
هل يقع «الجمهوريون» أيضاً في فخ التضخم؟
تخيل أنك تقود سيارة على طريق سريع خلال ساعة الذروة وأنت تنظر فقط في المرآة الخلفية. إنه أمر مستحيل، أليس كذلك؟ ومع ذلك، فهذا يشبه الطريقة التي يريد البيت الأبيض من الاحتياطي الفيدرالي أن يدير بها السياسة النقدية، بالنظر إلى الأداء الاقتصادي في الماضي بدلاً من النظر إلى الأمام. تُفضّل إدارة ترامب أن يتجاهل البنك المركزي جميع الأدلة والأبحاث التي تثبت أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع على المستهلكين والشركات.
كتب نائب الرئيس، جي دي فانس، على منصة «إكس»، الأسبوع الماضي، بعد أن جاءت بعضُ أجزاء مؤشرَي أسعار المستهلكين والمنتجين لشهر يونيو أقل من التوقعات: «يبدو أن مهنة الاقتصاد لا تفهم الرسوم الجمركية تماماً». ووصف فانس رفض الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بأنه «سوء ممارسة نقدية»، بينما وصف الرئيس دونالد ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بـ«المتأخر جداً»، لعدم خفضه أسعارَ الفائدة. وجاء منشور فانس بعد يوم من تصريح «أورين كاس»، مؤسس وكبير الاقتصاديين في «أميركان كومباس»، وهي مؤسسة بحثية تروج للشعبوية، بأنه حتى لو تسببت الرسوم الجمركية في ارتفاع الأسعار، فإن ذلك لا يُعد تضخماً: «التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية» مصطلح متناقض؛ فرفع الأسعار نتيجة خيار سياسي صريح لا يُعد تضخماً، والتغيرات النسبية الناتجة في الأسعار ليست موضوعاً يدخل في نطاق السياسة النقدية.
إن إبقاء الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة مرتفعة استجابةً لذلك يُعد تسييساً لدوره. ليست هذه الآراء نادرة فحسب، بل – في حالة كاس – خاطئة تماماً، فالأسعار التي ترتفع بسرعة، مهما كان السبب، وتؤدي إلى تآكل الأجور الحقيقية. لذا فهذه الآراء تشبه الرسائل التي ألحقت الضرر بـ«الديمقراطيين» في انتخابات العام الماضي، والتي أسفرت عن إعادة سيطرة «الجمهوريين» على البيت الأبيض والكونجرس. حاول الديمقراطيون إقناع الأميركيين بأن التضخم قد تقلص، مشيرين إلى كيفية تباطؤ سرعة زيادة الأسعار من أعلى مستوى لها عند 9% في منتصف عام 2022 إلى أقل من 2.5% قبل شهرين من انتخابات نوفمبر، مقتربين من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
ورغم ذلك، ومع اقتراب موعد الانتخابات، قال حوالي 41% من الأميركيين: إن التضخم هو قضيتهم الرئيسية، وقال 55% إن الاقتصاد يسير على المسار الخطأ، وفقاً لمسح السياسة والاقتصاد الذي أجرته مؤسسة «بنك ريت» في سبتمبر الماضي. لم يكن الديمقراطيون مخطئين. المشكلة أنهم، رغم أن وتيرة ارتفاع الأسعار قد تباطأت، إلا أن الأسعار الفعلية بقيت مرتفعةً.
فمؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 29.7% بين بداية عام 2021 وأكتوبر 2024. وبالنسبة للأميركيين، هذا يعني أن أشياء مثل المنازل والسيارات وحتى الطعام ظلت مكلفة أو غير ميسورة التكلفة. لذلك، من الغريب أن يستخدم البيت الأبيض وحلفاؤه الآن نفس الاستراتيجية، في وقت يرى فيه الأميركيون الأمور بشكل مختلف تماماً. تُظهر استطلاعات جامعة ميتشيجان الشهرية لثقة المستهلك أن الجمهور يتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى 4.4% خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنةً بنسبة 2.6% التي كانوا يتوقعونها في نوفمبر. ويدعم سوق وول ستريت هذا الرأي الشعبي القائل بأن التضخم سيتسارع. ففي استطلاع أجرته بلومبيرج، شمل أكثر من 50 اقتصادياً من وول ستريت، كانت التقديرات المتوسطة تشير إلى ارتفاع معدل التضخم خلال النصف الثاني من عام 2025، بمتوسط يزيد على 3% في كل من هذا الربع والربع الأخير من العام.
