
حملة اعتقالات واسعة لمسؤولين منتمين للمعارضة في إسطنبول
قالت وسائل إعلام رسمية إن السلطات التركية أمرت باعتقال العديد من أعضاء أحزاب المعارضة في إسطنبول ، وداهمت بلديات تديرها المعارضة اليوم السبت.
وأشارت وسائل إعلام تركية إلى أن السلطات أصدرت مذكرات اعتقال بحق 47 شخصا في 4 تحقيقات منفصلة بقضايا كسب غير مشروع، وجرى احتجاز 28 منهم.
وأضافت وكالة الأناضول أن من بين المحتجزين النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري أيقوت أردوغدو، ورؤساء بلديات عدة مناطق وكبار الموظفين في بلدية إسطنبول والمؤسسات المرتبطة بها ورئيسا بلديتين في إقليم أضنة بالجنوب.
وقالت إن الشرطة فتشت أيضا مباني بلديات أفجلار وبيوك شكمجة وغازي عثمان باشا وسيدان وجيهان التي صدر أمر باعتقال رؤساء بلدياتها في إطار التحقيق.
كما جرى اعتقال رئيسة بلدية سيهان في أضنة، ورئيس بلدية جيهان في المدينة ذاتها أيضا.
وذكرت قناة "إن. تي. في" أنه ردا على الموجة الجديدة من الاعتقالات، دعا حزب الشعب الجمهوري إلى اجتماع طارئ في إسطنبول.
وفي السياق ذاته، أصدر والي مدينة إسطنبول داوود غل قرارا بإغلاق محطات المترو المؤدية ل ميدان تقسيم حتى إشعار آخر، تحسبا لأي مظاهرات محتملة بعد الاعتقالات لرؤساء البلديات الثلاث في المدينة.
اتهامات وتبريرات
وقالت بعض الدول الغربية وجماعات حقوقية وحزب الشعب الجمهوري مرارا إن هذه العمليات معادية للديمقراطية وتهدف إلى القضاء على الآفاق الانتخابية للمعارضة.
وفي 19 مارس/آذار الماضي كشف وزير العدل التركي يلماز تونتش أن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي اعتقل، يواجه تهمتين تتعلقان بـ"الفساد" و"مساعدة منظمة إرهابية".
وقال الوزير حينها إنه لا أحد فوق القانون بمن في ذلك رئيس بلدية إسطنبول، وأن التحقيق الجاري لا دخل له برئيس الجمهورية، وشدد على أن الدستور واضح والمحاكم والقضاة في تركيا لا يأخذون تعليماتهم من أحد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
مبادرة عراقية لحماية مياه دجلة والفرات تواجه تحديات وانتقادات
بغداد- تتواصل أزمة الجفاف التي يواجهها العراق منذ أعوام، بسبب تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، مما يدفع الحكومة إلى البحث عن حلول لمواجهة هذا التحدي الكبير الذي يهدد -وفق تقارير نشرت مؤخرا- الأمن المائي والغذائي في البلاد. وفي حين يكثر الحديث عن أسباب نقص المياه والجفاف وتداعياتها على العراق، يطرح المسؤولون في الحكومة المشكلة على طاولة البحث مع دول الجوار، ومن ذلك ما تحدث به رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال زيارته في أبريل/نيسان الماضي إلى تركيا، حيث دعا أنقرة إلى الإسهام في دعم جهود معالجة أزمة المياه. وسبق أن أعلنت وزارة الموارد المائية أن نقص واردات المياه من دول المنبع (تركيا وإيران) تتسبّب في تراجع معدل التخزين العام، مما يشكل خطرا كبيرا يهدد العراقيين. مبادرة حكومية وفي سياق الجهود التي تبذلها الحكومة لمواجهة هذا التحدي، أعلن رئيس الوزراء العراقي الشهر الماضي إطلاق مبادرة إقليمية تهدف إلى حماية مياه نهري دجلة والفرات، وضمان استدامتهما للأجيال القادمة، غير أن هذه المبادرة قُبلت ببعض الانتقادات من خبراء محليين. وخلال كلمته في مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، الذي عقد في 24 مايو/أيار الماضي، أكد السوداني أن هذه المبادرة تسعى لترسيخ الأمن المائي عبر الأطر القانونية والأعراف الدولية من خلال إستراتيجية شاملة تستخدم التكنولوجيا، ستكون منصة للتعاون المشترك بين الدول المتشاطئة. وفي السياق، أكد المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية في وزارة الموارد المائية حاتم حميد أن رئيس الوزراء وجه الدعوة إلى جميع الشركاء الإقليميين للمشاركة في هذه المبادرة، وعلى رأسهم دول المنبع تركيا وسوريا وإيران، إضافة إلى الشركاء الدوليين الآخرين. وقال حميد للجزيرة نت إن هذه المبادرة تستند إلى التنسيق الإقليمي والدولي لتعزيز الأمن المائي في حوضي دجلة والفرات، لافتا إلى أنها تتبنى نموذجا متكاملا يجمع بين الابتكار التكنولوجي والحوكمة الرشيدة والشراكة المجتمعية. أهداف إستراتيجية وركز المسؤول العراقي على أن حماية النهرين أولوية إقليمية، وذلك من خلال تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، لا سيما الهدف السادس المتعلق بالمياه والصرف الصحي. وترتكز المبادرة على أهداف إستراتيجية لضمان مستقبل مائي آمن ومستدام، وتشمل: تعزيز الإدارة المتكاملة لموارد دجلة والفرات. استخدام التكنولوجيا الحديثة لمراقبة جودة المياه. تمكين