
علام اتفق ترامب مع الاتحاد الأوروبي؟ وهل خرج رابحا؟
وافق الاتحاد الأوروبي على قبول رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم صادراته إلى الولايات المتحدة، في حين من المتوقع أن تنخفض رسوم الاتحاد الجمركية على السلع الأميركية إلى ما دون المتوسط الحالي البالغ حوالي 1% بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وأقر المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش بأنه "أفضل اتفاق يمكننا الحصول عليه في ظل ظروف بالغة الصعوبة".
قوبل الاتفاق بمزيج من الاستسلام والغضب في العواصم الأوروبية، وطالب بعض القادة الأوروبيين المفوضية الأوروبية بأن تكون صارمة مثل دونالد ترامب في المحادثات، بينما أقر آخرون بأن استفزاز الرئيس الأميركي سيكون محفوفا بالمخاطر، وجاء استسلام التكتل الأوروبي بعد جهد من أعضاء الناتو في الاتحاد لإبقاء ترامب ملتزما بالتحالف العسكري الذي يضمن أمنهم.
ترامب، الذي اتهم الاتحاد الأوروبي بمعاملة الولايات المتحدة بشكل أسوأ من الصين ، هدد بفرض رسوم تصل إلى 200% على بعض المنتجات الأوروبية، قائلا إنه يريد إنعاش التصنيع المحلي، والمساعدة في تمويل تخفيضات ضريبية ضخمة، ومعالجة الاختلالات الاقتصادية التي قال إنها تضر بالعمال الأميركيين.
وهذه تفاصيل الاتفاق التجاري الأميركي الأوروبي في سؤال وجواب، وفق ما أوردتها بلومبيرغ:
1- هل أنجز الاتحاد الأوروبي وأميركا اتفاقية التجارة؟
ليس بعد؛ فالاتفاقية التي أعلنها ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 27 يوليو/تموز 2025 مستمدة من بيان غير ملزم لا يتمتع بأي قوة قانونية.
في الخطوة التالية من العملية، سيصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بيانا مشتركا كاملا بحلول الأول من أغسطس/آب المقبل. سيتوسع هذا البيان في العناصر التي تم التفاوض عليها بالفعل، لكنه لن يكون له أي وزن قانوني، عندها فقط سيبدأ الجانبان التفاوض على اتفاقية تجارية ملزمة قانونا.
وليس من الواضح شكل الاتفاقية النهائية، لكن قد يستغرق التفاوض عليها شهورا.
2- ماذا سيحدث الآن؟
في أول أغسطس/آب، ستعدل الولايات المتحدة معدل تعريفاتها الجمركية على جميع صادرات الاتحاد الأوروبي تقريبا إلى 15%، بما في ذلك السيارات وقطع غيارها، وسيطبق هذا المعدل على حوالي 70%، أو 380 مليار يورو (435 مليار دولار)، من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، وفقا لمسؤول كبير في التكتل.
لن تضاف أي رسوم جمركية أخرى إلى هذا المعدل، وستطبق نسبة الـ15% على المنتجات القطاعية، مثل الأدوية وأشباه الموصلات، حتى لو فرضت الولايات المتحدة رسوما إضافية على هذه القطاعات في المستقبل.
سيُستثنى من ضريبة الـ15% عدد قليل من المنتجات، بينما ستظل السلع الخاضعة بالفعل لتعريفات جمركية تزيد عن 15% بموجب ما يسمى بترتيبات "الدولة الأكثر رعاية" خاضعة للضرائب عند هذه المستويات، كما سيسعى الجانبان إلى التفاوض على حصص محددة لواردات الولايات المتحدة من الصلب من الاتحاد الأوروبي، كجزء من جهد أوسع لحماية سلاسل التوريد من مصادر الطاقة الفائضة.
لن يبدأ الاتحاد الأوروبي بتطبيق الشروط التي وافق عليها، مثل خفض الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية، إلا بعد الموافقة على النص النهائي الملزم قانونا، وفقا للمسؤول.
3- لماذا قبل الاتحاد الأوروبي هذه الصفقة؟
صرح مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأن المفاوضات لم تقتصر على التجارة فحسب، بل كانت لها آثار على أمن التكتل المكون من 27 دولة، والحرب في أوكرانيا، وحتى إمدادات الطاقة.
