
مظاهر الاحتفال بعيد استقلال الجزائر: يوم للوطن والذاكرة
في الخامس من يوليو من كل عام، تتحول الجزائر إلى ساحة احتفال وطنية كبرى تعمّها مشاعر الفخر والاعتزاز. من أبرز المظاهر التي تلفت الأنظار في هذا اليوم، العروض العسكرية التي تُنظم في العاصمة وفي بعض المدن الكبرى، حيث تستعرض قوات الجيش الوطني الشعبي جاهزيتها، وتُعرض المعدات والتجهيزات في استعراض يرمز إلى قوة الدولة واستقلالها.
في الميادين والشوارع، تنطلق المسيرات الشعبية التي يشارك فيها المواطنون بمختلف أعمارهم، حاملين الأعلام الجزائرية ويرددون الأناشيد الوطنية. وتشارك المدارس، والجامعات، والمجتمع المدني، والهيئات الرسمية في تنظيم هذه الفعاليات، ما يخلق أجواء من التلاحم والانتماء الوطني. المشهد يبدو مميزاً، خاصة في الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، حيث تصطف الجماهير لمتابعة الفعاليات، وتُزين الساحات بالرايات وصور الشهداء.
فعاليات ثقافية وفنية تحيي الروح الثورية
لا يقتصر الاحتفال على الجانب الرسمي، بل يشمل أيضاً أنشطة ثقافية وفنية تعيد إحياء ذاكرة الثورة وتاريخ الجزائر النضالي. تُقام الأمسيات الشعرية والمسرحيات التاريخية التي تسرد قصص الشهداء وبطولات المقاومة، كما تُعرض أفلام وثائقية وسينمائية عن الاستعمار والكفاح الشعبي على شاشات التلفزيون وفي دور السينما العامة.
الفرق الفلكلورية تجوب الأحياء، تقدم عروضاً تراثية تعكس تنوع الثقافة الجزائرية من الشمال إلى الجنوب. وتُفتح المتاحف مجاناً أمام الجمهور لزيارة معارض مؤقتة مخصصة لثورة التحرير، حيث تُعرض صور نادرة ووثائق تاريخية تعزز الوعي لدى الأجيال الجديدة. وفي الأحياء السكنية، تُقام احتفالات صغيرة تنظمها الجمعيات المحلية، تشمل مسابقات للأطفال، وورشات فنية، وألعاب نارية تضفي على الليل طابعاً احتفالياً خاصاً.
رمزية اليوم وأثره في نفوس الجزائريين
عيد الاستقلال ليس مجرد يوم للفرح، بل هو مناسبة تُستحضر فيها كل معاني التضحية والكرامة والسيادة. يحمل هذا اليوم رمزية خاصة لدى الجزائريين، إذ يُعيد إلى الأذهان أكثر من 130 عاماً من الاستعمار والمقاومة، وما رافقها من معاناة ودماء سالت من أجل الحرية. ولهذا فإن مظاهر الاحتفال ليست طقوساً شكلية، بل تعبيراً عميقاً عن الانتماء للوطن ووفاء لذكراه.
يرتدي الأطفال ملابس بألوان العلم الجزائري، وتُعزف الأغاني الثورية في كل مكان، فيما تنشط وسائل الإعلام في تغطية الاحتفالات وبث رسائل وطنية تعزز قيم الوحدة والهوية. يوم الاستقلال يمثل لكل جزائري لحظة اعتزاز لا تُنسى، وفرصة لإعادة التأكيد على أهمية حماية الوطن ومواصلة البناء والتطور.
