logo
كمبوديا وتايلاند: نزاع حدودي منذ الحقبة الاستعمارية يعكس "توترات سياسية داخلية"

كمبوديا وتايلاند: نزاع حدودي منذ الحقبة الاستعمارية يعكس "توترات سياسية داخلية"

فرانس 24 منذ 2 أيام
اتفقت تايلاند وكمبوديا بوساطة ماليزيا على وقف المعارك الدائرة على حدود البلدين اعتبارا من منتصف ليل الإثنين، وتتواجه تايلاند وكمبوديا منذ عقود حول ترسيم الحدود المشتركة التي تعود لحقبة الهند-الصينية الفرنسية، لكن المنطقة لم تشهد تصعيدا كهذا منذ 2011. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 36 شخصا على الأقل منذ الخميس، متسببة بنزوح قرابة 300 ألف.
وكانت الاشتباكات اندلعت على الحدود الخميس 24 يوليو/ تموز. وتعيش هذه المنطقة مواجهات عنيفة جدا. ويعتبر الخط الحدودي بين المملكتين سبب النزاع بينهما منذ أكثر من قرن. ويعكس التصعيد الأخير في العنف نزاعات سياسية داخلية تهز كلا البلدين.
فرانس24 تعود إلى أسباب اندلاع هذا العنف بين الجارتين الآسيويتين، بالرغم من تقاربهما السياسي والثقافي.
السبب المباشر: مقتل جندي نهاية شهر مايو
تأزمت الأوضاع بين البلدين بعد مقتل جندي كمبودي في 28 مايو/ أيار إثر تبادل الطلقات النارية في "المثلث الزمردي" وهي منطقة يتنازع عليها كلا البلدين.
إذا كانت الظروف الحقيقية لهذا الحدث تبقى غير واضحة، فإن الحدث ساهم مباشرة في إشعال فتيل القتال بين الجهتين. وفي الأيام التي تلت هذه الاشتباكات، لجأ كلا البلدين إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. حيث باشرت تايلاند بغلق الممرات البرية عند حدودها واحدا تلو الآخر، بينما عمدت كمبوديا إلى تعليق شراء مختلف البضائع من جارتها، بما في ذلك الوقود.
ثم في 16 يوليو/تموز، أدى انفجار قنابل مضادة للأفراد في منطقة الحدود، والتي تسببت في إصابة العديد من العسكريين التايلنديين بجروح خطيرة، إلى تأزم الوضع أكثر. واتهمت بانكوك جارتها بنوم بنه بوضع القنابل، وأعلنت يوم 23 يوليو/ تموز طرد السفير الكمبودي من أراضيها، واستدعاء سفيرها من عند الجارة.
وبدورها، رفضت بنوم بنه هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، مذكرة في نفس الوقت، أن المناطق الحدودية ملوثة بالألغام النشطة والتي تعود إلى حقبة "الحروب الماضية".
وردا على الحملة الدبلوماسية من بانكوك، أعلنت كمبوديا تخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع تايلاند إلى "أدنى مستوياتها".
في هذا السياق اندلعت اشتباكات جديدة الخميس 26 يوليو/تموز حوالي الساعة 8 صباحا بالقرب من المعابد البوذية القديمة الموجودة في نفس المنطقة الحدودية، بين سورين وأودار مينشي.
صراع حدودي تعود جذوره إلى الحقبة الاستعمارية
في الحقيقة، لكي نفهم الأسباب العميقة لهذه التوترات، يجب العودة إلى ما قبل قرن من الزمن، وبالضبط إلى الماضي الاستعماري للمنطقة.
يتقاسم البلدان خطا حدوديا يبلغ طوله 840 كلم، وقد تم رسمه، إلى حد كبير، من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية في الهند-الصينية ابتداء من عام 1863.
تحديدا، "يعود تاريخ رسمها إلى خريطة 1907 حيث تقوم حدود البلدين على خط مياه طبيعية تفصل البلدين". وفق ما صرح به ديفيد كامرو، الباحث في مركز الدراسات الدولية، التابع لمعهد العلوم السياسية بباريس والمختص في شؤون جنوب شرق آسيا.
خط حدودي طالما اعترضت عليه تايلاند لأنه يجعل معبد "برياه فيهير" والذي يعود إلى القرن الحادي عشر والذي يعتبر من أكثر المعابد إثارة للإعجاب في جنوب شرق آسيا، يتموقع في الجانب الكمبودي.
"لذا فإن هذا النزاع رمزي قبل أي شيء. ويتعلق الأمر بالنسبة لكلا البلدين، التذكير بماضيهما المجيد وكذلك أهمية منطقته داخل العالم البوذي" يوضح المختص ديفيد كامرو مضيفا "ويصبح هذا الرمز أكثر أهمية بالنسبة لتايلاند نظرا لقلة معابدها القديمة، في حين أن كمبوديا لديها جوهرة معابد أنغكور".
خلال القرن العشرين، كان المعبد عدة مرات في قلب توترات حدودية. ففي عام 1959، وبعد عدة عقود من النزاع، قررت كمبوديا رفع دعوى قضائية ضد تايلاند أمام محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع، وأصدرت المحكمة حكمها لصالح كمبوديا في عام 1962، معلنة بنوم بنه المالك الوحيد للمعبد.
وبالرغم من تأكيد تايلاند حينها اعترافها بالقرار، تأزمت الأوضاع من جديد عام 2008، عندما تم إدراج المعبد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وخلال ذلك العام، اندلعت اشتباكات في المنطقة الحدودية. واستمرت هذه المواجهات حتى عام 2011، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 28 شخصا ونزوح 36000 آخرين.
