logo
شارك الأسد وغسل أموال صدام حسين.. القصة الكاملة لرامي مخلوف

شارك الأسد وغسل أموال صدام حسين.. القصة الكاملة لرامي مخلوف

الجزيرةمنذ 3 أيام

يُعد رامي مخلوف الشخصية الاقتصادية السورية الأبرز على مدار فترة طويلة من حكم ابن خاله الرئيس المخلوع بشار الأسد ، حيث ارتبط اسمه بالنفوذ الاقتصادي الهائل، والسيطرة على قطاعات حيوية، والاتهامات بالفساد خلال حكم عائلة الأسد.
في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري وُلد رامي في 10 يوليو/تموز عام 1969، وهو الابن الأكبر لمحمد مخلوف، شقيق أنيسة مخلوف ، زوجة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد ، مما يجعل رامي ابن خال بشار الأسد، ولهذا فقد نشأ في عائلة ذات نفوذ اقتصادي وسياسي كبير.
محمد مخلوف والبداية
تعود قصة هذه العائلة إلى عام 1972، حين تولى محمد مخلوف أخو أنيسة إدارة المؤسسة العامة للتبغ، وظل على رأسها حتى إبعاده عنها عام 1985، ثم تولّى فيما بعد إدارة المصرف العقاري، وبحسب بعض التسريبات الصحفية الاستقصائية فإن محمد مخلوف، فور تسلمه منصب إدارة المصرف العقاري السوري، فرض تسعيرة على القروض الممنوحة من المصرف بنسبة فائدة بلغت 15%، واستند إلى هذه التسعيرة في منح قروض ضخمة بمليارات الدولارات، ما أتاح له تحقيق أرباح شخصية مباشرة.
ومن خلال موقعه في المؤسسة العامة للتبغ، ولاحقا في المصرف العقاري، استطاع مخلوف أن يراكم ثروات ضخمة لم تُعرف قيمتها بدقة على مدى سنوات من العمل في هذين القطاعين الحيويين، وبحلول عام 1980، تنبّه مخلوف إلى الأهمية الضخمة لقطاع النفط السوري الوليد آنذاك، وما يدرّه من أموال هائلة، فانتقل إلى الاستثمار فيه، إذ أصبح شريكا في "شركة الفرات للنفط"، وهي شركة مختصة بالتنقيب عن النفط واستثمار الحقول.
وفي العام نفسه، قام محمد مخلوف بتأسيس شركة "ليدز" النفطية، التي اتخذت من العاصمة السورية دمشق مقرا لها، بالشراكة مع قريبه رجل الأعمال نزار أسعد، ولإخفاء صلته المباشرة بالشركة، عمد مخلوف إلى تسجيل حصته باسم غسان مهنا، شقيق زوجته، الذي كان يشغل سابقا منصبا في شركة النفط والغاز السورية، وقد دخلت "ليدز" بعد ذلك إلى سوق الاستثمار في قطاع النفط، مستفيدة من النفوذ الواسع الذي تمتع به مخلوف داخل مؤسسات الدولة الاقتصادية.
ورغم كل ذلك، لم يكن محمد مخلوف وابنه رامي من المتنفذين على القرار الاقتصادي والسياسي الأكبر في البلد في ظل حافظ الأسد، إلى أن سنحت لهما الفرصة مع تفاقم وضع حافظ الصحي عام 1998، وبداية انتقال السلطة إلى ابنه بشار، حيث بدأ نفوذ العائلة، وخاصة رامي مخلوف، بالتوسع بشكل غير مسبوق.
ومع تقلد بشار السلطة عام 2000، أدى ضعف خبرته السياسية والاقتصادية إلى بروز شخصية خاله محمد مخلوف بصفته مستشارا فعليا ومؤثرا خلف الكواليس، وقد استفاد مخلوف من ثقة الأسد الابن وإعجابه بطريقة إدارته ومهاراته الاقتصادية، ليضع خطة إستراتيجية تهدف إلى إحكام السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، شملت أهم القطاعات الحيوية مثل النفط، والاتصالات، والقطاع المصرفي.
وبحسب بعض التقارير الاقتصادية وقتها، تولى مخلوف الإشراف على قطاع النفط بجميع جوانبه، من التنقيب إلى التصدير والاستيراد، وأسّس في هذا السياق شركات بالشراكة مع كلٍّ من غسان مهنا ونزار أسعد، بينما أوكل لابنه رامي إدارة قطاع الاتصالات، الذي أصبح لاحقا أحد أبرز مصادر النفوذ المالي للعائلة، ولا شك أن كل ذلك كان بالتعاون مع آل الأسد.
فوفقا للمصادر الاقتصادية السابقة ذاتها، فإن عائلة مخلوف والأسد كانتا تسيطران بين عامي 2000-2007 على أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، الذي قُدّر حينها بنحو 60 مليار دولار، فيما بلغت الثروة الإجمالية للعائلتين أكثر من 10 مليارات دولار، في مؤشر واضح على حجم التمركز المالي الذي حققته هذه الشبكة العائلية خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد.
