
عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد
تفتخر شعوب الأرض قاطبة عندما تمتلك موارد طبيعية توفر لها حياة كريمة ومترفة, و أكثر ما تفخر به هي الثروات المعدنية كالفحم والنفط والغاز الطبيعي وغيرها من الثروات التي تعد حاليا المصادر الرئيسية للطاقة في العالم.
وتدعم الشعوب كذلك كل جهود حكوماتها الساعية إلى استثمار هذه الثروات وتطويرها وتنميتها وتسخير عوائدها لخدمة ورفاه المواطنين الذين هم أصحاب هذه الثروات في البلاد.
غير أن هذه الصورة تبدو مختلفه في العراق الجديد, فالثروات الجديدة ومحاولة استغلالها تصبح أحيانا مصدرا لمعضلات وخلافات جديدة تضاف الى العديد من سابقاتها.
مثال على ذلك حصل قبل نحو 10 أيام وتحديدا في 19-5-2025, حين وقعت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان-العراق عقدين مع شركتين أمريكية و كندية لتطوير إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة السليمانية في اقليم كوردستان. وقد جرت مراسم توقيع العقدين في العاصمة الأمريكية واشنطن و برعاية الاستاذ مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم. مراسم توقيع العقدين حظيت بتغطية اعلامية واسعة منحت بعدا سياسيا و دبلوماسيا واسعا تعزز بعد أن أيدتها الحكومة الأمريكية ممثلة بوزارة الخارجية و أعداد كبيرة من اعضاء الكونجرس الأمريكي, حيث وصفت هذه المقود بأنها نموذج ملهم للشراكة في مجال الطاقة.
اهمية هذه العقود
استأثرت هذه العقود بأهمية متميزة بين عقود الطاقة السابقة مع العديد من شركات استثمار النفط والغاز في المنطقة لجملة من الاسباب. السبب الأول يكمن في ان هذه العقود تختص بالغاز الطبيعي الذي أصبح محل اهتمام العالم بأسره, خاصة بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وتضاعف أسعاره في أسواق الطاقة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في شباط 2022.
الأمر الآخر هو ضخامة هذه العقود وكلفتها المالية المرتفعة التي تجاوزت 100 مليار دولار, وبذلك تعد عقودا استراتيجية فهي تشير إلى حجم التجمعات الغازية والنفطية التي يمكن إنتاجها واستثمارها في هذين الحقلين اللذان تتجاوز الاحتياطات التخمينية للغاز الطبيعي فيهما 10 تريليون قدم مكعب قياسي.
والامر الثالث الذي أعطاها أهمية, أن هاتين الشركتين المتعاقدتين (أمريكية و كندية) وأن توقيع العقود معها يمثل نقطة فارقة في صناعة النفط العراقية, إذ لم تحصل الشركات الأمريكية ولا الاوربية على مشاركة أوحصة جديرة بالاعتبار طوال جولات التراخيص التي أعلنتها وزارة النفط العراقية منذ أكثر من 10 سنوات. ويحتل قطاع الطاقة مكانة متميزة في برنامج إدارة ترامب التي استلمت مقاليد الحكم في العشرين من كانون الثاني (يناير) من العام الحالي, وبالتالي ستحظى هذه التعاقدات بدعم لافت من الادارة الاميركية ومؤسساتها.
موقف الحكومة الاتحادية العراقية
لم يتأخر رد الحكومة العراقية في رفض هاتين الآتفاقيتين, فبعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاقيتين (أي يوم 20-5-2025), صدر بيان من وزارة النفط ,فاحت منه بوضوح رائحة السياسة, تضمن أن هذه الاتفاقيات غير دستورية وغير قانونية لأنها حصلت بدون موافقة وعلم وزارة النفط الاتحادية! غير ان البيان الذي أصدرته الوزارة في اليوم التالي إشارإلى أن الوزارة لا تمانع في التعاقد مع الشركات الأمريكية شريطة أن يتم ذلك بعلمها. وتصاعدت ردود الأفعال المسيسة (للآسف) لتصبح أكثر حدة, فبعد بأيام إقامت وزارة النفط دعوى قضائية على حكومة الإقليم في محاولة لإجبارها على أبطال هذه العقود والتراجع عنها. ووصل التصعيد السياسي الى أعلى مدياته يوم الخميس 28-5-2025, حين قطعت وزارة المالية الاتحادية رواتب موظفي اقليم كوردستان لشهر أيار وللاشهر المتبقية من العام الحالي تحت ذرائع لا تقنع أحدا.
