logo
«نوبل للسلام»، وما أدراكم ما «نوبل للسلام»!

«نوبل للسلام»، وما أدراكم ما «نوبل للسلام»!

جريدة الاياممنذ 5 أيام
كنت أخطّط لكتابة هذا المقال حول الحلول المقترحة بعد وقف إطلاق النار، وحول النقاش والمفاوضات الجارية، ليس بين «حماس» ودولة الاحتلال، وإنما بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو عن طبيعة هذه الحلول ومآلاتها، لكنني قررت تأجيل ذلك لأسباب تتعلّق بنقص المعلومات التي من دونها يصعب استقراء الوضع في مرحلة ما بعد الاتفاق، كما أن النقاشات والمفاوضات بينهما ما زالت مستمرة، ويبدو أنها لم تصل بعد إلى إعلان رسمي أميركي بالإطار الذي يكون فيه اتفاق غزّة مجرّد «بداية» «للحل» الأوسع على مستوى الإقليم كلّه، والأهم من ذلك كلّه سنرى فيما إذا كان هذا «الحل» على مستوى قطاع غزّة سيستثني منظمة التحرير الفلسطينية و»حماس» أم أن الحل يشتمل عليهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكيف سيكون عليه موقفهما بعد أن تأكّد للجميع أن لا حلول عسكرية يمكن أن «تحل» أزمات نتنياهو، لا في غزّة، ولا في غيرها، وأن الذهاب إلى حلول «سياسية» أصبح إجبارياً بصرف النظر عمّا إذا كانت هذه الحلول مؤقّتة، أو انتقالية إلى حلول أوسع.
نعود الآن إلى جائزة نوبل.
سأبدأ بالقول، إن ترامب لا يُفترض به أن يكون سعيداً على وجه خاص «بالترشيح» الذي تبرّع به نتنياهو، لأن مثل هذا الترشيح بالذات سيعقّد الأمر أمام لجنة اختيار الجائزة مهما كانت درجة تسييسها، ومهما بلغت درجة التملّق السياسي عند اللجنة الخاصة بها، وهي تأتي من شخص مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
من زاوية معيّنة فإنّ ترشيح نتنياهو هو سبب قوي لحجبها عن ترامب أكثر منه سبباً لمنحها. والمسألة قبل هذه المسخرة كلها أن ترامب وحتى تاريخه لم يفعل شيئاً واحداً له علاقة بأيّ سلام من أيّ نوعٍ كان، بل إن كل ما فعله ــ وهو في الواقع لم يفعل غيره ــ ليس سوى خلق حالة من الفوضى والتوتّر والتهديد والوعيد، ثم التراجع، ثم إعادة الكرّة نحو التهديد والوعيد، ثم التراجع، وهكذا دواليك.
بل هو في الواقع، وبما يخصّ منطقة الشرق الأوسط عموماً، وبما يخصّ الحرب الإبادية الإجرامية على القطاع، وعلى كل الشعب الفلسطيني لم يكن إلّا شريكاً مباشراً بها، ويتحمّل هو وإدارته قسطاً كبيراً عن الجرائم والفظائع التي تمّ ارتكابها.
وطالما أن مطلوباً للمحكمة الدولية يستطيع أن يرشّح شخصاً ـــ بصرف النظر عن منصبه ــ متهما على نطاق واسع من أوساط أميركية وعالمية بأنه مشارك مباشر في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وعلى الشعب اللبناني والعراقي والإيراني، ومتهمّا، أيضاً، بالمشاركة «المتبجّحة» بضرب منشآت دولة ذات سيادة في إيران واليمن بالصوت والصورة، وطالما أنه أعلن بالصوت والصورة وهدّد بـ»الجحيم» وبالموت والدمار فإن مجرد التفكير بحصوله على مثل هذه الجائزة هو حالة جنون، وحالة انحدار قيمي وأخلاقي، وعُهر سياسي ليس له مثيل.
وبدلاً من كل هذا الإسفاف، وكل هذا الامتهان للأخلاق والأعراف والقيم، وكل هذا الاستخفاف بكل ما هو إنساني، وبدلاً من حفلات واحتفالات تقديس وترسيم القتل والإجرام والتوحُّش تعالوا إلى المباشرة الفلسطينية بترشيح من يستحقون الحصول على هذه الجائزة.