وفي سوق السندات، حيث المخاطر المالية حقيقية، يتوقع المتداولون أن تصل مكاسب أسعار المستهلكين إلى مستويات مماثلة لتلك التي شوهدت في عام 2022. وبين صناع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي، هناك قلق من أن تصبح التوقعات المرتفعة بشأن التضخم نبوءةً تحقق ذاتَها إذا تم تخفيف السياسة النقدية قبل الأوان. فقد كان هذا درساً مؤلماً تعلمه «آرثر بيرنز»، رئيس الاحتياطي الفيدرالي من 1970 إلى 1978.
بطلب من الرئيس ريتشارد نيكسون، أبقى بيرنز أسعارَ الفائدة منخفضةً في عام 1972، خلال فترة هدوء مؤقتة في التضخم للمساعدة على تعزيز الاقتصاد ودعم حملة إعادة انتخاب نيكسون. وبالفعل، أُعيد انتخاب نيكسون، لكن التضخم عاد بقوة، حيث تسارع من 2.7% في منتصف 1972 إلى أكثر من 12% بنهاية 1974. ونتيجة لذلك، لم تكن السبعينيات وقتاً جيداً للاقتصاد الأميركي، إذ استمرت حالة ركود مؤلمة من عام 1973 حتى 1975، وبلغت البطالة 9%.
وتقول الشركات إنها تشهد بالفعل ارتفاعاً في تكاليف المدخلات بسبب الرسوم الجمركية، التي لم تُطبق بالكامل بعد. وأشار تقرير «الكتاب البيج» الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، والذي يستند إلى آراء جهات اقتصادية إقليمية، إلى أنه «في جميع المقاطعات الاثنتي عشرة، أبلغت الشركات عن تعرضها لضغوط متوسطة إلى شديدة في تكاليف المدخلات بسبب الرسوم الجمركية، خاصة بالنسبة للمواد الخام المستخدمة في التصنيع والبناء». وبالطبع، في ختام آخر اجتماع للسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، في 18 يونيو، قال صانعو السياسات إنهم يتوقعون خفضَ سعر الفائدة المستهدف مرتين بحلول نهاية العام، ليصل إلى نطاق يتراوح بين 3.75% و4%، انخفاضاً من النطاق الحالي (بين 4.25% و4.50%)، والذي ظل عليه منذ ديسمبر.
وتُعتبر هذه سياسة «تميل للتيسير» بشكل كبير بالنظر إلى أن قاعدة تايلور – التي تربط سعر الفائدة بالاختلاف بين التضخم الفعلي والمستهدف والبطالة الفعلية والمستهدفة – تشير إلى أن الهدف ينبغي أن يكون أعلى قليلاً. محاولة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قبل الأوان، بزعم عدم وجود تهديد للتضخم، رسالة غير إيجابية يتم إرسالها إلى الجمهور في الوقت الحالي. وهي رسالة لم يقتنع بها الأميركيون العام الماضي، ولن يقتنعوا بها الآن.
ومع وجود الاقتصاد في حالة توظيف كامل وسوق الأسهم في مستوى قياسي، يمكن لرئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن يتحلى بالصبر، وينتظر المزيد من الوضوح بشأن كيفية تأثير زيادات الأسعار القادمة على التضخم العام وسلوك المستهلكين والشركات. هذا ما يُسمى إدارة السياسة النقدية من خلال النظر عبر الزجاج الأمامي بدلاً من المرآة الخلفية، وله نتائج متوقعة للغاية.