المسوغات القانونية التي قدمتها حكومة الاقليم
كان واضحا أن حكومة الإقليم كانت تتوقع صدور ردود فعل متسرعة وشديدة من الحكومة الاتحادية. ففي يوم التوقيع على العقود, صرح السيد رئيس حكومة اقليم كوردستان بأنه لا داع للانزعاج من هذه العقود فهي تصب في صالح العراق وكذلك اقليم كوردستان وأضاف السيد وزير الثروات الطبيعية الذي وقع على العقود بان هذه العقود لا تستهدف إحدا وانما تهدف إلى تحسين البنية التحتية لقطاع الكهرباء في الاقليم لأنها تركز على توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي المستخدم كوقود لمحطات الطاقة الكهربائية بهدف الوصول إلى الإكتفاء الذاتي من الكهرباء عند وصول الإنتاج إلى 8000 ميغاوات في الساعة.
أشار مسؤولين وخبراء أن هذه عقود وقعت استنادا إلى الصلاحيات القانونية التي منحها دستور العراق لعام 2005 للإقليم بموجب المادة (121) من الدستور, كما أن أن المشاركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط في إدارة الحقول النفطية كرستها بوضوح المادة (112) من الدستور العراقي. وحول وصف هذه العقود بأنها غير قانونية, فهذا الأمر يمكن رده بسهولة حيث لا يوجد قانون نافذ للنفط والغاز في العراق الاتحادي وبذلك لا يمكن وصف أي عقد يبرمه الإقليم أو المحافظات المنتجة بأنه غير قانوني لعدم وجود قانون ينظم صلاحيات ومسؤوليات توقيع عقود النفط والغاز وحيثياتها.
وعلى العكس من ذلك, فإن حكومة الإقليم قد أصدرت في العام 2007 قانونين: قانون رقم (21) وهو قانون وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم الذي يوضح واجبات الوزارة في إدارة القطاع النفطي وعمليات استكشاف والإنتاج والمعاملة وغيرها, والقانون رقم (22) وهو قانون النفط والغاز في الإقليم والذي يتضمن المراحل والعمليات المختلفة في إدارة هذا الصناعة النفطية في الإقليم.
أسباب ردود الفعل المتشددة من بغداد
تعمل وزارة النفط الاتحادية بشكل جاد وحثيث, خاصة بعد تسلم السيد السوداني الكابينة الوزارية منذ العام 2021, إلى زيادة استثمار الغاز الطبيعي المصاحب للنفط والذي تحرق منه ملايين الاقدام المكعبة يوميا في معظم حقول العراق. وذكرت وزارة النفط في عدة بيانات, بأنها تعمل بجد في استثمار الغاز المصاحب وتقليل كمية الحرق تدريجيا وتخطط أن تصل إلى نسبة استثمار الغاز الى 70% في نهاية العام الحالي و إلى 100% بنهاية العام 2028.
وعليه فإنه عقود الإقليم الجديدة التي تركز على انتاج الغاز الطبيعي واستثماره تعد مكملة ومنسجمة مع جهود الحكومة الاتحادية و أن كل ما يكتشف من احتياطات جديدة في الإقليم, سيمثل اضافة الى الرصيد (الاحتياطي) العراقي من الغاز الطبيعي. وفي تصرح رسمي من الوزارة, يمتلك العراق احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تتجاوز 127 تريليون قدم مكعب قياسي (مقمق) تضعه في المرتبة الحادية عشرة أو الثانية عشرة على مستوى العالم من حيث الاحتياطي الغازي.
