
الهجمات الإسرائيلية في سوريا.. دفاع عن الدروز أم غطاء لهدف أكبر؟
بينما تعلن إسرائيل أن هجماتها الجوية المكثفة في سوريا تستهدف حماية أبناء الطائفة الدرزية، يذهب مراقبون إلى أن هذا التبرير ليس سوى غطاء سياسي لتحركات عسكرية أبعد بكثير من حدود «الامتنان» لمواطنيها الدروز.
إذ يتجاوز الأمر المعلن إلى ما يشبه محاولة فرض معادلة جديدة في جنوب سوريا، وربما أبعد من ذلك، إلى قلب العاصمة دمشق، ويُطرح تساؤلات حول هذا التوظيف السياسي للطائفة الدرزية وهل تؤسس لنفوذ داخلي في سوريا المستقبل؟ أم أن الهدف أبعد من ذلك، ويتعلق بإعادة ترسيم مناطق النفوذ تحت غطاء إنساني؟.
ورغم تكرار الزعم الإسرائيلي بالدفاع عن الأقليات، فإن اتساع نطاق الضربات الجوية ليشمل مناطق حيوية قرب القصر الرئاسي في دمشق، يشير إلى أن تل أبيب تسعى إلى أكثر من مجرد حماية مجموعة سكانية محددة، بل إلى تشكيل بيئة أمنية وسياسية جديدة في الجبهة الشمالية، مستفيدة من التحولات العميقة التي طرأت على موازين القوى في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
غارات تحت شعارات متبدلة
لطالما اعتادت إسرائيل على استخدام الغارات الجوية كجزء من أدوات سياستها في سوريا، وليس كعمليات عسكرية محصورة.
صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية كتبت بوضوح أن «إسرائيل استخدمت الغارات الجوية كسياسة في سوريا، بدءًا من استهداف قوافل الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حزب الله، مروراً بتركيز الضربات على التمركز الإيراني، وانتهاء اليوم باستهداف الحكومة السورية الجديدة».
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذه الضربات لم تكن بالضرورة مرتبطة بتهديد مباشر، بل إن الغارات استُخدمت «كبديل للسياسات»، مضيفة أن الحكومة السورية الجديدة، التي لم تُصدر تهديدات لإسرائيل، باتت هي الأخرى هدفًا مشروعًا ضمن هذه الاستراتيجية.
تصعيد ممنهج
ومنذ استلام الحكومة السورية الجديد مهامها نهاية العام الماضي، لم تتوقف إسرائيل عن تنفيذ عشرات الغارات الجوية، بذريعة استهداف ما تبقى من ترسانة النظام السابق أو «التهديد الإيراني». ولكن الخطاب الرسمي بدأ يتبدل تدريجيًا مع بداية العام، ليأخذ طابعًا إنسانيًا يركّز على «حماية الأقليات».
وفي 23 فبراير/شباط، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسة حكومته بشأن سوريا خلال خطابٍ في حفل تخرّج ضباط، معلنًا أن إسرائيل لن تسمح لأي وجود عسكري قرب حدودها، وتحديدًا من قبل الجيش السوري الجديد أو هيئة تحرير الشام، مشيرًا إلى أن «أي تهديد للدروز في جنوب سوريا» لن يكون مقبولًا.
نتنياهو لم يكتفِ بذلك، بل أعلن بشكل صريح بقاء الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في الجولان «لفترة غير محدودة»، وهو ما يُعد إعلانًا واضحًا بنوايا التدخل المستمر.
تبرير «حماية الدروز»
وتسارعت في الآونة الأخيرة الوتيرة العسكرية الإسرائيلية، تحت شعار حماية أبناء الطائفة الدرزية.
ورغم أن إسرائيل تراجعت عن قرارها بالسماح لمئات العمال الدروز السوريين بالدخول إلى أراضيها، فإنها كثّفت منسوب الخطاب «الدرزي» في كل مناسبة تتعلق بسوريا.
بلغت هذه السياسة ذروتها بعد تسجيل صوتي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي نُسب إلى رجل دين درزي قيل إنه أساء فيه إلى النبي.
