logo
الكنز المنسي: استثمار في العقول وعوائد بمليارات الدولارات

الكنز المنسي: استثمار في العقول وعوائد بمليارات الدولارات

الجزيرة١٣-٠٥-٢٠٢٥

ما الذي يمنع دولة عربية واحدة فقط من أن تقلب المعادلة رأسًا على عقب.. ليس بحقول النفط، بل بحقوق العقول؟
تخيلوا هذا السيناريو البسيط: دولة عربية تقرر إنشاء "معهد الخوارزميات العربية"، مؤسسة معرفية تكنولوجية، لا تتطلب أكثر من مليون دولار كاستثمار أولي. لكن في المقابل؟ عوائد بمليارات الدولارات خلال سنوات معدودة، ناهيك عن الأثر الحضاري والثقافي والسيادي الذي لا يُقدّر بثمن.
الفكرة ليست ضربًا من الخيال، بل رؤية عملية: استقطاب 100 من نخبة العقول العربية الشابة من الجامعات العالمية، من مهندسي البرمجيات، ومطوري الذكاء الاصطناعي، ورواد الخوارزميات. يتم توظيفهم بعقود مجزية، في بيئة عمل محفزة، بهدف واحد: تطوير خوارزميات عربية تُحدث فرقًا في سوق التطبيقات العالمي.
معهد لا يُنتج نظريات بل تطبيقات
الهدف ليس تأليف الأوراق العلمية فقط، بل خلق منتجات رقمية حقيقية: خوارزميات للترجمة، للتعليم، للأمن السيبراني، للروبوتات، للقطاع الصحي والمالي.. منتجات تُباع عالميًّا وتستخدم عربيًّا، تطبيقات تُحمَّل بالملايين وتدرّ أرباحًا مستدامة لصاحب المشروع.
ولِمَ لا؟ ألم تبدأ شركات عالمية كـ"واتساب" أو "تيك توك" من مكتب صغير وفريق محدود؟ لماذا لا نكون نحن أصحاب النسخة العربية القادمة من هذه الموجات التقنية الجارفة؟
إعلان
نحن لا نفتقر إلى العقول، بل إلى من يؤمن بها
الشباب العربي يبدع في وادي السيليكون، وفي جامعات كندا وأوروبا، لكنه يُهمل في أرضه، ويُحبط في وطنه، ويُتهم في بلده بأنه "حالم أكثر من اللازم". لكن الحقيقة أن المشكلة ليست في الشباب، بل فيمن لا يستثمر فيهم.
نحن نملك عقولًا قادرة على كتابة شفرات تُغير العالم، تمامًا كما غيّر "البيرقدار" خريطة الحروب الحديثة! الفرق أن الأولى تحتاج فقط من يحتضنها في معمل، لا في معسكر.
في زمن يُقاس فيه النفوذ بالبيانات، وصُنّاع القرار يركبون خوارزميات الذكاء الاصطناعي، نحن ما زلنا نتجادل في "جدوى الاستثمار في التقنية"
من المليون إلى المليار.. طريق أقصر مما نظن
مليون دولار هو رقم صغير في موازنات الدول، لكنه كفيل بإطلاق مشروع نهضوي معرفي، يبدأ بخطوات صامتة وينتهي بصدى عالمي.
معهد صغير، لكنه بإدارة احترافية، وبخطة واضحة، يمكنه أن يخلق اقتصادًا رقميًّا موازيًا، يدرّ أرباحًا تفوق ما تحققه بعض شركات النفط والسياحة.. والأهم من ذلك: يُعيد الثقة للعربي في ذاته، وفي قدرته على إنتاج المعرفة، لا استهلاكها فقط.
منصة للتطبيقات.. ومنصة للكرامة
في زمن يُقاس فيه النفوذ بالبيانات، وصُنّاع القرار يركبون خوارزميات الذكاء الاصطناعي، نحن ما زلنا نتجادل في "جدوى الاستثمار في التقنية". لا نحتاج إلى ثروات ضخمة بل إلى إرادة واعية.. نحتاج إلى من يؤمن بأن العقول أغلى من الحقول.
