
شؤونجيل متلعثم.. وغياب فنّ الخطابة
حضرت ذات صباح إذاعة مدرسية، فكان المشهد باهتًا، أصوات خافتة، وارتباك ظاهر، ونصوص لا تشبه قائلها، ولا تلامس جمهورها.. لا حيوية، لا تفاعل، لا لغة جسد.. وتساءلت عن البرامج التي تُعنى بهذه المهارة الجوهرية التي لم تعد ترفًا، بل صارت ضرورة.
فن الخطابة ليس مجرد نشاط مدرسي أو موهبة جانبية، بل من أهم الأدوات التي يجب أن يُزوّد بها الطالب منذ مراحل التعليم المبكرة؛ فالنجاح لم يعد حكرًا على من يملك المعلومة، بل على من يُحسن التعبير عنها، والتأثير بها، وإيصالها بثقة واقتدار، حيث لم يعد كافيًا أن يحفظ الطالب أو ينسخ الإجابة في ورقة اختبار؛ بل نحن بحاجة إلى جيل يُجيد الإقناع، ويُحسن المواجهة، ويعبّر عن أفكاره بوضوح واتزان.
والأغرب أن مناهجنا، رغم كل التحديثات، لا تزال تركّز على التلقين والحفظ، وتُهمّش مهارات العرض، والحوار، والتفكير النقدي.. وهذا ليس خللًا في التفاصيل، بل في الرؤية التعليمية ذاتها؛ لأن الطالب الذي لا يُدرّب بكثافة على الحديث أمام جمهور، ولا يُمنح مساحة للتعبير، سينتقل إلى مراحل عليا وهو يحمل خوفًا من الوقوف، وترددًا في التعبير، وعقدة من المايكروفون.. ففن الخطابة ليس مجرد كلمات تُقال، بل اختبار حقيقي للذكاء الاجتماعي؛ فهو يُعلّم صاحبه متى يتحدث ومتى يصمت، وكيف يصوغ فكرته، ويقرأ الجمهور، ويختار كلماته بدقة، ويتفاعل دون انفعال.. ومن لا يمتلك هذه المهارة، يفقد كثيرًا من قدرته على التأثير، حتى وإن كان يملك أفضل الأفكار.
ولأن هذه المهارة ليست ترفًا، فقد أكدت العديد من الدراسات العلمية أن تدريب الطلاب على مهارات الخطابة يعزز الثقة بالنفس، ويطوّر التفكير النقدي، ويسهم في تحسين الأداء الدراسي والتفاعل الاجتماعي؛ وقد أوصت هذه الدراسات بتضمين مهارات الإلقاء والتعبير في المناهج، وتخصيص أنشطة منتظمة تساعد الطالب على التحدث أمام الآخرين دون خوف أو تردد.
ليس المطلوب أن يتحوّل كل طالب إلى خطيب مفوّه بين ليلة وضحاها، لكن يمكن أن يبدأ التغيير بخطوات بسيطة وعملية؛ فلماذا لا تُخصص حصتان أسبوعيًا لتدريب الطلاب على مهارات الإلقاء، ليس عبر التلقين، بل من خلال التفاعل والتجربة؟ بلغة الجيل الجديد، يمكن تكليفهم بتسجيل مقاطع قصيرة يقلّدون فيها أحد نجوم "اليوتيوب" الذين يتابعونهم، ثم يُطلب منهم لاحقًا إنتاج محتوى خاص بهم يعبر عن أفكارهم.. حتى يكتشف صوته الحقيقي من خلال المحاكاة أولًا، ثم الإبداع لاحقًا.
بالتأكيد إنه ليس دور المدرسة وحدها، بل على أولياء الأمور مسؤولية كبرى؛ إذ يجب أن يُدفع الأبناء إلى المواجهة والتفاعل في المجالس، وأن يُمنحوا فرصة التعلم كما كان آباؤهم يلقون الشعر بفخر، ويرحبون بالضيف بثقة، ويتحدثون أمام الجمع بلا رهبة، وذلك عندما كانت المجالس مدارس، عكس واقعنا اليوم، حيث كثير من أبنائنا للأسف أُبعدوا عن هذا الفضاء، فغابت عنهم ألفة الكلمة، وجرأة المواجهة، وروح المشاركة.
