
البحث عن السلم تحت ظلال الحرب!محمد جواد الميالي
البحث عن السلم تحت ظلال الحرب!
محمد جواد الميالي
منذ بداية التاريخ، كان الانسان يبحث عن الهيمنة والسيطرة، ومع تطور المدن وظهور الحدود بدأت الحروب ترافق الإنسان في مسيرته، مخلفة وراءها دماراً وخراباً ومعاناة لا حصر لها.. مع تأسيس الدولة القومية الحديثة بعد صلح ويستفاليا عام 1648، اتخذت الحروب أبعاداً جديدة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من التنافس بين الدول، رغم تأثيرها الكبير على المجتمعات، والخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها، إلا أنها لم تتوقف، وكأن التاريخ نفسه يروي قصة لعبة شطرنج معقدة، تتناوب فيه الدول على تغيير مواقعها وبناء تحالفاتها، في ظل نظام توازن القوى الذي يتخذ أشكالاً مختلفة وفترات متعددة.
يدعي أتباع كل نظام عالمي انه يريد اشاعة الامن والسلام العالميين، ولكن يبقى السؤال الاهم: من الذي حقق السلام أكثر في النظام العالمي، نظام ثنائي القطبية أو متعدد القطبية أم أحادي القطب؟
منذ تأسيس الدولة القومية بمفهومها الحديث، بدأت أوروبا بتشكيل نفسها بعد معاهدة ويستفاليا 1648، وكان النظام العالمي المهيمن في ذلك الوقت هو التعددية القطبية، التي كانت تهيمن عليها القوى الأوروبية العظمى (فرنسا، النمسا-المجر، بريطانيا، روسيا)، وقد حدثت في ظل هذا النظام العديد من الحروب والصراعات من ابرزها، الحروب النابليونية، حرب القرم والبلقان، وتخللها الصراعات الدينية، ولكن أهم ما حدث هي الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، التي تعتبر أكثر الحروب تدميرا عبر التاريخ، وختامها كان نوويا.. عندما قصفت الولايات المتحدة اليابان بقنابل ذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم إسقاط القنبلة الأولى على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس 1945، تلتها قنبلة ثانية على مدينة ناكازاكي في 9 أغسطس 1945، وترجح الإحصائيات ان الخسائر البشرية جراء الحربين الاولى والثانية بلغ 80 مليون شخص، كذلك خسائر اقتصادية وتدمير هائل للحضارات، ويعود السبب في كثرة الصراعات والحروب، بسبب عدم إستقرار النظام في ظل تعدد الاقطاب، ذلك لأن الدول القوية تكون متغيرة الاحلاف، وتبحث الدول فيها دائما عن مصالح استعمارية، متنافسة على حساب القوى الأخرى، علماً إنتهى نظام متعدد الاقطاب بتاريخ 1945م، والذي استمر زهاء أربع قرون، وبعدها بدأ نظام ثنائي القطبية.
ومع دخول القرن العشرين، اتخذت الأحداث منعطفاً جديداً، فقد تجلت معركة القوى في الصراع الثنائي منذ (1945_1991)، حيث قُسم العالم بين قوتين رئيسيتين، و هيمن على هذا النظام الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، وقد اتسم بصراع أيديولوجي وحروب بالوكالة، تخللها العديد من الصراعات، لكن وجود نظام ردع نووي ادى الى عدم وجود حرب مباشرة بين القطبين، لكن ذلك لم يمنعهم من نشر الحروب في مناطق نفوذهم ومن ابرزها الحرب الكورية و الفيتنامية وأزمة كوبا والحروب في أمريكا اللاتينية، وأمريكا الوسطى، كذلك الحرب السوفيتية في افغانستان، والصرعات في الغرب الأفريقي، وهذه الفترة عرفت بالحرب الباردة التي تقدر خسائرها البشرية نتيجة الحروب بالوكالة الى 7 مليون انسان بين مدني وعسكري، ولكنها أدت الى انهيارات عظمى في البنى التحتية، ولكن هذا الصراع الثنائي اتسم بالعنصرية ومحاولة نشر الايدلوجية بين الشيوعية والليبرالية، ولم يكن هناك أي مرونة في العلاقات الدولية في ذلك الوقت، والسلام في هذا النظام تمثل في منع قيام حرب كبرى، لكنه في ذات الوقت لم يمنع قيام حروب ثانوية بالوكالة، وبسبب أن الصراع في أصله كان من أجل نشر الايديولوجية، لذلك لم يكن هناك تعاون دولي مما سبب العديد من الانقسامات.