هي دعوة موجهة لكل من بيده القرار:
ماذا لو كانت النهضة القادمة عربية؟
ماذا لو صدّرنا للعالم تطبيقًا يعلّم أبناءه كما علمناهم الحروف قديمًا؟
ماذا لو أطلقنا معهدًا، لكنه يصبح منصة للكرامة العربية الرقمية؟
ويكفينا في هذا السياق أن نتذكر القول البليغ: "لا تحقرنّ صغيرة، فإنّ الجبال من الحصى.".. فمليون دولار قد يكون مجرد حجر، لكنه إذا وُضع في المكان الصحيح، قد يُطلق جبلًا من الإمكانات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب
البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب

في عالم تتزايد فيه أهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عصا سحرية تتمتع بالقدرة على إحداث نقلة نوعية وإحداث ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمالية والسياسة. ومن بين الشخصيات العربية البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبئي، أثبت البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مكانته في الابتكار والأبحاث بالولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب أستاذ في جامعة نيويورك (NYU) ومدير مختبر التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في الجامعة. وفي لقاء خاص مع الجزيرة نت، أشار باري إلى ضرورة اهتمام الشباب ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مؤكدا على ضرورة إنشاء أول جامعة ووزارة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. المسار الأكاديمي وُلد أنس باري في مدينة طنجة بالمغرب حيث درس في المدارس الحكومية وتخصص في الرياضيات. وأشار أنس في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أكمل دراسته في جامعة الأخوين بإفران بتمويل من قرض طلابي، وحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، متخرجا في صدارة دفعته عام 2007. وعند التحاقه للعمل بشركة "ميرسك"، كان باري من أوائل الموظفين الذين أسهموا في بناء البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم وأكبر ميناء في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. ولتحقيق طموحاته الأكاديمية، تقدم بطلبه في برنامج فولبرايت ـوهو أحد أكثر المنح الدراسية شهرة في العالمـ وحصل على المنحة الدراسية في المحاولة الثانية. وفي عام 2010، انتقل إلى واشنطن العاصمة ليكمل دراسة الماجستير ثم الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، وتخرج في صدارة دفعته بمعدل 99%. وقد ركز بحثه في الدكتوراه على التنقيب في البيانات والذكاء الجماعي، وهما فرعان من الذكاء الاصطناعي. وأصبح من أوائل الباحثين الذي طوروا خوارزميات مستوحاة من الطبيعة، وتحديدا سلوك الطيور، لتصميم نماذج تحليل تنبؤية. ويعتقد باري أن حلول العديد من مشاكل العالم موجودة في الطبيعة "هذا الإيمان قادني إلى التخصص في الذكاء الجماعي ودراسة السلوك الجماعي للأنواع الذكية مثل الطيور والنحل والدلافين لتطوير خوارزميات تُستخدم اليوم على نطلق واسع في منصات مثل نتفليكس وأمازون وأنظمة صنع القرار". التدريس والبحث بعد حصوله على الدكتوراه، انضم البروفيسور المغربي إلى مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة كعالم بيانات رئيسي، قبل العودة إلى الأوساط الأكاديمية كأستاذ في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، حيث حصل على جائزة أفضل أستاذ للسنة. وقبل 10 سنوات، انتقل إلى جامعة نيويورك ليشغل منصب أستاذ وباحث، ويدير مختبرا يضم أكثر من 29 عالما "أعمل مع نخبة من كبار العلماء في معهد كورانت، الذي يُعد أحد أفضل المراكز عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي". وبالتوازي مع التدريس، شغل باري عدة أدوار استشارية مع مؤسسات معروفة، مثل وول ستريت ومنظمات الرعاية الصحية والأمم المتحدة وغيرها. أول جامعة للذكاء الاصطناعي وأكد الأستاذ في جامعة نيويورك للجزيرة نت على ضرورة إحداث تغيير جذري للنظام التعليمي في الدول العربية، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات الحكومية بشكل خاص. وقال "يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي لضمان ولوج الطلاب العرب سباق التنافس على المستوى العالمي والاستفادة من الإمكانات التكنولوجية لإعداد جيل جديد من المفكرين واستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات رئيسية، كالزراعة والسياحة والطاقة المتجددة". وتابع البروفيسور باري "عندما شهدنا 3 ثورات تكنولوجية كبرى في القرن الماضي ـالحاسوب الشخصي والإنترنت والذكاء الاصطناعي- كنا في موقع المستهلك فقط. أما اليوم، فيمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لقيادة هذه الثورة بدل البقاء في مقعد المتفرجين والتابعين لها فقط". وبالتالي، يقترح باري إنشاء أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المغرب أو إحدى الدول العربية، تشمل كلية علوم الكمبيوتر وكلية التحليلات التنبؤية