حاولت الدولتان، منذ تلك الأزمة، تعزيز التعاون بينهما، ففي عام 2000، تم إنشاء لجنة مشتركة مختصة في النزاعات الحدودية. إلا أن الاجتماعات بين البلدين كانت غالبا لا تسفر عن نتائج ملموسة.
انعكاسات "للتوترات السياسية الداخلية"
"بعيدا عن الصراع الرمزي والإقليمي، يرى ديفيد كامرو في هذا التصعيد الجديد للتوترات بين الجارتين "قضايا سياسية داخلية من الجانبين". وأن "الأمر يتعلق بإيجاد سبب لإثارة الشعور القومي والاستفادة من ذلك لتحقيق بعض الأهداف السياسية".
لدى الحكومة الكمبودية مصلحة كبيرة في تعزيز الشعور القومي في أوساط شعبها، لا سيما في سياق التوترات الحدودية المستمرة مع تايلاند.
فقد أعلن رئيس الوزراء هون مانيت في منتصف يوليو/تموز أن الحكومة ستبدأ انطلاقا من العام المقبل، تطبيق قانون مثير للجدل يتعلق بالتجنيد الإلزامي للشباب الكمبوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما. ويذكر أن هذا القانون تم التصويت عليه عام 2006 لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
في تايلاند أيضا، تخدم هذه الأزمة مصالح سياسية خاصة لصالح أوساط المحافظين الذين يعرف عنهم قربهم من الجيش. ففي بداية يوليو/تموز، أدى النزاع فعلا إلى تعليق مهام رئيسة الوزراء بايتونغتارن شيناواترا.
إلا أنه، "منذ أغسطس/ آب 2024، يحكم تايلاند تحالف هش بين حزب شيناواترا والأحزاب المحافظة"، يذكر ديفيد كامرو، قبل أن يضيف "ولكن هذا التحالف هو مجرد تفاهم ظرفي، ليس زواجا ناجما عن حب والمحافظون يبحثون منذ مدة عن ذريعة ملائمة لإزاحتها واستعادة السيطرة الكاملة على الأمور".
وفي هذا السياق، يذكر أن مكالمة هاتفية جرت في 15 يونيو/حزيران بين بايتونغتارن شيناواترا ورئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين، هي التي منحتهم هذه الذريعة.
فبعد ثلاثة أيام فقط من هذه المكالمة، تسرّبت مقاطع من المحادثة على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر الرجل القوي في كمبوديا.
في التسجيل، يمكن سماع الزعيمة التايلاندية تنادي هون سين بـ"العم"، وتظهر نوعا من الخضوع لمطالبه، لكن الشيء الأهم من ذلك هو دعوته إلى تجاهل تصريحات الجنرال التايلاندي المسؤول عن المنطقة الحدودية، لأنه، بحسب قولها، "أحد خصومها السياسيين".
إبلاغ هون سين بوجود انقسامات بين الحكومة والجيش تم تفسيره على الفور في الأوساط المحافظة على أنه خطأ جسيم ارتكبته رئيسة الوزراء. وبداية من 19 يونيو/حزيران، دعت هذه الأطراف إلى التعبئة وانطلقت موجات من المظاهرات أمام مقر الحكومة.
وبالرغم من تقديم شيناواترا اعتذارات شعبية، لكن تم تعليق مهامها أيام قليلة بعد ذلك.
ولقد علق الباحث ديفيد كامرو على ذلك قائلا "الأوساط المحافظة والعسكرية باتت قريبة من تحقيق هدفها: التخلص من جناح شيناواترا واستعادة السيطرة على الحياة السياسية في البلاد".
التصعيد، إلى أي مدى... وما دور الصين وماليزيا؟
في مواجهة هذا النزاع، يُحاول ديفيد كامرو إضفاء بعض الطمأنينة. ويشير كامرو "بالرغم من أن هذه التوترات الحدودية فريدة من نوعها وغير مسبوقة منذ 15 عاما، فإن الوضع ينبغي أن يهدأ في نهاية المطاف".
فلا أحد، له مصلحة في توسيع هذا النزاع أو تصعيده، لا في تايلاند ولا في كمبوديا. وأنه "من المرجّح أنه بمجرد تحقيق الأهداف السياسية، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل (الوضع السائد)"، حسب قوله دائما.
الصين، التي تربطها علاقات طيبة مع البلدين، وكذلك رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تسعى إلى الحفاظ على السلام في المنطقة بأي ثمن، ستتحركان سريعا للعب دور الوساطة في النزاع"، يُضيف ديفيد كامرو.
وقد سبق للصين، التي أعربت عن "قلقها الشديد" جراء هذه التوترات، أن دعت البلدين لحل خلافهما الحدودي عبر الحوار.
ومن جهته، دعا رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية لمنظمة " آسيان" البلدين إلى التحلي بضبط النفس، قبل أن يشرف شخصيا الإثنين 28 يوليو/تموز على اتفاق ينص على وقف "غير مشروط لإطلاق النار" بين البلدين اعتبارا من منتصف ليل الإثنين.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تايلاند تتهم كمبوديا بانتهاك هدنة حدودية بعد اشتباكات أوقعت 38 قتيلا
تايلاند تتهم كمبوديا بانتهاك هدنة حدودية بعد اشتباكات أوقعت 38 قتيلا

