
ديفيد هيرست: "إسرائيل" خرجت من مغامرتها ضد إيران بمحصلة هزيمة استراتيجية
القدس المحتلة - فلسطين الآن
اعتبر سلاح الجو الألماني في الحقبة النازية أن الغارة على مدينة كوفنتري البريطانية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1940 إنجاز تكنولوجي خارق. فقد بالغت آلة الدعاية النازية في تمجيد الغارة، واصفة إياها بـ"الأعنف في تاريخ الحرب". لم يخفِ جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي، فرحته بالهجوم، حتى إنه أطلق عليه اسماً خاصاً هو "الكوفنترة". لكن، وكما يقول رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ديفيد هيرست سرعان ما تحول نشوة النصر إلى طعم مرير في فم غوبلز.
فما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتقلت مصانع إنتاج الطائرات البريطانية إلى مواقع بديلة. وتضررت القدرة الإنتاجية بشكل جزئي، لكنها لم تتوقف. وخلال أشهر، استعادت المصانع كامل طاقتها. والأسوأ بالنسبة للألمان، كما يضيف هيرست، أن صور كاتدرائية كوفنتري المدمّرة هزّت الرأي العام الأمريكي الذي لم يكن قد دخل الحرب بعد، وأظهرت صلابة البريطانيين وإصرارهم على الانتقام، ما أفضى إلى بدء حملة قصف ملكية عنيفة ضد ألمانيا.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في مشهد مألوف، لكن هذه المرة في الشرق الأوسط. فبعد 12 يوماً على العدوان الإسرائيلي على إيران، بدأت القيادات العسكرية في تل أبيب تكتشف أن "النصر الخاطف" الذي تباهت به في الساعات الأولى انقلب إلى هزيمة استراتيجية، حسبما يرى هيرست.
ويؤكد هيرست أن أياً من الأهداف الثلاثة المعلنة للاحتلال الإسرائيلي لم يتحقق. فلا يوجد دليل دامغ حتى الآن على أن برنامج التخصيب النووي الإيراني قد تم تدميره كما زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد أتيحت لإيران فرصة نقل أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن آمنة، بينما لا تزال وجهة ما يزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب غير معروفة. أما القادة والعلماء الذين سقطوا في الضربة الأولى، فقد جرى تعويضهم سريعاً.
وبحسب تقرير استخباراتي نشرته قناة "سي إن إن" الأمريكية نقلاً عن مصادر مطلعة، فإن وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون خلصت إلى أن الضربات الأمريكية على المواقع النووية الثلاثة في إيران لم تدمر جوهر البرنامج، بل أرجأته لبضعة أشهر فقط.
ويرى هيرست أن هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما حدث في كوفنتري. إذ من المتوقع أن تستعيد إيران خلال أشهر لا سنوات قدرتها على تخصيب اليورانيوم وإنتاج منصات إطلاق الصواريخ. فالتكنولوجيا والمعرفة، والأهم من ذلك، الإرادة الوطنية الإيرانية، أثبتت أنها أقوى من العاصفة.
ويضيف هيرست أن الأضرار التي لحقت بالاحتلال الإسرائيلي جراء الرد الصاروخي الإيراني تفوق ما تسببت به صواريخ "حماس" المحلية على مدى عامين، أو ما أحدثه "حزب الله" خلال أشهر. فقد تعرضت أهداف استراتيجية إسرائيلية لضربات مباشرة، بما في ذلك محطة تكرير نفط ومحطة توليد كهرباء، في حين زعمت إيران أنها أصابت مواقع عسكرية إسرائيلية، وهو ما لا يمكن التحقق منه بسهولة بسبب الرقابة المشددة.
وبرأي هيرست، فإن من أبرز نتائج العدوان هو توحيد الداخل الإيراني خلف نظامه، بدلاً من إضعافه. ولم ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق هدفه الثاني، وهو استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة بالنيابة عنه، إذ يبدو أن وعود ترامب بدعم غير مشروط تحولت إلى عبء سياسي.
