
أخبار العالم : رأي.. سلمان الأنصاري يكتب: لبنان ولعنة التدخل في شؤون الآخرين
يمر لبنان في الوقت الراهن بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي، أشبه بمخاض عسير يعيد تشكيل ملامح الدولة وموازين القوى فيها. ورغم تعدد التحديات وتعقيد المشهد الداخلي، إلا أن هناك حالة من التفاؤل النسبي بشأن إمكانية استعادة السيادة اللبنانية الكاملة، بعد سنوات من الارتهان لميليشيا تابعة للمشروع الإيراني.
هذه الميليشيا، المتمثلة في "حزب الله"، لم تكتفِ بشلّ عمل المؤسسات الدستورية وتعطيل تشكيل الحكومات، بل ورّطت الدولة اللبنانية في صراعات إقليمية من خلال تدخلات عسكرية مباشرة في سوريا والعراق واليمن، في انتهاك صريح لمبدأ "النأي بالنفس" الذي أقرّه اللبنانيون أنفسهم.
لقد أدى هذا الارتهان إلى نتائج كارثية على مختلف الأصعدة. أصبح لبنان يُستخدم كمنصة للابتزاز الإقليمي، مما زاد من عزلته الدولية والعربية، وتراجع ثقة المستثمرين فيه، وتدهور اقتصاده بصورة غير مسبوقة. ووفقًا للبنك الدولي، فإن الانهيار الاقتصادي في لبنان يُعدّ من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 58% منذ عام 2019. أما معدل الفقر، فقد بلغ نحو 44% من السكان بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024، أي أن واحدًا من كل ثلاثة لبنانيين يعيش اليوم تحت خط الفقر، في ظل تدهور العملة المحلية، وتآكل القوة الشرائية، وغياب شبكات الأمان الاجتماعي.
أما معدل البطالة، فقد بلغ 29.6% وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2023، بينما تجاوزت بطالة الشباب 47%، وهو من أعلى المعدلات في العالم العربي، ما يعكس حجم التحدي أمام أي إصلاح اقتصادي جاد.
صحيح أن "حزب الله" يمر بأضعف مراحله منذ تأسيسه، نتيجة ضغوط داخلية وخارجية وتراجع في تمويله، إلا أنه لا يزال يحاول إعادة ترتيب أوراقه من خلال اتباع سياسة "خفض الرأس"، بانتظار مرور العاصفة.
ومن الخطأ الاعتقاد بأنه سيتخلى طوعًا عن مفاتيح النفوذ؛ بل على العكس، سيسعى بكل وسائله للحفاظ على سيطرته على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي، مستغلاً هشاشة الدولة والفراغ المؤسساتي المستمر.
التحدي الأكبر أمام الحكومة اللبنانية هو حسم مسألة السلاح غير الشرعي. فطالما بقيت الميليشيات تحتفظ بسلاحها خارج إطار الدولة، فلن تكتمل السيادة ولن تقوم نهضة حقيقية. فالدولة لا يمكن أن تنهض على أرض غير متساوية، فيها فريق يحتكر السلاح ويستخدمه كورقة ضغط داخلية وخارجية. وأي محاولة لتأجيل هذا الملف ستكون بمثابة تكريس لواقع الدولة المعطّلة والمنقوصة السيادة، حتى وإن توقف حزب الله مؤقتًا عن مغامراته العسكرية الخارجية.
من جهة أخرى، بدأت إيران، الداعم الأساسي لحزب الله، تدرك فشل استراتيجيتها الميليشياوية. فقد أنفقت، بحسب تقارير متعددة من الكونغرس الأمريكي ومراكز بحثية دولية، ما يتراوح بين 50 إلى 80 مليار دولار على تمويل الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن خلال العقود الأربعة الماضية. غير أن هذه الاستثمارات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، بل تسببت في إنهاك الاقتصاد الإيراني وزيادة عزلة طهران على الساحة الدولية. في المقابل، أصبح "حزب الله" يبحث عن مصادر تمويل بديلة لتعويض الانكماش الإيراني، من خلال نشاطات إجرامية مثل تهريب المخدرات وغسيل الأموال عبر شبكات تمتد من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وأوروبا، وهو ما أكدته تقارير الخزانة الأمريكية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC).
التحدي الثاني أمام الحكومة اللبنانية يتمثل في كيفية التعامل مع "سوريا الجديدة"، التي بدأت تتعافى تدريجيًا من أزمتها رغم استمرار التعقيدات السياسية والأمنية. التدخلات السابقة لبعض القوى اللبنانية في الشأن السوري، من دعمٍ وتمويلٍ وتحريضٍ، أسهمت في توتير العلاقة بين البلدين، وتحديدًا بين مكونات الشعب السوري والحكومة اللبنانية. إن أي تجاهل لهذه الملفات، أو عدم معالجتها بمسؤولية قانونية وسياسية، قد يؤدي إلى تداعيات وخيمة على استقرار لبنان نفسه، خصوصًا في ظل واقع ديموغرافي معقد ووجود أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري على أراضيه.
إن ما حصل مع سوريا ليس استثناء، بل هو انعكاس لتراكمات طويلة جعلت من لبنان وكأنه مصاب بـ"لعنة التدخل في شؤون الآخرين"، حيث كثيرًا ما تحوّل من دولة منكوبة إلى طرف في أزمات غيره، ومن ضمنها ما حدث في السويداء. هذا التدخل لم يأتِ من موقع قوة، بل من موقع الضعف والارتهان، مما أضاع البوصلة السياسية وأدى إلى نتائج عكسية، إذ ارتدت تلك السياسات على الداخل اللبناني بمزيد من العزلة والانهيار.
خلاصة القول، إن لبنان يقف اليوم على مفترق طرق حاسم. فإما أن يعيد بناء دولته على أسس من السيادة الحقيقية، والمواطنة المتساوية، والقرار المستقل، أو أن يبقى أسيرًا لحزبٍ يتعامل مع الوطن كقاعدة انطلاق لمشروع خارجي لا يخدم إلا المصالح الإقليمية للنظام الإيراني. المطلوب ليس فقط حكومة فاعلة، بل إرادة وطنية جامعة تفرض هيبة الدولة وتستعيد الثقة الداخلية والخارجية، وتفتح صفحة جديدة في تاريخ لبنان، بعيدًا عن ثنائية السلاح والسيادة المنقوصة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 33 دقائق
- الدستور
محلل اقتصادي: ارتفاع كبير فى أسعار الذهب بعد اجتماع الفيدرالي سبتمبر المقبل
قال مهند ياقوت المحلل الاقتصادي، إن خفض معدلات الفائدة في اجتماع الفيدرالي الأمريكي المرتقب في سبتمبر سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع أسعار الذهب، مشيرًا إلى أن الأسواق تنتظر أمرين تقرير التضخم المقبل، وبيانات البطالة القادمة، إذ من المتوقع صدور تقريرين، مؤشر التضخم وتقرير الوظائف، قبل اجتماع الفيدرالي، مؤكدًا أنه إذا استمرت مؤشرات الضعف، فسيكون الفيدرالي مضطرًا إلى خفض الفائدة، وهو ما سيعزز أسعار الذهب. وأضاف ياقوت، خلال تصريحاته لبرنامج 'المراقب'، والمذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن العائد الحقيقي على الدولار، وهو معدل الفائدة مطروحًا منه التضخم، لا يزال إيجابيًا، حيث إن معدل الفائدة الحالي 4.25%، مقابل معدل تضخم عند 2.7% وفقًا لآخر التقارير، مشيرًا إلى أن التضخم قد يرتفع مجددًا، وإذا تزامن ذلك مع سوق عمل ضعيف، فإن الفيدرالي سيكون مجبرًا على خفض الفائدة، وهو ما سيضغط على معدل العائد الحقيقي على الدولار، ويعد أفضل سيناريو لأسعار الذهب، التي قد تصل إلى 3500 دولار. تأثير ضعف الدولار وعوائد سندات الخزانة على الذهب وعن تأثير ضعف الدولار وعوائد سندات الخزانة على الذهب في المدى القصير، أوضح أن الذهب يسعر بالدولار، وهناك اعتقاد شائع بأن الذهب يتحرك عكس الدولار، لكن العلاقة غير متكاملة، إذ أحيانًا يتحركان في الاتجاه ذاته، خصوصًا في غياب طلب مرتفع على الذهب نتيجة توترات جيوسياسية أو مخاوف اقتصادية، مشيرًا إلى في هذه الحالة، يكون لتحركات الدولار الأمريكي وعوائد السندات تأثير مباشر وواضح على الذهب، سواء في المدى القصير أو الطويل.