طورت وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم حقولا متميزة للغاز الطبيعي (كورمور وجمجمال) وحققت بالتعاون مع شركات اماراتية معدلات انتاج عالية تجاوزت (500) مليون قدم مكعب قياسي يوميا , وتهدف الى تحقيق اضافات كبيرة في انتاج الغاز الطبيعي عبر العقود الجديدة الموقعة في واشنطن. يعتقد بعض المحللين ان هذه الانجازات في قطاع استثمار الغاز الطبيعي من قبل حكومة الاقليم الحديثة وذات الموارد والخبرات المحدودة , أثارت حفيظة وزارة النفط الاتحادية التي شعرت بتقصيرها وتلكؤ برامجها في استثمار الغاز رغم مرور عقدين من الزمان على تشريع الدستور العراقي.
ثمة عامل آخر، أن تطوير انتاج الغاز الطبيعي في الاقليم واحتمالية تزويد كميات منه الى محافظات عراقية أخرى، سيعجل, وبالتزامن مع جهود وزارة النفط المستمرة في عزل الغاز المصاحب في العديد من حقول الجنوب، في الوصول الى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن استيراد الغاز والكهرباء من ايران. وهذا الامر ترفضه أطراف عراقية موالية (والأصح تابعة) لايران ولها نفوذ في معظم مفاصل الدولة العراقية. هذه الاطراف تعمل منذ سنوات وبشكل ممنهج في الابقاء على العراق مستوردا للغاز والكهرباء من ايران وتسديد فواتير باهظة تصل الى نحو 8 مليار دولار سنويا. وثمة شواهد لذلك حصلت في السنوات السابقة: الأستهداف المتكرر حقل غازي ضخم في الاقليم (حقل كورمور)، عرقلة استثمار حقل غازي عملاق في محافظة الانبار (حقل عكاز)، التلكؤ في استثمار حقول غازية اخرى مثل حقل المنصورية (محافظة ديالى).
تتمنى دولا عديدة في العالم أن تمتلك نصف ما يمتلك العراق من خيرات وفيرة على رأسها النفط والغاز، ومن المؤسف ان الادارات الضعيفة وغير المهنية وغير النزيهة (أحيانا) المتعاقبة لقطاع النفط والغاز, لم تحرم الشعب العراقي من كامل ثرواته وحسب، بل واستغلت هذه الثروات وايراداتها كادوات في الألاعيب والمكائد السياسية غير النظيفة, والمستمرة في بلادنا لعقدين من السنين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 21 دقائق
- موقع كتابات
تدمير التراث الثقافي للعراق وسورية كوسيلة لحرمان الشعوب من هويتها الوطنية (2)
خاص: كتب- مشعل يسار: قدم مؤخرًا كل من الباحثان الروسيان؛ 'أولغا بافلوفنا بيبيكوفا'، دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد الدراسات الشرقية، الأكاديمية الروسية للعلوم، و'إيرينا يورييفنا جيلينا'؛ دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية، الأكاديمية الروسية للعلوم .دراسة هامة جدًا حول تدمير التراث الثقافي والأثري للعراق وسورية؛ سواء على أيدي الاستعمار الأميركي المباشر أو عن طريق جماعات إرهابية وكيلة مثل تنظيم (داعش)، نشرتها مجلة (ملامح التحولات العالمية: السياسة، الاقتصاد، القانون).. وتعيد (كتابات) تقديمها في بضعة أجزاء للقاريء العربي تباعًا، نظرًا لما جاءت به من معلومات موثقة وراصدة بغاية الأهمية والإفادة… أنشطة 'داعش' في العراق وسورية مع ظهور تنظيم (القاعدة)، ثم (داعش)، اللذين حاولا محو آثار 'العراق وسورية' من الوجود، تفاقمت حالة تدمير الآثار التي لا تنتمي إلى الثقافة الإسلامية. وقد