
مقتل 9 سوادنيين بنيران طائرة مسيرة "للدعم السريع" غربي البلاد
وقال منسق غرفة طوارئ الطينة محمد يحيى مرسال إن الطائرة المسيّرة أطلقت قذيفتين، استهدفت الأولى موقع الاجتماع، وسقطت الثانية أثناء محاولة الأهالي إسعاف المصابين، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 5 آخرين، بعضهم في حالة حرجة.
وأوضح مرسال أن هذه الغارة تعد الثانية من نوعها، إذ سبق أن استهدفت مسيّرة تابعة للدعم السريع أحد أحياء المدينة في العاشر من فبراير/شباط الماضي، مما خلّف دمارًا واسعا في الممتلكات.
وتعد مدينة الطينة، التي تبعد نحو 340 كيلومترًا غرب مدينة الفاشر، من أبرز مراكز النزوح في إقليم دارفور، حيث لجأ إليها آلاف المدنيين هربا من الهجمات المتكررة التي تشنها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر (غربي السودان) والمناطق المجاورة.
في غضون ذلك، قتل مواطن وجرح أكثر من 20 آخرين في قصف مدفعي صباح اليوم السبت لقوات الدعم السريع على معسكر أبوشوك للنازحين في مدينة الفاشر.
وبيّنت غرفة طوارئ المعسكر، عبر صفحتها على فيسبوك ، أن القصف أدى إلى مقتل عصام محمد، أحد أبرز رموز العمل المجتمعي في المعسكر وعضو مؤسس في مبادرة طوارئ أبوشوك، إلى جانب مشاركته في حملات الدعم النفسي والعمل البيئي، ومساهمته في تأسيس منظمة "أبو حسام للتنمية والسلام".
حالات حرجة
وأضافت الغرفة أن بين المصابين حالات حرجة، مشيرة إلى استمرار عمليات البحث عن ضحايا آخرين وسط دمار واسع طال الممتلكات داخل المعسكر.
ودعت الغرفة المنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل لتقديم الدعم للمتضررين، محذّرة من تفاقم الكارثة الإنسانية "التي لا تحتمل" في ظل استمرار القصف واستهداف مراكز إيواء النازحين.
ويأتي الهجوم في ظل تصعيد عسكري متواصل تشهده مدينة الفاشر منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024، حيث فرضت قوات الدعم السريع حصارًا خانقا على المدينة، وكثّفت قصفها المدفعي على الأحياء السكنية ومناطق النزوح.
وتُعد الفاشر من أواخر المدن الكبرى التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني وحلفائه في الإقليم، وتشهد منذ اندلاع الحرب أوضاعًا إنسانية متدهورة، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023 عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين في البلاد التي تواجه أسوأ تفش للكوليرا منذ سنوات.
ودعا الخميس الماضي الطرفين المتحاربين إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية الدولية "بشكل عاجل".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
عشرات القتلى في قصف الدعم السريع مخيما للنازحين بدارفور
أعلنت شبكة أطباء السودان، أمس السبت، مقتل ما لا يقل عن 31 شخصا، بينهم 7 أطفال وامرأة حامل، وإصابة 13 آخرين، جراء قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على مخيم أبو شوك للنازحين بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وقالت الشبكة في بيان إن المصابين "يتلقون العلاج في ظروف إنسانية وصحية مزرية" مؤكدة أن استهداف المدنيين داخل المخيمات "جريمة بشعة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي". وأضاف البيان أن "الهجوم يأتي بينما يعاني المخيم من نقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية والغذاء بسبب الحصار المفروض على مدينة الفاشر من جانب قوات الدعم السريع، مما يضاعف الكارثة الإنسانية ويعرض آلاف النازحين لخطر الموت البطيء". وطالبت الشبكة الأمم المتحدة و مجلس الأمن والمجتمع الدولي بـ"إجراءات عاجلة للضغط على قيادة الدعم