ولا تزال أوروبا تعتمد بشكل حاسم على الولايات المتحدة في دفاعها بعد سنوات من نقص الاستثمار في الجيوش الوطنية، كما أن تحرك المنطقة نحو التخلص التدريجي من مشتريات الغاز الروسي جعلها أكثر اعتمادا على الولايات المتحدة كمصدر بديل للطاقة.
4- هل ترامب هو الرابح في الاتفاقية؟
توقع مفاوضو التجارة في الاتحاد الأوروبي صفقة غير متكافئة من شأنها أن تصب في مصلحة واشنطن ، والسؤال الوحيد هو: إلى أي مدى؟
لا شك أن شروط الاتفاقية، كما أُعلن عنها، ستعزز المكانة التنافسية للصناعات الأميركية، ومع ذلك، يقول العديد من الاقتصاديين إن تكاليف الرسوم الجمركية عادة ما يتحملها المستهلك النهائي، على الأقل في البداية، أي الأميركيون في هذه الحالة.
ويسود القلق في أوروبا من أن هذا الحاجز الجديد أمام أكبر علاقة تجارية في العالم سيُضعف الطلب على السلع الأوروبية، ويشجع الشركات على تحويل استثماراتها إلى الولايات المتحدة، فبناء مصانع جديدة هناك سيكون إحدى الطرق لتجنب الرسوم الجمركية الجديدة.
وتعليقا على اتفاقية التجارة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون"لكي تكون حرا، عليك أن تهاب. لم نخش بما فيه الكفاية"، وكان رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، أكثر صراحة، إذ قال "إنه يوم أسود عندما يقرر تحالف من الشعوب الحرة، المتحدة لتأكيد قيمها والدفاع عن مصالحها، الخضوع".
5- كيف يؤثّر اتفاق التجارة على شركات صناعة السيارات؟
ستُفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على صادرات السيارات وقطع غيارها إلى الولايات المتحدة، وهي أقل من نسبة 27.5% التي فرضها ترامب سابقا على هذا القطاع، وعند إتمام الاتفاق، ستعفى السيارات الأميركية من الرسوم الجمركية عند دخولها الاتحاد الأوروبي.
إعلان
وجاء هذا التخفيض بمثابة ارتياح للدول الأعضاء المعتمدة على صادرات السيارات، وخاصة ألمانيا، التي صدّرت ما قيمته 34.9 مليار دولار من السيارات الجديدة وقطع غيار السيارات إلى الولايات المتحدة في عام 2024.
ووصف عضو المجلس التنفيذي لاتحاد صناعة السيارات الألماني، فولفغانغ نيدرمارك، الاتفاق بأنه "تسوية غير كافية" ترسل إشارة كارثية، وأضاف "الاتحاد الأوروبي يقبل برسوم جمركية مؤلمة. حتى رسوم جمركية بنسبة 15% ستكون لها عواقب سلبية هائلة على الصناعة الألمانية الموجهة نحو التصدير".
6- ماذا عن تعهد الاتحاد الأوروبي بالاستثمار في الولايات المتحدة؟
هذه نقطة حساسة في إعلان ترامب وفون دير لاين، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه على شراء منتجات أميركية من الغاز الطبيعي المسال والنفط والطاقة النووية بقيمة 750 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما أشار إلى أن شركات الاتحاد أبدت اهتمامها باستثمار 600 مليار دولار على الأقل في قطاعات أميركية مختلفة.
لكنْ من الصعب تصور كيف يمكن للاتحاد الأوروبي تحقيق هذه المشتريات الطموحة من الطاقة خلال هذه الفترة الزمنية، فقد بلغ إجمالي واردات الطاقة من الولايات المتحدة أقل من 80 مليار دولار العام الماضي، وهو مبلغ أقل بكثير من الوعد الذي قطعته فون دير لاين لترامب، وبلغ إجمالي صادرات الطاقة الأميركية ما يزيد قليلا عن 330 مليار دولار في عام 2024.
علاوة على ذلك، لا يشتري الاتحاد الأوروبي الطاقة لدوله الأعضاء، ولا يمكنه تحديد أماكن شراء الشركات الأوروبية للطاقة.
