
لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للقوة
فرغم عقود من نحول الإمبراطورية البريطانية، وتراجع مكانتها دوليا، وتآكل قوتها العسكرية، واستقلال مستعمراتها السابقة، وإفلاسها وعجز مواردها عن تغطية متطلبات مشروعها الإمبريالي، لا يزال الوجدان البريطاني مسكونا بـ"أمجاد" إمبراطورية لم تكن تغيب الشمس عن أملاكها، ومتعلقا بطقوس "الانتصارية" و"الاستعلائية" و"الاستثنائية" الإمبراطورية والفوقية الأنكلوسكسونية والحنين إلى رومانسية الماضي الاستعماري.
وهي أعراض يعتقد المفكر وعالم النفس الأيرلندي، ديلان إيفانز، أن البحث التاريخي قد وضع حدا لها. والحقيقة أن تقاليد البحث الأكاديمي البريطانية لا تزال قادرة على سبر أغوار هذه التجربة الإمبراطورية ومشروعها الإمبريالي واجتراح رؤى ونظريات تفكك وتفسر المسارات التي اتخذها هذا المشروع خلال قرون صعوده وانحداره.
بالنسبة لبريطانيا، كانت الإمبريالية -كما يُفهم المصطلح عموما- عَرَضا ونتيجة للانحدار وليس للقوة
والحقيقة أن البحث التاريخي لم يتوانَ، وبشكل مبكر نسبيا، عن تبديد تلك الأوهام بلا هوادة وعلى نحو صارم لا يجامل. ففي كتابه "حصة الأسد" (1975)، قدّم المؤرخ والأكاديمي البريطاني برنارد بورتر طرحا لافتا: "بالنسبة لبريطانيا، كانت الإمبريالية -كما يُفهم المصطلح عموما- عَرَضا ونتيجة للانحدار وليس للقوة".
كان هذا تحديا مباشرا للرأي السائد، القائل إن التوسع الإمبراطوري لبريطانيا في القرنين الـ19 والـ20 انعكاسا لقوة قومية هائلة، ودينامية، وثقة بالنفس.
إعلان
وبحسب إيفانز، تتجلى تلك النظرة الأقدم والأكثر رومانسية للإمبراطورية، مثلا، في "ثلاثية الإمبراطورية" للمؤرخة الويلزية جان موريس، رغم أن نهجها أكثر دقة من "الانتصارية" الصريحة أو الاعتذاريات الإمبراطورية لكُتّاب سابقين مثل جيه. ر. سيلي، وتشارلز ديليك، وروديارد كِبلنغ، وجورج كِرزُن.
والمؤكد أن موريس تقف في تقليد الكتابة الإمبراطورية الذي احتفى بـ"المهمة الحضارية" لبريطانيا وقوتها العسكرية، وغالبا ما يكون سردها متعاطفا ونوستالجيا ومعجبا بالمشروع الإمبراطوري، لكنها ليست مجرد مدافع أو مشجع، فهي تحتل مكانة مهمة في تطور الكتابة الإمبراطورية البريطانية، خاصة لدى مؤرخين مثل بورتر. وتنتهي ثلاثيتها بملاحظة واضحة من الحزن والفقد، ويُنظر إليها أحيانا كمرثية لما بعد الإمبراطورية، بدلا من مجرد احتفال.
دوافع المشروع الإمبريالي
تحدى برنارد بورتر السردية الانتصارية بتناول مشروع الإمبراطورية كمشكلة وعبء وليست مغامرة مجيدة. وجادل بورتر أنه بحلول أواخر القرن الـ19، كان موقف بريطانيا العالمي تحت ضغط القوى الصاعدة: ألمانيا والولايات المتحدة واليابان، وتحديث صناعي لمنافسين أوروبيين، وتكلفة باهظة وتعقيد استمرار الالتزامات العالمية.
كانت "الإمبريالية الجديدة" (1870-1914) -اندفاعا نحو أفريقيا والشرق الأوسط وبعض آسيا- ردود فعل، وكانت دفاعية أو استباقية غالبا، وأحيانا يائسة، وليس تأكيدا واثقا للقوة. وأصبحت الإمبراطورية، بالنسبة لبريطانيا، تعويضا عن تراجع القدرة التنافسية الصناعية، ومصدرا للمكانة والهوية الوطنية مع تراجع تفوقها الاقتصادي والعسكري.
تزايد إنهاك بريطانيا وأعبائها، مع تمسكها بالمشروع الإمبريالي، ليس من منطلق قوة، بل خوفا من التراجع، لحماية الأسواق، وتأمين الموارد، والدفاع عن الطرق الإستراتيجية، خاصة إلى الهند.
كانت "الإمبريالية الجديدة" (1870-1914) -اندفاعا نحو أفريقيا والشرق الأوسط وبعض آسيا- ردود فعل، وكانت دفاعية أو استباقية غالبا، وأحيانا يائسة، وليس تأكيدا واثقا للقوة. وأصبحت الإمبراطورية، بالنسبة لبريطانيا، تعويضا عن تراجع القدرة التنافسية الصناعية، ومصدرا للمكانة والهوية الوطنية مع تراجع تفوقها الاقتصادي والعسكري.
ويلاحظ إيفانز تناقض أطروحة بورتر مع تفسيرات أسبق (رونالد روبنسون وجون غالاغر، وسرديات ماركسية) اعتبرت الإمبريالية البريطانية تمددا للقوة الرأسمالية أو السيطرة الجيوسياسية من موقع هيمنة. واشتهر روبنسون وغالاغر بمقالهما الرائد بعنوان "إمبريالية التجارة الحرة" (1953) (مجلة مراجعة التاريخ الاقتصادي) وكتابهما الصادر عام 1961 (بالاشتراك مع أليس ديني) بعنوان "أفريقيا والفيكتوريون: العقل الرسمي للإمبريالية"، وكلاهما ركز على السياسة العليا والتفكير الرسمي، وافترضا تماسك الهدف الإمبريالي ومركزيته بالمجتمع البريطاني. بخلاف ذلك، شكك بورتر بشدة في عقلانية وفائدة الإمبريالية اقتصاديًا لبريطانيا ككل؛ وشدّد على تناقضها وتكاليفها وأعبائها.
