logo
Tunisie Telegraph الإتحاد الأوروبي اليوم: مكيافيللي في بروكسل … وقيم في المزاد

Tunisie Telegraph الإتحاد الأوروبي اليوم: مكيافيللي في بروكسل … وقيم في المزاد

تونس تليغراف٢٠-٠٧-٢٠٢٥
في أعقاب الانتخابات الأوروبية الأخيرة، لم يكن صعود الأحزاب المتطرفة، من اليمين الشعبوي إلى الفاشيين الجدد، مجرد حدث سياسي عابر، بل كان مؤشّرًا صارخًا على التحول العميق الذي يشهده البرلمان الأوروبي. تحالفات هجينة، لا يجمع بينها سوى هوس السلطة، وغياب المبادئ، وشعارات فضفاضة لا تصمد أمام أول اختبار جاد. تحالفات تشبه في بنيتها وغاياتها تحالفات 'الضباع'، حيث لا مكان للقيم، بل لمصالح آنية تُطبخ في كواليس السياسة الأوروبية بعيدًا عن أعين الشعوب.
باتت مؤسسات الاتحاد، التي لطالما تغنت بالشفافية والمساءلة، أسيرة ازدواجية خطيرة. ففي الوقت الذي ترفع فيه شعارات مكافحة الفساد، تُسجل حالات متكررة لنواب ومسؤولين متورطين في فضائح مالية، ورشاوى سياسية، وعلاقات مشبوهة مع أنظمة استبدادية.
من أبرز هذه الفضائح ما عُرف باسم 'قطرغيت' (Qatargate)، وهي فضيحة مدوية انفجرت في ديسمبر 2022، عندما تم إيقاف نائبة رئيس البرلمان الأوروبي السابقة إيفا كايلي (Eva Kaili)، وهي نائبة يونانية تنتمي إلى مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين، بشبهة تلقيها مبالغ مالية ضخمة وهدايا فاخرة من حكومة قطر (ثم لاحقًا ذكرت التحقيقات المغرب أيضًا)، مقابل التأثير على قرارات البرلمان بشأن ملفات تتعلق بحقوق الإنسان والتعاون الاقتصادي. تم العثور في شقتها على حقائب مليئة بالنقود، ما جعل القضية تتحول إلى زلزال سياسي داخل المؤسسة الأوروبية.
ولم تكن كايلي وحدها في قفص الاتهام. فقد شملت التحقيقات أيضًا نوابًا آخرين، مثل الإيطالي بيير أنطونيو بانزيري (Pier Antonio Panzeri)، النائب السابق الذي وُصف بأنه 'العقل المدبر' للشبكة، إضافة إلى مساعدين برلمانيين وشخصيات مؤثرة في دوائر القرار الأوروبي.
أما على مستوى المفوضية الأوروبية، فلا تزال أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، تواجه ضغوطًا متزايدة بشأن صفقة شراء لقاحات 'فايزر' خلال أزمة كوفيد-19. حيث كشفت صحيفة New York Times ومؤسسات صحفية أوروبية عن اختفاء الرسائل النصية الخاصة بها مع الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، والتي قيل إنها كانت وراء إبرام صفقة بقيمة تفوق 35 مليار يورو، وسط غياب تام للشفافية. رغم طلب البرلمان الأوروبي فتح تحقيق رسمي، إلا أن فون دير لاين رفضت التعاون الكامل، ما فُسر بأنه تستر على ممارسات غير قانونية.
في ظل هذا الواقع، لم يعد خطاب الاتحاد حول 'قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان' يقنع الكثيرين. إذ ثبت، في مناسبات عدّة، أن هذه المبادئ ليست سوى أدوات ناعمة لتبرير سياسات انتقائية، تُستخدم ضد الخصوم وتُعطّل عندما يتعلق الأمر بحلفاء نافذين، أو بمصالح اقتصادية وجيوسياسية أكبر من أن تُهددها الأخلاقيات.
لقد بات الاتحاد الأوروبي، في نظر كثير من المراقبين، يشبه كارتيلًا سياسيًا يتستر خلف خطاب إنساني، بينما يمارس خلف الستار سلوكًا براغماتيًا لا يختلف كثيرًا عن ما جاء في كتاب 'الأمير' لميكافيللي، حيث تُبرر الغاية الوسيلة، وتُغلف الانتهازية بغلاف المبادئ.
في السنوات الأخيرة، سقط القناع أكثر من مرة: من الموقف المزدوج تجاه قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، إلى التواطؤ الضمني مع أنظمة قمعية، مرورًا بممارسات طرد اللاجئين، وازدواجية التعاطي مع الحروب والمآسي الإنسانية.
وفي هذا السياق، تعمدت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تنفيذ عمليات طرد قسري لمهاجرين وطالبي لجوء، دون احترام للإجراءات القانونية، وأحيانًا رغم وجود قرارات قضائية صريحة تمنع ذلك. ففي ألمانيا وفرنسا، وثّقت منظمات حقوقية تنفيذ عمليات ترحيل ليلي، أو خلال عطلات نهاية الأسبوع، في تجاهل متعمد لأوامر وقف التنفيذ الصادرة عن المحاكم. أما في دول مثل المجر وبلغاريا، فقد رُصدت حالات طرد جماعي عبر الحدود تُعرف بعمليات Pushbacks، يُستخدم فيها العنف، في انتهاك صريح للقانون الدولي. وفي إيطاليا، رغم اعتراض المحاكم، أبرمت الحكومة اتفاقيات مع دول شمال إفريقيا لترحيل مهاجرين إلى أماكن غير آمنة، ضاربة عرض الحائط بمبدأ عدم الإعادة القسرية. هذه الممارسات تكشف مجددًا مدى الانفصام بين الخطاب الحقوقي الأوروبي، والواقع الذي يُدار بمنطق المصلحة السياسية البحتة.
اليوم، لم يفقد الاتحاد الأوروبي فقط بريقه، بل انكشف زيف هذا البريق. لم يعد ذلك الكيان الحالم الذي بُني على أنقاض الحرب العالمية لتوحيد القارة على أسس العدالة والكرامة. لقد صار في نظر كثيرين مجرد قوة كبرى تبحث عن النفوذ، شأنه شأن سائر القوى، ولكن بأقنعة أنيقة وديباجات حقوقية لا تصمد طويلًا أمام الواقع.
ويبقى السؤال المطروح: هل لا يزال بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يستعيد روحه وقيمه التأسيسية؟ أم أنه انحدر بالفعل إلى مستوى لا رجعة فيه من التناقض والانتهازية السياسية؟ الجواب تحمله الأيام، لكن الشواهد الحالية لا تدعو إلى كثير من التفاؤل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زيلينسكي يفرض عقوبات على شركات من روسيا والصين وإيران والإمارات
زيلينسكي يفرض عقوبات على شركات من روسيا والصين وإيران والإمارات

