
«طائرات طائرات طائرات»
كان الليل لطيفاً في بيروت. والمقاهي ساهرة كالقناديل قبالة البحر. ومن عادة هذه المدينة أن تغطي جروحَها وخيباتها. وأن تتحدّى موتها والركام. وأن تقنع الزائر أن عرساً يأتي على رغم مقتل كثير من المدعوين. وكنا نقلّب ويلات الخرائط ونحصي الخسائرَ والأرباح. ونحاول إبعاد كأس اليأس عن أيامنا. لكن طنيناً متواصلاً سكب سمّاً في مائدة النسيان.
في الأجواء قاتل جوال. لا ينعس ولا ينام. يحصي الأنفاس ويلتقط الصور. يفتّش عن فريسته ويحاصرها ثم يصدر قرار الإعدام. قاتل جوال. يسهر فوق حقول القتل في غزة ولا ينسى الضفة. وينتهك شرايين لبنان ولا يغيب عن سوريا. يصطاد خيمةً في القطاع. وسيارةً في جنوب لبنان. لا غزة تستطيع طرده ولا بيروت ولا دمشق. وحين تسنح فرصةٌ لوليمة قتل كبرى تستعين المسيرات بالطائرات الحربية المتطورة وتكون الجنازات. الذكاء الاصطناعي كائنٌ مذهل. يضاعف قدرة الطائرات على القتل والسباحة في دم الخرائط. والطائرات كالميليشيات لا تحترم القوانين الدولية وعلامات الحدود.
استوقفني خبران في صحيفتنا. يقول الأول إنَّ قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني نقل إلى فصائل عراقية رسالة واضحة من القيادة الإيرانية. طالبت الرسالة الفصائلَ المعنية «بتجنّب جميع أشكال الاستفزاز للأميركيين والإسرائيليين» لتفادي العواقب. وينقل الثاني عن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قوله إنَّ «العراق ليس جزءاً من محور المقاومة ولا يقبل بوحدة الساحات. نؤمن بالساحة العراقية فقط».
استوقفني أيضاً إعلانُ وزارة الصحة الفلسطينية أنَّ عدد الضحايا في غزة منذ انطلاق «طوفان الأقصى» بلغ خمسين ألف قتيل.
قال الجنرال المتقاعد إنَّه يخشى أن تكون الطائرات الإسرائيلية كسرت «التوازن» السابق في المنطقة على نحو أكبر وأخطر مما فعلته في حرب 1967. لاحظ أنَّ طائرات نتنياهو أجهزت وبصورة شبه كاملة على ما تبقَّى من ترسانة جيش بشار الأسد. دمَّرت أسلحة ومنشآت وكأنَّها تريد التأكد من عدم قيام أي قوة معادية لها في السنوات المقبلة. ولم يكن أمام النظام السوري الحالي أيُّ خيار غير التفرج على الطائرات تستهدف المطارات والمنشآت والثكن.
ولعلَّ الطائرات أرادت إيصال رسالة مفادها بأن لا استقرار لحكم الرئيس أحمد الشرع في سوريا ما لم يغادر تماماً قاموس التفكير في مواجهة إسرائيل ذات يوم، وأن عليه أن يسلم بخروج سوريا من النزاع العربي - الإسرائيلي على رغم بقاء مرتفعات الجولان محتلة. تخطت إسرائيل ذلك إلى المطالبة بمنطقة آمنة لها في عمق الأراضي السورية ولوّحت بلعب ورقة مخاوف المكونات.
الطائرات نفسها كانت قلبت المشهد في سوريا. لم يخطر ببال أحد حين كانت الطائرات الإسرائيلية تطارد مواقع أو مخابئ جنرالات «الحرس الثوري» في سوريا أن «الحرس» سيسارع إلى مغادرة سوريا. ولم يكن متوقعاً أن تتسبب الطائرات في فرار الرئيس بشار الأسد وإطلالة الشرع على سوريا من القصر الذي كان يجلس فيه الأسد الأب وبعده الأسد الابن.
