
إفلاس باريس في إدارة الأزمة مع الجزائر
ولأول مرة تذهب باريس، في أزماتها مع الجزائر، إلى مستوى منع أو تضييق الوصول إلى الحقيبة الدبلوماسية، بوصفها معاملة تتمتع بالحصانة الدبلوماسية ضد التفتيش أو المصادرة، عملا بالمادة 27 من اتفاقية فيينا الشهيرة. والحقيبة الدبلوماسية، وفق واقع مختصة في العمل الدبلوماسي، تعبير مجازي يشير إلى أي صندوق أو طرد أو حاوية شحن أو أي وعاء آخر يستخدم بواسطة البعثة الدبلوماسية، يحمل عنوانا ولا يجوز تفتيشها عند منافذ الحدود والمنافذ الجمركية، كما لا تجوز مصادرتها.
وليس للحقيبة الدبلوماسية حجم أو وزن أو شكل معين كشرط لتمتعها بالحصانة، وإنما هي محل تعاملات بين الرسميين، وتكون مختومة بختم الجهات الدبلوماسية الوصية. وتنص الاتفاقية على أن الحقيبة الدبلوماسية يجب ألا تستخدم في غير الأغراض الرسمية التي تخدم مهمة البعثة الدبلوماسية. وتدخل الحقيبة، وفق المصادر نفسها، إلى الدولة المضيفة غالبا بصحبة عضو في البعثة الدبلوماسية يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ويسمى حامل الحقيبة الدبلوماسية.
وبالتوقف عند القرار الفرنسي، يتبين أن وزيرها للداخلية، الذي تقع تحت سلطته المطارات، خرق مبدأ دبلوماسيا صار واحدا من الثوابت والبديهيات التي تقوم عليها العلاقات الدولية، وعاد إلى مرحلة تاريخية يطغى عليها الشك والعنف والجوسسة، بدل الدبلوماسية والحوار.
ومن المعروف والمشهود له تاريخيا أن الجزائر حريصة على احترام الإجراءات الدبلوماسية والمواثيق الدولية بمختلف خصائصها، ودائما ما تكون مبعث مبادرات ووساطات السلام، على غرار أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران وإبرام اتفاقيات سلام في إريتريا ومالي وغيرهما، كما لم يسبق لدبلوماسييها أن تورطوا في شبهات على علاقة بالحقيبة الدبلوماسية.
ولم يسلم إجراء الحقيبة الدبلوماسية من التجاوزات ومحاولات استعماله وتوظيفه في غير محله، خصوصا في الدول الغربية، فقد ذكرت العديد من الوقائع، أبرزها في 5 جويلية 1984، عندما تم اختطاف عمر ديكو، وزير النقل النيجيري آنذاك، في المنفى في لندن، حيث تم تخديره ووضعه في صندوق خشبي لنقله جوا إلى نيجيريا كأمتعة دبلوماسية على متن طائرة شحن في مطار ستانستيد بلندن، لكن الشرطة أحبطت عملية الاختطاف، وقد كان في أحد الصندوقين ديكو والآخر بداخله الخاطفون، حيث تفطنت الشرطة للفاعلين بعدما لاحظت أن الحقيبة لم تكن مختومة بختم السفارة النيجيرية كما لم يتمكن المسؤولون عن عملية النقل من تعريف أنفسهم على أنهم مندوبون دبلوماسيون.
وفي عام 1984، تم تهريب مدفع رشاش ستيرلينغ في واحدة من 21 حقيبة دبلوماسية، الذي استخدم لقتل الشرطية يفونه فليتشر من داخل السفارة الليبية في لندن بالمملكة المتحدة.
ومن الوقائع الشهيرة، أيضا، تلك التي حدثت في عام 1964، عندما كان الجاسوس مردخاي لوك (يهودي مغربي)، الذي عمل مخبرا لمصر وربما عمل أيضا لإسرائيل وألمانيا، وفق موقع "ويكيبيديا"، سيُخطف في صندوق أمتعة دبلوماسية باسم السفارة المصرية، غير أن الشرطة في روما فتحتها وأحبطت العملية.
وفي العام 1979، ذكر الموقع المختص في توثيق الأحداث، بشكل مفتوح للجميع وقابل للتعديل، أن الحكومة الكندية أرسلت جوازات سفر كندية ومواد أخرى عبر حقيبة دبلوماسية إلى طهران عاصمة إيران، للمساعدة في تهريب ستة دبلوماسيين أمريكيين، كانوا قد نجوا من القبض عليهم أثناء الاستيلاء على سفارة الولايات المتحدة من قبل المتظاهرين الإيرانيين خلال الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه.