وكلية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ويعتبر البروفيسور المغربي أن هذه المبادرة ستضمن تخرج الآلاف من الخبراء في هذا المجال "وسيكون ذلك أفضل استثمار تقوم به الدول العربية في تاريخها. ومن موقع الجزيرة نت، أدعو إلى العمل الفوري وأنا مستعد للتعاون بخطة واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذا الطموح واتخاذ خطوات جريئة وفعالة نحو المستقبل". كما حثّ باري كل دول المنطقة على تطوير إستراتيجية وطنية لإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي على غرار وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في الإمارات العربية المتحدة. ويرى المتحدث أن التجربة الإماراتية نموذج يمكن الاحتذاء به بعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم. جوائز وابتكارات وتقديرا لما حققه في التعليم والبحث، حصل أنس باري على جائزة مارتن لوثر كينغ لعام 2025، وتُمنح هذه الجائزة لأعضاء هيئة التدريس المتميزين الذين يُجسدون روح الدكتور كينغ الابن في دراسته وحياته وعمله في مجال العدالة، والذين يُروجون لمبادئ وأخلاقيات مساهمات كينغ العالمية الواسعة في أبحاثهم وتدريسهم وقيادتهم وجهودهم في بناء المجتمع. وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور إن "هذا التقدير يحمل معنى كبيرا لي ويعكس القيم التي أسعى لغرسها في طلابي، خاصة خدمة الناس والأمم، وهي قيم نجدها عند المغاربة والشعوب العربية". وقد قاد أنس باري أول فريق من علماء الحاسوب والأطباء لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالحالات الشديدة من كوفيدـ19 في عام 2020، من خلال الجمع بين التحليلات التنبؤية والبيانات السريرية والعوامل الديمغرافية للمرضى وغيرها. وفي عام 2021، أنشأ أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المعلومات المضللة حول فيروس كورونا وقياس مستوى الثقة في اللقاحات. وبعدها بعامين، شارك في إنشاء خوارزمية لإعادة تعريف أنظمة التوصية من خلال برنامج "بايرورانك" (PyRoRank) الذي استلهم سلوكه من الطريقة التي تنتظم بها أسراب الطيور ذاتيا. وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قاد البروفيسور فريقا من العلماء لتصميم أداة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج الانتخابات والتنبؤ بها. وعند سؤاله عن المشاريع التي يعمل عليها حاليا، قال باري إنه يركز على البحث في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية حيث يتعاون مع خبراء بارزين، من بينهم البروفيسور ديفيد ناغل ـوهو أحد كبار الباحثين العالميين في مجال الطاقةـ لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستكشاف مصدر جديد واعد للطاقة يُعرف باسم التفاعلات النووية منخفضة الطاقة (LENR). وأضاف "هدفنا هو تسريع البحث والتطوير التجاري لهذا المصدر النووي المبتكر، الذي قد يُحدث ثورة في إنتاج الطاقة العالمي. وقد تم عرض أعمالنا في أهم المؤتمرات الدولية للطاقة النووية، ولا نزال نواصل توسيع آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع". وإلى جانب ذلك، يعمل مختبره البحثي على تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، وعلوم المناخ، وتطوير الذكاء الاصطناعي. وصفة النجاح وعن وصفة النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي، أكد أنه بالإضافة إلى الخبرة العملية والعلمية، يُعتبر الإصرار والالتزام وتعزيز حس الفضول والانفتاح على التعاون من كلمات السر للتفوق في هذا المجال. كما ركز في حديثه للجزيرة نت على قيم إنسانية عديدة، مثل التفاني في العمل والصدق، قائلا "والدتي الراحلة رشيدة بارگاش غرست فيّ قيمة النزاهة والصدق في كل الجهود التي أبذلها، وكانت تقول لي دائما: اعمل بجد وأمانة في كل ما تقوم به". وأضاف "المغاربة والشباب العربي شعوب موهوبة وملتزمة بالعمل الجاد لأنه يسري في دمائها. وبما أن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور والانتشار، سيتزايد الطلب على خريجي الجامعات الذين يملكون معرفة ومهارات متخصصة فيه. لذا، أنصحهم ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، فعلى الرغم من إمكانياته الهائلة فإنه يأتي مع اعتبارات أخلاقية مهمة للغاية". وقال البروفيسور "طوال مسيرتي المهنية، واجهت العديد من التحديات والرفض. عندما التحقت بجامعة الأخوين، كان تمويل دراستي صعبا ورغم مساعدة والديّ، اضطررت إلى أخذ قرض كبير من البنك. كما تم رفض طلبي للحصول على منحة فولبرايت في المرة الأولى، لكنني تقدمت مرة أخرى ونجحت". وتابع أنس باري "واجهت العديد من الرفض في فرص العمل، وكنت عاطلا عن العمل لمدة تزيد عن سنة. استمرت حالات الرفض والإخفاقات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. الرحلة لم تكن سهلة قط؛ فالفشل والرفض جزء من التجربة. نحن كبشر لا نفشل، بل نتعلم من إخفاقاتنا. وفي النهاية، أولئك الذين ينجحون هم الذين لا يستسلمون أبدا".

