
حرب عبثية طال أمدها دون مبرر حقيقي
قبل ساعات من اللقاء الأول (من لقاءَين مخطط لهما) في البيت الأبيض، بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قُتل خمسة جنود من الجيش الإسرائيلي وأُصيب 14 آخرون في انفجار عبوات ناسفة شمال قطاع غزة. وقع الانفجار بالقرب من أنقاض بيت حانون، مذكّراً مرة أُخرى بحجم تورُّط إسرائيل في حرب عبثية طال أمدها من دون مبرر حقيقي لاستمرارها. "كنتَ مقاتلاً شجاعاً في حرب بلا هدف،" هكذا رثى صديق أحد قتلى الحادثة، الرقيب أول بني أسولين من مدينة حيفا.
القوة التي استهدفها الهجوم تنتمي إلى كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة للواء "كفير"، وكانت تتحرك سيراً على الأقدام في منطقة مفتوحة على مسافة قصيرة من الحدود الإسرائيلية. أُصيب بعض الجنود في الانفجار الأول، وعندما هرع زملاؤهم لإجلاء الجرحى والقتلى، انفجرت عبوتان ناسفتان تباعاً. وبين الانفجار الثاني والثالث، فُتحت نيران رشاشة عليهم من مسافة بعيدة. أسفر الهجوم عن مقتل خمسة جنود وإصابة اثنين بجروح خطِرة، وتم شلّ قدرة وحدة كاملة عن العمل. يُرجَّح أن ردة فعل القوات الإسرائيلية منعت محاولة لخطف أحد الجنود.
يختبئ المسلحون التابعون لـ"حماس" في الأنفاق داخل المنطقة التي دُمّرت، في معظمها، لكن هياكل المباني وكون البلدة مرتفعة قليلاً عن المناطق المحيطة بها، منحاهم ميزة تكتيكية حيال القوات التي تعرضت للهجوم، التي كانت جزءاً من سرايا مشاة وسرية مدرعات كانت تتحرك نحو المدينة. تقدّر قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي أن العشرات من عناصر "حماس" ما زالوا ناشطين في بيت حانون تحت قيادة قائد كتيبة. وعلى الرغم من انهيار الإطار التنظيمي لهذه القيادة، فإن الجيش الإسرائيلي يعترف بأن هجمات المقاومة المحدودة، عبر استغلال نقاط الضعف في حركة القوات، أو تموضعها، قادرة على إلحاق خسائر.
في غضون ذلك، تؤكد قيادة الجيش أنها ستواصل التحرك بحزم ضد ما تبقى من تنظيم "حماس" في بيت حانون، لكنها تدرك الحقيقة: هذه العمليات ستكلف إسرائيل خسائر بشرية، وكذلك أيّ عملية هجومية جديدة تخطط الحكومة لتوسيعها في جبهات أُخرى داخل القطاع.
يعمل الجيش بشكل متقطع في بيت حانون، التي اضطر سكانها، في أغلبيتهم الساحقة، إلى مغادرتها منذ بداية العملية البرية في نهاية تشرين الأول 2023. لم يعد أحد في الجيش يتذكر عدد المرات التي دخلت فيها القوات الإسرائيلية بيت حانون، وكم مرة أُعلنت السيطرة عليها، أو "هزيمة" كتيبة "حماس" هناك. منذ بداية الحرب، جرى استبدال عدد كبير من القادة، من هيئة الأركان العامة وحتى مستوى الكتائب. خمس جنازات، على خلفية لقاء ترامب ونتنياهو في واشنطن، كانت تذكيراً صارخاً بأن هذه الحرب يجب أن تنتهي.
على الرغم مما لحِق بحركة حماس من ضربات، فإنها لن تُغيّر مواقفها الأساسية بسبب ازدياد الضغط العسكري الذي لا يشمل السيطرة الكاملة على القطاع. أمّا السيطرة الكاملة، فستُكلف خسائر كبيرة، وقد تهدد حياة 20 رهينة على قيد الحياة لا تزال محتجزة في مناطق "المضلعات" التي تتجنب القوات الإسرائيلية العمل داخلها.