روبرت بيرجس*
*المدير التنفيذي لتحرير قسم الرأي في «بلومبيرج»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
ترامب وماسك.. «ما صنع الحداد» بعد وداد!
ما بين مَشاهد قَفْز ماسك طرباً في التجمعات الانتخابية، واستشاطته غضباً من قرارات ترامب.. مياه كثيرة تحت الجسر جرت.. فما دامت فرحة الانتصار الكاسح طويلاً، إذ سرعان ما وجد الحليفان نفسيهما أمام جبال تحديات. ليبدأ تآكل التحالف ونفاد قوة دفعه بعد انتقادات طالت الملياردير الجامح، مفادها التمدد المفرط داخل المؤسسات، فيما أفاض الكأس قانون الإنفاق؛ مُقدَّس ترامب وخطه الأحمر، بل وحلمه «الرائع الجميل»، لم يحتمل «متضخم الذات» أن يسفّه رهانه ويوصم علانية وليس سراً بـ«الشر المقيت». ففيما كال ترامب، غير عابئ، الشتائم لماسك بأنه ناكر جميل فقد عقله.. منّ الأخير على صاحبه بفضله عليه في الاكتساح الانتخابي والتنصيب رئيساً، ناشراً على حبال «X» بعض غسيله بأن اسمه ورد في وثائق حكومية تتعلق بفضيحة جيفري ابستين. حيث ولد.. فلم يجد ماسك بُداً من التهدئة وتجنب نزف المزيد بحذف بعض ما خطت يداه على وسائل التواصل، بل والإعراب عن الندم صراحة: «آسف.. لقد تجاوزت حدودي». أنفق الملياردير الأشهر بعض ثروته على «X» التي قبر اسمها الشهير «تويتر» ونفق طائرها الأزرق.. بدد طائل أموال على منصة ودعم مرشح، فيما ألْهته السياسة هوناً عن إدارة مملكة من الأكبر في الكوكب، قبل أن يبدأ سيناريو التداعي الماثل وتتجرع مرّ الخسائر بفعل تهاوي الأسهم ومخيب النتائج. كيان جديد يتموضع في الوسط ينضح تطوراً وحداثة ويمنّي الأمريكيين الأماني، فيما لا يبدو المناخ مهيئاً أو المزاج مواتياً وفق استطلاعات رأي كشفت عن زهد العامة في تقبل أي وافد جديد، بما قد يجبر ماسك مكرهاً لا بطلاً على التنازل عن طموح مهلك.. محسوم النتائج مؤلم المآلات.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
المعادن النادرة.. ترسم خريطة النزاعات الدولية
باتت المعادن النادرة «الرقم الصعب» و«الحصان الأسود» ليس فقط في المفاوضات التجارية ومعادلات الرسوم الجمركية، بل أصبحت تلعب الدور الأكبر في «المسارات الجيو- استراتيجية» الجديدة في ظل الأهمية الخاصة لنحو 17 معدناً من المعادن النادرة الضرورية في الصناعات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية، والسيارات الكهربائية، والأقمار الصناعية، والطائرات العسكرية خاصة طائرات الشبح والدرونز، واعتماد الأنواع الجديدة من مصانع الطاقة الخضراء على تلك المعادن وخاصة طاقة الرياح، وهو ما دعا البعض لتأسيس منظمة «أوبك للمعادن النادرة» على غرار منظمتي «أوبك»، و«أوبك بلس» بهدف ضبط أسعار المعادن النادرة ومراعاة مصالح المنتجين والمستهلكين من يراجع التحالفات السياسية والعسكرية والقرارات المصيرية خلال الآونة الأخيرة سوف يتأكد له أن «المعادن النادرة» أصبحت هي «المنصة والرافعة» للكثير من المواقف السياسية والتحركات الميدانية على الأرض، وباتت الأطروحات الدبلوماسية الخاصة بالحلول السياسية أو بتجييش الجيوش تعتمد على ما تجنيه هذه الدولة أو تلك من نصيب في هذه المعادن النادرة التي تتحدد ندرتها وفق عاملين رئيسيين، الأول هو مدى الأهمية التجارية والتصنيعية لهذا المعدن أو ذاك، ومدى توافره أو القدرة على استخلاصه من الرواسب الأرضية العميقة، وبعد استخدامه هل يمكن معالجته من جديد، وإعادة تدويره واستخدامه أكثر من مرة بعد أن وصل سعر الكيلو من المعادن النادرة لنحو 3000 دولار؟ أما السبب الثاني فيتعلق بمخاطر سلاسل الإمداد الخاصة بهذا المعدن، وهل هناك أي تحديات أو مخاطر تمنع وصوله للأسواق الدولية سواء كان لأسباب سياسية أو لوجستية، وهو ما يجعل المعادن النادرة ذات أهمية استراتيجية، فالدول الغنية بالمعادن النادرة يمكنها أن تحصل على مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية مقابل ما تقدمه من معادن نادرة التي باتت السلاح القوي في الحروب التجارية، ويجري استخدامها كأداة للضغط والردع، ومن هناك يعتبرها البعض مكوناً رئيسياً من الأمن القومي لكافة الدول وخاصة الصناعية منها، لهذا تعمل الولايات المتحدة على تقليل اعتمادها على الصين عبر تطوير مصادر بديلة مثل البرازيل وأستراليا وكندا وجرينلاند والكونجو الديمقراطية. حرب غير معلنة ويطفو على السطح الصراع العالمي بين الصين من جانب والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب على المعادن النادرة، فالتفوق الصيني الكاسح في الإنتاج والتصدير وعقد التحالفات العابرة للحدود حول المعادن النادرة أطلق حرباً غير معلنة بين واشنطن وبكين منذ أن طرحت الصين ورقة المعادن النادرة في مفاوضاتها مع اليابان عام 2010، وفي الوقت الذي تلوح الصين بهذه الورقة في وجه الرسوم الجمركية الأمريكية بدأ الرئيس ترامب حملة محمومة من أجل «تأمين» الاحتياجات الأمريكية من المعادن النادرة عبر شراكات جديدة تقوم على تغييرات عميقة في السياسات الأمريكية، بحيث تتوافق مع احتياجات واشنطن من المعادن النادرة، ولهذا يتشكل موقف أمريكي جديد من الحرب الروسية الأوكرانية بسبب وجود «المعادن النادرة» في الأراضي الأوكرانية والروسية، وزاد الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية بعد أن تراجع الاهتمام الأمريكي بالقارة الشابة، ودخلت على الخط دول مثل الهند وأستراليا والبرازيل والكونجو باعتبارها تملك مخزوناً من المعادن النادرة يمكن أن يخفف من حدة الاستقطاب الدولي، فما هي المعادن النادرة، ومن أين تأتي أهميتها؟ وما هي حدود التنافس الصيني الأمريكي على تلك المعادن؟ وما هي الأوراق التي تملكها كل من واشنطن وبيكين في الصراع على توظيف المعادن النادرة لتحقيق الأهداف الجيوسياسية لكل منهما؟ وهل هناك من مساحة مشتركة جديده توفرها المعادن النادرة تجعل من التعاون والتشارك بين الصين وروسيا من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب يعملان جنباً إلى جنب بدلاً من الصراع والتنافس الذي ساد طوال العقود الثمانية الماضية؟ الأمن القومي والمعادن النادرة يدور الحديث عن 17 معدناً من المعادن النادرة، وهي ليست نادرة الوجود في القشرة الأرضية، ولكنها نادرة التواجد بكميات كبيرة وقابلة للاستخراج بسهولة، وعلى الرغم من أن هذه العناصر موجودة في الطبيعة، إلا أنها تتواجد بكميات صغيرة ومختلطة مع معادن أخرى، مما يجعل استخراجها عملية معقدة وذات تكلفة عالية، وربما لا يعرف الناس أسماء هذه المعادن إلا أنهم يتلامسون يومياً مع المنتجات التي تدخل فيها هذه المعادن النادرة، ومن هذه المواد النيوديميوم، والإيتريوم واليوروبيوم اللانثانيدات والسيريوم والديسبروسيوم، بالإضافة إلي الليثيوم الذي يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية، وتعد العناصر الأرضية النادرة في غاية الحيوية في تصنيع المغناطيس اللازم لمحركات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، وتقنيات الدفاعات الجوية، كذلك يستخدم هذا المغناطيس لطرد مقعد الطيار من الطائرات الحربية مثل «إف 35» أو«إف 16» إذا ما تعرضت الطائرة للسقوط وحاول الطيار أن ينجو منها، وتعتمد غالبية صناعات الطاقة الخضراء الحديثة على وجود المعادن النادرة، وتستخدم هذه المعادن النادرة على نطاق واسع في صناعات الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، والتلفزيونات، وأجهزة الملاحة، وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، وتستخدم على نطاق كبير أيضاً في الصناعات الطبية، بما في ذلك أجهزة الليزر والتصوير بالرنين المغناطيسي، ويستخدم النيوديميوم على نحو خاص في تصنيع الأقراص الصلبة لأجهزة الكمبيوتر ومحركات الطائرات النفاثة، حيث يسهم النيوديميوم في أن تخرج تلك الأجهزة في شكل صغير، وفي أن تكون ذات كفاءة أعلى، أما الإيتريوم واليوربيوم، فيستخدمان في تصنيع شاشات أجهزة التليفزيون والكمبيوتر حيث تساهمان في ظهور الألوان. ونتيجة لكل هذه الأهمية تعتبر الدول المتقدمة صناعياً المعادن النادرة من مفردات «الأمن القومي» وقضية استراتيجية حيث تسعى الدول الكبرى إلى تأمين إمداداتها من هذه المعادن التي تشكل أساس الاقتصادات المتقدمة في هذه الأيام وعنصراً رئيسياً في رفاهية شعوب العالم أجمع. الأوراق الصينية على مدار نحو 4 عقود كانت الصين تعمل من أجل تبوؤ موقع الصدارة في مجال المعادن النادرة، وهناك مقولة شهيرة للرئيس الصيني الأسبق دينج شياوبينج: «إذا كانت دول الخليج تزخر بالنفط، فإن الصين تزخر بالمعادن النادرة»، وتملك الصين غالبية أوراق الاقتصاد الذي يتعلق بالمعادن النادرة حيث تستخرج نحو 62% من تلك المعادن، ولديها تكنولوجيا متقدمة للغاية في تنقية هذه المعادن وفصلها عن الشوائب والعناصر الأخرى الأقل أهمية، حيث تقوم المصانع الصينية بتنقية نحو 93% من تلك المواد بما يمنح الصين «اليد العليا» في هذه المعادن، فالصين تقوم بتنقية المعادن النادرة في دول أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولهذا تصدر الصين نحو 44 ألف طن من هذه المواد سنوياً، وهو ما يعني سيطرة صينية شبه كاملة على سلاسل التوريد الخاصة بهذه المعادن الأرضية النادرة، وتقوم الاستراتيجية الصينية حول المعادن النادرة على مجموعة من الخيارات وهي: أولاً: قيود التصدير مع اللهجة العدائية من الرئيس ترامب تجاه الصين، وفرض رسوم جمركية أمريكية كبيرة على الصادرات الصينية للولايات المتحدة أصدرت الحكومة الصينية خلال الأشهر الثلاثة الماضية سلسلة من التشريعات بهدف تقييد الصادرات من المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حيث تحدد