نحن لا نحتاج إلى جيل يملأ قوائم الانتظار والتكرار، بل إلى جيل يملأ فراغات الحوار، ويعرف كيف يُطوّع الحُجّة، وكيف يتحدث بثقة؛ فكم من فكرة عظيمة سقطت لأن صاحبها لم يُجِد التعبير عنها، وكم من فكرة عادية صنعت الفرق لأنها قيلت بذكاء وثقة وبلاغة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
مي فاروق لـ"الشرق": حفلات السعودية ساهمت في انتشاري جماهيرياً
كشفت المطربة مي فاروق أن بعض أغاني ألبومها الأول "تاريخي"، الذي طُرح مؤخراً، تنبع من تجارب شخصية خاضتها، وعلى رأسها أغنية "باركوا" التي غنتها للمرة الأولى في حفل زفافها، وحظيت حينها بتفاعل واسع. وأوضحت مي في حوار مع "الشرق": "سعدت جداً لأن الأغنية أصبحت تُردد في حفلات الزفاف بشكل مستمر". وتحدثت عن الأغنية الرئيسية في الألبوم، قائلة: "أغنية 'تاريخي' تشبه حياتي، هي أغنية صادقة ومميزة بالنسبة لي"، وأشارت إلى أن أغنية "كان نفسي أقابلك" تُعد من أقرب الأعمال إلى قلبها، كونها من ألحان الراحل محمد النادي، وأضافت: "قررت ضمها للألبوم بمجرد سماعها، رغم أنني لم ألتقِ الملحن الراحل من قبل، وسعدت كثيراً بهذه التجربة". وعن سبب طرح أغاني الألبوم على فترات متباعدة، قالت: "كونها تجربتي الأولى في إصدار الألبومات، فضّلت التريّث والتعرف على تفاعل الجمهور مع كل أغنية على حدة، حتى تنال كل واحدة حقها من الاستماع والانتشار". وأشادت مي فاروق بتجربتها في الحفلات الغنائية بموسمي الرياض وجدة في المملكة العربية السعودية، مؤكدة أنها ساهمت في توسيع قاعدتها الجماهيرية: "لمست حباً وتقديراً واحتراماً كبيراً من الجمهور السعودي". وبشأن الانتقال من دار الأوبرا المصرية إلى دائرة الشهرة الأوسع، قالت: "أعتبر ما وصلت إليه منحة إلهية، وتكريماً لمسيرة فنية طويلة ومجهدة، مشيت بخطوات بطيئة، لكنها ثابتة، والأوبرا ستظل بيتي الثاني، فقد ظهرت على مسارحها منذ طفولتي". أم كلثوم ونفت مي فاروق ما يُشاع عن ارتباطها بأغاني أم كلثوم فقط، قائلة: "الجمهور منحني ثقته في كل ما أقدمه، سواء كانت أعمالاً لأم كلثوم، أو عبد الحليم حافظ، أو وردة، أو حتى أغنياتي الخاصة، التي يطلبها مني الجمهور كثيراً في الحفلات". وعلّقت على الصراع بين الفنانين حول الألقاب، بقولها: "كل فنان له قيمته وتاريخه، والجمهور هو من يطلق الألقاب بدافع الحب، وليس الفنانون أنفسهم، كما يعتقد البعض". وأوضحت أن أغنية "السلطانة" لا تعكس لقباً اختارته لنفسها: "كانت هدية من الملحن مدين في حفل زفافي، وفوجئت باسمها أثناء تسجيلها في الاستوديو، دون أي نية مُسبقة مني". وفي ختام حديثها، كشفت مي فاروق عن استعدادها للبدء في تحضيرات ألبومها الثاني، مؤكدة نيتها طرحه كاملاً في توقيت واحد، على عكس الألبوم السابق، كما أشارت إلى جدول حفلاتها المقبلة، والتي تشمل حفلاً في دار أوبرا دبي ديسمبر المقبل، بالإضافة إلى مشاركتها في مهرجان قرطاج بتونس، ومهرجان أصدقاء الأردن.