السريع والتحرك الفوري لتوفير المساعدات الطبية والغذائية وإنقاذ الضحايا". قصف مدفعي عنيف من جانبها، أفادت غرفة طوارئ مخيم أبو شوك (شعبية) أن الناحية الشمالية من المخيم تعرضت صباح السبت لـ"قصف مدفعي عنيف" أسفر عن مقتل نازحين وإصابة ما لا يقل عن 20 شخصًا، بينما لم يصدر تعليق فوري من قوات الدعم السريع على تلك الاتهامات. وكانت الأمم المتحدة قد أعربت الثلاثاء الماضي عن "صدمتها إزاء الهجمات الواسعة" على مدينة الفاشر، بما في ذلك استهداف مخيم أبو شوك الذي تأوي داخله آلاف العائلات النازحة. وفي اليوم نفسه، أعلنت منظمة الهجرة الدولية نزوح نحو 500 شخص من المخيم إلى مواقع أخرى داخل الفاشر نتيجة القصف. كما أشارت لجان المقاومة بالفاشر وغرفة طوارئ المخيم -مطلع الأسبوع- إلى أن المخيم تعرض لهجمات متكررة من قوات الدعم السريع أسفرت عن مقتل 40 نازحا وإصابة 19 آخرين، في وقت قالت فيه هذه القوات إنها حققت تقدما ميدانيا دون التطرق إلى اتهامات قتل مدنيين. وفي المقابل، أكد حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أن الجيش السوداني -بدعم قوات الحركات المسلحة- تمكن من "صد هجوم كبير" للدعم السريع على الفاشر. ويشهد السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما أسفر -وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية- عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، في حين قدّرت دراسة لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
ما هي عملية "ذئاب الصحراء"؟ وما علاقة الدعم السريع بها؟
كشفت الحكومة السودانية عن مشاركة مرتزقة من جمهورية كولومبيا في الحرب في صفوف مليشيا الدعم السريع. وقالت وزارة الخارجية السودانية إن الحكومة تمتلك كل الوثائق والمستندات التي تثبت تورط مرتزقة من جمهورية كولومبيا ومئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار. وأن السودان قد قدم هذه الوثائق إلى مجلس الأمن الدولي عبر بعثته الدائمة بالأمم المتحدة، وأضافت الخارجية السودانية أنها قدمت هذه الوثائق مشفوعة بأدلة تثبت رعاية وتمويل جهات خارجية لعمليات الاستقدام والتجنيد لهؤلاء المرتزقة الأجانب. ويقول الجيش السوداني إن مليشيا الدعم السريع ظلت ومنذ اندلاع الحرب تستعين بمرتزقة يشاركون في الأعمال الفنية التخصصية كأطقم المدفعية والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى مشاركتهم كمقاتلين في صفوفها. وفي تحقيق استقصائي أجراه موقع La Silla Vacia نُشر مؤخرا، كشف عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي سابقين تم تجنيدهم في عملية أُطلق عليها اسم "ذئاب الصحراء"، بقيادة ضابط كولومبي متقاعد برتبة عقيد يقوم بمهام القيادة لعمليات المرتزقة الكولومبيين في الحرب في السودان في صفوف مليشيا الدعم السريع، وتتضمن هذه العمليات التجنيد، والتدريب، والاتصالات، والقتال. وبالكشف عن هذه المعلومات الخطيرة، تدخل الحرب في السودان منحى آخر وبُعدا جديدا ربما ينقلها من النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي، ومن ثم إلى السياق الدولي. ويأتي هذا الكشف ليميط اللثام عن جملة من المؤشرات والنتائج والدلالات المترتبة على هذا التطور الذي يمكن وصفه بأنه شديد الأهمية، ذلك أن الحرب في السودان ظلت، وعلى مدى دوران عجلتها الجهنمية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح وشردت الملايين من السودانيين وخلفت خلفها دمارا واسعا طال كل مناحي الحياة، في حالة يمكن وصفها بالمأساة، ظلت هذه الحرب حبيسة في هامش الاهتمام الدولي، ولم تُقابل بما تستحقه من تعاطٍ إيجابي يدفع في اتجاه