وعلى الرغم من نفي صاحب العلاقة ووزارة الداخلية السورية صحة المقطع، فإن ذلك الحدث تحوّل إلى شرارة لتصعيد غير مسبوق، خاصة بعد اشتباكات شهدتها منطقة جرمانا ذات الكثافة الدرزية.
وبالتزامن، عقد الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، سلسلة من الاجتماعات والاتصالات مع المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك اجتماع أمني طارئ مع قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، طالب فيه بضمان «حقوق وكرامة» الدروز في سوريا.
قصف قرب القصر الرئاسي
وصباح الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي قصف أهداف قرب القصر الرئاسي في دمشق، في تطور لافت حمل رسالة سياسية واضحة.
وقال نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان مشترك إن هذه الضربة «رسالة للنظام السوري الجديد» مفادها أن أي تحرك نحو الجنوب أو تهديد للدروز سيُقابل برد صارم.
وتلقّى نتنياهو لاحقًا اتصالًا هاتفيًا من الشيخ طريف، الذي عبّر عن شكره لرئيس الوزراء على «توجيهاته بحماية أبناء الطائفة»، ما اعتُبر، داخل إسرائيل، تأييدًا ضمنيًا للتدخل العسكري.
لكن أصواتًا درزية أخرى داخل إسرائيل رفضت هذا النهج، حيث قال رفيق حلبي، رئيس مجلس دالية الكرمل والمتحدث باسم منتدى السلطات المحلية الدرزية، لإذاعة «كان»: «لا يُعقل أن نطالب بقصف سوريا. دروز سوريا مواطنون سوريون، وإذا كانت إسرائيل تريد التدخل، فلتفعل بصمت لأن التصريحات تُحرج الدروز».
موقف دروز سوريا
وفي السويداء، عقد وجهاء الطائفة الدرزية اجتماعًا أعلنوا فيه رفضهم التام لأي محاولة لتقسيم سوريا، مؤكدين على وحدة البلاد ورفض التدخل الخارجي مهما كانت ذرائعه.
لكن إسرائيل استمرت في التصعيد، وأعلنت، مساء الجمعة، تنفيذ غارات على موقع عسكري ومنظومات دفاع جوي في سوريا، بما يعكس إصرارها على تثبيت قواعد اشتباك جديدة في الجنوب السوري.
اختراق ناعم؟
وفي تطور لافت يحمل أبعادًا إنسانية وسياسية معًا، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استقبال 15 جريحًا درزيًا من سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، نُقلوا إلى مستشفى «زيف» في مدينة صفد للعلاج.
ورغم أن هذه الخطوة أُحيطت بخطاب إنساني، فإن توقيتها يشير إلى محاولة لاختراق المشهد السوري-الدرزي من بوابة المساعدات الإنسانية.
ويشكّل الدروز حوالي 3% من سكان سوريا، ويُقدر عددهم بحوالي نصف مليون نسمة يتمركزون أساسًا في محافظة السويداء وجنوب دمشق.
أما في إسرائيل، فيبلغ عددهم نحو 150 ألفًا، يخدم الكثير منهم في الجيش الإسرائيلي، ويشغل بعضهم مناصب رفيعة، بخلاف دروز الجولان الذين يرفض معظمهم الاعتراف بسيادة إسرائيل على أراضيهم.
الرفض العربي والدولي
في المقابل، توالت الإدانات العربية والدولية للهجمات الإسرائيلية. فقد أدانت الجامعة العربية الغارات على محيط القصر الرئاسي بدمشق، واعتبرتها «تصعيدًا خطيرًا وخرقًا لسيادة دولة عربية»، مطالبة مجلس الأمن بالتحرك لوقف هذه الاعتداءات.
أما المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، فدعا إلى «الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية»، مندّدًا بانتهاك سيادة سوريا من دون تفويض دولي.
