logo
ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

Independent عربيةمنذ 3 أيام
قد يكون من السهل السخرية من الحزب البريطاني الجديد الذي نشأ وسط صراع على الزعامة بين شخصيتين تتقاسمان الواجهة. لكن ذلك لا يعني تفويت فرصة التعليق عليه. فالأمر يتطلب قدراً من المهارة كي يعلن أحدهما (البرلمانية زارا سلطانة) عن تأسيس كيان سياسي جديد، ليخرج بعدها الآخر (جيريمي كوربن الزعيم السابق لحزب "العمال") في اليوم التالي نافياً ذلك، ومؤكداً أن ("المناقشات لا تزال جارية").
ثم بعد ثلاثة أسابيع، حين أعلن كوربن أن "الوقت قد حان لظهور حزب سياسي من نوع جديد"، تحت اسم "حزبكم" Your Party لأن هذا ما دل عليه عنوانه الإلكتروني، ردت سلطانة فوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلة: "إن اسمه ليس 'حزبكم'!".
لكن تبين لاحقاً أن "حزبكم" ليس سوى اسم موقت، بحيث سيحدد الاسم الرسمي للحزب ديمقراطياً خلال المؤتمر التأسيسي، على أن يصار إلى الإعلان عن التفاصيل في وقت لاحق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن السخرية تظل أداة فعالة لتذكيرنا بالعجز المزمن لتيار كوربن عن تنظيم أي مشروع يتجاوز مجرد الانقسام، فإن ذلك لا يعكس الصورة الكاملة - لأننا نعرف أيضاً حقيقتين مهمتين لا يمكن إغفالهما.
الأولى، هي أن هناك قاعدة دعم واسعة محتملة لنسخة أكثر اعتدالاً من تيار جيريمي كوربن، شرط أن تتخلى عن الماركسية العقائدية، والنزعة العدائية تجاه بريطانيا، وشبهة معاداة السامية (وهي تهمة ينفيها كوربن باستمرار)، لكنها لا تلبث أن تعود إلى الواجهة مع كل نقاش سياسي.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن حلفاء كوربن أثبتوا، ولو لفترة وجيزة، قدرتهم على إدارة حملة انتخابية وطنية بكفاءة، كما ظهر في انتخابات عام 2017، عندما اقتربوا من إطاحة رئيسة الوزراء "المحافظة" تيريزا ماي.
لذلك، قد يتحول "حزبكم" (إن كان هذا اسمه) إلى قوة لا يستهان بها. فبحسب بعض استطلاعات الرأي، من المرجح أن يستقطب معظم مؤيدي "حزب الخضر"، كذلك فإنه سيقتطع جزءاً من أصوات قاعدة حزب "العمال". قد يكون من السهل على وزير الدولة البريطاني لشؤون العلوم بيتر كايل، الاستخفاف بزعيمه السابق ووصفه بأنه "ليس سياسياً جاداً"، إلا أنه على حزب "العمال" أن يتعامل مع التهديد الجديد بجدية.
وهذا ما يفعله. فقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني لانتقادات - ليس أقلها من سلطانة – لترديده خطاب فاراج، مما دفع ناخبي حزب "العمال" النافرين من حزب "ريفورم" بتأييدها [أي خطاب سلطانة]. لكن أعتقد أن هذا يشكل فهماً خاطئاً لاستراتيجية كير ستارمر. فهو يدرك تماماً أن جزءاً من التحالف الانتخابي لحزب "العمال" يشعر بالنفور من فاراج، لكنه يريد استغلال قوة التنافر هذه لمحاولة الاحتفاظ بهؤلاء الناخبين، وليس إبعادهم.
هذا ما يمكن تسميته "استراتيجية إيمانويل ماكرون". فقد نجح الرئيس الفرنسي مرتين في صد تهديد [زعيم حركة "فرنسا غير الخاضعة" La France Insoumise] اليساري جان لوك ميلانشون - وهو النظير الفرنسي لتيار كوربن-سلطانة - من خلال ترسيخ نفسه كخيار رئيس في مواجهة اليمينية مارين لوبن، المناهضة للهجرة، والزعيمة البارزة في الحزب الذي كان يعرف سابقاً باسم "الجبهة الوطنية" Front National.