نفذت الطائرات انقلاباً كاملاً في المشهد السوري. خسر «محور الممانعة» الحلقة السورية وهي كانت الجسر الرئيسي الذي أوصل أحلام الجنرال قاسم سليماني إلى شاطئ المتوسط.
عاقبتِ الطائرات بقسوة مفرطة «حزب الله» اللبناني على إطلاقه «جبهة الإسناد» التي أعلنها غداة انطلاق طوفان يحيى السنوار. خسر الحزب آلاف المقاتلين وخسر الزعيم الألمع في تاريخه حسن نصر الله. انقلاب واضح. غابت ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» عن بيان حكومة الرئيس نواف سلام وكان بيان القسم للرئيس جوزيف عون واضحاً في الحديث عن حصرية السلاح. وعلى رغم وقف النار واصلت إسرائيل عمليات القتل. هيمنتها الجوية لا تتعرّض لأي تهديد. واضح أن «حزب الله» لا يستطيع العودة إلى الحرب في ظل ميزان القوى الجديد الذي أظهر التغيير في سوريا حجم ما أصابه من اختلال.
غيّرت الطائرات الحسابات. كانت بعض الفصائل العراقية تشتهي مشاغلة إسرائيل ولو من بعيد على غرار الحوثيين. هددت إسرائيل بإرسال طائراتها باتجاه بغداد. لا تستطيع طهران منع الطائرات الإسرائيلية من استهداف حلفائها في العراق. إيران نفسها لم تستطع مواصلة عملية تبادل الضربات مع إسرائيل وملف منشآتها النووية مفتوح على الطاولة الأميركية - الإسرائيلية. مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط كرَّر البارحة: «لا يمكن السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية ولن يحدث ذلك».
تستبيح الطائرات الإسرائيلية خرائط عدة. تقتل وتدمر وتفرض شروطاً. للاحتماء منها لا بد من طرق باب الوسيط الأميركي. ولإقناعه لا بد من تقديم ثمن باهظ يبدأ بالخروج من «محور المقاومة». والصورة قاسية وواضحة. لا استقرار في سوريا إلا إذا خرجت من النزاع. لا إعمار في لبنان إلا إذا سلم سلاح «حزب الله» بالتقاعد. لا وقف للغارات على اليمن إلا إذا توقف الحوثيون عن استهداف الملاحة في البحر الأحمر وإسرائيل. لا تساهل مع إيران إلا إذا تنازلت عن حلم القنبلة وسياسة تحريك الأذرع. إسرائيل عدوانية بطبيعتها ونهجها. لكن هل كان يحق لنا دفع خرائطنا إلى مواجهات تدميها متناسين الهوة التكنولوجية والدعم الأميركي الصارم لإسرائيل؟
ذكرتني قصة الطائرات بتلك الأيام التي كان فيها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وهو الصوت العابر للحقب، يراقب من شقته الطائرات الإسرائيلية تنهال على بيروت التي طوقتها قوات الجنرال آرييل شارون. تذكرت أيضاً قصيدته «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق» التي يكرّر فيها عبارة «طائرات طائرات طائرات»، ولم أجد أفضل من استعارة العبارة عنواناً للمقال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 31 دقائق
- Independent عربية
تعدد نقاط الخلاف يعوق تقدم المحادثات حول النووي الإيراني
عقدت إيران والولايات المتحدة أمس الجمعة في روما جولة خامسة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وغادر وفدا البلدين من دون إحراز تقدم ملحوظ، لكنهما أبديا استعدادهما لإجراء محادثات جديدة. في ما يلي عرض من وكالة الصحافة الفرنسية لنقاط الخلاف المستمرة حول الملف النووي الإيراني على رغم وساطة سلطنة عمان. مشكلة التخصيب يشكل تخصيب اليورانيوم موضوع الخلاف الرئيس، إذ تشتبه الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، العدو اللدود لإيران والتي يرى الخبراء أنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط، في نية طهران امتلاك سلاح نووي، لكن طهران تنفي أية طموحات نووية عسكرية. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران تخصب اليورانيوم راهناً بنسبة 60 في المئة، متجاوزة إلى حد بعيد سقف الـ3.67 في المئة الذي نص عليه اتفاق عام 2015 النووي مع القوى الغربية الكبرى الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018. ورداً على الخطوة الأميركية، أعلنت ايران أنها غير ملزمة بعد ذلك مضمون الاتفاق. ويعتبر الخبراء أنه ابتداءً من نسبة 20 في المئة، قد تكون لليورانيوم المخصب استخدامات عسكرية، علماً أن التخصيب ينبغي أن يكون بنسبة 90 في المئة للتمكن من صنع قنبلة. وصرح الموفد الأميركي إلى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف الذي يترأس وفد بلاده في المحادثات مع طهران الأحد الماضي، بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح لإيران بأن تملك ولو واحداً في المئة من القدرة على التخصيب، وتؤكد إيران أن قضية التخصيب "خط أحمر" بالنسبة إليها. صراع الخطوط الحمراء وقال الباحث في مركز السياسة الدولية في واشنطن سينا توسي إن محادثات أمس أبرزت "صراع الخطوط الحمراء التي يبدو أنه لا يمكن تحقيق تقارب في شأنها". وتصر طهران على حصر المفاوضات بالمسألة النووية ورفع العقوبات عنها، جاعلة من ذلك مبدأ غير قابل للتفاوض. وعام 2018 اعتُبر الانسحاب الأميركي من الاتفاق الدولي حول الملف النووي مدفوعاً بصورة جزئية بعدم وجود إجراءات ضد برنامج إيران الباليستي الذي ينظر إليه على أنه تهديد لإسرائيل، حليفة واشنطن. وفي الـ27 من أبريل (نيسان) الماضي، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة إلى بلوغ اتفاق يحرم في الوقت نفسه إيران من أية قدرة على تخصيب اليورانيوم وتطوير صواريخ. واستبق محللون الأمر بالقول إن هذا الموضوع مطروح على جدول أعمال المحادثات، وكذلك دعم إيران لما يسمى "محور المقاومة" الذي يضم تنظيمات مسلحة معادية لإسرائيل أبرزها "حزب الله" في لبنان وحركة "حماس" الفلسطينية في غزة والمتمردون الحوثيون في اليمن. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) مواقف متناقضة ولا تخفي إيران استياءها من مطالب "غير عقلانية" من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن شكواها من مواقف متناقضة لدى المسؤولين الأميركيين. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الشهر الماضي، "إذا واصلنا (سماع) مواقف متناقضة، فذلك سيطرح مشكلات" بالنسبة إلى المفاوضات. وتندد إيران بموقف واشنطن "العدائي" بعدما فرضت عقوبات جديدة عليها قبل عدد من جولات التفاوض. وفي هذا السياق، استهدفت الخارجية الأميركية الأربعاء الماضي قطاع البناء بحجة أن بعض المواد تستخدمها إيران في برامجها النووية والعسكرية والباليستية. ورأت الخارجية الإيرانية أن "هذه العقوبات تثير تساؤلات حول مدى جدية الأميركيين على الصعيد الدبلوماسي". ومع نهاية أبريل الماضي وقبل الجولة الثالثة من المفاوضات، فرضت واشنطن أيضاً عقوبات على قطاعي النفط والغاز في إيران. التهديد بقصف المنشآت وفي موازاة دعوته القادة الإيرانيين بإلحاح إلى التوصل لاتفاق، يتوعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقصف إيران إذا فشل المسار الدبلوماسي. وحذر رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري أمس من أن "أي توغل للولايات المتحدة في المنطقة سيؤول (بها) إلى مصير مماثل لما واجهته في فيتنام وأفغانستان". ونقلت شبكة "سي أن أن" الثلاثاء الماضي عن عدد من المسؤولين الأميركيين أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية، وحذرت طهران من أنها ستحمّل واشنطن مسؤولية أي هجوم اسرائيلي. وذكر موقع "أكسيوس" الأميركي أن ستيف ويتكوف أجرى مشاورات مع مسؤولين إسرائيليين أمس سبقت الجولة التفاوضية الخامسة. وكتبت صحيفة "كيهان" الإيرانية المحافظة المتشددة اليوم السبت أن "التنسيق بين ترمب ونتنياهو يفضي إلى مأزق في المفاوضات".