وعندما أعدّ بورتر كتابه "حصة الأسد" لطبعته الثالثة (1995)، سجّل أن مناقشة الإمبريالية البريطانية "تطورت بشكل ملحوظ" منذ نشر الطبعة الأولى. الأهم، أنه أشاد بنظرية إيه جي هوبكنز عن الإمبريالية الرأسمالية "الجنتلمانية" بتقديمها "مفتاحا واعدا لتناقضات عديدة تسبب انهيار التحليلات الأكثر تبسيطا".
الإمبريالية الرأسمالية "الجنتلمانية"
طور هوبكنز نظرية الرأسمالية الجنتلمانية بالاشتراك مع بيتر كين في عدة أعمال، أبرزها كتاب "الإمبريالية البريطانية، 1688-2000" (1993). وأعادت نظريتهما تأطير التوسع الإمبراطوري البريطاني، أساسا، ليس كنتيجة لمصالح صناعية أو تصنيعية، ولا لضرورات جيوسياسية وعسكرية، ولا "لمهام تحضرية" قومية أو إنسانية، بل كان مدفوعا بمصالح اقتصادية واجتماعية لنخبة مالية وخدمية متمركزة بلندن، أطلقا عليها اسم "الرأسماليين الجنتلمان".
ولم يكن الرأسماليون "الجنتلمان" صناعيين من مانشستر أو برمنغهام، بل مصرفيين وممولين وتجارا وشركات تأمين وملاك أراضٍ مقيمين بلندن. وكانوا متجذرين بعمق في الحياة الاجتماعية لمدينة لندن، مرتبطين بالطبقة الأرستقراطية بالزواج، ونمط المعيشة، والتعليم (المدارس الخاصة وجامعتي أكسفورد وكامبريدج)، والقيم الثقافية. وكان لهم نفوذ هائل في الدولة البريطانية، خاصة وزارة الخزانة ووزارة الخارجية وبنك إنجلترا (المركزي). وجادل هوبكنز وكين بأن التوسع الإمبراطوري البريطاني منذ أواخر القرن الـ17 فصاعدا، وقبل الثورة الصناعية بكثير، يُفهم جيدا كخادم لمصالح رأسمالية "الجنتلمان"، خاصة تأمين الأسواق الخارجية والاستثمارات والاستقرار المالي. وقد تحدى هذا الطرح توجهات سابقة اعتبرت الإمبريالية بأغلبها صناعية أو عسكرية أو أيديولوجية بحتة.
ويعتقد إيفانز أنه عندما رأى بورتر في هذه الأطروحة "مفتاحا واعدا امتلكناه بعد عقود"، كان يُسلط الضوء على كيفية حل هوبكنز وكين عدة مشكلات قديمة في التأريخ الإمبراطوري. فقبل ذلك، شددت النظريات الماركسية والماركسية الجديدة (مثل لينين وجيه إيه هوبسون) على الدوافع الاقتصادية، لكنها ركزت بإفراط على رأس المال الصناعي أو فائض رأس المال الباحث عن أسواق التصدير.
كذلك، غالبا ما ركز مؤرخون غير ماركسيين على الدوافع الثقافية أو السياسية أو الإستراتيجية- القومية، والأيديولوجيات العرقية، ومهام التحضر. وقد قدم هوبكنز وكين توليفا جوهره: محورية الدوافع الاقتصادية، لكن الفواعل الرئيسة لم تكن الصناعيين، بل نخبا خدمية ومالية، تشابكت مصالحها مع شبكات اجتماعية وسياسية نخبوية.
في حين واجهت النظريات الصناعية صعوبة تفسير أن بناء الإمبراطورية البريطانية سبق التصنيع، فإن رأسمالية الجنتلمان، بجذورها في ملكية الأراضي والتمويل والتجارة الخارجية، قدمت تفسيرا طويل الأمد يمتد إلى القرنين الـ17 والـ18، مما أتاح تفسير حدوث التوسع الإمبراطوري ليس فقط أثناء الثورة الصناعية، بل قبلها وبعدها أيضا. وأظهر هوبكنز وكين أن الرأسماليين "الجنتلمان" كانوا بوضع جيد للتأثير على الدولة، وهو غالبا أمر قللت أهميته التحليلات الاقتصادية أو الطبقية السابقة. وساعد هذا في تفسير سبب سعي بريطانيا لمشروعات إمبريالية مكلفة أو هامشية لا معنى لها من منظور صناعي أو عسكري. كما أبرز نموذجهما هيمنة لندن على المقاطعات، مما أتاح تفسير سبب خدمة الإمبراطورية أحيانا كثيرة لمصالح المدن الكبرى (المتمركزة حول لندن) بدلا من مصالح المستعمِرين أو المستوطنين.
لماذا مصطلح "الجنتلمان"؟
بالنسبة لإيفانز، يُبرز مصطلح "الجنتلمان" أن هذه الطبقة الرأسمالية لم تكن مدفوعة بالربح فحسب، بل كانت مكانتها الاجتماعية وهويتها الثقافية وارتباطها بقيم الأرستقراطية مهمة أيضا. فلم يكن دافعهم المال فحسب، بل الحفاظ على نمط حياة "الجنتلمان" (الإنجليزي) والنظام الاجتماعي المصاحب له، وقد خدمت الإمبراطورية هذه الاحتياجات.