إطفائها ووقفها. وما جرى حيالها من تحركات إقليمية ودولية لم يكن بالمستوى المطلوب من الفاعلية، ولم يحدث أي أثر إيجابي مرتجى على الأرض، بل ازداد الأمر سوءا وتصاعدت وتيرة الاعتداءات تجاه المدنيين من قبل مليشيا الدعم السريع، خاصة في مناطق كردفان ودارفور. وتشهد مدينة الفاشر، التي تحاصرها مليشيا الدعم السريع في الوقت الراهن، مأساة إنسانية، حيث يتعرض سكان الفاشر لقصف يومي ممنهج تقوم به مليشيا الدعم السريع، وتضرب على المدينة طوقا من الحصار، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والأغذية إلى سكان المدينة الذين يتضورون جوعا، مما اضطر كثيرا منهم إلى تناول أعلاف الحيوانات لسد الجوع وللبقاء على قيد الحياة. وهناك عدد من المؤشرات والنتائج المترتبة على التطور الخاص بتزايد وتيرة مشاركة المرتزقة الأجانب في الحرب في السودان إلى جانب مليشيا الدعم السريع، وتمثل هذه المؤشرات والنتائج تطورا مهما هي الأخرى يضع إطارا لما ستكون عليه الأوضاع في هذا البلد، ويرسم ملامح أكثر وضوحا لمآلات الحرب ومصير مليشيا الدعم السريع. يشير الكشف عن وجود مرتزقة في صفوف مليشيا الدعم السريع إلى تورط مباشر لأطراف خارجية في الحرب، وبالتالي يوفر هذا الكشف مزيدا من القدرة للمجتمع الدولي على تتبع الخيوط التي تساعده على تقصي الحقائق، ومن ثم الوصول بسهولة ووضوح أكثر من ذي قبل لخلاصات تمكّنه من تحديد وتسمية القوى الإقليمية والدولية الداعمة والممولة لمليشيا الدعم السريع على سبيل التعيين لا التكنية. يسلط الكشف مزيدا من الأضواء على مصادر تمويل عمليات التجنيد والاستقطاب للمرتزقة وطريقة نقلهم إلى عمق الحدود السودانية، وإلى داخل مدينة نيالا في دارفور تحديدا، الأمر الذي يوفر "أدلة ظرفية" على تورط قوى إقليمية في تقديم الدعم اللوجيستي لمليشيا الدعم السريع. كما يشير الكشف إلى أن مليشيا الدعم السريع، ليس فقط أنها فقدت بالفعل قوتها الصلبة والضاربة، بل أكثر من ذلك أنها فقدت مصادر التجنيد من داخل حواضنها المجتمعية المؤيدة لها، التي ظلت تمثل "المورد الأساسي" لقواتها وتشكيلاتها المقاتلة. المؤشر السابق أفضى بدوره إلى إضعاف الدافع المعنوي للقتال وتضعضع الروح المعنوية للمقاتلين التابعين عضويا للمليشيا الذين يحملون لقب "الأشاوس"، وهم يرون وجوها غريبة لا تنتمي إليهم تقاتل في صفهم من أجل المال، لا من أجل ما ظلوا يسمونه "القضية". وهو ما يثير في أذهانهم الكثير من التساؤلات، أبرزها: هل هؤلاء حقا يريدون نصرة قضيتهم أم إنهم قد جيء بهم لنصرة قضية أخرى تخص قوى خارج الحدود؟ وهل جلب الديمقراطية والحكم المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية يمكن أن تأتي به عناصر أجنبية تقايض أرواحها بالمال؟ الظهور العلني للمرتزقة الأجانب عبر صور وفيديوهات التقطوها بهواتفهم النقالة وبثها في الوسائط متباهين بها، يؤشر هذا السلوك إلى توجه جديد للقوى الإقليمية الداعمة لهم، مفاده أنهم لا يخشون لومة لائم، وأن اللعب في الفترة القادمة سيكون على المكشوف بعد أن كانوا يضربون عليه طوقا من السرية والإنكار، وربما يفسَر ذلك بأنهم يستغلون حالة اللامبالاة الدولية بحرب السودان، أو بأنهم قد تلقوا إشارة ضوئية خضراء للاستمرار في دعمهم للمليشيا وفق ترتيبات محددة. مؤشر أخير يكشف عن حقيقة تدني مستوى كفاءة مقاتلي وقيادات مليشيا الدعم السريع، للحد الذي يتم فيه استجلاب مقاتلين أجانب وفنيين متخصصين لتدريبهم على استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة وتكتيكات قتالية كان يجدر بهم أن يكونوا على علم بها مسبقا، وهم يواجهون جيشا على قدر كبير من الاحترافية، وفي