logo
العزلة الاجتماعية

العزلة الاجتماعية

العربية٢٣-٠٤-٢٠٢٥

تذكّرنا العزلة الاجتماعية أن الصحة ليست مسألة فردية، بل نظاما بيئيا يتشابك فيه الفرد مع مجتمعه.. في عصر السرعة والتكنولوجيا، ربما حان الوقت لإعادة اكتشاف قيمة "الحضور البشري"، ليس كرفاهية، بل كضرورة حيوية.. والعزلة الاجتماعية ليست حتمية، بل مؤشراً لخلل في التوازن بين الراحة الفردية والتفاعل الاجتماعي..
في عالم يقدر فيه التواصل الفوري والشبكات الاجتماعية الواسعة، يواجه ملايين الأشخاص حول العالم واقعا مغايرا: (العزلة الاجتماعية). وهي انعدام أو نقص التفاعلات الاجتماعية المرضية، سواء على المستوى العائلي أو المجتمعي، وهي كذلك: "غياب التفاعل الاجتماعي الملموس أو ضعف الروابط ذات المعنى"؛ وفقا لـمنظمة الصحة العالمية WHO. بينما ينظر إليها أحيانا كفرصة للتأمل، وتتحول في أحيان كثيرة إلى سجن خفي يفاقم الاضطرابات النفسية.
العزلة الاجتماعية ظاهرة تختلف عن "الوحدة العاطفية" التي تشير إلى الشعور الذاتي بالفراغ، بينما قد تكون العزلة اختيارية في بعض الحالات، مثل الرغبة في الخلوة للتأمل، إلا أنّ استمرارها لفترات طويلة دون رغبة الفرد يحوّلها إلى أزمة صحية صامتة تهدد العقل والجسد والمجتمع ككل.
تظهر الدراسات أن العزلة الاجتماعية تعتبر عامل خطر رئيسا لاضطرابات الصحة العقلية، ففي عام 2020، كشفت دراسة نشرت في مجلة JAMA Psychiatry أن الأفراد الذين يعانون من عزلة اجتماعية شديدة زادت لديهم احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة 26 % مقارنة بمن يتمتعون بعلاقات اجتماعية نشطة. كما أن التفاعل الاجتماعي يحفز إفراز هرمون "الأوكسيتوسين"، الذي يعزز الشعور بالثقة والارتباط، بينما يؤدي غيابه إلى تفاقم القلق واضطرابات المزاج.
علاوة على ذلك، ترتبط العزلة المزمنة بتسارع التدهور المعرفي، خاصة لدى كبار السن. ففي دراسة أجرتها جامعة هارفرد، تبين أن البالغين الذين يعيشون في عزلة تزيد لديهم احتمالية الإصابة بالخرف بنسبة 50 %، بسبب انخفاض تحفيز الدماغ وفقدان المرونة العصبية التي تحافظ على وظائفه.
لا تقتصر تداعيات العزلة على الصحة العقلية فحسب، بل تمتد إلى الجسد. ففي عام 2015، أظهرت مراجعة شملت 70 دراسة أن العزلة الاجتماعية ترفع خطر الوفاة المبكرة بنسبة تقارب تأثير التدخين اليومي (15 سيجارة). السبب يعود إلى أن العزلة تحفز استجابة الجسم للتوتر، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، الذي يضعف المناعة ويزيد الالتهابات المزمنة.
كما أن الأشخاص المعزولين اجتماعيا أكثر عرضة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بسبب ارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب. في المقابل، يقلل التفاعل الاجتماعي من إفراز هرمونات التوتر، مما يعزز صحة القلب والتمثيل الغذائي.
أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن العزلة الاجتماعية الممتدة تسبب تغيرات هيكلية في مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف والتفكير الاجتماعي، مثل القشرة الأمامية الجبهية واللوزة الدماغية. ففي تجربة أجريت على الفئران عام 2020، لوحظ أن العزلة لفترات طويلة أدت إلى تقلص الخلايا العصبية في هذه المناطق، مما يضعف القدرة على التفاعل الاجتماعي والتعاطف مع الآخرين.
علاوة على ذلك، يقلل العزلة من إنتاج بروتين "BDNF" الذي يدعم نمو الخلايا العصبية الجديدة، مما يعرقل التعلم والذاكرة. هذه التغيرات تشبه تلك التي تنتج عن الإدمان على المخدرات، مما يظهر أن العزلة قد تكون "إدمانا سلبيا" يغذي نفسه.
لا تؤثر العزلة على الأفراد فحسب، بل تشكل عبئا اقتصاديا. في الولايات المتحدة وحدها، تقدر تكلفة الأمراض المرتبطة بالعزلة الاجتماعية بنحو 6.7 مليارات دولار سنويا، بسبب انخفاض إنتاجية العمل وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية. كما أن المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات العزلة تشهد ارتفاعا في الجريمة وتفكك الروابط الأسرية.
من ناحية أخرى، تلعب التكنولوجيا دورا متناقضا. فبينما تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال الافتراضي، أشارت دراسة في الجمعية الأميركية لعلم النفس عام 2022 إلى أن الاستخدام المفرط لهذه المنصات يعزز العزلة الواقعية، حيث تحل العلاقات السطحية محل التفاعلات العميقة. هنا، تبرز أهمية "الذكاء العاطفي الرقمي"، أي استخدام التكنولوجيا كجسر وليس بديلا عن التواصل المباشر.
مواجهة العزلة الاجتماعية تتطلب جهدا متعدد الأوجه.. على المستوى الفردي، ينصح بممارسة الهوايات الجماعية والتطوع، التي ثبت أنها تقلل الشعور بالعزلة بنسبة 30 %. أما على مستوى السياسات، فتظهر تجارب دول مثل اليابان نجاحا في تخصيص ميزانيات لبناء "مراكز لقاءات مجتمعية" وتشجيع العمل عن قرب بدلا من العمل عن بعد.
أخيرا، تذكّرنا العزلة الاجتماعية أن الصحة ليست مسألة فردية، بل نظاما بيئيا يتشابك فيه الفرد مع مجتمعه. في عصر السرعة والتكنولوجيا، ربما حان الوقت لإعادة اكتشاف قيمة "الحضور البشري"، ليس كرفاهية، بل كضرورة حيوية. والعزلة الاجتماعية ليست حتمية، بل مؤشر لخلل في التوازن بين الراحة الفردية والتفاعل الاجتماعي. وكما قال الدكتور جون كاسكادي، خبير علم الاجتماع: "العزلة قد تكون ملجأ للتأمل، لكنها تصبح سجنا إذا نسيت أن تمسك بمفتاح العودة إلى العالم".. وفي عصر يغرقنا في الضوضاء، تذكّر أن العزلة الاختيارية تعيد شحن الروح، لكن العزلة القسرية تذكّرنا بأننا كائنات اجتماعية بجوهرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اكتشف خطورة قلة النوم ثلاث ليال "فقط"
اكتشف خطورة قلة النوم ثلاث ليال "فقط"

