logo
مقايضة أميركية: سد النهضة مقابل التهجير

مقايضة أميركية: سد النهضة مقابل التهجير

الميادينمنذ 5 أيام
طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ، ومن دون سابق إنذار ومن دون وجود مباحثات أو مفاوضات، "إمكانية التوصل إلى حل سريع" في أزمة سد النهضة الإثيوبي. وفي منتصف حزيران/ يونيو الماضي، خرج ترامب بتصريح مثير للجدل قال فيه إن "الولايات المتحدة موّلت بشكل غبي سد النهضة الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، والذي أثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر".
وذكر ترامب أزمة سد النهضة ثلاث مرات خلال أقل من شهر، الأمر الذي يُثير عدة تساؤلات عن أسباب إثارته أزمة سد النهضة، وفي هذا التوقيت بالذات، فما دوافع ترامب من ذكر سد النهضة؟ وهل يرتبط التركيز الأمريكي بقضايا إقليمية ودولية؟ وهل هناك مقايضة أمريكية تقوم على تسوية أزمة سد النهضة مقابل قبول مصر بتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء؟
وهل طرح ترامب تسوية أزمة سد النهضة مقابل أن تغض القاهرة الطرف على المشروع الإسرائيلي المتعلق ببناء مدينة خيام في رفح تمهيداً لتنفيذ مخطط التهجير؟ هل تتقاطع تصريحات ترامب المتكررة حول سد النهضة بالمتغيرات الحاصلة، والتي تتقاطع بموضوع التهجير، كالترويج الإسرائيلي مثلا بأن إثيوبيا وليبيا وإندونيسيا قد تقبل بتهجير سكان قطاع غزة إليها؟
قبل الإجابة عن التساؤلات السالفة، تجدر الإشارة إلى أن واشنطن استضافت خلال ولاية ترامب الأولى جولة مفاوضات عام 2020، بمشاركة البنك الدولي، وترامب شخصياً كان راعياً للمفاوضات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 - شباط/ فبراير 2020، ولكنها فشلت في الوصول إلى اتفاق بعد تغيب إثيوبيا يوم التوقيع، فيما وقعت مصر بالأحرف الأولى، وغضب ترامب حينها من الموقف الإثيوبي ومنع جزءاً من المساعدات التي أعادها الرئيس جو بايدن بعد ذلك. وبالتالي جزء من تصاعد وتدحرج وبقاء أزمة سد النهضة دون حل أو اتفاق قانوني مُلزم السبب فيه هو إدارة ترامب.
وتاريخياً، فإن مشروع سد النهضة كان مخططاً أمريكياً، إذ إن مكتب الاستصلاح الأميركي هو مَن قام بالدراسات العلمية للمشاريع المائية في حوض النيل الأزرق 1958-1964، ومنها سد النهضة.
يلاحظ أنه منذ عودة ترامب للرئاسة في ولايته الثانية والرجل يميل الى منطق الصفقات ويُسيطر عليه هاجس القفز بين القضايا مدعياً إمكانية حلها بمجرد تصريحه عن رغبته في حلها، ويرى أنه بمجرد حديثه عن أي أزمة يمكن حلها، حتى وإن كانت أزمة مزمنة وذات أبعاد استراتيجية ومصيرية، وبمنطق الصفقات الذي يحكم النسق العقيدي لترامب يتعامل مع كل القضايا، بما فيها قضية أزمة سد النهضة، التي بالمناسبة فوّض إدارتها سابقاً لوزارة المالية لا وزارة الخارجية الأمريكية.
وبالتالي حديث ترامب عن ضرورة تسوية أزمة سد النهضة وسريعاً ظاهره جيد، ولكن باطنه ذو احتمالين؛ الأول: أن الأمر لا يعدو كونه مجرد حديث لترامب، كما يتحدث عن الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة وغيرها من القضايا، والثاني: أن وراء حديث الرجل تختفي صفقة أو مقايضة، ذلك أن هذا هو المنطق الوحيد الذي يحدد قرارات ترامب: منطق الصفقات. وذلك دون اغفال أن الدافع الشخصي لترامب لاستدعاء ملف سد النهضة هو تقديم نفسه كصانع سلام يتطلع إلى جائزة نوبل للسلام!
فما هي حيثيات الصفقة وشواهدها؟ وما هي حظوظها؟ هل يُمكن أن تُمرر مصر وغزة مثل تلك المقايضة؟ ثم هل باتت تلبية الرغبات الإسرائيلية أحد أهم محددات السياسة الخارجية الأمريكية؟ وهل يصبح منطق الصفقات هو المحدد الضابط لحركة النظام العالمي بقيادة واشنطن وادارة ترامب؟ اليوم 13:51
17 تموز 09:20
إن أحد ملامح وشواهد المقايضة بين تسوية أزمة سد النهضة مقابل التهجير يتضح في التزامن -خلال أسبوع- بين حديث ترامب عن أزمة سد النهضة وزيارة دافيد برنياع رئيس الموساد لواشنطن، في إطار سعي "تل أبيب" للحصول على مساعدة إدارة ترامب في إخراج الفلسطينيين من غزة.
وإبلاغ برنياع للمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف بأن إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا أبدت استعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة، وأن واشنطن يجب أن تُقدم حوافز لتلك الدول للموافقة على إعادة توطينهم. ويبدو أن إدارة ترامب كان لها موقف مغاير، وهو توطين الفلسطينيين في سيناء بدلاً من نقلهم إلى إحدى الدول الثلاث المذكورة، أو أن حديث ترامب يقع ضمن التلويح بالضغط على إثيوبيا من خلال سد النهضة حال رفضها استقبال الفلسطينيين.
