logo
ازدواجية الدولة وإرباك الرد: لبنان يُضيّع فرصة التفاهم؟

ازدواجية الدولة وإرباك الرد: لبنان يُضيّع فرصة التفاهم؟

تيار اورغمنذ 2 أيام
أنطوان الأسمر-
في ذروة التوتر الإقليمي، يقف لبنان مجددًا على حافة تحول سياسي–أمني مفصلي، عنوانه هذه المرة عرض أميركي مشروط لحزب الله، يقضي بتحوّله التدريجي من فاعل عسكري إلى طرف سياسي "منضبط" في النظام اللبناني. وللمفارقة، لا يأتي هذا العرض في سياق ضغوط مفتوحة أو تهديدات مباشرة، بل هجيناً بين التهديد وما يُسمى "المسار الديبلوماسي"، الذي أطلقه الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك، في زيارة بدت على قدر عالٍ من التنسيق مع البيت الأبيض والبنتاغون، وحملت في طياتها ما يتجاوز مجرد الرغبة في تسوية أمنية موقتة ومرحلية بين لبنان وإسرائيل.لكن خلف عبارات التهدئة، تنكشف نوايا أكثر عمقاً: مشروع إعادة هيكلة للمشهد اللبناني، أمنياً وسياسياً، تبدأ من الجنوب ولا تنتهي عند حدود الطائف. فالأميركيون، وفق ما نقلته مصادر مطّلعة، يعتبرون أن ترسانة حزب الله لم تعد عنصراً "ردعياً" بقدر ما باتت تهديداً دائماً لأي صيغة استقرار في الإقليم، خصوصاً بعدما دخلت غزة في لعبة المساومات، وبدأت سوريا خطوات تفاوض مباشرة مع إسرائيل.ما يطرحه الموفد الرئاسي الاميركي توم برّاك يبدو للوهلة الأولى أقرب إلى التسوية: ضمان أمن إسرائيل مقابل تحوّل حزب الله لاعباً سياسياً مشروعاً. لكن جوهر المبادرة أميركياً لا ينفصل عن هدف استراتيجي أبعد: تفكيك البيئة العسكرية للحزب تدريجياً، بدءاً من مناطق القرار 1701، مرورا بالشرق، وصولاً إلى الشمال، في إطار ما يشبه خريطة طريق لاحتكار الدولة اللبنانية السلاح، ولو بعد حين.في المقابل، يبدو الرد اللبناني الرسمي على هذا العرض مرتبكاً ومتشظياً، انعكاساً لانقسام أعمق في الرؤية: رئيس مجلس النواب نبيه بري قدّم ملاحظات تتماهى مع موقف حزب الله، من خارج الرد الرسمي، مما أظهر أن لا مقاربة موحّدة في السلطة اللبنانية. وأكثر من ذلك، فإن ازدواجية الخطاب بين المؤسسات تُفقد الدولة صدقيتها في المحافل الدولية، وتفتح الباب أمام شكوك جدية في قدرتها على إدارة هذا النوع من المفاوضات الدقيقة.من جهة حزب الله، لا جديد يُذكر في العناوين: لا حوار حول السلاح قبل وقف العدوان، وإعادة الإعمار، وإطلاق الأسرى، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. لكن بين السطور، يُقرأ موقف الحزب مناورة مدروسة للربح بالوقت، على أمل أن تتغيّر المعادلات مجدداً، كما حصل في مراحل سابقة. غير أن هذا التعويل على الوقت يبدو مهدداً هذه المرة، مع تحوّلات عميقة في المشهد الإقليمي، من التقارب التركي–الإسرائيلي، إلى تبدلات موقف بعض الدول العربية من أولويات القضية الفلسطينية.المفارقة أن الحزب، الذي طالما قدّم نفسه مدافعاً عن السيادة، يجد نفسه راهناً أمام معادلة تفرض عليه، للمرة الأولى منذ سنة 2006، التفكير في أثمان بقائه خارج الإجماع الداخلي، خصوصاً إذا تحوّلت المبادرة الأميركية إلى ضغط دولي منسّق مدعوم من الأوروبيين والعرب. فالعشرون يوماً (حتى نهاية تموز) التي حدّدها بارّاك للرد ليست مجرد مهلة إدارية، بل هي – عملياً – اختبار لقدرة لبنان على اتخاذ قرار سيادي جامع، يعيد تعريف مفهوم الدولة وحدود الشرعية.في هذا السياق، تعود إلى الواجهة فكرة تفعيل "لجنة مراقبة وقف إطلاق النار"، التي صارت آلية غير فعالة باعتراف برّاك نفسه، لكنّها قد تتحوّل إلى مدخل لتسوية جديدة إذا ترافقت مع ضمانات أمنية حقيقية، ترفع عن لبنان كلفة الاشتباك الدائم. غير أن هذه المقاربة، التي تقوم على التوازي بين الضمانات والنزع التدريجي للسلاح، لا تزال تصطدم بشكوك متبادلة: فلبنان لا يثق بنيّة واشنطن الحقيقية في ردع إسرائيل، والولايات المتحدة لا ترى التزاماً لبنانياً جدياً بإصلاح المشهد الأمني الداخلي.في المحصلة، يواجه لبنان تحدياً غير مسبوق ولحظة فاصلة تتقاطع فيها التحوّلات الإقليمية والضغوط الدولية مع الانقسام الداخلي المزمن. يبقى عليه إما أن يستثمر اللحظة الدولية ويبلور موقفاً سيادياً موحّداً يعيد ترتيب أولوياته، أو يستمر كمنصة مشاع تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية. هي ليست أزمة سلاح فقط، بل أزمة خيارات وهوية، تتجاوز الجنوب وحدوده، إلى جوهر العقد الوطني نفسه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل تدخل على خط التوتر في السويداء
إسرائيل تدخل على خط التوتر في السويداء