وتفسر فرضية رأسمالية الجنتلمان رؤية بورتر للإمبريالية البريطانية كأحد أعراض التراجع. وكانت نخب لندن المالية (رأسمالية الجنتلمان)، أواخر القرن الـ19، تتمتع بنفوذ هائل، لكن الاقتصاد العالمي كان يتغير. وواجهت المناطق الصناعية البريطانية (ميدلاندز والشمال) منافسة شديدة ألمانية وأميركية ولاحقا يابانية. أصبحت استدامة هيمنة لندن المالية عالميا أصعب، وتفاقمت مخاطر الاستثمارات الخارجية وتشابكها سياسيا.
هناك اختلافات في التركيز. يُسلط هوبكنز وكين الضوء على الاستمرارية المديدة لهيمنة طبقة "الجنتلمان"، بين القرنين الـ17 والـ20. وبينما يركز بورتر بشدة على أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 كفترة تأزّم وتراجع، يُبرز هوبكنز وكين الديناميات الهيكلية والطبقية وراء الإمبريالية، ويُولي بورتر أهمية أكبر للانحدار القومي، والمنافسة الدولية، والاضطرابات الثقافية. لذا، بينما تتداخل حججهما، يُبرز بورتر اهتماما أكبر لمناخ الإمبريالية ومعناها بالفترة المتأخرة كنشاط تعويضي قَلِق، بينما يُقدم هوبكنز وكين تفسيرا أوسع لسعي النخب البريطانية المُستمر نحو الإمبراطورية بالمقام الأول. ومع ذلك، فإن النقطة الأوسع -وهي أن التوسع الإمبريالي يعكس غالبا محاولات لدعم المصالح المالية الهشة والحفاظ على النفوذ السياسي والاجتماعي لنخبة "الجنتلمان"- تظل رابطا مهما بين سرد بورتر وأطروحة هوبكنز وكين.
العرق والجنس والطبقة والثقافة
كان ما بعد أطروحة هوبكنز وكين عن رأسمالية "الجنتلمان"، كما طبقها وانتقدها ونقحها مؤرخون لاحقون، مثيرا للاهتمام بقدر النظرية نفسها. فقد استخدم مؤرخون في تسعينيات القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21 هذا الإطار للنظر في الإمبريالية بمناطق وأزمان مُحددة. فطبّقوا هذا النموذج لفهم أسباب انخراط بريطانيا في مشاريع إمبريالية باهظة التكلفة بفترة الإمبريالية الجديدة، كما في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، مستنتجين غالبا أن الأمر لم يتعلق بالتوسع الصناعي بقدر ما كان يتعلق بالمصالح المالية (تأمين مصالح حاملي السندات والمستثمرين وطرق التجارة). كما سلّطوا الضوء على دور لندن كمركز مالي عالمي يُشكّل أولويات الإمبريالية، مُبيّنين أن الاستثمارات البريطانية بالخارج -في السكك الحديد والمناجم والمزارع والديون- غالبا ما كانت تُجبر الحكومة على الالتزام بالإمبريالية.
وظهرت أيضا انتقادات مهمة. فقد جادل البعض بأن النظرية همّشت أهمية الجهات الاستعمارية الفاعلة (مستوطنين ومبشرين ومتعاونين محليين)، ونخب صناعية إقليمية في ليفربول ومانشستر وغلاسكو، وتأثير الأطراف على المدن الكبرى (وهو موضوع أبرزته نظرية "التاريخ الإمبراطوري الجديد"). وأكد مؤرخون مثل جون داروين وأندرو طومسون على وجود علاقات متبادلة بين المدن الكبرى والإمبراطورية، مشيرين إلى أن الديناميات المحلية والاستعمارية شكلت السياسة البريطانية بقدر ما شكلها الممولون بلندن.
وجادل آخرون بأن نظرية رأسمالية الجنتلمان قللت أهمية الدوافع الإستراتيجية والجيوسياسية (الدفاع عن الهند، ومواجهة فرنسا أو روسيا)، والقوى الثقافية والعرقية والأيديولوجية، كدور الدين أو القومية أو الهرمية العرقية. فمثلا، أكد مؤرخو الاستعمار الاستيطاني، مثل جيمس بيليش، على توسع قاده المستوطنون بكندا وأستراليا ونيوزيلندا، حيث كان للممولين بلندن دور مباشر محدود.
والأهم، أن باحثين مثل كاثرين هول، وأنطوانيت بيرتون، ومريناليني سينها تجاوزوا الأطر الاقتصادية لاستكشاف أدوار العرق والجنس والطبقة والثقافة في تشكيل الإمبراطورية، ورأوا أحيانا أن رأسمالية "الجنتلمان" مجرد "تاريخ إمبراطوري قديم جدا"، يركز على السياسة العليا والمالية. واليوم، يضع المؤرخون غالبا الإمبريالية البريطانية في سياق عالمي من الإمبراطوريات المتنافسة والرأسمالية العالمية، ودمجوا رؤى هوبكنز وكين مع مناهج التاريخ العالمي. فمثلا، في كتابه المؤثر "مشروع الإمبراطورية" (2009)، يستخدم داروين جوانب من رأسمالية الجنتلمان لكنه يجمعها بالعوامل الجيوسياسية والثقافية والعسكرية لتقديم صورة أكثر تركيبا.
بلاد الإمبراطورية: "إمبايرلاند"
وكبورتر، كتب ساثنام سانغيرا أيضا عن تأثير الإمبراطورية البريطانية على بريطانيا (بدل التركيز على عمليات ومظاهر القوة البريطانية ببقية العالم). ففي كتابه "إمبايرلاند: كيف شكّلت الإمبريالية بريطانيا الحديثة" (2021)، بحث سانغيرا في كيفية تجذّر كثير من سمات بريطانيا الحديثة، بما في ذلك سمات "استثنائية" ألهمت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وطريقة استجابتها لأزمة (كوفيد-19)، في ماضيها الإمبراطوري. ومع ذلك، ينتمي بورتر وسانغيرا لعصرين وجمهورين وميول فكرية مختلفة، ويتناولان الموضوع بطرق مختلفة تماما.