لكن هذه الإدانات، ورغم تكرارها، لم تكن كافية لردع إسرائيل أو حتى إبطاء وتيرة ضرباتها.
aXA6IDQ1LjM4LjgwLjE2MCA=
جزيرة ام اند امز
FR

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
344 قتيلاً ومصاباً في غزة خلال 24 ساعة.. وإسرائيل تواصل غاراتها العنيفة
غزة ـ (رويترز) قال مسعفون في غزة إن ضربات جوية إسرائيلية أودت بحياة 82 فلسطينياً وإصابة 262 آخرين، خلال الساعات الـ 24 الماضية، فيما تواصل إسرائيل قصفها على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة عليها لوقف العمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات إلى القطاع من دون عوائق. وتسببت الحرب، التي دخلت شهرها العشرين، في دمار غزة بينما يواجه سكانها جوعاً متفاقماً. وأدت أيضاً إلى توتر علاقات إسرائيل مع معظم المجتمع الدولي، وأثرت أيضاً فيما يبدو في علاقاتها مع الولايات المتحدة أقرب حلفائها. وأعلنت الأمم المتحدة أنه لم تُوزع أي مساعدات إنسانية في غزة حتى الآن، على الرغم من إيصال المزيد من الإمدادات إلى الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم بعد أن خففت إسرائيل حصارها المستمر منذ أحد عشر أسبوعاً يوم الاثنين. محادثات الهدنة في قطر وعلى صعيد منفصل، تعثرت مجدداً فيما يبدو محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطر، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه قرر إعادة فريق التفاوض رفيع المستوى من الدوحة لإجراء مشاورات. واتهمت حماس نتنياهو بالدخول في المحادثات بسوء نية، قائلة إنه تظاهر بالمشاركة في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال جولة ميدانية في غزة إن الجيش سيوسع عملياته ضد حماس، وسيستولي على أراضٍ إضافية. ونفذت إسرائيل على مدار الساعات الماضية، مزيداً من الضربات في أنحاء القطاع المكتظ بالسكان. وقال مسعفون إن الهجمات شملت استهداف منزلين ما تسبب في مقتل 18 بينهم نساء وأطفال، فضلاً عن مدرسة تؤوي عائلات نازحة. وقالت القيادة الإسرائيلية إنها قادرة على تحرير الرهائن وتفكيك حماس بالقوة عبر تصعيد العمل العسكري. وتقول حماس إنها ستفرج عن الرهائن مقابل إنهاء الحرب وإطلاق سراح الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.


سكاي نيوز عربية
منذ 3 ساعات
- سكاي نيوز عربية
العقوبات تقترب... هل تأبه إسرائيل للتحذيرات الدولية؟
تهديد شديد اللهجة وجهه زعماء فرنسا وبريطانيا وكندا باتخاذ "إجراءات ملموسة" ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصل إلى حد فرض عقوبات ، ما لم تتوقف عن توسيع عملياتها العسكرية وتسمح فورا بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. وتطرق بيان مشترك للدول الثلاث إلى المعاناة الإنسانية في غزة ، حيث وصفوها بأنها بلغت مستوى "لا يطاق"، واعتبروا أن كمية المساعدات التي أعلنت إسرائيل السماح بإدخالها "غير كافية على الإطلاق". كما انتقد البيان الثلاثي، الذي وصفه موقع ميدل إيست مونيتور بالقوي على غير العادة، "اللغة البغيضة التي استخدمها أعضاء الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، مهددين بأن المدنيين سيبدأون في الانتقال من غزة بسبب يأسهم من تدميرها، فالتهجير القسري الدائم انتهاك للقانون الإنساني الدولي". وأوضح البيان أن الدول الثلاث التي لطالما دعمت "حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها ضد الإرهاب" لن تسمح باستمرار الوضع الراهن. وقالت الدول الثلاث: " لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال الفظيعة، إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية ، فسنتخذ إجراءات ملموسة ردا على ذلك". وبينما لم يغفل البيان دعوة حركة حماس إلى الإفراج الفوري عن الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم "بقسوة" منذ 7 أكتوبر، ذهب في انتقاداته لممارسات الحكومة الإسرائيلية إلى التعبير عن معارضة الدول الثلاث لأي محاولة للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. ورأت بريطانيا وفرنسا وكندا أنه "يتعين على إسرائيل وقف بناء المستوطنات غير القانونية التي تقوض قابلية بقاء الدولة الفلسطينية