إمبراطورية رامي وبلوغ القمة
أما رامي فقد تلقى تعليمه في سوريا، وتدرب على يد والده في العمليات التجارية، وشاركه في أغلبها، حيث بدأ نشاطه في سن مبكرة خلال فترة الحظر التجاري في الثمانينيات، كما استغل هذه الفترة لتهريب المواد الغذائية والكهربائية من لبنان وتركيا، مستفيدا من حصانة عائلته، كما تزوج من ابنة محافظ درعا وليد عثمان، مما عزز شبكة علاقاته الاجتماعية والسياسية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فقد امتدت مصالح مخلوف الاقتصادية إلى قطاعات إستراتيجية عدة، شملت الاتصالات والنفط والغاز، والإنشاءات، والمصارف، والطيران، وتجارة التجزئة، كما رأى محللون سوريون أن مخلوف مارس هيمنة شبه مطلقة على الاقتصاد السوري، إلى درجة أن أي استثمار محلي أو أجنبي لم يكن ليتم دون موافقته أو مشاركته المباشرة.
وفي عام 2008، قُدِّرت ثروته الشخصية بنحو 6 مليارات دولار أميركي، وكان يمتلك شركة "سيريتل"، إحدى شركتَيْ الهاتف المحمول في البلاد. وامتلك استثمارات واسعة في قطاعات العقارات والمصارف والأسواق الحرة والمناطق التجارية على الحدود اللبنانية، فضلا عن المتاجر الراقية.
كما سعى رامي مخلوف إلى الحصول على الوكالة الحصرية لشركة "مرسيدس" في سوريا، ولتحقيق ذلك مارس ضغوطا تشريعية تمثلت في تمرير قانون يمنع الشركة الألمانية من تصدير قطع الغيار إلى السوق السورية، ما لم تمنحه حق الامتياز الحصري، وقد جاء هذا التحرك رغم محاولات "مرسيدس" الإبقاء على شراكتها الطويلة مع أسرة سنقر، التي كانت الوكيل التقليدي لها في سوريا منذ عقود، وقد تمكّن مخلوف في نهاية المطاف من فرض سيطرته على هذا القطاع عبر استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي المتنامي لديه.
إضافة لما سبق، امتلك رامي مخلوف كذلك الحصة الأكبر في "شام القابضة"، التي تُعد من أكبر التكتلات الاستثمارية في قطاع السياحة والعقارات الفاخرة في سوريا، حيث شملت استثماراته مشاريع كبرى في الفنادق والمطاعم الراقية، من خلال شركات تابعة مثل "المدائن"، إلى جانب مساهمته في شركة "خصائص بينا"، التي تنشط في تطوير مشاريع عقارية متعددة، وفي قطاع الطيران فقد فرض حضوره عبر شركة "لؤلؤة الشام"، أول شركة طيران خاصة تحصل على ترخيص للعمل في البلاد.
وقد امتد نشاط مخلوف الاقتصادي إلى القطاع المصرفي، حيث شارك في ملكية عدد من البنوك الخاصة التي أُسست في سوريا في مطلع الألفية، منها البنك الإسلامي الدولي، وبنك بيبلوس، وبنك البركة، وبنك الشام، وبنك الأردن، إلى جانب استثمارات في شركات التأمين والخدمات المالية. أما في مجال الطاقة، فكانت لدى مخلوف مصالح مباشرة من خلال شراكته مع "جلف ساندز بتريليوم" البريطانية العاملة في قطاع النفط والغاز.
كما تنوع نشاطه العقاري من خلال شركات مثل "الفجر"، و"باترا القاعدة"، و"الحدائق"، التي تنفذ مشاريع عمرانية وتجارية واسعة، وفي قطاع الإعلام، امتلك مخلوف صحيفة "الوطن" اليومية، وقناة "الدنيا"، وتلفزيون "نينار"، إضافة إلى استثمارات في مجال الإعلانات عبر شركة "بروميديا"، كما امتلك مدرسة "الشويفات الدولية"، وهي من أبرز المؤسسات التعليمية الخاصة في البلاد.
وفي المجال الصناعي سيطر مخلوف على شركة "إيلتيل ميدل إيست" إلى جانب شركات مثل "تي بي راماك"، كما عُد المستورد الحصري للتبغ في سوريا، سائرا على درب والده من قبل، وقد أشارت تقارير قانونية إلى أنه نقل ملكية أصول كبيرة في جزر فيرجن الأميركية إلى شقيقه إيهاب، بعد رفع دعاوى قضائية ضده بسبب تلك الحيازات الخارجية.
وبحسب بيار صادق في سلسلة مقالات كتبها بعنوان "صعاليك سوريا الجدد" كانت قد صدرت قبل الثورة السورية بسنوات، فإن نشاط رامي مخلوف الخارجي بدأ بعد مقتل الحريري، إذ إنه حوّل أموالا إلى دبي ليستثمرها، واشترى برجين في دبي، وفتح مكتبا للاستثمارات المالية في بورصة دبي.