كما حاول الأرجنتينيون خلال حرب الفوكلاند عام 1982 استخدام حقيبة دبلوماسية لتهريب عدة ألغام لامعة إلى سفارتهم في إسبانيا، لاستخدامها في عملية سرية سميت بـ"ألجيسيراس" (الجزيرة الخضراء)، بهدف تفجير سفينة حربية بريطانية في حوض بناء السفن التابع للبحرية الملكية في جبل طارق، وتم الكشف عن المؤامرة وأوقفتها الشرطة الإسبانية قبل وضع المتفجرات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 6 أيام
- الشروق
تفنيدٌ قانوني لمزاعم وزير الداخلية الفرنسي
تتجدد فصول التوتر في العلاقات الجزائرية- الفرنسية، وكأنها مرآة تعكس عمق وتعقيد تاريخ يرفض أن يغادر الحاضر. وفي أحدث تصعيد، أثار وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، جدلاً واسعًا باعتراضه على قيام القنصليات الجزائرية في فرنسا بإصدار جوازات سفر لمواطنين جزائريين يقيمون على الأراضي الفرنسية، حتى وإن كانوا في وضعية غير نظامية. هذا الموقفُ الفرنسي، وإن ادَّعى الدفاع عن سياسة الهجرة الداخلية، إلا أنه يتجاهل عمدًا مبادئ راسخة في القانون الدولي، ويُشكل مساسًا مباشرًا بالسيادة الجزائرية. فما هي حقيقة هذه المزاعم في ميزان القانون الدولي؟ تتجاهل هذه التصريحات حقائق أساسية: ففرنسا، كأي دولة، لها الحق في تنظيم سياستها الخاصة بالهجرة وتطبيق قوانينها الداخلية، ولكن هذا الحق لا يمكن أن يتجاوز حدود السيادة الوطنية للدول الأخرى أو يمس بحقوق مواطنيها الأساسية. الخلاف الحقيقي هنا لا يتعلق بشرعية إصدار الجزائر للوثائق، بل بمدى تعاون الدولتين في ملف ترحيل المهاجرين، والجدل حول الاتفاقيات الثنائية القائمة، كـاتفاقية 1968 التي تنظم حركة الجزائريين في فرنسا. إن ما تقوم به الجزائر هو ممارسة طبيعية وراسخة لحقها السيادي وواجبها تجاه مواطنيها، وهو حق لا يمكن لأي دولة أجنبية أن تعترض عليه من الناحية القانونية، فالجزائر بهذا التصرف، لا تحترم فقط الالتزامات الواقعة عليها بموجب القانون الدولي، بل وتُحافظ على حقوق الإنسان لمواطنيها وتدافع عنها بقوة. الأساس في ذلك يعود إلى ركائز القانون الدولي العام: السيادة القنصلية المتأصلة بموجب القانون الدولي: تُعدّ صلاحية إصدار وثائق الهوية والسفر، وعلى رأسها جوازات السفر، من الوظائف الجوهرية للبعثات القنصلية حول العالم. تنص المادة الخامسة من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، وهي معاهدة دولية ملزِمة صادقت عليها كلتا الدولتين، بوضوح على أن وظائف القنصلية تشمل 'إصدار جوازات السفر ووثائق السفر لمواطني الدولة الموفدة'. الأهم في هذا السياق هو أن هذه الصلاحية غير مشروطة أبدًا بوضع الإقامة القانوني للمواطن في الدولة المضيفة. المعيار الوحيد هنا هو الجنسية؛ فالدولة ملزَمة برعاية مواطنيها حيثما كانوا، وتوفير الوثائق التي تثبت هويتهم وتضمن حقوقهم. جواز السفر: الأداة الجوهرية لتفعيل الحق في التنقل: إن توفير وثائق الهوية والسفر لمواطنينا هو التزامٌ أخلاقي وقانوني يخدم حقوق الإنسان الأساسية المكفولة دوليًّا، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 13)، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 12)، الذي دخل حيز النفاذ في 23 مارس 1976، يؤكدان الحق في حرية التنقل، ومغادرة أي بلد (بما في ذلك بلده)، والعودة إليه. هنا تكمن الأهمية القصوى: جواز السفر ليس مجرد ورقة إدارية، بل هو الأداة العملية التي لا غنى عنها لتفعيل هذه الحقوق الجوهرية، وتحويلها من مجرد مبادئ نظرية إلى واقع ملموس، فكيف يمكن لمواطن أن يمارس حقه في مغادرة وطنه أو العودة إليه من دون وثيقة سفر رسمية معترف بها؟ إن حرمان أي مواطن جزائري من وثيقة سفر رسمية، لأي سبب كان يتعلق بوضعيته في دولة أخرى، سيكون بمثابة انتهاك مباشر لحق أصيل من حقوقه الأساسية المكفولة دوليًّا. وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تفسيراتها وأحكامها، وعلى سبيل المثال في قضية De Brún v. Ireland (2000)، أن حرمان المواطن من وثيقة السفر من دون مبرِّر قانوني مشروع يُمكن أن يُعدَّ انتهاكًا لحقه في حرية التنقل. وبما أن الجزائر لا تحرم مواطنيها من هذا الحق، بل تمكّنهم منه، فإن موقفها متوافق تمامًا مع هذه المبادئ، فالجزائر، انطلاقًا من مسؤوليتها السيادية والإنسانية، لا يمكن أن تتخلى عن واجبها في توفير وثائق لمواطنيها الذين قد يجدون أنفسهم في وضعيات صعبة بالمهجر، وهي وثائق أساسية لا لعودتهم فحسب، بل لتسوية أوضاعهم إن أمكن في أي وقت. لا يوجد حظر قانوني دولي: يجب التأكيد أنه لا يوجد في القانون الدولي أي نص يمنع دولة من إصدار وثائق هوية لمواطنيها، حتى لو كانوا مقيمين بشكل غير نظامي في دولة أخرى. هذا الأمر يُعدُّ جزءًا أصيلًا من ممارسة الدولة لسيادتها على مواطنيها. المحاكم الدولية الكبرى، كمحكمة العدل الدولية، لم تنظر قط في قضايا تطعن في هذا الحق السيادي، بل على العكس، فإن قضايا الجنسية والحماية الدبلوماسية (مثل قضية نوتيبوم الشهيرة عام 1955) تُبرز أهمية الرابط بين الفرد ودولته الأم، وهو رابط يتجسد في وثائق الهوية. موقفٌ فرنسي متطرف إن اعتراض وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، ليس جديدًا في طبيعته، ويعكس توجهًا فرنسيًّا متشددًا تجاه ملف الهجرة. هذا التوجه هو سمة مميزة لسياسات اليمين المتطرف، الذي يجد فيه روتايو مساحة لزيادة تطرفه في موقعه على رأس وزارة الداخلية. إن ادِّعاءه 'عدم الاعتراف' بهذه الجوازات لأغراض الإقامة، هو محاولة لممارسة ضغط سياسي على الجزائر، وربما استجابة لاعتبارات انتخابية داخلية في فرنسا أكثر منها مقاربة قانونية. لقد تأجّجت هذه المسألة بشكل كبير بسبب رفض الجزائر ترحيلَ مواطنيها من فرنسا في بعض الحالات. هذا الرفض الجزائري ليس تعسفيًّا، بل غالبًا ما يأتي في سياق يمسّ بالقواعد المعمول بها في القانون الدولي العرفي، لاسيما تلك المتعلقة بقواعد الطرد المقرة من قبل لجنة القانون الدولي. لقد تبنت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة 'مشروع المواد بشأن طرد الأجانب' في عام 2014، والذي يعكس قواعد القانون الدولي العرفي في هذا الشأن ويضع قيودًا واضحة على سلطة الدول في طرد الأجانب. هذه القواعد تشترط ضمانات إجرائية صارمة، وتحظر الطرد الجماعي، وتُلزم الدول باحترام كرامة الأفراد وحقوقهم الأساسية خلال عملية الترحيل. إذا كانت إجراءات الترحيل لا تلتزم بهذه المعايير الدولية، أو لا توفّر الضمانات الكافية لحقوق الأفراد، فإن الجزائر تحتفظ بحقها السيادي في تقييم كل حالة على حدة، وفي رفض استقبال مواطنيها إذا كانت هذه الإجراءات تتنافى