وأمن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. لن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات بما في ذلك فرض عقوبات محددة". ويرى مراقبون أن موقف الدول الثلاث ربما يزيد الحرج على حكومة نتنياهو دوليا، لا سيما وأن تلك الدول أعربت عن دعمها للجهود السلمية والمساعي التي يبذلها الوسطاء، الولايات المتحدة وقطر ومصر، للتوصل لحل سياسي طويل الأمد يضمن إنهاء معاناة الرهائن وعائلاتهم وتخفيف معاناة المدنيين في غزة وإنهاء سيطرة حماس على القطاع. إلا أن ما حمله البيان من حديث عن التوصل إلى سبيل نحو حل الدولتين، ربما لم يرق للحكومة الإسرائيلية، التي تتنصل حاليا من هذا الحل وتراه مستبعدا. وبالفعل سرعان ما انتقد نتنياهو البيان المشترك للدول الثلاث.وسمحت إسرائيل بإدخال كميات محدودة من المساعدات بالتزامن مع إعلانها عن بدء مرحلة جديدة من عملياتها العسكرية في القطاع تحت اسم "عربات جدعون"، توعدت بأنها ستكون ساحقة وستحتل عبرها قطاع غزة بالكامل، كما جاء على لسان نتنياهو نفسه. وبينما اختلفت التأويلات بشأن سبب سماح إسرائيل بإدخال المساعدات الآن، واتهام بعض الساسة الإسرائيليين لنتنياهو بتضليلهم وتضليل الرأي العام، كاشفين، وفقا لوسائل إعلام عبرية، أن المساعدات الإنسانية هي جزء من تفاهمات الإفراج عن الرهينة مزدوج الجنسية (الإسرائيلي الأميركي) عيدان ألكسندر الأسبوع الماضي، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي امتصاص غضب اليمين المتطرف في حكومته من خلال التأكيد على أنه "منذ بداية الحرب قلنا إنه حتى نستكمل النصر هناك شرط واحد، وهو عدم حدوث مجاعة في قطاع غزة، لأننا سنفقد الدعم إذا حدث ذلك". ويبدو أن غلاة اليمين المتطرف في الحكومة، وفي مقدمتهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اقتنعوا برواية نتنياهو مقابل وعدهم بالذهاب في الحرب إلى أبعد نقطة. فقال سموتريتش: "العالم سيفرض علينا وقف الحرب إذا لم ندخل المساعدات إلى غزة". إلا أنه تباهى بتحويل قطاع غزة إلى "مكان مدمر"، مضيفا: "نتجه لاحتلال قطاع غزة بالكامل... غزة لن تكون صالحة للعيش على مدار الـ20 عاما المقبلة... لن تتوقف الحرب لحظة واحدة قبل تدمير حماس". ووسط قلق دولي مما تنطوي عليه هذه المرحلة من التصعيد العسكري، حاول نتنياهو التقليل من وقع ما سيقدم عليه جيشه، وإضفاء شرعية دولية على تلك الخطوة ولم يخف عن أعضاء حكومته أنه يتعرض لضغوط شديدة حتى من أقرب حلفائه داخل الولايات المتحدة، وسط تحذيرات لتل أبيب من تجاوز "الخط الأحمر" في حربها على غزة. واعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن الضغط الدولي لمنع حدوث مجاعة وشيكة أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي على السماح بتخفيف الحصار على القطاع للحيلولة دون حدوث "أزمة مجاعة". إلا أن الصحيفة لفتت إلى أن كمية المساعدات التي سمح بإدخالها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية وفقا للأمم المتحدة أقل من 2 بالمئة من حجم الشحنات اليومية التي كان يستقبلها قطاع غزة قبل الحرب، وأن هذه المساعدات لن تحدث فارقا يذكر في الأزمة الخانقة التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني. وفي السياق ذاته، رأت هيئة البث العامة الكندية "سي بي سي" أن "الضغط الدولي أجبر الحكومة الإسرائيلية على رفع الحصار المفروض على إمدادات المساعدات الذي استمر قرابة ثلاثة أشهر وترك القطاع على حافة المجاعة". وفي ظل تزايد الانتقادات والاتهامات الموجهة لحكومة نتنياهو بانتهاج سياسة الحصار والتجويع، يتبادر إلى الأذهان تساؤل محوري بشأن طبيعة الإجراءات التي يمكن أن تدفع إسرائيل للتراجع أو وضع هذه الانتقادات في الاعتبار، لا سيما في ظل مواقف مماثلة لم تعتد فيها بمناشدات ومطالبات دولية، بل وبلغت حد عدم الانصياع لأحكام قضائية أو الامتثال لقرارات أممية. وبينما ينذر الوضع الراهن بكارثة إنسانية كبيرة في غزة مع لجوء إسرائيل لممارسة سياسة الضغوط القصوى وتكثيف عملياتها العسكرية، تتعلق الآمال بحدوث اختراق خلال المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، ونجاحها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لإنهاء أطول جولة في تاريخ التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني.