المجتمعات المحلية في حماية الأنهار. إطلاق منصة إقليمية للتعاون. تطوير برامج تعليمية للحفاظ على النهرين. مواءمة السياسات الوطنية مع متطلبات الحماية. تعزيز التكيف مع التغير المناخي من خلال حصاد المياه والري المغلق. دعم البحوث التطبيقية لابتكار تقنيات مستدامة. وتعتمد المبادرة على شراكات واسعة النطاق تشمل الوزارات ذات الصلة بالمياه في العراق ودول الجوار (تركيا، سوريا، إيران)، إضافة إلى المنظمات الدولية التي يمكن أن تسهم بالدعم الفني والمالي، ومراكز الأبحاث والجامعات المتخصصة في إدارة المياه. مشاريع تنفيذية وتتضمن المبادرة التي أطلقتها الحكومة العراقية مشاريع تنفيذية، أهمها: إعلان مشروع "قطرة ذكية"، ويهدف إلى ترشيد استهلاك المياه في جميع القطاعات، من خلال ربط حساسات ذكية وربط البيانات بتطبيق توعوي لحث المجتمع على الترشيد. مشروع "انسحاب"، ويركز على استخدام أنظمة حصاد المياه في المدن والأنهار وتوعية المزارعين بأهمية المياه وترشيدها. مشروع "تحلية لامركزية"، ويستهدف المناطق النائية بتركيب وحدات تحلية تعمل بالطاقة الشمسية. مشروع "عين الماء"، ويهدف إلى إنشاء مركز وطني لمراقبة كمية وجودة المياه. مشروع "سفراء النهرين"، ويركز على تدريب الشباب على مفاهيم إدارة المياه وتنفيذ حملات توعية في المدارس والجامعات. مشروع "المرونة المناخية"، ويهدف إلى إنشاء نظام إنذار مبكر للفيضانات والجفاف وحالات الكوارث المتعلقة بالمياه في حوضي دجلة والفرات. وتطمح الحكومة -وفق حاتم حميد- إلى الحصول على مصادر تمويل للمشاريع المنبثقة عن المبادرة، وتتنوع مصادر التمويل لتشمل التمويل الوطني على مستوى الوزارات والدول المشاركة، إضافة إلى دعم المنظمات الدولية وصناديق التمويل الدولية مثل صندوق المناخ الأخضر. على الطرف المقابل، يرى خبراء أن المبادرة الإقليمية لحماية نهري دجلة والفرات لا تتعدى كونها "للاستهلاك الإعلامي فقط، وليست للتطبيق الفعلي". ويرى الخبير بالشأن المائي عادل المختار أن هذه المبادرة "ليست سوى إعلام انتخابات لا أكثر ولا أقل"، مشيرا إلى غياب التعاون الحقيقي بين دول الجوار في ما يتعلق بإدارة المياه. وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن إيران تسعى إلى إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة، وقد أقدمت على قطع الأنهر الوافدة إلى العراق الذي لم يستطع اتخاذ إجراءات مضادة، مضيفا أن الإيرادات المائية من تركيا تشهد انخفاضا مستمرا. وقال إن سوء الإدارة هو الأساس الطاغي في أزمة المياه الحالية في العراق، وإن دول الجوار تدرك هذا الواقع وتطالب العراق بإصلاح وضعه. وفند المختار الادعاءات المتكررة بشأن تعرض العراق لجفاف مستمر منذ 5 سنوات، مؤكدا أن هذا الأمر "غير دقيق"، مشيرا إلى أن العام الماضي شهد أمطارا غزيرة أدت إلى وصول المخزون المائي إلى 21 مليار متر مكعب، غير أن هذه الكميات "أُهدرت بالكامل بسبب سوء الإدارة المائية". وأكد أن العراق لا يعاني من مشكلة نقص السدود، بل إن السدود الموجودة لم تمتلئ طوال الأعوام الماضية لتستدعي الحاجة إلى بناء سدود إضافية، موضحا أن المشكلة الأساسية تكمن في التجاوزات على الأنهر، والسياسات الحكومية "غير الصارمة" في التعامل معها. وانتقد المختار تشجيع زراعة الحنطة وتسلم كميات خارج الخطة الزراعية بأسعار تفوق الأسعار العالمية (600 دولار للطن مقابل 200 دولار عالميا)، وغيرها من الإجراءات الحكومية التي أسهمت في نقص المياه. وفي ما يتعلق بالتغير المناخي، أقر المختار بوجود انخفاض في كميات الإيرادات المائية (من 60-70 مليار متر مكعب إلى 40 مليار متر مكعب)، غير أنه شدد على أن المشكلة الأساسية تكمن في هدر المياه من الدولة نفسها، بسبب اعتماد أساليب الزراعة القديمة وعدم إلزام الشركات النفطية باستخدام مياه البحر المحلاة لحقن الآبار، بدلا من استهلاك 5 مليارات متر مكعب من مياه دجلة والفرات. ويرى المختار أن على الحكومة العراقية اتخاذ خطوات جدية لمعالجة سوء الإدارة المائية والتصدي للتجاوزات على الأنهر، بدلا من الاعتماد على مبادرات إقليمية تفتقر إلى التطبيق الفعلي.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
شارك الأسد وغسل أموال صدام حسين.. القصة الكاملة لرامي مخلوف
