هل إصلاح القطاع الخاص ضروري لتمكين الرؤية الاقتصادية من أهدافها؟
الرؤية كانت مدركة منذ البداية لجملة من العوائق التي تحد من قدرة القطاع الخاص على قيادة التنمية، وقد شخّصت العديد من نقاط الضعف البنيوية التي يعاني منها. ومن أبرز هذه التحديات ما يتعلق بضعف التدريب المهني، ومحدودية المهارات المطلوبة في سوق العمل، وانخفاض معدلات الاستثمار المحلي، وضعف الوصول إلى التمويل طويل الأجل، وتباطؤ الإجراءات الإدارية والبيروقراطية. كما أشارت الرؤية إلى ضرورة تحسين بيئة الأعمال وتحفيز الابتكار وتطوير البنية التحتية الرقمية.
لكن في المقابل، هناك تحديات أخرى لم تحظَ بالتركيز الكافي في وثائق الرؤية، مثل ضعف المنافسة الداخلية، واتساع الاقتصاد غير المنظم، والحاجة إلى إصلاحات تشريعية تدعم الشفافية والحوكمة داخل الشركات، إلى جانب محدودية التنوع القطاعي، وغياب أدوات مالية متقدمة مثل سندات التنمية وصناديق الاستثمار المتخصصة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي لا تتجاوز 55%، وهي نسبة أدنى من المتوسطات المسجلة في دول ذات ظروف اقتصادية مماثلة.
في هذا السياق، يُعد تفعيل دور المناطق التنموية والصناديق الاستثمارية والمدن الصناعية أداة محورية لتعزيز دور القطاع الخاص. وقد أُنشئت هذه المنصات لتوزيع النشاط الاقتصادي وتحقيق تنمية متوازنة جغرافيًا. غير أن ضعف الربط بينها وبين سياسات التعليم والتشغيل والبحث والتطوير، قلل من فاعليتها. ويمكن إعادة توجيه هذه المناطق نحو الصناعات ذات القيمة المضافة والقطاعات التي تستهدفها الرؤية، لتصبح حواضن لنمو الشركات الناشئة وتوليد الوظائف النوعية.
ولا يزال الجهاز المصرفي يميل إلى تمويل الأنشطة قصيرة الأجل، بينما تواجه المشاريع الإنتاجية صعوبات في الحصول على التمويل الميسر والمستدام. ويدعو ذلك إلى تصميم أدوات تمويل مبتكرة تلبي احتياجات هذه القطاعات، وتشجع على الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر.
أما في جانب التصدير، فقد أولت الرؤية هذا المحور اهتمامًا كبيرًا باعتباره محرّكًا رئيسيًا للنمو. لكنها لم تُعالج بشكل كافٍ بعض العقبات المرتبطة بالنفاذ إلى الأسواق الخارجية، وضعف الخدمات اللوجستية، والحاجة إلى تحفيز التعاون بين الشركات المحلية والمستثمرين الأجانب. هذه الفجوات تجعل قطاع التصدير غير قادر على أداء دوره الكامل في تحقيق اختراقات جديدة في الأسواق العالمية.
كما تُظهر تجارب دول مثل تركيا وماليزيا أن إصلاح القطاع الخاص وتوجيهه نحو الإنتاجية والشراكة مع الدولة يمكن أن يحقق قفزات اقتصادية حقيقية. فقد نجحت تركيا في رفع مساهمة قطاعها الخاص من خلال تبسيط الإجراءات، وتعزيز الصادرات الصناعية، وتفعيل الشراكة مع الجامعات. فيما ركزت ماليزيا على التحول نحو الاقتصاد الرقمي، والتصنيع الذكي، وتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة، وهو ما عزز من جاذبيتها للاستثمار وساهم في تقليل البطالة وتعزيز التنافسية.
ولا يقتصر تمكين القطاع الخاص على البُعد الاقتصادي فحسب، بل له انعكاسات اجتماعية مباشرة وعميقة. فكل تحسُّن في بيئة الأعمال يعني مزيدًا من فرص العمل، وتوسيعًا للطبقة الوسطى، وتقليصًا للاعتماد على التوظيف الحكومي، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. وعندما تُهيأ للقطاع الخاص بيئة محفّزة، يصبح شريكًا فاعلًا في تحسين جودة الحياة، وتقليل الفجوات التنموية، وتوفير حلول عملية لقضايا مثل البطالة وتمكين الشباب والنساء.