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
اتفاقات «الثنائي الشيعي» تلغي التنافس في 40 % من بلدات جنوب لبنان
حيّدت اتفاقات ثنائي «حركة أمل - حزب الله» (الثنائي الشيعي)، 40 في المائة من قرى وبلدات جنوب لبنان عن المعارك الانتخابية التي فرضت الحرب الأخيرة والاستهدافات الإسرائيلية إيقاعها على المنافسة في آخر جولات الانتخابات البلدية والاختيارية التي أقيمت السبت في محافظتي الجنوب والنبطية، وشوّش فيها المستقلون على جهود بُذلت لتعميم التزكيات في المحافظتين. وغابت المعارك والمنافسات في غالبية القرى الحدودية، خصوصاً المدمرة، التي تم تخصيص مراكز لاقتراع سكانها في مدينتي صور والنبطية. وفيما اختار مستقلون التنافس وفق أولويات إنمائية، وأخرى متصلة بملفات العودة إلى القرى وفرض الأمن وإعادة الإعمار، مَنَحَ ثنائي «أمل - حزب الله» الانتخابات عنواناً سياسياً، لا ينفصل عن المعركة الأخيرة مع إسرائيل، وتداعياتها المستمرة لجهة الاستهدافات الإسرائيلية المتواصلة للمنطقة. وقال النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، إن «هذا المشهد من الحضور الكثيف للجنوبيين في الانتخابات البلدية والاختيارية تعبير واضح عن تمسكهم بالأرض وعن إرادتهم القوية بكسر كل المشروع الذي حاول العدو الإسرائيلي رسمه للمنطقة من قتل الحياة فيها وعدم عودة الحياة للأرض». وشدد في تصريح على أن «الرد الشعبي على مخططات العدو كان عبر تزكية عدد كبير من البلديات في قرى الجنوب»، مشيراً إلى «أن هذا اليوم هو تأكيد على هذا الانتصار المعنوي للجنوبيين بعودتهم إلى أرضهم وعدم رضوخهم للتهديدات والاعتداءات اليومية التي يمارسها العدو، وتحديداً في قرى الحافة الأمامية». امرأة تحمل صورة زوجها الذي قتل في المعركة الأخيرة خلال اقتراعها في النبطية بجنوب لبنان (إ.ب.أ) وفي السياق نفسه، قال عضو هيئة الرئاسة في حركة «أمل»، النائب قبلان قبلان، في تصريح، إن «أهل الجنوب يتحدّون العدو بعد القصف بساعات والركام لم يرفع بعدُ، ويقولون له تستطيع أن تقصف وتقتل لكن لا تستطيع كسر إرادتنا»، مضيفاً أن «إرادة الشعب الجنوبي أقوى من سلاح العدو الإسرائيلي واعتداءاته». عضو هيئة الرئاسة في #حركة_أمل النائب الدكتور #قبلان_قبلان من مقر الماكينة الانتخابية المركزية لحركة أمل في #المصيلح - #جنوب_لبنان في مواكبة للانتخابات البلدية والإختيارية:«بعد القصف بساعات والركام لم يُرفع، أهل #الجنوب عم يقولوا للعدو بتقدر تقصف وتقتل لكن لن تستطيع كسر... — Kabalan kabalan (@kabalan_kabalan) May 24, 2025 وعلى ضفة «حزب الله»، قال النائب علي فياض، خلال جولة على مراكز الاقتراع البلدي في المنطقة الحدودية بمنطقة النبطية: «يُريد الإسرائيلي الجنوب، وخصوصاً المنطقة الحدودية، منطقة موت وفراغ اجتماعي وشلل اقتصادي»، مستطرداً: «لكن مجتمعنا يُصِّر على أن يُعيدها منطقة حياة وحضور اجتماعي وإعادة بناء اقتصادي». وتابع فياض: «لدينا ثقة مطلقة بخيارات مجتمعنا الجنوبي الذي أراد أن يعطي لصوته البلدي والاختياري بعداً مقاوماً، وأن يُضَمِّن خياره الإنمائي رسالة ثبات وصمود