يُعد رامي مخلوف الشخصية الاقتصادية السورية الأبرز على مدار فترة طويلة من حكم ابن خاله الرئيس المخلوع بشار الأسد ، حيث ارتبط اسمه بالنفوذ الاقتصادي الهائل، والسيطرة على قطاعات حيوية، والاتهامات بالفساد خلال حكم عائلة الأسد. في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري وُلد رامي في 10 يوليو/تموز عام 1969، وهو الابن الأكبر لمحمد مخلوف، شقيق أنيسة مخلوف ، زوجة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد ، مما يجعل رامي ابن خال بشار الأسد، ولهذا فقد نشأ في عائلة ذات نفوذ اقتصادي وسياسي كبير. محمد مخلوف والبداية تعود قصة هذه العائلة إلى عام 1972، حين تولى محمد مخلوف أخو أنيسة إدارة المؤسسة العامة للتبغ، وظل على رأسها حتى إبعاده عنها عام 1985، ثم تولّى فيما بعد إدارة المصرف العقاري، وبحسب بعض التسريبات الصحفية الاستقصائية فإن محمد مخلوف، فور تسلمه منصب إدارة المصرف العقاري السوري، فرض تسعيرة على القروض الممنوحة من المصرف بنسبة فائدة بلغت 15%، واستند إلى هذه التسعيرة في منح قروض ضخمة بمليارات الدولارات، ما أتاح له تحقيق أرباح شخصية مباشرة. ومن خلال موقعه في المؤسسة العامة للتبغ، ولاحقا في المصرف العقاري، استطاع مخلوف أن يراكم ثروات ضخمة لم تُعرف قيمتها بدقة على مدى سنوات من العمل في هذين القطاعين الحيويين، وبحلول عام 1980، تنبّه مخلوف إلى الأهمية الضخمة لقطاع النفط السوري الوليد آنذاك، وما يدرّه من أموال هائلة، فانتقل إلى الاستثمار فيه، إذ أصبح شريكا في "شركة الفرات للنفط"، وهي شركة مختصة بالتنقيب عن النفط واستثمار الحقول. وفي العام نفسه، قام محمد مخلوف بتأسيس شركة "ليدز" النفطية، التي اتخذت من العاصمة السورية دمشق مقرا لها، بالشراكة مع قريبه رجل الأعمال نزار أسعد، ولإخفاء صلته المباشرة بالشركة، عمد مخلوف إلى تسجيل حصته باسم غسان مهنا، شقيق زوجته، الذي كان يشغل سابقا منصبا في شركة النفط والغاز السورية، وقد دخلت "ليدز" بعد ذلك إلى سوق الاستثمار في قطاع النفط، مستفيدة من النفوذ الواسع الذي تمتع به مخلوف داخل مؤسسات الدولة الاقتصادية. ورغم كل ذلك، لم يكن محمد مخلوف وابنه رامي من المتنفذين على القرار الاقتصادي والسياسي الأكبر في البلد في ظل حافظ الأسد، إلى أن سنحت لهما الفرصة مع تفاقم وضع حافظ الصحي عام 1998، وبداية انتقال السلطة إلى ابنه بشار، حيث بدأ نفوذ العائلة، وخاصة رامي مخلوف، بالتوسع بشكل غير مسبوق. ومع تقلد بشار السلطة عام 2000، أدى ضعف خبرته السياسية والاقتصادية إلى بروز شخصية خاله محمد مخلوف بصفته مستشارا فعليا ومؤثرا خلف الكواليس، وقد استفاد مخلوف من ثقة الأسد الابن وإعجابه بطريقة إدارته ومهاراته الاقتصادية، ليضع خطة إستراتيجية تهدف إلى إحكام السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، شملت أهم القطاعات الحيوية مثل النفط، والاتصالات، والقطاع المصرفي. وبحسب بعض التقارير الاقتصادية وقتها، تولى مخلوف الإشراف على قطاع النفط بجميع جوانبه، من التنقيب إلى التصدير والاستيراد، وأسّس في هذا السياق شركات بالشراكة مع كلٍّ من غسان مهنا ونزار أسعد، بينما أوكل لابنه رامي إدارة قطاع الاتصالات، الذي أصبح لاحقا أحد أبرز مصادر النفوذ المالي للعائلة، ولا شك أن كل ذلك كان بالتعاون مع آل الأسد. فوفقا للمصادر الاقتصادية السابقة ذاتها، فإن عائلة مخلوف والأسد كانتا تسيطران بين عامي 2000-2007 على أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، الذي قُدّر حينها بنحو 60 مليار دولار، فيما بلغت الثروة الإجمالية للعائلتين أكثر من 10 مليارات دولار، في مؤشر واضح على حجم التمركز المالي الذي حققته هذه الشبكة العائلية خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد. إمبراطورية رامي وبلوغ القمة أما رامي فقد تلقى تعليمه في سوريا، وتدرب على يد والده في العمليات التجارية، وشاركه في أغلبها، حيث بدأ نشاطه في سن مبكرة خلال فترة الحظر التجاري في الثمانينيات، كما استغل هذه الفترة لتهريب المواد الغذائية والكهربائية من لبنان وتركيا، مستفيدا من حصانة عائلته، كما تزوج من ابنة محافظ درعا وليد عثمان، مما عزز شبكة علاقاته الاجتماعية والسياسية. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فقد امتدت مصالح مخلوف الاقتصادية إلى قطاعات إستراتيجية عدة، شملت الاتصالات والنفط والغاز، والإنشاءات، والمصارف، والطيران، وتجارة التجزئة، كما رأى محللون سوريون أن مخلوف مارس هيمنة شبه مطلقة على الاقتصاد السوري، إلى درجة أن أي استثمار محلي أو أجنبي لم يكن ليتم دون موافقته أو مشاركته المباشرة. وفي عام 2008، قُدِّرت ثروته الشخصية بنحو 6 مليارات دولار أميركي، وكان يمتلك شركة "سيريتل"، إحدى شركتَيْ الهاتف المحمول في البلاد. وامتلك استثمارات واسعة في قطاعات العقارات والمصارف والأسواق الحرة والمناطق التجارية على الحدود اللبنانية، فضلا عن المتاجر الراقية. كما سعى رامي مخلوف إلى الحصول على الوكالة الحصرية لشركة "مرسيدس" في سوريا، ولتحقيق ذلك مارس