ما الذي يجري فعلاً بين ترامب ونتنياهو؟ لا نعرف بعد. كان من المفترض أن يلتقيا مجدداً، مساء أمس، في لقاء حُدِّد بشكل مفاجئ، لكن مسؤولاً سياسياً إسرائيلياً رفيع المستوى صرّح للصحافيين والمرافقين بأنه لا توجد خلافات جوهرية بين إسرائيل والولايات المتحدة تتعلق بالمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار. من الواضح أن هذا ما يهمّ كل طرف، حتى من خلال حوار قصير تم توثيقه بالكاميرا.
ترامب، الذي لا يشعر بأيّ حرج من المديح المفرط، كان مسروراً بإعلان نتنياهو أنه رشّحه لنيل جائزة نوبل للسلام (وربما على ترامب أن يسأل نفسه إذا ما كان المديح من نتنياهو يقرّبه من الجائزة، أم يبعده عنها). عاد نتنياهو ليكرر الحديث عن "الهجرة الطوعية" لسكان غزة، وهو مصطلح مخفّف لتجميل خطة ترحيل قسري وعنيف للسكان الفلسطينيين من القطاع.
تعود هذه الخطة إلى الظهور كل شهرين تقريباً، وغالباً ما تأتي بالتزامن مع زيارات نتنياهو لواشنطن. يبدو ترامب، الذي أعرب عن دعمه للفكرة في شباط الماضي، كأنه فقد اهتمامه بها منذ ذلك الحين، وربما اهتمام نتنياهو وطاقمه بهذه الفكرة لا يعود فقط إلى أسباب استراتيجية، أو ضغوط ائتلافية (مثل الحاجة إلى الحفاظ على أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة)، بل إلى طرح "كبش فداء" يمكن سحبه لاحقاً من الطاولة خلال المفاوضات، في حال قدّمت "حماس" تنازلات.
في هذه الأثناء، صرّح المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، قبيل سفره إلى قطر، أن الأطراف نجحت في تجاوُز ثلاث من أصل أربع نقاط خلاف، وأنه يأمل بإمكان التوصل إلى صفقة بحلول نهاية الأسبوع.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في الخلافات، بل في أن نتنياهو يسعى لعقد صفقة جزئية، ليس لأنه يريد العودة إلى القتال بعد 60 يوماً من وقف إطلاق النار وإعادة نصف الرهائن الأحياء، بل لأنه يواصل الدفع بخطة تهدف إلى ترحيل سكان غزة – نقل السكان، في معظمهم، إلى منطقة رفح، المدينة التي دُمرت بالكامل نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلي.
الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يطالبان بذلك، ونتنياهو ووزير الدفاع، إسرائيل كاتس، يتماهان معهما. والحديث عن إقامة "مدينة إنسانية" في رفح لا يقلّ كذباً عن الادعاء أن السكان سيهاجرون طوعاً. في الواقع، تسعى إسرائيل لاستبدال الظروف القاسية التي يعيشها السكان بالقرب من منطقة المواصي القريبة من الشاطئ، بظروف أشد قسوةً في رفح.
وكالعادة، الذريعة هي أن "النصر قاب قوسين أو أدنى." يحتاج نتنياهو إلى بضعة أشهر فقط للقضاء الكامل على "حماس"، بحسب قوله. قبل أكثر من عام، سُوّق اجتياح رفح، باعتباره الحل الحاسم. قبل شهرين، كانت "السيطرة على المساعدات الإنسانية" هي الحل السحري التالي، وهو إجراء لا يزال يواجه صعوبات كبيرة، وذهب ضحيته مئات المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يطلبون الطعام فقط.
