الخصوصية والأمان في مقدمة أولوياتها، قائلاً: "سنواصل العمل على تحسين منتجاتنا وميزاتها لتعكس هذا الالتزام بشكل واضح ومتين". ويأتي هذا القرار عقب تحقيق نشره موقع Fast Company، كشف ظهور آلاف المحادثات التي أجراها مستخدمو ChatGPT وتمت مشاركتها عبر الإنترنت، في نتائج البحث على Google. وأشار الموقع إلى أن هذه المحادثات شملت معلومات شخصية تتعلق بالإدمان، والاضطرابات النفسية، والعلاقات العاطفية، والعنف الأسري، وحتى نقاشات حول نظريات المؤامرة والبرمجة النفسية. وأوضح الموقع، أن عدد المحادثات المفهرسة بلغ نحو 4500 محادثة، بينما قد يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير، إذ لا يمكن التأكد مما إذا كانت محركات البحث قد فهرست جميع المحادثات القابلة للمشاركة. وأثار تقرير الموقع، قلقاً واسعاً، لا سيما أن خيار جعل المحادثة قابلة للفهرسة، لم يكن متاحاً سوى عبر موقع ChatGPT على الويب، بينما لا يظهر هذا الخيار في تطبيقات الهواتف الذكية سواء على iOS أو "أندرويد"، كما لا يمكن تفعيله من داخل الإعدادات. وكانت OpenAI قد حذرت سابقاً المستخدمين من مشاركة معلومات حساسة مع روبوت المحادثة، مشيرة إلى أنها قد تُجبر على تسليم هذه المعلومات في حال صدور أمر قضائي. وهذه ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها تساؤلات حول الخصوصية في أدوات الذكاء الاصطناعي، إذ ظهرت حالات مشابهة مع روبوتات تابعة لشركة "ميتا"، حيث بدأت تظهر استفسارات المستخدمين ضمن خلاصات عامة على بعض تطبيقاتها. وبينما تتيح OpenAI للمستخدمين حذف روابط المشاركة في أي وقت، فإن ضعف الوعي الرقمي بين المستخدمين، إلى جانب تعقيد بعض خيارات المشاركة، قد ساهم في الكشف غير المقصود عن معلومات شخصية حساسة.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
مشروع "بروميثيوس" للذكاء الاصطناعي... قد يغير وجه العالم
منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أصبح عالم الذكاء الاصطناعي مرادفاً لأداة واحدة لا غير تمثلت في "تشات جي بي تي" ChatGPT الذي تصدر المشهد التكنولوجي. وفق بيانات حديثة كشفت عنها الشركة المطورة الأسبوع الماضي، تبين أن المستخدمين يغرقون روبوت الدردشة الشهير بـ2.5 مليار رسالة يومياً، بينما يتفاعل معه نحو نصف مليار شخص أسبوعياً حول العالم. إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي طبعت بطابعها الجيل السابق من شركات التكنولوجيا العملاقة، فإن الذكاء الاصطناعي هو من أبرز سمات الجيل المقبل. وبينما يبدو أن شركة "أوبن أي آي" OpenAI في طريقها إلى أن تصبح الاسم الأكثر تداولاً في هذا المجال، ثمة شخص واحد يسعى إلى كسر هذا التفوق: إنه مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" Meta. في الأعوام الأخيرة، وسع زوكربيرغ، الذي أسس "فيسبوك" عام 2004، إمبراطوريته الرقمية لتشمل، إلى جانب المنصة الأم، "واتساب" و"إنستغرام" و"ثريدز". ولم يكتف بذلك، بل أطلق تعهدات كبرى بأنه لن يألو جهداً في محاولته انتزاع زمام المبادرة من قبضة "أوبن أي آي" في توجيه مسار الذكاء الاصطناعي ومستقبله. وفي هذا السياق، يعرض عملاق التكنولوجيا الآن صفقات بمليارات الدولارات على بعض كبار موظفي الشركة المنافسة في محاولة لجذبهم، علهم ينضمون إلى مشروعه للذكاء الاصطناعي "بروميثيوس". ومن المرتقب أن يرى المشروع النور مطلع العام المقبل، وقد سمي تيمناً بـ"بروميثيوس" Prometheus، الآلهة الإغريقية التي يعتقد أنها سرقت النار من الآلهة الأخرى ومنحتها للبشر [كذلك يقال إن الاسم يعني "بعيد النظر" إذ كان "بروميثيوس" قادراً على رؤية المستقبل والتنبؤ به]. تحدث في هذا الشأن ستيفان سلوينسكي، المحلل في بنك "بي أن بي باريبا"، مشيراً إلى