
صراع إيران وإسرائيل: نار جيوسياسية تلهب الأسواق والائتمان
الحرب بين إيران وإسرائيل لم تعد مجرد مواجهة تقليدية، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمتانة الأنظمة الاقتصادية، واستقرار التصنيفات الائتمانية، وأمن الطاقة العالمي. ففي الوقت الذي تؤكد فيه وكالات التصنيف مثل " فيتش" أن الصراع "بوضعه الحالي" لا يستدعي خفضًا فوريًا للتصنيفات، إلا أن النوافذ تفتح أمام سيناريوهات أكثر قتامة إذا اشتعلت جبهات جديدة أو تدخلت قوى عظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
في هذا السياق المضطرب، قدم الدكتور ناصر قلاوون، أستاذ الاقتصاد السياسي، خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية، تحليلًا معمقًا ربط فيه بين خيارات الحرب والتفاوض، وتداعياتها المحتملة على الأسواق، وأسعار النفط، والاستقرار المالي في المنطقة وخارجها. من التصنيف الائتماني لإسرائيل، إلى مستقبل البرنامج النووي الإيراني، ومن نفط الخليج إلى مستقبل ترامب الاقتصادي، تتداخل الخيوط ليبدو المشهد العالمي أكثر هشاشة مما كان يظن.
من وجهة نظر الدكتور قلاوون، فإن إسرائيل لا تخوض مجرد عملية عسكرية "ردعية"، بل تتبع خيارًا استراتيجيًا يتمثل في "الهجوم الوقائي لتأخير البرنامج النووي الإيراني، وربما جرّ الغرب إلى إسقاط النظام". وهو ما يشير إليه بوضوح من خلال قوله: "الاختيار الإسرائيلي كان واضحًا منذ خمسة أيام: الهجوم أولًا لتأخير النووي وربما لجرّ أميركا لإزالة النظام. هذا الكلام قاله نتنياهو بوضوح."
ويستند هذا التقدير إلى معطيات استخباراتية وتسريبات نوقشت في ندوات بحثية إسرائيلية، ما يؤشر إلى أن الحرب ليست عفوية، بل محسوبة زمنياً ومالياً، مع خسائر يومية تقدّر بـ 750 مليون دولار، وفق ما أكده قلاوون.
تقرير وكالة "فيتش" الأخير لم يغلق الباب أمام إعادة تقييم التصنيف الائتماني لإسرائيل، حيث جاء فيه أن "الوضع الحالي لا يستدعي تغييرًا فوريًا، لكن التصعيد قد يغير المعادلة." الدكتور قلاوون يقرأ هذه المعادلة من منظور متشائم نسبيًا:
"في المدى المنظور، هناك تلويح بخفض التصنيف إلى A-، والخسارة الاقتصادية قابلة للامتصاص لكنها ليست بلا ثمن."
ويضيف أن التراجع من A+ إلى A ثم إلى A- مع "نظرة مستقبلية سلبية"، يعكس تقييمًا ميدانيًا حذرًا من قبل وكالات التصنيف، التي تنتظر تطورات الحرب لتقرر. أما الهجرة الرأسمالية أو سحب الاستثمارات فلم تظهر بعد بشكل واضح، ما يشير إلى أن السوق يتريث، لكنه "على الحافة".
النفط عند خط النار: مضيق هرمز والتوقعات المتفجرة
واحدة من أبرز النقاط التي توقف عندها قلاوون هي مخاطر إغلاق مضيق هرمز ، باعتباره "صمام الأمان" لسوق النفط العالمي، مشيرًا إلى أن تأثر البنية التحتية الإيرانية للنفط قد يدفع الأسعار: "لأكثر من 120 دولارًا للبرميل. لا أحد يريد ذلك، لا أميركا، ولا أوروبا، ولا حتى الصين."