بيئة مألوفة لديهم وعلى أرض يعرفونها جيدا. ثانيا: النتائج جذب المزيد من الانتباه والتركيز الإقليمي والدولي للحرب في السودان، خاصة من القوى الفاعلة في هذين المستويين التي لم تنخرط من قبل، لا من قريب ولا من بعيد، في حرب السودان. وضع الأمن والسلم الإقليميين والدوليين على المحك بما يمثل تهديدا لهما، فعلى الصعيد الإقليمي يؤدي هذا التطور إلى إثارة مخاوف العديد من دول الإقليم عامة، ودول جوار السودان على وجه الخصوص، كونه يمثل وجها جديدا من وجوه انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وإثارة الاضطرابات فيها، وزعزعة الاستقرار، وتغيير أنظمة الحكم فيها. وكثير من دول الإقليم تعاني من مشكلات داخلية وأزمات في الأمن والوحدة والتكامل والشرعية، وتخشى هذه الدول من تكرار التجربة السودانية فيها. يوفر هذا التطور- إن لم يتم وقفه- حضنا دافئا لتفريخ ورعاية الإرهاب الدولي العابر للحدود، ويشجع على تنامي المليشيات وتوسيع نطاق استخدامها في النزاعات على مستوى العالم، واستشراء ظاهرة الحروب بالوكالة. وبالتالي يترتب على هذه الظاهرة خرق للبروتوكولات والقواعد والأسس المرعية بخصوص بيع واستخدام الأسلحة المتوسطة والإستراتيجية، التي يتعين قصر استخدامها على الجيوش النظامية والمؤسسات الدفاعية في الدول ذات السيادة، وليس العبث بها بتسليمها لمليشيات وتشكيلات شبه عسكرية هي أقرب إلى العصابات المنظمة. وهو ما يمهد الطريق إلى نشوء كارتيلات سلاح تغذي الإرهاب الدولي وتزيد من نفوذ المليشيات والتشكيلات شبه العسكرية حول العالم، وهو أمر يضع الأمن والسلم الدوليين تحت التهديد وعدم الاستقرار. وآخر النتائج في هذا الترتيب، وأولها بالنسبة للحرب في السودان، أن تورط المرتزقة الأجانب فيها وقتالهم في صف مليشيا الدعم السريع غيّر مسار هذه الحرب التي بدأت بتمرد مليشيا الدعم السريع على قيادة الجيش والسلطة القائمة ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة، ثم انتقلت الحرب إلى مسار الحرب بالوكالة نيابة عن قوى خارجية، وهي الآن تتجه نحو مسار الحرب الإقليمية، التي بدورها من المرجح أن تجر إليها أطرافا دولية ترى في استمرارها تهديدا لأمنها القومي. كيف السبيل إلى الخروج من هذه المعضلة؟ تفاديا للمآلات غير المرغوب فيها، التي ستطال الجميع إقليميا ودوليا، فيما لو استمر المجتمع الدولي في التزام حالة "الفرجة" على تطورات الحرب في السودان، فإنه يتعين على القوى الإقليمية والدولية التحرك لاحتواء الوضع عبر تنظيماتها ممثلة في الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة، بوضع الأمور في نصابها الصحيح، بدءا بكف أيدي القوى الداعمة لمليشيا الدعم السريع عن دعمها، وإيجاد مقاربة لحمل الدول التي تشكل مصدرا للمرتزقة على تحمل مسؤولياتها لوقف تدفق المقاتلين المرتزقة من جنسياتها. وأن تكف دول الممر عن السماح لهؤلاء المرتزقة بعبور أراضيها، وأن تمارس القوى الدولية التي يرد منها السلاح مزيدا من الرقابة على مبيعاتها من السلاح بما يحول دون وصولها إلى أيدي المليشيا، واستخدام أقصى درجات نفوذها للضغط على الدول التي تصدر إليها السلاح بألا يصل إلى وجهة أخرى. وإلا فإن الخطر سيحدق بالجميع، فالاعتماد المتبادل أصبح سمة للسياسة الدولية، بحيث تتأثر الدول والمجتمعات في ساحتها بكل ما يقع فيها سلبا أو إيجابا، بكل صغيرة وكبيرة، وتحكمها نظرية رفرفة جناح الفراشة التي صاغها عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينتز في ستينيات القرن الماضي لوصف حساسية الأنظمة المناخية للتغيرات الأولية، وهي نظرية تقوم على وصف الترابط بين الأحداث الصغيرة والأحداث