أن "ميتا" قد واجهت "نكسات عدة في استراتيجيتها المعنية بالذكاء الاصطناعي التوليدي [أو generative AI القادر على إنشاء محتوى جديد تماماً، مثل النصوص والصور والفيديوهات]. وأوضح أن هذه التعثرات دفعت الشركة إلى زيادة إنفاقها بشكل غير مسبوق في مسعى للحاق بركب السباق نحو الذكاء الاصطناعي العام" [أو AGI الذي يتمتع بقدرات معرفية تسمح له بفهم وتعلم أي مهمة فكرية يستطيع الإنسان إنجازها، وليس مجرد مهام محددة أو ضيقة]. ويأتي هذا التوسع الاستثماري، الذي يفوق بأشواط ما اعتادت الشركة تخصيصه لمبادرات مماثلة، لا سيما في مثل هذا الإطار الزمني القصير، مدفوعاً برغبة واضحة في تعويض ما فاتها من تقدم مقارنة بالجهات المنافسة، وعلى رأسهم "أوبن أي آي"، التي تحل محل "ميتا" كقوة مهيمنة في تجارب المستخدم وتفاعلاته اليومية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تهديدات مماثلة تدفع "غوغل" بدورها إلى ضخ استثمارات ضخمة في تطوير نموذجها الخاص للذكاء الاصطناعي، "جيميناي" Gemini، في مسعى إلى درء تحديات متزايدة، وعلى رأسها متصفح الإنترنت الذي تطوره "أوبن أي آي"، الذي يبدو أنه يتهدد هيمنة متصفحها الشهير "كروم" Chrome. وفي السياق ذاته، يواصل قطب المال والتكنولوجيا الشهير إيلون ماسك تكثيف جهوده في ميدان الذكاء الاصطناعي من خلال شركته "إكس أي آي" xAI، مدفوعاً بما وصفه بـ"قلق وجودي جارف" على مصير البشرية بسبب هذه التكنولوجيا، كما قال. "على الأرجح، يرى الرؤساء التنفيذيون في شركات الإنترنت في الذكاء الاصطناعي فرصة متسارعة النمو كلما مضينا قدماً عام 2025، بالتوازي مع تصاعد الأخطار المرتبطة بتفويت هذه الموجة"، يقول المحلل في "بنك أوف أميركا- ميريل لينش"، جاستن بوست، مضيفاً أن "دورة الإنفاق الرأسمالي التنافسي ما زالت بعيدة كل البعد من نهايتها". في الواقع، "ميتا" واحدة من الشركات القليلة التي تملك القدرة على إنفاق مبالغ ضخمة على الذكاء الاصطناعي. صحيح أن "أوبن أي آي" وغيرها لا تعاني نقصاً في التمويل، بيد أنها تعتمد على ممولين يتوقعون، عاجلاً أم آجلاً، تحقيق عوائد على استثماراتهم. أما "ميتا" فتملك وفرة ضخمة من السيولة النقدية، إذ حققت أرباحاً بلغت 134 مليار دولار العام الماضي فحسب، مما يمنحها هامشاً مالياً أكبر قليلاً من معظم منافسيها. لذا، لا بد من التعاطي بجدية مع رغبة زوكربيرغ في السيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي وجعله حكراً على "ميتا". ذلك أن قلة من الأشخاص قادرون على تخصيص هذا الكم من المال الذي استثمره في الأسابيع القليلة الماضية وحدها. وهذا ما يفسر الانتقادات اللاذعة التي وجهها إليه منافسوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جراء استحواذه [استقطابه] على المواهب [والأدمغة] في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك لا إجماع على أننا سنعيش قريباً في عالم يتولى فيه زوكربيرغ قيادة الذكاء الاصطناعي الذي نستخدمه. مثلاً، أحد موظفي "ميتا" السابقين، ولم يكشف عن هويته بسبب قيود تفرضها عليه جهة عمله الحالية تمنعه من التحدث إلى الصحافة عن دوره السابق، يقول "شخصياً، لدي قناعة بأن هذا العالم [الذي يهيمن عليه زوكربيرغ] لن ينوجد [لن تقيد له الحياة]". ويقر الموظف السابق في "ميتا" بأن ذلك ليس مرده إلى تقصير من زوكربيرغ. ويقول: "كثر ينسون أنه عندما استحوذت 'غوغل' على الشركة البريطانية الشهيرة للذكاء الاصطناعي 'ديب مايند' DeepMind [في عام 2014]، كان مارك زوكربيرغ قد حاول شراءها أولاً. ولكنه أخفق، ثم شرع، كما يفعل الآن، في موجة استحواذ واسعة كان من أبرز معالمها استقطاب عالم الحاسوب الفرنسي الشهير يان ليكون Yann LeCun". كان ليكون أحد أبرز الباحثين الأكاديميين