ويمثل تعهد الاتحاد الأوروبي باستثمار 600 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة إشكالية مماثلة، وقال مسؤول الاتحاد الأوروبي إن هذا الاستثمار هو مجرد مجموع تعهدات من الشركات وليس هدفا ملزما، إذ لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الالتزام بهذا الهدف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ماكرون يدعو إلى مزيد من "الحزم" مع الجزائر
وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، اليوم الأربعاء، حكومته للتحرك بما وصفه بـ"مزيد من الحزم والتصميم" تجاه الجزائر، مشيرا إلى "مصير" الكاتب بوعلام صنصال والصحفي كريستوف غليز المسجونين هناك، ومطالبا باتخاذ "قرارات إضافية" في هذا الصدد. وقال ماكرون، في رسالة رسمية إلى رئيس وزرائه فرنسوا بايرو نشرتها صحيفة "لوفيغارو"، إنه "يجب على فرنسا أن تكون قوية وتحظى بالاحترام". وأضاف في الرسالة التي تشير إلى مرحلة جديدة في الأزمة الدبلوماسية الحادة بين البلدين، أن فرنسا "لا يمكنها الحصول على ذلك من شركائها إلا إذا أظهرت لهم الاحترام الذي تطلبه منهم. وتنطبق هذه القاعدة الأساسية على الجزائر أيضا". ولتبرير توجيهاته، أشار الرئيس الفرنسي إلى الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة "تقويض الوحدة الوطنية"، والصحفي الفرنسي كريستوف غليز الذي حكم عليه بالسجن 7 سنوات في الجزائر بتهمة "تمجيد الإرهاب". تدابير ومن بين التدابير الواردة في الرسالة، طلب ماكرون من الحكومة أن تعلق "رسميا" تطبيق الاتفاقية المبرمة عام 2013 مع الجزائر "بشأن الإعفاءات من التأشيرة لجوازات السفر الرسمية والدبلوماسية". ويقر هذا الإجراء الوضع القائم حاليا بحكم الأمر الواقع، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في 14 مايو/أيار الماضي "إعادة جميع الدبلوماسيين الحاملين لجوازات سفر دبلوماسية والذين لا يحملون تأشيرة حاليا إلى الجزائر". وقال إن فرنسا كانت ترد آنذاك على قرار الجزائر "غير المبرر والذي لا يمكن تبريره" بطرد موظفين فرنسيين. كما طلب ماكرون من الحكومة أن تستخدم "فورا" أحد أحكام قانون الهجرة لعام 2024، وهو بند "يسمح برفض تأشيرات الإقامة القصيرة لحاملي جوازات السفر الوظيفية والدبلوماسية، وكذلك تأشيرات الإقامة الطويلة لجميع أنواع المتقدمين". وطلب الرئيس الفرنسي من رئيس وزرائه "تكليف وزير الداخلية" برونو روتايو الذي يتبنى موقفا متشددا تجاه الجزائر، "إيجاد سبل ووسائل تعاون مفيد مع نظيره الجزائري في أسرع وقت ممكن"، كما "أعرب عن أمله في أن يتحرك وزير الداخلية وأجهزته دون هوادة في مواجهة انحراف أفراد جزائريين في وضع غير نظامي". وأضاف "بعد أن تروا أن شروط نظامنا الدبلوماسي مستوفاة، يمكنكم السماح للقناصل الجزائريين الثلاثة الموجودين حاليا على أراضينا بممارسة مهامهم، مع المطالبة باستئناف التعاون في مجال الهجرة.. وهذا الاستئناف وحده سيتيح أن نستقبل 5 قناصل آخرين ينتظرون الترخيص". وقال ماكرون "رد السلطات الجزائرية على مطالبنا المتعلقة بالتعاون بشأن الهجرة والعمل القنصلي سيحدد خطواتنا التالية"، موضحا أنه "بمجرد استئناف الحوار، سيتعين علينا أيضا معالجة ملفات ثنائية حساسة أخرى"، مشيرا إلى "ديون المستشفيات" و"تصرفات بعض الأجهزة الحكومية الجزائرية على الأراضي الوطنية، ولكن أيضا قضايا الذاكرة العالقة". يذكر أن العلاقات الجزائرية الفرنسية شهدت توترا دام أشهرا، قبل أن تظهر بوادر انفراج عقب اتصال جمع في 31 مارس/آذار