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، دخل العالم مرحلة جديدة، الأحادية القطبية، أصبحت دولة واحدة مهيمنة على الساحة الدولية، غير أن هذا لم يأتِ دون تحديات، ففي هذه الحقبة (بعد 1991)، بدأت تظهر تدخلات عسكرية جديدة وحروب عصابات، خاصة في مناطق المشرق والمغرب العربي وأفغانستان والعراق، كما أن آخر الدراسات تشير إلى أن الربيع العربي هو أحد معالم الصراع في ظل النظام احادي القطبية، وكذلك الحرب البيولوجية الحديثة (فايروس ايبولا، كورونا)، والحروب السيبرانية هي نتاج الهيمنة الامريكية، بالإضافة إلى الحروب في منطقة الشرق الأوسط بين اسرائيل وقوى المقاومة، وحروب شرق أوروبا وآخرها روسيا_اوكرانيا، كما أن الصراعات لم تعد تقام على أسس تقليدية، بل أصبحت معقدة وتشمل نزاعات داخلية وانقسامات عرقية وطائفية، وهكذا، تحولت الحرب من كونها معركة بين دول إلى مواجهة بين جماعات داخلية تعكس صراعات متجذرة في الهوية والانتماء، مما زاد خطورة الموقف، وبالتالي فإن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام، أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، رغم أنها لم تتجاوز الأربعين عام! والسبب في ذلك يعود إلى أنه ليس هناك رادع أمام قرارات أمريكا، التي ترى مصلحتها فوق كل الاعتبارات الانسانية في العالم.
إذن من حقق السلام اكثر؟!
ليس هناك نظام عالمي يحقق السلام، بسبب الطبيعة البشرية التي تبحث دائما عن السيطرة والكسب المادي ونشر الافكار، لكن هناك نظام ربما هو أقل خطورة على دول العالم الثالث والدول المتوسطة، وحسب ما مر فإن النظام متعدد الاقطاب هو أخطر أنواع الانظمة، وليس مستقر على المدى البعيد، ويثير العديد من الحروب العالمية المباشرة، أما النظام ثنائي القطبية فهو نظام أكثر استقرارا، بسبب مرونة التفاهمات الدبلوماسية بين القطبين العالميين، أما النظام احادي القطبية فهو نظام غير مستقر وينشر الفوضى في العالم، وان بداية الحروب العظمى تبدأ من بحث الدولة احادية القطبية عن الهيمنة الكاملة، مما يخلق دول أخرى تعمل على خلق أحلاف لمواجهتها، وفي ظل هذا التطور في وقتنا الراهن، اعتقد اننا مقبلين على نظام اشبه بتعدد الاقطاب، وهو ما لن ترتضيه الدولة المهيمنة، مما يجعل قيام حرب عالمية ثالثة أمرا محتوم، ومن المرجح ان من سيبدأها.. الصين.
2025-02-18
The post البحث عن السلم تحت ظلال الحرب!محمد جواد الميالي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ 3 ساعات
- ساحة التحرير
المخاض لأكثر من شرق أوسط جديد!جمال الطاهات
المخاض لأكثر من شرق أوسط جديد! جمال الطاهات دخول الولايات المتحدة للحرب إلى جانب إسرائيل، وإعلان ترامب بانه يريد صناعة السلام عبر القوة، أنهى الشرق الأوسط الذي نعرفه الآن، وأدخل المنطقة إلى مسارات تاريخية لا تقل خطورة عن نتائج الحرب العالمية الأولى. أخطر ما يجري الآن هو الغياب العربي عن الحرب وعن التأثير بنتائجها وعن المشاركة بصياغة مستقبلهم. فهذه الحرب تعلن نهاية كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة العالم الإسلامي، وتهميش أو ربما تفكك كامل لمنظمة مجلس التعاون الخليجي. وليس المطلوب منع هذه النتائج، ولكن الاستعداد لها، عبر التصدي لمضامين التفكك والتحول في علاقات القوى الإقليمية بعد