ويشير هيرست إلى مفارقة سياسية حين يتساءل: "إلى متى ستبقى لافتة (شكراً سيادة الرئيس) معلقة على الطريق السريع في تل أبيب، بعد أن ضغط ترامب على المكابح لوقف اندفاعة نتنياهو العسكرية؟".
ففي البداية، أنكر ترامب تورط بلاده في الهجوم، ثم عاد وأشاد بنجاحه، مدعياً أن الفضل يعود للتكنولوجيا الأمريكية. لكنه، وفي غضون أيام، تحول من المطالبة باستسلام إيراني غير مشروط إلى شكر طهران على تحذيرها المسبق بشأن قصف قاعدة العديد في قطر، ثم أعلن رغبته في السلام.
ويقول هيرست إن ما حدث هو انقلاب سياسي كامل. فبدلاً من أن يستمر ترامب في دعم نتنياهو حتى النهاية، تراجع تحت ضغط المشاكل الداخلية، خصوصاً بعد أن أبدى جمهوريون بارزون رفضهم للمغامرة العسكرية.
ويتابع رئيس تحرير "ميدل إيست آي" أن الأيام الاثني عشر الماضية شكّلت درساً قاسياً لنتنياهو، الذي ظن أن بإمكان الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ضربات موجعة دون الحاجة إلى غطاء أمريكي. ففي اليوم الأول، بدا أن تل أبيب حققت اختراقاً كبيراً في الداخل الإيراني، شبيهاً بما فعلته في لبنان مع "حزب الله". لكنها سرعان ما أدركت أن ذلك غير كاف لتحقيق النصر.
ويضيف هيرست أن ترامب بدوره أثبت أنه رجل اللحظة الواحدة، معلناً إنهاء المهمة قبل أن يجف حبر تقارير التقييم، بل وهنأ إيران على عدم استهداف جنوده، في سلوك يعيد إلى الأذهان ما فعله مع الحوثيين في اليمن، حين اكتفى بالتصريحات قبل أن يسافر إلى الرياض لجمع المكاسب.
ورغم أن إيران تكبدت خسائر مؤلمة، من بينها مئات القتلى، وفشلت دفاعاتها الجوية في إسقاط الطائرات الإسرائيلية، إلا أنها كما يقول هيرست احتفظت بروحها القتالية واستمرت في إطلاق الصواريخ، مدركة أن مجرد فرض العيش في الملاجئ على الإسرائيليين يعد مكسباً بحد ذاته.
ويتابع: "لقد دخلت إسرائيل في حرب استنزاف لا تحتملها ميزانيتها بعد عشرين شهراً من المواجهة في غزة. وكان نتنياهو يراهن على ضربة قاضية، لكنها لم تتحقق".
ويشير هيرست إلى أن ترامب، الذي أطلق رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي عبر مكبرات الصوت: "لا تسقطوا القنابل، وإن فعلتم فستكون هناك عواقب"، بات متردداً، ما زاد من عزلة تل أبيب.
ويرى هيرست أن الصراع لم يكن في جوهره متعلقاً ببرنامج نووي لا وجود له أصلاً، بل كان معركة بين سرديتين: السردية الأولى تقول إن العرب، بما فيهم الإيرانيون، لا طاقة لهم بإسرائيل وأمريكا، وعليهم الاستسلام وقبول التجارة وترك موضوع فلسطين ليوم آخر. وهي الرواية التي تتبناها أنظمة عربية عدة بشكل غير رسمي.
أما السردية الأخرى فتؤمن، كما يكتب هيرست، أن بقاء إسرائيل بشكلها الحالي يعني استمرار الاحتلال، وبالتالي استمرار المقاومة. وتُعد إيران، في هذا السياق، حجر الزاوية في التصدي للهيمنة الإسرائيلية، ليس بسبب ترسانتها فقط، بل لجرأتها في المواجهة.
وإذا ما تم تثبيت وقف إطلاق النار، فلن تتعجل إيران العودة إلى طاولة المفاوضات. فهي وفقاً لهيرست لن تثق برئيس أمريكي انسحب من الاتفاق النووي مرتين، ولا ترى أي طائل من محادثات لا تفضي إلى ضمانات بعدم تكرار الهجوم.