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 30 دقائق

  • القناة الثالثة والعشرون

إسرائيل تدخل على خط التوتر في السويداء

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الإثنين، أنه نفّذ ضربة استهدفت "عدة دبابات في منطقة قرية سميع" الواقعة في محافظة السويداء جنوب سوريا، وذلك في أحدث تصعيد ضمن التوتر المستمر على الجبهة السورية. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب: "هاجم الجيش قبل قليل عدة دبابات في منطقة قرية سميع جنوب سوريا"، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حول نوعية السلاح المستخدم أو طبيعة الأهداف المحددة، وما إذا كانت العملية قد أسفرت عن إصابات أو خسائر بشرية. وتأتي هذه الغارة بعد أقل من 48 ساعة على الاشتباكات الدامية التي شهدتها محافظة السويداء، وأسفرت عن مقتل ٣٧ شخصًا وإصابة أكثر من ١٠٠، في مواجهات اندلعت بين مجموعات محلية مسلحة تنتمي للطائفة الدرزية وعشائر بدوية، وسط توتر غير مسبوق في المنطقة. كما تتزامن العملية الإسرائيلية مع إعلان وزارة الداخلية السورية عن نيتها تنفيذ انتشار أمني واسع في المحافظة لفرض الأمن واحتواء الأزمة، ما يثير تساؤلات حول توقيت الغارة ومغزاها السياسي والعسكري، خاصة في ظل تصاعد الحديث عن دور إسرائيلي متزايد في الجنوب السوري. وسبق لإسرائيل أن نفّذت في الأشهر الماضية عشرات الغارات على أهداف داخل سوريا، بعضها استهدف مواقع مرتبطة بإيران أو حزب الله، وأخرى طال بعضها الجيش السوري نفسه، خصوصاً في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

نجاة عون: لبنان ليس تابعا لأحد وأهله مستعدون للحفاظ عليه
نجاة عون: لبنان ليس تابعا لأحد وأهله مستعدون للحفاظ عليه

IM Lebanon

timeمنذ 30 دقائق

  • IM Lebanon

نجاة عون: لبنان ليس تابعا لأحد وأهله مستعدون للحفاظ عليه

أكدت النائبة نجاة عون صليبا، أن لبنان ليس تابعا لأحد وأنه دولة مستقلة وسيادية وأن أهلها مستعدون للحفاظ عليها بكل الطرق المتاحة. وأشارت في حديث لبرنامج 'نهاركم سعيد' عبر الـLBCI، الى أن هناك مخاطر قوية خصوصا أن الداخل ليس قويا للوقوف وقفة واحدة ضد هذه المخاطر. وشددت على أن هناك مسؤولية كبيرة على اللبنانيين للحفاظ على سيادة لبنان في ظل كل التغيرات في المنطقة. ورأت أن هناك جيشا مسلحا خارج الدولة يستخدم فائض القوة ويهدد مسار الحكومة، مشيرة الى وجوب الوقوف الى جانب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. واعتبرت صليبا أن حزب الله حزب يعمل على البروباغاندا والتخويف وتبين أنه لم يستطع الحفاظ على لبنان من الإعتداءات الإسرائيلية.