كيف يغير الذكاء الاصطناعي طريقة بناء الحواسيب حول العالم؟
كيف يغير الذكاء الاصطناعي طريقة بناء الحواسيب حول العالم؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

كيف يغير الذكاء الاصطناعي طريقة بناء الحواسيب حول العالم؟

عبر العصور، استطاعت قلّة من الابتكارات التقنية تحويل العالم إلى ما هو عليه الآن، إذ ساهمت في تغيير شكل صناعات كاملة حتى أصبح العالم بالشكل الذي نعرفه اليوم، ويمكن تشبيه هذه الابتكارات بالثورة الصناعية التي كان لها أثر ممتد عبر السنين. وعلى غرار التغير الحادث في آلية بناء الحواسيب وتعاملنا معها تزامنًا مع إطلاق شبكة الإنترنت في بداية تسعينات القرن الماضي، فإن الذكاء الاصطناعي الآن بدء في تغيير آلية بناء الحواسيب الذكية حول العالم، وهذا التغيير يتخطى مستوى المستخدمين المعتادين، فهو تغيير يمتد إلى قواعد البيانات والحواسيب التجارية التي تعتمد عليها الشركات بشكل رئيسي. وبينما تسعى بعض الشركات التقنية لبناء نماذج ذكاء اصطناعي يمكن للمستخدمين الاستفادة منها وتسخيرها لصالحهم، فإن قطاع آخر من الشركات يسعى لتلبية الاحتياجات الصناعية للشركات التي تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، إذ تحول الأمر إلى سباق مستعر بين كبرى الشركات في كلا القطاعين. البطاقات الرسومية كنواة للثورة القادمة أعادت الشركات بناء أنظمة الحواسيب وابتكرت نوعًا جديدًا من المنشآت يدعى مراكز البيانات لمواكبة ثورة الإنترنت والحاجة المتزايدة لهذه الخدمة، والآن، تعيد الشركات بناء مراكز بياناتها والحواسيب بشكل يلائم تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبينما كانت قواعد البيانات في السابق تعتمد بشكل أكبر على سعة التخزين والاتصال بالإنترنت من أجل مشاركة البيانات، أصبحت الآن تعتمد على مكون مختلف تمامًا، وهو البطاقات الرسومية التي تمثل اللبنة الأولى لبناء مراكز بيانات ملائمة للذكاء الاصطناعي. توفر البطاقات الرسومية قوة حوسبة تتفوق في غالب الأحيان على المعالجات المركزية ووحدات المعالجة العصبية، لذا اتجهت إليها الشركات من أجل بناء مراكز البيانات، وعبر دمج أكثر من 100 ألف شريحة رسومية وتوصيلها معًا، ولدت الحواسيب الخارقة الجديدة التي تكون مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي. حواسيب خارقة من بطاقات رسومية في الماضي، كان استخدام البطاقات الرسومية يقتصر على العاملين في القطاعات التي تحتاج إلى قوة معالجة رسومية، مثل قطاعات الإعلام المختلفة التي تحتاج لبناء نماذج ثلاثية الأبعاد وتحريكها أو مونتاج الأفلام ومقاطع الفيديو فضلًا عن ألعاب الفيديو التي كانت تحتاج إلى قوة رسومية كبيرة. لذا كانت تبني الشركات بطاقاتها الرسومية بكمية وآلية تلائم هذه الاستخدامات تحديدًا، دون النظر إلى بقية القطاعات، وربما كان هذا السبب الرئيسي وراء حدوث أزمة البطاقات الرسومية في الأعوام الماضية مع انتشار جهود تعدين العملات الرقمية واكتشاف قدرات هذه البطاقات على التعدين. وبشكل يماثل أجهزة التعدين الخارقة التي تجمع بين أكثر من بطاقة رسومية واحدة، ولدت الحواسيب الخارقة المكونة من 100 ألف بطاقة رسومية أو أكثر، وهي حواسيب قادرة على تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي وتلبية احتياجاته من قدرات الحوسبة الكبيرة. بالطبع، لا يتكون مركز بيانات الذكاء الاصطناعي من حاسوب خارق واحد فقط، بل يضم عشرات وربما مئات الحواسيب الخارقة، وهذا يجعل تكلفة بناء هذه المراكز والمحافظة عليها أعلى من مراكز البيانات التقليدية. في عام 2006، استثمرت " غوغل" لبناء أول مركز بيانات لها في دالاس بولاية أوريغون وذلك بتكلفة تقريبية وصلت إلى 600 مليون دولار، واليوم بعد مضي ما يقرب من عقدين، تحاول "أوبن إيه آي" مع شركائها بناء 5 مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي بتكلفة 100 مليار دولار، مع توقعات بضخ 400 مليار دولار أخرى قبل إنتهاء المشروع، أي بتكلفة تزيد عن 1000 ضعف تكلفة أول مركز بيانات بنته "غوغل". وبينما تتسابق " أوبن إيه آي" مع الشركات الأميركية لبناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الخارق مع هذه التكاليف المهولة، فإن شركة " ديب سيك" الصينية جاءت لتأخذ السباق في إتجاه مختلف تمامًا، إذ استطاعت تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها دون الحاجة إلى إنفاق المليارات لبناء مركز بيانات خاص به. أثر ممتد على الاقتصاد العالمي لم يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات التابعة له على الشرائح وآليات بناء هذه المراكز فقط، بل امتد إلى كل ما تحتاجه هذه المراكز لتعمل بكفاءة وطوال الوقت، وكما تسببت الثورة الصناعية في ظهور المحركات البخارية التي احتاجت إلى شبكات طرق ونقل تلائمها، تحتاج مراكز الذكاء الاصطناعي إلى مصادر طاقة ملائمة لها فضلًا عن آليات تبريد تلائمها. إذ تكمن نقطة الضعف الأكبر في الشرائح الرسومية المطلوبة لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي في حجم الطاقة اللازم لتشغيل هذه الشرائح والحرارة الناتجة عنها، وهو ما يجعلها تحتاج إلى آليات تبريد خاصة تسخر المياه الجارية. ومع تزايد الطلب على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، يرتفع الطلب على الشرائح الرسومية اللازمة لتشغيل هذه المراكز فضلًا عن الحاجة إلى المزيد من الطاقة الكهربائية ومصادر الطاقة الجديدة إلى جانب كميات مياه أكبر من أجل التبريد أو آليات تبريد جديدة. شرائح جديدة تناسب الذكاء الاصطناعي ربما تمكنت الشرائح الرسومية الحالية المطورة من قبل "نفيديا" وغيرها من الشركات، تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي وتشغيل نماذجه في الوقت الحالي بكفاءة، ولكن هذه النماذج تطور بمعدل أسرع من معدل تطور الشرائح الرسومية في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي يدفع الشركات لتطوير شرائح جديدة قادرة على تلبية المتطلبات الجديدة. تحاول "غوغل" و"نفيديا" بناء شرائح جديدة ذات قوة أكبر ومتطلبات أقل لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر توفير ما يعرف باسم الأنوية العصبية، وهي أنوية مخصصة لتشغيل الشبكات العصبية التي تعد المكون الرئيسي لنماذج الذكاء الاصطناعي المعتادة. لماذا الحاجة للشرائح الرسومية وليس الشرائح المعتادة؟ تستطيع الشرائح الرسومية تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي ومعالجة الأوامر الموجهة إليه بشكل أفضل من شرائح المعالج المركزي المعتادة، وذلك بفضل آلية عملها الفريدة والمختلفة من نوعها، فبينما تعتمد المعالجات المعتادة على وحدات المعالجة الفردية التي تعالج البيانات بشكل متتابع، فإن الشرائح الرسومية تعتمد على عدد أكبر من وحدات المعالجة القادرة على معالجة البيانات معًا في وقت واحد. ومن أجل تبسيط الفارق بين الوحدتين، لنتخيل وجود صورة أمامنا يحتاج الذكاء الاصطناعي لقرائتها وتحليلها ثم إعادة بنائها مجددًا، فبينما يقوم المعالج المركزي المعتاد بقراءة كل سطر من الصورة بشكل متتالية، أي يقرأ الجزء العلوي منها ثم ينتقل إلى الجزء الأسفل منه وهكذا، فإن المعالج الرسومي يقوم بقراءة الصورة كلها معًا في آن واحد، وذلك لأن كل وحدة معالجة تقوم بقراءة جزء من الصورة بشكل منفصل عن الوحدة المجاورة لها وفي الوقت ذاته. تتيح آلية التواصل بين وحدات المعالجة المختلفة في المعالجات الرسومية بناء ما يعرف باسم الشبكة العصبية، وهي التي تبني نماذج الذكاء الاصطناعي ونماذج الدردشة الفريدة المعتمدة عليها، ومن أجل زيادة قوة هذه الشبكات العصبية وتجهيز البطاقات لتشغيلها بكفاءة تامة، قامت "نفيديا" كشركة رائدة في قطاع بطاقات الشاشات ببناء بطاقات جديدة تحمل أشباه موصلات أكثر في الشريحة ذاتها، ولاحقًا، بدأت "غوغل" في جهود بناء شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. مراكز بيانات أكثر إزدحامًا بفضل الطريقة المختلفة التي تعمل بها البطاقات الرسومية عن بقية المعالجات، فإن قوة البطاقة الفردية ليست العامل الوحيد المؤثر في قوة مركز البيانات وسعته، بل عدد البطاقات المتواجدة معًا في المركز الواحد، فكلما ضم المركز عددًا أكبر من البطاقات، تمكنت هذه البطاقات من العمل معًا بشكل أفضل وأصبحت قادرةً على إنتاج بيانات أكثر وذات جودة أعلى. وبالتالي، بدأت الشركات في وضع عدد أكبر من بطاقات الشاشة والشرائح الخاص بها داخل مراكز البيانات، وقامت بعض الشركات الأخرى مثل "ميتا" ببناء المزيد من مراكز البيانات المتجاورة لزيادة قوة نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها. فبعد أن بنت "ميتا" 5 مراكز بيانات في عام 202 على بعد ساعة من جنوب مدينة سولت ليك في قلب الصحراء الأميركية، قامت في عام 2022 بعد ظهور "شات جي بي تي" وبدء سباق الذكاء الاصطناعي بتحويل هذه المراكز لتصبح ملائمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي وقامت ببناء مركزين جديدين إلى جوارهم، مع العمل أن حجم المركز الواحد يتخطى 65 ألف متر مربع. التوجه الجديد لبناء مراكز الذكاء الاصطناعي رفع من معدل إستهلاك الطاقة بشكل كبير، إذ تحتاج البطاقات الرسومية إلى طاقة أكبر من الحواسيب المعتادة، وهذا أثر سلبًا على استهلاك الطاقة في هذه المراكز والمناطق المحيطة بها. ذكاء اصطناعي أقوى يعني استهلاك طاقة أكبر في عام 2023، قامت شركة "سيراسكيل" (Cirrascale) بتأجير مركز بيانات تقليدي تبلغ مساحته 13 ألف متر مربع، مركز البيانات هذا كان يضم 80 صفًا من الحواسيب التقليدية ويستهلك شهريًا 5 ميغاواط من الطاقة، وهي كمية كافية لتشغيل 3600 منزل أميركي متوسط. لاحقًا، قامت "سيراسكيل" بازالة الحواسيب التقليدية الموجودة في المركز واستبدلتها بحواسيب مزودة ببطاقات شاشة، وبعد أن كانت تستهلك 5 ميجاواط لتشغيل 