بورتر مؤرخ محترف، ونهجه تحليلي، حيادي ونقدي، مُؤطّر ضمن تقاليد التأريخ الإمبراطوري البريطاني. ويهتمّ بنخب السياسة، والخطاب العام، والعقليات الرسمية، ويعتمد عمله أساسا على مصادر أرشيفية وسياسية. أما سانغيرا، فهو صحفي وكاتب مذكرات، وليس مؤرخا أكاديميا. كتابه موجه نحو جمهور عام وشعبي. يجمع التأملات التاريخية، بالتجربة الشخصية والعائلية (كونه ابنا بريطاني المولد لمهاجرين من سيخ البنجاب)، وتحليلات إعلامية، وتعليقات ثقافية. ويُركز سانغيرا على كيفية استمرار الإمبراطورية في بريطانيا اليوم، وتشكّل المواقف تجاه العرق والهجرة والطبقية والقومية و"البريكست". ويُولي اهتماما بالغا للذاكرة العامة، والنسيان الثقافي، وإرث الإمبراطورية المستمر في الحياة اليومية.
ويلاحظ إيفانز أنه بينما يُبدي بورتر تهكما وتشككا وسخرية غالبا، يُقدم سانغيرا رؤيته الشخصية، والعاجلة، وأحيانا الجدلية. ويستهدف فرض محاسبة عامة على إرث الإمبراطورية والعنصرية، لا سيما بعد "البريكست"، وحركة "حياة السود مهمة"، وفضيحة ويندرَش (التي كشفت عام 2018 سوء معاملة وزارة الداخلية لمواطنين بريطانيين، وصلوا بريطانيا من دول الكومنولث بين 1948 و1973، فواجهوا صعوبات في إثبات حقهم في الإقامة بسبب تغيير قوانين الهجرة وتقصير وزارة الداخلية في الاحتفاظ بسجلات سليمة، فاحتُجزوا ظلما، وحُرموا حقوقهم، وهُددوا بالترحيل أو رُحِّلوا ظلما). فسانغيرا يكتب لجمهور بريطاني عام، لم يُفكّر أكثره في تأثير الإمبراطورية على حياته.
وفي حين يُظهر بورتر كيف شكّلت الإمبراطورية مؤسسات بريطانيا ومكانتها الدولية، يُظهر سانغيرا رسوخ الإمبراطورية في النسيج الاجتماعي البريطاني والمواقف اليومية. ويُجادل كلاهما، بطرق مختلفة، أنه لا يُمكن فهم بريطانيا الحديثة دون محاسبة الإمبراطورية، لكنهما يُوجّهان القرّاء لمستويات مختلفة من المحاسبة!
المفارقة أن هذا المجال البحثي المركب جدا كان موضوع المسلسل التلفزيوني الشهير "تابوه"، الذي تناول بجرأة "تابوهات" الإمبراطورية وأساطيرها ومشروعها الإمبريالي. وسنفرد له حلقة أخرى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب.. رقصة النهاية أم تأكيد الهيمنة؟ (2)
في الجزء الأول من المقال، استعرضنا واقع التحديات التي تواجه ترامب في الغرب (داخل الولايات المتحدة، وفي أوربا).. لكن، ماذا عن الشرق؟ برزت إسرائيل كحلٍّ مثالي للغرب، وللولايات المتحدة الأميركية التي تبنّتها بالكامل، وليس المجال هنا للخوض في تفاصيل قيامها، فقد وُلدت إسرائيل في محيط جغرافي وديمغرافي معادٍ، ما عزز حاجتها المستمرة للحماية، وقدمت لها واشنطن هذا الغطاء بسخاء الشرق كمصنع والغرب كمركز قرار لضمان استمرار تفوقها، دعمت أميركا قيام نمط اقتصادي عالمي جديد، يحتاج إلى طاقة من الشرق الأوسط، وصناعة منخفضة التكلفة من شرقي آسيا. وضمن هذا النظام، احتفظت الولايات المتحدة لنفسها بالموقع التكنولوجي والإداري والمالي، مما أبقى على هيمنتها المركزية. أدى هذا الترتيب إلى اعتماد عالمي على منظومة تقودها واشنطن، واستخدمت فيه مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية كأذرع ناعمة لترسيخ النفوذ. لاحقًا، لعبت دول كاليابان وكوريا الجنوبية دورًا في تحقيق توازن صناعي يخدم الرؤية الأميركية الشاملة، بينما بقي الشرق الأوسط مركزًا للطاقة، وميدانًا دائمًا للصراعات التي تضمن الحاجة إلى الهيمنة الغربية. الشرق الأوسط مصدر الطاقة منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية، بُنيت الدول الحديثة في الشرق الأوسط على أساس جغرافي هش، ودون خبرة حقيقية في إدارة الدولة الحديثة. لم تكن المنطقة تمثل تهديدًا مباشرًا للغرب في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكنها سرعان ما تحولت إلى رقعة إستراتيجية لا غنى عنها بعد اكتشاف النفط، وأصبح الشرق الأوسط مركزًا حيويًّا للطاقة التي يتطلبها النظام العالمي الجديد. من هنا، نشأ صراع غير مباشر على النفوذ، لعبت فيه أميركا دور الراعي الذي يوفّر الحماية مقابل الولاء، واتبعت سياسة العصا والجزرة. فقد تبنت دول الخليج الثرية والضعيفة سكانيًّا وعسكريًّا خيار التحالف مع الولايات المتحدة، وتلقّت في المقابل ضمانات أمنية واقتصادية، في ظل حاجتها للحماية من أطراف إقليمية طامعة. ظهرت في هذه البيئة الحاجة الدائمة لـ"فزاعة" تبرر الوجود العسكري والسياسي الأميركي، سواء كانت هذه الفزاعة مصطنعة أو ناتجة عن طموحات إقليمية حقيقية؛ فبرز صدام حسين ثم النظام الإيراني كخصمين يخدمان هذا التوازن. أما إسرائيل، فكانت العنصر الثابت في هذه المعادلة، فهي الحليف الأوثق والأكثر حاجة للدعم الغربي، وتقوم بدور هندسة الصراع في المنطقة. ومع الوقت، ومع تراكم ثروات وخبرات بعض دول