في وجه العدو الإسرائيلي وكل المتواطئين معه أو الراضخين لإملاءاته وإملاءات حلفائه، وأنه رغم كل الضغوطات التي يتعرض لها عسكرياً ومالياً وتهجيرياً، فإنه ماضٍ في تمسّكهِ بالمقاومة بوصفها خياراً سيادياً، وبالثنائي الوطني خياراً سياسياً». واستطاعت التوافقات أن تحيّد نحو 40 في المائة من قرى الجنوب، عن المنافسة الانتخابية. وأعلنت وزارة الداخلية والبلديات عن فوز 109 بلديات بالتزكية في محافظتي الجنوب والنبطية من أصل 272، فيما قالت الماكينات الانتخابية لـ«أمل» و«حزب الله» إن 89 بلدية (من أصل الـ109) تمت التزكية فيها بناء على توافقات الثنائي. وتوزعت البلديات الفائزة بالتزكية في الأقضية على الشكل التالي: في النبطية فازت 11 بلدية بالتزكية، وفي صور وصل عدد البلديات الفائزة إلى 39، وسجل فوز 11 بلدية في مرجعيون، و3 بلديات بالتزكية في حاصبيا، في حين سجل قضاء بنت جبيل فوز 15 بلدية بالتزكية منها مدينة بنت جبيل. أما في صيدا الزهراني فقد فازت 16 بلدية بالتزكية في حين فازت 14 بلدية بالتزكية في قضاء جزين. وحالت ترشيحات المستقلين والشخصيات اليسارية، دون التوصل إلى تزكيات في عدد من القرى، بالنظر إلى أن المعايير العائلية والسياسية المحلية تفرض إيقاعها في الانتخابات البلدية. ففي قضاء النبطية، بقي التنافس قائماً في 29 بلدية من أصل 40، أبرزها في مدينة النبطية التي شهدت منافسة بين «لائحة التنمية والوفاء» المدعومة من «الثنائي الشيعي» وعائلات، المؤلفة من 21 مرشحاً، و«لائحة النبطية تستحق» المؤلفة من 12 مرشحاً فقط، المدعومة من يساريين ومستقلين وبعض العائلات. كذلك شهدت بلدات مثل كفررمان والدوير وأنصار ودير الزهراني منازلات انتخابية حامية بطابع سياسي تنافسي، من دون استبعاد الاعتبارات المحلية عن المنافسة. مناصرة لـ«حزب الله» ترفع أصبعها بعد اقتراعها في الانتخابات البلدية والاختيارية بجنوب لبنان (أ.ب) في قضاء صور تركزت أبرز المعارك في مدينة صور، وهي أبرز معاقل «حركة أمل»، حيث لم تثمر المساعي بالوصول إلى التزكية، فشهدت المدينة منافسة بين لائحة مكتملة مدعومة من «الثنائي» ولائحة أخرى غير مكتملة مدعومة من ناشطين في منظمات المجتمع المدني. أما في قرى القضاء، فتركزت المعارك في القرى الكبرى تقريباً مثل معركة، بينما حسمت التزكية في معظم القرى الصغيرة. ويقول الجنوبيون إن المنافسات هنا تتخذ طابعاً محلياً إنمائياً مع بعض الاعتبارات السياسية في البلدات التي يوجد فيها المستقلون وبعض قوى اليسار، حيث أظهرت المنافسات تغيراً في المشهد الانتخابي في القضاء مع بروز لوائح مستقلة رفضت التزكيات. وكما في صور والنبطية، كذلك في أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا (التي تضم بلدات حدودية مع إسرائيل)، حيث فرضت التزكية نفسها على عدد لا بأس به من البلديات سواء من خلال توافق وتحالف الثنائي الشيعي أو من خارجه. وفي مقابل هذه التزكيات والتوافقات شهدت بلدات وقرى أخرى في هذه الأقضية معارك انتخابية فرضتها المنافسات والاعتبارات العائلية من دون إغفال العوامل الحزبية والسياسية، لا سيما في حولا وعيترون وغيرها.