خلاصة القول إن إصلاح القطاع الخاص ليس مجرد هدف اقتصادي، بل ضرورة استراتيجية لإنجاح الرؤية الوطنية. إن بقاء الاختلالات البنيوية من دون معالجة، سيُبقي مساهمة هذا القطاع دون المستوى المطلوب، ويجعل تنفيذ الرؤية وتحقيق أهدافها يواجه تحديات كبيرة. لذلك، فإن تمكين القطاع الخاص من خلال إصلاحات حقيقية وبيئة ممكنة هو المدخل الأساس لتحقيق انطلاقة اقتصادية شاملة ومستدامة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 9 دقائق
- عمون
118 ألف ناجح .. أين يذهبون؟
تجاوز عدد الناجحين في امتحان شهادة الثانوية العامة هذا العام حاجز ١١٨ ألف طالب وطالبة، وهو رقم كبير يترجم نجاح جيل كامل في اجتياز مرحلة مفصلية من حياته. بعيدا عن الفرح والتهاني، يقف سؤال جوهري أمام الأسر وصناع القرار: "إلى أين يذهب هؤلاء جميعا"؟ الجامعات الحكومية رغم توسعها، لا تستطيع استيعاب أكثر من ثلث هذا العدد سنويا، وحتى مع انضمام الجامعات الخاصة التي قد تستوعب ما يقارب ٣٠ ألفا، تبقى فجوة بعشرات الآلاف من المقاعد الشاغرة في طموحات الطلاب، وهنا تتضح الهوة بين حلم الشباب الواسع وقدرة النظام التعليمي التقليدي على تلبية هذا الحلم. المجتمع الأردني بطبيعته يعشق التعليم، ويرى فيه سلم الارتقاء والحراك الاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى رمزا للمكانة والاعتبار، لكن هذا العشق تحول أحيانا إلى اعتماد مفرط على "الشهادة الجامعية" وكأنها الخيار الوحيد للمستقبل، في حين أعاد العالم من حولنا تعريف التعليم بعد الثانوية بطرق أكثر مرونة وارتباطا بسوق العمل. الحلول الممكنة لا تقتصر على زيادة مقاعد الجامعات، بل تشمل التعليم التطبيقي والمهني المتقدم، من خلال إنشاء وتوسيع كليات المجتمع التقنية المتخصصة في مجالات الهندسة التطبيقية، تكنولوجيا المعلومات، الطاقة المتجددة، والصناعات الإبداعية، إلى جانب تصميم برامج تدريبية معتمدة دوليا تستمر من سنة إلى ثلاث سنوات تفتح الباب أمام العمل فورا أو استكمال الدراسة لاحقا. كما يمكن الاستفادة من التعليم المرن والشراكات العالمية عبر إطلاق برامج للتعليم عن بعد بالتعاون مع جامعات مرموقة، مع ضمان الاعتراف المحلي بالشهادات، وتمكين الطلاب من دراسة تخصصات نوعية لا تتوفر محليا، مع دعم حكومي جزئي أو كلي، وربط ذلك مباشرة مع سوق العمل من خلال شراكات مع القطاع الخاص لتوفير تدريب منتهي بالتوظيف، وتأسيس حاضنات أعمال للشباب لتمويل مشاريع ناشئة في مجالات التكنولوجيا، السياحة، الزراعة الذكية، وغيرها. لا يمكن تجاهل أهمية تغيير الثقافة السائدة عبر حملات توعية تعيد الاعتبار إلى العمل المهني والتقني، وتظهر قصص نجاح لأشخاص حققوا إنجازات كبيرة خارج القاعات الجامعية، فضلا عن جعل التخصصات المطلوبة في سوق العمل أكثر جاذبية عبر حوافز مالية وفرص توظيف واضحة. إن مواجهة هذا التحدي ليست مسؤولية وزارة التعليم العالي وحدها، بل هي قضية وطنية تتطلب تنسيقا بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، لأن الاستثمار في جيل اليوم هو الضمانة الحقيقية لمستقبل الأردن.

عمون
منذ 9 دقائق
- عمون
التعديل الوزاري إيجابي بحذر!!