سكاي نيوز عربية
منذ 4 ساعات
- سكاي نيوز عربية
نتنياهو في مرمى الضغوط الدولية.. هل اقتربت نهاية حكومته؟
فبين عواصم الغرب التي تستدعي سفراء تل أبيب، وتعليق اتفاقات، وفرض عقوبات، وبين غضب متصاعد داخل الشارع الإسرائيلي ضد الحرب المستمرة في غزة ، تتسع الهوة بين الحكومة الإسرائيلية والعالم، وتبدأ التساؤلات تتزايد: هل اقتربت نهاية حكومة نتنياهو، وهل ستُسقطها التداعيات السياسية للحرب، أم يعصف بها الانقسام الداخلي؟. كانت المملكة المتحدة السباقة إلى خطوات غير معهودة في علاقاتها مع تل أبيب ، إذ استدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن ، وجمّدت مفاوضات التجارة الحرة، وفرضت عقوبات على عدد من المستوطنين. هذه الخطوات جاءت نتيجة لما وصفته لندن بـ"استخدام غير أخلاقي للقوة" في غزة ، وانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية. المواقف الأوروبية لم تقف عند هذا الحد، فقد توالت الدعوات في بروكسل و ستوكهولم و باريس لمراجعة اتفاق الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، لا سيما في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي. وفي قراءة لهذا التصعيد، أكد الباحث السياسي فراس ياغي خلال استضافته في "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية، أن "المحيط قد فاض، وليس فقط طفح الكيل"، في إشارة إلى أن سلوك حكومة نتنياهو تجاوز القدرة على التحمل، حتى من قبل أقرب حلفائها. واشنطن.. بداية إعادة التموضع؟ في واشنطن، ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم، بدأت تظهر إشارات واضحة لتبدل في الموقف الأميركي. وبحسب ما أورد موقع "أكسيوس"، طلب ترامب من مساعديه إيصال رسالة مباشرة إلى نتنياهو بضرورة إنهاء الحرب، وهو ما اعتبره فراس ياغي تحولا مفصليا في تعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة، خصوصا أن ترامب يقود مشروعا إقليميا لإعادة هندسة العلاقات في الشرق الأوسط، توّج سابقا باتفاقيات أبراهام. ويرى ياغي أن استمرار الحرب يعطل هذا المشروع، ويدفع ترامب إلى رؤية نتنياهو كعقبة أمام خطته للسلام الإقليمي، لا كشريك سياسي موثوق. ويضيف: "نتنياهو لم يعد يستجيب لأحد. إنه يدير حربا لأجل نفسه، وليس من أجل إسرائيل". أزمة الداخل.. عندما تتحول الحكومة إلى عبء الوضع الداخلي لا يبدو أفضل حالا من الخارجي. فبحسب استطلاعات الرأي، فإن ما يقرب من 70 بالمئة من الإسرائيليين يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. ومع ذلك، تصرّ الحكومة على نهجها، ما دفع ياغي إلى وصفها بأنها "حكومة أقلية داخل إسرائيل ، رغم أنها تمتلك أغلبية برلمانية". واعتبر أن هذا الانفصام يعكس أزمة شرعية عميقة، تتجاوز الحسابات الحزبية لتصل إلى تهديد الاستقرار المؤسساتي في الدولة العبرية. ووفق ياغي فإن نتنياهو يسعى إلى صناعة إرث سياسي مختلف، يمحو من خلاله تاريخه الملوث بملفات الفساد وخيانة الأمانة، لكنه "يستخدم الحرب كغطاء لتلميع نفسه، فيما إسرائيل تنهار سياسيا ودبلوماسيا". الصحافة الإسرائيلية نفسها لم تعد تغفر لنتنياهو، فقد كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت أن "إسرائيل