بين "قسد" و"حزب الله": إعادة رسم الخرائط بنيران الحلفاء
بين "قسد" و"حزب الله": إعادة رسم الخرائط بنيران الحلفاء

النهار

timeمنذ 33 دقائق

  • النهار

بين "قسد" و"حزب الله": إعادة رسم الخرائط بنيران الحلفاء

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية متسارعة تكشف عن نية واضحة لدى القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإعادة تشكيل موازين القوى في سوريا ولبنان. وفي هذا السياق، تبرز تجربتان متناقضتان من حيث الدعم والوظيفة والمصير: "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا، و"حزب الله" في لبنان. كلاهما خاض تجربة التحالف مع قوى خارجية وامتلك ترسانة عسكرية غير نظامية، وكلاهما اليوم يواجه ضغوطاً متزايدة لتسليم سلاحه أو الاندماج ضمن الدولة. "قسد"، التي تشكّلت عام 2015 بدعم مباشر من الولايات المتحدة، لعبت دوراً أساسياً في هزيمة تنظيم "داعش"، وأصبحت حليفاً رئيسياً لواشنطن في سوريا، بعدما سيطرت على مناطق واسعة من الشمال الشرقي السوري. لكن التحالف الأميركي - الكردي دخل مرحلة جديدة منذ توقيع اتفاق 10 آذار/مارس 2025 بضغط أميركي، بين الدولة السورية و"قسد"، الذي نصّ على دمج "قسد" ضمن الجيش السوري مقابل ضمانات سياسية وإدارية. وفي أحدث تصريح له، قال المبعوث الأميركي توم براك، إن قسد تواجه "لحظة الحقيقة"، وأضاف أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تبقى إلى الأبد حامية لميليشيا مسلحة، حتى لو كانت حليفة". كما أشار إلى أن "قسد أظهرت بطئاً في التجاوب مع عرض دمشق، وأن الوقت بدأ ينفد"، خصوصاً في ظل تهديدات تركية مستمرة بشن عملية عسكرية جديدة. في لبنان، يواجه "حزب الله"، الحليف التقليدي لإيران، ضغوطاً متزايدة لنزع سلاحه، خصوصاً الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. وقد اعتبر براك أن لبنان يواجه "تهديداً وجودياً"، إذا لم يتحرك سريعاً لمعالجة ملف سلاح "حزب الله"، محذّراً من أن البلاد قد تعود إلى "بلاد الشام" القديمة إذا استمر الوضع الراهن. هذا الموقف يتزامن مع تكثيف إسرائيل لضغوطها العسكرية على الحزب، من خلال غارات شبه يومية تستهدف مواقع خاصة به. في هذا الإطار، تشكل المقارنة البنيوية بين "قسد" و"حزب الله" مدخلاً مهماً لفهم التحولات الجارية في المنطقة، فعلى مستوى الدعم المالي، تحظى "قسد" بدعم مباشر من الولايات المتحدة، بلغ في موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2026 وحده نحو 130 مليون دولار، وخلال عامي 2024 و2025 ما يقارب 300 مليون دولار، بينما يعتمد "حزب الله" على الدعم الإيراني، الذي شهد تراجعاً كبيراً. أما من حيث القدرات التسليحية، فإن "قسد" تملك أسلحة خفيفة وثقيلة، يتم استخدامها في إطار محاربة "داعش" بشكل رئيسي. في المقابل، يمتلك "حزب الله" ترسانة أكثر تطوراً تشمل صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، ذات طابع هجومي واستراتيجي، تُقلق إسرائيل والدول الغربية. ومن الناحية الجيوسياسية، تمثل "قسد" الذراع العسكرية للولايات المتحدة في سوريا، بينما يتموضع "حزب الله" ضمن محور بقيادة إيران. المفارقة أن "قسد"، رغم كونها الذراع العسكرية للولايات المتحدة في سوريا، تُدفع الآن إلى التخلي عن سلاحها والاندماج في منظومة الدولة السورية. فكيف سيكون الحال بالنسبة لـ"حزب الله"، الذي لا يملك أي دعم دولي رسمي، ويُعد من المنظور الأميركي والإسرائيلي خطراً استراتيجياً يجب إنهاؤه؟ في ظل هذه التطورات والضغوط، تُجرى استعدادات حثيثة لإعلان اتفاق أولي بين سوريا وإسرائيل، حيث يُرتقب توقيعه في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أيلول/سبتمبر المقبل. هذا الاتفاق سيأخذ طابع الترتيبات الأمنية، ويشمل إعادة تموضع إسرائيلي في الجولان ووقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مقابل ضمانات لأمن إسرائيل، برعاية أميركية. تبدو الفترة الزمنية الفاصلة بين اليوم وتاريخ توقيع الاتفاق المرتقب بين سوريا وإسرائيل، بمثابة مهلة أخيرة للحلول السلمية لكل من "قسد" و"حزب الله"، إنها فترة السماح التي تُمنح للديبلوماسية لتفرض كلمتها، قبل أن يُفتح الباب أمام الحسم عبر الوسائل العسكرية. "قسد" أمام اختبار بقاء بمرجعية دمشق، و"حزب الله" أمام اختبار وجودي بمرجعية لبنانية، وفي الحالتين، تبدو واشنطن مصممة على إعادة ضبط قواعد اللعبة، حتى لو تطلّب الأمر تسوية بالنار. المعادلة الجديدة تقول إنه لا مستقبل لأي سلاح خارج سلطة الدولة، سواء حُمل بيد حليف أو خصم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store