الصحفيين بصفاقس

timeمنذ يوم واحد

  • الصحفيين بصفاقس

زيلينسكي يفرض عقوبات على شركات من روسيا والصين وإيران والإمارات

زيلينسكي يفرض عقوبات على شركات من روسيا والصين وإيران والإمارات 28 جويلية، 09:01 وقع فلاديمير زيلينسكي مرسوما بفرض عقوبات على عدد من المواطنين الروس، بالإضافة إلى كيانات قانونية من روسيا والصين والإمارات وإيران. وأشار مفوض العقوبات فلاديسلاف فلاسيوك على فيسبوك، إلى أن العقوبات التي فرضتها أوكرانيا تزامنت مع الحزمة الثامنة عشرة من القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي. ووفقا له، شملت العقوبات 'شركات من الاتحاد الروسي والصين والإمارات العربية المتحدة وإيران وغيرها من الهياكل'، والتي، يزعم الجانب الأوكراني بأنها 'مرتبطة بأسطول الظل، وتوريد السلع ذات الاستخدام المزدوج للتحايل على العقوبات، وكذلك بالمجمع الصناعي العسكري الروسي'. وأضاف أن نظام كييف فرض أيضا عقوبات على شركات وأفراد 'مرتبطين باستخراج ومعالجة وتوريد المعادن الأرضية النادرة'. ويوقع زيلينسكي بشكل دوري مراسيم بشأن فرض عقوبات على أفراد وكيانات قانونية روسية، وكذلك مواطنين وشركات من دول أخرى، تتهمها أوكرانيا بالتعاون مع الاتحاد الروسي والدعاية المناهضة لأوكرانيا. المصدر: تاس

