
ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 19% على إندونيسيا
يأتي ذلك في حين يواصل ترامب الضغط من أجل ما يعتبرها شروطا أفضل مع الشركاء التجاريين وسبيلا لتقليص العجز التجاري الأميركي الكبير.
والاتفاق مع إندونيسيا، الشريك التجاري الصغير نسبيا للولايات المتحدة، من بين عدد قليل من الاتفاقات التي أبرمتها إدارة ترامب حتى الآن قبل انقضاء مهلة في أول أغسطس/ آب لرفع الرسوم الجمركية على معظم الواردات مرة أخرى.
وقال ترامب في البيت الأبيض عن الاتفاق مع إندونيسيا: "سيدفعون 19% ولن ندفع شيئا.. سيكون لدينا وصول كامل إلى إندونيسيا، ولدينا اتفاقان سيتم الإعلان عنهما".
شراء منتجات أميركية
وذكر ترامب في وقت لاحق عبر منصة تروث سوشيال أن إندونيسيا وافقت على شراء منتجات طاقة أميركية قيمتها 15 مليار دولار، ومنتجات زراعية بقيمة 4.5 مليارات دولار، بالإضافة إلى 50 طائرة بوينغ ، لكن لم يحدد إطارا زمنيا للشراء".
وإندونيسيا ليست ضمن أكبر 15 شريكا تجاريا للولايات المتحدة، إذ بلغ إجمالي تجارتهما ما يقل قليلا عن 40 مليار دولار في عام 2024، لكنه يسجل نموا.
وارتفعت صادرات الولايات المتحدة إلى إندونيسيا 3.7% العام الماضي، بينما ارتفعت الواردات 4.8%، مما جعل الولايات المتحدة تسجل عجزا تجاريا مع إندونيسيا قارب 18 مليار دولار.
ونقلت رويترز عن سوسيويجونو موجيارسو، وهو مسؤول كبير في وزارة التنسيق الإندونيسية للشؤون الاقتصادية، قوله: "نعد بيانا مشتركا بين الولايات المتحدة وإندونيسيا سيوضح حجم الرسوم الجمركية المضادة لإندونيسيا بما في ذلك اتفاق الرسوم الجمركية والترتيبات غير الجمركية والتجارية. سنبلغ (الجمهور) قريبا".
وتمنح المهلة حتى أول أغسطس/ آب الدول المستهدفة الوقت الكافي للتفاوض على اتفاقيات يمكن أن تخفض الرسوم الجمركية التي هدد بها ترامب، كما لاحظ بعض المستثمرين وخبراء الاقتصاد اتجاه ترامب إلى التراجع عن تهديداته بشأن الرسوم الجمركية.
ومنذ إطلاقه لسياسة الرسوم الجمركية، لم يبرم ترامب سوى عدد قليل من الاتفاقات، منها اتفاقان إطاريان مع بريطانيا وفيتنام واتفاق مؤقت مع الصين لتفادي فرض ترامب لرسوم جمركية أشد في حين تستمر المفاوضات بين واشنطن وبكين.
وقال ترامب إن المحادثات مع الهند تسير في اتجاه مماثل.
المفاوضات مع أوروبا
جاءت الانفراجة مع إندونيسيا في حين تستعد المفوضية الأوروبية، التي تشرف على التجارة في الاتحاد الأوروبي ، لاستهداف سلع أميركية بقيمة 72 مليار يورو (84.1 مليار دولار) برسوم جمركية محتملة إذا فشلت المحادثات التجارية مع واشنطن.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أول/ أغسطس آب، وهي نسبة قال مسؤولون أوروبيون إنها "غير مقبولة على الإطلاق".
وأحجم الاتحاد الأوروبي حتى الآن عن اتخاذ تدابير للرد سعيا لتجنب التصعيد المتبادل في الحرب التجارية، بينما لا تزال هناك فرصة للتفاوض على نتيجة أفضل، لكن وزراء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل أمس الاثنين كانوا أقرب إلى اتخاذ إجراءات للرد على ما يبدو.