حوّل إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ (داعش)، في حزيران/يونيو 2014؛ 'سورية والعراق' إلى ما يُشبّه سوقًا للآثار. ووفقًا للتقديرات الأولية، تبلغ القيمة الإجمالية للقطع الأثرية التاريخية المنهوبة من 'العراق' 10 مليارات دولار. ففي عام 2016، سيّطر تنظيم (داعش) على 4500 موقع أثري في الشرق الأوسط، نصفها تقريبًا (ألفان) في 'العراق'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر التنظيم حوالي 30 مبنى دينيًا ذا قيمة تاريخية في 'العراق' وحده. ولم تقتصر عمليات النهب على الآثار التي تعود إلى ما قبل الإسلام، بل استرشد التنظيم في أفعاله بإيديولوجية الوهابية، التي تجهد في سعيها إلى إقامة التوحيد الإسلامي الكامل إلى تدمير جميع الأديان الأخرى، باعتبار الشرك بالله أكبر الكبائر. ويسّعى السلفيون - أتباع مباديء الإسلام المبكر – إلى تدمير جميع آثار الديانات السابقة للإسلام، بالإضافة إلى المسيحية، ويدعون إلى تثبيت المذهب الوهابي في كل مكان. فبالإضافة إلى تدمير الكنائس وآثار الحضارات القديمة التي كانت قائمةً في بلاد ما بين النهرين، أرغم الجهاديون الكفار من المسيحيين واليزيديين والشيعة، على اعتناق الإسلام وإلا الإبادة الجماعية. في العراق، سيطر (داعش) على ما يُسّمى بالمثُلث السَّني – وهو منطقة في العراق تقع شمال وغرب بغداد، يغلب فيها تقليديًا السكان السَّنة من العرب. في هذه المنطقة، دمّر الجهاديون ونهبوا العديد من المستّوطنات والأماكن القديمة التي لا تزال تُجرى فيها الحفريات. كانت مدينة الموصل (من كلمة موصل التي تعني مفترق طرق)، ثاني أكبر مدينة في العراق، تحت سيّطرة (داعش) من حزيران/يونيو 2014 إلى تشرين أول/أكتوبر 2016. وبعد الاستيلاء على المدينة، بدأوا في الاقتصاص من المسيحيين، بدءًا من النساء والأطفال المتعلمين. حتى عام 2014، كانت المدينة مركزًا تاريخيًا للمسيحية النسّطورية ومقبرة العديد من أنبياء العهد القديم. وهكذا، في تموز/يوليو 2014 دمر إرهابيو (داعش) قبر 'النبي يونس'، الذي كان قد بُني بالقرب منه مسجد وكنيسة، يُقدسهما المسلمون والمسيحيون على حدٍ سواء. ويُعتقد أن عُمر الموصل يزيد عن 2700 عام، لكن علماء الآثار عثروا على أنقاض مستّوطنات يعود تاريخها إلى الألفية السادسة قبل الميلاد. ونهب المسلحون متحف المدينة، الذي كان يُعتبر ثاني أكبر متحف في العراق من حيث مجموعاته. وكان يضم مجموعة شهيرة من الآثار الآشورية والبارثية. وسُرق جزء كبير من المعروضات بغرض البيع. ويعود تاريخ بعض القطع الأثرية إلى الحضارة السومرية في الألفية الثالثة قبل الميلاد. وأثناء تدميرهم لمعروضات المتحف، زعم المسلحون أن هذه القطع تُخالف الشريعة الإسلامية، 'لأنها تُشجع على عبادة الأصنام'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر مسلحو (داعش) 28 مبنى دينيًا في المدينة، تابعًا لديانات مختلفة. وفي شباط/فبراير 2015، نُهبت ودُمّرت مكتبة الموصل (التي بُنيت عام 1921)، والتي كانت الأكبر بين مثيلاتها في البلاد. كانت تحتوي على 112.709 كتب ومخطوطات، بينها العديد من المخطوطات الإسلامية من العصور الوسطى. كما عثروا على مجموعات من الصحف العراقية التي