ويشير إلى أن انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي قد يكون أحد الخيارات، وربما تجد فيه حافزاً للذهاب نحو تطوير قنبلة نووية لردع إسرائيل.
ويختم هيرست مقاله بالقول إن طهران ليست في عجلة من أمرها، وقد صمدت أمام عقوبات وحرب ضروس. هي ليست بحاجة لاتفاق، بل تستطيع إعادة البناء والتعافي. أما نتنياهو وترامب، فكلاهما بحاجة إلى المحاسبة.
ويقتبس هيرست مما قاله وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان: "رغم النجاحات الاستخباراتية والعسكرية، فإن النهاية مرة. سندخل في مفاوضات صعبة مع نظام لن يتوقف عن التخصيب أو تصنيع الصواريخ أو دعم (الإرهاب)". ويضيف ليبرمان: "لقد حذرت منذ البداية: لا يوجد أخطر من أسد جريح. وقف إطلاق النار بلا صفقة سيفضي إلى حرب جديدة بعد عامين أو ثلاثة، ولكن في ظروف أسوأ".
ويختتم هيرست بالتشديد على أن إسرائيل استبدلت عدواً غير مباشر بآخر مباشر، أكثر خطورة، وأكثر جرأة. وبدلاً من الميليشيات، تواجه الآن دولة قادرة على إدخال كامل سكانها إلى الملاجئ. أما أوروبا، التي كانت طرفاً في الاتفاق النووي، فقد تخلت عن كل دورها، وأثبتت مرة أخرى عجزها عن الوساطة. إنها، كما يقول هيرست، تقوض النظام الدولي الذي تتشدق بحمايته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين الآن
منذ 10 ساعات
- فلسطين الآن
جيش الاحتلال: أعدنا برنامج إيران النووي سنوات للخلف
القدس المحتلة - فلسطين الآن أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، أنه "من السابق لأوانه تلخيص نتائج العملية العسكرية في إيران"، على حد قوله. وقال المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين، إنه "تم استغلال فرصة استهداف البرنامج الصاروخي الإيراني"، مؤكدًا أن "التقديرات تفيد بأننا أعدنا برنامج إيران النووي سنوات للخلف". وأضاف ديفرين أن "الجيش حقق أهدافه في إيران أفضل مما كان مقدّرًا له"، متابعًا: "إيران أصبحت بعيدة عن امتلاك سلاح نووي". وأوضح المتحدث باسم جيش الاحتلال أن "المستوى السياسي هو من اتخذ قرار وقف النار مع إيران"، مشيرًا إلى أن "الجيش يتعقب أنشطة "حزب الله" و"أنصار الله" ومستعد للتعامل معهما". وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن إيران و"إسرائيل" وافقتا على وقف إطلاق النار بينهما في وقت مبكر صباح أمس الثلاثاء، وذلك عقب تصعيد عسكري متبادل بين البلدين دام نحو 12 يوما. إلا أن "إسرائيل" وإيران تبادلتا الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، بعد وقت قصير من دخوله حيز التنفيذ. وجاء إعلان ترامب، بعد ساعات فقط من شن إيران هجوما صاروخيا على قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، ردا على ضربات أمريكية طالت منشآتها النووية الرئيسية وهي فوردو ونطنز وأصفهان فجر الأحد الماضي. من جهتها، دانت قطر الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية، مؤكدة أن الهجوم يعد "انتهاكا صارخا" لسيادتها ومجالها الجوي وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتعد الضربات الأمريكية على إيران أول تدخل عسكري مباشر من جانب الولايات المتحدة لدعم "إسرائيل" التي بدأت الحرب ضد إيران، في 13 يونيو الجاري، بشن ضربات جوية مفاجئة في عملية أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت نووية في إيران، أهمها منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم. وأدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين البارزين والمسؤولين الإيرانيين أبرزهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش محمد باقري، وقائد القوات الجوية والفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده. وبعدما توعد المرشد الإيراني علي خامنئي "إسرائيل" بأنها ستواجه "مصيرًا مريرًا ورهيبًا" ردا على "جريمتها وعدونها"، ردت إيران، بضربات جوية ضد إسرائيل، في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "الوعد الصادق 3"، استهدفت خلالها عشرات المواقع العسكرية والقواعد الجوية في "إسرائيل"، مؤكدة أن العملية ستتواصل طالما اقتضت الضرورة. وبررت "إسرائيل" هجماتها بأن إيران وصلت إلى "نقطة اللاعودة" في تخصيب اليورانيوم وتقترب من امتلاك سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران وتصر دائما على أن أنشطتها النووية مخصصة لأغراض سلمية فقط.