الماضي بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي وإعلان عودة العلاقات إلى طبيعتها، حيث تم استئناف التعاون في مجال الأمن والهجرة، بحسب بيان مشترك. وبدأت الأزمة تتفاقم في أواخر يوليو/تموز مع إعلان الرئيس الفرنسي دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لل صحراء الغربية ، فبادرت الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس. وتأزّم الوضع بعد ذلك، خصوصا بسبب مسألة الهجرة وتوقيف بوعلام صنصال في الجزائر.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
ما حجم التقدم في مباحثات ويتكوف وبوتين لإنهاء حرب أوكرانيا؟
تتصاعد التساؤلات بشأن حجم التقدم الذي أفرزته مباحثات المبعوث الرئاسي الأميركي ستيفن ويتكوف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن مستقبل حرب أوكرانيا بعد حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مباحثات "مثمرة للغاية". ويتمثل التقدم بإيجاد حلول وسط "قد تتضمن تنازلات روسية ليست جوهرية"، مثل توافق على وقف مؤقت للهجمات الجوية بين موسكو وكييف، وهدن إنسانية لتبادل الأسرى والجثث، وفق حديث الباحث السياسي والإستراتيجي رولاند بيجاموف لبرنامج "ما وراء الخبر". وتمثل المباحثات بداية مناقشات نحو إطار جديد يتضمن التعامل مع شروط روسية -حسب كبيرة الباحثين في معهد كوينسي كيلي فلاهوس- مثل عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ووضع أوكرانيا بعد الحرب بحيث لا توجد قوات عسكرية أوروبية وأميركية على أراضيها. ولا يمكن إحداث تطور جوهري والمضي قدما في مفاوضات حقيقية لإنهاء حرب أوكرانيا من دون "معالجة هاتين المسألتين"، فالتوصل لوقف إطلاق النار "غير ممكن" من دون تسوية ذلك. ووفق فلاهوس، فإن هاتين المسألتين هما الأساس للتوصل إلى حل، وليس وقف إطلاق النار وفرض عقوبات وتعريفات جمركية، فهذه "أدوات دبلوماسية حربية لن تؤدِي إلى نتائج مرجوة". لكن ليست من مصلحة موسكو وقف حرب أوكرانيا "إلا إذا نفذت مطالبها، وحصلت على ضمانات، ورفعت العقوبات عنها"، إذ "تكسب في ميدان الحرب وفي سباق التسلح"، حسب حديث بيجاموف. وتتفق كبيرة الباحثين في معهد كوينسي مع ذلك، فموقف روسيا قوي، ويواصل جيشها مهاجمة أوكرانيا ويسيطر على مزيد من أراضيها، وباستطاعتها وضع الشروط على طاولة المفاوضات، وليست كييف التي تتموضع في موقع دفاعي. وبناء على هذه المعطيات، تحاول روسيا كسب الوقت لكي تصبح الأمور لصالحها في ظل "أفضليتها العسكرية في الميدان، وقدرتها على إطالة الحرب أكثر من أوكرانيا". مهلة ترامب كما تبدو روسيا هادئة مع اقتراب المهلة التي حددها ترامب لروسيا لوقف حرب أوكرانيا، إذ "لم تأخذها على محمل الجد، ولم يعلق عليها بوتين، في وقت أظهر فيه المسؤولون الروس صبرا إستراتيجيا"، وفق بيجاموف. ورجح مواصلة الحوار بين واشنطن وموسكو في ظل الحديث عن "شراكة إستراتيجية"، وقلل في الوقت نفسه من شراء أوكرانيا أسلحة أميركية جديدة بـ200 مليون دولار، مؤكدا أنه لا يمكن مقارنة هذه الصفقة بفترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وفي هذا الإطار، قال مسؤول أميركي رفيع إن اجتماع ويتكوف في روسيا "سار بشكل جيد"، مشيرا إلى أن "موسكو حريصة على مواصلة التنسيق مع الولايات المتحدة". كما أن واشنطن قد لا تستمر طويلا في مساعيها الرامية لإنهاء حرب أوكرانيا، فترامب قد ينسحب تاركا هذه الساحة الأوروبية للتركيز على الصراع مع الصين، في حين "تستعد النخبة الأوروبية الأيديولوجية الحاكمة لحرب مع الروس عام 2030″، كما يقول بيجاموف.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