ضغوطا تشريعية تمثلت في تمرير قانون يمنع الشركة الألمانية من تصدير قطع الغيار إلى السوق السورية، ما لم تمنحه حق الامتياز الحصري، وقد جاء هذا التحرك رغم محاولات "مرسيدس" الإبقاء على شراكتها الطويلة مع أسرة سنقر، التي كانت الوكيل التقليدي لها في سوريا منذ عقود، وقد تمكّن مخلوف في نهاية المطاف من فرض سيطرته على هذا القطاع عبر استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي المتنامي لديه. إضافة لما سبق، امتلك رامي مخلوف كذلك الحصة الأكبر في "شام القابضة"، التي تُعد من أكبر التكتلات الاستثمارية في قطاع السياحة والعقارات الفاخرة في سوريا، حيث شملت استثماراته مشاريع كبرى في الفنادق والمطاعم الراقية، من خلال شركات تابعة مثل "المدائن"، إلى جانب مساهمته في شركة "خصائص بينا"، التي تنشط في تطوير مشاريع عقارية متعددة، وفي قطاع الطيران فقد فرض حضوره عبر شركة "لؤلؤة الشام"، أول شركة طيران خاصة تحصل على ترخيص للعمل في البلاد. وقد امتد نشاط مخلوف الاقتصادي إلى القطاع المصرفي، حيث شارك في ملكية عدد من البنوك الخاصة التي أُسست في سوريا في مطلع الألفية، منها البنك الإسلامي الدولي، وبنك بيبلوس، وبنك البركة، وبنك الشام، وبنك الأردن، إلى جانب استثمارات في شركات التأمين والخدمات المالية. أما في مجال الطاقة، فكانت لدى مخلوف مصالح مباشرة من خلال شراكته مع "جلف ساندز بتريليوم" البريطانية العاملة في قطاع النفط والغاز. كما تنوع نشاطه العقاري من خلال شركات مثل "الفجر"، و"باترا القاعدة"، و"الحدائق"، التي تنفذ مشاريع عمرانية وتجارية واسعة، وفي قطاع الإعلام، امتلك مخلوف صحيفة "الوطن" اليومية، وقناة "الدنيا"، وتلفزيون "نينار"، إضافة إلى استثمارات في مجال الإعلانات عبر شركة "بروميديا"، كما امتلك مدرسة "الشويفات الدولية"، وهي من أبرز المؤسسات التعليمية الخاصة في البلاد. وفي المجال الصناعي سيطر مخلوف على شركة "إيلتيل ميدل إيست" إلى جانب شركات مثل "تي بي راماك"، كما عُد المستورد الحصري للتبغ في سوريا، سائرا على درب والده من قبل، وقد أشارت تقارير قانونية إلى أنه نقل ملكية أصول كبيرة في جزر فيرجن الأميركية إلى شقيقه إيهاب، بعد رفع دعاوى قضائية ضده بسبب تلك الحيازات الخارجية. وبحسب بيار صادق في سلسلة مقالات كتبها بعنوان "صعاليك سوريا الجدد" كانت قد صدرت قبل الثورة السورية بسنوات، فإن نشاط رامي مخلوف الخارجي بدأ بعد مقتل الحريري، إذ إنه حوّل أموالا إلى دبي ليستثمرها، واشترى برجين في دبي، وفتح مكتبا للاستثمارات المالية في بورصة دبي. وبحسب بعض التحقيقات الاستقصائية عن إمبراطورية مخلوف، فقد عمل هذا الأخير على غسل بعض أموال صدام حسين واستطاع تهريبها من العراق بعد اجتماعه مع عدي وقصي أبناء صدام، وقدرت بعض المصادر هذه الأموال بملايين الدولارات، وتمكن من إدخال الأموال إلى لبنان لتبييضها ونقلها إلى بنوك أخرى في دول عربية، ولكن عقب سقوط نظام صدام احتال على الحكومة العراقية الجديدة. حرص رامي مخلوف على السير على درب والده محمد مخلوف بالابتعاد شبه الكلي عن الإعلام لإدارة الإمبراطورية الاقتصادية لآل مخلوف والأسد بهدوء، ولهذا السبب اعتبر الكثير من المحللين أن هذه الإمبراطورية الاقتصادية والصناعية والإعلامية الكبيرة كانت تعمل ليل نهار على غسل أموال العديد من الأمور غير المشروعة، وصفقات فساد بالمليارات. كما حافظَ مخلوف على علاقات وثيقة مع بشرى الأسد، الشقيقة الكبرى للرئيس المخلوع بشار الأسد، لنفوذها الكبير، كما ربطته صلات متينة بزوجها آصف شوكت، أحد أبرز المسؤولين الأمنيين السابقين في البلاد، إضافة إلى ذلك فقد جمعته شراكات اقتصادية متعددة مع ماهر الأسد الشقيق الأصغر لبشار، و إمبراطور الكبتاغون في البلاد، ولكن أفادت تقارير بوقوع توتر بين الرجلين، الأمر الذي يُعتقد أنه دفع مخلوف في عام 2005 إلى تحويل جزء من أنشطته التجارية إلى دبي، وسط تحليلات تُشير إلى أنه كان على وشك أن يُستخدم "كبش فداء" في حملة دعائية ضد الفساد داخل النظام. وفي فبراير/شباط 2008، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تقريرا اتهمت فيه رامي مخلوف بالاستفادة من منظومة الفساد في سوريا، وأشارت إلى أن قُربه من النظام السوري منحه قدرة على احتكار سلع مربحة في السوق المحلية، كما اتهمته بتوظيف نفوذه للضغط على القضاء واستخدام أجهزة الاستخبارات لترهيب منافسيه في المجال التجاري، وذكرت الوزارة أن مخلوف استخدم هذه الوسائل للحصول على عقود حصرية مع شركات أجنبية ومنح امتيازات داخلية مربحة. مخلوف والهاوية وفي مايو/أيار 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة على رامي مخلوف