تعود إلى أوائل القرن العشرين، وخرائط وكتب، ومجموعات من الدولة العثمانية، بعضها مُدرج في قائمة (اليونسكو) للآثار النادرة. كما دُمّرت نِينوى (نَينوى الحديثة) وهي إحدى العواصم الآشورية، التي لا يزال اسمها رمزًا لعظمة وسقوط حضارة عريقة، على يد مسلحين سعوا إلى 'التنقيب غير المشروع عن الآثار' بحثًا عن كنوز 'الملك أسرحدون' الأسطورية (القرن السابع قبل الميلاد). وأولى الجهاديون اهتمامًا خاصًا للمجمعات الأثرية التي عمل فيها علماء الآثار لعقود قبلهم، في محاولة لإعادة إحياء تاريخ نشأة الحضارة في بلاد ما بين النهرين. نُفّذ التدمير بوضوح وفقًا لخطة: من أوائل المدن التي دُمرت (5 آذار/مارس 2015) مدينة 'نمرود' (30 كيلومترًا من الموصل)، التي أسسها 'شلمنصّر الأول' في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد، أصبحت 'نمرود' عاصمة 'آشور'. خلال أعمال التنقيب التي أُجريت عام 1955 في معبد 'نابو'، عُثر على ألواح طينية عليها كتابات مسّمارية، تحتوي على قَسَمٍ للأتباع والوجهاء الآشوريين، يعود تاريخها إلى عام 672 قبل الميلاد. وقد شّكلت هذه السجلات عونًا هامًا لدراسة القانون والدين الآشوريين. ووفقًا للخبراء، فُقدت هذه السجلات إلى الأبد. ووصفت 'إيرينا بوكوفا'، المديرة العامة لليونسكو (2009-2017)، تدمير 'نمرود' بأنه جريمة حرب. في 7 آذار/مارس 2015، تعرضت مدينة 'الحضر' (180 كم شمال غرب بغداد)، وهي مدينة بارثية حافظت على العمارة الهلنستية والرومانية القديمة حتى يومنا هذا، لتدمير وحشي. كانت القبائل العربية البدوية موجودة هنا منذ النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد. ويُترجم اسم مدينة 'الحضر' من الآرامية إلى 'حظيرة'. في 8 آذار/مارس 2015، دمر مسلحو (داعش) أطلال العاصمة القديمة لـ'آشور'، مدينة 'دور شَرّوكين' (15 كم من الموصل)، التي بُنيت بين 713 و707 قبل الميلاد. وكان قد عاد الملك الآشوري 'سرجون الثاني' سريعًا إلى 'دور شروكين'، التي كانت تُبنى وفقًا لتصميمه، بعد تتويجه في 'بابل'. عمل علماء الآثار الأوروبيون على حفريات هذه المدن لسنوات عديدة. وأُدرجت الآثار التي اكتشفوها في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. في آيار/مايو 2015، وصل المجاهدون إلى 'تدمر' أو 'بالميرا' السورية (الاسم العربي – تدمر)، أغنى مدينة في أواخر العصور القديمة (القرنين الثالث والسادس الميلاديين)، وهي التي شهدت هندستها المعمارية على امتزاج التقنيات اليونانية الرومانية مع التقاليد المحلية. وقد اعترفت (اليونسكو) بالمدينة كموقع للتراث العالمي. ووفقًا لـ'جاستن ماروزي'؛ (مؤلف كتاب 'الإمبراطوريات الإسلامية: 15 مدينة حددت معالم الحضارة')، 'مواقع مثل تدمر… جزء من حضارتنا العالمية، وتمثل معالم بارزة في تاريخ البشرية. وأي ضرر يلحق بها يُعد صدمة للبشرية جمعاء'. فجّر مسلحو (داعش) معبد 'بعل شمين' (كلمة آرامية تعني 'سيد السماوات')، ومعبد 'بل'، والأبراج الجنائزية الثلاثة الأفضل حفظًا، ثم فجّروا 'قوس النصر' الذي يعود إلى العصر الروماني. وأعدم المسلحون أمين 'تدمر'، عالم الآثار السوري البارز؛ 'خالد الأسعد'، البالغ من العمر 82 عامًا. وبعد استيلائهم على 