تهزم نفسها بنفسها"، في توصيف حاد لما اعتبرته فشلا إستراتيجيا يمتد من الجبهة العسكرية إلى حلبة السياسة الخارجية. الحصار المفروض على غزة، والذي طالما استخدمته إسرائيل كأداة لإضعاف حماس، بات يرتد عليها، إذ تزايدت الدعوات في العواصم الغربية لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، مع تحذيرات أممية من مجاعة تلوح في الأفق. وفي هذا الإطار، يقول ياغي: "إسرائيل تُجبر الآن على إدخال المواد الغذائية، ليس رحمة بسكان غزة، بل خوفا من خسارة أصدقائها القلائل الباقين". ياغي يقرأ تحول الموقف الأميركي ضمن سياق أوسع يتعلق بطبيعة المرحلة التي يريد ترامب ترسيخها في المنطقة. فبعد أن عقد انفتاحات مع إيران، وتواصل مع الحوثيين، بات واضحا أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تقليص بؤر التوتر، وليس إشعالها. وفي هذا السياق، يُصبح نتنياهو بحسب ياغي عائقا لا يمكن تجاهله. ويتابع ياغي موضحا: "ترامب يعرف أنه لا يستطيع المضي في توسيع اتفاقيات أبراهام مع استمرار هذه الحرب. هو يريد منطقة مستقرة، ونتنياهو يريد إرثا شخصيا على حساب الجميع". خسائر بالجملة.. ومعارك تدار بالخسارة على المستوى الإستراتيجي، تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة، تتجاوز الميدان العسكري. فكما يوضح ياغي: "إسرائيل تخسر المجتمع الدولي، وتخسر الإقليم، وتخسر حلفاءها التقليديين". حتى على الصعيد الداخلي، فإن الصحفي الإسرائيلي الشهير أموس هاريل كتب: "نتنياهو ينتحر ويأخذ إسرائيل معه إلى الهاوية". تفكك الائتلاف.. هل تكون بداية الانهيار؟ رغم تماسك الائتلاف الحاكم ظاهريا، إلا أن هشاشته تتزايد، لا سيما في ظل الخلاف المحتدم حول "قانون التجنيد"، فالتيارات الدينية المتشددة (الحريديم) ترفض الانخراط في الخدمة العسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى انسحابها من الحكومة إذا لم يتم تقديم إعفاءات قانونية. وحول ذلك يرى ياغي أن هذا الملف بالذات قد يكون "المسمار الأول في نعش الحكومة"، إذا أحسنت المعارضة استخدامه لتفكيك التحالفات الهشة داخل الكنيست. ورغم تصاعد الاحتجاجات في الشارع، إلا أن المعارضة السياسية تبدو عاجزة حتى الآن عن استثمار اللحظة التاريخية. ويشير ياغي إلى أن إسقاط الحكومة لن يتم عبر التظاهر وحده، بل يحتاج إلى توافق برلماني دقيق حول صيغة قانونية تُحرج الائتلاف. وفي هذا السياق، يبقى قانون التجنيد أداة محتملة للتفجير السياسي، إذا ما أحسنت المعارضة توظيفه. العدّ التنازلي بدأ.. وسؤال النهاية يقترب في ظل هذا المشهد المعقّد، لا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قادرة على الصمود طويلا دون دفع ثمن باهظ، سواء داخليا أو خارجيا. العالم يضغط، والولايات المتحدة تغيّر موقفها، والشارع الإسرائيلي بدأ يضيق ذرعا، فيما نتنياهو يبدو كمن يهرب إلى الأمام، غير آبه بما يخلّفه وراءه من خراب. فهل نحن أمام بداية العد التنازلي لنهاية حكومة نتنياهو، وهل يقود الداخل الإسرائيلي هذه المرة مسار التغيير، مدفوعا بزخم دولي لا سابق له؟. أسئلة مفتوحة، لكن ما يبدو مؤكدا هو أن إسرائيل، في عهد نتنياهو، تقف على حافة خيارات مؤلمة.