80 صفًا من الحواسيب، أصبحت الآن تستهلك معدل الطاقة زادته لتشغيل 10 صفوف من الحواسيب المزودة ببطاقات الشاشة، وحتى إن زادت الشركة من استهلاكها للطاقة بمعدل 10 أضعاف، فإن هذا لن يكون كافيًا لتشغيل 80 صفًا من الحواسيب ذات بطاقات الشاشة المخصصة للذكاء الاصطناعي. ورغم الاستهلاك الضخم للطاقة الذي استعرضته شركة "سيراسكيل"، فإنها تظل من الشركات الصغيرة في قطاع الذكاء الاصطناعي التي لا تقارن مع شركة عملاقة مثل "أوبن إيه آي" التي تحتاج إلى أضعاف هذه الطاقة، وقد ظهر تقرير مؤخرًا يشير إلى الشركة تنوي بناء 5 مراكز بيانات تستهلك طاقة كهربائية أكثر من 3 مليون منزل أميركي. بحسب التقارير، فإن مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي استهلكت أكثر من 4% من إجمالي الطاقة المولدة في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تحتاج هذه المراكز إلى المزيد من الطاقة وحجم أكبر مستقبلًا مع نمو وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والشرائح المستخدمة لتشغيلها. هذا الاحتياج المبالغ فيه للطاقة دفع العديد من الشركات إلى النظر لحلول مستدامة لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها، بين الاعتماد على الطاقة النووية والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، أو التوجه إلى الصحارى وتسخير طاقة الرياح، ولكن استهلاك الطاقة المبالغ فيه ليس المشكلة الوحيدة، إذ أن استهلاك هذا الكم من الكهرباء يولد طاقة حرارية يصعب التخلص منها وقد تسبب في تلف الحواسيب والشرائح الرسومية، لذا كان يجب على الشركات البحث عن حل للتخلص من هذه الحرارة. حلول مبتكرة للتبريد جرت العادة أن يعتمد تبريد مراكز البيانات على أجهزة تبريد هوائية، تقوم بسحب الهواء الساخن والدافئ وضخ الهواء البارد بدلًا منه، وقد كانت هذه الآلية قادرة على تبريد الهواء بشكل ملائم حتى ظهرت الحاجة إلى مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. لذا احتاجت الشركات لابتكار آلية تبريد جديدة قادرة على مواكبة درجات الحرارة الناتجة من شرائح الشاشة والحواسيب المتلاصقة معًا، وما تقوم به "غوغل" في مركز البيانات الخاص بها في بريور، وهي بلدة زراعية ومربية للماشية تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من أوكلاهوما، يعد الحل الأقرب للمثالية. اختارت "غوغل" اللجوء إلى المياه الباردة من أجل تبريد مراكز البيانات الخاصة بها، إذ يضم مقر "غوغل" هناك 13 مركز بيانات مختلف مع عشرات الآلاف من البطاقات الرسومية تستهلك مئات الميغاواط من الطاقة، وبين هذه المباني الأسمنتية، تجد مضخات المياه البادرة التي تعمل على تبريد مراكز البيانات هذه. ولضمان جودة التبريد، فإن "غوغل" تجعل المياه الباردة تمر في مسارات ملاصقة للحواسيب والشرائح لتسحب الحرارة وتستبدلها بالأجواء الباردة الملائمة، وهذه الطريقة تشبه ما يحدث مع مضخات التبريد المائي المعتاد للحواسيب المنزلية. بالطبع، تمثل المياه خطرًا مباشرًا على شرائح ومعالجات مراكز البيانات الخاصة، إذ قد تتعرض الشرائح للتلف فور وصول المياه إليها، ومن اجل تفادي هذا الأمر، تستخدم "غوغل" موادًا كيميائية لتجعل المياه أقل توصيلًا للكهرباء وبالتالي أقل ضررًا. في عام 2023، استهلكت مراكز البيانات من "غوغل" 6.1 مليار غالون من المياه، وذلك قبل أن تفتح 11 مركز بيانات جديد في عدة ولايات أميركية، ناهيك عن مراكز البيانات التابعة للشركات الأخرى، وهذا يضع مخزون المياه العالمي تحت ضغط استهلاك مهول قد لا يكون قادرًا على تلبيته. مركز بيانات الذكاء الاصطناعي المثالي تحاول الشركات بشتى الطرق أن تجدًا حلولًا ملائمة للتغلب على التحديات المختلفة التي تواجه مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ورغم نجاح بعض هذه الحلول، إلا أنها لم تخاطب المشكلة الرئيسية والمتسبب الرئيسي في الأزمة، وهي المتطلبات المرتفعة لهذه المراكز. وبينما أثبتت "ديب سيك" إمكانية طرح نموذج ذكاء اصطناعي خارق بالاعتماد على المصادر المفتوحة للذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا ليس حلًا مستدامًا لكافة الشركات التي تسعى لطرح وتقديم هذه النماذج مفتوحة المصدر. وبالتالي، يصبح تقديم مراكز بيانات ذكاء اصطناعي ذات متطلبات أقل هو الحل الأكثر جدوى أمام الشركات، إذ تحتاج الشركات إلى تقديم شرائح أقوى قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي دون استهلاك الطاقة بشكل مبالغ فيه أو تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لبناء مئات الآلاف من الشرائح. ربما يكون الحاسوب الكمومي هو الحل المثالي، وربما يكون الحل في جيل جديد من بطاقات الشاشة والشرائح الذكية أو نموذج ذكاء اصطناعي غير متطلب، ولكن الأمر الأكيد أن استمرار مراكز البيانات في استهلاك الطاقة والمياه بهذا الشكل سيكون له أثر سلبي واسع على حياتنا اليومية.