بتهمة تمويل النظام السوري وتقديم الدعم اللوجستي له في قمع الاحتجاجات الشعبية خلال الثورة السورية ، ورأى الاتحاد الأوروبي أن أدوار مخلوف المالية والاقتصادية ساعدت السلطة في مواصلة العنف ضد المتظاهرين، ما وضعه في صدارة قائمة الشخصيات المستهدفة بالعقوبات الغربية خلال تلك المرحلة. وقد اعتبر الثوار السوريون رامي مخلوف أحد أبرز رموز الفساد في البلاد، ووُجِّهت له اتهامات مباشرة خلال انتفاضة عام 2011، حيث رُدد اسمه في المظاهرات بوصفه "لصًّا"، ويرى معظم المحللين السياسيين أن ثروته الهائلة جاءت نتيجة علاقاته الوثيقة بالنظام السوري، مستفيدا من الامتيازات التي وفّرتها له صِلاته العائلية. وقد ارتبط اعتقال المعارض السوري رياض سيف بشكل مباشر بانتقاداته الحادة لرامي مخلوف، وكان سيف، عضو مجلس الشعب السوري سابقا، من الأصوات البارزة التي انتقدت الحكومة خلال فترة ما عُرف بـ" ربيع دمشق" عام 2001، رغم تلقيه عدة تحذيرات من السلطات، حيث أطلق في سبتمبر/أيلول من العام ذاته حملة لمكافحة الفساد، ركّز فيها على الطريقة التي مُنحت بها رخص الهاتف المحمول، بما فيها الترخيص الذي حصلت عليه "سيريتل"، ولكن سرعان ما فقد سيف حصانته البرلمانية واعتُقل، ليقضي خمس سنوات في السجن. وخلال الثورة السورية عام 2011، وجّه نشطاء المعارضة اتهامات لمخلوف بتمويل مظاهرات مؤيدة للنظام داخل سوريا وخارجها من خلال تقديم الأعلام واللافتات الداعمة، بالإضافة إلى وجبات الطعام ومبالغ مالية للمشاركين، واتُّهم باستخدام أدوات اقتصادية لتصنيع مشهد من الدعم الشعبي للنظام في وجه الاحتجاجات الواسعة، ما أسهم في تأجيج غضب المحتجين ورفع وتيرة الانتقادات ضده. وفي خطوة غير متوقعة، وفي 16 يونيو/حزيران 2011، أعلن رامي مخلوف قراره بالخروج من عالم الأعمال في سوريا، في خطوة اعتُبرت محاولة لامتصاص غضب الشارع السوري، ولكن رغم هذا الإعلان، استمرت الانتقادات الموجهة له، واعتبره المتظاهرون أحد أبرز أوجه الفساد والاستغلال الاقتصادي المرتبطين بشكل مباشر برئاسة بشار الأسد، وهو ما جعله من أكثر الشخصيات المكروهة في صفوف الحراك الشعبي. ويبدو أن هذا الحراك وخطورته جعل مخلوف يتجه لتأمين أمواله واستثمارها في الخارج، فقد أوردت منظمة "غلوبال ويتنس" الدولية المعنية بمكافحة الفساد أن أفرادا من عائلة مخلوف يمتلكون عقارات تُقدَّر قيمتها بنحو 40 مليون دولار داخل اثنتين من أبرز ناطحات السحاب في العاصمة الروسية موسكو، وبحسب تقرير المنظمة، فإن هذه الممتلكات، التي جرى الاستحواذ عليها بين عامَيْ 2013-2019، تقع في مواقع إستراتيجية داخل الحي التجاري الراقي، وتحديدا ضمن مُجمّعَيْ "مدينة العواصم" و"برج الاتحاد الفيدرالي". كما أكدت المنظمة أن عائلة مخلوف كانت تسيطر على ما يقارب 60% من الاقتصاد السوري، وأشارت العديد من الأدلة إلى أن بعض المعاملات المالية ذات الصلة بشراء العقارات في موسكو تمّت بطريقة منظمة تهدف إلى إخفاء العلاقة المباشرة للعائلة بهذه الأصول، من خلال هياكل قروض وشركات وسيطة. ورأت "غلوبال ويتنس" أن عمليات الشراء تلك تمثل دلالة قوية على ما وصفته بالدور غير المعلن الذي لعبته موسكو في دعم النظام السوري، مشيرة إلى أن مؤسسات مالية روسية وفّرت مظلة دعم مالي لعائلة الأسد خلال سنوات الحرب، وخلصت المنظمة إلى أن موسكو باتت تُمثل ملاذا آمنا لرؤوس الأموال المرتبطة بالنظام السوري، وقد تكون كذلك بوابة لتلك الأموال نحو الاندماج في النظام المالي العالمي. ولكن في مرحلة لاحقة، اتخذ نظام بشار الأسد مجموعة من الإجراءات العقابية بحق رامي مخلوف، تمثلت في إصدار قرار مؤقت بمنعه من السفر على خلفية مطالب مالية مستحقة للدولة، والحجز على ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة، ومصادرة "جمعية البستان"، التي كانت تُعرف بأنها الغطاء الإنساني لنشاطاته الاقتصادية، وتفكيك المجموعات المسلحة التابعة له، ومنعه من إبرام أي عقود مع الحكومة، وتعيين حارس قضائي على شركة "سيريتل" التي كان يديرها. ثم بلغت الأزمة ذروتها عام 2020، حين وضع بشار الأسد ابنَ خاله رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية، نتيجة تصاعد الغضب الشعبي من استعراض عائلته مظاهر الثراء الفاحش على وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، وتزامنا مع ذلك بدأت أسماء الأخرس، زوجة بشار، بالتدخل المباشر في إدارة ملفات المال والنفوذ، في تحوُّل عُدّ من أبرز المؤشرات على إعادة تشكيل خارطة السلطة داخل الدائرة الضيقة للنظام. وأمام هذه التطورات خرج رامي مخلوف عن صمته في سلسلة من المقاطع المصورة من منزله في يعفور بريف دمشق، موجِّها حديثه