تلك التشريعات الشركات التي يمكن أن تستلم الواردات الصينية من المعادن الأرضية النادرة، وتشترط تلك التشريعات أن تحصل الشركات الصينية على رخصة من الحكومة الصينية قبل إرسال معادن نادرة إلى الخارج، وقد أكدت المراجعة الصينية أن كثيراً من صناعات الدفاع الأمريكية تعتمد اعتماداً وثيقاً على المعادن الصينية الثقيلة خصوصاً أن الصين وضعت قيوداً شديدة على تصدير المعادن النادرة «ذات الاستخدام المزدوج» التي يمكن استخدامها في الصناعات العسكرية التقليدية والنووية. ثانياً: الرسوم الجمركية يعود جزء كبير من نجاح المفاوضات التجارية الأمريكية الصينية حول الرسوم الجمركية إلى مرونة الصين في السماح بتصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، ونظراً لحاجة أي خطة جديدة حول المعادن النادرة إلى استثمارات ضخمة ووقت طويل تراجع الرئيس ترامب حتى لا تتباطأ الشركات والمصانع الأمريكية أمام أي نقص في المعادن النادرة التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين. ثالثاً: الاستخراج والتنقية للآخر جزء من هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة أنها سبقت الولايات المتحدة والدول الغربية في مساعدة الدول الأخرى خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية في استخراج وتنقية المعادن النادرة، وهو ما منح الصين فرصة كاملة لبناء شراكات طويلة المدى مع المنتجين الآخرين للمعادن النادرة. مأزق واشنطن تعتمد الولايات المتحدة اعتماداً كاملاً على الصين في الحصول على المعادن النادرة، ففي الفترة من 2020 إلى 2023 استوردت الولايات المتحدة نحو 70% من حاجتها من المعادن النادرة من الصين، حيث تعتمد الصناعات العسكرية مثل صواريخ توماهوك، والطائرات الهجومية، والرادارات والملاحة العسكرية على المعادن النادرة الثقيلة القادمة من الصين، وفي تأكيد على مدى المأزق الكبير الذي تعيشه الصناعات الأمريكية نتيجة لاعتمادها على المعادن النادرة القادمة من الصين أمر الرئيس دونالد ترامب بالتحقيق في مخاطر تهدد الأمن القومي الأمريكي نتيجة الاعتماد على المعادن الأرضية النادرة المستوردة من الخارج، وأصدر في إبريل الماضي أمراً تنفيذياً قال فيه «الرئيس ترامب يقف على خطورة الاعتماد المتزايد على الواردات الحيوية من المعادن النادرة ومشتقاتها على صعيد القدرات الدفاعية الأمريكية، وتطوير البنية التحية والابتكار التقني، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة، وهي ضرورية للأمن القومي وللمرونة الاقتصادية» وما يكشف حجم الأزمة أن الولايات المتحدة لديها منجم واحد للمعادن النادرة، وحتى هذا المنجم لا يملك القدرة على معالجة المعادن الأرضية النادرة «الثقيلة»، ولهذا يقوم بإرسالها في صورتها الخام إلى الصين من أجل معالجتها هناك، وبعد ذلك يعيد استيرادها بعد التنقية من الشوائب والمعادن الأخرى، ونتيجة لهذه الأزمة ذات الأبعاد المتعددة تواجه الشركات الأمريكية التي تصنع منتجات تعتمد على المعادن النادرة بطئاً في وتيرة الإنتاج، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تنويع سلاسل التوريد وتوسيع قدراتها التصنيعية المحلية للاستعاضة عن الاستيراد، غير