المنطقة من خلال الاستثمار في الطاقة والاقتصاد العالمي، بدأت هذه الدول- مثل الإمارات والسعودية وتركيا وقطر- تطمح للعب أدوار سياسية تتناسب مع مكانتها الاقتصادية. هذه الدول تسعى اليوم إلى إعادة صياغة مكانتها في المعادلة الدولية، وهو ما يدفع واشنطن لإعادة تقييم العلاقة معها.. لم تعد هذه الدول راضية بدور الحليف الصامت، بل باتت تمتلك أدوات ضغط وخيارات إستراتيجية قد تبعدها جزئيًّا عن العباءة الأميركية. وبما أن السياسة لا تعترف بالتنازلات المجانية، فإن واشنطن تحاول توظيف هذه الطموحات لإعادة بناء نفوذها، من خلال تحفيز تنافس محسوب بين القوى الصاعدة في المنطقة، وطرد قوى أخرى منافسة كروسيا، واحتواء إيران بعد أن أصبحت كلفة الاعتماد على فزاعة طهران مرتفعة وغير مجدية في ظل تغيرات توازن القوى. تحاول أميركا اليوم أن تستبدل بسياسة "الحماية" سياسة "إدارة التنافس" بين هذه الدول، لضمان بقائها فاعلًا محوريًّا في تشكيل الشرق الأوسط، حيث يتم التحكم في ميزان القوى من الداخل بدلًا من فرض السيطرة المباشرة. إسرائيل: أداة هندسة الصراع برزت إسرائيل كحلٍّ مثالي للغرب، وللولايات المتحدة الأميركية التي تبنّتها بالكامل، وليس المجال هنا للخوض في تفاصيل قيامها، فقد وُلدت إسرائيل في محيط جغرافي وديمغرافي معادٍ، ما عزز حاجتها المستمرة للحماية، وقدمت لها واشنطن هذا الغطاء بسخاء. تغذّت هذه الدولة على الخوف، وتحولت إلى قاعدة عسكرية مقنّعة، تلعب أدوارًا إستراتيجية معقدة: استنزاف دائم للمنطقة، منع نشوء أي قوة موازية، وتوفير ذريعة دائمة للوجود العسكري والسياسي الغربي. ومع تعاظم أهمية الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد، زادت الحاجة إلى أدوات تحكم متقدمة، وكانت إسرائيل هي الأكثر فاعلية.. لم تكن مجرد حليف، بل عنصر ضغط مستمر، ورافعة لإستراتيجيات التفتيت والسيطرة. علاقتها المتوترة مع الشعوب المحيطة بها ساعدت على تعطيل إمكانيات الوحدة أو النهوض الذاتي في المنطقة، خاصةً أن معظم سكان المنطقة من المسلمين، الذين ما زالوا يستحضرون تاريخ الهيمنة الغربية المسيحية على العالم الإسلامي. استثمرت إسرائيل بذكاء في هذا التوتر، لتبقى في موقع القاعدة المتقدمة التي تثير دائمًا ردود فعل شعبية، كما في كل تصعيد ضد الفلسطينيين، مما يؤدي إلى تشتيت الرأي العام والجهد السياسي في المنطقة. إنها ليست فقط أداة سيطرة، بل أداة استنزاف ذكية تُفرغ المنطقة من فرصتها في التحول إلى قوة اقتصادية أو سياسية كبرى، رغم تدفّق موارد الطاقة فيها. وهكذا، تبقى إسرائيل في قلب التخطيط الإستراتيجي الغربي كأداة ضرورية لإخضاع الشرق الأوسط، ليس فقط عبر الردع العسكري، بل كوسيلة هندسة دائمة للصراع، في منطقة هي الأكثر حيوية على الخريطة الجيوسياسية العالمية. الصين كنموذج جديد ومنافس إستراتيجي للولايات المتحدة لقد أثبت النموذج الصيني قدرته على تحقيق التنمية الاقتصادية السريعة والفعالة، دون الحاجة إلى تبني الديمقراطية الغربية. هذا الطرح يُمثل تحديًا جوهريًّا للأسس الفكرية والسياسية التي قامت عليها الهيمنة الغربية، لأنه يُقوّض الثقة بأن الرأسمالية والازدهار مرتبطان حتمًا بالنموذج الديمقراطي الليبرالي. الصين بهذا تُقدم بديلًا مغريًا للعديد من الدول النامية التي تسعى إلى التطور السريع دون الخضوع لتكاليف التحول الديمقراطي. فببراعتها في استغلال حاجة الرأسمالية العالمية إلى التكاليف المنخفضة، أصبحت الصين اليوم اللاعب الأكثر تهديدًا للمكانة الأميركية؛ فهي لا تنافس الولايات المتحدة من خارج النظام العالمي، كما فعل الاتحاد السوفيتي سابقًا، بل من داخله، مُسخّرة آلياته لتحقيق صعودها الخاص. والأخطر من ذلك، أن الصين قد تحولت من مجرد "مصنع العالم" إلى منافس جاد في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الصناعي، والفضاء، والابتكار الرقمي، مما يُزعزع التفوق التاريخي للولايات المتحدة في هذه الميادين، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على الهيمنة الغربية الأميركية على العالم ككل، وليس فقط على المجالات الاقتصادية أو التقنية المحددة. وهي لا تستنزف نفسها في الحروب والصراعات العسكرية المباشرة. بدلاً من ذلك، تُراكم قوتها بهدوء عبر النمو الاقتصادي، ومبادرات مثل "الحزام والطريق"، وبناء شبكة واسعة من الشراكات العالمية التي تمتد إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية، مؤسسة بذلك لنظام عالمي موازٍ ونفوذ متنامٍ. تايوان: ورقة إستراتيجية أميركية في صراع الهيمنة عندما اعترفت الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية في عام 1979، لم تتخل واشنطن عن تايوان بشكل كامل، رغم التخلي عن الاعتراف الدبلوماسي الرسمي بجمهورية الصين في تايوان. على