فرانس 24

timeمنذ يوم واحد

  • فرانس 24

تايلاند تتهم كمبوديا بانتهاك هدنة حدودية بعد اشتباكات أوقعت 38 قتيلا

أعلن الجيش التايلاندي الثلاثاء أن القتال مع كمبوديا تواصل في مواقع حدودية عدة بعد ساعات من دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ. وأوضح ريتشا سوكسوانون، نائب المتحدث باسم الجيش، في بيان أن "اضطرابات وقعت في منطقة فو ماكوا تسبب فيها الجانب الكمبودي، مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار بين الجانبين استمر حتى صباح اليوم"، مضيفا أن "اشتباكات أخرى اندلعت في منطقة سام تايت واستمرت حتى الساعة 5:30" بالتوقيت المحلي. وكان البلدان اتفقا في ختام محادثات سلام بماليزيا على "هدنة فورية وغير مشروطة" تنهي الاشتباكات الدائرة حول معابد أثرية في مناطق متنازع عليها على طول الحدود البالغة 800 كيلومتر. وأكد المتحدث باسم الجيش التايلاندي، وينتاي سواري، في بيان منفصل، أن القوات الكمبودية "شنت هجمات مسلحة على مناطق عدة داخل الأراضي التايلاندية" بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، معتبرا أن ما جرى "انتهاك متعمد للاتفاق ومحاولة لتقويض الثقة المتبادلة"، ومشددا على أن بلاده "مضطرة للرد بطريقة مناسبة في إطار حقها المشروع بالدفاع عن النفس". في المقابل، نفت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الكمبودية، مالي سوتشيتا، وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الطرفين، بينما أكد رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت في منشور على فيس بوك أن "الجبهة هدأت منذ منتصف الليل". ورغم هذا التباين، أعلن الجانبان بدء اجتماعات بين القادة الميدانيين لتطبيق اتفاق الهدنة.