عام 2017، ثم مجدداً عام 2022، حل ماكرون في الصدارة في سباق انتخابي منقسم (بفوزه على التوالي بنسبة 24 في المئة و28 في المئة فقط من الأصوات) في الجولة الأولى، مما أجبر الناخبين الفرنسيين على الاختيار بينه - كمرشح وسطي ذي خلفية اشتراكية - وبين مارين لوبن التي يقابل ترشحها بالرفض من قبل غالبية الرأي العام الفرنسي الرصين. وفي كلا الاستحقاقين الانتخابيين، حقق ماكرون فوزاً حاسماً في جولة الإعادة.
ومن خلال الترشح ضد مارين لوبن، تمكن إيمانويل ماكرون من توحيد تحالف واسع النطاق خلفه، ضم أنصار ميلانشون والاشتراكيين السابقين المقربين منه، إلى جانب ما تبقى من رموز التيار المحافظ التقليدي.
في بريطانيا، يسعى كير ستارمر إلى خوض الانتخابات العامة المقبلة في البلاد، وكأنها جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بحيث يضع الناخبين أمام خيار حاسم بينه وبين نايجل فاراج. فهو يدرك جيداً أن التلويح بخطر تولي فاراج رئاسة الحكومة يعد أقوى أوراقه الانتخابية.
إن تصوير الانتخابات المقبلة في المملكة المتحدة على أنها مواجهة بين كير ستارمر ونايجل فاراج، هو الطريقة المثلى ليس فقط لاستقطاب أصوات أنصار كوربن وسلطانة، بل أيضاً لكسب أصوات من "حزب الخضر"، وحزب "الديمقراطيين الليبراليين" وحزب "المحافظين".
أما السؤال الذي يفضل أنصار حزب كوربن-سلطانة تفادي الإجابة عنه، فهو ما إذا كانوا بدعمهم الكيان الجديد، يسهلون الطريق أمام نايجل فاراج للوصول إلى الحكم. وهذا هو المنطق الحتمي الذي يفرضه نظام التصويت بالغالبية البسيطة، وهم يدركونه تماماً، لكنهم يحاولون إنكاره من أجل إبقاء حلمهم السياسي حياً.
معظم أنصار جيريمي كوربن المتحمسين يدركون هذه الحقيقة جيداً. ولهذا، كان كوربن متردداً في المضي قدماً بإطلاق الحزب الجديد، على رغم الحماسة التي أبداها بعض أتباعه لتأسيسه فور فوزه في دائرة "إزلينغتون نورث" كمرشح مستقل في انتخابات العام الماضي. فهو يعلم أن اقترابه من الفوز في انتخابات عام 2017 لم يكن ليحدث لولا سيطرة أنصاره على حزب "العمال" في تلك المرحلة.
في المقابل، إن أي كيان سياسي ناشئ من حزب "العمال"، سرعان ما سيكتشف أن نهج دعم غزة ومناهضة الرأسمالية مهما بدا واسع النطاق، فهو يفتقر إلى عمق جماهيري. وإذا ما حافظ نايجل فاراج على شعبيته، فإن حسم الانتخابات المقبلة سيتقرر في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها حزب "العمال" مع "ريفورم"، إذ سيكون التصويت للحزب الجديد بمثابة تصويت لمصلحة فاراج.
عندها، سيكون الوقت قد حان - كما قال إيمانويل ماكرون ذات مرة في فرنسا - ليتوحد جميع الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية في مواجهة الاستبداد المعادي للمهاجرين. هذه رسالة قد تجدي نفعاً مع ستارمر في بريطانيا، حيث تميل شرائح الناخبين عادة إلى التصويت لحزب "المحافظين"، أو "الديمقراطيين الليبراليين"، أو "حزب الخضر"، وكذلك مع الناخبين الذين ينجذبون إلى أي اسم سيطلق في نهاية المطاف على حزب "كوربن-سلطانة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