لماذا تعادي أميركا الصين بهذه الشراسة؟
على مدار العقدين الماضيين، تطور موقف الولايات المتحدة تجاه الصين من التعاون الاقتصادي إلى العداء الصريح. فقد انخرطت وسائل الإعلام والسياسيون الأميركيون في خطاب معادٍ للصين بشكل مستمر، بينما فرضت الحكومة الأميركية قيودا تجارية وعقوبات على الصين، وسعت إلى تعزيز وجودها العسكري بالقرب من الأراضي الصينية. تريد واشنطن من الناس أن يعتقدوا أن الصين تشكل تهديدا. صحيح أن صعود الصين يهدد المصالح الأميركية، لكن ليس بالطريقة التي تحاول النخبة السياسية الأميركية تصويرها. يجب فهم العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في سياق النظام الرأسمالي العالمي. إذ يعتمد تراكم رأس المال في الدول المركزية، والتي يشار إليها غالبا باسم "الشمال العالمي"، على العمالة والموارد الرخيصة القادمة من الأطراف وشبه الأطراف، أي ما يعرف بـ"الجنوب العالمي". ويعد هذا الترتيب أمرا حاسما لضمان تحقيق أرباح عالية للشركات متعددة الجنسيات التي تهيمن على سلاسل التوريد العالمية. كما أن التفاوت المنهجي في الأسعار بين المركز والأطراف يمكّن الدول المركزية من الاستحواذ الصافي الكبير على القيمة من الأطراف من خلال التبادل غير المتكافئ في التجارة الدولية. منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين فتحت الصين أبوابها للاستثمار والتجارة الغربية، أصبحت جزءا أساسيا من هذا الترتيب، إذ وفرت مصدرا رئيسيا للعمالة لصالح الشركات الغربية؛ عمالة تتميز بأنها رخيصة، ولكنها أيضا عالية المهارة ومرتفعة الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، تعتمد نسبة كبيرة من إنتاج شركة آبل على العمالة الصينية. ووفقا لأبحاث الاقتصادي دونالد أ. كليلاند، فإن آبل لو اضطرت لدفع أجور للعمال الصينيين والآسيويين الشرقيين توازي أجور العامل الأميركي، لكانت كلفة جهاز الآيباد الواحد سترتفع بمقدار 572 دولارا إضافيا في 2011. لكن خلال العقدين الماضيين، ارتفعت الأجور في الصين بشكل كبير ولافت. تقريبا في 2005، كانت تكلفة العمالة الصناعية في الساعة بالصين أقل من نظيرتها في الهند، إذ لم تتجاوز دولارا واحدا في الساعة. أما اليوم، فقد ارتفعت الأجور في الصين إلى أكثر من 8 دولارات في الساعة، في حين لا تزال في الهند تقارب دولارين فقط. بل في الواقع، باتت الأجور في الصين أعلى منها في أي دولة نامية أخرى في آسيا، وهو تطور تاريخي بالغ الأهمية. ويعزى هذا التحول إلى عدة أسباب رئيسية. أولها أن فائض العمالة في الصين تم استيعابه تدريجيا ضمن اقتصاد العمل المأجور، مما عزز من قدرة العمال التفاوضية. وفي الوقت نفسه، وسّع الرئيس الصيني شي جين بينغ من دور الدولة في الاقتصاد، عبر تعزيز أنظمة الخدمات العامة- مثل الرعاية الصحية والإسكان العام- الأمر الذي زاد من تحسين وضع العمال، ودعم قوتهم الاقتصادية والاجتماعية. هذه تغيّرات إيجابية بالنسبة للصين- وخصوصا للعمال الصينيين- لكنها تشكل مشكلة حقيقية لرأس المال الغربي. فارتفاع الأجور في الصين يفرض قيودا على أرباح الشركات الغربية التي تعمل هناك أو التي تعتمد على التصنيع الصيني في تزويدها بالأجزاء الوسيطة ومدخلات الإنتاج الأساسية. أما المشكلة الأخرى بالنسبة لدول المركز، فهي أن ارتفاع الأجور والأسعار في الصين يقلل من تعرضها لتبادل غير متكافئ. ففي حقبة الأجور المنخفضة