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
"بركان الفرات" انفجار مسلح في وجه الروس بسوريا
في تحد غير مسبوق للقوات الروسية العاملة في سوريا تبنى فصيل مسلح أطلق على نفسه "بركان الفرات" عملية الهجوم على قاعدة حميميم الروسية الواقعة في ريف اللاذقية غرب البلاد، ونتج منه مقتل جنديين روسيين وإصابة آخرين، أثناء المعركة، وسقط ثلاثة من المهاجمين من أصل أربعة بعد تغطية نارية قبل انسحابه وسط استخدام قذائف ومحاولة انتحارية لتفجير إحدى بوابات القاعدة الجوية. وسارعت الحكومة السورية إلى نفي أي صلة تربطها بالهجوم وسط أنباء متضاربة عن الجهة التي أقدمت على الهجوم على قاعدة حميميم الواقعة جنوب شرقي اللاذقية، كبرى القواعد العسكرية في سوريا والمطلة على البحر المتوسط، وشكلت مركز عمليات منذ الحضور الروسي في الصراع السوري المسلح عام 2015 وخرجت منها الطائرات التي قصفت المدن والقرى التي خرجت عن سيطرة نظام بشار الأسد. وحسم فصيل "بركان الفرات" المسلح الجدل بإقدامه على ضرب القاعدة، وأكد ذلك بيان صحافي متداول حمل اسمه، وتبنيه العملية قبل أيام. وحمل البيان في الوقت ذاته لهجة تهديد للقوات الروسية وأمهلها شهراً واحداً للخروج من البلاد قبل البدء في عمليات استهداف مباشرة. وقال البيان "الخروج من أرضنا، وإلا سنرسلكم إلى روسيا جثثاً هامدة من دون رؤوس"، مرفقاً اسم اثنين من المقاتلين اللذين سقطا هما جهاد المصري وأبو بكر الأنصاري. إفشال التفاهمات الدولية في غضون ذلك يسود التوتر أجواء القاعدة الجوية الروسية بعد الاستهداف الأخير، فعلى رغم الهجمات المتفرقة التي تعرضت لها القاعدة بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 فإنه الأخطر والأعنف، لا سيما أنها تأوي عائلات سورية من أبناء الطائفة العلوية قدمت بأعقاب أحداث الساحل في السادس من مارس (آذار) الماضي بعد هجمات من قبل فلول النظام السابق على دوريات للأمن العام في جبلة بريف اللاذقية أدت إلى إشعال فتنة وارتكاب انتهاكات فردية. ومن موسكو، تحدث مدير مركز "جي أس أم" للأبحاث، الدكتور آصف ملحم، عن أن الغاية من هذا الهجوم إيصال رسالة إلى الكرملين بأن قواعده في سوريا مهددة، محذراً من استخدام ورقة الجماعات المسلحة المتطرفة دوماً حتى وإن كانت ربحت في إسقاط الأسد. وأضاف "منفذو الهجوم هم مجموعة من مقاتلين أجانب تحمل جنسية (الأوزبك)، ونعلم جيداً أن أعداداً كبيرة من المقاتلين وصلوا من جمهوريات آسيا الوسطى وتحديداً من ثلاث جمهوريات (طاجيكستان، أوزبكستان، كازخستان)، إضافة إلى مقاتلين قادمين من (الشيشان وداغستان) والشيشانيون والداغستانيون يحملون الجنسية الروسية وجميعهم عملياً محكومون من بلدانهم بتهم إرهاب، وغالب الظن أن الأحكام عليهم تتفاوت إما بالسجن المؤبد أو الإعدام، وخلال فترة انتشار 'داعش' في جمهوريات آسيا الوسطى حرم المقاتلون أن تنطق كلمة سوريا في الشارع". في الأثناء، يرى مراقبون أن مثل هذا التصرف والانفلات من شأنه أن يطيح كثيراً من التفاهمات الدولية في حال تكراره، بخاصة