أن ذلك يتطلب استثمارات كبيرة ومستدامة، وتحديثات تقنية متطورة، ودفع هذا الأمر الرئيس ترامب لتعديل سياساته حول عدد من الملفات وهي: أولاً: الملف الأوكراني الروسي دفعت هذه الأزمة الرئيس ترامب للضغط على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي للتوقيع على صفقة المعادن، حيث يقول الرئيس ترامب أن بلاده دفعت لأوكرانيا نحو 300 مليار دولار منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وهناك تقديرات في البيت الأبيض تقول بأن الولايات المتحدة يمكن أن تجني نحو 10 تريليونات دولار نتيجة الشراكة مع أوكرانيا في المعادن النادرة، لكن روسيا تقول إن غالبية المعادن النادرة الأوكرانية توجد في 4 مناطق تسيطر عليها روسيا بالفعل وهي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، وفي مقابل ذلك يتحدث الكرملين عن صفقات تجارية يمكن أن تكون مع واشنطن في مجال المعادن النادرة حال مساعدة واشنطن لموسكو في وقف الحرب وفق الشروط والمطالب الروسية. ثانياً: وقف الحرب الكونجولية الرواندية ساعد الرئيس ترامب ومبعوثه الخاص إلى إفريقيا مسعد بولس في التوصل إلى اتفاقية لوقف الحرب بين الكونجو الديمقراطية ورواند، ورغم السنوات الطويلة من الحرب بين حكومة الكونجو الديمقراطية وحركة «إم 23» إلا أن حاجة الولايات المتحدة للمعادن النادرة الموجودة في الأراضي الكونجولية كانت حافزاً كبيراً للبيت الأبيض للتدخل بنفسه من أجل وقف الحرب، حتى تكون الأراضي الكونجولية جاهزة لاستخراج المعادن النادرة، وقال الرئيس ترامب بوضوح خلال حفل وقف الحرب بين الكونجو ورواندا في البيت الأبيض الشهر الماضي: الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة الكونجو في ملف الأمن مقابل الحصول على المعادن النادرة. ثالثاً: جزيرة جرينلاند تأكد الجميع الآن من السبب الذي يدفع الرئيس ترامب للحديث منذ ولايته الأولى على ضم أو شراء جزيرة جرينلاند ذات الحكم الذاتي والتي تتبع مملكة الدانمارك، فبعد ذوبان الجليد بكميات كبيرة ظهرت الرواسب التي تحمل كميات هائلة من المعادن النادرة، وهذا يفسر ليس فقط سعي واشنطن لاحتلال الجزيرة أو شرائها بل للتنافس الصيني الأمريكي على أكبر جزيرة في العالم، حيث يرى البيت الأبيض في الجزيرة حلاً مثالياً لأزمة المعادن النادرة نظراً لقربها من الأراضي الأمريكية، واحتوائها على كميات كبيرة من المعادن النادرة «الثقيلة» التي تحتاج إليها صناعات الدفاع والصواريخ والطائرات الأمريكية. رابعاً: تحالفات المعادن النادرة على غرار التحالفات العسكرية والسياسية يعمل الرئيس ترامب على تشكيل تحالفات للمعادن النادرة تضم الهند وأستراليا واليابان والاتحاد الأوروبي والبرازيل، حيث تمتلك دول مثل أستراليا والبرازيل والهند كميات كبيرة من الموارد النادرة، بينما يستطيع الاتحاد الأوروبي والقطاع الخاص الأمريكي الاستثمار أكثر في استخراج وتنقية المعادن النادرة. نعم ترسم المعادن النادرة معادلات جيو- سياسية واقتصادية جديدة على غرار ما فعله النفط في القرن العشرين، لأنها بالفعل باتت أداة للقوة الناعمة والخشنة على السواء، وباتت حافزاً قوياً نحو تشكيل تحالفات استراتيجية جديدة.