عيد استقلال الجزائر يوم يحمل من التاريخ أكثر مما تحمله الصفحات، ومن المشاعر أكثر مما تصفه الكلمات. هو يوم تحتفل فيه الجزائر، شعبًا ودولة، بانتصار الإرادة على الاحتلال، وتؤكد من جديد أنها ماضية نحو المستقبل بثبات، دون أن تنسى جذورها وتضحيات أبطالها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رائج
منذ 4 أيام
- رائج
9 أفلام عن الثورة الجزائرية: تضحيات وبطولات عرضتها شاشات السينما
الثورة الجزائرية العظيمة هي تاريخ من بطولات وتضحيات لابد أن يُحكى ويوثق لأجيال قادمة ومن أهم أدوات التوثيق هي السينما، الصورة التي تمنحك معايشة لأحداث لم تمر بها ولكنك تشاهدها بالتفصيل وتكسبك المعرفة بتاريخ معاناة شعب عظيم أصر على استرجاع وطنه وانتصر، إليك أهم الأفلام التي تدور أحداثها حول الثورة الجزائرية: فيلم جميلة هو فيلم يوثق قصة جميلة بو حيرد وهي واحدة من أهم النساء الجزائريات التي ناضلت من أجل استقلال الجزائر ويُلقي الضوء على دور المرأة الجزائرية في الثورة، صدر الفيلم بعد عام واحد فقط من تعذيب واعتقال جميلة بوحيرد ومنعته حكومة احتلال الجزائر لسنوات. الفيلم من إخراج يوسف شاهين وتأليف عبد الرحمن الشرقاوي ونجح الفيلم في حشد تضامن كبير مع حركات المقاومة الجزائرية حول العالم، الفيلم الذي لم يوثق قصة كفاج جميلة فقط ولكن عرض صورة عامة لنضال الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي. فيلم معركة الجزائر الذي حصد الكثير من الجوائز مثل جائزة الأسد الذهبى فى مهرجان البندقية عام 1966وجائزة النقد خلال مهرجان كان فى العام نفسه وترشح لثلاثة جوائز أوسكار كأحسن فيلم وأحسن سيناريو وأفضل إخراج. يروى الفيلم فترة زمنية من فترات الكفاح التي عاشها الشعب الجزائرى فى العاصمة الجزائرية، خلال ثورة التحرير ويوثق بطولات شعبية ضد الاستعمار ويشرح تكنيكات كان يستخدمها الثوار في مقاومة جيش أضخم من حيث العدد والقوة والتسليح، لكن إيمانهم بضرورة الحصول على الحرية والاستقلال كان أكبر من كل ذلك. نال الفيلم ترتيب رقم 48 من بين 250 فيلمًا فى استطلاع النقاد عام 2012، والمركز 120 فى قائمة مجلة إمبير لأفضل 500 فيلم فى كل العصور. فيلم دورية نحو الشرق حصل على عدة جوائز من مهرجان قرطاج بتونس ومهرجان فيسباكو فى بوركينا فاسو، الفيلم الذي نقل الجمهور إلى أجواء وتفاصيل الثورة الجزائرية وما مرت به الجزائر خلال هذه الفترة العصيبة. الفيلم من إنتاج عام 1971 من إخراج عمار العسكرى وبطولة حسان بن زرارى وعنتر هلال وإبراهيم حجاج وآخرين ويحكي بالتفصيل عن دورية أثناء الثورة الجزائرية تنتقل فى مهمة نحو الشرق الجزائرى وما تلاقيه من ظروف قاسية ومصاعب متعددة. فيلم ابن باديس تناول المحطات المهمة في حياة العلامة عبد الحميد بن باديس وهو واحد من أهم رجال الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. يعرض الفيلم مقاومته الباسلة ضد الاستعمار والمؤامرات التى حيكت ضده من طرف المستعمر، كما يسرد الفيلم محطات سفر ابن باديس إلى تونس من أجل طلب العلم وكفاحه ودفاعه عن الهوية الوطنية الجزائرية. الفيلم