فلسطين الآن
منذ 10 ساعات
- فلسطين الآن
ديفيد هيرست: "إسرائيل" خرجت من مغامرتها ضد إيران بمحصلة هزيمة استراتيجية
القدس المحتلة - فلسطين الآن اعتبر سلاح الجو الألماني في الحقبة النازية أن الغارة على مدينة كوفنتري البريطانية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1940 إنجاز تكنولوجي خارق. فقد بالغت آلة الدعاية النازية في تمجيد الغارة، واصفة إياها بـ"الأعنف في تاريخ الحرب". لم يخفِ جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي، فرحته بالهجوم، حتى إنه أطلق عليه اسماً خاصاً هو "الكوفنترة". لكن، وكما يقول رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ديفيد هيرست سرعان ما تحول نشوة النصر إلى طعم مرير في فم غوبلز. فما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتقلت مصانع إنتاج الطائرات البريطانية إلى مواقع بديلة. وتضررت القدرة الإنتاجية بشكل جزئي، لكنها لم تتوقف. وخلال أشهر، استعادت المصانع كامل طاقتها. والأسوأ بالنسبة للألمان، كما يضيف هيرست، أن صور كاتدرائية كوفنتري المدمّرة هزّت الرأي العام الأمريكي الذي لم يكن قد دخل الحرب بعد، وأظهرت صلابة البريطانيين وإصرارهم على الانتقام، ما أفضى إلى بدء حملة قصف ملكية عنيفة ضد ألمانيا. واليوم يعيد التاريخ نفسه في مشهد مألوف، لكن هذه المرة في الشرق الأوسط. فبعد 12 يوماً على العدوان الإسرائيلي على إيران، بدأت القيادات العسكرية في تل أبيب تكتشف أن "النصر الخاطف" الذي تباهت به في الساعات الأولى انقلب إلى هزيمة استراتيجية، حسبما يرى هيرست. ويؤكد هيرست أن أياً من الأهداف الثلاثة المعلنة للاحتلال الإسرائيلي لم يتحقق. فلا يوجد دليل دامغ حتى الآن على أن برنامج التخصيب النووي الإيراني قد تم تدميره كما زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد أتيحت لإيران فرصة نقل أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن آمنة، بينما لا تزال وجهة ما يزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب غير معروفة. أما القادة والعلماء الذين سقطوا في الضربة الأولى، فقد جرى تعويضهم سريعاً. وبحسب تقرير استخباراتي نشرته قناة "سي إن إن" الأمريكية نقلاً عن مصادر مطلعة، فإن وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون خلصت إلى أن الضربات الأمريكية على المواقع النووية الثلاثة في إيران لم تدمر جوهر البرنامج، بل أرجأته لبضعة أشهر فقط. ويرى هيرست أن هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما حدث في كوفنتري. إذ من المتوقع أن تستعيد إيران خلال أشهر لا سنوات قدرتها على تخصيب اليورانيوم وإنتاج منصات إطلاق الصواريخ. فالتكنولوجيا والمعرفة، والأهم من ذلك، الإرادة الوطنية الإيرانية، أثبتت أنها أقوى من العاصفة. ويضيف هيرست أن الأضرار التي لحقت بالاحتلال الإسرائيلي جراء الرد الصاروخي الإيراني تفوق ما تسببت به صواريخ "حماس" المحلية على مدى عامين، أو ما أحدثه "حزب الله" خلال أشهر. فقد تعرضت أهداف استراتيجية إسرائيلية لضربات مباشرة، بما في ذلك محطة تكرير نفط ومحطة توليد كهرباء، في حين زعمت إيران أنها أصابت مواقع عسكرية إسرائيلية، وهو ما لا يمكن التحقق منه بسهولة بسبب الرقابة المشددة. وبرأي هيرست، فإن من أبرز نتائج العدوان هو