الآن، تكافح إسرائيل في المفاوضات من أجل مستقبل صندوق المساعدات، الذي تُطرح حوله علامات استفهام كثيرة بشأن علاقته برجال أعمال، وربما بسياسيين. حالياً، الشخص الذي يتعرض للهجوم هو رئيس الأركان، إيال زامير. فمواقف هذا الأخير تُقلق نتنياهو وكاتس ورفاقهما بسبب اعتراضه على خطة إعادة نقل السكان إلى رفح. والتسريبات ضده جزء من محاولة متعمدة للضغط عليه، وتخويفه، بهدف إخضاعه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 2 ساعات
- معا الاخبارية
إسرائيل ستقدم خارطة انسحاب جديدة وويتكوف لن يذهب للدوحة
بيت لحم -معا- من المقرر ان تقدم إسرائيل خرائط جديدة خلال محادثات الدوحة المقرر استئنافها الأحد، حول نطاق انسحاب جيشها من غزة خلال وقف إطلاق النار المقترح لمدة 60 يوما، وذلك بعد أن قدمت خريطة رفضتها حماس وادّت إلى جمود كبير في المفاوضات. وستتركز الخرائط الجديدة التي ستقدمها إسرائيل حول السيطرة على محور "موراغ" ومحيطه، وذلك بعد أن أوضح الوسطاء من قطر أن حماس لن تقبل الخرائط التي قدمتها، وذلك ما سيؤدي إلى انهيار المفاوضات وفقا للقناة ال12 الاسرائيلية. وأفادت القناة 12، بأن مفاوضات نهاية الأسبوع لم تشهد محادثات تقارب، فيما لا تزال الفجوة قائمة بشأن نطاق انسحاب الجيش من قطاع غزة. وقال مسؤول سياسي إسرائيلي مساء السبت، إن المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة تواصلت اليوم، مشيرا إلى أن الفريق المفاوض يعمل مقابل الوسطاء قطر ومصر وعلى تواصل مستمر مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر؛ حسبما أوردت القناة 12.


معا الاخبارية
منذ 6 ساعات
- معا الاخبارية
عسكري إسرائيلي: حرب حماس مبنية على نقاط ضعفنا
بيت لحم -معا- قالت شبكة "سي إن إن" عن رئيس العمليات السابق بجيش الاحتلال الإسرائيلي ان حماس حظيت بوقت كاف لدراسة عمل الجيش واستغلت ذلك لصالحها. واضاف ان حرب حماس مبنية على نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي. واكد ان حماس تعمل في خلايا صغيرة ولديها متفجرات أسقطها الجيش. وقال ان هذه حرب عبوات وحماس تنصب كمائن وتبادر بالسيطرة على نقاط الضعف.


معا الاخبارية
منذ 14 ساعات
- معا الاخبارية
نتنياهو لترامب: إذا اضطررنا سنهاجم إيران مجددا
بيت لحم- معا- أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال لقائهما هذا الأسبوع في البيت الأبيض بأنه إذا طوّرت طهران أسلحةً نوويةً مجددًا، فإن إسرائيل ستتحرك. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فجر اليوم السبت، عن مسؤولين رفيعي المستوى في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، أن ترامب ردّ بأنه يفضل حلاً دبلوماسيًا لمسألة البرنامج النووي الإيراني، لكنه لم يبدِ معارضة مباشرة لفكرة الهجوم. وجرت هذه المحادثة بين الطرفين عقب تصريح لترامب أمام وسائل الإعلام، قال فيه إنه يأمل ألا تكون هناك حاجة لمزيد من الضربات العسكرية الأميركية ضد إيران، وأضاف: "لا أستطيع أن أتخيل أننا سنرغب في القيام بذلك". وبحسب الصحيفة، فإن تصريحات نتنياهو تؤكد على "تباين الحسابات" بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران بشأن مدى التهديد الذي يشكله برنامج طهران النووي، وخيارات التعامل معه. ووفقا للادعاءات الأميركية الصادرة غالبا عن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب يأمل "بإطلاق مفاوضات جديدة تؤدي إلى اتفاق مع طهران تتخلى فيه عن سعيها لامتلاك سلاح نووي" ولكن في إسرائيل تسود شكوك عميقة بشأن جدوى أي تسوية دبلوماسية يمكن أن تمنع إيران من تطوير السلاح سرًا وبسرعة، بحسب ما أفادت به "وول ستريت جورنال". في المقابل، تطالب طهران بضمانات بألا تتعرض لهجوم جديد كشرط أساسي لعودتها إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن. ونقل التقرير عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن إسرائيل "لن تطلب بالضرورة موافقة أميركية صريحة" قبل تنفيذ هجوم آخر على إيران، لكنها تدرك أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قد يواجه معارضة من ترامب إذا لم تكن تحركات إيران النووية ملموسة أو سريعة بما يكفي لإقناع الرئيس الأميركي بالتخلي عن المسار الدبلوماسي.