مع القانون الدولي أو كرامة مواطنيها. تتجاهل هذه التصريحات حقائق أساسية: ففرنسا، كأي دولة، لها الحق في تنظيم سياستها الخاصة بالهجرة وتطبيق قوانينها الداخلية، ولكن هذا الحق لا يمكن أن يتجاوز حدود السيادة الوطنية للدول الأخرى أو يمس بحقوق مواطنيها الأساسية. الخلاف الحقيقي هنا لا يتعلق بشرعية إصدار الجزائر للوثائق، بل بمدى تعاون الدولتين في ملف ترحيل المهاجرين، والجدل حول الاتفاقيات الثنائية القائمة، كـاتفاقية 1968 التي تنظم حركة الجزائريين في فرنسا. بدلاً من الخطاب التصعيدي الذي لا يخدم إلا تأجيج التوتر، ينبغي أن يكون التركيز على الحوار البنّاء والتفاوض الدبلوماسي لإيجاد حلول عملية وملزِمة للطرفين. إن التحديات المتعلقة بالهجرة تتطلب مقاربة شاملة تقوم على التعاون الدولي، لا على فرض الإملاءات أحادية الجانب أو تجاهل المبادئ القانونية الراسخة. احترام السيادة هو أساس العلاقة تؤكد هذه الأزمة المتجددة أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا، بتاريخها المعقد وثقله، لا يمكن أن تُدار بمنطق الاستعلاء أو التضييق على حقوق الدول. إن الجزائر، بدفاعها عن حقها في إصدار وثائق لمواطنيها، تؤكد على سيادتها الكاملة والتزامها بمسؤولياتها الدولية تجاه أبنائها، وهو موقف راسخ لا يمكن التراجع عنه. إن المسار الصحيح لتجاوز هذه الأزمات يكمن في العودة إلى مبدأ الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، والالتزام الصارم بالقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية. بدلاً من محاولات فرض الإملاءات التي لا تنتج سوى المزيد من التوتر، يجب أن تسود روح التعاون البراغماتي والحوار الصريح الذي يضع المصالح المشتركة فوق المناكفات السياسية. الجزائر، بتعاملها مع هذا الملف، تؤكِّد التزامها الكامل بمسؤولياتها الدولية، وتدعو فرنسا إلى إتِّباع المسار ذاته القائم على الشرعية الدولية والاحترام المتبادل لبناء علاقة قوية ومستقرة تخدم مصالح الشعبين.


الخبر
٢٧-٠٧-٢٠٢٥
- الخبر
إفلاس باريس في إدارة الأزمة مع الجزائر
في أعقاب الإجراءات الفرنسية التي قام بها وزير الداخلية، برونو روتايو، أول أمس، المانعة لـ"وصول الأعوان المعتمدين بسفارة الجزائر في فرنسا إلى المناطق المقيدة بالمطارات الباريسية بغية التكفل بالحقائب الدبلوماسية"، وفق بيانات رسمية من الجانبين، تطرح تساؤلات بخصوص ماهية الحقيبة الدبلوماسية واستعمالاتها المحددة في اتفاقية فيينا 1961 للعلاقات الدبلوماسية، الوثيقة المرجعية الدولية، التي خرقتها فرنسا بقرارها الأخير. ولأول مرة تذهب باريس، في أزماتها مع الجزائر، إلى مستوى منع أو تضييق الوصول إلى الحقيبة الدبلوماسية، بوصفها معاملة تتمتع بالحصانة الدبلوماسية ضد التفتيش أو المصادرة، عملا بالمادة 27 من اتفاقية فيينا الشهيرة. والحقيبة الدبلوماسية، وفق واقع مختصة في العمل الدبلوماسي، تعبير مجازي يشير إلى أي صندوق أو طرد أو حاوية شحن أو أي وعاء آخر يستخدم بواسطة البعثة الدبلوماسية، يحمل عنوانا ولا يجوز تفتيشها عند منافذ الحدود والمنافذ الجمركية، كما لا تجوز مصادرتها. وليس للحقيبة الدبلوماسية حجم أو وزن أو شكل معين كشرط لتمتعها بالحصانة، وإنما هي محل تعاملات بين الرسميين، وتكون مختومة بختم الجهات الدبلوماسية