من إخراج باسل الخطيب وبطولة يوسف سحايرى في دور عبد الحميد بن باديس، كما شاركه البطولة سارة لعلامة وعبد الحق بن معروف وآخرين. شاهد أيضاً: صور أبطال المقاومة الشعبية في الجزائر على عملات نقدية جديدة رائعة فيلم ريح الأوراس يعرض قصة عائلة جزائرية دمرتها الحرب، العائلة التي تتكون من ثلاثة أشخاص الأب والأم والابن، حيث يجد الابن نفسه فى ظروف صعبة ودوامة قاتمة عقب استشهاد أبيه أثناء هجوم غاشم لقوات الاحتلال وينضم الابن إلى جيش التحرير الوطنى بجانب توليه مسؤولية أسرته. يعمل الابن أثناء النهار وفى المساء يعبر الجبل لتوصيل المؤن والغذاء للمقاومين ضد الاحتلال، بينما تقضى الأم وقتها فى انتظار الابن، حتى تفاجأ باعتقاله على يد القوات الفرنسية، تبحث الأم عنه في كل مكان ومن معسكر إلى آخر دون استسلام أو يأس، ثم يعود الابن الغائب بعد أن اجتاحت التجاعيد وجه أمه. يسلط الفيلم على معاناة الأم من منطقة الأوراس، التي توفى زوجها واعتقل ابنها، الأم الصامدة التي لم تيأس فى البحث عن ابنها رغم الصعاب وبؤس الحال، الفيلم من إخراج محمد الأخضر حمينة ويعد من كلاسيكيات السينما الجزائرية التي صورت معاناة الشعب الجزائرى التي ظلت لسنوات. فيلم الأفيون والعصا عن قصة قرية جزائرية خلال فترة المقاومة، حيث يهجر الدكتور بشير الحياة المترفة إلى الجبل، حيث يقع مسقط رأسه في قرية تاله التى تصبح ضمن نطاق المقاومة، ينضم شقيق بشير إلى المقاومة ويجابه الثنائي قوات الاحتلال. الفيلم يناقش الفكرة الاستعمارية القائلة: "إذا أردت أن تحكم شعباً فاستعمل العصا، فإذا لم تستطع فاستعمل الأفيون والعصا"، فهو يقدم حكاية قرية جزائرية أثناء المقاومة تتعاطف مع الثوار وتحاول السلطات الاستعمارية أن تروضها بالأفيون والعصا، لكن نرى تكاتف أهل القرية اللذين حتى عندما تنسف القرية كاملة، نشاهدهم في مسيرة نحو أعالى الجبال حيث يتواجد الثوار. الفيلم من إخراج أحمد راشدى ومن بطولة ممثلين جزائريين وفرنسيين، مثل: سيد علي كويرات وماري جوزيه نات وجان لوي ورويشد وحسن الحسني وإبراهيم حجاج وآخرين. فيلم مصطفى بو بولعيد تدور أحداثه حول حياة أحد مناضلى الحركة الوطنية الجزائرية وهو الشهيد مصطفى بن بولعيد الذى عمل مع رفاقه على إيضاح فكرة الثورة المسلحة ويوثق الفيلم كيف سافر بن بولعيد إلى عدد من البلدان العربية متنكرًا للحصول على السلاح إلى الجزائر من أجل الثورة. ويعرض الفيلم كيفية اعتقاله من جانب قوات الاستعمار الفرنسىعلى الحدود التونسية الليبية إلى تونس العاصمة ومنها للجزائر ليحاكم بالإعدام، لكنه يتمكن من حفر خندق بمساعدة بعض من رفقائه تحت حيطان أشد معتقلات الاحتلال تحصيناً وقوة ويستطيع الفرار بمعجزة، ليعود لاستكمال نضاله من جديد، صُور الفيلم فى أماكن متعددة من الجزائر وفرنسا والحدود التونسية الليبية التي شهدت اعتقالمصطفى بن بولعيد. فيلم وقائع سنين الجمر يعرض الفترة من عام 1939 إلى 11 نوفمبر 1954 ومن خلال المحطات التاريخية،يعرض الفيلم أن تاريخ الثورة الجزائرية هو تاريخ من المعاناة، معارك سياسية وعسكرية قام بها الشعب