'تدمر' للمرة الثانية (كانون أول/ديسمبر 2016)، دمّر المسلحون آخر مبنى أثري متبقٍ – المدرج الروماني القديم. وفي ماري، وهي دولة مدينة كانت قائمة على ضفاف نهر الفرات في سورية خلال الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد، حدث اكتشاف هام، إذ عُثر على حوالي 25 ألف لوح طيني عليها نقوش باللغة الأكادية، مما ألقى الضوء على الهيكل الإداري والاقتصادي والقضائي للإمبراطورية الأكادية (أعوام 2316-2137 قبل الميلاد). وينص أحد النصوص القديمة على أن 'ماري' هي المدينة العاشرة التي تأسست بعد الطوفان. منذ عام 1933، شهدت المنطقة هنا تنقيبًا مستمرًا، معظمه من قِبل علماء آثار فرنسيين، فاكتشفوا أن تصميم المدينة الدائري الشكل والممركز وفر حماية مزدوجة – من هجمات العدو ومن الفيضانات. في أنقاض 'ماري'، اكتشف علماء الآثار نماذج لتقنيات سومرية قديمة، بينها العجلة (الدولاب) والقنوات المائية ونظام الصرف. كما عثر علماء الآثار على ألواح خزفية عليها نصوص في مبانٍ سكنية، تُشير إلى مستوى تعليم سكان المدينة. ووفقًا للمؤرخة الإيطالية 'كيارا ديزي بارديسكي': 'بعد 40 حملة، تم التنقيب عن حوالي 15% من الموقع (8 هكتارات من أصل 110 هكتارات)'. وتتجلى الآن آثار نهب (داعش) الجهادي في صور الأقمار الصناعية التي تُظهر ما يُسمى بمشهد الفوهات – وهي آبار عديدة حُفرت حول منطقة التنقيب. وقد لاقت 'دورا أوروبوس' (القلعة، بالآرامية) المصير نفسه، وهي واحدة من أكثر المدن القديمة إثارة للاهتمام في سورية. اكتشف علماء الآثار هنا أقدم المعابد اليهودية (خارج دولة إسرائيل)، بالإضافة إلى كنائس مزينة باللوحات الجدارية. في شباط/فبراير 2014، أرسل (داعش) 300 مسلح إلى هنا، وفقًا للخبراء، قاموا بنقب ونهب آثار أكثر من 70% من المدينة. وقد ركزت (داعش) جهودها على مدينة 'أفاميا' في شمال سورية على نهر العاصي. أسسها 'أنطيوخس سوتر'، ملك الإمبراطورية السلوقية (281-261 قبل الميلاد)، وسُمّيت تيمنًا بوالدته 'أفاميا'. في القرنين السادس والسابع، كانت من أكبر مدن الشرق. واليوم، تُغطى المنطقة المحيطة بالآثار القديمة بعشرات الحفر التي عمل فيها حفارون استأجرهم المسلحون. صودرت فسيفساء رومانية من المتحف. ولم يرحم المسلحون العاصمة الثانية لسورية، مدينة 'حلب'، التي نالت عام 2001 لقب 'عاصمة الثقافة الإسلامية' في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، على الرغم من أن 'بغداد' و'القاهرة' كانتا منافستيها. بالإضافة إلى ذلك، أُدرجت 'حلب' في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. وقد فشل مسلحو (داعش) في الاستيلاء على المدينة بالكامل. بقي الجزء الغربي منها، حيث بقي 1.5 مليون نسمة، تحت سيطرة الميليشيا المحلية، التي انضمت إليها العديد من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة؛ (معظمها ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان، بالإضافة إلى الأرمن من مختلف البلدان). وتُعرف 'حلب' بأنها واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكلٍ مستمر في العالم. تحتوي على عدد كبير من المعالم التاريخية: القلاع التي تعود إلى العصور الوسطى والبازارات والمساجد