من الروبوتات البشرية وحتى آلات المراقبة.. الذكاء الاصطناعي يغير الحياة في الصين
من الروبوتات البشرية وحتى آلات المراقبة.. الذكاء الاصطناعي يغير الحياة في الصين

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

من الروبوتات البشرية وحتى آلات المراقبة.. الذكاء الاصطناعي يغير الحياة في الصين

قدّمت الحرب التجارية الضروس التي تخوضها حكومة الصين ضد إدارة ترامب فرصة ذهبية للشركات الصينية العاملة في قطاع التقنية، وتحديدا شركات تطوير الروبوتات والذكاء الاصطناعي. وأدركت حكومة شي جين بينغ بعد سنوات من اضطهاد عمالقة التكنولوجيا أن شركاتهم قادرة على دعم الاقتصاد الصيني وإنقاذه من الأزمة المقبلة بعد انحدار قيمة الاستثمار العقاري وضعف الطلب على المنتجات الصينية عامة. وربما كانت لحظة نجاح " ديب سيك" وإبهار العالم أحد العوامل التي جعلت حكومة الصين تدرك أهمية القطاع التكنولوجي، إذ تمكنت الشركة من تقديم نموذج ذكاء اصطناعي يوازي ذلك الذي تقدمه الشركات الأميركية ولكن بتكلفة أقل كثيرا. ورغم أن تأثير هذا النموذج على الاقتصاد الأميركي كان سلبيا فإن أثره كان معاكسا على الاقتصاد الصيني الذي شهد رغبة الملايين الاستثمار في الشركة الناشئة. معادلة من 3 أطراف يمكن تقسيم سلسلة تطوير الروبوتات عموما إلى 3 أجزاء، الأول وهو العقل أو الذكاء الاصطناعي الذي يدعم الروبوت ويجعله يقوم بوظائفه المختلفة، والثاني هو الهيكل المعدني أو العضلات التي تتحرك استجابة لأوامر العقل، وأخيرا النظرة الإبداعية التي تتمكن من دمج هذا الروبوت وسط وظائف المجتمع بشكل يناسب كلا الطرفين. وبينما تبدع الصين منذ اللحظة الأولى في الجزأين الثاني والثالث لكن التحدي الحقيقي كان في بناء الذكاء الاصطناعي القادر على التعامل مع الأوامر المعقدة وتنفيذها، لذا فإن ظهور "ديب سيك" على الساحة كان كفيلا لتلبية هذا الاحتياج وإتمام معادلة تطوير الروبوتات. ورغم أن شركات الروبوتات الصينية قد لا تعتمد مباشرة على النسخة مفتوحة المصدر من نموذج "ديب سيك" فإن مجرد ظهور النموذج كان كفيلا لإنارة الطريق أمام هذه الشركات، إذ أثبت أن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خارق لا يحتاج إلى الشرائح فائقة الأداء التي لا تستطيع هذه الشركات الوصول إليها. وهذا لا يعني أن الطريق أصبح ممهدا أمام الشركات الصينية لتطوير روبوتات ذكاء اصطناعي خارق، إذ لا تزال العقبات المعتادة في هذا القطاع تقف أمامها مثلما تقف أمام الشركات الأميركية، فبينما يمكن تطوير نموذج لغوي فائق عبر الاعتماد على البيانات المتاحة مجانا في الإنترنت فإن تدريب الروبوتات يحتاج إلى نوع آخر من البيانات يتمحور حول آلية التحرك في الفضاء الفيزيائي والتعامل مع الأشياء، وبفضل طبيعتها الخاصة فهي بيانات شحيحة التوافر. 60 درجة من الحرية في عالم الروبوتات توجد ما يعرف باسم "درجات الحرية"، وهي مفهوم يشير إلى قدرة الروبوت على التحرك في محاور مختلفة، وبالتالي تأدية وظائف أكثر تعقيدا وتطلب تحركات أكثر تعقيدا. ومن أجل فهم هذا المصطلح يمكن القول إن الذراع الروبوتية التي تمتلك مفصلا واحدا فقط وتتحرك بزاوية 360 درجة توصف بأنها ذات درجة حرية واحدة، وفي حال امتلاك الذراع أكثر من مفصل ترتفع درجات الحرية الخاصة بها، وعموما، فإن الأذرع الروبوتية تمتلك درجات حرية بين 3 و7 درجات. واستطاعت الشركة الصينية "يونيتري" تقديم روبوت ذكاء اصطناعي يدعى "إتش 1" قادر على الركض وتأدية حركات راقصة، وكان هذا الروبوت إحدى أبرز اللحظات في حفل مهرجان الربيع الصيني لهذا العام، إذ كان الروبوت يمتلك 27 درجة من درجات الحرية، ولكن بحسب ما يصف الخبراء فإن الروبوت القادر على محاكاة الوظائف البشرية