وبحسب بعض التحقيقات الاستقصائية عن إمبراطورية مخلوف، فقد عمل هذا الأخير على غسل بعض أموال صدام حسين واستطاع تهريبها من العراق بعد اجتماعه مع عدي وقصي أبناء صدام، وقدرت بعض المصادر هذه الأموال بملايين الدولارات، وتمكن من إدخال الأموال إلى لبنان لتبييضها ونقلها إلى بنوك أخرى في دول عربية، ولكن عقب سقوط نظام صدام احتال على الحكومة العراقية الجديدة.
حرص رامي مخلوف على السير على درب والده محمد مخلوف بالابتعاد شبه الكلي عن الإعلام لإدارة الإمبراطورية الاقتصادية لآل مخلوف والأسد بهدوء، ولهذا السبب اعتبر الكثير من المحللين أن هذه الإمبراطورية الاقتصادية والصناعية والإعلامية الكبيرة كانت تعمل ليل نهار على غسل أموال العديد من الأمور غير المشروعة، وصفقات فساد بالمليارات.
كما حافظَ مخلوف على علاقات وثيقة مع بشرى الأسد، الشقيقة الكبرى للرئيس المخلوع بشار الأسد، لنفوذها الكبير، كما ربطته صلات متينة بزوجها آصف شوكت، أحد أبرز المسؤولين الأمنيين السابقين في البلاد، إضافة إلى ذلك فقد جمعته شراكات اقتصادية متعددة مع ماهر الأسد الشقيق الأصغر لبشار، و إمبراطور الكبتاغون في البلاد، ولكن أفادت تقارير بوقوع توتر بين الرجلين، الأمر الذي يُعتقد أنه دفع مخلوف في عام 2005 إلى تحويل جزء من أنشطته التجارية إلى دبي، وسط تحليلات تُشير إلى أنه كان على وشك أن يُستخدم "كبش فداء" في حملة دعائية ضد الفساد داخل النظام.
وفي فبراير/شباط 2008، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تقريرا اتهمت فيه رامي مخلوف بالاستفادة من منظومة الفساد في سوريا، وأشارت إلى أن قُربه من النظام السوري منحه قدرة على احتكار سلع مربحة في السوق المحلية، كما اتهمته بتوظيف نفوذه للضغط على القضاء واستخدام أجهزة الاستخبارات لترهيب منافسيه في المجال التجاري، وذكرت الوزارة أن مخلوف استخدم هذه الوسائل للحصول على عقود حصرية مع شركات أجنبية ومنح امتيازات داخلية مربحة.
مخلوف والهاوية
وفي مايو/أيار 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة على رامي مخلوف بتهمة تمويل النظام السوري وتقديم الدعم اللوجستي له في قمع الاحتجاجات الشعبية خلال الثورة السورية ، ورأى الاتحاد الأوروبي أن أدوار مخلوف المالية والاقتصادية ساعدت السلطة في مواصلة العنف ضد المتظاهرين، ما وضعه في صدارة قائمة الشخصيات المستهدفة بالعقوبات الغربية خلال تلك المرحلة.
وقد اعتبر الثوار السوريون رامي مخلوف أحد أبرز رموز الفساد في البلاد، ووُجِّهت له اتهامات مباشرة خلال انتفاضة عام 2011، حيث رُدد اسمه في المظاهرات بوصفه "لصًّا"، ويرى معظم المحللين السياسيين أن ثروته الهائلة جاءت نتيجة علاقاته الوثيقة بالنظام السوري، مستفيدا من الامتيازات التي وفّرتها له صِلاته العائلية.
وقد ارتبط اعتقال المعارض السوري رياض سيف بشكل مباشر بانتقاداته الحادة لرامي مخلوف، وكان سيف، عضو مجلس الشعب السوري سابقا، من الأصوات البارزة التي انتقدت الحكومة خلال فترة ما عُرف بـ" ربيع دمشق" عام 2001، رغم تلقيه عدة تحذيرات من السلطات، حيث أطلق في سبتمبر/أيلول من العام ذاته حملة لمكافحة الفساد، ركّز فيها على الطريقة التي مُنحت بها رخص الهاتف المحمول، بما فيها الترخيص الذي حصلت عليه "سيريتل"، ولكن سرعان ما فقد سيف حصانته البرلمانية واعتُقل، ليقضي خمس سنوات في السجن.
وخلال الثورة السورية عام 2011، وجّه نشطاء المعارضة اتهامات لمخلوف بتمويل مظاهرات مؤيدة للنظام داخل سوريا وخارجها من خلال تقديم الأعلام واللافتات الداعمة، بالإضافة إلى وجبات الطعام ومبالغ مالية للمشاركين، واتُّهم باستخدام أدوات اقتصادية لتصنيع مشهد من الدعم الشعبي للنظام في وجه الاحتجاجات الواسعة، ما أسهم في تأجيج غضب المحتجين ورفع وتيرة الانتقادات ضده.