والمدارس الدينية. خلال القتال، تضرر أكبر وأقدم مسجد في المدينة، 'جامع حلب الكبير'. وتعرض جزء كبير من سوق المدينة المسقوف الشهير (يبلغ طوله 13 كم) لأضرار بالغة. وقد بُني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكان أحد المراكز التجارية الرئيسة على 'طريق الحرير'. وفي جنوب سورية، وتحديدًا في محافظة 'درعا'، وتحديدًا في مدينة 'بصرى' القديمة، دُمّرَ أكبر مدرّج أثري في الشرق الأوسط، وكان يُستخدم في زمن السلم لمهرجانات الموسيقى الشعبية، كما دُمّرت الكنائس المسيحية القديمة. وتُعدّ مدينة 'الرقة' السورية من أقدم مدن الشرق الأوسط، إذ تأسست عام 244 قبل الميلاد، وتضم العديد من المعالم التاريخية: قصر البنات (القرن الثاني عشر)، والجامع الكبير (القرن الثامن). في عام 796، اتخذها الخليفة 'هارون الرشيد' مقرًا له. وفي عام 2013، أُعلنت 'الرقة' عاصمةً لتنظيم (داعش). وقد ساهمت 'الولايات المتحدة' في تدمير 'الرقة'، حيث قصفت وحدة (تالون أنفيل-Talon Anvil) المدينة من 6 حزيران/يونيو إلى 17 تشرين أول/أكتوبر 2017. وهي اليوم تُسمى 'دريسدن' السورية، حيث تضررت أو دُمرت 70% من مبانيها. وعندما تحررت المدينة من الجهاديين (تشرين أول/أكتوبر 2019)، اتضح أن أكثر من 4500 قطعة أثرية قد سُرقت من متحفها الغني، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الألواح الطينية ذات الكتابة المسَّمارية التي تعود إلى أواخر القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد، والتي جُمعت خلال أعمال التنقيب في 'تل سبع أبيض' التي قام بها علماء آثار من 'لايدن' (هولندا). تُجدر الإشارة إلى أن حتى المتاحف السورية الصغيرة كانت تحتوي على مجموعات من القطع الأثرية القيّمة. وقد أشار 'كورّادو كاتيسي-Corrado Catesi'، رئيس وحدة (الإنتربول) لمكافحة الاتجار بالفنون، إلى أن: 'المتحف الوحيد في إدلب كان يحتوي على 9494 قطعة ثقافية لا تُقدر بثمن سُرقت في آذار/مارس 2015'.


شفق نيوز
منذ 36 دقائق
- شفق نيوز
قاضية أمريكية تعطل قرار ترامب بشأن منع تأشيرات جامعة هارفرد للطلاب الأجانب
شفق نيوز/ أفادت وسائل إعلام غربية، يوم الجمعة، بأن قاضية أمريكية أصدرت حكماً بعدم تطبيق قرار الرئيس دونالد ترامب، القاضي بحظر دخول طلاب جامعة هارفرد الأجانب إلى الولايات المتحدة. وكانت إدارة ترامب قد أصدرت يوم أمس الأول الأربعاء، أمراً من شأنه منع غالبية الطلاب الأجانب الجدد في هارفرد من دخول البلاد، وأن الطلاب الأجانب الحاليين قد تلغى تأشيراتهم. ورأت القاضية أليسون دي. بوروز، في أمر قضائي أن الحكومة يجب ألا تطبق قرار ترامب. وقالت بوروز إن الجامعة أظهرت أنه من دون قرار تعليق موقت، قد تتعرض "لضرر فوري لا يمكن إصلاحه قبل أن تتاح الفرصة لسماع جميع الأطراف". وسبق للقاضية نفسها أن عطلت جهوداً سابقة لترامب لمنع طلاب أجانب من الالتحاق بجامعة هارفرد. وفور صدور قرار ترامب عدلت هارفرد شكوى سابقة رفعتها إلى محكمة فيدرالية قائلة "هذه ليست المحاولة الأولى للإدارة لقطع هارفرد عن طلابها الأجانب". وأضافت "هذا جزء من حملة رد منسقة ومتصاعدة للحكومة على ممارسة هارفرد حقوقها المنصوص عليها في المادة الأولى من