الحرب. وفي ظل عجز الأنظمة العربية عن المساهمة في توليد المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، فإن المثقفين العرب وغير العرب من الإقليم، مطالبون بالحضور والدفاع عن مستقبل الأمة، بتقديم خيارات جديدة للمجتمعات العربية لمرحلة ما بعد الحرب، تحقق التكامل بين الإرادة والموارد. مع التذكير بمؤتمر بريتون وودز أثناء الحرب العالمية الثانية، الذي وصفه أحد المؤرخين بأنه (معركة بريتون وودز)، التي خاضها مفكرون مثل جون مانيارد كينز، وهاري دكستر وايت، ميخائيل ستيبانوفيتش ستيبانوف، (بالمناسبة كان ممثل مصر ساني لاكني بك). خطورة الحرب الدائرة الآن تستدعي من المثقفين والمفكرين العرب، والسياسيين المستقلين، المبادرة بعقد منتدى يقدم مساهمة ممكنة لصياغة خيارات شعوبنا ما بعد الحرب. فواحدة من أهم دروس التاريخ أن من يغيب عن الحرب يغيب عن المشاركة بصياغة نتائجها، ومن لا يشارك في الحرب لا يشارك في صناعة السلام. والفرصة المتاحة للعالم العربي بأن يجلس على الطاولة ولا يكون ضمن الصحون التي يتناولها المتحاربون بعد الحرب، مرهونة بتوفر موقف، إن لم يكن للحاضر، فعلى الأقل للمستقبل، يؤكد أن هذه المجتمعات العربية حية ولها خيارات واضحة، وسوف تعترض وتحارب أي ترتيب لا يأخذ مصالحها بعين الاعتبار. في طبائع الحرب ونتائجها مجموعة نقاط يجدر التوقف عندها للإجابة على سؤال النتائج المتوقعة للحرب الإسرائيلية الإيرانية في مرحلتها الجديدة. الأولى أن الحروب هي القابلة التاريخية لتوليد منظومات وعلاقات قوى جديدة. الثانية، الحروب تأخذ منظومات القوى بعيداً عن مكانها الراهن. ففي اللحظة التي تندلع فيها الحرب، تكون إيذاناً بانتهاء معادلة علاقات القوى التي ولدتها، وبدء معادلات جديدة بالتشكل، استناداً للحقائق الموضوعية على الأرض التي تكشفها الحرب. فالحرب تعني أن لا عودة لمنظومات القوى إلى ما كانت عليه قبل اندلاعها. الثالثة أن علاقات القوى علاقات ديناميكية وليست سكونية. فحركة القوى قائمة على قدرتها الدائمة على التحرك والتفاعل. وهذه التفاعلات تجعل أي منظومة عرضة للتحول عبر حرب محتملة في المستقبل. لذلك وصف التاريخ كله بأنه عبارة عن فترات هدوء نسبي بين الحروب. فلا توجد منظومة تُنهي فرصة اندلاع حروب محتملة، ولا توجد حرب تنهي كل الحروب. ولكن الحروب -وبغض النظر عن نوايا وأهداف أطرافها- جزء لا يتجزأ من ديناميكيات التحول في منظومات القوى. وهذا ما أوضحه مايكل هوارد في تصديه لسؤال عن أسباب الحرب، بتأكيده على عدم وجود سبب خارجي لها، وإنما هي ناتج لمنظومات علاقات القوى. فالحرب هي (مُنتج ….ومكون أساسي من مكونات) الحركة والتفاعل داخل منظومات القوى. الرابعة هي تناقص المسافة الفاصلة بين الحرب وتشكل نتائجها. فمع تزايد الفهم العالمي المشترك لطبيعة الحروب ونتائجها المتوقعة، وتطوير منظومات النقل والاتصالات، تزايدت قدرات المراكز القيادية في العالم على اختزال وتقصير المسافة الفاصلة بين الحرب وتشكيل نتائجها. فعلى سبيل المثال، فإن معادلة القوى التي صاغت نتائج الحرب العالمية الأولى اخذت أكثر من عام حتى انعقد مؤتمر الصلح في باريس. إلا أن أهم ما ميز الحرب العالمية الثانية أنه وأثناء ما كانت غبار المعارك تسد الآفاق، كانت برلين تسعى لتشكيل منظومة عالمية لما بعد الحرب، وفي ذات الوقت تستضيف الولايات المتحدة مؤتمر بريتون وودوز الذي صاغ الأمم المتحدة. وفي حين وصف المؤرخ البريطاني كريستوفر كلارك في كتابه 'السائرون نياما' الدول الأوروبية بأنهم دخلوا الحرب العالمية الأولى 