كمبوديا وتايلاند: نزاع حدودي منذ الحقبة الاستعمارية يعكس "توترات سياسية داخلية"
كمبوديا وتايلاند: نزاع حدودي منذ الحقبة الاستعمارية يعكس "توترات سياسية داخلية"

فرانس 24

timeمنذ 2 أيام

  • فرانس 24

كمبوديا وتايلاند: نزاع حدودي منذ الحقبة الاستعمارية يعكس "توترات سياسية داخلية"

اتفقت تايلاند وكمبوديا بوساطة ماليزيا على وقف المعارك الدائرة على حدود البلدين اعتبارا من منتصف ليل الإثنين، وتتواجه تايلاند وكمبوديا منذ عقود حول ترسيم الحدود المشتركة التي تعود لحقبة الهند-الصينية الفرنسية، لكن المنطقة لم تشهد تصعيدا كهذا منذ 2011. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 36 شخصا على الأقل منذ الخميس، متسببة بنزوح قرابة 300 ألف. وكانت الاشتباكات اندلعت على الحدود الخميس 24 يوليو/ تموز. وتعيش هذه المنطقة مواجهات عنيفة جدا. ويعتبر الخط الحدودي بين المملكتين سبب النزاع بينهما منذ أكثر من قرن. ويعكس التصعيد الأخير في العنف نزاعات سياسية داخلية تهز كلا البلدين. فرانس24 تعود إلى أسباب اندلاع هذا العنف بين الجارتين الآسيويتين، بالرغم من تقاربهما السياسي والثقافي. السبب المباشر: مقتل جندي نهاية شهر مايو تأزمت الأوضاع بين البلدين بعد مقتل جندي كمبودي في 28 مايو/ أيار إثر تبادل الطلقات النارية في "المثلث الزمردي" وهي منطقة يتنازع عليها كلا البلدين. إذا كانت الظروف الحقيقية لهذا الحدث تبقى غير واضحة، فإن الحدث ساهم مباشرة في إشعال فتيل القتال بين الجهتين. وفي الأيام التي تلت هذه الاشتباكات، لجأ كلا البلدين إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. حيث باشرت تايلاند بغلق الممرات البرية عند حدودها واحدا تلو الآخر، بينما عمدت كمبوديا إلى تعليق شراء مختلف البضائع من جارتها، بما في ذلك الوقود. ثم في 16 يوليو/تموز، أدى انفجار قنابل مضادة للأفراد في منطقة الحدود، والتي تسببت في إصابة العديد من العسكريين التايلنديين بجروح خطيرة، إلى تأزم الوضع أكثر. واتهمت بانكوك جارتها بنوم بنه بوضع القنابل، وأعلنت يوم 23 يوليو/ تموز طرد السفير الكمبودي من أراضيها، واستدعاء سفيرها من عند الجارة. وبدورها، رفضت بنوم بنه هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، مذكرة في نفس الوقت، أن المناطق الحدودية ملوثة بالألغام النشطة والتي تعود إلى حقبة "الحروب الماضية". وردا على الحملة الدبلوماسية من بانكوك، أعلنت كمبوديا تخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع تايلاند إلى "أدنى مستوياتها". في هذا السياق اندلعت اشتباكات جديدة الخميس 26 يوليو/تموز حوالي الساعة 8 صباحا بالقرب من المعابد البوذية القديمة الموجودة في نفس المنطقة الحدودية، بين سورين وأودار مينشي. صراع حدودي تعود جذوره إلى الحقبة الاستعمارية في الحقيقة، لكي نفهم الأسباب العميقة لهذه التوترات، يجب العودة إلى ما قبل قرن من الزمن، وبالضبط إلى الماضي الاستعماري للمنطقة. يتقاسم البلدان خطا حدوديا يبلغ طوله 840 كلم، وقد تم رسمه، إلى حد كبير، من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية في الهند-الصينية ابتداء من عام 1863. تحديدا، "يعود تاريخ رسمها إلى خريطة 1907 حيث تقوم حدود البلدين على خط مياه طبيعية تفصل البلدين". وفق ما صرح به ديفيد كامرو، الباحث في مركز الدراسات الدولية، التابع لمعهد العلوم السياسية بباريس والمختص في شؤون جنوب شرق آسيا. خط حدودي طالما اعترضت عليه تايلاند لأنه يجعل معبد "برياه فيهير" والذي يعود إلى القرن الحادي عشر والذي يعتبر من أكثر المعابد إثارة للإعجاب في جنوب شرق آسيا، يتموقع في الجانب الكمبودي. "لذا فإن هذا النزاع رمزي قبل أي شيء. ويتعلق الأمر بالنسبة لكلا البلدين، التذكير بماضيهما المجيد وكذلك أهمية منطقته داخل العالم البوذي" يوضح المختص ديفيد كامرو مضيفا "ويصبح هذا الرمز أكثر أهمية بالنسبة لتايلاند نظرا لقلة معابدها القديمة، في حين أن كمبوديا لديها جوهرة معابد أنغكور". خلال القرن العشرين، كان المعبد عدة مرات في قلب توترات حدودية. ففي عام 1959، وبعد عدة عقود من النزاع، قررت كمبوديا رفع دعوى قضائية ضد تايلاند أمام محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع، وأصدرت المحكمة حكمها لصالح كمبوديا في عام 1962، معلنة بنوم بنه المالك الوحيد للمعبد. وبالرغم من تأكيد تايلاند حينها اعترافها بالقرار، تأزمت الأوضاع