وقال مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي ماروش شفتشوفيتش إنه يعتقد أنه "من الممكن مواصلة المفاوضات"، لكنه عبر عن خيبة أمله في عدم قدرة واشنطن على التوصل إلى اتفاق مع أكبر شريك تجاري لها.
وقال: "الاتحاد الأوروبي.. لا يتخلى أبدا عن بذل جهد حقيقي، خاصة بالنظر إلى العمل الشاق الذي بذل بالفعل، ومدى قربنا من التوصل إلى اتفاق والفوائد الواضحة للحل التفاوضي.. لكن مثلما قلت من قبل، يد واحدة لا تصفق".
وأضاف أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقت على أن التكتل الذي يضم 27 دولة سيتعين عليه اتخاذ تدابير للرد إذا فشلت المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب يزيد الضغط على باول بزيارة المركزي الأميركي
قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيزور مجلس الاحتياطي الفدرالي اليوم الخميس، في خطوة مفاجئة تصعد التوتر بين البنك المركزي والإدارة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا رئيس المجلس جيروم باول لعدم خفضه أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة، ووصفه بأنه "أحمق"، وعبّر علنا عن رغبته في إقالته. وكان الرئيس الجمهوري قد رشح باول لمنصب رئيس مجلس الاحتياطي خلال فترة ولايته الأولى، لكنه لم يرُق له اختياره بسبب الخلافات حول أسعار الفائدة والاقتصاد. ورشحه كذلك الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن لولاية ثانية. واتهم مسؤولو البيت الأبيض مجلس الاحتياطي بسوء إدارة عملية تجديد مبنيين تاريخيين في واشنطن العاصمة، مشيرين إلى ضعف الرقابة واحتمال حدوث احتيال. انتقادات وتهديد وتسببت الانتقادات العلنية التي وجهها ترامب لباول وتلميحه إلى احتمال إقالته في اضطراب الأسواق المالية سابقا وتهديد الدعامة الرئيسية للنظام المالي العالمي المتمثلة في أن البنوك المركزية مستقلة وبعيدة عن التدخل السياسي. وعادة ما يحجم الرؤساء الأميركيون عن التعليق على سياسة مجلس الاحتياطي احتراما لاستقلاليته لكن ترامب، الذي ينسف أسلوبه في الحكم الأعراف السياسية، لم يتبع هذا المثال. فمنذ عودته إلى منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، هاجم ترامب المؤسسات من شركات المحاماة إلى الجامعات والمؤسسات الإعلامية في محاولة لإعادة تشكيل المجتمع الأميركي بما يتماشى مع رؤيته. واستخدم اللهجة الحادة نفسها ضد مجلس الاحتياطي في محاولة للضغط على باول لخفض سعر الفائدة ، وألقى باللوم عليه لعدم تحفيز الاقتصاد بشكل أكبر.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
اتفاق التجارة الأميركي الياباني يجنّب الاقتصاد العالمي السيناريو الأسوأ
أكدت وكالة رويترز -في تحليل نشرته أمس الأربعاء- أن الاتفاق التجاري الذي توصلت إليه الولايات المتحدة واليابان قد يشكّل مرجعاً أساسياً للعديد من الاتفاقات التي يجري التفاوض بشأنها حالياً مع واشنطن، مرجحة أن الاقتصاد العالمي يمكنه أن يتكيّف مع مستوى الرسوم الجديد البالغ 15%. وبحسب الوكالة، ينص الاتفاق على: خفض الرسوم الجمركية على واردات السيارات اليابانية إلى 15% بعدما كانت تبلغ 27.5%. خفض الرسوم التي كان من