الرواد في مجال الذكاء الاصطناعي قبل تأسيسه قسم بحوث الذكاء الاصطناعي في "فيسبوك" Facebook AI Research، ويشغل حالياً منصب كبير علماء الذكاء الاصطناعي في "ميتا". وقد وجه انتقادات إلى "أوبن أي آي" و"ديب مايند" المملوكة من "غوغل" معتبراً أنهما تتبنيان نهجاً بالغ الانغلاق يحكمه هاجس الخوف من الأخطار المحتملة. ويعتقد ليكون أن الذكاء الاصطناعي سيعزز قدرات البشر، وأنه لن يحل محلهم أو يشكل أخطاراً كارثية. وقد صرح في هذا السياق قائلاً: "ننكب على تطوير الجيل المقبل من أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على التفكير والتخطيط وفهم العالم بالطريقة نفسها كما الحيوانات والبشر". ويرى الموظف السابق أن زوكربيرغ يحاول اليوم تكرار حملة الاستحواذ التكنولوجي المحمومة التي قادها سابقاً، ولكنه سيصطدم ببعض العقبات لأن "ميتا" تختلف اليوم عما كانت عليه عام 2014. "فهي تحمل كثيراً من الندوب" على ما يقال. مضيفاً "هي مرت بسلسلة من المشكلات المؤسسية". كذلك، من بين العوامل التي تقف عائقاً أمام "ميتا" هذه الأيام التغير الذي شهده الوضع المالي، إذ إن أفضل المواهب في الذكاء الاصطناعي تطالب الآن بتعويضات تصل إلى ملايين الدولارات، في وقت يعامل الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي وكأنهم نجوم "روك". والعاملان كلاهما يزيد من صعوبة، وتكلفة، جذب المواهب والكفاءات. ولكن "ميتا" حققت بعض النجاحات في استقطاب المواهب إلى قسم الذكاء الاصطناعي التابع لها: فقد انضم مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي "سكيل أي آي" ScaleAI، ألكسندر وانغ، إلى عملاق التكنولوجيا في يونيو (حزيران) الماضي في صفقة استحواذ على حصة من شركته بقيمة 14.3 مليار دولار. يشغل وانغ الآن منصب كبير مسؤولي [كبير الباحثين في] الذكاء الاصطناعي داخل "ميتا"، وقد انضم إليه نات فريدمان، الرئيس التنفيذي السابق لمنصة البرمجة "غيت هاب" GitHub، الذي يشارك في قيادة "مختبر الذكاء الفائق" الجديد الذي أسسه زوكربيرغ، يعاونه موظف جديد آخر هو دانييل غروس. كذلك غادر 12 موظفاً "أوبن أي آي" لينضموا إلى "ميتا"، علماً أن عدداً من هؤلاء كانوا أسهموا في تطوير نماذج "تشات جي بي تي" الأساسية، إضافة إلى بعض من أفضل الكفاءات لدى "أبل" Apple. وتكاد المبالغ المعروضة على هؤلاء الباحثين لا تصدق: ما يصل إلى 300 مليون دولار لكل موظف على مدى أربعة أعوام، وفق بعض التقارير. ومع ذلك يبدو أن الأموال وحدها غير كافية لاستمالة بعض باحثي الذكاء الاصطناعي إلى صف زوكربيرغ وزملائه. وتدور في أروقة هذه الصناعة إشاعات مفادها أن بعض المواهب البارزة رفضت الانتقال إلى "ميتا" على رغم أن مبالغ بمليارات الدولارات قد عرضت عليها، ذلك أنها لا ترغب في العمل مع زوكربيرغ نفسه. وقد أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" هذه المعلومات، مشيرة إلى أن زوكربيرغ قدم شخصياً عرضاً بقيمة مليار دولار على كبير مسؤولي البحوث في "أوبن أي آي"، مارك تشين، عله يتخلى عن الأخيرة لمصلحة "ميتا". ولا يقتصر ضخ الأموال في "ميتا" على استقطاب الكفاءات فحسب، بل يشمل أيضاً الاستثمار في تطوير البنية التحتية اللازمة لتبني الذكاء الاصطناعي على النطاق الواسع الذي يطمح زوكربيرغ وآخرون في جني عائدات مجزية منه. وفي وقت سابق من يوليو (تموز)، أعلن زوكربيرغ عبر شبكته الاجتماعية "ثريدز"، أن "ميتا" تعتزم إنفاق مئات المليارات من الدولارات لبناء مراكز بيانات عملاقة تسهم في تشغيل نماذجها للذكاء الاصطناعي. وفق زوكربيرغ، سيكون مقر "بروميثيوس" في ولاية أوهايو الأميركية، وستبلغ مساحة مركز البيانات الضخم ما يضاهي تقريباً مساحة جزيرة مانهاتن. كذلك من المقرر تشييد مركز بيانات مماثل في