إلى بشار الأسد، ومتحدثا عن "ظلم" يتعرض له نتيجة مصادرة أمواله، ومشيرا إلى ما وصفه بمؤامرة داخل الدائرة الضيقة للرئيس تهدف إلى إقصائه عن الساحة الاقتصادية والسياسية. في تلك المقاطع، قال رامي إن شركة "سيريتل"، التي كانت تدر عليه مليارات الليرات، خضعت لما وصفه بـ"الابتزاز الضريبي"، مشيرا إلى أنه طُلب منه دفع 250 مليون دولار دون مبرر قانوني، كما تحدث عن تدخل الأجهزة الأمنية لمنع موظفيه من دخول مقار الشركة، ولفت إلى أنه حُرم من لقاء بشار الأسد شخصيا، مضيفا أنه يتوسل الوصول إلى بشار دون جدوى! وقد ظهرت تفسيرات متعددة لهذا الانفجار في العلاقة بين مخلوف والأسد، من بينها تحليلات تربط الأمر برغبة روسية في فرض إصلاحات اقتصادية جوهرية على النظام السوري، بعدما تضرر الاقتصاد بشدة وأثار استياء موسكو، ولكن بصرف النظر عن الدوافع الدقيقة، فإن النتيجة كانت واضحة؛ فقد استُبعد مخلوف من مركز القرار، في وقت تزايد فيه نفوذ أسماء الأسد، التي برزت بوصفها لاعبة محورية في المشهدين الاقتصادي والسياسي. مخلوف يتبرأ من بشار وعقب الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، حاول عدد من أفراد عائلة مخلوف مغادرة البلاد باتجاه الأراضي اللبنانية، لكن تحركاتهم اصطدمت بكمين نصبه مقاتلون من المعارضة المسلحة على الطريق الحدودي، حيث أسفر الهجوم عن مقتل إيهاب مخلوف وإصابة إياد مخلوف، في حين أفادت بعض المصادر أن رامي مخلوف نفسه كان ضمن الموكب المستهدف أثناء محاولة الفرار. وفي مارس/آذار 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في المناطق الساحلية السورية، بعد تنفيذ مجموعات علوية مسلحة هجمات منسقة على نقاط أمنية ودوريات في مدينتَيْ اللاذقية وطرطوس، وقد أدت المواجهات إلى سقوط القتلى من الطرفين. وقد حمّل رامي مخلوف عبر منشور نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك غياث دلا، أحد المقربين من قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، مسؤولية اندلاع تلك الأحداث في الساحل، متهما إياه بأنه السبب المباشر في تفجير الموقف، وقال إن دلا ومَن حوله من بقايا النظام "قبضوا الأموال وجعلوا أهلنا يدفعون الثمن دماء وذلًّا وجوعا". كما صعّد مخلوف من لهجته تجاه رأس النظام السابق، موجِّها انتقادات لاذعة إلى بشار الأسد نفسه، واصفا إياه بأنه "الرئيس الهارب"، ومتهما إياه بـ"تدمير البلاد وجيشها واقتصادها وتقسيمها وتجويع شعبها"، وأضاف: "فوق كل ذلك هربت بأموال لو وُزِّعت على الشعب لما كان هناك جائع ولا فقير"، محملا إياه مسؤولية دماء القتلى من أبناء الطائفة العلوية. وفي 27 إبريل/نيسان الماضي 2025، خرج بيان على لسان رامي مخلوف يدّعي أنه جهّز مع سهيل الحسن (المعروف بالنمر) 150 ألف مقاتل أو 15 فرقة عسكرية لحماية العلويين في "إقليم الساحل السوري"، مناشدا روسيا بشمل الإقليم برعايتها، على أن يضع تحت تصرفها جميع الإمكانيات العسكرية والاقتصادية، لكن بعد يوم خرج يتبرأ من هذا البيان، ويصرح بأن صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي مُهكَّرة، وأنه يرفض جملة وتفصيلا ما جاء في البيان؛ لأن ذلك يؤدي إلى زعزعة استقرار البلد، وسقوط مزيد من الضحايا فيه، وأنه منذ اليوم الأول من سقوط الأسد هنَّأ الإدارة الجديدة وأعلن دعمه المطلق لها.


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
'موت بلا رحمة'.. عدسة تتتبع مأساة عائلتين سوريتين في الزلزال
لا يقبض على لحظات الآلام والمآسي الفارقة إلا سينما الكوارث الطبيعية، سواء عن طريق السينما الروائية التي تَبرع في إعادة صياغتها، أو الأفلام الوثائقية التي تسجل الأحداث عن قرب، وهي السينما الأصدق والأقوى والأجدى موضوعيا وفنيا، لأنها تلتقط اللحظة فور حدوثها، وتتعاطى معها انطلاقا من مواجع الأفراد والضحايا، بعدسة مباشرة صادقة لا لبس فيها ولا تدليس. ومع أنها تكتسب قيمة فنية كبرى، وتعمق علاقتها المتصلة بالوجدان، فإنها تكاد تكون منعدمة في العالم العربي، لا لشيء سوى غياب ثقافة التسجيل والمرافقة، وتوثيق المواطن العادي عن طريق الكاميرا، ذلك الذي يكون قريبا دائما من الأحداث المفاجئة، لأنه الوحيد القادر على مواكبة الحدث فور وقوعه، ليسجل ما تبلغه عدسته، ويشكل جزءا من المادة الكلية، فيأتي بعدها المخرج أو المهتم، ويصوغ عمله الفني، وفق سياق يمكن أن يواجه به جمهورا أوسع. هذه المعطيات الفنية والجمالية والموضوعية، صاغتها المخرجة السورية المتفردة وعد الخطيب، في فيلمها الوثائقي الموجع 'موت بلا رحمة'، الذي وثقت به آثار الدمار والمآسي والأوجاع التي خلفها الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوب تركيا وجزءا من سوريا في فبراير/ شباط 2023، وتوفي فيه أكثر من 50 ألفا. دماء ودموع وجراح لم تجف.. ألم بأثر رجعي لا يمكن لتركي أو سوري أو أي متعاطف مع مواجع الإنسان، أن ينسى ما حضره أو رآه على الشاشات العالمية، وهي تبث عدة أيام أثر الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، وامتد إلى المدن الشمالية السورية الواقعة على الحدود. كانت الضربة الأولى كارثية، حدثت في الساعة 4:17 صباحا، بالتوقيت المحلي، وهذا يوم 6 فبراير/ شباط 2023، وبلغت قوتها 7.8 درجات على مقياس 'ريختر'، وقد حُدد مركزها السطحي غرب مدينة غازي عنتاب، ويعد من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا. ثم تلتها ضربة ثانية لا تقل دمارا وألما، بعد مرور 9 ساعات فقط، وتحديدا في الساعة 13:24 ظهرا بالتوقيت المحلي، (10:24 بالتوقيت العالمي)، بمعنى أن العالم لم يستوعب آثار الدمار في الضربة الأولى، ولم يخرج من دائرة الاستيعاب، حتى وقعت الثانية ووسعت من رقعة المآسي، وقد بلغت قوته 7.5 درجات على مقياس 'ريختر'، وذلك بمنطقة 'إيكين أوزو' قرب مدينة مرعش. يمكن أن تقع هذه الكارثة في أي نقطة من العالم، لأنه حدث أرضي لا سلطة للإنسان عليه، لكن طريقة التعاطي مع الكارثة وتبعاتها كانت كارثة أخرى تضاف للزلزال، فمن ذلك طريقة التعاطي مع الضحايا والعالقين، وجهود فرق الإنقاذ، بسبب اتساع رقعة الدمار الناتجة عن الغش في المباني عند بنائها. كما ظهرت صور المآسي في عمليات إزالة الركام، بحثا عن الناجين تحت الأنقاض، بعد أن علقوا أياما تحتها في جو بارد وشتوي، وعن الذين لم يجدوا من ينتشلهم ويخرجهم من بين الركام، فمات من مات، وأنقذ من أنقذ، وعلق من علق. كانت أصوات الجرحى والعالقين تسمع من تحت الأبنية المدمرة، ولم يستطع أحد أن يساعدهم، لأنهم لا يملكون الإمكانيات ولا التجهيزات، وإنما يزيلون الركام بأياديهم، فذلك ما وسع رقعة الدماء والدموع، وشكل مظاهر قاسية لا يمكن أن يتحملها قلب إنسان. وقد عادت إليهم المخرجة وعد الخطيب بعد الكارثة بسنة، بفيلمها الوثائقي 'موت بلا رحمة'، الذي تطرق لجانب من المآسي، وحقق رؤيتها الإخراجية عن السوريين الذين عاشوا تلك الكارثة في تركيا، برصدها وتتبعها مسار عائلتين سورتين من تلك النكبة، ولذلك فقد عادت للواقعة، وأنتجت منها ألما بأثر رجعي. صور متفرقة عن الفاجعة والألم واحد تجلى ذكاء المخرجة وعد الخطيب في كثير من مظاهر الفيلم ومفاصله، وربما أهمها أو أبرزها الصياغة السينمائية التي اعتمدت عليها، بتبنيها أسلوب السرد والتتبع والتسجيل، والتقاط اللحظات الفارقة، ثم تنسق معطياتها في بوتقة واحدة، تصنع بها الكل السردي، انطلاقا من رؤيا في غاية الحساسة، مشبعة ومسنودة بحدس سينمائي، قادها مباشرة لصور الفاجعة، بأشكالها المتعددة، وصورها الكثيرة، وأبعادها المأساوية التي تذيب الصخر من هول الفجائع. اعتمدت وعد الخطيب على طريقة البناء المحكم، بمعنى أنها أحسنت التصرف بالمادة المصورة التي جمعتها وتسييرها وتنسيقها، لا سيما التي صورها أقارب الضحايا وعائلاتهم والمقربون منهم، أو الهواة والمصورون، وكذلك المواد الإعلامية الكثيرة التي غطت ذلك الحدث العظيم. استطاعت المخرجة بمقدمة فيلمها 'موت بلا رحمة' أن تصوغ مقاربة عاطفية شاملة، مشحونة بعواطف الفقد والوجع واليأس والألم والحسرة، لتضع المتلقي في قلب الحدث، وتجعله يعيش تلك المواجع بقلب منفتح وعقل متماثل مع الضحايا، ببث صور الزلزال المتعددة. بعدها جعلته يعيش لحظات الجراح العظمى، بصور العالقين تحت الركام، وهم يناشدون الناس لينقذوهم ويخرجوهم من بين أكوام الحجارة والتراب والجدران والحديد، لكن من ذا الذي يسمع ذلك النداء، وسط فوضى كبيرة، وفرق إنقاذ لا تملك الموارد البشرية ولا التجهيزات المناسبة. هذا المقاربة المهمة، جعلت المتلقي يلتحم مباشرة مع تفاصيل العمل (85 دقيقة)، لأنه أصبح هو أيضا بمنزلة ذلك العالق تحت الركام، وربما يشبه الأب السوري الذي يبحث بين الأشلاء والأشياء، عله يجد أمارة أو قميص طفله، أو فستان زوجته، حتى يعرف مصيرهم. وهنا تتأجج المشاعر، ويصبح التواصل بين الجمهور والفيلم قوية، بل لقد خلقت وعد الخطيب جمهورا متضامنا ومتعاطفا، لا سيما مع الضحايا السوريين الذي هربوا من البراميل المتفجرة في سوريا، تلك التي كان يلقيها عليهم نظام بشار الأسد المجرم، فنجوا منه. وعندما شعروا بقليل من الاطمئنان في تركيا، أعاد لهم الزلزال مشاعر الخوف والرعب التي كانت تسكنهم، وشعور الفقد والفراق والابتعاد عن الأهل والأحبة والأسر، لكنه قدر الله، يفعل ولا يلومه أحد. أحبة تحت الركام وآلام مستعادة سلطت وعد الخطيب رؤيتها السينمائية على شخصيتين