وفي خطوة غير متوقعة، وفي 16 يونيو/حزيران 2011، أعلن رامي مخلوف قراره بالخروج من عالم الأعمال في سوريا، في خطوة اعتُبرت محاولة لامتصاص غضب الشارع السوري، ولكن رغم هذا الإعلان، استمرت الانتقادات الموجهة له، واعتبره المتظاهرون أحد أبرز أوجه الفساد والاستغلال الاقتصادي المرتبطين بشكل مباشر برئاسة بشار الأسد، وهو ما جعله من أكثر الشخصيات المكروهة في صفوف الحراك الشعبي.
ويبدو أن هذا الحراك وخطورته جعل مخلوف يتجه لتأمين أمواله واستثمارها في الخارج، فقد أوردت منظمة "غلوبال ويتنس" الدولية المعنية بمكافحة الفساد أن أفرادا من عائلة مخلوف يمتلكون عقارات تُقدَّر قيمتها بنحو 40 مليون دولار داخل اثنتين من أبرز ناطحات السحاب في العاصمة الروسية موسكو، وبحسب تقرير المنظمة، فإن هذه الممتلكات، التي جرى الاستحواذ عليها بين عامَيْ 2013-2019، تقع في مواقع إستراتيجية داخل الحي التجاري الراقي، وتحديدا ضمن مُجمّعَيْ "مدينة العواصم" و"برج الاتحاد الفيدرالي".
كما أكدت المنظمة أن عائلة مخلوف كانت تسيطر على ما يقارب 60% من الاقتصاد السوري، وأشارت العديد من الأدلة إلى أن بعض المعاملات المالية ذات الصلة بشراء العقارات في موسكو تمّت بطريقة منظمة تهدف إلى إخفاء العلاقة المباشرة للعائلة بهذه الأصول، من خلال هياكل قروض وشركات وسيطة.
ورأت "غلوبال ويتنس" أن عمليات الشراء تلك تمثل دلالة قوية على ما وصفته بالدور غير المعلن الذي لعبته موسكو في دعم النظام السوري، مشيرة إلى أن مؤسسات مالية روسية وفّرت مظلة دعم مالي لعائلة الأسد خلال سنوات الحرب، وخلصت المنظمة إلى أن موسكو باتت تُمثل ملاذا آمنا لرؤوس الأموال المرتبطة بالنظام السوري، وقد تكون كذلك بوابة لتلك الأموال نحو الاندماج في النظام المالي العالمي.
ولكن في مرحلة لاحقة، اتخذ نظام بشار الأسد مجموعة من الإجراءات العقابية بحق رامي مخلوف، تمثلت في إصدار قرار مؤقت بمنعه من السفر على خلفية مطالب مالية مستحقة للدولة، والحجز على ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة، ومصادرة "جمعية البستان"، التي كانت تُعرف بأنها الغطاء الإنساني لنشاطاته الاقتصادية، وتفكيك المجموعات المسلحة التابعة له، ومنعه من إبرام أي عقود مع الحكومة، وتعيين حارس قضائي على شركة "سيريتل" التي كان يديرها.
ثم بلغت الأزمة ذروتها عام 2020، حين وضع بشار الأسد ابنَ خاله رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية، نتيجة تصاعد الغضب الشعبي من استعراض عائلته مظاهر الثراء الفاحش على وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، وتزامنا مع ذلك بدأت أسماء الأخرس، زوجة بشار، بالتدخل المباشر في إدارة ملفات المال والنفوذ، في تحوُّل عُدّ من أبرز المؤشرات على إعادة تشكيل خارطة السلطة داخل الدائرة الضيقة للنظام.
وأمام هذه التطورات خرج رامي مخلوف عن صمته في سلسلة من المقاطع المصورة من منزله في يعفور بريف دمشق، موجِّها حديثه إلى بشار الأسد، ومتحدثا عن "ظلم" يتعرض له نتيجة مصادرة أمواله، ومشيرا إلى ما وصفه بمؤامرة داخل الدائرة الضيقة للرئيس تهدف إلى إقصائه عن الساحة الاقتصادية والسياسية.
في تلك المقاطع، قال رامي إن شركة "سيريتل"، التي كانت تدر عليه مليارات الليرات، خضعت لما وصفه بـ"الابتزاز الضريبي"، مشيرا إلى أنه طُلب منه دفع 250 مليون دولار دون مبرر قانوني، كما تحدث عن تدخل الأجهزة الأمنية لمنع موظفيه من دخول مقار الشركة، ولفت إلى أنه حُرم من لقاء بشار الأسد شخصيا، مضيفا أنه يتوسل الوصول إلى بشار دون جدوى!
وقد ظهرت تفسيرات متعددة لهذا الانفجار في العلاقة بين مخلوف والأسد، من بينها تحليلات تربط الأمر برغبة روسية في فرض إصلاحات اقتصادية جوهرية على النظام السوري، بعدما تضرر الاقتصاد بشدة وأثار استياء موسكو، ولكن بصرف النظر عن الدوافع الدقيقة، فإن النتيجة كانت واضحة؛ فقد استُبعد مخلوف من مركز القرار، في وقت تزايد فيه نفوذ أسماء الأسد، التي برزت بوصفها لاعبة محورية في المشهدين الاقتصادي والسياسي.