توحيد الداخل الإيراني خلف نظامه، بدلاً من إضعافه. ولم ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق هدفه الثاني، وهو استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة بالنيابة عنه، إذ يبدو أن وعود ترامب بدعم غير مشروط تحولت إلى عبء سياسي. ويشير هيرست إلى مفارقة سياسية حين يتساءل: "إلى متى ستبقى لافتة (شكراً سيادة الرئيس) معلقة على الطريق السريع في تل أبيب، بعد أن ضغط ترامب على المكابح لوقف اندفاعة نتنياهو العسكرية؟". ففي البداية، أنكر ترامب تورط بلاده في الهجوم، ثم عاد وأشاد بنجاحه، مدعياً أن الفضل يعود للتكنولوجيا الأمريكية. لكنه، وفي غضون أيام، تحول من المطالبة باستسلام إيراني غير مشروط إلى شكر طهران على تحذيرها المسبق بشأن قصف قاعدة العديد في قطر، ثم أعلن رغبته في السلام. ويقول هيرست إن ما حدث هو انقلاب سياسي كامل. فبدلاً من أن يستمر ترامب في دعم نتنياهو حتى النهاية، تراجع تحت ضغط المشاكل الداخلية، خصوصاً بعد أن أبدى جمهوريون بارزون رفضهم للمغامرة العسكرية. ويتابع رئيس تحرير "ميدل إيست آي" أن الأيام الاثني عشر الماضية شكّلت درساً قاسياً لنتنياهو، الذي ظن أن بإمكان الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ضربات موجعة دون الحاجة إلى غطاء أمريكي. ففي اليوم الأول، بدا أن تل أبيب حققت اختراقاً كبيراً في الداخل الإيراني، شبيهاً بما فعلته في لبنان مع "حزب الله". لكنها سرعان ما أدركت أن ذلك غير كاف لتحقيق النصر. ويضيف هيرست أن ترامب بدوره أثبت أنه رجل اللحظة الواحدة، معلناً إنهاء المهمة قبل أن يجف حبر تقارير التقييم، بل وهنأ إيران على عدم استهداف جنوده، في سلوك يعيد إلى الأذهان ما فعله مع الحوثيين في اليمن، حين اكتفى بالتصريحات قبل أن يسافر إلى الرياض لجمع المكاسب. ورغم أن إيران تكبدت خسائر مؤلمة، من بينها مئات القتلى، وفشلت دفاعاتها الجوية في إسقاط الطائرات الإسرائيلية، إلا أنها كما يقول هيرست احتفظت بروحها القتالية واستمرت في إطلاق الصواريخ، مدركة أن مجرد فرض العيش في الملاجئ على الإسرائيليين يعد مكسباً بحد ذاته. ويتابع: "لقد دخلت إسرائيل في حرب استنزاف لا تحتملها ميزانيتها بعد عشرين شهراً من المواجهة في غزة. وكان نتنياهو يراهن على ضربة قاضية، لكنها لم تتحقق". ويشير هيرست إلى أن ترامب، الذي أطلق رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي عبر مكبرات الصوت: "لا تسقطوا القنابل، وإن فعلتم فستكون هناك عواقب"، بات متردداً، ما زاد من عزلة تل أبيب. ويرى هيرست أن الصراع لم يكن في جوهره متعلقاً ببرنامج نووي لا وجود له أصلاً، بل كان معركة بين سرديتين: السردية الأولى تقول إن العرب، بما فيهم الإيرانيون، لا طاقة لهم بإسرائيل وأمريكا، وعليهم الاستسلام وقبول التجارة وترك موضوع فلسطين ليوم آخر. وهي الرواية التي تتبناها أنظمة عربية عدة بشكل غير رسمي. أما السردية الأخرى فتؤمن، كما يكتب هيرست، أن بقاء إسرائيل بشكلها الحالي يعني استمرار الاحتلال، وبالتالي استمرار المقاومة. وتُعد إيران، في هذا السياق، حجر الزاوية في التصدي للهيمنة الإسرائيلية، ليس بسبب ترسانتها فقط، بل لجرأتها في المواجهة. وإذا ما تم تثبيت وقف إطلاق النار، فلن تتعجل إيران العودة إلى طاولة المفاوضات. فهي وفقاً لهيرست لن