معارك مبكرة يخوضها الحزب البريطاني الوليد
معارك مبكرة يخوضها الحزب البريطاني الوليد

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

معارك مبكرة يخوضها الحزب البريطاني الوليد

لم تكن ولادة الحزب اليساري الجديد في بريطانيا قوية ومؤثرة، فقد شابتها حال من التردد ما زالت مستمرة حتى اليوم، كما تتحدث تقارير صحافية عن خلاف مبكر بين مؤسسيه الزعيم السابق لحزب العمال النائب جيريمي كوربين وزميلته في مجلس العموم زارا سلطانة في شأن من يقود الحزب في بدايته. يبدو أن الحزب الذي أطلق عليه موقتاً "حزبكم" على أن يختار الأعضاء لاحقاً الاسم المناسب له، يشهد معركة مبكرة على القيادة، بعض الأعضاء يؤيدون منافسة ديمقراطية مفتوحة على الزعامة، فيما قال مصدر مطلع لشبكة "سكاي نيوز" إنه من الصعب تخلي كوربين عن قيادة الحزب قبل مؤتمره الأول. بالنسبة إلى سلطانة تُظهر اهتماماً بالرئاسة المشتركة للحزب مع كوربين ولا تفضل إجراء أية منافسات على زعامة "حزبكم" في المرحلة الأولى، لكن ثمة معارضة قوية لهذا المبدأ بين أعضاء الحزب لأنها تمنح سلطانة أفضلية ربما لا تستحقها أو أن هناك آخرين يحدون أنفسهم أفضل منها وأصلح للعمل. المعارضون لسلطانة يبررون موقفهم بخلو سجلها من تجربة قيادية سابقة، ولذلك هم يفضلون إما زعامة كوربين لمدة لا تقل عن عامين حتى يقف الحزب على قدميه كما يقال، وإما منافسة ديمقراطية تأتي إلى بمن هو كفء وأهل إلى رئاسة "حزبكم" من بين مجموعة الأسماء التي قد تترشح لهذا المنصب. رد سلطانة على السجال الدائر جاء عبر تغريدة كتبت فيها على منصة "إكس" أنها تود قيادة مشتركة للحزب الجديد مع كوربين، لكنها لا تمانع إطلاق عملية ديمقراطية لاختيار زعيم التيار السياسي، منددة بتعليقات عنصرية تقلل من إمكاناتها أو تلعب دوراً خبيثاً في بث التفرقة داخل الحزب، وفق تعبيرها. متحدث باسم كوربين قال للشبكة الإنجليزية إنه سيعمل مع زارا وزملائه المستقلين وأشخاص من النقابات العمالية والحركات الاجتماعية في جميع أنحاء البلاد لجعل مؤتمر الخريف حقيقة واقعة، وتلك ستكون اللحظة التي يجتمع فيها الناس لإطلاق حزب ديمقراطي جديد ينتمي إلى أعضائه ويختار قادته. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من وجهة نظر الصحافي مايكل بنيون قد يستقطب الحزب اليساري الجديد أعداداً من المسلمين وأنصار القضية الفلسطينية في بريطانيا، وكذلك الطبقات الفقيرة التي تحمل مطالب بسياسات داعمة للقطاع العام والعمال، لكن من الصعب أن يكون "حزبكم" تياراً سياسياً منافساً بصورة عامة لبقية التيارات السياسية. ولفت بنيون في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن كلاً من كوربين وسلطانة ينتمي لأقصى اليسار، بالتالي قد يمثل التجمع الجديد ما يمكن وصفه بـ"اليسار المتطرف" في البلاد، لكنه لن ينطوي على تأثير قوي في المشهد السياسي كما يفعل اليمين المتطرف مع حزب "ريفورم" الذي يقوده نايجل فاراج. واستبعد بنيون أن يتقدم أي نائب في "العمال" الحاكم بالاستقالة من أجل الانضمام إلى الحزب الجديد، وبرأيه، الرهان على "حزبكم" لا يبدو صائباً في مقابل الحزب الأحمر الذي يتمتع بالأكثرية البرلمانية ومن الممكن أن يحتفظ بالسلطة مدة 5 سنوات أخرى بعد انتخابات 2029 وفق المعطيات الراهنة. على صعيد المجالس المحلية تقدمت عضو بلدية "كوفنتري" جريس لويس، والبالغة من العمر 22 سنة، باستقالتها من حزب العمال من أجل الانضمام إلى تجمع كوربين وسلطانة، كما قرر ستة أعضاء بلدية مستقلين من منطقة "هاستينغ" جنوب إنجلترا نيتهم الانضمام للحزب الجديد فور إطلاقه رسمياً. يستعد الأكاديمي كامل حواش، وهو عضو سابق في حزب العمال، للانضمام إلى حزب كوربين وسلطانة، أدرج اسمه في قائمة المهتمين بهذا التجمع السياسي الجديد، لكنه ينتظر وضوح الصورة من ناحية كيف ومن سيديره. يقول حواش في حديث مع "اندبندنت عربية" إن عدد المهتمين أو المسجلين في قاعدة بيانات موقع الحزب المرتقب قد تجاوز 800 ألف شخص حتى الآن، ولكن لا يعرف كم نسبة الذين سينضمون فعلياً بعد المؤتمر التأسيسي للحزب. يتوقع حواش أن يصل عدد أعضاء "حزبكم" إلى نصف مليون نسمة، ونظرته المتفائلة هذه تستند إلى إرث كوربين و"حاجة اليسار إلى حزب يعبر عن الذين يقفون بعيداً من الوسط ولا يبحثون عن التنازلات والمساومات في مطالبهم". وسيمثل التيار الجديد الذي تريد سلطانة تسميته وفق حواش، حزب اليسار، ويفكر كوربين في "مشروع العدالة والسلام"، نافذة للمتشددين في يساريتهم، ومن الأفضل أن يقوده زعيم العمال السابق، بينما تحتفظ سلطانة بمنصب نائب الرئيس، من وجهة نظر حواش الذي يخشى ضيق الوقت أمام التيار السياسي الوليد قبيل استحقاق البلدية في مايو (أيار) المقبل.

ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن
ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

قد يكون من السهل السخرية من الحزب البريطاني الجديد الذي نشأ وسط صراع على الزعامة بين شخصيتين تتقاسمان الواجهة. لكن ذلك لا يعني تفويت فرصة التعليق عليه. فالأمر يتطلب قدراً من المهارة كي يعلن أحدهما (البرلمانية زارا سلطانة) عن تأسيس كيان سياسي جديد، ليخرج بعدها الآخر (جيريمي كوربن الزعيم السابق لحزب "العمال") في اليوم التالي نافياً ذلك، ومؤكداً أن ("المناقشات لا تزال جارية"). ثم بعد ثلاثة أسابيع، حين أعلن كوربن أن "الوقت قد حان لظهور حزب سياسي من نوع جديد"، تحت اسم "حزبكم" Your Party لأن هذا ما دل عليه عنوانه الإلكتروني، ردت سلطانة فوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلة: "إن اسمه ليس 'حزبكم'!". لكن تبين لاحقاً أن "حزبكم" ليس سوى اسم موقت، بحيث سيحدد الاسم الرسمي للحزب ديمقراطياً خلال المؤتمر التأسيسي، على أن يصار إلى الإعلان عن التفاصيل في وقت لاحق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم أن السخرية تظل أداة فعالة لتذكيرنا بالعجز المزمن لتيار كوربن عن تنظيم أي مشروع يتجاوز مجرد الانقسام، فإن ذلك لا يعكس الصورة الكاملة - لأننا نعرف أيضاً حقيقتين مهمتين لا يمكن إغفالهما. الأولى، هي أن هناك قاعدة دعم واسعة محتملة لنسخة أكثر اعتدالاً من تيار جيريمي كوربن، شرط أن تتخلى عن الماركسية العقائدية، والنزعة العدائية تجاه بريطانيا، وشبهة معاداة السامية (وهي تهمة ينفيها كوربن باستمرار)، لكنها لا تلبث أن تعود إلى الواجهة مع كل نقاش سياسي. أما الحقيقة الثانية، فهي أن حلفاء كوربن أثبتوا، ولو لفترة وجيزة، قدرتهم على إدارة حملة انتخابية وطنية بكفاءة، كما ظهر في انتخابات عام 2017، عندما اقتربوا من إطاحة رئيسة الوزراء "المحافظة" تيريزا ماي. لذلك، قد يتحول "حزبكم" (إن كان هذا اسمه) إلى قوة لا يستهان بها. فبحسب بعض استطلاعات الرأي، من المرجح أن يستقطب معظم مؤيدي "حزب الخضر"، كذلك فإنه سيقتطع جزءاً من أصوات قاعدة حزب "العمال". قد يكون من السهل على وزير الدولة البريطاني لشؤون العلوم بيتر كايل، الاستخفاف بزعيمه السابق ووصفه بأنه "ليس سياسياً جاداً"، إلا أنه على حزب "العمال" أن يتعامل مع التهديد الجديد بجدية. وهذا ما يفعله. فقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني لانتقادات - ليس أقلها من سلطانة – لترديده خطاب فاراج، مما دفع ناخبي حزب "العمال" النافرين من حزب "ريفورم" بتأييدها [أي خطاب سلطانة]. لكن أعتقد أن هذا يشكل فهماً خاطئاً لاستراتيجية كير ستارمر. فهو يدرك تماماً أن جزءاً من التحالف الانتخابي لحزب "العمال" يشعر بالنفور من فاراج، لكنه يريد استغلال قوة التنافر هذه لمحاولة الاحتفاظ بهؤلاء الناخبين، وليس إبعادهم. هذا ما يمكن تسميته "استراتيجية إيمانويل ماكرون". فقد نجح الرئيس الفرنسي مرتين في صد تهديد [زعيم حركة "فرنسا غير الخاضعة" La France Insoumise] اليساري جان لوك ميلانشون - وهو النظير الفرنسي لتيار كوربن-سلطانة - من خلال ترسيخ نفسه كخيار رئيس في مواجهة اليمينية