مخلوف يتبرأ من بشار
وعقب الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، حاول عدد من أفراد عائلة مخلوف مغادرة البلاد باتجاه الأراضي اللبنانية، لكن تحركاتهم اصطدمت بكمين نصبه مقاتلون من المعارضة المسلحة على الطريق الحدودي، حيث أسفر الهجوم عن مقتل إيهاب مخلوف وإصابة إياد مخلوف، في حين أفادت بعض المصادر أن رامي مخلوف نفسه كان ضمن الموكب المستهدف أثناء محاولة الفرار.
وفي مارس/آذار 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في المناطق الساحلية السورية، بعد تنفيذ مجموعات علوية مسلحة هجمات منسقة على نقاط أمنية ودوريات في مدينتَيْ اللاذقية وطرطوس، وقد أدت المواجهات إلى سقوط القتلى من الطرفين.
وقد حمّل رامي مخلوف عبر منشور نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك غياث دلا، أحد المقربين من قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، مسؤولية اندلاع تلك الأحداث في الساحل، متهما إياه بأنه السبب المباشر في تفجير الموقف، وقال إن دلا ومَن حوله من بقايا النظام "قبضوا الأموال وجعلوا أهلنا يدفعون الثمن دماء وذلًّا وجوعا".
كما صعّد مخلوف من لهجته تجاه رأس النظام السابق، موجِّها انتقادات لاذعة إلى بشار الأسد نفسه، واصفا إياه بأنه "الرئيس الهارب"، ومتهما إياه بـ"تدمير البلاد وجيشها واقتصادها وتقسيمها وتجويع شعبها"، وأضاف: "فوق كل ذلك هربت بأموال لو وُزِّعت على الشعب لما كان هناك جائع ولا فقير"، محملا إياه مسؤولية دماء القتلى من أبناء الطائفة العلوية.
وفي 27 إبريل/نيسان الماضي 2025، خرج بيان على لسان رامي مخلوف يدّعي أنه جهّز مع سهيل الحسن (المعروف بالنمر) 150 ألف مقاتل أو 15 فرقة عسكرية لحماية العلويين في "إقليم الساحل السوري"، مناشدا روسيا بشمل الإقليم برعايتها، على أن يضع تحت تصرفها جميع الإمكانيات العسكرية والاقتصادية، لكن بعد يوم خرج يتبرأ من هذا البيان، ويصرح بأن صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي مُهكَّرة، وأنه يرفض جملة وتفصيلا ما جاء في البيان؛ لأن ذلك يؤدي إلى زعزعة استقرار البلد، وسقوط مزيد من الضحايا فيه، وأنه منذ اليوم الأول من سقوط الأسد هنَّأ الإدارة الجديدة وأعلن دعمه المطلق لها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المبعوث الأميركي لدمشق: رؤية ترامب بشأن سوريا مفعمة بالأمل
المبعوث الأميركي لدمشق: رؤية ترامب بشأن سوريا مفعمة بالأمل

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

المبعوث الأميركي لدمشق: رؤية ترامب بشأن سوريا مفعمة بالأمل

أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك أن "رؤية الرئيس دونالد ترامب إزاء سوريا مُفعمة بالأمل وقابلة للتحقيق". ولفت باراك إلى أنه بحث في البيت الأبيض مع الرئيس ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو تطورات الأوضاع في سوريا والعلاقة الأميركية التركية. وقال، في تغريدة على حسابه الشخصي بمنصة إكس، إن الحديث مع الرئيس الأميركي ووزير خارجيته "دار حول الشرق الأوسط، وبشكل رئيسي حول سوريا وتركيا، ويمكنني التأكيد أن رؤية الرئيس بهذا الشأن ليست متفائلة فحسب، بل يمكن تحقيقها". ورحّب باراك -في تغريدة أخرى- بالفتوى التي أصدرها أمس مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا، والتي تحرم التعدي على الدماء والأعراض وتحظر الثأر الشخصي، وقال "إن الفتوى تمثل خطوات أولى عظيمة للحكومة السورية الجديدة في المضي قدما نحو سوريا جديدة"، وفق ما نقلت عنه الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا). وكان ترامب أعلن خلال زيارته للرياض ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مايو/أيار الماضي، عن قراره رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. والأربعاء الماضي، قال مسؤولان أميركيان للجزيرة، إن أميركا ستتخلى عن جميع قواعدها في سوريا وتحتفظ بقاعدة عسكرية واحدة من أصل ثمانٍ، وذلك في محيط الحسكة شمال شرقي سوريا. وأضاف المسؤولان أنه سيتم خفض عدد الجنود الأميركيين في سوريا إلى أقل من ألف بحلول نهاية العام إذا سنحت الظروف. وحتى الآن، أخلت القوات الأميركية 3 قواعد في شمال شرقي سوريا، هي القرية الخضراء والحسكة والفرات، وسلّمت بعضها إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، كما غادر سوريا أكثر من 500 جندي أميركي إلى العراق والكويت والولايات المتحدة في إطار عملية الانسحاب، حسب المسؤوليْن الأميركييْن.