ومن بين الشواهد أيضاً أن حديث ترامب عن سد النهضة تزامن مع لقاء قائد القيادة المركزية الأمريكية مايكل كوريلا والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقد تطرق اللقاء إلى عدد من الملفات الإقليمية، من بينها الهدنة في قطاع غزة. ويبدو أن المحادثات المصرية الأمريكية الموسعة والمهمة التي جرت، تطرقت إلى وعد ترامب بالتدخل لحل أزمة سد النهضة، إضافة إلى الوضع في قطاع غزة، وجهود الوساطة المصرية لإيجاد حل للحرب والذهاب إلى الهدنة.
وفي الرؤية الأمريكية للوساطة المصرية، يتبلور الموقف الأمريكي الداعم للمخطط الإسرائيلي المسمى مدينة الخيام الإنسانية في رفح، وهو عبارة عن معسكر اعتقال، وكانت القاهرة قد أعلنت رفضها القاطع لمثل هذا المخطط. وبالتالي فإن هناك علاقة ما بين تحولات الموقف الأمريكي من سد النهضة وبين قبول مصر وموافقتها على مخطط مدينة الخيام برفح الفلسطينية تمهيداً لتنفيذ مخطط التهجير لاحقاً.
وبالفعل، عُرض على القاهرة حسم أمريكي لأزمة سد النهضة وإبرام اتفاق مكتوب ومُلزم يُنظم عملية التشغيل ويُراعي المخاوف المصرية بشأن السد وتدفق المياه، مُقابل دعم مصري للخطة الإسرائيلية بإقامة مدينة الخيام في رفح الفلسطينية، عبر تقديم الدعم اللوجستي للسلطة الفلسطينية التي ستتولى إدارة المدينة، عقب انتقال سكان القطاع إليها، وكذلك تسهيل عملية ما تسميه واشنطن بالتهجير الطوعي، قد لا يكون توطيناً في سيناء، وهذا مطلب مخفف لتقليل المخاوف المصرية، وبالتالي المطلب الأمريكي يشترط ألا تعارض القاهرة إقامة مدينة الخيام في رفح جنوب القطاع كخطوة أولية لمخطط التهجير الذي يخطط لتنفيذه وتمريره في اليوم التالي للحرب على غزة.
إن حظوظ وفرص المقايضة الأمريكية المُعلنة بخصوص سد النهضة والمسكوت عنها بخصوص التهجير ومدينة الخيام معدومة ولن تمر لعدة اعتبارات يمكن إيجازها في التالي: أولاً: أن العرض الأمريكي غير واضح وتصريحات ترامب فضفاضة ولا يوجد موقف أمريكي واضح من أزمة سد النهضة أو كيف يُمكن حلها، بل إن الولايات المتحدة هي التي دعمت ومولت وأيدت بناء سد النهضة، ولم تراعِ مصالح مصر. وبالتالي عرض ترامب هو عرض وهمي وابتزازي أكثر مما يبدو كوسيط.
ثانياً: العرض الأمريكي "سد النهضة مقابل التهجير أو إقامة مدينة الخيام في رفح" يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وهو ما لا يمكن أن تقبل به المؤسسة العسكرية المصرية، ثالثاً: العرض الأمريكي يهدد تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وتهجير سكان قطاع غزة، وهذا لا تقبل به مصر، والأهم أن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وفصائله لن يقبل به، ولن يمرره إطلاقاً، ولا سيما بعد صبره وصموده ومواجهته الإبادة المتواصلة لأكثر من 650 يوماً.
رابعاً: العرض الأمريكي مساومة وابتزاز يستعيد المنطق الاستعماري أكثر من كونه عرض وساطة لتسوية قضية مصيرية مهمة تتعلق بحياة شعوب المنطقة "مصر وغزة". خامساً: ترامب يُريد إحداث تغيير ديمغرافي في غزة نتيجته تطهير عرقي وجريمة حرب، مقابل ابتزاز شعب مصر ومصيره المتعلق بمياه الشرب، وكلاهما استخفاف بشعوب المنطقة. سادساً: مقايضة الأمن المائي لمصر مقابل حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتهجيره هو استخفاف بالقانون الدولي، وهو يُقدم منطقاً مشوهاً في محددات العلاقات الدولية والنظام العالمي منطقه المقايضة والصفقات، حتى إن كان الأمر يتعلق بمصير شعوب بأكملها. وبالتالي هذه رشوة لن تمر لأنها تضع الأمن المائي لمصر مقابل التهجير، وكلاهما مرفوض.
ختاماً، هذه المقايضة لن تمر، ولكنها تختصر الطريقة التي تفكر بها إدارة ترامب في تسوية وإدارة الصراعات والأزمات الدولية. أما تصريحات ترامب عن سد النهضة، فإنها تؤسس وتمهد لتحولات إقليمية عميقة عنوانها الضغط المائي مقابل التنازل السياسي، والابتزاز بدل الوساطة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عراقجي: إيران ستردّ "بحزم أكبر" إذا تعرّضت لهجمات أميركية أو إسرائيلية جديدة
عراقجي: إيران ستردّ "بحزم أكبر" إذا تعرّضت لهجمات أميركية أو إسرائيلية جديدة