الكبيرة، وكيف أن الأحداث الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى أحداث كبيرة غير متوقعة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله حقيقة أن السودان يتبوأ موقعا إستراتيجيا مميزا، وتتصل حدوده بصورة مباشرة بدولتين عربيتين تطلان على البحر المتوسط، هما مصر وليبيا، وله حدود بحرية مع أكبر دولة عربية خليجية وهي السعودية، وحدود أرضية مع خمس دول أفريقية، منها أربع بلا منافذ بحرية، ويطل بساحل طويل على البحر الأحمر، وهو ممر بحري تجاري شديد الأهمية بالنسبة للعالم، فإن أي فوضى تعم فيه وفي محيطه الجغرافي بسبب أطماع قوى إقليمية تستخدم أذرعا عسكرية غير منضبطة وغير نظامية ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
الدعم السريع وعملية "ذئاب الصحراء"
كشفت الحكومة السودانية عن مشاركة مرتزقة من جمهورية كولومبيا في الحرب في صفوف مليشيا الدعم السريع. وقالت وزارة الخارجية السودانية إن الحكومة تمتلك كل الوثائق والمستندات التي تثبت تورط مرتزقة من جمهورية كولومبيا ومئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار. وأن السودان قد قدم هذه الوثائق إلى مجلس الأمن الدولي عبر بعثته الدائمة بالأمم المتحدة، وأضافت الخارجية السودانية أنها قدمت هذه الوثائق مشفوعة بأدلة تثبت رعاية وتمويل جهات خارجية لعمليات الاستقدام والتجنيد لهؤلاء المرتزقة الأجانب. ويقول الجيش السوداني إن مليشيا الدعم السريع ظلت ومنذ اندلاع الحرب تستعين بمرتزقة يشاركون في الأعمال الفنية التخصصية كأطقم المدفعية والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى مشاركتهم كمقاتلين في صفوفها. وفي تحقيق استقصائي أجراه موقع La Silla Vacia نُشر مؤخرا، كشف عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي سابقين تم تجنيدهم في عملية أُطلق عليها اسم "ذئاب الصحراء"، بقيادة ضابط كولومبي متقاعد برتبة عقيد يقوم بمهام القيادة لعمليات المرتزقة الكولومبيين في الحرب في السودان في صفوف مليشيا الدعم السريع، وتتضمن هذه العمليات التجنيد، والتدريب، والاتصالات، والقتال. وبالكشف عن هذه المعلومات الخطيرة، تدخل الحرب في السودان منحى آخر وبُعدا جديدا ربما ينقلها من النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي، ومن ثم إلى السياق الدولي. ويأتي هذا الكشف ليميط اللثام عن جملة من المؤشرات والنتائج والدلالات المترتبة على هذا التطور الذي يمكن وصفه بأنه شديد الأهمية، ذلك أن الحرب في السودان ظلت، وعلى مدى دوران عجلتها الجهنمية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح وشردت الملايين من السودانيين وخلفت خلفها دمارا واسعا طال كل مناحي الحياة، في حالة يمكن وصفها بالمأساة، ظلت هذه الحرب حبيسة في هامش الاهتمام الدولي، ولم تُقابل بما تستحقه من تعاطٍ إيجابي يدفع في اتجاه إطفائها ووقفها. وما جرى حيالها من تحركات إقليمية ودولية لم يكن بالمستوى المطلوب من الفاعلية، ولم يحدث أي أثر إيجابي مرتجى على الأرض، بل ازداد الأمر سوءا وتصاعدت وتيرة الاعتداءات تجاه المدنيين من قبل مليشيا الدعم السريع، خاصة في مناطق كردفان ودارفور. وتشهد مدينة الفاشر، التي تحاصرها مليشيا الدعم السريع في الوقت الراهن، مأساة إنسانية، حيث يتعرض سكان الفاشر لقصف يومي ممنهج تقوم به مليشيا الدعم السريع، وتضرب على المدينة طوقا من الحصار، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والأغذية إلى سكان المدينة الذين يتضورون جوعا، مما اضطر كثيرا منهم إلى تناول أعلاف الحيوانات لسد الجوع وللبقاء على قيد الحياة. وهناك عدد من المؤشرات والنتائج