العكس، فقد أسس "قانون العلاقات مع تايوان" أرضية لعلاقات غير رسمية قوية، ودعمًا دفاعيًّا مستمرًّا لتايوان. هذا القرار، الذي جاء في سياق الحرب الباردة، كان يهدف في المقام الأول إلى استغلال الانقسام الصيني-السوفيتي والتقارب مع الصين لمواجهة الاتحاد السوفيتي. لكن في الوقت نفسه، احتفظت الولايات المتحدة بـ"ورقة تايوان" لخدمة أهداف إستراتيجية مستقبلية. تُدرك واشنطن جيدًا حجم الإمكانات التي تتمتع بها الصين كقوة صاعدة في منطقة حيوية للمصالح الأميركية. هنا، نجد أنفسنا أمام وضع يمكن مقارنته- من حيث المبدأ على الأقل -بوضع إسرائيل في الشرق الأوسط؛ فتايوان- التي تتمتع بنظام يشبه الغرب- تشعر بتهديد مستمر من الصين، وهذا يضعها كـ"ورقة ضغط" أو "كرت إستراتيجي حيوي" بيد الولايات المتحدة. تسمح هذه الورقة لواشنطن بالحفاظ على نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وردع أي عدوان صيني محتمل، والتأثير على سلوك بكين في قضايا أوسع. كما أنها تمثل نقطة استنزاف محتملة للصين، وبؤرة صراع يمكن جر الجانب الصيني إليها إذا دعت الضرورة؛ فالصين- لا محالة- سوف ترغب في التخلص من "عار" وجود كيان يدعي الاستقلال عن أراضيها. وعند حدوث ذلك، يمكن أن تتحول تايوان إلى "أوكرانيا أخرى"، مما يعني أن معركة تايوان هي معركة مؤجلة يحشد لها الطرفان. حسابات المعركة الكبرى وتغيير شكل العالم بما أن الصين تمثل المنافس الحقيقي والأكثر جدية في الصراع العالمي على الهيمنة، فإن الولايات المتحدة تسعى على الأرجح إلى حسم الصراعات في مناطق أخرى قبل خوض هذه المعركة الكبرى في تايوان. إن المواجهة الشاملة في تايوان- لا محالة- ستغير شكل العالم كله، وهذا ما يدفع الولايات المتحدة إلى إدارة التوترات بحذر، مع الإبقاء على تايوان كأداة إستراتيجية في حرب النفوذ الدائرة. أيمثل ترامب خاتمة مرحلة تآكل النفوذ الأميركي، أم إنه تعبير عن محاولة شرسة -وربما يائسة- لإعادة تأكيد الهيمنة في زمن تتغيّر فيه موازين القوة؟ ترامب: رجل المرحلة؟ لا يُخفي دونالد ترامب إعجابه بشخصيات قوية ذات طابع دكتاتوري، لأنه يريد أن يصدّر فكرة أن استعادة مجد أميركا تتطلب وجود قائد قوي يتمتع بصلاحيات واسعة، وغير مقيد ببيروقراطية الديمقراطية. إنه يطرح نفسه كمخلّص مقابل أن يقدّم له الجميع التنازلات، ويخوض حربًا مفتوحة ضد الليبراليين، مستندًا إلى قاعدته المحافظة داخل أمريكا. هذه القاعدة ترى في الليبراليين تهديدًا ثقافيًّا حقيقيًّا، خاصة في قضايا مثل زواج المثليين والجندر، وهو ما يجعلهم خصمًا سهلًا أمام ترامب يمكن مهاجمتهم بالتعميم. بهذا الخطاب، يعزز صورته كقائد منضبط يريد فرض النظام داخليًّا وإعادة الهيبة خارجيًّا. خارجيًّا، يرى ترامب أن هذه التهديدات تتطلب ردًّا حازمًا، قائمًا على استخدام القوة العسكرية عند الضرورة، والإرهاب النفسي قدر الإمكان، والتدخل الذكي بتكلفة منخفضة. كل ذلك يجب أن يتم مع تعبئة الحلفاء للمشاركة في المعركة، واستغلال قوة الداخل الأميركي لتحقيق النهوض الصناعي والاقتصادي. لكن هذه الرؤية تتطلب حسمًا داخليًّا أيضًا في مواجهة الديمقراطيين ووسائل الإعلام والمؤسسات العميقة؛ وهذه معركة لا تقل شراسة عن المعركة الجيوسياسية، وقد تكون نقطة ضعفه الكبرى. فالحشد الداخلي يتطلب استقطابًا عنيفًا، وتحميل بعض الطبقات عبء التحول، وهو ما يولّد مقاومة قد تستغلها المعارضة. ويبقى السؤال: أيمثل ترامب خاتمة مرحلة تآكل النفوذ الأميركي، أم إنه تعبير عن محاولة شرسة -وربما يائسة- لإعادة تأكيد الهيمنة في زمن تتغيّر فيه موازين القوة؟ مثل ترامب، بسياساته الحادة وخطابه الصدامي، محاولة لإعادة تعريف الهيمنة الأميركية عبر الواقعية القومية، وتقليص أعباء التحالفات القديمة، والتركيز على الداخل الأميركي كبوابة لاستعادة المجد إن دونالد ترامب ليس مجرد رئيس مثير للجدل، بل هو انعكاس حاد لتحولات أعمق تشهدها الولايات المتحدة والعالم من حولها؛ فظهوره السياسي، وعودته إلى الحكم، لا يمكن قراءتهما بمعزل عن السياقات الدولية المعقدة، التي تواجه فيها واشنطن تحديات داخلية وخارجية، تهدد بإعادة تشكيل ملامح النظام العالمي الذي قادته منذ الحرب العالمية الثانية. إن ما نراه من انقسام داخلي أميركي حاد، وصراعات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، ليس سوى أحد أوجه أزمة القيادة والنموذج، في وقت باتت فيه قوى دولية كالصين وروسيا، ودول إقليمية صاعدة في الشرق الأوسط وآسيا، تسعى لانتزاع موقع في منظومة النفوذ العالمي، عبر أدوات سياسية واقتصادية وتكنولوجية وإستراتيجية متجددة. لقد مثل ترامب، بسياساته الحادة وخطابه الصدامي، محاولة لإعادة تعريف الهيمنة الأميركية عبر الواقعية القومية، وتقليص أعباء التحالفات