فيتو
منذ 38 دقائق
- فيتو
رئيس الوزراء اللبناني: تأجيل البت في حصر السلاح بيد الدولة حتى الخميس المقبل
قال رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، اليوم الثلاثاء: ملتزمون بأمن البلاد والدفاع عن الحدود ونسعى إلى بسط سيادة الدولة على كل أراضينا. رئيس الوزراء اللبناني: تأجيل البت في حصر السلاح بيد الدولة حتى الخميس المقبل وأضاف رئيس الحكومة اللبنانية اليوم الثلاثاء: لدينا حق الدفاع عن النفس حال وقوع أي اعتداء علينا وتكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح في يد الدولة قبل نهاية العام الحالي. وتابع: تأجيل البت في حصر السلاح بيد الدولة حتى الخميس المقبل واستكمال النقاش في الورقة التي تقدم بها الجانب الأمريكي الخميس المقبل. وعقدت الحكومة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، جلسة بالقصر الرئاسي في بعبدا، لبحث مسألة حصر السلاح بيد الدولة، على وقع ضغوط تقودها واشنطن لتحديد جدول زمني لنزع سلاح حزب الله، في وقت حلّقت مسيّرات إسرائيلية فوق عدد من المناطق جنوب البلاد. جلسة للحكومة اللبنانية لبحث مسألة نزع سلاح حزب الله وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن رئيس الجمهورية جوزيف عون ترأس الاجتماع وعلى جدول أعماله "استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا"، إضافة إلى "البحث في الترتيبات الخاصة بوقف" إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين حزب الله وإسرائيل في 27 نوفمبرالماضي. وتكثفت الاتصالات خلال الأيام الماضية للتوصل إلى صيغة تُوافق عليها القوى السياسية كافة لكيفية مقاربة موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وقبيل اجتماع اليوم التقى عون رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام. ويشكل نزع سلاح حزب الله -وهو الفصيل الوحيد الذي احتفظ بترسانته العسكرية بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)- قضية شائكة في لبنان. ونقلت وكالة الصحافة اللبنانية عن مصدر لبناني -دون الكشف عن هويته- مطلّع على مضمون المباحثات الجارية بشأن هذا الموضوع قوله "تضغط واشنطن على لبنان ليسلّم حزب الله سلاحه ضمن جدول زمني". ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
بقيمة 114 مليون دولار.. مصر تتصدر المركز الثاني عالميًا في تصدير مشتقات صناعة السكر في 2024
تصدرت مصر المركز الثاني عالميًا في تصدير تفل قصب السكر، ومشتقات صناعة السكر (Beet-pulp, bagasse) لعام 2024، بحصة سوقية بلغت 18% من إجمالي الصادرات العالمية، وبقيمة صادرات 114 مليون دولار، بكمية 642 ألف طن، لتحتل المركز الثاني عالميًا خلال عام 2024. ووفق بيان المجلس التصديري للصناعات الغذائية، حققت مصر معدلات نمو متميزة، حيث حققت معدل نمو سنوي في القيمة من عام 2020 إلى عام 2024 بنسبة 6%، كما حققت معدلات نمو سنوي في الكمية من عام 2020 الى عام 2024 بنسبة 5%.وأشار بيان المجلس إلى أن أكبر 5 أسواق استوردت هذا البند الجمركي من مصر في 2024، هم إسبانيا في المركز الأول بقيمة 25 مليون دولار بنسبة نمو 22%.وفي المركز الثاني الدنمارك بقيمة 15 مليون دولار، بنسبة نمو بلغت 13%، وفي المركز الثالث كوريا الجنوبية استوردت بقيمة 14.4 مليون دولار بنسبة نمو 13%.وجاء في المركز الرابع السعودية بقيمة 13.6 مليون دولار، بنسبة نمو بلغت 12%، واليابان في المركز الخامس استوردت بقيمة 8 مليون دولار بنسبة نمو 7%.وأشار البيان إلى أن هذه الدول الخمس تمثل 67% من إجمالي صادرات مصر من هذا المنتج في 2024، مما يعكس ثقة هذه الأسواق بجودة المنتج المصري.وتابع البيان أن استمرار هذا النمو يعكس تنافسية مصر عالميًا في قطاع المخلفات الزراعية، ويعزز فرصها في التوسع بأسواق جديدة.اقرأ أيضًا:أين تضع أموالك في البورصة؟.. هذه أبرز القطاعات التي يوصي بها الخبراءشرطان.. "المستوردين" تحدد: متى تتأثر الأسعار بانخفاض الدولار؟6 نصائح من شات جي بي تي لحماية بياناتك خلال استخدام الذكاء الاصطناعي