ومع توقعات بأن يتراوح "الخطر الجيوسياسي" على أسعار النفط ما بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل مبدئيًا، يرى قلاوون أن أي انزلاق أكبر في الحرب سيحوّل هذا الهامش إلى قفزة تضخمية عالمية: "شبح التضخم سيعود، وقد يهدد حتى الاقتصاد الأميركي الذي بدأ يُظهر إشارات ضعف في ظل هذا التصعيد."
ترامب على المحك: ما بين الخليج والصين
المشهد لا يكتمل دون وضعه في إطاره السياسي الأمريكي، حيث يؤكد الدكتور قلاوون أن جولة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة في الخليج (السعودية، الإمارات، قطر) كانت تهدف إلى تأمين موقف إقليمي موحد لدعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، في حال فُرض التصعيد. لكنه حذّر من أن الانخراط العسكري الأميركي في الحرب، إذا ما حصل، سيضع أجندة ترامب الاقتصادية أمام اختبار قاسٍ: "إذا دخلت أميركا الحرب، لا بد من إنجاز سياسي لإسرائيل يبرر المخاطرة. وهذا ما لم يتحقق حتى اللحظة."
في موازاة ذلك، يرى قلاوون أن إدارة ترامب مطالبة أيضًا باحتواء الأزمات مع الصين، حيث يواجه تنافسًا صعبًا قد يفرض على البيت الأبيض "تراجعًا تكتيكيًا أمام بكين"، وهو ما يضعف الجبهة الاقتصادية الداخلية، لا سيما مع الضغوط من وادي السيليكون والبنك المركزي.
ورغم ضخامة التكلفة اليومية للحرب، إلا أن قلاوون يرى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتمتع بمرونة تكنولوجية وصناعية قادرة على امتصاص الصدمة، خاصة بفضل صادراته العسكرية والتقنية إلى آسيا
لكنه حذّر من التأثيرات النفسية والمعنوية للحرب على الاستثمار الأجنبي وعلى سمعة إسرائيل دوليًا، مؤكدًا أن "الرعب الاقتصادي قد لا يظهر في الأرقام فورًا، لكن أثره يتسلل بهدوء."
السيناريو الأسوأ: انهيار إيراني وتداعيات بلا أفق
حذّر قلاوون خلال حديثه الى سكاي نيوز عربية من سيناريو "انهيار إيران"، مؤكدًا أن ذلك: "سيشكل كارثة جيوسياسية تتجاوز قدرة ترامب على الاحتواء، وستترك فراغًا في الإقليم لا تستطيع باكستان أو تركيا ملأه."
وأضاف أن المواقف الأوروبية باتت أكثر وضوحًا في دعوتها لوقف إطلاق النار، خشية من انفجار أسعار الطاقة وتدهور النمو العالمي: "هل نستطيع أن نحقق نموًا عالميًا في ظل تصاعد أسعار النفط والتضخم؟ هذه ليست أزمة إقليمية فقط، بل معضلة دولية."
وسط هذه العاصفة الجيوسياسية، يقف العالم أمام مفترق طرق محفوف بالمخاطر الاقتصادية. تصريحات الدكتور ناصر قلاوون ترسم صورة دقيقة لعالم لا يحتمل "شرارة جديدة"، سواء كانت قادمة من مضيق هرمز، أو من تل أبيب، أو من واشنطن. وبينما تتريث وكالات التصنيف، وتراقب الأسواق بحذر، تبقى الحقيقة أن أي تصعيد إضافي قد يدفع بكوكب الاقتصاد إلى شفا هاوية تضخم، وركود، وانقسام جيوسياسي جديد.