محوريتين، لهما علاقة مؤثرة بالثورة السورية، ولهما جراح غائرة أحدثها الزلزال، وهما الناشط فؤاد سيد عيسى، مؤسس منظمة 'بنفسج'، التي كانت توزع المساعدات على المتضررين من نظام الأسد في الشمال السوري، وقد فقد خلال الزلزال ابنه قتيبة وهو في أوج طفولته، ونجا ابنه سامي الذي لم يتجاوز عمره 40 يوما، وزوجته صفاء التي بقيت وقتا طويلا تحت الركام. والثاني هو الصحفي فادي الحلبي، وقد فقد 13 فردا من عائلته، منهم والده الذي قضى نحبه تحت الأنقاض، بعدما علق تحتها أكثر من 61 ساعة، وكذلك أمه وزوجته وأولاده الأربعة وأخوه وزوجته وابنه. والمحبط أنه مُنع من دخول تركيا أثناء الزلزال خلال اللحظات الأولى، لأنه كان في الشمال السوري في مهمة عمل، لكن بعد مرور وقت سمح له بذلك، فوقف على تلك المآسي وأهوالها بنفسه. تتبعت المخرجة مصيبة فؤاد وفادي كليهما، بتسليط كل الأضواء، ونقل شعور الفقد، وكيفية تعامل كل فرد مع الكارثة، لا سيما أنهما لم يكونا في بيتهما أثناء الكارثة، فتضاعفت أوجاعهما. كما أنها فككت إحساس العجز الذي يصل له الفرد، عندما يرى مواجع أسرته وهم يحتضرون، لكن لا وسيلة لديه لإنقاذهم. من هنا تكون وعد الخطيب قد راكمت تجربة المآسي الشخصية، لا سيما تلك التي عاشتها في حلب، أثناء الهجوم المدمر الذي شنه نظام الأسد على شعبه، وأعادت لنفسها قبل غيرها صور تلك المواجع، وهي صاحبة الفيلم الوثائقي المهم 'من أجل سما' (2019)، وهو عمل أنتج في سوريا وبريطانيا، وشاركها في إخراجه البريطاني 'إدوارد واتس'، وفاز يومئذ بجوائز كثيرة، منها جائزة 'بافتا' لأفضل فيلم وثائقي، كما رشح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي. لذلك فهي تعي جيدا حجم الفقد والدموع والألم التي يعيشها الإنسان، انطلاقا من تجربة المعايشة التي مرت بها في أكثر المدن دمارا. ومن المهم ذكر أن الصحفي فادي الحلبي -وهو ضحية في فيلم 'موت بلا رحمة'- كان أحد المصورين الأساسيين للفيلم الوثائقي 'الخوذ البيضاء'، الذي فاز بجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة سنة 2016. فرصة للتأمل والنظر أبعد من الكارثة قدمت وعد الخطيب في فيلمها 'موت بلا رحمة' درسا سينمائيا بليغا، وأثبتت بأن الأرقام التي تقدم بعد كل كارثة طبيعية لا ينبغي أن نراها إحصائية فقط، بل يجب التمعن في كل رقم من أرقامها، لأنه كان يمثل حياة كاملة لفرد أو أفراد، جمعتهم قرابة ومشاعر وأحلام وكوابيس. كما أنها خلقت مساحات واسعة للتأمل والنظر أبعد من الكارثة، وأخذت متلقيها لفضاءات الفساد الذي يمارسه رجال المال والأعمال والمقاولين، ممن بنوا وأمضوا ووافقوا على بنايات تفتقد لأبسط الشروط الضرورية للسلامة، والدليل أنها سقطت على رؤوس قاطنيها، على عكس بنايات أخرى بقيت صامدة وقاومت الزلزال، وهذا معطى أساسي يجب النظر إليه بعين مفتوحة وعقل قادر على التفكير والتفسير. هذا التفكيك العقلاني للأحداث، كان بمنزلة جرس إنذار مبكر لكثير من الدول، لتعد العدة، وتتعلم الدروس من الكوارث الماضية، لتجنب مواطنيها مصيرا مماثلا لمصير زلزال تركيا وشمال سوريا، وبذلك تضمن الحد الأدنى من قوائم الضحايا، وتتجنب مصائر كمصير عائلتي فؤاد سيد عيسى وفادي الحلبي. وعد الخطيب.. ثائرة سورية أتقنت لغة السينما فيلم 'موت بلا رحمة' عمل موجع ومفجع ومحزن، يأخذ الجمهور لطرح أسئلة كثيرة، حول مآلات الوجود وطبيعة الحياة والموت، وكلها منطلقات صيغت بحرفية بالغة، انطلاقا من رسم أسلوب سلس، مع خلق عناصر بناء منطقي، ضمن لها تسلسلا واضحا في الأحداث والوقائع. ذلك لأنها أحسنت استعارة أدوات السينما الخيالية واستثمارها، وصاغت بها فيلمها الوثائقي، لهذا فُكك الزمن وقلص، وأصبح الوقت الدرامي هو الكتلة التراكمية لساعات الانتظار وأيامه، تلك التي قضاها الضحايا تحت الركام، ينتظرون منقذا مفترضا، ينتشلهم مما هم فيه. 'موت بلا رحمة' فيلم وثائقي ساحر، يوثق زمنا مهما، وكارثة لا يمكن نسيانها أو تناسيها، لا سيما ممن عاشوا وعايشوا الفقد، ولم تكن فيه وعد الخطيب مخرجة فحسب، بل طيفا يجمع تلك الأرواح في حديقة واحدة، لتتقاسم معهم الأوجاع والأفراح. ولمن لا يعرف هذه المخرجة الشابة، فهي مخرجة وثائرة سورية، بدأت نشاطها عام 2011، بعد اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء سوريا ضد نظام الأسد، وفي يناير/ كانون الثاني 2016 شرعت توثق أهوال حلب لقناة 4 الإخبارية، في سلسلة حصلت على جائزة إيمي الدولية. كما وثقت مسارها طوال 5 سنوات كاملة من الكفاح والمواجهة في مدينة حلب، بفيلمها الوثائقي الأول 'من أجل سما'، وقد فاز بجوائز كثيرة، منها جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان كان السينمائي.