LBCI

timeمنذ 3 ساعات

  • LBCI

عراقجي: إيران ستردّ "بحزم أكبر" إذا تعرّضت لهجمات أميركية أو إسرائيلية جديدة

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الإثنين من أنّ بلاده ستردّ "بحزم أكبر" إذا تعرّضت لهجمات أميركية أو إسرائيلية جديدة. وتصريحات عراقجي تأتي على ما يبدو ردّا على تهديدات أطلقها الإثنين الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وخلال زيارة يجريها إلى اسكتلندا، قال ترامب "لقد دمّرنا قدراتهم النووية. يمكنهم البدء من جديد، لكن إذا فعلوا ذلك، سندمّرها بلمح البصر". وجاء في منشور لعراقجي على منصة إكس "إذا تكرّر العدوان فإنّنا بلا شك سنردّ بحزم أكبر". وتابع "إذا كانت هناك مخاوف من احتمال تحويل برنامجنا النووي لأغراض غير سلمية، فقد أثبت الخيار العسكري أنّه غير فاعل، لكنّ حلا تفاوضيا قد ينجح".

هل تُغيرّ  العقوبات الأميركية سلوك أنظمة؟
هل تُغيرّ  العقوبات الأميركية سلوك أنظمة؟

الميادين

timeمنذ 4 ساعات

  • الميادين

هل تُغيرّ العقوبات الأميركية سلوك أنظمة؟

لعلّ سيف العقوبات الذي تشهره الولايات المتحدة بوجه أعدائها، هو اليوم الأشدّ فتكاً بين أسلحة الحرب الناعمة. هل تحكم أميركا العالم بالعقوبات، هل تتحكّم بالدول، والشعوب، والكيانات، والأفراد، تبعاً لأهوائها ومصالحها الإستراتيجية؟ وهل تتجاوز بذلك الشرعية الدولية، ضاربة عرض الحائط بحقوق الإنسان التي تدّعي حمايتها؟ هل يحقّ للإمبراطورية وحدها أن تحدّد الأخيار على الكوكب، وتعاقب الأشرار، كالشريف في أفلام «رعاة البقر» القديمة؟ هل العقوبات جزءٌ من هيمنة الاستعمار الأميركي والغربي على العالم؟ ما شرعية تلك العقوبات، من منظور القانون الدولي، واتفاقيات جنيف؟ هل يمكن اعتبارها «جرائم ضدّ الإنسانية»؟ وأخيراً، ما المسارات القانونية الممكنة، في مواجهة العقوبات؟