على مدار عقود شهدنا فيها حكومات عديدة وتعديلات أكثر، كان التحفظ الدائم على عدم اختصاص الوزراء بمجالات وزاراتهم، وأن الطبيب يدير وزارة التربية مثلاً والمهندس يدير وزارة السياحة، وهذا على سبيل المثال العام وليس تحديداً. الأسبوع الماضي شهدنا تعديلاً وزارياً يمكن وصفه بأنه مهني إلى حد كبير، وأخرجنا من المطب الدائم وهو عدم الاختصاص، وهذا ما جعلنا نصف التعديل بأنه إيجابي بحذر، أملاً بأن تتغير الطريقة التقليدية في التوزير بعيداً عن التخصص والخبرة. اليوم نحن أمام وزير للنقل يحمل درجة الدكتوراة في هندسة الطرق، ولديه خبرات عديدة؛ وزير نائب عين، إلى جانب التدريس الجامعي والاستشارات والبحث العلمي المتخصص. وزير الصحة يحمل درجة الدكتوراة في جراحة الدماغ والأعصاب، وهو مبدع في تخصصه وأنا أشهد له بذلك بحكم التجربة والتعامل، وهو نائب وعين سابق، وترأس العديد من اللجان المتخصصة في المجلسين. وزير الزراعة يحمل درجة الدكتوراة في الزراعة واستعمالات الأراضي، وهو رئيس جامعة سابق، ولديه من الخبرات الإدارية والأكاديمية ما يميزه عن غيره بكثير، ولديه اطلاع كبير على تفاصيل خطة التحديث الاقتصادي بجكم عمله مستشاراً في الدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وهذا مهم لدعم جهود الحكومة في المرحلة الثانية لتنفيذ الخطة. وزير السياحة يحمل درجة الدكتوراة في الإدارة السياحية، وعمل أمنياً عاماً للوزارة فترة طويلة، وعمل في سلطة العقبة وفي إقليم البترا، إلى جانب مواقع أكاديمية وإدارية عليا أخرى. وزير الاستثمار يحمل درجة الدكتوراة في الهندسة الصناعية، ويحمل خبرات إدارية متقدمة في مواقع عديدة في القطاع الخاص لأكثر من ٢٠ عاماً. وما يميزه أنه عمل مديراً لإدارة السياسات الاقتصادية في مكتب جلالة الملك، ومديراً لإدارة متابعة إنجاز روية التحديث الاقتصادي، وخطة التحديث الإداري، في الديوان الملكي الهاشمي العامر. كما أنه أشرف على إعداد ورش العمل الخاصة برؤية التحديث الاقتصادي خلال عمله في مكتب جلالة الملك، وهذا يشكل قوة دفع إضافية كبيرة للفريق الاقتصادي في الحكومة لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة التحديث الاقتصادي بشكل أكبر وأقوى وأسرع، لأنه مطلع عن قرب على ما يريده جلالة الملك من نتائج لهذه الخطة. وزير البيئة يحمل درجة الدكتوراة في البيئة، وتقلد العديد من المواقع الإدارية والفنية في مجال عمله، وكان أغلبها في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ولديه خبرة واسعة في الإدارة البيئية، ومثل الأردن في العديد من برامج التعاون الإقليمي في مجاله. وزير الشباب يحمل درجة الدكتوراة في القانون، ويحمل خبرة إدارية وقانونية كبيرة من خلال عمله في وزارة الداخلية، مديراً للرقابة والتفتيش، ومحافظاً لشؤون التنمية، ومفوضاً في الهيئة المستقلة للإنتخاب، وعضواً في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ويعرف عنه قوته وحنكته الإدارية وقربه من المواطنين. الفريق الوزاري الجديد يعتبر إضافة نوعية للحكومة، ومن المفترض أن يشكل نقلة كبيرة في جهود الحكومة في الوزارات التي تولاها الوزراء الجدد بحكم تخصصاتهم وخبراتهم المتراكمة، وعليهم أن يقدموا تجارب نجاح حقيقية في مواقعهم، بعيداً عن الاستعراض الإعلامي، والنتائج والإنجازات ستكون هي الفيصل بينهم وبين المواطنيين بعد عدة أشهر. بقي أن نقول أن الحذر يأتي من عدم نجاح الوزراء الجدد، أو بعضهم، في مهامهم، وعليهم أن يتعلموا من الأخطاء السابقة التي وقع بها أسلافهم، وبالتالي سيفقد الشارع الثقة بأي قادم أو مغادر لهذه الحكومة مستقبلاً، ونسأل الله التوفيق للجميع. الرأي

عمون
منذ 9 دقائق
- عمون
مبنى حكومي غير مستكمل منذ 2016 .. وحسان يخصصه لجامعة مؤتة
عمون - اوعز رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسَّان، اليوم الأحد، بالسير في إجراءات تخصيص مبنى حكومي في محافظة الكرك غير مستكمل منذ عام 2016م، لصالح جامعة مؤتة. وجاء ذلك لاستخدامه كمبنى سريري لكلية طب وجراحة الأسنان. وتبلغ مساحة المبنى قُرابة 7500 متر مربَّع مقام على قطعة أرض مساحتها تزيد على 9 دونمات. وزار حسان المبنى في الكرك اليوم ضمن جولة بدأها في المحافظة.