المترتبة على التطور الخاص بتزايد وتيرة مشاركة المرتزقة الأجانب في الحرب في السودان إلى جانب مليشيا الدعم السريع، وتمثل هذه المؤشرات والنتائج تطورا مهما هي الأخرى يضع إطارا لما ستكون عليه الأوضاع في هذا البلد، ويرسم ملامح أكثر وضوحا لمآلات الحرب ومصير مليشيا الدعم السريع. يشير الكشف عن وجود مرتزقة في صفوف مليشيا الدعم السريع إلى تورط مباشر لأطراف خارجية في الحرب، وبالتالي يوفر هذا الكشف مزيدا من القدرة للمجتمع الدولي على تتبع الخيوط التي تساعده على تقصي الحقائق، ومن ثم الوصول بسهولة ووضوح أكثر من ذي قبل لخلاصات تمكّنه من تحديد وتسمية القوى الإقليمية والدولية الداعمة والممولة لمليشيا الدعم السريع على سبيل التعيين لا التكنية. يسلط الكشف مزيدا من الأضواء على مصادر تمويل عمليات التجنيد والاستقطاب للمرتزقة وطريقة نقلهم إلى عمق الحدود السودانية، وإلى داخل مدينة نيالا في دارفور تحديدا، الأمر الذي يوفر "أدلة ظرفية" على تورط قوى إقليمية في تقديم الدعم اللوجيستي لمليشيا الدعم السريع. كما يشير الكشف إلى أن مليشيا الدعم السريع، ليس فقط أنها فقدت بالفعل قوتها الصلبة والضاربة، بل أكثر من ذلك أنها فقدت مصادر التجنيد من داخل حواضنها المجتمعية المؤيدة لها، التي ظلت تمثل "المورد الأساسي" لقواتها وتشكيلاتها المقاتلة. المؤشر السابق أفضى بدوره إلى إضعاف الدافع المعنوي للقتال وتضعضع الروح المعنوية للمقاتلين التابعين عضويا للمليشيا الذين يحملون لقب "الأشاوس"، وهم يرون وجوها غريبة لا تنتمي إليهم تقاتل في صفهم من أجل المال، لا من أجل ما ظلوا يسمونه "القضية". وهو ما يثير في أذهانهم الكثير من التساؤلات، أبرزها: هل هؤلاء حقا يريدون نصرة قضيتهم أم إنهم قد جيء بهم لنصرة قضية أخرى تخص قوى خارج الحدود؟ وهل جلب الديمقراطية والحكم المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية يمكن أن تأتي به عناصر أجنبية تقايض أرواحها بالمال؟ الظهور العلني للمرتزقة الأجانب عبر صور وفيديوهات التقطوها بهواتفهم النقالة وبثها في الوسائط متباهين بها، يؤشر هذا السلوك إلى توجه جديد للقوى الإقليمية الداعمة لهم، مفاده أنهم لا يخشون لومة لائم، وأن اللعب في الفترة القادمة سيكون على المكشوف بعد أن كانوا يضربون عليه طوقا من السرية والإنكار، وربما يفسَر ذلك بأنهم يستغلون حالة اللامبالاة الدولية بحرب السودان، أو بأنهم قد تلقوا إشارة ضوئية خضراء للاستمرار في دعمهم للمليشيا وفق ترتيبات محددة. مؤشر أخير يكشف عن حقيقة تدني مستوى كفاءة مقاتلي وقيادات مليشيا الدعم السريع، للحد الذي يتم فيه استجلاب مقاتلين أجانب وفنيين متخصصين لتدريبهم على استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة وتكتيكات قتالية كان يجدر بهم أن يكونوا على علم بها مسبقا، وهم يواجهون جيشا على قدر كبير من الاحترافية، وفي بيئة مألوفة لديهم وعلى أرض يعرفونها جيدا. ثانيا: النتائج جذب المزيد من الانتباه والتركيز الإقليمي والدولي للحرب في السودان، خاصة من القوى الفاعلة في هذين المستويين التي لم تنخرط من قبل، لا من قريب ولا من بعيد، في حرب السودان. وضع الأمن والسلم الإقليميين والدوليين على المحك بما يمثل تهديدا لهما، فعلى الصعيد الإقليمي يؤدي هذا التطور إلى إثارة مخاوف العديد من دول الإقليم عامة، ودول جوار السودان على وجه الخصوص، كونه يمثل وجها جديدا من وجوه انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وإثارة الاضطرابات فيها، وزعزعة الاستقرار، وتغيير أنظمة الحكم فيها. وكثير من دول الإقليم تعاني من مشكلات داخلية وأزمات في الأمن والوحدة والتكامل