يجب أن يمتلك 60 درجة من درجات الحرية. وفي مقابلة مع صحيفة "غارديان" قال روي ما الخبير الصيني في القطاع التكنولوجي والمقيم في سان فرانسيسكو إن تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه مع الروبوتات سرّعا عملية تطوير الروبوتات بشكل كبير، وأتاحا وجود العديد من الروبوتات التجارية التي تقدم الوظائف البسيطة. أداء الوظائف البسيطة ورغم أن روبوت "إتش 1" تمكن من إحداث ضجة كبيرة عالميا فإنه كان نموذجا استعراضيا في المقام الأول، فكل ما قام به كان مدربا عليه ولا يستطيع القيام بأي فعل آخر غيره، ولكن اختلف الأمر مع العديد من الروبوتات المصغرة الأخرى على عكس الروبوتات البشرية. وفي مدينة شنتشن -التي تعرف بكونها عاصمة المسيّرات في الصين- يظهر مشهد معتاد لطائرة مسيرة صغيرة تحلق بسرعة كبيرة طمعا في الوصول إلى وجهتها وتسليم الطعام قبل أن يصبح باردا، وذلك عبر مجموعة من كبائن تسليم الطعام التي انتشرت في أرجاء المدينة والحدائق المختلفة. وتعمل شركة "ميتوان" -التي تعد إحدى أكبر شركات توصيل الطعام في الصين- على توسيع أسطولها من المسيّرات القادرة على تسليم طلبات الطعام إلى الأماكن المختلفة عبر كبائن التسليم ضمن رحلة للتغلب على أوقات تسليم الطعام البشرية بمقدار 10%. وفي شوارع شنغهاي اعتاد المارة على رؤية الكلاب الآلية تلعب مع الأطفال أو تحمل الحقائب وتسير إلى جوار ملّاكها في الأماكن المختلفة، ناهيك عن أسطول "بايدو" من التاكسيات الآلية التي تغزو مدنا صينية عدة. أما في حدائق بكين العامة فبدأت الإدارة بالاعتماد على العربات ذاتية القيادة في مراقبة الحديقة والطرق المختلفة، وذلك عبر تزويدها بكاميرات ذات دقة عالية وقدرة على تتبع الحركة بشكل واضح وسريع، وذلك من أجل خفض تكلفة المراقبة الحديثة والحفاظ على أمن زوارها. المزيد من الاستخدامات الأمنية ورغم أن الحكومة الصينية لم تتوسع بعد في الاستخدامات الأمنية للروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي فإنه من المتوقع توسعها في هذه الاستخدامات بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، وربما كان ما تفعله إدارة حدائق بكين هو مجرد مثال بسيط على ما ينتظر الشعب الصيني. لكن هذه الاستخدامات تعتمد مباشرة على تطور الروبوتات البشرية وقدرتها على أداء المزيد من الحركات المعقدة ذات محاور الحركة الأكثر تعقيدا، ولكن مشهد ضباط الشرطة وقوات فض الاشتباك الآلية لن يكون غريبا خلال السنوات المقبلة. دعم حكومي واسع في مارس/آذار الماضي خرج رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ بتصريح مباشر، واعدا الشركات التقنية بأنه سيطلق العنان لإبداع الاقتصاد الرقمي مع تركيز خاص على مفهوم "الذكاء الاصطناعي المتجسد"، أي استخدام الذكاء الاصطناعي في الروبوتات. ويبدو أن الحكومة الصينية تنوي دعم هذا التصريح بشتى الطرق، إذ أعلنت حكومة إقليم قوانغدونغ -الذي يضم مدينة شنتشن- نيتها استثمار ما يقارب 7 ملايين دولار لتطوير مراكز الابتكار ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبحسب تقدير هيئة الطيران الصينية، فإن قطاع المسيّرات -التي تحلق على ارتفاع منخفض- سيشهد في السنوات المقبلة نموا واسعا يصل إلى 5 أضعاف الوضع الحالي خلال القرن المقبل، ومن المتوقع أن يزداد النمو أكثر من هذا. يشار إلى أن جاك ما مؤسس شركة "علي بابا" الشهيرة -والذي كان مطاردا في السنوات الماضية من الحكومة الصينية- حصل على دعوة خاصة لمقابلة الرئيس الصيني، إلى جانب مجموعة من مؤسسي كبرى الشركات التقنية الصينية، وهو ما يعزز توجه الحكومة الصينية في دعم التقنية والشركات الخاصة بها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store