"فايننشال تايمز": أزمة العملات المشفرة المقبلة
"فايننشال تايمز": أزمة العملات المشفرة المقبلة

الميادين

timeمنذ 5 ساعات

  • الميادين

"فايننشال تايمز": أزمة العملات المشفرة المقبلة

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقال رأي يتناول المخاطر السياسية والاقتصادية الكامنة في دعم العملات المشفّرة، وخاصة البيتكوين، من قبل النخبة السياسية في الولايات المتحدة، محذراً من أنها قد تؤدي إلى أزمة مالية جديدة على غرار أزمة 2008، إضافةً إلى تعميق الاضطرابات الشعبوية وفقدان الثقة بالنظام السياسي. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: بيتكوين، أحد الأصول الرقمية التي قد تُقرضها البنوك، كان متقلباً بنحو أربعة أضعاف تقلب المؤشرات الرئيسية منذ عام 2020. كما ارتبطت به صلات بتمويل الإرهاب، ولم أقرأ بعدُ أي شيء يجعلني أعتقد أنه أكثر من مجرد أداة للمضاربين والمجرمين. لكن هذا لا يُهم عندما يكون أكبر المانحين السياسيين وراءه. أنفقت لجان العمل السياسي للعملات المشفرة، على مدى السنوات القليلة الماضية، عشرات الملايين من الدولارات للتبرع ليس فقط للسياسيين الجمهوريين، بل للعديد من الديمقراطيين أيضاً. تُوج هذا الجهد قبل أسبوعين بإقرار قانون "جينيوس". ومن المتوقع صدور تشريع يشمل أصولاً مشفرة أخرى في وقت لاحق من هذا العام. أتوقع أن كل هذا لن يتسبب في الأزمة المالية المقبلة فحسب، بل سيُغذي أيضاً المزيد من الشعبوية السياسية والاضطرابات في الولايات المتحدة. يُذكرنا هذا كثيراً بما حدث عام 2000، عندما تهافت دعاة المشتقات المالية خارج البورصة على واشنطن متوسلين بتنظيمها بشكل سليم حتى يتمكنوا من منح العالم "ابتكاراً" مالياً. لكن ما حدث بدلاً من ذلك كان زيادةً بمقدار سبعة أضعاف في مقايضات التخلف عن سداد الائتمان سيئة التنظيم، والتي بلغت ذروتها في الأزمة المالية الكبرى عام 2008. الآن، لنفترض أنّ وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يتوقع نمو سوق العملات المستقرة عشرة أضعاف خلال السنوات القليلة المقبلة، من صناعة تقترب من 200 مليار دولار إلى تريليوني دولار، وهي صناعة ستُدمج في كل شيء بدءاً من اكتتاب القروض ووصولاً إلى أسواق الخزانة. وكما أخبرتني الديمقراطية إليزابيث وارن، العضو البارز في لجنة المصارف بمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي: "لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل"، حيث تقول جماعات الضغط: "أرجوكم، نظمونا" لأنهم يريدون شهادة من الحكومة تؤكد أنهم استثمار "آمن"، ويقدم السياسيون دعماً من الحزبين لإلغاء القيود التنظيمية. في الواقع، يمكنك رسم خط فاصل واضح بين إلغاء القيود التنظيمية للمشتقات المالية عام 2000، وإلغاء القيود التنظيمية الأوسع في عهد كلينتون الذي قوض الحواجز بين التداول والإقراض، وإضعاف قانون دود فرانك للبنوك الإقليمية عام 2018 (الذي أسهم في الأزمة المصرفية عام 2023)، والآن، قانون "جينيوس". كل ذلك كان من الحزبين. وارن، الذي وصل إلى السلطة بفضل ناخبين شعروا بالخيانة من السياسيين الرئيسيين من كلا التيارين، شنّ حملةً فاشلةً لإقناع الديمقراطيين بعدم دعم الجمهوريين لقانون "العبقرية". 