timeمنذ 2 ساعات

اكتشف خطورة قلة النوم ثلاث ليال "فقط"

ووفقًا لما أوردته الدراسة الصادرة عن جامعة أوبسالا في السويد ، فإن النوم لمدة أربع ساعات فقط في الليلة، ولمدة ثلاث ليالٍ متتالية، يكفي لتحفيز ارتفاع مستويات بروتينات التهابية في الدم تُعد مؤشرًا بيولوجيًا لمشكلات قلبية محتملة، أبرزها: فشل القلب، والرجفان الأذيني، وتصلب الشرايين. وكشفت الدراسة التي شملت 16 شابًا يتمتعون بصحة جيدة، أن تقييد النوم يؤثر على نحو 90 نوعًا من البروتينات في الدم. وقد أظهرت التحاليل أن هذه البروتينات تزداد بوضوح بعد قلة النوم؛ ما يُشير إلى استجابة التهابية نشطة داخل الجسم. كما أظهرت النتائج أن الأثر الإيجابي المتوقع من ممارسة التمارين البدنية – خاصةً في تعزيز بروتينات مفيدة مثل BDNF والإنترلوكين-6 – يتضاءل بشكل ملحوظ بعد النوم السيء؛ ما يُضعف من قدرة الجسم على التكيف الإيجابي مع الجهد البدني. وأشارت الدراسة إلى أن توقيت سحب عينات الدم له تأثير كذلك، إذ لوحظ تباين في مستويات البروتينات بين فترتي الصباح والمساء، وكان التباين أشد وضوحًا عند تقييد النوم؛ ما يُبرز تأثير النوم على إيقاع الساعة البيولوجية والوظائف الهرمونية في الجسم. وتؤكد هذه المعطيات أن النوم ليس رفاهية، بل ضرورة بيولوجية، وأن اضطرابه يُسهم بصمت في إحداث تغيرات التهابية قد تضعف القلب وتُمهّد لأمراض مزمنة؛ ما يستدعي إعادة النظر في أنماط النوم في ظل تسارع وتيرة الحياة المعاصرة.