لا أدّعي أنني أعرف متطلبات الترشيح بحذافيرها، لكن آلاف مؤلفة من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، من أعضاء فاعلين في منظماتهم السياسية والاجتماعية، والفكرية والثقافية والأكاديمية، وعشرات ومئات من الناشطين يستطيعون جمع عشرات آلاف التواقيع التي تؤيّد مرشحينا لهذه الجائزة.
وحتى تكون ترشيحاتنا بديلاً حقيقياً لترشيحات جوائز على القتل والبطش والإجرام تحت لافتات مزيّفة من «السلام» على الطريقة الصهيونية والأميركية، وحتى تكون ترشيحاتنا في صلب الهدف الحقيقي من هذه الجائزة بالرغم من كل العيوب السياسية التي شابت منحها، ولوّثت في بعض الحالات الفاقعة سمعتها، ودوافع منحها، فإن الترشيح الفلسطيني لها يجب ألا تشوبه أيّ شائبة من أيّ نوعٍ كان.
المرشّح الأوّل لهذه الجائزة هو ــ كما أرى ــ الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية الذي أثبت صلابةً وإصراراً على أداء واجبه الوطني والإنساني في ظروفٍ هي مستحيلة بكلّ مقاييسها، ليس في هذه الحرب العدوانية المجنونة على شعبنا، وعلى أهلنا في القطاع تحديداً، وإنّما في كل الظروف بالمطلق، وعلى مدى قرون من المعاناة الإنسانية.
وأما المرشّحة الثانية لهذه الجائزة فهي الطبيبة الفلسطينية آلاء النجّار، التي تفوّقت في قدرتها على التحمُّل ما تعجز أن تتحمّله جبال راسيات.
الطبيبة الأمّ، والزوجة، والإنسانة هي حالة إنسانية نادرة في التاريخ البشري كلّه، بحدود ما نعلم، وبحدود ما عبّر عنه آلاف الناس بالاستناد إلى ذاكرتهم وقراءاتهم ومعارفهم، بل وحتى البحث المباشر بُعيد فقدها لأفراد أسرتها وهي على رأس عملها.
أيّ امرأة هذه، وأيّ طاقة تحمُّل، وأيّ إصرار وعزيمة وإيمان، وأيّ التزام وطني وإنساني هذا الذي سمعناه ورأيناه وتابعناه منها وعنها، بصوتها وصورتها؟
لم أكن لأتردّد لحظة واحدة، وأظنّ أن مئات الآلاف من الفلسطينيين، وربما الملايين، وعشرات الملايين في العالمين العربي والإسلامي، وربما أكثر منهم في بلدان أوروبا والعالم لن يتردّدوا بترشيح الإيطالية فرنشيسكا ألبانيز لهذه الجائزة كواحدة من أشجع نساء هذا العالم على قول الحقيقة كاملة، دون خوف أو وجل، ودون مواربة، وبشكل يثير أعلى درجات الإعجاب من كلّ إنسان، ومن كل شرفاء هذا العالم، ومن كل محبّي الحرّية والسلام فيه.
لكن الأجدى بترشيح ألبانيز هي المنظمات الدولية، وممثلو المجتمع المدني في بلدها، وفي أوروبا، أيضاً، حتى لا نأخذ حقهم في ذلك، وحتى يبقى شرف الترشيح لهم أوّلاً، خصوصاً وأنها المقرّرة الأممية بشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
نحن من خلال هذه الترشيحات ربما نساهم في إنقاذ هذه الجائزة من السقوط المدوّي المحتوم لها في حال إن مرّ وقُبل ترشيح ترامب لنيلها، ناهيكم عن الحال بنيلها. أظنّ أن الكثيرين من حملتها، وأُسرهم وأقاربهم ومعارفهم، وكل من يحيط بهم من كل الدوائر السياسية والأكاديمية والاجتماعية والثقافية سيتوجهون إلى الأكاديمية السويدية لثنيها عن قبول الترشيح، وأظنّهم سيلقون بالجائزة ويقذفونها في وجه الأكاديمية إن هي منحت ترامب هذه الجائزة، لأنّها في هذه الحالة تصبح مشوبةً بالكثير من الشوائب التي تتعدّى العيب السياسي، وتدخل في مساحة العار السياسي كذلك، وأيضاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اتصالات أوروبية إسرائيلية للإفراج عن أموال السلطة وتسهيل دخول مساعدات إلى غزة
اتصالات أوروبية إسرائيلية للإفراج عن أموال السلطة وتسهيل دخول مساعدات إلى غزة