عكاظ
منذ 4 ساعات
- عكاظ
رحلة شِعر
قصيدة تمد للروح قنطرة من خزامى، لتستلهم ذكريات وأحلام الشاعرة نوف الناصر وهي تركض «من آخر المُمكن إلين أوّله» في رحلة البحث عن غيمة ممطرة لا تستسلم لليأس، قبل أن تسقي الأغصان الذابلة «شهاليل القراح». النور لو سال وِتْنفس صباحٍ جميل!! ما كان طعم المسا بـ افْواهنا.. أسئلة أو كان وجه الفرح شاحب.. حزين.. وْنحيل يرسم ملامح حنين.. وْذكريات.. وْوله بين اشتعال الأماني واشتعالي.. نخيل كنت اتِفَيَّاه من قبْل الزمن.. يشعلَه خبّيت في جيب وقتي قبْل اشقَّه.. عويل أطلقت حرفي حمام.. وْطار قبْل ازْهَله أعذاري اللي سنابلها مجرد حصيل بَذَرْتَها.. وَابسط احلام العذر.. سنبلة بين ارتباك التّردد.. وارتكاب الرحيل خطوات خجْله تشيل مْن الشعور اثقله تعبت اعدّ الحجر في رحلة الألف ميل والياس لا من لقيته فـ الطريق.. اركله كنّ اختصار المسافة حلْم.. يحتاج ليل لا هو تحقّق.. ولا هاللّيل محتاج له حاولت اسابق تضاريس الطريق الطويل لكن شعرت الرياح الموجعة.. مقبلة للغيم مدّيت دلوي.. آتحرى مسيل لكن نشف ريق صبري.. والسما ممحلة يعني كذا.. مرّت اللّحظات معْ هذْب خيل ما بين وجهٍ اعَرْف.. وْوجه كنت اجْهله واجهت بعضي.. وبعضي كان ضيفٍ ثقيل لكنّي اكْرمْت ضيفي مِن قَبِل مـ اسأله شرّعت باب الحضور بْدرْفَة المستحيل رحت اركض مْن آخر المُمكن إلين أوّله لمحت لي طفلةٍ كانت لِقلبي دليل ضمّيتها.. وابتسم ثغر الحياة.. وْدَلَه يا (ناديه).. (ناديه).. يـ امّ الشّعور النبيل مرّي قصيدة تِمِدّ مْن الشعور اجمله لمّي مِن اغصان ذاكرْتي حمام وهديل مِتعلّقة في جدار الوقت.. والأخيلة يا سيدة شِعري اللّي راح مثْل القتيل الميت العايش اللي ما قدرت اقتله هيّا تعالي.. وكوني للشعر سلسبيل بشرب مِن انهار شِعرك اعذبه واجْزله الشِعر.. في دفترك شعر (الزمان الجميل) والشِعر.. في دفتري مكتوب للمرحلة أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
شؤونجيل متلعثم.. وغياب فنّ الخطابة
حضرت ذات صباح إذاعة مدرسية، فكان المشهد باهتًا، أصوات خافتة، وارتباك ظاهر، ونصوص لا تشبه قائلها، ولا تلامس جمهورها.. لا حيوية، لا تفاعل، لا لغة جسد.. وتساءلت عن البرامج التي تُعنى بهذه المهارة الجوهرية التي لم تعد ترفًا، بل صارت ضرورة. فن الخطابة ليس مجرد نشاط مدرسي أو موهبة جانبية، بل من أهم الأدوات التي يجب أن يُزوّد بها الطالب منذ مراحل التعليم المبكرة؛ فالنجاح لم يعد حكرًا على من يملك المعلومة، بل على من يُحسن التعبير عنها، والتأثير بها، وإيصالها بثقة واقتدار، حيث لم يعد كافيًا أن