القديمة، والتركيز على الداخل الأميركي كبوابة لاستعادة المجد. وهو في ذلك لا يواجه فقط القوى الخارجية الصاعدة، بل يخوض صراعًا داخليًّا شرسًا مع مؤسسات، وأفكار، وتيارات، ترى مستقبلًا مختلفًا لأميركا. يظهر أن معركة ترامب ليست فقط حول رئاسة أو حزب، بل حول هوية دولة ودور عالمي.. إننا أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن تكون هذه اللحظة بداية نهاية الحقبة الأميركية بصورتها القديمة، أو بداية إعادة تموضع عنيف تحاول فيه واشنطن، عبر شخصية ترامب أو غيره، إعادة رسم قواعد اللعبة الدولية على أسس جديدة أكثر قسوة وأقل تسامحًا. أفتكون رئاسته رقصة النهاية لإمبراطورية آيلة للسقوط، أم بداية لحقبة جديدة من السيطرة، بأدوات أكثر خشونة وأقل نفاقًا؟


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
التحالف العالمي من أجل فلسطين.. جبهة دولية ضد الاحتلال والفصل العنصري
التحالف العالمي من أجل فلسطين تكتل شعبي دولي أعلن عن تأسيسه في 26 يوليو/تموز 2025 في العاصمة البريطانية لندن بمشاركة شخصيات برلمانية ونقابية وحقوقية بارزة. ويهدف التحالف إلى بناء جبهة دولية موحدة تدعم الحقوق الفلسطينية وتناهض الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، ويسعى إلى تفعيل التضامن الشعبي والسياسي عالميا عبر حملات ضغط ولجان متخصصة وشبكات إعلام بديل. النشأة والتأسيس أُعلن عن تأسيس التحالف العالمي من أجل فلسطين يوم 26 يوليو/تموز 2025 في العاصمة البريطانية لندن، وشارك في التأسيس كوكبة واسعة من شخصيات برلمانية وحقوقية ونقابية وثقافية من مختلف أنحاء العالم. ويأتي التحالف في إطار حراك شعبي دولي رافض للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة -الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023- وما تبعه من حصار خانق ومجازر وعمليات تدمير ممنهج للبنية التحتية، ومصادر الغذاء والزراعة والصيد، مما تسبب ب تجويع آلاف الفلسطينيين في القطاع. كما أعلن المنظمون لمؤتمر التأسيس عزمهم عقد مؤتمر جديد عام 2026 لاستكمال بناء هذا التشكيل العالمي، مؤكدين أن الخطوات العملية تشمل تشكيل لجان عمل دولية متخصصة وتعزيز شبكات الإعلام البديل ودعم التعليم الشعبي إزاء القضية الفلسطينية، فضلا عن إطلاق حملات ضغط سياسي وتشريعي في العواصم المؤثرة عالميا. وشارك في المؤتمر التأسيسي أكثر من 70 منظمة تضامنية من 25 دولة حول العالم تمثل قطاعات المجتمع المدني والنقابات والحركات الطلابية والمبادرات الإعلامية والحقوقية، إلى جانب وفود من فلسطين والشتات. وكان من بين المشاركين في المؤتمر النائب البريطاني وزعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن والزعيم الأيرلندي جيري آدامز ورئيس حركة المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي ووزير المالية اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس والمناضل الجنوب أفريقي روني كاسريلز والنائب الإيطالي أنجليو بونيلي. وافتُتحت أعمال المؤتمر بجلسة عنوانها "تأطير اللحظة" تناولت أهمية التحرك في ظل تصاعد الزخم الجماهيري العالمي الداعم لفلسطين، وأكد المتحدثون أثناءها ضرورة توحيد الجهود وبناء مشروع تحالفي طويل الأمد. وقال النائب البريطاني كوربن أثناء كلمته "نحن لا نبني تحالفا عابرا، بل نؤسس لحركة عالمية ثابتة تتحدى الظلم وتعيد لفلسطين مكانتها في ضمير الإنسانية. هذه لحظة تاريخية ونقطة تحول في النضال من أجل العدالة". من جانبه، صرح القائم بأعمال رئيس "المنتدى الفلسطيني في بريطانيا" عدنان حميدان، أن فكرة التحالف جاءت "ردا على التآمر العالمي ضد القضية الفلسطينية"، وأضاف: "نشهد اصطفافا واضحا من القوى الغربية خلف الاحتلال في دعمها لمشروع الإبادة والتجويع والعدوان على أهلنا في غزة". الأهداف وبحسب ما أُعلن، يهدف التحالف العالمي من أجل فلسطين إلى تعزيز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة و الضفة الغربية. ويؤكد التحالف أنه ينطلق من مبدأ واضح مفاده أن "التضامن مع فلسطين يجب أن يكون منظما وموحدا ومؤثرا"، وأشار إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى بناء جبهة دولية قادرة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتفنيد الروايات المضللة في وسائل الإعلام والدفاع عن الحق في التضامن. وأكد التحالف في بيانه الختامي الأول على ما يلي: دعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. رفض نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي. بناء تحالف عالمي متعدد المستويات والمجالات. دعم الحق في التضامن والعمل المدني غير العنيف. كما شدد البيان على أهمية مواصلة الزخم الجماهيري العالمي الذي تصاعد بعد عام 2023 عبر تنسيق الجهود القانونية والإعلامية والسياسية بهدف بناء رأي عام ضاغط، خاصة في دول الشمال العالمي.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