'نياماً'، وصف ليدل هارت الحرب العالمية الثانية بتطور قدرة اطرافها على 'رؤية ما وراء التل'. الحروب ميلاد جديد لأطرافها، وخطرها على افناء العاجزين عن المشاركة فيها. فرغم أن الحروب في أشكالها البدائية كانت تسعى لاستئصال الخصوم وإبادتهم انهاء وجودهم، تحولت الحرب الحديثة إلى منطق جديد قائم على تدجين الأطراف، وتغيرهم. وأصبحت الحروب تحول كل أطرافها، وتأخذهم إلى أوضاع جديدة. ومن يغيب عن التأثر الواعي بالحرب قد يختفي في ترتيباتها ونتائجها. تراجيديا الحرب أنها تروض كل من المهزوم والمنتصر. فالحروب تعيد تشكيل طرفيها. فكلاً من المنتصر والمهزوم يخرج من الحرب مختلفاً عنه قبل دخولها. كما أن الحرب تغير كل المساحات التي تكون ضمن تأثير أطرافها، شاركت ام لم تشارك في الحرب. والنقطة الأخيرة المهمة هي أن نتائج الحروب لا تتطابق مع أهدافها، لا المعلن منها ولا المضمر. فحتى لو تحققت الأهداف العسكرية للحرب، فإنها لا تتطابق مع نتائجها السياسية. بل كثيراً ما فتحت النتائج العسكرية بوابات لمخاطر أكبر مما كان قبلها، وتتحول الانتصارات العسكرية عبئاً على من يحققها. فالنتائج العسكرية للحرب قد لا تفضي إلى نتائج سياسية مرغوبة، وهذا الذي يدفع الجميع للتسابق، أحياناً قبل المعركة، ولكن على الأقل أثنائها، للتفكير والتجهيز لترتيبات ما بعد الحرب. السؤال العربي الكبير هذه المقدمات من أجل التأشير إلى فرصة لخيار عربي يمكن اشتقاقه من اللحظة الراهنة، ولكن شلل الأنظمة الخائفة، يحيل عبء تشكيل هذا الخيار على النخب الفكرية والسياسية المستقلة. والتحدي أمام المثقفين والطليعيين العرب هو المبادرة مع شركائهم في الإقليم، لاشتقاق وتطوير موقف جديد للتأثير على ما سيتولد من مخاض الحرب الراهنة، والتأثير بمسارتها عبر التجهيز للحضور في المرحلة القادمة. فما يمكن اعتراضه الآن بكلف قليله ربما لا تتعدى الحضور، عبر استغلال حالة عدم اليقين السائدة في الحروب، والتي تجعل أطرافها أقل عناداً، سيكون من الصعب والمكلف جداً اعتراضه حين تصاغ نتائج الحرب عبر منظومة علاقات قوى غاب العرب عنها في كل مراحلها. فنتائج ما يجري الآن موضوعاً للتأثير وليس التنبؤ، كما لا يمكن ضبطه والسيطرة عليه بالغياب. ما تجري صياغته بالحديد والدم والنار، لن يتم مواجهته مستقبلاً إلا بذات الوسائل. فالكلمة الصحيحة الآن ستوفر سيولاً من الدماء في المستقبل القريب. والمطلوب فقط، هو أن يقول العرب الآن ما يريدونه من مستقبلهم في المنطقة. وأن يحدد العرب مطالبهم، ويقدمونها لشعوبهم على الأقل. صحيح أن هذه الحرب تعلن تفكك المنظومة العربية، ولكن من الضروري حفظ وجودهم ومنع اختفائهم من المشهد الإقليمي لعقود، وربما قرون قادمة. أخيراً ليس مطلوباً جيوش عربية، ولا صواريخ، ولا اعتراض صواريخ، ولا سيادات وهمية، المطلوب صوت عربي حقيقي أكثر من المبادرة بعرض الخدمات، ومخاطبة البرلمان الأوروبي يوم 17 حزيران بالقول: 'من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره، وسيكون لقيادة أوروبا دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح، ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي'. مثل هذا الصوت يوضح بالتضاد السؤال العربي المطلوب. هل سيكون للعرب دور أكثر من تقديم الخدمات للأوروبيين؟ هل ستكون هناك إرادة عربية، تبلور نفسها، حتى لو لم توجد لها قوائم قوة الآن؟ فعلى الأقل التبشير بانها ستكون طاقة اعتراضية هائلة لأي ترتيبات إقليمية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح العرب وتطلعاتهم. 2025-06-23