قدس نت

timeمنذ 2 ساعات

  • قدس نت

اتصالات أوروبية إسرائيلية للإفراج عن أموال السلطة وتسهيل دخول مساعدات إلى غزة

كشف مسؤول فلسطيني مطّلع، اليوم، عن مفاوضات متقدمة تجري بين الاتحاد الأوروبي و"إسرائيل" تهدف إلى إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، واستئناف تحويل أموال المقاصة الفلسطينية المحتجزة، والتي تقدر بنحو 8 مليارات شيكل (ما يعادل 2.3 مليار دولار). وأوضح المصدر في حديث خاص لـ"سكاي نيوز عربية" أن المفاوضات تشمل أيضًا تخفيف القيود على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووقف اعتداءات المستوطنين على القرى الفلسطينية، وذلك في مقابل تراجع بعض دول الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على إسرائيل. ووفقًا للمصدر، فإن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة قد يبدأ فعليًا يوم الإثنين، في حال وافقت إسرائيل على التفاهمات المطروحة، والتي تشمل فتح المعابر بشكل تدريجي لتسهيل دخول الغذاء والدواء والمساعدات العاجلة. كما أشار إلى أنه تم التوصل إلى تفاهمات أولية بشأن آلية جديدة لتحويل أموال الضرائب الفلسطينية، المحتجزة منذ شهور، بمشاركة الاتحاد الأوروبي، ما لم تعرقل الحكومة الإسرائيلية الاتفاق في اللحظات الأخيرة. وأكد المصدر أن هذا التوجه الأوروبي يحظى بدعم كامل من إدارة الرئيس الأميركي ترامب ، في محاولة لإعادة ضخ المساعدات وتحسين الظروف المعيشية في الأراضي الفلسطينية، لا سيما مع تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله

نَحن والشعوب في مواجهة السياسة بالنار الغرب على خطى أعادة عسكرة العالم
نَحن والشعوب في مواجهة السياسة بالنار الغرب على خطى أعادة عسكرة العالم