المفترض أن تُطبق على سلع يابانية أخرى اعتباراً من الأول من أغسطس/آب، من 25% إلى 15%. ويُعد الاتفاق مع رابع أكبر اقتصاد في العالم الأكثر أهمية ضمن سلسلة من الاتفاقات التي أبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن، إذ يتضمن التزامات استثمارية وقروضاً موجّهة نحو السوق الأميركية، ويزيد من الضغوط على الصين والاتحاد الأوروبي اللذين يواجهان مواعيد حاسمة خلال أغسطس/آب، وفقاً لما ذكرته رويترز. الرسوم لا تزال مرتفعة لكن يمكن التعايش معها ورغم أن مستوى 15% لا يُعد منخفضاً، فقد نقلت رويترز عن عدد من الاقتصاديين أن مثل هذا المستوى يظل مقبولاً مقارنةً بحالة الغموض السابقة التي جعلت من المستحيل على الشركات وضع خطط استثمارية واضحة. وأشار موهيت كومار كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة "جيفريز" إلى أن "متوسط الرسوم الجمركية الأميركية بلغ حوالي 2.5% عام 2024، بينما يقف حالياً عند نحو 17%" وذلك في إشارة إلى الزيادة التي أعقبت إعلان ترامب في الثاني من أبريل/نيسان عن يوم "تحرير التجارة". وأوضح كومار "السيناريو المرجّح هو أن تستقر الرسوم الجمركية في حدود 15%، رغم أن الاتفاقات الأخيرة توحي بإمكانية تجاوز هذا المستوى قليلاً". وأضاف "من منظور الاقتصاد الكلي، هذا تطور سلبي، ولكن يمكن للاقتصاد العالمي تحمّله". ارتياح بالأسواق ومكاسب قطاع السيارات وقالت رويترز إن الأسواق المالية أظهرت ارتياحاً ملحوظاً بعد الإعلان عن الاتفاق. فقد قفز مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 3.5% أمس قبل أن يواصل الارتفاع اليوم ويسجل زيادة بـ2.2%. وارتفعت أسهم شركات السيارات الأوروبية على خلفية آمال بتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مماثل مع واشنطن. وفي هذا السياق، صرّح ديريك هالبيني رئيس وحدة الأبحاث في بنك "إم يو إف جي" في لندن بأن "المعيار الجديد للاقتصادات الكبرى سيكون بين 10% و15%، مع احتمالات فرض مستويات أعلى قليلاً على الدول الأصغر". وقال دان هيرلي خبير المحافظ لدى "تي روي برايس" في تعليقات عبر البريد الإلكتروني "تؤكد هذه الصفقة التجارية مع الولايات المتحدة مجددا على العلاقة على المستويين الإستراتيجي والاقتصادي.. على أساس 3-5 سنوات، ما زلنا متفائلين بشأن الأسهم اليابانية.. التقييمات ليست مبالغا فيها بأي حال من الأحوال". وبعد توقيف الاتفاق أمس، ارتفعت أسهم شركة "فولفو" بأكثر من 10%، بينما صعدت أسهم شركات "بورشه"، و"بي إم دبليو"، و"مرسيدس-بنز"، و"فولكسفاغن" بين 4% و7%. وتعد هذه الشركات من أبرز المصدرين إلى السوق الأميركية، مما يجعلها من أكثر المستفيدين من أي تهدئة بالسياسات الجمركية. وقال جيم ريد محلل الأسواق في "دويتشه بنك" إن الأنباء الإيجابية حول الاتفاق "ساعدت على تبديد مخاوف المستثمرين من احتمال عودة الرسوم إلى مستويات مرتفعة مطلع أغسطس" لكنه أشار في المقابل إلى أن "التهديدات لا تزال قائمة بالنسبة لعدد من الاقتصادات الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي (30%) وكندا (35%) والبرازيل (50%)". وأضاف "نعرف من التجربة السابقة أن تفاصيل الاتفاقات قد لا تتضح إلا