تثق برئيس أمريكي انسحب من الاتفاق النووي مرتين، ولا ترى أي طائل من محادثات لا تفضي إلى ضمانات بعدم تكرار الهجوم. ويشير إلى أن انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي قد يكون أحد الخيارات، وربما تجد فيه حافزاً للذهاب نحو تطوير قنبلة نووية لردع إسرائيل. ويختم هيرست مقاله بالقول إن طهران ليست في عجلة من أمرها، وقد صمدت أمام عقوبات وحرب ضروس. هي ليست بحاجة لاتفاق، بل تستطيع إعادة البناء والتعافي. أما نتنياهو وترامب، فكلاهما بحاجة إلى المحاسبة. ويقتبس هيرست مما قاله وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان: "رغم النجاحات الاستخباراتية والعسكرية، فإن النهاية مرة. سندخل في مفاوضات صعبة مع نظام لن يتوقف عن التخصيب أو تصنيع الصواريخ أو دعم (الإرهاب)". ويضيف ليبرمان: "لقد حذرت منذ البداية: لا يوجد أخطر من أسد جريح. وقف إطلاق النار بلا صفقة سيفضي إلى حرب جديدة بعد عامين أو ثلاثة، ولكن في ظروف أسوأ". ويختتم هيرست بالتشديد على أن إسرائيل استبدلت عدواً غير مباشر بآخر مباشر، أكثر خطورة، وأكثر جرأة. وبدلاً من الميليشيات، تواجه الآن دولة قادرة على إدخال كامل سكانها إلى الملاجئ. أما أوروبا، التي كانت طرفاً في الاتفاق النووي، فقد تخلت عن كل دورها، وأثبتت مرة أخرى عجزها عن الوساطة. إنها، كما يقول هيرست، تقوض النظام الدولي الذي تتشدق بحمايته.


فلسطين الآن
منذ 10 ساعات
- فلسطين الآن
محلل إسرائيلي يكشف تفاصيل الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار مع طهران
القدس المحتلة - فلسطين الآن كشف المحلل العسكري الإسرائيلي، آفي أشكنازي٬ في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، أن حالة من الغضب العارم تسود الإدارة الأمريكية، وخاصة لدى الرئيس دونالد ترامب، بعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، من الجانبين. وقال أشكنازي إن ترامب، الذي بادر إلى صياغة اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين تل أبيب وطهران، أبدى امتعاضه الشديد من التصعيد المفاجئ، متهماً الطرفين بانتهاك الاتفاق، وداعياً الجيش الإسرائيلي إلى "إعادة الطيارين فوراً"، في إشارة إلى عشرات الطائرات الحربية التي كانت في طريقها لقصف أهداف داخل الأراضي الإيرانية. وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اضطر، بناءً على توجيه مباشر من ترامب، إلى إصدار تعليمات بإعادة الطائرات الإسرائيلية، التي كانت تستعد لتوجيه ضربة جديدة داخل إيران، عقب موجتي إطلاق نار إيرانيتين على الاحتلال الإسرائيلي في السابعة والعاشرة والنصف صباحاً. وأوضح أشكنازي أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين نتنياهو وترامب في أعقاب تصريحات الأخير، حمل نبرة شديدة وحاسمة من الجانب الأمريكي، حيث نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصدر في البيت الأبيض أن "الرئيس كان غاضباً، وتحدث بلهجة مباشرة وصريحة مع نتنياهو". وأضاف مسؤول أمريكي آخر لموقع "والا" العبري أن ترامب أوضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يتعيّن الحفاظ على وقف إطلاق النار، وأنه يدرك خطورة الوضع، ولكن لا بد من التهدئة. وتابع المصدر أن "ترامب شعر بأن نتنياهو لا يقدر حساسية الموقف بما فيه الكفاية". "إسرائيل" تعيد