الوصية. وتنص الاتفاقية على أن الحقيبة الدبلوماسية يجب ألا تستخدم في غير الأغراض الرسمية التي تخدم مهمة البعثة الدبلوماسية. وتدخل الحقيبة، وفق المصادر نفسها، إلى الدولة المضيفة غالبا بصحبة عضو في البعثة الدبلوماسية يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ويسمى حامل الحقيبة الدبلوماسية. وبالتوقف عند القرار الفرنسي، يتبين أن وزيرها للداخلية، الذي تقع تحت سلطته المطارات، خرق مبدأ دبلوماسيا صار واحدا من الثوابت والبديهيات التي تقوم عليها العلاقات الدولية، وعاد إلى مرحلة تاريخية يطغى عليها الشك والعنف والجوسسة، بدل الدبلوماسية والحوار. ومن المعروف والمشهود له تاريخيا أن الجزائر حريصة على احترام الإجراءات الدبلوماسية والمواثيق الدولية بمختلف خصائصها، ودائما ما تكون مبعث مبادرات ووساطات السلام، على غرار أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران وإبرام اتفاقيات سلام في إريتريا ومالي وغيرهما، كما لم يسبق لدبلوماسييها أن تورطوا في شبهات على علاقة بالحقيبة الدبلوماسية. ولم يسلم إجراء الحقيبة الدبلوماسية من التجاوزات ومحاولات استعماله وتوظيفه في غير محله، خصوصا في الدول الغربية، فقد ذكرت العديد من الوقائع، أبرزها في 5 جويلية 1984، عندما تم اختطاف عمر ديكو، وزير النقل النيجيري آنذاك، في المنفى في لندن، حيث تم تخديره ووضعه في صندوق خشبي لنقله جوا إلى نيجيريا كأمتعة دبلوماسية على متن طائرة شحن في مطار ستانستيد بلندن، لكن الشرطة أحبطت عملية الاختطاف، وقد كان في أحد الصندوقين ديكو والآخر بداخله الخاطفون، حيث تفطنت الشرطة للفاعلين بعدما لاحظت أن الحقيبة لم تكن مختومة بختم السفارة النيجيرية كما لم يتمكن المسؤولون عن عملية النقل من تعريف أنفسهم على أنهم مندوبون دبلوماسيون. وفي عام 1984، تم تهريب مدفع رشاش ستيرلينغ في واحدة من 21 حقيبة دبلوماسية، الذي استخدم لقتل الشرطية يفونه فليتشر من داخل السفارة الليبية في لندن بالمملكة المتحدة. ومن الوقائع الشهيرة، أيضا، تلك التي حدثت في عام 1964، عندما كان الجاسوس مردخاي لوك (يهودي مغربي)، الذي عمل مخبرا لمصر وربما عمل أيضا لإسرائيل وألمانيا، وفق موقع "ويكيبيديا"، سيُخطف في صندوق أمتعة دبلوماسية باسم السفارة المصرية، غير أن الشرطة في روما فتحتها وأحبطت العملية. وفي العام 1979، ذكر الموقع المختص في توثيق الأحداث، بشكل مفتوح للجميع وقابل للتعديل، أن الحكومة الكندية أرسلت جوازات سفر كندية ومواد أخرى عبر حقيبة دبلوماسية إلى طهران عاصمة إيران، للمساعدة في تهريب ستة دبلوماسيين أمريكيين، كانوا قد نجوا من القبض عليهم أثناء الاستيلاء على سفارة الولايات المتحدة من قبل المتظاهرين الإيرانيين خلال الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه. كما حاول الأرجنتينيون خلال حرب الفوكلاند عام 1982 استخدام حقيبة دبلوماسية لتهريب عدة ألغام لامعة إلى سفارتهم في إسبانيا، لاستخدامها في عملية سرية سميت بـ"ألجيسيراس" (الجزيرة الخضراء)، بهدف تفجير سفينة حربية بريطانية في حوض بناء السفن التابع للبحرية الملكية في جبل طارق، وتم الكشف عن المؤامرة وأوقفتها الشرطة الإسبانية قبل وضع المتفجرات.


الشروق
١٧-٠٧-٢٠٢٥
- الشروق
المخابرات الفرنسية تسرب وثيقة لاستهداف الجزائر!