تأييد حكومي وتحذيرات اقتصادية بعد الاتفاق التجاري الأميركي الأوروبي
تباينت الردود الأوروبية أمس الأحد بشأن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بين داعمين ورافضين له. ففي فرنسا، قال الوزير الفرنسي المنتدب للشؤون الأوروبية بنجامان حداد إن الاتفاق التجاري الذي تفاوضت المفوضية الأوروبية بشأنه مع الولايات المتحدة "سيوفر استقرارا موقتا للأطراف الاقتصادية المهددة بالتصعيد الجمركي الأميركي، لكنه غير متوازن". بدورها، نددت أحزاب المعارضة بالاتفاق، معتبرة أنه يقوض السيادة الفرنسية. وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) مارين لوبان إن الاتفاق "فشل سياسي واقتصادي وأخلاقي"، مشيرة إلى أن المفوضية الأوروبية قبلت بنودا غير متكافئة ما كانت فرنسا، "في ظل سلطة تنفيذية وطنية، لتقبلها أبدا". وصدر موقف مماثل من أقصى اليسار، إذ اعتبر زعيم حزب " فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون أنه "تم التنازل في كل شيء لترامب". كما اعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي (يسار)، عضو البرلمان الأوروبي بيار جوفيه، أن الاتفاق المبرم يكرس "التبعية"، مؤكدا أن المفوضية الأوروبية ضحت بوظائف الأوروبيين وإنتاجهم وبيئتهم من خلال وعدها باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة وشراء الغاز الطبيعي المسال. من جهتها، رحبت ألمانيا بالاتفاق، معتبرة أنه يجنب تصعيدا غير ضروري في العلاقات التجارية عبر الأطلسي. وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس "يساعد هذا الاتفاق في تجنب نزاع تجاري كان من شأنه أن يؤثر بشدة على الاقتصاد الألماني"، معربا عن ارتياحه خصوصا بشأن قطاع صناعة السيارات "حيث سيتم خفض الرسوم الجمركية الحالية البالغة 27.5% إلى النصف تقريبا، لتغدو 15%". لكن اتحاد الصناعات الألمانية حذر من "تداعيات سلبية كبيرة على الصناعة" للرسوم الجمركية البالغة 15% التي ينص عليها الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال الاتحاد في بيان إن "هذا الاتفاق يمثل تسوية غير كافية ويرسل إشارة كارثية للاقتصاد المترابط بشكل وثيق على جانبي الأطلسي"، مضيفا أن "الاتحاد الأوروبي يقبل رسوما جمركية مؤلمة" من شأنها أن "تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على الصناعة الألمانية المعتمدة بشكل كبير على التصدير". كذلك حذرت جمعية التجارة الكيميائية الألمانية واتحاد المصدرين الألمان ومعهد إيفو الاقتصادي من الاتفاق، معتبرين أنه يمثل "تسوية مؤلمة وإهانة للاتحاد الأوروبي". بانتظار التفاصيل وفي إيطاليا، اعتبرت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني الاتفاق إيجابيا، مردفة أنه لا يمكنها إصدار حكم أفضل حتى ترى التفاصيل. وأوردت ميلوني ونائباها أنطونيو تاياني وماتيو سالفيني في بيان مشترك "ترحب الحكومة الإيطالية بالاتفاق الذي يجنب حربا تجارية داخل الغرب ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها". وأضاف البيان أن الاتفاق يضمن "الاستقرار، وهو جانب أساسي للعلاقات بين الأنظمة الاقتصادية والشركات المترابطة للغاية"، معتبرا أن الرسوم الجمركية البالغة 15% "يمكن تحملها". وأكد المسؤولون الثلاثة أنهم مستعدون "لتفعيل إجراءات دعم على المستوى الوطني" للقطاعات الاقتصادية التي ستعاني أكثر من غيرها، لكنهم دعوا أيضا إلى اتخاذ إجراءات "على المستوى الأوروبي". اتفاق بحاجة إلى مصادقة وتوصل الرئيس الأميركي ورئيسة المفوضية الأوروبية إلى اتفاق تجاري في تيرنبري بأسكتلندا الأحد بعد اجتماع قصير. واعتبرت فون دير لاين أن الاتفاق سيؤدي إلى تنوع مصادر إمدادات أوروبا من الطاقة ويسهم في أمنها، قائلة "سنستبدل بالغاز والنفط الروسيين مشتريات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال والنفط والوقود النووي الأميركي". وأضافت "نريد التخلص تماما من الوقود الأحفوري الروسي"، مشيرة إلى أنه من الأفضل شراء الغاز الطبيعي المسال "بأسعار أقل وأفضل" من الولايات المتحدة. ينص الاتفاق على فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة تشمل قطاع السيارات الحيوي في التكتل الذي يخضع حاليا لرسوم أميركية بنسبة 25%. كما ينص الاتفاق على التزام الاتحاد الأوروبي بشراء منتجات طاقية أميركية بقيمة 750 مليار دولار مقسمة بالتساوي على 3 سنوات، واستثمار 600 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة. ولا يزال الاتفاق الذي لم تُعرف تفاصيله الكاملة بعد، يحتاج إلى مصادقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.