في اللحظات الأخيرة". أثر على التضخم الأميركي وأشارت رويترز إلى أن توقعات التضخم الأميركي على المدى الطويل تراجعت قليلاً عقب الاتفاق، مما قد يفسح المجال أمام الاحتياطي الفدرالي الأميركي لتخفيض أسعار الفائدة لاحقاً هذا العام. ولكن الوكالة أوضحت أن الأسواق لا تزال ترى احتمالات شبه معدومة لإجراء خفض في أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل للمجلس، في حين لا تتوقع الأسواق أول خفض فعلي للفائدة قبل أكتوبر/تشرين الأول المقبل. الاتحاد الأوروبي بمواجهة اختبار الرسوم وقالت رويترز إن الاتحاد الأوروبي، الذي يتولى التفاوض التجاري نيابةً عن الدول الأعضاء الـ27، قد يكون الجهة التالية في لائحة واشنطن. فقد أعلن الرئيس ترامب أنه سيُطبّق رسوماً بنسبة 30% على الصادرات الأوروبية اعتباراً من الأول من أغسطس/آب المقبل، وهو ما دفع الاتحاد إلى التهديد بإجراءات مضادة. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أوروبيين أن مثل هذا المستوى من الرسوم سيكون له أثر بالغ السلبية على اقتصاد القارة الذي يعتمد بشكل رئيسي على التبادل التجاري، وقد يؤدي إلى تدمير قطاعات كاملة من التجارة العابرة للأطلسي. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي كان يأمل في التوصل إلى اتفاق على مستوى 10%، لكنه بات يتوقع الآن معدلات أعلى بعد فشل المفاوضات السابقة في كبح التوجه الأميركي. الصين أمام مهلة مصيرية وتواجه الصين مهلة نهائية في 12 من أغسطس/آب المقبل، حيث ستُعاد تفعيل رسوم أميركية تصل إلى 145% على صادراتها، مقابل رسوم بنسبة 125% على البضائع الأميركية المتجهة إلى الصين، في حال عدم التوصل إلى اتفاق أو تمديد المفاوضات. وأكدت مؤسسة "آي إن جي" المالية أن الاتفاق الأميركي الياباني "سيزيد الضغوط على مصدّري آسيا الكبار لإبرام صفقات أفضل" مشيرة إلى أن "اتفاقات قد أُبرمت بالفعل مع الفلبين وإندونيسيا، ومن المتوقع التوصل إلى اتفاقات إضافية قبل الأول من أغسطس/آب". وبحسب رويترز، فإن اتفاق التجارة الأميركي الياباني قد يكون بمثابة إنقاذ مرحلي لتفادي أزمة تجارية عالمية كانت وشيكة، لكنه لا يشكّل بالضرورة نهاية مسار المواجهات التجارية المتصاعدة.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
ترامب.. رقصة النهاية أم تأكيد الهيمنة؟ (1)
بينما يصوَّر أحيانًا كظاهرة شعبوية عابرة، يبدو دونالد ترامب في الواقع تعبيرًا صريحًا عن مرحلة انتقالية خطيرة في النظام العالمي، حيث تُختبر فيه أسس الهيمنة الأميركية القديمة أمام تحديات عالم متغير، ومجتمع داخلي منقسم. في هذا المقال، لا نتحدث عن مؤامرة، بل عن تخطيط إستراتيجي ديناميكي تمارسه الدول الكبرى منذ قرون. هذا النوع من التخطيط يتأثر بالبيئة ويتفاعل معها، لكنه يحتفظ بثبات إستراتيجي في الأهداف الكبرى: الهيمنة، والتفوق، وفرض القواعد. أما التكتيكات، فهي تتغير بحسب المرحلة والظروف. سنركّز في هذا السياق على أوروبا، والشرق الأوسط، والشرق الأقصى، والصين، لأنها تمثل مناطق الصراع الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، محور هذا المقال بالأساس، وفيها أعظم وأقوى الحلفاء والخصوم الذين