الجزائرى ضد الاحتلال. الفيلم من إخراج محمد الأخضر حمينة وحاز على جائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان عام 1975 ويعتبر الفيلم العربى الوحيد الحائز على تلك الجائزة وتدور أحداث هذا الفيلم حول وقائع تاريخ الجزائر النضالي من أجل نيل الحرية والاستقلال، كما يعرض النظم القمعية التي مورست خلال هذه الفترة. فيلم خارجون عن القانون من إخراج رشيد بوشارب ويدور في الفترة الزمنية من عام 1945 إلى عام 1962، حيث يركز على ثلاثة إخوة جزائريين يعيشون فى فرنسا بعد نجاتهم من مذبحة سطيف وهي التي تعرف أيضًا باسم مجازر 8 مايو 1945 وهي كانت عبارة عن عمليات قتل ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري وشملت معظم أرجاء الجزائر ومن أهم المناطق هي سطيف. تكلفت ميزانية الفيلم 20 مليون يورو، بينما حقق أرباحًا بقيمة 50 مليون دولار، لكن قابل الفيلم انتقادات لاذعة من جانب المؤرخين الفرنسيين، كالمؤرخ لينويل لوكا، كما تعرض الفيلم لدى نزوله لحملة واسعة من طرف اليمين الفرنسى بشكل خاص والذى شن حملة واسعة ضد الفيلم، كما تظاهرت بعض القوى اليمينية في الشوارع وأمام صالة عرضه في مهرجان كان وأعلنوا رفضهم لمحتواه التاريخى وأعتبروه مهينا لفرنسا على حد وصفهم. تنافس الفيلم على جائزة السعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى عام 2010 وفاز بالجائزة الذهبية لفئة الأفلام العربية فى الدورة الـ 18 لمهرجان دمشق السينمائى الدولى والجائزة الذهبية لفئة الأفلام العالمية فى الدورة 18 لمهرجان دمشق السينمائى الدولى ورُشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى لعام 2011.


سائح
منذ 5 أيام
- سائح
مظاهر الاحتفال بعيد استقلال الجزائر: يوم للوطن والذاكرة
يُعد يوم الخامس من يوليو مناسبة لا تشبه سواها في الجزائر، فهو يوم يعكس روح النصر والحرية ويجسد رحلة طويلة من الكفاح والتضحيات في سبيل الاستقلال. يحتفل الجزائريون بهذا اليوم تخليدًا لاسترجاع سيادتهم الوطنية عام 1962 بعد أكثر من 130 عامًا من الاستعمار الفرنسي، حيث أصبحت هذه الذكرى رمزًا للهوية الوطنية والوحدة الشعبية. ويتحول هذا التاريخ كل عام إلى احتفال وطني واسع يشمل مظاهر متعددة، تعبر عن اعتزاز الشعب بماضيه، وإصراره على بناء مستقبله. في الخامس من يوليو من كل عام، تتحول الجزائر إلى ساحة احتفال وطنية كبرى تعمّها مشاعر الفخر والاعتزاز. من أبرز المظاهر التي تلفت الأنظار في هذا اليوم، العروض العسكرية التي تُنظم في العاصمة وفي بعض المدن الكبرى، حيث تستعرض قوات الجيش الوطني الشعبي جاهزيتها، وتُعرض المعدات والتجهيزات في استعراض يرمز إلى قوة الدولة واستقلالها. في الميادين والشوارع، تنطلق المسيرات الشعبية التي يشارك فيها المواطنون بمختلف أعمارهم، حاملين الأعلام الجزائرية ويرددون الأناشيد الوطنية. وتشارك المدارس، والجامعات، والمجتمع المدني، والهيئات الرسمية في تنظيم هذه الفعاليات، ما يخلق أجواء من التلاحم والانتماء الوطني. المشهد يبدو مميزاً، خاصة في الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، حيث