معا الاخبارية

timeمنذ 3 ساعات

  • معا الاخبارية

نَحن والشعوب في مواجهة السياسة بالنار الغرب على خطى أعادة عسكرة العالم

بالمجمل ، فأن زيارة نتتياهو الى واشنطن أكدت أن وجود ترامب في الحكم للمرة الثانية أعاد تمكين نتنياهو من تنفيذ رؤيته دون قيود ، وهو ما يُنذر بمزيد من الحروب الأستكمالية ، وتصفية سياسية متسارعة لحقوق شعبنا الفلسطيني ، وسط عجز دولي وعربي شبه تام ، وفي ظل مفاوضات لوقف اطلاق النار ، على أهميته القصوى الانسانية لوقف آلة القتل ، الا انه مسار يهدد باستمرار الحرب وبفرض رؤية الأستحواذ الإسرائيلي على غزة بعد تدميرها وجعلها مكانا غير صالح للحياة . فبينما لا تزال غزة تحترق تحت القصف والأبادة الجماعية ، وتستمر محاولات تصفية القضية الوطنية التحررية الفلسطينية ، تتجه الأنظار غرباً حيث تتشكل ملامح مرحلة أكثر خطورة علىينا وعلى النظام العالمي بأسره . فسياسات الهيمنة الغربية ، التي تمارس أقصى درجات العنف والإرهاب في منطقتنا ، تعود اليوم بثوب أكثر عنفا في أوروبا نفسها من خلال قرارات تعيد عسكرتها وتذكر بها كان زمن صعود النازية فيها . المجزرة المفتوحة في غزة ، وما رافقها من دعم البعض الأوروبي والشراكة الأمريكية غير المشروطة للأحتلال الإسرائيلي الأحلالي ، ليست معزولة عن مشروعهم الأوسع الذي يعيد إنتاج منطق القوة والغطرسة بوصفه الأداة الوحيدة لإدارة العالم . من هنا ، لا يمكن فصل عسكرة الأتحاد الأوروبي ، وعودة دونالد ترامب إلى الواجهة ، عن استمرار مشاريع التوسع والحرب في منطقتنا ، ولا عن محاولات فرض "شرق أوسط جديد" بالقوة . -- أوروبا على مفترق طرق ، عسكرة شاملة أم أمن مشترك ؟ يثير برنامج "إعادة تسليح أوروبا" الذي أطلقه الأتحاد الأوروبي مؤخراً جدلاً متصاعداً ، مع تواجهاته لضخ أكثر من ٨٠٠ مليار يورو في الصناعات العسكرية . إنه نهج سياسي واقتصادي مدمر يُهدد بتحويل الموارد من قطاعات أساسية كالصحة والتعليم إلى جيوب المجمعات الصناعية العسكرية . هذا التوجه يعكس تصاعداً خطيرا في النزعة العسكرية ، وتغول التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية ، وسط تغييب متعمد للرأي العام والقوى الشعبية . في واقع الأمر ، ما نشهده اليوم هو مشروع عدواني تُديره نخب سياسية واقتصادية أوروبية وامريكية مأزومة ، تحاول جاهدة الحفاظ على مكانتها في عالم يتغير لصالح التعددية القطبية ، وهو ما بعيد الى الذاكرة فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية . ان تدفيع المواطنين الأوروبيين ثمن العقوبات ضد روسيا ، عبر ارتفاع أسعار الطاقة والأستعاضة عن الغاز الروسي بالغاز الأميركي الأغلى ، كشف عمق التبعية الأوروبية للولايات المتحدة ، ليس فقط اقتصاديا ، بل سياسيا وثقافيا أيضا ، رغم الحديث عن خلافات بينهم بين الفينة والآخرى ، في وقت يواصل "حلف الناتو" الذي يجمعهما من جهته تنفيذ خطته القديمة بمحاولة محاصرة روسيا وتقويض دورها في ظل انعدام رؤية وافتقار الى توازن سياسي عقلاني . وفي وقت تُوجه من جهة اخرى الاتهامات للاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في انتهاك القانون الدولي بسبب صفقة غاز وقّعها مع إسرائيل ومصر قبل عامين ، التي تعتمد على أنبوب "خط غاز شرق المتوسط" يمر بمحاذاة ساحل غزة دون موافقتنا نحن الفلسطينيين ، ما يُعد اعتداءً على السيادة الفلسطينية وفق القوانين الدولية . التقرير الذي نشرته جريدة الغارديان اعتبر أن هذا التعاون يُساهم فعليا في تمويل العدوان على غزة . فبالرغم من المجازر المستمرة ، يواصل الاتحاد الأوروبي دعمه لإسرائيل بمجالات متعددة بلا مساءلة من خلال النفاق السياسي . -- تأجيل المؤتمر الدولي لدعم مبدأ حل الدولتين . ومن جهة اخرى ، فأن تأجيل المؤتمر الدولي لدعم مبدأ حل الدولتين الذي افرغه الغرب من المضمون وأستخدموه لأستدامة الأحتلال والتسويف في