يشكلون ملامح التحدي الحقيقي أمام استمرار الهيمنة الأميركية. إذا كانت أميركا قد وصلت إلى القمة، فإن هذا الموقع قد أصابها بشيء من التكبر وخمول القمة، بينما تنشط اليوم مناطق أخرى أكثر حيوية وقدرة على الإنتاج والنمو، ما يهدد بتغيير موازين القوة القواعد تُصنع لا تُتبع القوة في العلاقات الدولية لم تعد تقتصر على الجيوش، بل أصبحت متعددة الأبعاد: تكنولوجية، ومالية، وثقافية، ومعرفية.. إن من يمتلك القدرة على تشريع القواعد وتعديلها يمتلك بالضرورة سلطة الهيمنة، خاصة إذا كانت مدعومة برأسمال ضخم وبنية معرفية عالية. في أعقاب الحرب العالمية الثانية تبنّت الولايات المتحدة شعارات جذابة، تحترم الروح القومية المتصاعدة آنذاك، واستخدمت هذه الشعارات كأداة لإعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة تضمن بقاءها في موقع القيادة، وتمنحها شرعية واسعة في أعين الشعوب والحكومات التي سعت لإدماجها في منظومتها؛ حيث صاغت النظام العالمي الجديد، مؤسسات وقواعد، واستثمرت في حلفاء يمكن الاعتماد عليهم، مع ضمان تبعيتهم الناعمة لها. بذلك، استطاعت واشنطن تحقيق سيطرة فعالة دون صدام مباشر، وهذا الترتيب جاء بعد أن استُنزف الغرب الأوروبي في الحرب، وورثت أميركا قيادة المشروع الغربي الذي جمع بين الرأسمالية والليبرالية والديمقراطية. هذا، لا يعني بالضرورة أن الأطراف الأخرى كانت جاهلة بما تفعله القوى الكبرى (وإن لم تكن دائمًا معلَنة بكل تفاصيلها)، ولكنها ربما كانت غير قادرة على التحرك لإيقاف هذا المخطط. ولهذا، تتبنى الدول والتنظيمات الأقل قوة أحيانًا سياسة المجاراة، حتى تتمكن من تغيير الوضع لمصلحتها لاحقًا، أو الاندماج في الإستراتيجية القائمة، ما دامت أنها تحقق لها بعض المكاسب المرحلية التي يمكن استثمارها مستقبلًا لتحسين وضعها. ولكن أميركا- وكأي قوة عظمى- أنهكت نفسها من أجل بسط سيطرتها، فالعالم اليوم لا يشبه ما كان عليه عشية الحرب العالمية الثانية.. كثير من الدول تعلمت الدرس، وخبرت كيف تُدار الأمور وفق القواعد التي وضعتها الحضارة الغربية، واكتسبت فهمًا عميقًا لدهاليز النظام العالمي، وطريقة تفكير الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قد وصلت إلى القمة، فإن هذا الموقع قد أصابها بشيء من التكبر وخمول القمة، بينما تنشط اليوم مناطق أخرى أكثر حيوية وقدرة على الإنتاج والنمو، ما يهدد بتغيير موازين القوة. التحدي الداخلي: الديمقراطيون كخصم إستراتيجي؟ تعيش الولايات المتحدة الأميركية اليوم لحظة فارقة من تاريخها السياسي، إذ وجدت نفسها أمام تحدٍّ خطير يفرض إعادة النظر في مكانتها كقوة مهيمنة في العالم. غير أن هذه الضرورة الإستراتيجية اصطدمت بانقسام داخلي حاد حول الكيفية المثلى للتعامل مع الأزمة، رغم وجود اتفاق عام بين مختلف التيارات على أن ثمة خللًا حقيقيًّا يهدد استمرار الدور الأميركي القيادي عالميًّا. ففي قلب هذا الانقسام، تظهر معضلة جوهرية: أيجب أن يوجَّه فائض الأرباح نحو تعزيز الرفاه الاجتماعي والاستقرار الداخلي، وتقليل الفوارق الطبقية، أم ينبغي توجيه هذا الفائض نحو دعم كبرى الشركات وتمكينها من إعادة توطين الإنتاج الصناعي في الداخل، لتعويض ما خسرته أميركا من قدرات صناعية خلال العقود الماضية، بعد أن أهمل الغرب الصناعة لصالح التكنولوجيا وتركها لآسيا، حيث برزت قوى شرقية تنافس الغرب في مجالات حيوية كانت حصرًا عليه؟ هذا التوتر، بين التوزيع الاجتماعي للثروة وإعادة بناء القوة الاقتصادية، يدفع بالصراع الأميركي إلى مستويات أعمق من مجرد خلاف حزبي تقليدي. ففي المعسكر الليبرالي، وتحديدًا داخل الحزب الديمقراطي، تتصاعد أصوات التيار التقدمي المدافعة عن قضايا اجتماعية وحقوقية، قد تبدو في غير محلها في ظل السياق الجيوسياسي الراهن؛ إذ تساهم هذه القضايا- من حيث لا تدري- في تشتيت الجهود وصرف الانتباه عن جوهر الصراع: استعادة الهيمنة العالمية. أما التيار المعتدل داخل الحزب ذاته، فيجد نفسه مضطرًا للتماهي مع هذه المطالب التقدمية، بحكم ارتباطه بشريحة من قاعدته الانتخابية. في المقابل، استطاع دونالد ترامب، بعد عودته إلى سدة الحكم 2025 توحيد البيت الجمهوري خلفه، وهو يسعى الآن لتوسيع هذا التماسك إلى نطاق وطني. وقد ركّز بشكل ملحوظ على مهاجمة التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي؛ لأنه يشكّل الحلقة الأضعف جماهيريًّا، ما يجعل ضربه أسهل وسيلة لزعزعة صورة الحزب ككل، دون الدخول في تعقيدات الصراع مع بقية التيارات، أو طرح بدائل تفصيلية لسياساته. يرى ترامب أن الحل يكمن في تبني خيارات اقتصادية قاسية، تتطلب خفضًا في التكاليف الإنتاجية، وهو ما يعني بالضرورة إفقار بعض الطبقات داخل المجتمع الأميركي. وهذه الفئات، بإحساسها المتنامي بالظلم، تصبح وقودًا لاضطرابات داخلية قد تقوّض الاستقرار الأميركي من الداخل، خاصة أن الشعور بالظلم كان ولا يزال من أقوى محركات الفعل الجماعي في التاريخ البشري، وهذا بدوره سيغذي الحزب الديمقراطي، مما سيدفع نحو مزيد من التوتر. وبينما يرى ترامب أن الدولة الأميركية لم تعد تملك ترف التساهل أو اللين، فإن التيارات التقدمية تتعامل- من وجهة نظره- برؤية لا تعترف بخطورة التحديات التي تواجه أميركا، وتبدو كأنها منفصلة عن الواقع. إن التحدي الأكبر للولايات المتحدة اليوم لا يأتي من الخارج فقط، بل من الداخل أيضًا؛ فالفشل في إيجاد توازن بين المطالب الاجتماعية الضرورية من جهة، ومتطلبات إعادة بناء القوة الاقتصادية من جهة أخرى، قد يسرّع انحدار الولايات المتحدة إلى نقطة تصعب العودة منها. وما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن كلا الطرفين يمتلك جزءًا من الحقيقة، مما يوسّع الهوة بينهما، ويجعل التوصل إلى أرضية مشتركة أمرًا بالغ الصعوبة. وفي ظل استمرار هذا الانقسام العميق، يبدو أن ثمة سيناريوهين محتملين: إما بروز شخصية قوية قادرة على فرض رؤيتها، وتوحيد الداخل خلفها بالقوة إن لزم الأمر، وهو ما يسعى ترامب لتجسيده؛ أو استمرار التشرذم والانقسام، ما قد يؤدي إلى إضعاف أميركا من الداخل، حتى قبل أن تخسر موقعها في النظام العالمي. يقدم ترامب المعركة على أنها ليست فقط ضد خصومه في الحزب الديمقراطي، بل ضد حالة من التراخي والتفكك الداخلي الذي يراه الخطر؛ فهو يخوض معركة على جبهتين: داخلية تمس هوية الدولة واتجاهها الاقتصادي والاجتماعي، وخارجية تتعلق بإعادة