الإمارات اليوم
منذ 3 ساعات
- الإمارات اليوم
سلسلة اتهامات لهيلاري كلينتون.. تتناول «مهدئات قوية» وتعاني مشكلات عاطفية
أطلقت مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة الرئيس، دونالد ترامب، تولسي غابارد، سلسلة اتهامات صادمة، أخيراً، ضد هيلاري كلينتون، مدعية أنها كانت تتناول «مهدئات قوية»، وتعاني «مشكلات نفسية عاطفية» خلال انتخابات عام 2016، وقالت غابارد إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان لديه هذه المعلومات، وكان يخطط لاستخدامها ضد كلينتون خلال فترة رئاستها، في حال فازت. ووردت هذه المعلومات بتقرير صدر، في سبتمبر 2020، عن لجنة الاستخبارات الدائمة المختارة بمجلس النواب، حول محاولات روسيا للتأثير في الانتخابات، ورفعت غابارد السرية عنه، أول من أمس، وأوضحت: «يُظهر هذا التقرير أن بوتين تفادى التسريب، وامتنع عن تسريب مواد مسيئة لهيلاري كلينتون قبل الانتخابات، وكان يخطط لنشرها بعد الانتخابات». ويزعم التقرير الذي رفعت عنه السرية، أيضاً، أن كلينتون عانت أمراضاً صحية مثل داء السكري من النوع الثاني، ومرض نقص تروية القلب، كما زعم التقرير أن كلينتون، التي كانت آنذاك وزيرة الخارجية في إدارة أوباما، عقدت اجتماعات سرية، برفقة مساعديها الحكوميين، مع زعماء دينيين، حيث عُرضت عليهم «زيادات كبيرة في التمويل» من وزارة الخارجية، مقابل دعمهم السياسي في الانتخابات، وقالت غابارد: «لقد تعمدت أجهزة الاستخبارات إخفاء معلومات استخباراتية أظهرت أن بوتين كان يحتفظ بأخطر المواد التي بحوزته عن هيلاري كلينتون حتى فوزها المحتمل والمرجح»، وأضافت: «كانت هناك رسائل بريد إلكتروني رفيعة المستوى من اللجنة الوطنية الديمقراطية، تضمنت أدلة مفصلة عن مشكلات هيلاري النفسية والعاطفية، ونوبات الغضب غير المنضبطة، والعدوانية، وأن وزيرة الخارجية آنذاك (كلينتون) كانت تتناول نظاماً يومياً من المهدئات القوية». وكانت كلينتون تعرضت لأزمة صحية عامة خلال انتخابات عام 2016، وأُغمي عليها، وتعثرت في مراسم إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، في حادثة صُوِّرت بواسطة هاتف محمول. وأظهر الفيديو كلينتون وهي تتأرجح، ثم يرفعها مساعدوها إلى السيارة، بعد مغادرتها حفل تأبين في موقع هجوم مركز التجارة العالمي عام 2001، وأعلنت حملة كلينتون لاحقاً أنها شُخصت بالتهاب رئوي، وبعد بضعة أيام، أعلن طبيبها أن كلينتون بصحة جيدة، وقادرة على تولي منصب الرئاسة. وكانت هناك مخاوف صحية أخرى، ففي يناير 2011، أثناء رحلة رسمية إلى اليمن، تعثرت كلينتون وسقطت على درج الطائرة أثناء مغادرتها البلاد. وتضمن تقرير مجلس النواب، الذي رُفعت عنه السرية، سلسلة اتهامات لكلينتون، منها: «اعتباراً من سبتمبر 2016، حصل جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي على معلومات من اللجنة الوطنية الديمقراطية، تفيد بأن الرئيس أوباما وقادة الحزب اعتبروا الحالة الصحية للوزيرة كلينتون (مقلقة للغاية)، ورأوا أنها قد تُؤثر سلباً بشكل خطر على فرص فوزها في الانتخابات، وقد أُحيطت معلوماتها الصحية بسرية تامة، ولم يُطلع حتى أقرب مستشاريها على المعلومات الكاملة، كما اطلع جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي على اتصالات من اللجنة الوطنية الديمقراطية، تُفيد بأن كلينتون تعاني مشكلات نفسية وعاطفية مُتفاقمة، تشمل نوبات غضب لا يمكن السيطرة عليها، وعدوانية، وأن وزيرة الخارجية السابقة تعاطت (مهدئات قوية)، ورغم خوفها من الخسارة، ظلت مهووسة بالسلطة». ورد أوباما على ما اعتبر «ادعاءات غريبة» صادرة عن إدارة ترامب، ورفض مكتبه هذه الادعاءات، معتبراً إياها مثالاً آخر على ما وصف بـ«الهراء والتضليل» المستمر الصادر من البيت الأبيض، وأعلن مكتبه في بيان: «لا شيء في الوثيقة، التي صدرت الأسبوع الماضي، يُقوض الاستنتاج المُتعارف عليه بأن روسيا عملت على التأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016، لكنها لم تنجح في التلاعب بأي أصوات». عن «ديلي ميل» . كلينتون تعثرت وسقطت على درج الطائرة في يناير 2011 أثناء رحلة رسمية إلى اليمن.