ترامب: توصلنا إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي
ترامب: توصلنا إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي

Babnet

timeمنذ 2 أيام

  • Babnet

ترامب: توصلنا إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توصلا إلى اتفاق تجاري. وأوضح ترامب أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تفتح أسواقها أمام التجارة مع الولايات المتحدة بأسعار جمركية صفرية، كما وافق الاتحاد الأوروبي على شراء موارد طاقة من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار. وكان ترامب قد وصل يوم الجمعة إلى اسكتلندا في زيارة خاصة تستمر خمسة أيام، وهي أول زيارة له للمملكة المتحدة بعد تنصيبه. ويخطط الرئيس الأمريكي لزيارة ناديين للجولف يمتلكهما وافتتاح ثالث، كما من المتوقع أن يجري لقاءا غير رسميا مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. من جانبها، ذكرت أورسولا فون دير لاين أنها تخطط لمناقشة العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال لقائها مع ترامب يوم الأحد. يأتي هذا الاتفاق في إطار التطورات الأخيرة حول الرسوم الجمركية، حيث كان ترامب قد وقع في 2 أفريل أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية "متبادلة" على الواردات من دول أخرى. وحددت الرسوم الأساسية بنسبة 10%، بينما بدأت تطبق رسوم مرتفعة على 57 دولة اعتبارا من 9 أفريل، محسوبة بناء على العجز التجاري الأمريكي مع كل دولة. وفي 12 جويلية، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية بنسبة 30% على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 1 أوت، مع الإبقاء على الرسوم القطاعية السابقة. وأشار في رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية إلى أن الولايات المتحدة ستزيد هذه النسبة إذا قرر الاتحاد الأوروبي رفع تعريفاته على السلع الأمريكية. ردا على ذلك، أكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيستمر في المفاوضات مع الولايات المتحدة لكنه مستعد لاتخاذ إجراءات مضادة في حال فشلها.

ترامب: الاتحاد الأوروبي وافق على شراء معدات عسكرية أمريكية
ترامب: الاتحاد الأوروبي وافق على شراء معدات عسكرية أمريكية

تورس

timeمنذ 2 أيام

  • تورس

ترامب: الاتحاد الأوروبي وافق على شراء معدات عسكرية أمريكية

وقال ترامب خلال لقائه برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "إنهم يوافقون على استثمار 600 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة أكثر مما يستثمرون حاليا". كما كشف ترامب أن الاتحاد الأوروبي سيشتري كمية كبيرة من المعدات العسكرية الأمريكية بموجب هذه الصفقة التجارية الجديدة. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتفاق الجديد مع الولايات المتحدة بشأن شراء مصادر الطاقة سيسمح باستبدال النفط والغاز الروسيين بالغاز الطبيعي المسال والوقود النووي الأمريكي. وأوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية: "سنعمل أيضا على توسيع تعاوننا في مجال الطاقة. إن مشترياتنا من مصادر الطاقة الأمريكية ستنوّع مصادر إمداداتنا وسوف تسهم في الأمن والطاقة لأوروبا. سنستبدل الغاز والنفط الروسيين من خلال عمليات شراء كبيرة للغاز الطبيعي المسال والوقود النووي الأمريكي". كما وصفَت فون دير لاين الاتفاق التجاري المبرم مع الولايات المتحدة بأنه "الأكبر في التاريخ"، بينما بدأ الخبراء يتحدثون بالفعل عن أنه غير مربح تماماً للاتحاد الأوروبي. وقد توصلت رئيسة المفوضية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد إلى اتفاق تجاري ينص على تطبيق تعريفة جمركية بنسبة 15% على جميع الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة تقريبا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store