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
رحلة مع ركب كربلاء!محمد جواد الميالي
رحلة مع ركب كربلاء! محمد جواد الميالي في كل زمان تتجدد نماذج لمواقف كربلاء لا كحدث تاريخي، بل كعقيدة نابضة في صدور أولئك الذين ورثوا عن الحسين صرخة 'هيهات منّا الذلة'.. فلم تكن كربلاء يوماً نهاية، بل كانت بدءا لمسيرة لا تنتهي، عنوانها الاستشهاد في سبيل الحق، وبوصلتها الدفاع عن العقيدة والمستضعفين.. في عقيدة أتباع أهل البيت ومنذ أن بكت السماء دما على الحسين، ما توانوا عن التمسك بمسيرة ومنهج الحسين، والتي قدّمت الموت قربانا للحياة، وما كان فيها الاستشهاد خيارا طارئا، بل هو ركنٌ معتاد وطبيعي من ضمن سياق وقواعد الإيمان، كيف لا ونحن من تشربنا حب الحسين، وسرنا على درب العباس وزينب، نحن الذين ما ترهبنا السيوف، بل واجهناها بصدور عارية، وقلوب عامرة باليقين، من كربلاء إلى جنوب لبنان، ومن سامراء إلى صنعاء، كانت هذه العقيدة حاضرة، متجذرة، تنتقل من صدر إلى صدر، ومن دم إلى دم، لتصنع رجالاً لا يخافون الموت، بل يرونه جسراً نحو الخلود. اليوم، في قلب الجمهورية الإسلامية في إيران، نرى مشاهد حسينية تتجدد، فالشعب الإيراني البسيط العادي، الذي اعتاد أن ينادي 'الله أكبر' لا في زمن الراحة، بل تحت وابل القصف والنار، لم يرتجف أو يهرب، بل يزداد ثباتا، ذاك المشهد الذي حفز الأحرار حول العالم.. قذائف صهيونية تسقط على مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني، والزجاج يتساقط من النوافذ، والمذيعة 'سحر امامي' تقف بكل شموخ، تتلو الأخبار بثباتٍ لا تزعزعه أصوات الانفجارات.. بصورة زينبية فوق تل الطغاة.. وخلف الكاميرات، صوت الموظفين يعلو: 'الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل'، أيّ ثبات هذا الذي يولد من رحم النار ويبقى مبتسمة في وجه الموت؟! يقابل ذلك كيان غاصب وهجين، الذي جمعته صفقة وعد بلفور، لا عقيدة توحده، ولا أرض تناديه، شعبٌ تربى على الاستيطان، لا على الانتماء، على الخوف، لا على الكرامة، حين تسقط صواريخ خيبر أو تُذكر سيرة سليماني، يهربون إلى الملاجئ كما تهرب الفئران إلى الجحور، ترى رجالهم يركضون عراة، مخمورين، يدهس بعضهم بعضا خوفا من الموت، وهي خاتمة يحتضنها من يقفون في طهران، ويهرب منها المحتلون في تل أبيب. ذلك هو الفارق الجوهري بين شعب العقيدة وشعب المصالح، بين من يرى في الموت حياةً، ومن يرى في الحياة عبوديةً للذل والخوف، إيران اليوم لا تقاتل دفاعا عن حدودها فقط، بل عن شرف الأمة، عن كرامة الشعوب، عن جوهر الأخلاق الإنسانية، هي لا تواجه صواريخ فحسب، بل تواجه مشروع إبادة ثقافي وسياسي وديني، تقف فيه شامخة، تنوب عن أحرار العالم، تدفع ثمن الانتصار للحق وحدها، وسط صمت مخجل من دول ادعت يوماً الدفاع عن حقوق الإنسان. نحن نصل إلى مفترق الطرق، إلى لحظة الحقيقة، لقد سقطت الأقنعة، وظهر وجه المعركة.. إنها حربٌ أخلاقية قبل كل وصف اخر، بين معسكر الحقوق والحقيقة، ومعسكر الباطل الذي يقوده الكيان الصهيوني، فما عاد الحياد ممكنا، بل صار خيانة، لم تعد الكلمات كافية، بل صار الصمت عارا، من لم يقف اليوم إلى جانب المظلومين، إلى جانب إيران، إلى جانب اليمن، إلى جانب كل من يقاتل لأجل الحق، فقد تجرّد من إنسانيته، وفقد شرف الموقف، وخسر مكانه في صفحات التاريخ. إنها بشكل ما كربلاء جديدة.. فلنختر، أنحن مع معسكر الحسين أم مع يزيد؟ فالحرب ليست بين دول، بل بين المبادئ والعار، ومن أراد أن يعرف موقعه من كربلاء، فلينظر، أهو مع يطالب بحقه تحت القصف، أم مع تل أبيب التي تهرب من ظلها؟ فالزمن لا يرحم المتخاذلين.. والتاريخ لا يكتب اسماء المحايدين. 2025-06-22 The post رحلة مع ركب كربلاء!محمد جواد الميالي first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