تجسيد اقامة الدولة الفلسطينية ، والذي كان يفترض أن يُعقد في حزيران الماضي برعاية فرنسية–سعودية ، كان أول مؤشر فعلي على تراجع باريس كأهم عاصمة بالإتحاد الأوروبي عن "وَعد ماكرون" الإعتراف بدولة فلسطين ، أو على الأقل على غياب الإرادة السياسية الحاسمة للمضي قدما في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الأمر الذي اكدته بعض التقارير الصحفية الدولية الصادرة أمس . -- ترامب من جديد ، عسكرة العالم وإذلال الشعوب . في هذا السياق المتوتر ، يعود دونالد ترامب منذ بدء دورته الرئاسية الثانية ليرسم معالم مرحلة أكثر قسوة من الأولى بعد ان صاغ فكرة "صفقة القرن" وبتخبط سياسي واداري لم نشهد له مثيلاً في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة ، أعلن خلالها عن عزمه إعادة تزويد أوكرانيا بالأسلحة الاسبوع الماضي ، في انسجام تام مع مشروع التسليح الأوروبي ، وكأن الطرفين يجهزان لموجة جديدة من النزاعات العالمية وخلق بؤر توتر جديدة . لم يكتفي ترامب العقائدي وصاحب فكر الصفقات التجارية بهذا وبالحديث عن "الدرع الإبراهيمي" في منطقتنا ، بل ووجه تهديدات صريحة إلى الصين ، وهاجم موسكو ، وأرسل إشارات واضحة بأن عودته إلى الحكم تعني سياسات أكثر تطرفا وعدوانية ، لا تجاه الخصوم فقط ، بل حتى تجاه الحلفاء . لقاؤه الأخير مع زعماء أفارقة في البيت الأبيض كشف حجم الغطرسة والازدراء الذي يكنه ترامب للشعوب غير الأوروبية ، في مشهد يعيدنا لعقليات الاستعمار القديم ، حيث يُراد للعالم أن يُدار بالعصا والنار ، لا بالشراكة . -- ترامب وازدراء القانون الدولي ، سياسة فوقية لا تعترف بالعالم . ضمن عودته الثانية الصاخبة الذي اشغل العالم بها ، لم يكتف دونالد ترامب بتهديد الخصوم وأحتقار الحلفاء وجمع أموالهم بمئات المليارات ، بل واصل نهجه في ازدراء المنظمات الدولية ، مُعيدا إلى الواجهة ممارساته العدوانية السابقة ضد المحكمة الجنائية الدولية ، حين فرض عقوبات على قضاتها بسبب تحقيقاتهم في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل وأميركا . كما لوّح بالعقوبات مجددا بحق دول مختلفة حتى من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ، وضد منظمة الأمم المتحدة ومؤسسات أممية اخرى ، كما وبحق "فرنسيسكا البانيزي" ، وهدد دول أميركا اللاتينية التي لا تسير في فلكه ، كما وحظر على الرئيس الكوبي تاشيرة دخول للولايات المتحدة ، متجاهلاً مبدا السيادة والقانون الدولي ، في وقت يسعى هو لجائزة نوبل للسلام بترشيح من نتنياهو كمجرم حرب ، كما سعى "هتلر" هزلياً لهذه الجائزة عام ١٩٣٨ ، بما يؤكد ان التاريخ بعيد نفسه ، مرة على شكل مهزلة والأخرى على شكل مأسآة . في هذا الإطار ، جاء الرد الشجاع من عدد من القادة الأفارقة ومن الرئيس البرازيلي التقدمي اليساري "لولا دي سيلفا" ، الذي انتقد علنا سياسات ترامب ، ورفض الخضوع للأبتزاز السياسي الأميركي ، مؤكدا أن "زمن التبعية قد انتهى ، والعالم الجديد لا يُبنى بالتهديدات بل بالعدالة والمساواة والتوازن ". -- السياسات نفسها والأدوات تتغير . ما يحدث اليوم من عسكرة للأتحاد الأوروبي ، وتصعيد أميركي ، هو في جوهره استمرار للمشروع ذاته الذي دعم نظام الانقلاب في أوكرانيا ضد الديمقراطية منذ عام ٢٠١٤ والعدوان الإسرائيلي على غزة ، وموّل العدوان على إيران وساهم به ، وقبل ذلك في يوغوسلافيا والصومال وافغانستان وغيرها ، كما وحروب التقسيم والتفتيت والفوضى في العالم العربي وتدمير مؤسسات الدولة الوطنية القومية فيه . -- السياسات واحدة ، وإن اختلفت الجغرافيا . ما يُراد تطبيقه بحرب الوكالة من خلال أوكرانيا ضد روسيا يُستنسخ برؤية الهيمنة والتوسع الإستعماري الاستئصالي في فلسطين . وما يُخطط له في تايوان يُجرب في سوريا بعد ان قاموا بتنصيب "التكفيري الأمريكي - التركي - الخليجي أحمد الشرع الجولاني" وما