أن حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع تعمل على إجراء مفاوضات مع روسيا ودول غربية، وأثمرت الجهود العربية، خصوصاً السعودية، عن وعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. وكان "بركان الفرات" أحد الفصائل المسلحة غير المنضبطة، أعلن قبل شهر عبر بيان له في الـ18 من أبريل (نيسان) الماضي عن تحذيره الحكومة الجديدة من مغبة احتجاز الأمن العام شخصية تسمى (أبو خولة) وأعطى مهلة 24 ساعة للإفراج عنه. الفصائل والبحر في المقابل يرى الباحث في شؤون السياسة السورية، محمد الهويدي، أن هذا الفصيل غير منضبط وأغلبه من أبناء دير الزور، مضيفاً "من وجهة نظري أن الفصيل وكثيراً من الفصائل غير المنضوية تحت جناح وزارة الدفاع، وتعمل بعقلية الميليشيات ستكون عبئاً على الدولة الجديدة، وبالتأكيد ستحارب الدولة لأنها تعمل بعقلية وبطريقة قتال وأيديولوجيا خاصة منها طرد الروس، وهذا عكس توجه الإدارة الجديدة". وتابع "لا يمكن أن ننسى أن هذا الفصيل عارض الاتفاق الذي وقع بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وكان لديه احتجاج ورفض ومثل هذه الفصائل ستدخل في صدام مع الإدارة الجديدة". وبحسب المعلومات المتوافرة فإن ما يسمى "سرايا بركان الفرات" أُسس في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وانحصرت عملياته القتالية ضد القوات الروسية والإيرانية والقوات النظامية التابعة لبشار الأسد قبل هربه إلى موسكو، وتعمل باستقلالية تامة عن الفصائل الأخرى، وتبنت في وقت سابق عملية اغتيال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني وهو أبو فاطمة العراقي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كما تنتشر في شرق سوريا بمحافظات دير الزور وشاركت في عملية رد العدوان، وتمكنت من السيطرة على قرى في ريف دير الزور منها "العشارة" شرق المحافظة، وشاركت في عمليات بصورة مستقلة حتى محيط العاصمة دمشق. ويذهب الدكتور ملحم بالحديث عن خطورة وصول هذه القوى المتطرفة إلى البحر لأنها ستتمكن من الوصول عبر شبكات التهريب إلى أوروبا، وهناك توافق عربي أميركي وإسرائيلي وروسي وصيني بعدم تمركز هؤلاء في سوريا، متوقعاً وقوع اقتتال بين الحكومة السورية والمقاتلين الأجانب الذين يصعب دمجهم في الجيش السوري الجديد، والهجوم حصل بعد الاجتماع الثلاثي في السعودية. وقال ملحم "تمركز الجيش السوري معقد وصعب لمحاربتهم، وقد يكون المرشح معالجة هذا الملف روسيا وإسرائيل لامتلاك أسلحة عالية الدقة تستطيع إجراء عمليات عالية الدقة للتخلص منهم، وقد يتشكل تحالف لإجراء عملية عسكرية ليست واسعة النطاق لكن من الممكن أن تتدخل العراق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)". ورأى أنه من المرجح أن تتدخل قوات من الأردن ضمن تحالف غير واسع النطاق، ولن تستطيع القوات الأمنية للسلطات الجديدة التدخل، لأن الاشتباك معها سيدفع إلى انفجار اشتباكات في كثير من المناطق المختلفة في سوريا بين الجماعات التي تؤيد أحمد الشرع ومن معارضيه.