خلال تسعينيات القرن الماضي، كان معدل صادرات الصين إلى وارداتها مع دول المركز مرتفعا للغاية، أي أن الصين كانت تضطر لتصدير كميات هائلة من السلع من أجل الحصول على الواردات التي تحتاجها. أما اليوم، فقد انخفض هذا المعدل بشكل ملحوظ، مما يمثّل تحسنا كبيرا في شروط التبادل التجاري لصالح الصين، ويضعف بشكل كبير قدرة دول المركز على الاستحواذ على القيمة من الصين. نظرا لكل ما سبق، فإن الرأسماليين في الدول المركزية باتوا الآن في حالة يأس لفعل أي شيء لاستعادة قدرتهم على الوصول إلى العمالة الرخيصة والموارد. أحد الخيارات- الذي يروج له بشكل متزايد في الصحافة الاقتصادية الغربية- هو نقل الإنتاج الصناعي إلى مناطق أخرى في آسيا حيث تكون الأجور أقل. لكن هذا الخيار مكلف من حيث فقدان الإنتاج، والحاجة إلى توظيف عمال جدد، والاضطرابات الأخرى في سلاسل الإمداد. الخيار الآخر هو إجبار الأجور الصينية على الانخفاض مجددا. ومن هنا تأتي محاولات الولايات المتحدة تقويض الحكومة الصينية وزعزعة استقرار الاقتصاد الصيني، بما في ذلك عبر الحرب الاقتصادية والتهديد المستمر بالتصعيد العسكري. من المفارقات أن الحكومات الغربية تبرر أحيانا معارضتها للصين بحجة أن صادرات الصين رخيصة للغاية. وغالبا ما يدّعى أن الصين "تغش" في التجارة الدولية من خلال خفض سعر صرف عملتها، اليوان الصيني (الرنمينبي)، بشكل مصطنع. بيد أن المشكلة في هذا الطرح هي أن الصين تخلّت عن هذه السياسة منذ حوالي عقد من الزمن. كما أشار خبير الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، خوسيه أنطونيو أوكامبو، في 2017: "في السنوات الأخيرة، كانت الصين تبذل جهدا لتجنب انخفاض قيمة الرنمينبي، وقد ضحت بكمية كبيرة من احتياطاتها. وقد يشير هذا إلى أن هذه العملة، إذا كان هناك شيء يمكن قوله، فهي الآن مبالغ في تقييمها". وقد سمحت الصين في نهاية المطاف بخفض قيمة العملة في 2019، عندما فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية، مما زاد الضغط على الرنمينبي. لكن هذا كان رد فعلٍ طبيعيا على تغيّر في ظروف السوق، وليس محاولة لتخفيض قيمة الرنمينبي إلى ما دون مستواه السوقي. لقد دعمت الولايات المتحدة الحكومة الصينية إلى حد كبير في الفترة التي كانت فيها عملة الصين منخفضة القيمة، بما في ذلك من خلال القروض المقدمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لكن الغرب انقلب بشكل حاسم ضد الصين في منتصف العقد الثاني من الألفية، في اللحظة نفسها التي بدأت فيها البلاد ترفع أسعارها وتتحدى موقعها كمورّد هامشي للمدخلات الرخيصة ضمن سلاسل الإمداد التي يهيمن عليها الغرب. العنصر الثاني الذي يغذي عداء الولايات المتحدة تجاه الصين، هو التكنولوجيا. فقد استخدمت بكين السياسة الصناعية لإعطاء الأولوية للتطور التكنولوجي في القطاعات الإستراتيجية على مدى العقد الماضي، وحققت تقدما مذهلا. فهي تمتلك الآن أكبر شبكة للقطارات فائقة السرعة في العالم، وتصنّع طائراتها التجارية الخاصة، وتقود العالم في تكنولوجيا الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، وتتمتع بتقنيات متقدمة في مجالات الطب، والهواتف الذكية، وإنتاج الرقائق الدقيقة، والذكاء الاصطناعي، وغيرها. لقد كانت الأخبار التكنولوجية القادمة من الصين مذهلة وسريعة الإيقاع. وهذه إنجازات لا نتوقعها عادة إلا من الدول ذات الدخل المرتفع، لكن الصين تحققها رغم أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لديها يقل بنسبة