سيتبعه في لبنان اثر تهديدات المبعوث الأمريكي أمس ، فالقوة هي المبدأ ، والعدالة غائبة دائما . -- لا مخرج إلا بإرادة الشعوب . هذا العالم الذي يُراد لنا أن نعيش فيه تحت سطوة الغطرسة لا مستقبل له . عسكرة أوروبا لن تمنحها أمناً ، وتهديدات ترامب لن تُخضع الصين ولا تُسكت الفلسطينيين ولا تُرهب روسيا ولن تُعيد عصر عبودية العرق الأسود أو نجاح الأنقلابات العسكرية الديكتاتورية الفاشية في القارة اللاتينية كالسابق . --- بين فوقية العِرق الأبيض وروح الرأسمالية الفاشية . لا يمكن فصل هذه السياسات المتجددة من عسكرة أوروبا إلى غطرسة ترامب ، ذات الابعاد الحضارية والجيوسياسية والإقتصادية عن الجذور الفكرية العقاىدية والثقافية التي تستند إليها ، وهي في جوهرها امتداد لثقافة التفوق العرقي الأبيض العنصرية التي نشأت في ظل المنظومة الأنجلو - ساكسونية ، ووجدت في الإستعمار القديم مشروعها الأول ، وفي الرأسمالية المتوحشة مشروعها الحديث . إن منطق السيطرة الذي يحكم خطاب ترامب ومعه نتنياهو كحارس خط الدفاع الأول عن حضارة الغرب الإستعماري من مخاطر الشرق عليها ، ومثله العديد من الساسة الأوروبيين ، يستند إلى رؤية عنصرية تُقسم العالم إلى "شعوب متحضرة" تستحق الهيمنة و"شعوب متأخرة" تستحق الإخضاع ، أو يُعاد تشكيلها وفق هندسة إستعمارية ناعمة أو خشنة . في المقابل ، فإن الرأسمالية النيوليبرالية التي يتبناها الغرب لم تعد مجرد نظام اقتصادي قائم على السوق ، بل أصبحت نموذجا فاشياً في جوهره ، يُقدس جشع الربح والمال على حساب الإنسان ، والشركات الكبرى الاحتكارية والمتعددة الجنسيات على حساب الحكومات ، ويبرر الحروب بوصفها فرصاً للأستثمار ، ويفرض الصمت على الشعوب من خلال القمع الإعلامي و"حروب الرسوم الجمركية" التي سترتد على الأمريكيين انفسهم وتزيد من تفاقم ازماتهم الاقتصادية والأجتماعية ونزاعات الأنفصال لعدد من الولايات . اضافة الى فرض الرقابة حتى على الافراد والعقوبات ومحاولة السيطرة التكنولوجية بالذكاء الأصطناعي الذي يُسخر اليوم لأعمال السيطرة والقمع والحروب والإبادة . هذا التزاوج بين العنصرية الثقافية والاستغلال الاقتصادي العسكري هو ما يُنتج اليوم خطاب الغرب ضد فلسطين ، وفي أوكرانيا ، وفي أميركا اللاتينية ، وفي أفريقيا . وهو ما يجعل من مقاومتنا لهذه السياسات مع شعوب تلك القارات ، ليست فقط مقاومة سياسية ، بل معركة تحرر إنساني شامل من نظام عالمي فاسد في قيمه ، متعجرف في منطقه ، وخطِر في أدواته . -- نحن والآفاق المطلوبة لكننا نحن الفلسطينيون كجزء من شعوب العالم التي تتحرك يوميا لمناصرتنا ، ومكَون من معذبوا الأرض ، مطالبون اليوم بأن نعيد بناء ذاتنا الوطنية وتحالفاتنا الدولية ، وأن نُدرك أن لا خلاص إلا بالوحدة والارادة السياسية والتحرر من منطق الإستعمار والتبعية . فكما تقاوم القدس التي يتجدد يوميا الإعتراف بها أمريكيا كعاصمة موحدة لإسرائيل ، ضد التهويد والتفريغ ، وغزة ضد الحصار والإبادة والقصف ومشروع "غيتو رفح" كمقدمة للتهجير ، والضفة الغربية ضد إرهاب المستوطنين وتهجير المخيمات ، وكما ترفض شعوب أفريقيا الإذلال وتقف شعوب أمريكيا اللاتينية منتصبة ، وكما يصمد الشرق رغم الجراح ، فإن الأمل لا يزال ممكناً شرط أن نمتلك الوعي الجمعي بضرورة إنهاء الانقسام السياسي الأجتماعي وتنفيذ "مبدأ الشعب هو مصدر السلطات " وبضرورة حماية شعبنا من إرهاب المستوطنين بالحد الأدنى ، وبتشكيل حكومة وحدة سياسية أجتماعية تحظى يتوافق وطني شامل لمواجهة مخططات ما يسمى "باللجنة الإدارية" في غزة وخلق مجموعات عميلة "كظاهرة ابو شباب" ، والإرادة والجرأة على مواجهة مخططات الإنتقال الى أشكال جديدة من العدوان الإستعماري ضد شعبنا في كل فلسطين من اجل وقف عدوان الإبادة وتمكين شعبنا من حق تقرير المصير والأستقلال الوطني في وطنه الذي لا نملك سواه .

الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي
الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي

معا الاخبارية

timeمنذ 9 ساعات

  • معا الاخبارية

الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي

هكذا، بلغة باردة ومحايدة وخالية حتى من التعاطف أو التفهم أو الإدانة، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً إثر استشهاد الشاب الأمريكي فلسطيني الأصل، سيف الدين مصلط، البالغ من العمر عشرين عاماً، على يد مستوطنين حاولوا الاستيلاء على أرضه في سنجل، وذلك في الثالث عشر من الشهر الجاري. البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لم يدن عملية القتل ولم يشر إلى منفذيها وإلى أسبابها أو طبيعتها، البيان تجاهل الزمان والمكان والخلفيات والدوافع، وبدا وكأنه يتحدث عن حالة الجو أو أسعار العملة، ويبدو أن من كتب البيان انتبه إلى أن المواطن أمريكي ولابد من إبداء موقف، فألقى جملة تحتمل كل المعاني وتعفي أمريكا وإسرائيل من مسؤوليتهما، فأشار كاتب البيان إلى "توجيه الأسئلة المتعلقة بأي تحقيق إلى حكومة إسرائيل"، فهو لم يطالب بتحقيق، لا عاجل ولا بطيء، ولم يدعُ إلى اتخاذ خطوات لحماية المواطنين الأمريكيين، خلا البيان من أهم النقاط التي يجب أن تتوافر فيه، ألا وهي: الاستنكار والإدانة وتشكيل لجنة تحقيق، وتكرار قتل المواطنين الأمريكيين على أيدي إسرائيليين، جنوداً كانوا أم مدنيين. هذا البيان البارد والحيادي يعكس تماماً الاتجاه العام للإدارة الأمريكية الحالية مع قضية الاستيطان والمستوطنين، إذ إن دونالد ترامب دعا قادة المستوطنين إلى حفل تنصيبه ووجه إليهم التحية، كما كان من أولى قراراته عند دخوله البيت الأبيض رفع العقوبات التي فرضها بايدن على عدد من المستوطنين، كما تم دعوة بن غفير وسموتريتش إلى واشنطن، وتم الاحتفاء والاحتفال بهما، فضلاً عن تعيين سفير متعصب دينياً في إسرائيل زار مستوطنة شيلو وشاهد البقرات الحمراء المعدة لتطهير الجمهور اليهودي استعداداً لبناء الهيكل بزعمهم، وتحدث هذا السفير بلغة أبعد ما تكون عن الدبلوماسية أو حتى احترام المواقف العلنية للإدارات الأمريكية السابقة، إضافة إلى ذلك فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تدن عمليات الاستيطان الواسعة التي تجري حالياً في الضفة الغربية المحتلة ولم تدن الأعمال الإجرامية التي ينفذها المستوطنون بحق المواطنين الفلسطينيين. كما التقى ممثل عن الإدارة بقادة المستوطنين وهنأهم وتفهم مواقفهم، ودفع آخرين إلى اللقاء بهم أيضاً، وكأن هناك رغبة في دمجهم وتأهيلهم لمراحل قادمة، من لا يملك عينين فقط لا يرى أن المستوطنين الآن هم ذراع غير رسمية لتحقيق سياسة رسمية تهدف إلى الضم والتهجير وفرض حل سياسي وأمني على الضفة الغربية، وكانت ترجمة هذا الكلام ما طالبت به أوساط من حزب الليكود وأحزاب الاستيطان بفرض السيادة على كامل الضفة الغربية استغلالاً للحظة السياسية المواتية. وما يشاهد الآن من تعميق عمليات الاستيطان بكل أنواعه ومسمياته ومن زيادة وتيرة الاعتداءات على القرى والتجمعات