ضخامته في ولاية لويزيانا بحلول نهاية العقد الحالي. وسيتطلب تشغيل "بروميثيوس" وحده طاقة كهربائية تقدر بـغيغاواط واحد، أي ما يكفي لتزويد نحو مليون منزل في الولايات المتحدة بالكهرباء. وفي حديثها عن المشروع، تقول المتخصصة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في "جامعة أكسفورد"، كاريسا فيليز، إن حجم الإنفاق المالي الذي تحدثنا عنه سابقاً "يعبر عن التزام حقيقي بالمضي قدماً في هذا الاتجاه". ولكن السؤال الأهم: إذا نجحت رهانات زوكربيرغ المالية الضخمة وتمكنت "ميتا" من تجاوز "أوبن أي آي"، بل أيضاً جميع منافسيها، بما في ذلك "غوغل" التي لا تقل عنها ثراء، فكيف سيبدو العالم حينها؟ وإذا اشتدت المنافسة وتخلى الجميع في الميدان عن الحذر والضوابط التقليدية، فهل سيمتد ذلك أيضاً إلى التنازل عن الضوابط الأخلاقية والتقنية [التي تهدف إلى حماية البشرية من أخطار الذكاء الاصطناعي]؟ يتوقع المتخصصون أن يدمج الذكاء الاصطناعي إلى حد أوسع في حياتنا اليومية. من بين هؤلاء مايكل فيل، بروفيسور مساعد في القانون في "كلية لندن الجامعية"، إذ يقول إن "ميتا" أصبحت بالفعل منصة متغلغلة في كثير من جوانب حياة الناس، مشيراً إلى منصات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب" التي نعتمد عليها للتفاعل مع بعضنا بعضاً. بالتالي، كما يضيف لديها قدرة أكبر بكثير من "أوبن أي آي" على نشر أدوات تمكنها من الوصول إلى بيانات الأفراد واتصالاتهم، واستخدامها. ويضيف فيل، أن ذلك [دمج الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية]، ليس بالضرورة تطوراً إيجاباً. ويضيف، "في هذه المرحلة، يجب أن ينصب اهتمام الناس على كيفية [على أي وجه يجري] دمج هذه المنتجات في خدمات مصممة لتحقيق أرباح أو استخراج أقصى قدر ممكن من القيمة التجارية من سلوك المستخدمين وبياناتهم، بدلاً من الانشغال كثيراً بالتصورات المستقبلية البراقة التي تهدف أساساً إلى جذب التغطية الإعلامية وتأجيج زخم الضجة التسويقية". المخاوف نفسها تختلج فيليز، المتخصصة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إذ ترى أن "نوع الذكاء الاصطناعي الذي نستخدمه حالياً ونوع التصميمات التي نشهدها، يبدوان شديدي التطفل، وربما تكون 'ميتا' الأقل جدارة بالثقة بين الشركات جميعها، وفي ذلك ما يكفي للدلالة على حجم المشكلة". وتشير فيليز إلى تاريخ الشركة في كيفية تصميم "فيسبوك" منذ بداياته، بما في ذلك التصريحات السلبية الأولى التي أدلى بها مارك زوكربيرغ واصفاً فيها المستخدمين الذين سلموا بياناتهم له في الأيام الأولى للمنصة بـ"الحمقى"، إلى جانب الجدل الذي واجهته الشركة بسبب قضية "كامبريدج أناليتيكا" [التي جمعت "بيانات شخصية" حول ملايين المستخدمين على "فيسبوك" من دون موافقتهم قبل أن تستغلها لأغراض "الدعاية السياسية"]. وتقول فيليز: "عند التفكير في شركة لا يزال نموذج أعمالها قائماً على المراقبة، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي بناءً على هذا النهج شديد الاعتماد على المراقبة يدعو من غير شك إلى القلق". يذكر أن "ميتا" لم ترد على طلب "اندبندنت" تقديم أي تعقيبات في هذا الشأن. إذا كان ثمة من يملك القدرة على تحويل الذكاء الاصطناعي إلى مشروع يدر الأرباح، فهو زوكربيرغ، وفق المتخصصين في هذا القطاع. يوضح فيل: "على خلاف 'أوبن أي آي'، تتمتع 'ميتا' بسجل حافل في جني الأرباح من التكنولوجيا بدلاً من الاعتماد فقط على رؤوس أموال المستثمرين". ويضيف، "من الناحية المؤسسية، ربما أصبحت 'أوبن أي آي' تدرك، كما حدث في تعاملها مع 'مايكروسوفت'، أن لاعبين كباراً ومؤثرين دخلوا إلى الساحة. أما ما إذا كان زوكربيرغ يحسب ضمن هؤلاء عام 2025، فتبقى الإجابة رهناً بما يحمله المستقبل".