إغلاق مخيم الركبان يطوي صفحة "نزوح مؤلم" في سوريا
إغلاق مخيم الركبان يطوي صفحة "نزوح مؤلم" في سوريا

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

إغلاق مخيم الركبان يطوي صفحة "نزوح مؤلم" في سوريا

أفادت وسائل إعلام حكومية سورية بأنه تم إغلاق " مخيم الركبان" الصحراوي للاجئين السوريين الواقع على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي. وبحسب الوسائل الإعلامية الحكومية، تم إغلاق مخيم الركبان الصحراوي الذي يقطنه قرابة 10 آلاف نازح، بينهم نساء وأطفال، وذلك بعد عودة جميع العائلات التي كانت تقيم فيه إلى مناطقها. وخلال الشهور الستة الماضية وبعد عودة النازحين، تم إغلاق عدد من المخيمات الصغيرة في الشمال السوري على الحدود السورية التركية من أصل 1400 مخيم، ولكن مخيم الركبان الصحراوي هو أسوأ مخيم على الإطلاق تم إغلاقه حتى الآن بعد عودة النازحين فيه منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. فصل مأساوي وفي تعليقه على الأمر، قال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى إنه بتفكيك مخيم الركبان وعودة النازحين يُطوى فصل مأساوي وحزين من قصص النزوح التي صنعتها آلة الحرب للنظام المخلوع. وقال الوزير المصطفى، في تغريدة عبر منصة إكس، إن مخيم الركبان لم يكن مجرد مخيم، بل كان مثلث الموت الذي شهد على قسوة الحصار والتجويع، حيث ترك النظام الناس لمواجهة مصيرهم المؤلم في الصحراء القاحلة. أمل عظيم وأضاف المصطفى أنه "مع كل خطوة نحو العودة يتسلل من بين رمال الألم أمل عظيم في قلوب السوريين وعزيمتهم لفعل المستحيل من أجل بناء وطن جديد يتسع للجميع". وأوضح المصطفى أن نهاية مخيم الركبان تمثل بداية طريق جديد لتفكيك باقي المخيمات بإرادة تتجدّد يوما بعد يوم تدعمها الدولة حتى يصل كل نازح إلى بيته. يذكر أن مخيم الركبان كان قد أنشئ عام 2014 عندما لجأ إلى المنطقة نازحون من أبناء مناطق ريف حمص الشرقي وحماة، ويقع بالقرب من قاعدة التنف -التي تتمركز فيها قوات أميركية وأخرى للجيش السوري- بريف حمص الشرقي الحدودي.

لماذا يغيب الصوت العربي في مناطق سيطرة قسد؟
لماذا يغيب الصوت العربي في مناطق سيطرة قسد؟

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

لماذا يغيب الصوت العربي في مناطق سيطرة قسد؟

في الوقت الذي تخوض فيه " قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مفاوضات متقدمة مع حكومة الرئيس أحمد الشرع في دمشق ، يغيب الصوت العربي بوضوح عن طاولة النقاش، رغم أن العرب يشكّلون الغالبية السكانية في مناطق سيطرة "قسد"، وأكثر من 70% من عناصرها العسكرية، وفق تقديرات محلية ودولية. هذا الغياب لم يكن طارئا، بل هو امتداد لحالة تهميش سياسي وإداري ممنهج طغت على علاقة "قسد" بالمكون العربي منذ تأسيسها بدعم الولايات المتحدة عام 2013، حسب شخصيات عربية. ولم يترجم الوجود العددي الكبير للعرب إلى شراكة حقيقية في مراكز القرار أو في صياغة السياسات، لا داخل الهياكل القيادية لـ"قسد"، ولا ضمن المؤسسات المدنية التابعة لها. ومع ارتفاع نبرة الصوت الكردي بعد سقوط النظام ومطالبته بحكم فدرالي أو لا مركزي موسع من جهة، ودخول قسد -بمظلتها العسكرية والسياسية- مرحلة جديدة من التفاوض مع الدولة السورية من جهة ثانية، يبرز تساؤل ملح: ما سبب غياب العرب في المفاوضات والترتيبات المقبلة؟ وهل تفتح التطورات الباب أمام تغيير في واقع التهميش المستمر منذ سنوات؟ أين وصلت المفاوضات بين دمشق وقسد؟ بعد مرور نحو 3 أشهر على توقيع اتفاق العاشر من مارس/آذار بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي ، دخلت المفاوضات بين الطرفين مرحلة جديدة تتسم بالهدوء السياسي ومحاولات محدودة على الأرض لتنفيذ مضامين الاتفاق. وفي اجتماع رسمي عقد بدمشق مطلع يونيو/حزيران الجاري، أكد رئيس اللجنة المختصة بتنفيذ الاتفاق العميد زياد العايش -في تصريحات صحفية- التوصل إلى تفاهمات أولية حول ملفات التعليم، وعودة المهجرين، وتفعيل اتفاقات محلية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، مشيرا إلى التزام الطرفين بالحوار البنّاء. لكن هذه الأجواء التفاؤلية لا تعكس -حسب الباحث الكردي علي تمي المطلع على المفاوضات بين الطرفين- حقيقة ما يجري خلف الكواليس، ويرى أن "قسد تمارس سياسة شد وجذب، وتستثمر الوقت في إعادة ترتيب أوراقها ميدانيا"، مشيرا إلى وصول المئات من كوادر قنديل (حزب العمال الكردستاني) إلى الحسكة، إضافة إلى عناصر أمنية من النظام السابق، وهو ما اعتبره "تحضيرا محتملا لصدام مستقبلي". ويشكك الباحث تمي -في حديثه للجزيرة نت- في إمكانية تنفيذ البنود الجوهرية من الاتفاق، مثل تسليم سد تشرين أو إطلاق سراح الأسرى، ويعتبر أن "قسد تستخدم لغة التفاهم لكسب الوقت فقط، بانتظار انقضاء المرحلة الانتقالية، حيث ستسعى لإيجاد ثغرات للانقلاب على التفاهمات". وبينما تصرّ دمشق على "وحدة المؤسسات" وتحذّر من أي صيغة فدرالية، يتمسك عبدي بـ"ضمانات دستورية" قبل تنفيذ الدمج الكامل، مما يجعل الاتفاق الحالي إطارا هشا لإدارة الخلاف، أكثر من كونه أساسا لحل دائم. وكان عبدي شدد -في لقاء صحفي أواخر مايو/أيار- على أن التحول السياسي الكامل يحتاج إلى ضمانات دستورية تحفظ حقوق المكونات، وعلى رأسها الكرد، مشيرا إلى أن "قسد" مستعدة للانخراط في العملية السياسية متى ما تحقق الاستقرار وتم تثبيت الاتفاقات. الصوت العربي بين الغياب والتغييب في خضم التحولات السياسية والعسكرية في سوريا عامة، وفي مناطق شمال شرقي سوريا خاصة، تبدو الغالبية العربية في هذه المناطق وكأنها غائبة عن المشهد، رغم أنها تشكل الغالبية الديمغرافية والقتالية لقوات سوريا الديمقراطية. وبينما يتفاوض الأكراد باسم "قسد"، ويؤكدون تمسكهم بـ"الضمانات الدستورية"، و"الحكم اللامركزي"، لا يسمع صوت مماثل أو معارض لتوجه قسد في تلك المناطق، رغم اقتصار الوجود الكردي المركز على منطقة الحسكة وريفها، وخلو محافظة دير الزور منه، مع وجود محدود في الرقة، وهي المحافظات الثلاث الخاضعة لسيطرة "قسد". وعن أسباب غياب هذا الدور، يقول الباحث المتخصص بشؤون منطقة الجزيرة السورية، مهند الكاطع، إن هناك سببا واحدا للصمت العربي داخل مناطق سيطرة قسد، وهو "الوحشية التي تتعامل بها قسد مع المدنيين في مناطق سيطرتها، خاصة مع من يعارض سياساتها". ويرى الكاطع -في حديثه للجزيرة نت- أن "مليشيات قسد ترتكب جرائم وانتهاكات في السجون لا تقل فظاعة عما كان يرتكبه النظام في سجون صيدنايا، فهناك عمليات اغتيال وقتل وتعذيب بدون رقيب أو حسيب، ويضاف إلى ذلك وجود شبكة الجواسيس والمخبرين الذين جندتهم قسد، مما جعل من الصعب القيام بأي عمل منظم داخل تلك المناطق". وكانت قسد واجهت بعنف انتفاضة عشائرية في ريف دير الزور الشرقي عام 2023، طالبت بإنهاء التهميش ورفع القبضة الأمنية، مما خلّف قتلى وجرحى، إضافة إلى اعتقال المئات من أبناء المنطقة. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان -في بيان لها صادر يوم 27 مايو/أيار الماضي- احتجاز قوات سوريا الديمقراطية ما لا يقل عن 47 شخصا في محافظتي دير الزور والرقة خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 25 من الشهر نفسه. وفي أحدث التجاوزات التي رصدها ناشطون محليون، ذكرت شبكة "نهر ميديا" أن 4 أشخاص قتلوا خلال مايو/أيار الماضي في محافظة دير الزور شرقي البلاد برصاص "قسد" ومسلحين مجهولين، حيث تعيش المنطقة حالة من الفوضى الأمنية، وسط تسجيل حالات اغتيال شبه يوميا. قسد وتفتيت الأغلبية العربية رغم حديثها المتكرر عن تمثيل كل المكونات، فإن قوات "قسد" اتبعت منذ بدء سيطرتها على مناطق شرق الفرات نهجا للهيمنة على المكون العربي وتفكيك بنيته الاجتماعية والسياسية، في عملية مدروسة، حسب شخصيات عشائرية وتقارير حقوقية، لتهميش الأغلبية السكانية عبر مزيج من القمع العسكري، والسيطرة على الموارد، واختراق البنى القبلية، وهو ما أدّى إلى تغييب أي تمثيل حقيقي للعرب. في هذا السياق، يقول الشيخ مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، إن "قسد فرضت نفسها بالقوة العسكرية عن طريق الترهيب والترغيب، فاستغلّت المال لإغراء بعض شيوخ القبائل، وقدّمت لهم الدعم السياسي