21 تموز 10:22 4 تموز 12:21 لكن المال هو الفيصل، وقد أظهرت جماعات الضغط في مجال العملات المشفرة نفوذاً هائلاً بإنفاقها 40 مليون دولار لهزيمة منتقدين مثل شيرود براون من أوهايو، الرئيس السابق للجنة المصرفية في مجلس الشيوخ. وبينما صوّت ما يقرب من ثلثي الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ضد قانون "العبقرية"، فإن المؤيدين، بمن فيهم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون المؤثرون مثل مارك وارنر من فرجينيا وكيرستن جيليبراند من نيويورك، كانوا كافين لإقرار التشريع. هذا يُقلقني لأربعة أسباب. أولاً، يُسوّق قانون "جينيوس" (على غرار قانون تحديث العقود الآجلة للسلع لعام 2000) كوسيلة لجعل العملات المشفرة أكثر أماناً، حيث تدعم العملات المستقرة الدولار الأميركي بنسبة واحد إلى واحد. لكن هذا لا يجعل ما يُعتبر، على نطاق أوسع، فئة أصول متقلبة أقل تقلباً. بل قد يزيد من تقلب السوق ككل. يتحدث المؤيدون عن العملات المشفرة، مثل البيتكوين، كتحوط ضد الأسواق التقليدية، ولكن في الواقع، يُعد البيتكوين استثماراً "عالي البيتا"، أي إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسوق الأسهم. هذا يعني أن كلاً من المكاسب والخسائر مقارنةً بمؤشر ستاندرد آند بورز تتضاعف. أي قيمة بيتا أعلى من واحد تشير إلى تقلب أعلى من السوق. وقد وجد تقرير حديث لشركة فيديليتي أن قيمة بيتا المتداولة للبيتكوين على مدى ثلاث سنوات مقارنةً بمؤشر ستاندرد آند بورز كانت 2.6. ثانياً، لا أستطيع أن أتخيل لحظة أسوأ لتشجيع "الابتكار" المالي من تلك التي تكون فيها الأسواق والاقتصاد والسياسة النقدية في حالة من عدم اليقين. تخيلوا ما قد يحدث إذا اضطر الاحتياطي الفيدرالي، خلال الأشهر أو السنوات المقبلة، إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد بسبب التضخم. ستنهار الأسواق، كما يحدث دائماً عند ارتفاع أسعار الفائدة. ستنخفض العملات المشفرة بشكل أكبر وأسرع. وقد تواجه المؤسسات المالية (بما في ذلك أي عدد من بنوك الظل) التي تحتفظ بالعملات المشفرة في ميزانياتها العمومية مشاكل، ما قد يؤدي إلى تجميد أسواق الائتمان. فجأة، نواجه أصداء عام 2008. وهنا يأتي قلقي الثالث. يقول مؤيدو قانون "جينيوس" إنه سيدعم الدولار وسوق الخزانة. ولكن يمكن للمرء بسهولة تخيل لجوء شركات العملات المشفرة، مثل تيثر (التي تمتلك سندات خزانة أميركية أكثر من ألمانيا)، إلى بيع سندات الخزانة في سوق هابطة لتغطية عمليات الاسترداد. ثم لدينا بيع بأسعار بخسة، وارتفاع تكاليف الاقتراض، ووضع كارثي آخر حيث يتعرض الشارع الرئيسي لضغوط لإنقاذ المضاربين. ولكن هذه المرة، يأتي هذا بعد أكثر من عقدين من التشكيك المتزايد في السياسة. وهذا يقودني إلى قلقي الأخير. مهّد تحرير القطاع المالي في أواخر التسعينات في عهد إدارة كلينتون الطريقَ لكلٍّ من عام 2008 وخسارة دعم الطبقة العاملة للديمقراطيين. وهذا بدوره مهّد الطريق لصعود ترامب. يُهيئ ترامب الآن الطريق لأزمتنا المالية المقبلة بدعمه (وبالطبع، تداوله) العملات المشفرة. ماذا سيحدث عندما نشهد فوضى مالية وازدياداً في تشاؤم الناخبين تجاه السياسة السائدة في وقتٍ يتراجع فيه اهتمام الحكومة أو قدرتها على مواجهة الانكماش؟ لا عملة، ولا شيء مستقر. نقلته إلى العربية: بتول دياب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store