الدستور لرفضها مطالب الحكومة بالإشراف على حوكمتها وبرامجها وإيديولوجية أستاذتها وطلابها". وكانت الحكومة قد ألغت منحاً وعقوداً فيدرالية بقيمة 3.2 مليارات دولار مع هارفرد وتعهدت بحجب أي تمويل فيدرالي جديد لهذه الجامعة العريقة الواقعة في كامبريدج في ولاية ماساتشوستس. ويسعى الرئيس الأمريكي إلى منع هارفرد من استقبال طلاب أجانب وفسخ عقودها مع الحكومة الفيدرالية وخفض المساعدات الممنوحة لها ببضعة مليارات الدولارات وإعادة النظر في وضعها كمؤسسة معفية من الضرائب. ووفق الموقع الإلكتروني للجامعة التي تعد من الأفضل في العالم وخرّجت 162 من الفائزين بجوائز نوبل، فإنها تستقبل نحو 6700 طالب دولي هذا العام، ما يشكل 27% من إجمالي المسجلين فيها. وفي شكواها أقرت جامعة هارفرد بأن ترامب لديه السلطة لمنع فئة كاملة من الأجانب إذا اعتبر أن ذلك يصب في المصلحة العامة، لكنها أكدت أن هذا ليس الحال في هذا الإجراء. وأضافت أن "قرارات الرئيس لا تهدف إلى حماية مصالح الولايات المتحدة، بل إلى انتقام حكومي ضد هارفرد". ولطالما صب ترامب غضبه على هارفرد التي تنتمي إلى آيفي ليغ، رابطة المؤسسات الجامعية الكبرى الأمريكية، والتي تصدت لعزم إدارته على ضبط عمليات الانتساب والتعيين والسيطرة على محتوى البرامج والتوجهات في مجال البحث. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، يستهدف ترامب الجامعات الأمريكية العريقة التي يتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و"إيديولوجيا اليقظة" (ووك). والأربعاء رفعت إدارة ترامب صوتها ضد جامعة كولومبيا العريقة في نيويورك، مهددة بسحب اعتمادها، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرمانها من التمويل الفيدرالي.


شفق نيوز
منذ 4 ساعات
- شفق نيوز
أزمة مالية تضرب ماسك.. صدام علني مع ترامب يطيح بـ 34 مليار دولار
شفق نيوز/ خسر رجل الأعمال إيلون ماسك، نحو 34 مليار دولار من ثروته، بعد صدام علني مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ووفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، تراجعت ثروة ماسك إلى نحو 335 مليار دولار، رغم احتفاظه بصدارة قائمة أغنى أغنياء العالم. وتُعد هذه الخسارة ثاني أكبر تراجع يومي في تاريخ المؤشر، بعد الخسارة التي تكبدها ماسك نفسه في نوفمبر 2021. وبدأت الأزمة، بعد تصريحات نارية من ترامب، هدّد فيها بقطع الدعم الفيدرالي والعقود الحكومية عن شركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، وهما من أعمدة إمبراطورية ماسك. جاء ذلك كرد فعل على انتقادات لاذعة وجهها ماسك لإجراءات ترامب في تقليص الإنفاق، واصفاً إياها بأنها "عمل بغيض يفتقر للأخلاق". وبعدها مباشرةً هوت أسهم "تسلا" بنحو 14.2% خلال جلسة الخميس، ما أدى إلى خسارة تاريخية للشركة بلغت 152 مليار دولار في يوم واحد – أكبر هبوط يومي في قيمتها السوقية على الإطلاق، حسب بيانات "فاكت سيت" للأبحاث المالية. النقاش العلني بين الرجلين أخذ منحىً شخصياً، حيث أبدى ترامب "خيبة أمله" من ماسك، قائلاً إنه قدّمه الكثير له، بينما ردّ الأخير بالقول: "أنا من أوصل ترامب للرئاسة، ومن منح الجمهوريين السيطرة على الكونغرس".