يحفظ الطالب أو ينسخ الإجابة في ورقة اختبار؛ بل نحن بحاجة إلى جيل يُجيد الإقناع، ويُحسن المواجهة، ويعبّر عن أفكاره بوضوح واتزان. والأغرب أن مناهجنا، رغم كل التحديثات، لا تزال تركّز على التلقين والحفظ، وتُهمّش مهارات العرض، والحوار، والتفكير النقدي.. وهذا ليس خللًا في التفاصيل، بل في الرؤية التعليمية ذاتها؛ لأن الطالب الذي لا يُدرّب بكثافة على الحديث أمام جمهور، ولا يُمنح مساحة للتعبير، سينتقل إلى مراحل عليا وهو يحمل خوفًا من الوقوف، وترددًا في التعبير، وعقدة من المايكروفون.. ففن الخطابة ليس مجرد كلمات تُقال، بل اختبار حقيقي للذكاء الاجتماعي؛ فهو يُعلّم صاحبه متى يتحدث ومتى يصمت، وكيف يصوغ فكرته، ويقرأ الجمهور، ويختار كلماته بدقة، ويتفاعل دون انفعال.. ومن لا يمتلك هذه المهارة، يفقد كثيرًا من قدرته على التأثير، حتى وإن كان يملك أفضل الأفكار. ولأن هذه المهارة ليست ترفًا، فقد أكدت العديد من الدراسات العلمية أن تدريب الطلاب على مهارات الخطابة يعزز الثقة بالنفس، ويطوّر التفكير النقدي، ويسهم في تحسين الأداء الدراسي والتفاعل الاجتماعي؛ وقد أوصت هذه الدراسات بتضمين مهارات الإلقاء والتعبير في المناهج، وتخصيص أنشطة منتظمة تساعد الطالب على التحدث أمام الآخرين دون خوف أو تردد. ليس المطلوب أن يتحوّل كل طالب إلى خطيب مفوّه بين ليلة وضحاها، لكن يمكن أن يبدأ التغيير بخطوات بسيطة وعملية؛ فلماذا لا تُخصص حصتان أسبوعيًا لتدريب الطلاب على مهارات الإلقاء، ليس عبر التلقين، بل من خلال التفاعل والتجربة؟ بلغة الجيل الجديد، يمكن تكليفهم بتسجيل مقاطع قصيرة يقلّدون فيها أحد نجوم "اليوتيوب" الذين يتابعونهم، ثم يُطلب منهم لاحقًا إنتاج محتوى خاص بهم يعبر عن أفكارهم.. حتى يكتشف صوته الحقيقي من خلال المحاكاة أولًا، ثم الإبداع لاحقًا. بالتأكيد إنه ليس دور المدرسة وحدها، بل على أولياء الأمور مسؤولية كبرى؛ إذ يجب أن يُدفع الأبناء إلى المواجهة والتفاعل في المجالس، وأن يُمنحوا فرصة التعلم كما كان آباؤهم يلقون الشعر بفخر، ويرحبون بالضيف بثقة، ويتحدثون أمام الجمع بلا رهبة، وذلك عندما كانت المجالس مدارس، عكس واقعنا اليوم، حيث كثير من أبنائنا للأسف أُبعدوا عن هذا الفضاء، فغابت عنهم ألفة الكلمة، وجرأة المواجهة، وروح المشاركة. نحن لا نحتاج إلى جيل يملأ قوائم الانتظار والتكرار، بل إلى جيل يملأ فراغات الحوار، ويعرف كيف يُطوّع الحُجّة، وكيف يتحدث بثقة؛ فكم من فكرة عظيمة سقطت لأن صاحبها لم يُجِد التعبير عنها، وكم من فكرة عادية صنعت الفرق لأنها قيلت بذكاء وثقة وبلاغة.