تقارب 80% عن متوسط ما تحققه الاقتصادات "المتقدمة". وهذا أمر غير مسبوق. يمثّل هذا تطورا مقلقا للدول المركزية، لأن أحد الأعمدة الأساسية للترتيب الإمبريالي هو حاجتها إلى الحفاظ على احتكار التكنولوجيا الضرورية، مثل السلع الرأسمالية، والأدوية، وأجهزة الكمبيوتر، والطائرات، وما إلى ذلك. هذا الاحتكار يجبر "الجنوب العالمي" على البقاء في موقع التبعية، إذ يضطر إلى تصدير كميات كبيرة من موارده المنخفضة القيمة من أجل الحصول على هذه التكنولوجيا الأساسية. وهذا هو ما يبقي على عملية الاستحواذ الصافي للدول المركزية من خلال التبادل غير المتكافئ. أما اليوم، فإن التطور التكنولوجي في الصين بات يكسر هذا الاحتكار الغربي، وقد يمنح الدول النامية الأخرى موردين بدلاء للسلع الأساسية، بأسعار أكثر قدرة على التحمل. وهذا يمثل تحديا جوهريا لترتيب السيطرة الإمبريالية ولنظام التبادل غير المتكافئ. لقد ردت الولايات المتحدة بفرض عقوبات تهدف إلى شل التطور التكنولوجي في الصين. حتى الآن، لم تنجح هذه العقوبات؛ بل على العكس، زادت من الحوافز لدى الصين لتطوير قدراتها التكنولوجية السيادية. ومع تحييد هذا السلاح إلى حد كبير، ترغب الولايات المتحدة في اللجوء إلى التحريض على الحرب، حيث يتمثل الهدف الأساسي في تدمير القاعدة الصناعية الصينية، وتحويل رأس المال الاستثماري والقدرات الإنتاجية الصينية نحو قطاع الدفاع. ترامب، والغرب من ورائه، لا يريدون الحرب مع الصين، لأن الصين تشكل تهديدا عسكريا على الشعب الأميركي، بل لأن التطور الصيني يقوض مصالح الرأسمال الإمبريالي. الادعاءات الغربية بأن الصين تشكل نوعا من التهديد العسكري ليست سوى دعاية محضة. فالوقائع المادية تروي قصة مختلفة تماما. في الواقع، فإن الإنفاق العسكري للصين للفرد الواحد أقل من المتوسط العالمي، ويعادل عُشر ما تنفقه الولايات المتحدة وحدها. صحيح أن الصين تملك عددا كبيرا من السكان، ولكن حتى من حيث القيم المطلقة، فإن الكتلة العسكرية المتحالفة مع الولايات المتحدة تنفق على القوة العسكرية أكثر من سبعة أضعاف ما تنفقه الصين. كما أن الولايات المتحدة تمتلك ثمانية رؤوس نووية مقابل كل رأس نووي واحد تملكه الصين. قد تكون لدى الصين القدرة على منع الولايات المتحدة من فرض إرادتها عليها، لكنها لا تملك القدرة على فرض إرادتها على بقية العالم بالطريقة التي تفعلها الدول المركزية. إن السردية التي تزعم أن الصين تشكل نوعا من التهديد العسكري هي مبالغ فيها إلى حد بعيد. وفي الواقع، العكس هو الصحيح. فالولايات المتحدة تمتلك مئات القواعد والمنشآت العسكرية حول العالم، وعدد كبير منها متمركز قرب الصين؛ في اليابان وكوريا الجنوبية. أما الصين، في المقابل، فلا تمتلك سوى قاعدة عسكرية واحدة في الخارج، تقع في جيبوتي، ولا تمتلك أي قاعدة عسكرية بالقرب من حدود الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، لم تطلق الصين رصاصة واحدة في أي حرب دولية منذ أكثر من 40 عاما، في حين أن الولايات المتحدة، خلال هذه الفترة، غزت أو قصفت أو نفذت عمليات لتغيير الأنظمة في أكثر من اثنتي عشرة دولة في الجنوب العالمي. وإذا كانت هناك دولة تشكل تهديدا معروفا للسلام والأمن العالميين، فهي الولايات المتحدة. السبب الحقيقي وراء التحريض الغربي على الحرب هو أن الصين تحقق تنمية سيادية، وهذا يقوض الترتيب الإمبريالي الذي يعتمد عليه تراكم رأس المال الغربي. والغرب لن يسمح بانزلاق القوة الاقتصادية العالمية من بين يديه بهذه السهولة.