تصطف الجماهير لمتابعة الفعاليات، وتُزين الساحات بالرايات وصور الشهداء. فعاليات ثقافية وفنية تحيي الروح الثورية لا يقتصر الاحتفال على الجانب الرسمي، بل يشمل أيضاً أنشطة ثقافية وفنية تعيد إحياء ذاكرة الثورة وتاريخ الجزائر النضالي. تُقام الأمسيات الشعرية والمسرحيات التاريخية التي تسرد قصص الشهداء وبطولات المقاومة، كما تُعرض أفلام وثائقية وسينمائية عن الاستعمار والكفاح الشعبي على شاشات التلفزيون وفي دور السينما العامة. الفرق الفلكلورية تجوب الأحياء، تقدم عروضاً تراثية تعكس تنوع الثقافة الجزائرية من الشمال إلى الجنوب. وتُفتح المتاحف مجاناً أمام الجمهور لزيارة معارض مؤقتة مخصصة لثورة التحرير، حيث تُعرض صور نادرة ووثائق تاريخية تعزز الوعي لدى الأجيال الجديدة. وفي الأحياء السكنية، تُقام احتفالات صغيرة تنظمها الجمعيات المحلية، تشمل مسابقات للأطفال، وورشات فنية، وألعاب نارية تضفي على الليل طابعاً احتفالياً خاصاً. رمزية اليوم وأثره في نفوس الجزائريين عيد الاستقلال ليس مجرد يوم للفرح، بل هو مناسبة تُستحضر فيها كل معاني التضحية والكرامة والسيادة. يحمل هذا اليوم رمزية خاصة لدى الجزائريين، إذ يُعيد إلى الأذهان أكثر من 130 عاماً من الاستعمار والمقاومة، وما رافقها من معاناة ودماء سالت من أجل الحرية. ولهذا فإن مظاهر الاحتفال ليست طقوساً شكلية، بل تعبيراً عميقاً عن الانتماء للوطن ووفاء لذكراه. يرتدي الأطفال ملابس بألوان العلم الجزائري، وتُعزف الأغاني الثورية في كل مكان، فيما تنشط وسائل الإعلام في تغطية الاحتفالات وبث رسائل وطنية تعزز قيم الوحدة والهوية. يوم الاستقلال يمثل لكل جزائري لحظة اعتزاز لا تُنسى، وفرصة لإعادة التأكيد على أهمية حماية الوطن ومواصلة البناء والتطور. عيد استقلال الجزائر يوم يحمل من التاريخ أكثر مما تحمله الصفحات، ومن المشاعر أكثر مما تصفه الكلمات. هو يوم تحتفل فيه الجزائر، شعبًا ودولة، بانتصار الإرادة على الاحتلال، وتؤكد من جديد أنها ماضية نحو المستقبل بثبات، دون أن تنسى جذورها وتضحيات أبطالها.


سائح
٢١-٠٦-٢٠٢٥
- سائح
تقاليد الضيافة في ثقافات مختلفة: من المغرب إلى اليابان
الضيافة ليست مجرّد سلوك اجتماعي، بل هي مرآة تعكس جوهر ثقافة الشعوب وقيمهم العميقة. في مختلف أنحاء العالم، تتخذ تقاليد استقبال الضيوف أشكالًا متباينة، تعبّر عن التاريخ، والدين، والعادات المجتمعية لكل بلد. وبينما تُعد الضيافة أمرًا مشتركًا بين الثقافات، فإن طريقة التعبير عنها تتباين بشكل لافت؛ فهناك من يُغدق على الضيف بالطعام، ومن يُقدّم له الشاي وفق طقوس صارمة، وآخرون يعاملونه كما لو كان فردًا من العائلة. من المغرب بألوانه ونكهاته الغنية إلى اليابان بترتيباته الدقيقة وطقوسه الهادئة، تحمل كل حضارة بصمتها الفريدة في فنّ استقبال الضيف. المغرب: الكرم المتجذّر في الروح في الثقافة المغربية، لا تقتصر الضيافة على الترحيب، بل تمتد لتشمل طقوسًا متكاملة تبدأ من تحضير البيت مرورًا بطهي أطباق تقليدية وصولًا إلى تقديم الشاي بالنعناع، والذي يُعد رمزًا