مارين لوبن، المناهضة للهجرة، والزعيمة البارزة في الحزب الذي كان يعرف سابقاً باسم "الجبهة الوطنية" Front National. عام 2017، ثم مجدداً عام 2022، حل ماكرون في الصدارة في سباق انتخابي منقسم (بفوزه على التوالي بنسبة 24 في المئة و28 في المئة فقط من الأصوات) في الجولة الأولى، مما أجبر الناخبين الفرنسيين على الاختيار بينه - كمرشح وسطي ذي خلفية اشتراكية - وبين مارين لوبن التي يقابل ترشحها بالرفض من قبل غالبية الرأي العام الفرنسي الرصين. وفي كلا الاستحقاقين الانتخابيين، حقق ماكرون فوزاً حاسماً في جولة الإعادة. ومن خلال الترشح ضد مارين لوبن، تمكن إيمانويل ماكرون من توحيد تحالف واسع النطاق خلفه، ضم أنصار ميلانشون والاشتراكيين السابقين المقربين منه، إلى جانب ما تبقى من رموز التيار المحافظ التقليدي. في بريطانيا، يسعى كير ستارمر إلى خوض الانتخابات العامة المقبلة في البلاد، وكأنها جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بحيث يضع الناخبين أمام خيار حاسم بينه وبين نايجل فاراج. فهو يدرك جيداً أن التلويح بخطر تولي فاراج رئاسة الحكومة يعد أقوى أوراقه الانتخابية. إن تصوير الانتخابات المقبلة في المملكة المتحدة على أنها مواجهة بين كير ستارمر ونايجل فاراج، هو الطريقة المثلى ليس فقط لاستقطاب أصوات أنصار كوربن وسلطانة، بل أيضاً لكسب أصوات من "حزب الخضر"، وحزب "الديمقراطيين الليبراليين" وحزب "المحافظين". أما السؤال الذي يفضل أنصار حزب كوربن-سلطانة تفادي الإجابة عنه، فهو ما إذا كانوا بدعمهم الكيان الجديد، يسهلون الطريق أمام نايجل فاراج للوصول إلى الحكم. وهذا هو المنطق الحتمي الذي يفرضه نظام التصويت بالغالبية البسيطة، وهم يدركونه تماماً، لكنهم يحاولون إنكاره من أجل إبقاء حلمهم السياسي حياً. معظم أنصار جيريمي كوربن المتحمسين يدركون هذه الحقيقة جيداً. ولهذا، كان كوربن متردداً في المضي قدماً بإطلاق الحزب الجديد، على رغم الحماسة التي أبداها بعض أتباعه لتأسيسه فور فوزه في دائرة "إزلينغتون نورث" كمرشح مستقل في انتخابات العام الماضي. فهو يعلم أن اقترابه من الفوز في انتخابات عام 2017 لم يكن ليحدث لولا سيطرة أنصاره على حزب "العمال" في تلك المرحلة. في المقابل، إن أي كيان سياسي ناشئ من حزب "العمال"، سرعان ما سيكتشف أن نهج دعم غزة ومناهضة الرأسمالية مهما بدا واسع النطاق، فهو يفتقر إلى عمق جماهيري. وإذا ما حافظ نايجل فاراج على شعبيته، فإن حسم الانتخابات المقبلة سيتقرر في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها حزب "العمال" مع "ريفورم"، إذ سيكون التصويت للحزب الجديد بمثابة تصويت لمصلحة فاراج. عندها، سيكون الوقت قد حان - كما قال إيمانويل ماكرون ذات مرة في فرنسا - ليتوحد جميع الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية في مواجهة الاستبداد المعادي للمهاجرين. هذه رسالة قد تجدي نفعاً مع ستارمر في بريطانيا، حيث تميل شرائح الناخبين عادة إلى التصويت لحزب "المحافظين"، أو "الديمقراطيين الليبراليين"، أو "حزب الخضر"، وكذلك مع الناخبين الذين ينجذبون إلى أي اسم سيطلق في نهاية المطاف على حزب "كوربن-سلطانة".