أستاذ فسيولوجيا يكشف عن الأوقات المناسبة للتعرض لأشعة الشمس .. فيديو
أستاذ فسيولوجيا يكشف عن الأوقات المناسبة للتعرض لأشعة الشمس .. فيديو

صدى الالكترونية

timeمنذ 2 ساعات

  • صدى الالكترونية

أستاذ فسيولوجيا يكشف عن الأوقات المناسبة للتعرض لأشعة الشمس .. فيديو

قال أستاذ فسيولوجيا الجهد البدني، الدكتور محمد الأحمدي، إن منظمة الصحة العالمية أوضحت الأوقات المناسبة والمواضع التي يجب أن يتعرض فيها الإنسان لأشعة الشمس. وأضاف الأحمدي، خلال حديثه في برنامج صباح السعودية: 'إن الجزء العلوي من الجسد يجب أن يتعرض لأشعة الشمس من يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق.' وتابع: 'الشمس نعمة من نعم الله، وأولئك الذين يجعلون ليلهم نهارًا ونهارهم ليلًا يرتكبون خطأ كبيرًا بحق أنفسهم، فمعظم الأمراض المنتشرة في وقتنا الحالي من أهم أسبابها الابتعاد عن أشعة الشمس.' وواصل: 'فيتامين (د) مهم جدًا للحالة المزاجية والضغوط النفسية، بل إنه مرتبط بالعديد من أنواع السرطان، وداء السكري، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، ولذلك يُطلق عليه الفيتامين السحري.' وأكمل: 'أضرار أشعة الشمس تكمن في فترة منتصف الظهيرة، لذا يجب تجنب التعرض لها خلال هذه الفترة، إذ تشير الدراسات إلى أن 80% من أعراض الشيخوخة المبكرة للبشرة سببها أشعة الشمس.' وأكد الأحمدي أن التعرض للشمس يحسن من جودة النوم، مشيرًا إلى أنه يُسهم في ضبط الساعة البيولوجية. واختتم حديثه: 'رسالتي للذين يعانون من مشاكل في النوم: اضبط وقت نومك واستيقاظك مع غروب الشمس وشروقها. 06