طائراتها ووفقاً لأشكنازي، فرغم الرسائل الأمريكية شديدة اللهجة، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ قصف محدود لأهداف رمزية شمال طهران، بالتنسيق مع واشنطن، قبل أن يعيد كافة الطائرات. ونقل عن مصادر إسرائيلية قولها إن "الضربة نُفّذت وفق التفاهم مع الأمريكيين، بهدف إنهاء الحادث ومنع انهيار وقف إطلاق النار". وبحسب التقرير، فإن حالة من الارتباك سادت صفوف الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو في الساعات اللاحقة، في ظل رسائل متضاربة من الإدارة الأمريكية حول طبيعة الرد المسموح به، وسط تردد في تأكيد أو نفي استمرار العمليات الهجومية. وقال مصدر سياسي إسرائيلي لم يُكشف عن اسمه: "الرسالة من البيت الأبيض كانت أن من حق إسرائيل الرد، لكن تصريحات ترامب العلنية أربكت الموقف تماماً". ترامب: "لست راضياً عن "إسرائيل" وأشار أشكنازي إلى أن ترامب بدا منفعلاً في تصريحاته للصحفيين أثناء صعوده طائرته الخاصة، حيث قال: "لست راضياً عن إسرائيل، ولا عن إيران، لكنني في الحقيقة لست راضياً عن إسرائيل"، في إشارة إلى قصفها رغم الالتزام المفترض بوقف إطلاق النار. وأكد ترامب أن "كلا الجانبين انتهكا الاتفاق"، لكنه أبدى تفهما محدودا لانتهاك إيران، معتبرا أن "الصاروخ الإيراني الذي أُطلق بعد الساعة السابعة صباحا ربما كان بالخطأ"، بحسب ما نقل الصحفي الإسرائيلي. وغرد ترامب لاحقاً قائلاً: "يا إسرائيل، لا تُسقطوا تلك القنابل. إن فعلتم، فهذا انتهاك كبير. أعيدوا طياريكم"، مضيفاً في تغريدة أخرى أن "إسرائيل لن تهاجم إيران. جميع الطائرات ستعود". طهران ترد بعنف وتتوعد وتابع أشكنازي أن ردود الفعل الإيرانية لم تتأخر، إذ أصدر الحرس الثوري الإيراني بياناً قال فيه: "هذا ليس تحذيراً، بل إعلان حالة. ردنا على أي عدوان سيكون مضاعفاً ومدمراً"، مهدداً بالتصعيد إذا تكرر القصف الإسرائيلي. وأوضح أن الصاروخ الإيراني الذي سقط في مدينة بئر السبع وأدى إلى مقتل 4 مدنيين، كان سبباً مباشراً في حالة الغضب داخل القيادة الإسرائيلية، التي رأت في الأمر انتهاكاً صارخاً للاتفاق. وفي هذا السياق، صرح وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس قائلاً: "في ضوء الانتهاك الكامل لوقف إطلاق النار من قبل إيران، وتماشياً مع سياسة الحكومة، وجهتُ الجيش، بالتنسيق مع رئيس الوزراء، بمواصلة العمليات الهجومية ضد أهداف النظام في طهران". كما نقل الصحفي عن رئيس الأركان الجنرال إيال زامير تأكيده على أن "الجيش سيرد بقوة على هذا الانتهاك"، بينما غرد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قائلاً: "طهران سترتجف". وفي سياق موازٍ، كشف أشكنازي أن مسؤولين أمريكيين كبار وجهوا رسالة غير مباشرة إلى طهران عبر الوسيط القطري، حملت تحذيرا شديد اللهجة جاء فيه: "كفى عبثاً.. لا إطلاق نار بعد الآن". كما نقل عن الصحفي عميخاي شتاين قوله إن الرسالة الأمريكية تضمنت تحذيراً من الانزلاق إلى مواجهة شاملة، في ظل عدم رغبة إدارة ترامب في التصعيد، خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. واختتم آفي أشكنازي تقريره بالإشارة إلى أن المؤسسة السياسية والعسكرية تمرّ بحالة ارتباك وتناقض، في ظل ضغوط أمريكية مباشرة من جهة، ورغبة في الردع والتصعيد من جهة أخرى.