من جديد عام 2008، عندما تم إدراج المعبد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. وخلال ذلك العام، اندلعت اشتباكات في المنطقة الحدودية. واستمرت هذه المواجهات حتى عام 2011، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 28 شخصا ونزوح 36000 آخرين. حاولت الدولتان، منذ تلك الأزمة، تعزيز التعاون بينهما، ففي عام 2000، تم إنشاء لجنة مشتركة مختصة في النزاعات الحدودية. إلا أن الاجتماعات بين البلدين كانت غالبا لا تسفر عن نتائج ملموسة. انعكاسات "للتوترات السياسية الداخلية" "بعيدا عن الصراع الرمزي والإقليمي، يرى ديفيد كامرو في هذا التصعيد الجديد للتوترات بين الجارتين "قضايا سياسية داخلية من الجانبين". وأن "الأمر يتعلق بإيجاد سبب لإثارة الشعور القومي والاستفادة من ذلك لتحقيق بعض الأهداف السياسية". لدى الحكومة الكمبودية مصلحة كبيرة في تعزيز الشعور القومي في أوساط شعبها، لا سيما في سياق التوترات الحدودية المستمرة مع تايلاند. فقد أعلن رئيس الوزراء هون مانيت في منتصف يوليو/تموز أن الحكومة ستبدأ انطلاقا من العام المقبل، تطبيق قانون مثير للجدل يتعلق بالتجنيد الإلزامي للشباب الكمبوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما. ويذكر أن هذا القانون تم التصويت عليه عام 2006 لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن. في تايلاند أيضا، تخدم هذه الأزمة مصالح سياسية خاصة لصالح أوساط المحافظين الذين يعرف عنهم قربهم من الجيش. ففي بداية يوليو/تموز، أدى النزاع فعلا إلى تعليق مهام رئيسة الوزراء بايتونغتارن شيناواترا. إلا أنه، "منذ أغسطس/ آب 2024، يحكم تايلاند تحالف هش بين حزب شيناواترا والأحزاب المحافظة"، يذكر ديفيد كامرو، قبل أن يضيف "ولكن هذا التحالف هو مجرد تفاهم ظرفي، ليس زواجا ناجما عن حب والمحافظون يبحثون منذ مدة عن ذريعة ملائمة لإزاحتها واستعادة السيطرة الكاملة على الأمور". وفي هذا السياق، يذكر أن مكالمة هاتفية جرت في 15 يونيو/حزيران بين بايتونغتارن شيناواترا ورئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين، هي التي منحتهم هذه الذريعة. فبعد ثلاثة أيام فقط من هذه المكالمة، تسرّبت مقاطع من المحادثة على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر الرجل القوي في كمبوديا. في التسجيل، يمكن سماع الزعيمة التايلاندية تنادي هون سين بـ"العم"، وتظهر نوعا من الخضوع لمطالبه، لكن الشيء الأهم من ذلك هو دعوته إلى تجاهل تصريحات الجنرال التايلاندي المسؤول عن المنطقة الحدودية، لأنه، بحسب قولها، "أحد خصومها السياسيين". إبلاغ هون سين بوجود انقسامات بين الحكومة والجيش تم تفسيره على الفور في الأوساط المحافظة على أنه خطأ جسيم ارتكبته رئيسة الوزراء. وبداية من 19 يونيو/حزيران، دعت هذه الأطراف إلى التعبئة وانطلقت موجات من المظاهرات أمام مقر الحكومة. وبالرغم من تقديم شيناواترا اعتذارات شعبية، لكن تم تعليق مهامها أيام قليلة بعد ذلك. ولقد علق الباحث ديفيد كامرو على ذلك قائلا "الأوساط المحافظة والعسكرية باتت قريبة من تحقيق هدفها: التخلص من جناح شيناواترا واستعادة السيطرة على الحياة السياسية في البلاد". التصعيد، إلى أي مدى... وما دور الصين وماليزيا؟ في مواجهة هذا النزاع، يُحاول ديفيد كامرو إضفاء بعض الطمأنينة. ويشير كامرو "بالرغم من أن هذه التوترات الحدودية فريدة من نوعها وغير مسبوقة منذ 15 عاما، فإن الوضع ينبغي أن يهدأ في نهاية المطاف". فلا أحد، له مصلحة في توسيع هذا النزاع أو تصعيده، لا في تايلاند ولا في كمبوديا. وأنه "من المرجّح أنه بمجرد تحقيق الأهداف السياسية، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل (الوضع السائد)"، حسب قوله دائما. الصين، التي تربطها علاقات طيبة مع البلدين، وكذلك رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تسعى إلى الحفاظ على السلام في المنطقة بأي ثمن، ستتحركان سريعا للعب دور الوساطة في النزاع"، يُضيف ديفيد كامرو. وقد سبق للصين، التي أعربت عن "قلقها الشديد" جراء هذه التوترات، أن دعت البلدين لحل خلافهما الحدودي عبر الحوار. ومن جهته، دعا رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية لمنظمة " آسيان" البلدين إلى التحلي بضبط النفس، قبل أن يشرف شخصيا الإثنين 28 يوليو/تموز على اتفاق ينص على وقف "غير مشروط لإطلاق النار" بين البلدين اعتبارا من منتصف ليل الإثنين.