والشرعية، وتخشى هذه الدول من تكرار التجربة السودانية فيها. يوفر هذا التطور- إن لم يتم وقفه- حضنا دافئا لتفريخ ورعاية الإرهاب الدولي العابر للحدود، ويشجع على تنامي المليشيات وتوسيع نطاق استخدامها في النزاعات على مستوى العالم، واستشراء ظاهرة الحروب بالوكالة. وبالتالي يترتب على هذه الظاهرة خرق للبروتوكولات والقواعد والأسس المرعية بخصوص بيع واستخدام الأسلحة المتوسطة والإستراتيجية، التي يتعين قصر استخدامها على الجيوش النظامية والمؤسسات الدفاعية في الدول ذات السيادة، وليس العبث بها بتسليمها لمليشيات وتشكيلات شبه عسكرية هي أقرب إلى العصابات المنظمة. وهو ما يمهد الطريق إلى نشوء كارتيلات سلاح تغذي الإرهاب الدولي وتزيد من نفوذ المليشيات والتشكيلات شبه العسكرية حول العالم، وهو أمر يضع الأمن والسلم الدوليين تحت التهديد وعدم الاستقرار. وآخر النتائج في هذا الترتيب، وأولها بالنسبة للحرب في السودان، أن تورط المرتزقة الأجانب فيها وقتالهم في صف مليشيا الدعم السريع غيّر مسار هذه الحرب التي بدأت بتمرد مليشيا الدعم السريع على قيادة الجيش والسلطة القائمة ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة، ثم انتقلت الحرب إلى مسار الحرب بالوكالة نيابة عن قوى خارجية، وهي الآن تتجه نحو مسار الحرب الإقليمية، التي بدورها من المرجح أن تجر إليها أطرافا دولية ترى في استمرارها تهديدا لأمنها القومي. كيف السبيل إلى الخروج من هذه المعضلة؟ تفاديا للمآلات غير المرغوب فيها، التي ستطال الجميع إقليميا ودوليا، فيما لو استمر المجتمع الدولي في التزام حالة "الفرجة" على تطورات الحرب في السودان، فإنه يتعين على القوى الإقليمية والدولية التحرك لاحتواء الوضع عبر تنظيماتها ممثلة في الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة، بوضع الأمور في نصابها الصحيح، بدءا بكف أيدي القوى الداعمة لمليشيا الدعم السريع عن دعمها، وإيجاد مقاربة لحمل الدول التي تشكل مصدرا للمرتزقة على تحمل مسؤولياتها لوقف تدفق المقاتلين المرتزقة من جنسياتها. وأن تكف دول الممر عن السماح لهؤلاء المرتزقة بعبور أراضيها، وأن تمارس القوى الدولية التي يرد منها السلاح مزيدا من الرقابة على مبيعاتها من السلاح بما يحول دون وصولها إلى أيدي المليشيا، واستخدام أقصى درجات نفوذها للضغط على الدول التي تصدر إليها السلاح بألا يصل إلى وجهة أخرى. وإلا فإن الخطر سيحدق بالجميع، فالاعتماد المتبادل أصبح سمة للسياسة الدولية، بحيث تتأثر الدول والمجتمعات في ساحتها بكل ما يقع فيها سلبا أو إيجابا، بكل صغيرة وكبيرة، وتحكمها نظرية رفرفة جناح الفراشة التي صاغها عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينتز في ستينيات القرن الماضي لوصف حساسية الأنظمة المناخية للتغيرات الأولية، وهي نظرية تقوم على وصف الترابط بين الأحداث الصغيرة والأحداث الكبيرة، وكيف أن الأحداث الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى أحداث كبيرة غير متوقعة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله حقيقة أن السودان يتبوأ موقعا إستراتيجيا مميزا، وتتصل حدوده بصورة مباشرة بدولتين عربيتين تطلان على البحر المتوسط، هما مصر وليبيا، وله حدود بحرية مع أكبر دولة عربية خليجية وهي السعودية، وحدود أرضية مع خمس دول أفريقية، منها أربع بلا منافذ بحرية، ويطل بساحل طويل على البحر الأحمر، وهو ممر بحري تجاري شديد الأهمية بالنسبة للعالم، فإن أي فوضى تعم فيه وفي محيطه الجغرافي بسبب أطماع قوى إقليمية تستخدم أذرعا عسكرية غير منضبطة وغير نظامية ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.