لا يعني تراجع التصريحات الرسمية الفرنسية المعادية للجزائر، بالضرورة وجود إرادة من باريس في خفض التصعيد واستعادة العلاقات الثنائية التي دخلت الثلاجة منذ نحو سنة من الآن، والدليل تسريب وثيقة رسمية من هيئة سيادية فرنسية تهاجم الجزائر وتتهمها بزعزعة استقرار فرنسا. هذه الوثيقة صادرة عن 'المصلحة الفرنسية لليقظة والحماية من التدخل الرقمي الأجنبي'، والتي تعرف اختصارا بـ' Viginum'، وهي تمثل الفرع التقني للمعلومات من المخابرات الفرنسية، وقد تم تسريبها لصحيفة 'لوكانار أونشيني' الساخرة، وتتضمن اتهامات للجزائر بإدارة حرب إلكترونية ضد فرنسا بهدف زعزعة استقرارها، على حد زعم الصحيفة التي قالت إنها اطلعت عليها. وتحدثت الصحيفة في عددها الصادر الأربعاء 16 جويلية 2025، عن 'حرب' أخرى غير ظاهرة علاوة على الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة، تجري في العالم الافتراضي، استنادا إلى الوثيقة المسربة من دهاليز مصالح محاربة الجريمة الإلكترونية في المخابرات الفرنسية، في أحدث تصعيد من الجانب الفرنسي، بعد أشهر من هدنة غير معلنة، التزم فيها الساسة الفرنسيون، وعلى رأسهم وزير الداخلية، برونو روتايو، بعدم الخوض في الأزمة الدبلوماسية والسياسية الراهنة. وتزعم الوثيقة الصادرة عن 'المصلحة الفرنسية لليقظة والحماية من التدخل الرقمي الأجنبي'، أن جيشا من الحسابات الجزائرية المزيفة يشن حملة مناهضة لفرنسا على منصات التواصل الاجتماعي، للتلاعب بالرأي العام وتشويه سمعة الحكومة الفرنسية. كما تزعم أيضا أن هذه الحسابات تنشر 'المحتوى نفسه تماما في نفس الوقت أو بفارق دقائق'. وتتحدث الوثيقة، التي حاولت تقديم بعض التفاصيل، استنادا على ما أوردته صحيفة 'لوكارنار أونشيني'، عن إنشاء 4652 منشور عبر الإنترنت و55 مقطع فيديو على يوتيوب حول مؤامرة مزعومة من قبل المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ضد الجزائر في غضون عشرين يوما فقط في ديسمبر 2024، فضلا عن استهداف بعض العلامات التجارية الفرنسية، مثل علامة صناعة الجبن 'لا فاش كيري'، وعملاق صناعة السيارات 'بيجو'، والعلامة الشهيرة 'لاكوست' المختصة في صناعة اللباس. وفي تصعيد خطير يؤشر على أن عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية ليس قريبا كما يصوره البعض، تتهم المصلحة الفرنسية لليقظة والحماية من التدخل الرقمي الأجنبي، جهات سيادية جزائرية، ما يؤكد بأن السلطات الفرنسية تحاول الاختباء وراء تسريبات إعلامية من أجل استفزاز الجزائر، ثم بعد ذلك يتم الاختباء وراء حرية التعبير، كما يسوقون تبريراتهم في كل مرة. الوثيقة التي سربتها صحيفة 'لوكانار أونشيني'، تأتي في وقت تعيش فيه السلطات الفرنسية حالة من الإحباط، بسبب فشل كل مناوراتها الرامية إلى ثني السلطات الجزائرية عن بعض مواقفها السيادية، لا سيما ما تعلق باستمرار سجن الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، والصحفي الرياضي، كريستوف غليز، وهي المعضلة التي أرهقت سلطات باريس، وضعتها أمام تحديات صعبة أمام الرأي العام الفرنسي. ولا يستبعد أن تمر هذه الحادثة دون أن تخلف ردا جزائريا حازما، يتم فيه اختيار الوقت المناسب، لأن الوثيقة صادرة عن جهة سيادية، وهي تكشف كيف تنظر مؤسسة فرنسية على قدر كبير من الحساسية تجاه الجزائر، كما أن وجود اعتقاد بهذا الخصوص، يعني أن الطرف الضحية، إن صح التعبير، سوف يرد بطريقته، وفي ذلك مؤشر على أن هناك مؤشرات على تصعيد مرتقب على محور الجزائر باريس، الذي يبقى رهينة تداعيات القرار غير المحسوب العواقب، الذي اتخذه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في الصائفة المنصرمة، بانخراطه في دعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، الذي تقدم به النظام المغربي في سنة 2007.