منذ 2 أيام
- ساحة التحرير
السلام.. على رأس صاروخ!محمد جواد الميالي
السلام.. على رأس صاروخ! محمد جواد الميالي الزمن الذي يشتهي فيه العالم لحظة سكينة، ولّدَ دخانٌ في رحم الشرق، وكوّر الأحلام على رؤوس الصواريخ، على ضفاف المتوسط، اصطف الغضب طابوراً طويلاً، حاملاً أسماء الشهداء وصور الأطفال وبيانات الدول، وفي الخليج، لا ينام البحر، يتهجّى نذور الحرب، وينتظر صافرة الانفجار. من طهران إلى تل أبيب، تتطاير الرسائل، حمراء بلون الدم، مشفّرة بلهجة النار والحديد، الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف، رغم الحصار والتآمر، في ميدان شرفها، مستندة إلى إرث كربلاء، فيما الكيان الصهيوني يقف خلف جدرانه الالكترونية، متوجّساً من الطائرات المسيّرة كأنها أشباح تطرق بابه ليلاً. أما واشنطن، هناك يجلس دونالد ترامب، وقد عاد إلى كرسيه مهرولا من كندا، يحدّق في شاشةٍ ملتهبة، يسأل نفسه: هل يدخل المعركة من أجل طموحات اليمين اليهودي؟ هل يرمي بشعار 'السلام عبر القوة' ليحترق في لهيب الخليج؟ الأسطول الخامس، الذي طالما تباهت به أمريكا كرمزٍ لهيبتها، قد يجد نفسه في مرمى نيران لا ترحم، القواعد المنتشرة كالأخطبوط في قطر والبحرين والكويت والعراق، قد تتحول فجأة إلى توابيت حديدية في لحظة جنون سياسي، الأسطول المتمركز في البحرين، يشكّل نقطة الارتكاز العسكرية الأهم لأمريكا في الخليج، إلا أن أي مشاركة مباشر لها في الحرب الدائرة بين إيران والصهاينة، من شأنه أن يجرّ هذا الأسطول إلى قلب الاشتباك، ويفتح الباب أمام استهداف ممنهج لكافة القواعد في المنطقة. إيران تملك شبكة من القدرات غير المتكافئة، تشمل الطائرات المسيّرة، الصواريخ البالستية، والمجموعات الحليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي قد ترى في أي تدخل أميركي مباشر مبرراً لضرب الوجود العسكري الأميركي، ما يعني أن القواعد في العديد من الدول الخليجية ستكون تحت تهديد فعلي. هنا، وفي هذا الفراغ الذي سيعقب الانفجار، ستدخل الصين كالمياه، تنساب إلى الفراغ، تقيم قواعدها، وتفرض تجارتها، وتعيد رسم خارطة الشرق الأوسط، بخطوط المصلحة والمصانع.. معها ستزحف روسيا على الجراح، حاملة خيوط الغاز والطموح الإمبراطوري. هل ستكون نهاية إيران بداية لنهاية أمريكا في المنطقة؟ وهل تنكسر الهيمنة الأميركية في لحظة 'باليستي' يعلو قائلاً: 'السلام على رأس صاروخ'؟ أم أن الدولة العميقة ستشد لجام ترامب، وتهمس في أذنه، لا تخاطر بمصير إمبراطوريتنا، سنجد طريقاً آخر، نحفظ فيه التوازن، ونحمي به مصالحنا من جنون الطموحات؟ ان أمام إدارة ترامب معظلة حقيقية، لأنه أمام حرب شاملة بين إيران والكيان الغاصب، تحمل في طياتها تحولاً استراتيجياً جذرياً في النظام الإقليمي، فإذا ما انهارت إيران، فإن خسائر أمريكا لن تكون مجرد جيوسياسية، بل وجودية في الشرق الأوسط، وإن بقيت الجمهورية الإسلامية، فإن واشنطن ستكون قد دخلت حرباً جديدة بلا أفق، بينما تتقدم الصين وروسيا لتقودا العالم الجديد. يبقى السؤال، هل يُضحّي ترامب بالسلام من أجل رأس صاروخ؟ أم أن الصواريخ ذاتها ستفرض شكلاً جديداً من السلام؟ 2025-06-21 The post السلام.. على رأس صاروخ!محمد جواد الميالي first appeared on ساحة التحرير.