الفلسطينية، إنما تهدف إلى تفجير الضفة الغربية واستدراج الفلسطينيين إلى مربع يستفيد منه المستوطنون ومن ورائهم حكومة الاحتلال لشرعنة الضم وإعلانه رسمياً بعد أن رسّخوه فعلياً على أرض الواقع، المستوطنون الذين لم يعودوا جسماً سياسياً على الهامش لا يخفون أهدافهم الاستعمارية المغلفة جيداً بدعاوي دينية ولاهوتية، وقد استطاعوا أن يسيطروا على الحكومة الحالية في توفير التمويل والحماية والبنية القانونية والتغطية السياسية لعمليات الاستيطان والطرد التي طالت مناطق (ج) وأجزاء أخرى من مناطق (ب) أيضاً، وهذا يعني، ضمن أمور أخرى، أن التسوية كما يراها المستوطنون، ومن ورائهم هذه الحكومة على الأقل، لا تتضمن دولة فلسطينية ولا حتى حكماً ذاتياً متجانساً، وهذا يفترض أو يتطلب تجاوز السلطة الوطنية الفلسطينية وإغفال دورها وعدم التعامل معها وكأنها غير موجودة، هذا الموقف الإسرائيلي وجد آداناً صاغية لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي تجاهلت السلطة الوطنية ولم تتعامل أو تتواصل معها، في رسالة واضحة إلى أن هذه الإدارة تخلت عن كل التزامات الإدارات الأمريكية السابقة، حتى خيار الدولتين تخلت عنه هذه الإدارة بالقول إن هذا خيار ضمن خيارات، صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تتحدث عن صفقة القرن بصيغتها السابقة، ولكنها أيضاً لم تعمل ولم ترسل أي إشارة تدل على رغبتها في التوصل إلى حلول في الضفة الغربية المحتلة بالذات. إن البيان البارد والحيادي الذي أصدرته الخارجية الأمريكية حول استشهاد مواطن أمريكي من أصل فلسطيني يعكس طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الشعب الفلسطيني كله، فهي تطالب بتهجير قطاع غزة وتحويل خرائبها إلى ريفيرا، فيما تدعم المستوطنين في الضفة الغربية وتسكت عن جرائمهم. إن مجمل الصورة كما طرحت، تؤكد ما يقال ويكتب حول سيطرة اللوبيات وجماعات الضغط على القرار الأمريكي فيما يتعلق على الأقل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ لا يمكن فهم الدوافع الأمريكية وراء تهديد محكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات على السيدة ألبانيز واستخدام حق النقض ضد أي محاولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتراجع ترامب عن محاولته بالضغط على نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، وبالنسبة لنا، كم بدا البيت الأبيض ضعيفاً ومرتبكاً حين تخلى عن انتهاز الفرصة ليضع حداً للحرب المجنونة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني. إن الدفاع عن إسرائيل وتبني مواقفها بهذه الطريقة لا يضر بالولايات المتحدة الأمريكية وصورتها وقيمها وشعبها فحسب، بل يضر بالقانون الدولي والإنساني أيضاً، ندعو الإدارة الأمريكية الحالية إلى مراجعة مواقفها والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة غير القابلة للنقض أو الانتقاص أو الانكار، إن أول خطوة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها ومن جنونها هو الاعتراف بأن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store