الاستعداد البريطاني للاعتراف بفلسطين... مدفوع بضغط داخلي أم خارجي فقط؟
الاستعداد البريطاني للاعتراف بفلسطين... مدفوع بضغط داخلي أم خارجي فقط؟

Independent عربية

timeمنذ 5 أيام

  • Independent عربية

الاستعداد البريطاني للاعتراف بفلسطين... مدفوع بضغط داخلي أم خارجي فقط؟

أعلنت بريطانيا، أمس الثلاثاء، استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء "الوضع المروع" في غزة وتفي بشروط أخرى. يأتي قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على خطى فرنسا، بعدما أكد الرئيس إيمانويل ماكرون عزم بلاده السعي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية وحض شركاء آخرين على أن يحذوا حذوها. وفي ما يلي بعض التفاصيل حول إعلان ستارمر، الذي جاء مدفوعاً باحتجاج عالمي متزايد على المجاعة والدمار في غزة وسط حرب إسرائيل على حركة "حماس"، إضافة إلى مواقف دول أخرى من مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. موقف ستارمر قال ستارمر إن بريطانيا ستتخذ هذه الخطوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر ما لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة للسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، وتعلن بوضوح أنها لن تضم الضفة الغربية وتلتزم بعملية سلام طويلة الأمد تفضي إلى "حل الدولتين" أي قيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل. وأوضح أن الحكومة البريطانية ستجري تقييماً في سبتمبر المقبل حول "مدى التزام الطرفين بهذه الخطوات"، لكن لن يكون لأحد حق النقض (الفيتو) على القرار. وشدد رئيس الوزراء مجدداً على أنه "لا توجد مساواة بين إسرائيل وحماس، وأن مطالبنا من حماس لا تزال قائمة وهي ضرورة إطلاق سراح جميع الرهائن والموافقة على وقف إطلاق النار والقبول بعدم لعب أي دور في حكومة غزة ونزع سلاحها". ما السبب؟ أكدت الحكومات البريطانية المتعاقبة أنها ستعترف رسمياً بدولة فلسطينية عندما يحين الوقت المناسب، من دون تحديد جدول زمني أو الشروط اللازمة. وقال ستارمر، إن توقيت هذه الخطوة يهدف إلى التأثير في الوضع الميداني بغزة، في وقت تواجه فيه فرص حل الدولتين تهديداً خطراً. ويطالب عدد متزايد من نواب حزب العمال، الذي ينتمي إليه ستارمر، بالاعتراف بدولة فلسطينية للضغط على إسرائيل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العلاقات الأميركية - البريطانية يعمل ستارمر على إقامة علاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونادراً ما تحيد بريطانيا عن النهج الأميركي في قضايا السياسة الخارجية. والتقى الزعيمان في اسكتلندا، أول من أمس الإثنين، لكن ترمب قال إنه وستارمر لم يناقشا خطة بريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية خلال لقائهما. وعندما سئل الرئيس الأميركي، الإثنين، عما إذا كان يتفق مع موقف ستارمر بأن الاعتراف بدولة فلسطينية "خطوة نحو السلام الدائم"، قال ترمب "لا أمانع في أن يتخذ موقفاً. أنا أسعى لإطعام الناس الآن... هذا هو الموقف الأهم. هناك كثير من الجوعى". وعقب إعلان فرنسا الأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو رفض الخطة رفضاً قاطعاً، واصفاً إياها بأنها "قرار متهور لا يخدم إلا حماس". Le Royaume-Uni se joint aujourd'hui à l'élan créé par la France pour la reconnaissance de l'Etat de Palestine. Ensemble, par cette décision capitale et nos efforts conjugués, nous enrayons le cycle infini de la violence et rouvrons la perspective de la paix dans la région. Une… — Jean-Noël Barrot (@jnbarrot) July 29, 2025 الرد الفرنسي على قرار بريطانيا من جهته كتب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على موقع "إكس" أن بريطانيا "تنضم إلى الزخم الذي أطلقته فرنسا للاعتراف بدولة فلسطين". وقال بارو "معاً، من خلال هذا القرار المحوري وجهودنا المشتركة، نضع حداً لدوامة العنف التي لا تنتهي، ونعيد فتح آفاق السلام في المنطقة". وأضاف، "لا شيء يمكن أن يقف في طريق فكرة عادلة وواضحة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store