في نهاية المطاف، الحرب لا تُقاس فقط بعدد الضحايا أو فوهات المدافع، بل أيضًا بعدد النقاط التي يخسرها الاقتصاد العالمي في كل دقيقة من التوتر، وكل برميل نفط يتجاوز المئة دولار، وكل تصنيف ائتماني يترنح على سلم القلق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 14 دقائق
- سكاي نيوز عربية
مسؤول استخباراتي إسرائيلي: تم تدمير نحو نصف صواريخ إيران
كما نقلت شبكة "فوكس نيوز" الأميركي عن المسؤول الإسرائيلي قوله إن إيران تمتلك نحو 2000 صاروخ. وكانت إسرائيل أعلنت في وقت سابق الأربعاء أن أكثر من 50 طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو نفذت سلسلة من الضربات على أهداف عسكرية في منطقة طهران في الساعات الأخيرة. جاء ذلك في بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي أضاف أن موقعا لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في طهران تعرض لهجوم، والذي كان يهدف إلى السماح للنظام الإيراني بتوسيع نطاق ووتيرة تخصيب اليورانيوم، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم الأربعاء. وخلال موجة الهجمات، تم استهداف العديد من مواقع لتصنيع أسلحة. ومن بين مصانع تصنيع الأسلحة التي تعرضت لهجوم، موقع لإنتاج المواد الخام ومكونات تجميع صواريخ أرض-أرض، التي أطلقها النظام الإيراني ولا يزال يطلقها على إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تم استهداف مواقع تصنيع أنظمة ومكونات صواريخ أرض-جو المصصمة لضرب طائرات.


سكاي نيوز عربية
منذ 14 دقائق
- سكاي نيوز عربية
الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط إحدى طائراته المسيّرة في إيران
وقال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي في بيان مقتضب: "خلال نشاط عملياتي تعرضت مسيرة لسلاح الجو لإطلاق صواريخ أرض جو حيث سقطت المسيرة داخل الأراضي الإيرانية". وأكد أدرعي أن ذلك حدث "دون وقوع إصابات أو خشية من تسرب للمعلومات". وبث التلفزيون الرسمي الإيراني صورا لحطام في مدينة أصفهان (وسط) قال إنه يعود لمسيرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي من نوع "هرمز". تشنّ إسرائيل منذ فجر الجمعة هجوما واسع النطاق على إيران يشمل على وجه الخصوص مواقع عسكرية ونووية. الأربعاء، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين إن إسرائيل "تعمل بحرية" في سماء إيران ونفذت غارات جوية شملت "عشرات الطائرات من أنواع مختلفة". وقال خلال مؤتمر صحفي: "سنواصل ضرب أي مكان نختاره في إيران، نعم هناك مقاومة لكننا نسيطر على الأجواء وسنواصل الحفاظ على هذه السيطرة". وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الأربعاء تنفيذ أكثر من 50 طائرة حربية سلسلة غارات استهدفت أهدافا عسكرية في إيران وموقعا لانتاج أجهزة طرد مركزي في طهران.


سكاي نيوز عربية
منذ 14 دقائق
- سكاي نيوز عربية
أردوغان يهاجم نتنياهو.. ويكشف "موقف تركيا"
وأكد أردوغان: "إن من حق إيران الطبيعي والمشروع والقانوني تماما الدفاع عن نفسها ضد إرهاب الدولة الإسرائيلي" غداة نعته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو بأنه "أكبر تهديد لأمن المنطقة". وأضاف الرئيس التركي: "هذه الهجمات شنت بينما كانت المفاوضات النووية الإيرانية جارية". وتابع: "إسرائيل التي تملك السلاح النووي ولا تعترف بأي قواعد دولية... لم تنتظر انتهاء المفاوضات بل شنت عملها الإرهابي من دون انتظار النتيجة". وأوضح أردوغان: "نتابع عن كثب هجمات إسرائيل الإرهابية على إيران. كل مؤسساتنا في أعلى درجات التأهب بشأن تداعيات محتملة لهذه الهجمات، على تركيا". وأضاف "نستعد لأي سيناريو. وينبغي ألا يجرؤ أحد على اختبارنا". واستهدفت إسرائيل منذ فجر الجمعة مواقع نووية وعسكرية في إيران، وبدورها ردت طهران بصواريخ ومسيرات بينها صاورخ فرط صوتي ليل الثلاثاء الأربعاء بحسب طهران.