والاجتماعي، بينما عمدت إلى تحييد الآخرين، مما تسبب بشرخ اجتماعي كبير داخل المجتمع العربي". ويتابع الأسعد -في حديثه للجزيرة نت- أن الدعم الخارجي (من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران) وفر لـ"قسد" غطاء سياسيا وعسكريا مكّنها من الاستيلاء على النفط والغاز والثروات الزراعية والحيوانية، وتنفيذ حملات تجنيد قسري، شملت خطف القاصرات وتجنيد الأطفال. وتتقاطع شهادة الأسعد مع ما ورد في تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2025، وثّق استمرار "قسد" في اعتقال النشطاء السياسيين وتجنيد الأطفال لأغراض عسكرية، رغم تعهداتها بوقف هذه الممارسات. كما أشار التقرير إلى تصاعد التوترات في شرق محافظة دير الزور، حيث نفذت "قسد" مداهمات أمنية أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين. من ناحيته، يؤكد الباحث في شؤون الشرق السوري، سامر الأحمد، أن "قسد تمارس تضييقا أمنيا ممنهجا ضد شخصيات عربية مؤثرة، من وجهاء العشائر إلى النشطاء المستقلين، إذ تعرض كثير من هؤلاء للاعتقال أو التهديد بسبب موقف مغاير لخطاب قسد الرسمي". وقد أدّى هذا -حسب حديث الأحمد للجزيرة نت- إلى فرض هيمنة أمنية خانقة وإقصاء المكونات المحلية عن إدارة مناطقهم، مما خلق بيئة من الخوف والانكفاء، دفعت بكثيرين إلى الصمت أو الهجرة أو الانسحاب من الحياة العامة. استعادة الدور العربي بعد سقوط النظام شهدت مناطق الجزيرة السورية احتفالات واسعة عقب توقيع اتفاق العاشر من مارس/آذار بين الرئيس أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، الذي شكل بارقة أمل لانطلاق مرحلة جديدة تعزز من حضور الأغلبية العربية في شرق البلاد، وأن يكون للعرب صوت مسموع ودور فعال في إدارة مناطقهم بعد سنوات من الإقصاء والتهميش. ومع مرور الوقت، بدأ العرب يتلمسون تزايد فرص المشاركة السياسية والاجتماعية، رغم التحديات الداخلية واختلاف المواقف بين الشخصيات العشائرية المستفيدة من الوضع الراهن والقطاعات التي تطالب بتمثيل أوسع وأكثر شفافية، ليصبحوا فاعلين في رسم مستقبل مناطقهم ضمن سوريا الجديدة. ولم يعد الحراك العربي المعارض لهيمنة "قسد" محصورا داخل مناطق شرق الفرات، بل امتد إلى خارجها، حيث بدأت تتشكل تجمعات وتيارات سياسية تمثل أبناء الجزيرة والفرات، تعبّر بوضوح عن رفضها سياسات "قسد" ومشروعها الانفصالي، وتعلن دعمها الصريح للدولة السورية الجديدة، وفق ما أفاد به الباحث مهند الكاطع للجزيرة نت. ومن أبرز هذه التشكيلات تجمع أبناء الجزيرة (تاج)، وحركة دحر، وحركة الثامن من كانون الأول في دير الزور، وتجمع أبناء الرقة، وتجمع أبناء دير الزور (تآزر)، وتجمع الشرق، إضافة إلى عدد من اللقاءات والفعاليات التي تطالب بإنهاء مظاهر التفرد والتهميش، وبسط سلطة الدولة على كامل الجغرافيا السورية. بدوره، يؤكد هاشم الطحري، الناطق باسم مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية، أن مجمل الكتل والتيارات السياسية الممثلة للعرب في شرق الفرات، خاصة تلك الموجودة خارج مناطق سيطرة "قسد"، تنظر بإيجابية إلى المرحلة الجديدة التي تمر بها سوريا، حيث تسود قناعة بأن البلاد باتت تحت قيادة دولة تسعى لحل ملف شرق الفرات عبر الطرق السلمية، حفاظا على الدم السوري ووحدة البلاد. ويشير الطحري -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن القوى السياسية والعشائرية، سواء داخل المحافظات الشرقية أو خارجها، إلى جانب عدد من الفصائل العسكرية، في حالة استعداد دائم لكل السيناريوهات، بما فيها استخدام القوة إذا فرضت كخيار أخير بعد استنفاد الحلول السلمية. وشهدت مناطق شمال شرقي سوريا منذ اليوم الأول لسقوط النظام مظاهرات مطالبة بدخول قوات الحكومة السورية إلى تلك المناطق، غير أن "قسد" واجهت الحراك الشعبي الرافض لوجودها بقمع أدى إلى مقتل 5 أشخاص في الرقة، و11 شخصا في دير الزور، حسب شبكات محلية، إلى جانب فرض حالة الطوارئ وشنّ حملات اعتقال واسعة، مما أدى إلى تصاعد حالة الغليان الشعبي في هذه المناطق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store