الأمم المتحدة تدعو إيران لوقف الإعدامات وطهران تؤكد اقتصارها على "أخطر الجرائم"
الأمم المتحدة تدعو إيران لوقف الإعدامات وطهران تؤكد اقتصارها على "أخطر الجرائم"

فرانس 24

timeمنذ 2 أيام

  • فرانس 24

الأمم المتحدة تدعو إيران لوقف الإعدامات وطهران تؤكد اقتصارها على "أخطر الجرائم"

طالبت الأمم المتحدة إيران الإثنين بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام بعد رصد ارتفاع قياسي في عدد الإعدامات التي بلغت 612 حالة منذ بداية العام الجاري. في المقابل، شددت وزارة الخارجية الإيرانية على أن تطبيق الإعدام محصور فقط بالجرائم الأشد خطورة وفق القانون المحلي، مؤكدة أن البلاد تجتهد للحد من استخدام العقوبة بحصرها في حالات محددة. وحثّت الأمم المتحدة إيران على وقف عقوبة الإعدام مشيرة إلى "ارتفاع مقلق في الإعدامات" التي طالت ما لا يقل عن 612 شخصاً حتى الآن هذه السنة. وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان: "التقارير عن حصول مئات عدة من الإعدامات في إيران حتى الآن هذا العام تسلط الضوء على وضع يثير قلقا عميقا والحاجة إلى تعليق فوري لاستخدام عقوبة الإعدام في هذا البلد". تصاعد الإعدامات وانتقادات دولية وبحسب بيان الأمم المتحدة، فإن عدد الإعدامات المنفذة في حق 612 شخصا على الأقل في النصف الأول من 2025 هو أكثر من ضعفي الرقم المسجل في الفترة نفسها من 2024 (297 حالة إعدام). كما أشار تورك إلى وجود 48 شخصا على الأقل ينتظرون تنفيذ الحكم، بينهم 12 يواجهون خطرا وشيكا. وأضاف البيان أن أكثر من 40% من الذين أعدموا هذا العام أدينوا بجرائم تتعلق بالمخدرات، بينما يتعلق عدد آخر باتهامات "فضفاضة" مثل "الحرابة" و"الإفساد في الأرض" وعادة ما تستخدم ضد المعارضين. موجة قمع واحتجاج حقوقي وأعرب تورك عن قلقه من أن معظم الإجراءات القضائية تتم في جلسات مغلقة ولا تحترم ضمانات المحاكمة العادلة. ذكرت منظمات حقوقية أن السلطات الإيرانية أوقفت المئات خلال موجة قمع أعقبت النزاع العسكري مع إسرائيل، وتتهم طهران باللجوء إلى الإعدام والتخويف كوسيلة لإسكات المعارضين واحتواء التوترات الداخلية. تحتل إيران المرتبة الثانية عالميا بعد الصين في عدد الإعدامات، بحسب منظمة العفو الدولية وجهات حقوقية أخرى. وغالباً ما تنفذ عمليات الإعدام شنقا فجراً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store