للترحيب والدفء. يُعتبر الضيف في المغرب "نعمة"، ويُعامل باحترام بالغ منذ لحظة دخوله المنزل. ولا يُسمح له بالمغادرة قبل تناول الطعام، والذي غالبًا ما يكون مكونًا من أطباق مثل الطاجين، والكسكس، والحريرة. طقس تقديم الشاي المغربي يتم بطريقة تقليدية حيث يُسكب من إبريق معدني مرفوع عن الكأس لخلق رغوة كثيفة، ما يدل على جودة الضيافة. كما تُقدّم الحلويات المغربية كعلامة على كرم الضيافة. واللافت أن حتى الزائر غير المتوقع يُعامل وكأنه ضيف شرف، وهذا يعكس مدى تجذر ثقافة الكرم في الحياة اليومية المغربية. الهند واليابان: الاحترام والرمزية في استقبال الضيوف في الهند، تُعد الضيافة واجبًا دينيًا واجتماعيًا. ويُقال في الثقافة الهندية القديمة "الضيف هو الإله"، وهو مبدأ يعكس الاحترام الكبير الذي يُمنح للزائر. يتم استقبال الضيوف أحيانًا برسم "تيكا" على الجبين، وتقديم الأزهار أو الأطعمة النباتية المُعدة خصيصًا لهم. كما تُظهر العائلات الهندية ترحابها بتقديم المكان المخصص للراحة، دون أن يُطلب منهم ذلك. أما في اليابان، فتعتمد تقاليد الضيافة (أو "أوموتيناشي") على مفهوم الخدمة الصامتة والاحترافية، أي العناية بالضيف دون لفت الانتباه. من لحظة دخول الضيف إلى المنزل أو الفندق، يتم تقديمه بعناية فائقة: الأحذية تُخلع وتُبدّل بنعال، يُقدَّم الشاي الأخضر في فنجان خزفي مُخصص، وتُراعى أدق تفاصيل الراحة والخصوصية. في الضيافة اليابانية، يُولي المضيف أهمية كبيرة للتفاصيل مثل درجة حرارة الطعام، التقديم الجمالي، ومزاج الضيف، ما يعكس رقيًا وتقديرًا عميقًا للتواصل الإنساني. الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية: الحفاوة والعائلة أولًا في معظم بلدان الشرق الأوسط، تُعتبر الضيافة أحد أهم أركان الثقافة الاجتماعية. الزائر يُقدَّم له القهوة العربية والتمر فورًا، وغالبًا ما يُصرّ المضيف على أن يأكل الضيف أكثر من حاجته. هناك شعور مشترك بأن من يزورك قد أتى برسالة أو بركة، مما يجعل استقباله أمرًا مقدسًا. وتُعد المجالس أو الدواوين أماكن مخصصة للقاءات الممتدة التي تُعبّر عن كرم لا ينضب. في المقابل، نجد ثقافات مثل أمريكا اللاتينية، وتحديدًا في دول مثل المكسيك وكولومبيا، حيث تُعامل الضيافة بروح عائلية دافئة. يُستقبل الزائر بابتسامة عريضة، وغالبًا ما يُدعى للمشاركة في التجمعات العائلية أو الاحتفالات. يُقدَّم الطعام بوفرة، وتُبنى علاقات عميقة بسرعة، حيث تُعد الصداقات والروابط الاجتماعية من القيم الأساسية في هذه المجتمعات. رغم اختلاف اللغات، والعادات، والديانات حول العالم، تظل الضيافة لغة إنسانية مشتركة تُظهر أجمل ما في الشعوب من كرم، احترام، وإنسانية. ومن المغرب إلى اليابان، ومن الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية، تعبّر تقاليد الضيافة عن عمق الروابط الاجتماعية وحرص الناس على مشاركة ما لديهم، مهما قلّ أو كثر، مع الآخرين. فكلما سافرنا واختبرنا هذه الثقافات، أدركنا أن الضيافة ليست مجرّد عادة، بل هي مرآة تعكس روح الإنسان وقيمة التواصل الصادق بين الشعوب.