فرض الهيمنة الأميركية على عالم بات أقل استعدادًا للخضوع. أوروبا: الحليف المنهك التحالف الأميركي الأوروبي، الذي شكّل محور الهيمنة الغربية بعد الحرب، بدأ يفقد بريقه. أوروبا، الغارقة في البيروقراطية، لم تعد تملك نفس القوة التي كانت تؤهلها للعب دور الشريك الرئيسي كما في السابق، خاصة بعد أن فقدت الكثير من نفوذها في مناطق مثل أفريقيا لصالح قوى صاعدة كالصين وروسيا وبعض دول الخليج العربي. بالضرورة، لا تسعى الولايات المتحدة إلى التخلص من حليفها الأوروبي، بل إلى إعادة تقييم العلاقة، وصياغة شراكة جديدة تنسجم مع موازين القوة الراهنة في العالم. يمثل ترامب القوة التي تتبى رؤية أن أوروبا لم تعد تحتل ذات المكانة الإستراتيجية التي كانت لها في السابق، وهو يسعى لدفعها لتحمل جزء أكبر من أعباء الدفاع عن هذا الثغر. هذا التوجه لا ينبع من عداء، بل من قراءة واقعية لمعادلات النفوذ المتغيرة، حيث أصبحت مناطق مثل الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر حيوية وتأثيرًا في المستقبل. ومن خلال هذا، يسعى ترامب إلى إعادة توزيع النفوذ بطريقة تُبقي الولايات المتحدة في موقع القيادة، عبر تدوير التحالفات والسيطرة على سلم الصعود والهبوط الدولي، بحيث تظل أميركا طرفًا لا غنى عنه لكل من يطمح إلى الصعود أو يخشى التراجع. لقد تبنّت أميركا قيادة العالم من بعد بريطانيا كوريث شرعي لقيم ومؤسسات الغرب، خاصة بعد أن استُنزف الغرب الأوروبي بالحرب العالمية، بينما كانت أميركا- التي نشأت من رحم مجتمعات مشابهة لأوروبا- مستعدة لحمل الراية الغربية: الديمقراطية، والرأسمالية، والليبرالية. سعت واشنطن لاحتواء الحلفاء القدامى ودعمهم لضمان تبعيتهم المستمرة ضمن نظام عالمي جديد تقوده هي. ومن بين أبرز محفزات هذا التحالف كان التهديد المستمر من الشرق (الاتحاد السوفياتي)، الذي برز بعد الحرب كقوة كبرى تهدد الهيمنة الغربية. لقد شكل الاتحاد السوفياتي تهديدًا دائمًا للقارة، وهو ما منح أميركا شرعية لحماية أوروبا وتوسيع نفوذها من خلال الناتو. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، تمادت واشنطن في التمدد شرقًا، مما أشعر روسيا- وريثة الاتحاد السوفياتي- بالحصار والتهميش. إعلان وعادت موسكو اليوم، من خلال حربها في أوكرانيا، لتشكل تهديدًا جديدًا للمنظومة الغربية، تسعى أميركا لاستثماره على أكثر من صعيد: من خلال تحفيز أوروبا على الاصطفاف من جديد تحت رايتها وفقًا لشروط جديدة، واستنزاف روسيا في حرب تدور على عتبة دارها. تُدرك واشنطن أن روسيا اليوم ليست خصمًا مكافئًا، لكنها تمثل تهديدًا يُمكن توظيفه لإعادة إنتاج قيادة أميركا للتحالف الغربي، مع كلفة منخفضة نسبيًّا، ريثما تتفرغ للمواجهة الكبرى مع الصين، التي من المرجح أن تتحالف مع روسيا (لذلك تفضل روسيا أضعف وأقرب للغرب) في حال دارت حرب بينها وبين أميركا. هكذا ترى أميركا أن الخطر الروسي هو أداة ضغط وشرعية لإعادة هندسة التحالفات الأوروبية، بينما تبقى الصين الخطر الأكبر والأكثر جدية في الصراع العالمي المقبل. هكذا تبدو التحديات التي تواجه ترامب في الغرب، فماذا عن الشرق؟. هذا ما نستعرضه في الجزء الثاني من المقال.