أطعمة صحية تعيق فقدان الوزن
أطعمة صحية تعيق فقدان الوزن

رواتب السعودية

timeمنذ 4 ساعات

  • رواتب السعودية

أطعمة صحية تعيق فقدان الوزن

نشر في: 24 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي ‎يُعد الحفاظ على تقليل السعرات الحرارية العامل الأهم عند محاولة انقاص الوزن فعلى الرغم من أن بعض الأطعمة قد تبدو صحية، إلا أن بعضها قد يعرقل تقدمك بسبب سعراته الخفية أو تأثيره على الشهية. ‎وذكرت مدربة رياضية آرغا بيدي عبر إنستغرام قائمة بأطعمة شائعة قد تزيد من الجوع أو تحتوي على سعرات مخفية، مما يصعب عليك الالتزام بعجز السعرات الحرارية، وفقاً لموقع »إنديا تايمز«. ‎الغرانولا‎تحتوي على 200لـ300 سعر حراري في حصة صغيرة، وغالباً ما تكون محملة بالسكريات والزيوت، لكنها لا تمنح شعوراً بالشبع ‎ألواح البروتين‎تحتوي على 200لـ400 سعر حراري لكل لوح، وغالباً ما تحتوي على سكريات ومحليات صناعية، قد تسبب الانتفاخ والرغبة بتناول المزيد. ‎أطباق الآساي‎رغم أن الآساي منخفض السكر، إلا أن الإضافات مثل الموز والعسل والجرانولا تجعلها تصل إلى 600..900 سعر حراري بدون بروتين كافٍ. ‎زبدة المكسرات‎ملعقة واحدة قد تحتوي على 90لـ100 سعر حراري، ومع الإضافات مثل السكر والزيوت المهدرجة، ترتفع السعرات بشكل كبير. ‎عصائر الفواكه والخضروات‎تفتقر للألياف وتحتوي على سكريات سائلة ترفع الإنسولين بسرعة وتزيد الشعور بالجوع. ‎الزبادي المنكّه قليل الدسم‎يحتوي على سكر مضاف وقليل البروتين، مما يجعله أشبه بالحلوى بدلاً من وجبة خفيفة صحية. ‎الحلويات النباتية:‎رغم خلوها من المنتجات الحيوانية، تحتوي على سكريات طبيعية ترفع مستويات السكر والسعرات. ‎توست الأفوكادو:‎رغم احتوائه على دهون صحية، قد يصل إلى 300..500 سعر حراري بسبب الخبز والإضافات. ‎رقائق الخضار: ‎ ليست دائماً صحية، غالباً ما تكون مقلية ومصنوعة من نشويات مكررة مع نكهات صناعية، وقد تسبب احتباس الماء. الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط ‎يُعد الحفاظ على تقليل السعرات الحرارية العامل الأهم عند محاولة انقاص الوزن فعلى الرغم من أن بعض الأطعمة قد تبدو صحية، إلا أن بعضها قد يعرقل تقدمك بسبب سعراته الخفية أو تأثيره على الشهية. ‎وذكرت مدربة رياضية آرغا بيدي عبر إنستغرام قائمة بأطعمة شائعة قد تزيد من الجوع أو تحتوي على سعرات مخفية، مما يصعب عليك الالتزام بعجز السعرات الحرارية، وفقاً لموقع »إنديا تايمز«. ‎الغرانولا‎تحتوي على 200لـ300 سعر حراري في حصة صغيرة، وغالباً ما تكون محملة بالسكريات والزيوت، لكنها لا تمنح شعوراً بالشبع ‎ألواح البروتين‎تحتوي على 200لـ400 سعر حراري لكل لوح، وغالباً ما تحتوي على سكريات ومحليات صناعية، قد تسبب الانتفاخ والرغبة بتناول المزيد. ‎أطباق الآساي‎رغم أن الآساي منخفض السكر، إلا أن الإضافات مثل الموز والعسل والجرانولا تجعلها تصل إلى 600..900 سعر حراري بدون بروتين كافٍ. ‎زبدة المكسرات‎ملعقة واحدة قد تحتوي على 90لـ100 سعر حراري، ومع الإضافات مثل السكر والزيوت المهدرجة، ترتفع السعرات بشكل كبير. ‎عصائر الفواكه والخضروات‎تفتقر للألياف وتحتوي على سكريات سائلة ترفع الإنسولين بسرعة وتزيد الشعور بالجوع. ‎الزبادي المنكّه قليل الدسم‎يحتوي على سكر مضاف وقليل البروتين، مما يجعله أشبه بالحلوى بدلاً من وجبة خفيفة صحية. ‎الحلويات النباتية:‎رغم خلوها من المنتجات الحيوانية، تحتوي على سكريات طبيعية ترفع مستويات السكر والسعرات. ‎توست الأفوكادو:‎رغم احتوائه على دهون صحية، قد يصل إلى 300..500 سعر حراري بسبب الخبز والإضافات. ‎رقائق الخضار: ‎ ليست دائماً صحية، غالباً ما تكون مقلية ومصنوعة من نشويات مكررة مع نكهات صناعية، وقد تسبب احتباس الماء. المصدر: صدى

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store