
تناقضات الإسلام السياسي وخيانة مفهوم الدولة
أثبتت التجربة منذ نشأة الإسلام السياسي أن أي دولة تقوم بدعمه وتوفر المنابر والمأوى لبعض قياداته الفارّة من بلدانها الأصلية قد راهنت على الخسارة وفتحت باباً لأن يرتد عليها ذلك، خصوصاً إذا حاولت استخدام هذه الورقة أداة ضغط إقليمية في صراع النفوذ، وستفاجأ كما رأينا عبر العقود الماضية بأنها ربما وقعت في فخ من صنع يديها لأنها حولت هذه التيارات المؤدلجة إلى طابور خامس يقتات على الأزمات، ويوجه طعناته إلى اليد التي امتدّت إليه أصلاً.
وهنا يتبدى الفارق الجوهري بين مشروع الدولة ومشروع الآيديولوجيا. فبينما تسعى الدولة إلى حفظ الأمن والاستقرار ضمن حدودها، يستثمر الإسلام السياسي في الفوضى، ويجد في كل صراع فرصة جديدة لتأكيد روايته عن «المظلومية»، وتجديد شبكاته وتمويله، وربما كسْب تعاطف جديد. إنه مشروع قائم على التناقضات؛ يطلب الحرية في دولة ويُشيّد السجون في أخرى، يُهاجم «الاستبداد»، وهو لا يعرف سوى الطاعة، يُدين «الفساد» بينما يعيش على ريع المال السياسي.
وإذا كان هذا المشروع قد خدع كثيراً من الدول في بعض الأزمنة بسبب شعاراته الثورية أو خطاباته الشعبوية، فإنّ لحظة الحقيقة تأتي دوماً عند أول اختبار للأزمات حيث تتكشّف أقنعة البراغماتية التي تدفع بحركات الإسلام السياسي إلى التحالف مع أي قوة أجنبية أو إقليمية تخدم مصالحها المرحلية؛ حتى وإن كانت تلك القوى تقصف أو تطعن حلفاءها السابقين؛ فالوفاء ليس في أبجديات قاموسها السياسي؛ لأن ولاءها هو ولاء مؤدلج ومصلحي ضيق الأفق.
وفي مقابل هذا التخبط، برز نموذج سعودي رائد واستباقي في التنبه إلى هذا الخطر وآتى أكله ونضج مع الرؤية بشكل واضح، هذا النموذج لا يستند إلى الشعارات أو الثقة بها؛ وإنما قائم على إصلاح فكري ومراجعة عميقة تؤدي إلى قطيعة مع التطرف.
الأمثلة على خيانة الإسلام السياسي لدول المنطقة كثيرة جداً وتكتنزها الذاكرة السياسية الحديثة؛ بدءاً من انقلاباتهم على الأنظمة التي احتضنتهم وليس انتهاءً بخيانتهم للتحالفات التي أمّنت لهم الحماية. وها هي بعض الدول التي احتضنتهم تكتشف اليوم - وإن متأخراً - أن حسابات الإسلام السياسي ليست حسابات قومية، وأنّ «الحلفاء» الجدد يمكن أن يتحولوا إلى «خصوم» بأسرع مما يتبدّل موقف سياسي في بيان.
المفارقة الواضحة اليوم تكمن في حجم التباين بين منطقين متضادين؛ منطق الدولة الذي يجعل من الاستقرار ركيزة أساسية لأي مشروع وطني، ومنطق حركات الإسلام السياسي التي ترى في الاستقرار تهديداً لوجودها ومشروعها الذي يهدف لاختطاف المجتمع.
وللحقيقة فإن تجارب السنوات الأخيرة قد أثبتت بوضوح أن مشروع الإسلام السياسي لا يملك صديقاً دائماً؛ بل فقط حلفاء مؤقتين يُستنزفون ثم يُرمى بهم تحت عجلات الصفقة المقبلة. والمفارقة أنّه كلما اقترب من السلطة، ازدادت خيانته للشعارات التي يرفعها؛ فالحركة التي بدأت بشعارات «الإصلاح» لا تلبث أن تتورّط في الفساد، والتي رفعت راية «التغيير» تنقلب على من انتخبها، والتي بشّرت بـ«النهضة» تغرق في التبعية والارتهان.
السؤال الأعمق الذي تطرحه هذه الوقائع هو: هل آن للأنظمة التي راهنت - ولو مؤقتاً - على الإسلام السياسي أن تُعيد النظر في هذا الرهان؟ وهل يمكن للفكر السياسي العربي أن يستوعب الدرس بأنّ هذه الحركات - مهما تجمّلت أو تكيّفت - ستبقى وفية لآيديولوجيتها أكثر من وفائها لأوطانها؟ هذا هو سؤال المرحلة في منطقتنا!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 23 دقائق
- الشرق الأوسط
مقتل 30 فلسطينياً غالبيتهم نساء وأطفال بغارات إسرائيلية على مخيم النصيرات
أعلن الناطق باسم الدفاع المدني في غزة أن 30 فلسطينياً، غالبيتهم نساء وأطفال، قُتلوا في عدة غارات شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي، ليل الاثنين - الثلاثاء، على مخيم النصيرات وسط القطاع. وقال محمود بصل: «مجزرة جديدة في مخيم النصيرات ارتكبها الاحتلال إثر غارات جوية إسرائيلية ليلاً وفجر اليوم، استهدفت عدداً من منازل المواطنين في منطقة المخيم الجديد في النصيرات، غالبيتهم من النساء والأطفال»، مضيفاً أنهم «نُقلوا إلى مستشفى العودة» في المخيم، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». فلسطينيون ينقلون جرحى إلى مستشفى العودة في مخيم النصيرات (د.ب.أ) وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية بسبب أزمة الجوع المتفاقمة في غزة، أعلنت إسرائيل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن الجيش سيوقف عملياته في مدينة غزة، ودير البلح، والمواصي لمدة 10 ساعات يومياً، وستُحدد طرق آمنة لتسليم المساعدات. كما استُؤنفت عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات من قِبل المجتمع الدولي. فلسطينيون يعودون إلى مخيم النصيرات للاجئين حاملين طروداً غذائية من نقطة توزيع تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية بالقرب من نتساريم (أ.ف.ب) لكن وكالات الإغاثة تقول إن هذه الإجراءات غير كافية لمواجهة المجاعة المتزايدة في القطاع.


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
مقتل 78 فلسطينيا في غزة بينهم امرأة حامل وطفلها في غارات إسرائيلية
أسفرت الضربات الجوية أو إطلاق النار الإسرائيلي، الاثنين، عن مقتل ما لا يقل عن 78 فلسطينيا في أنحاء قطاع غزة، من بينهم امرأة حامل تم توليد طفلها بعد وفاتها، لكنه توفي أيضا، وفقا لمسؤولين صحيين محليين. وقُتل العشرات أثناء محاولتهم الحصول على الطعام على الرغم من إعلان إسرائيل عن تخفيف القيود على دخول المساعدات. وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية بسبب أزمة الجوع المتفاقمة في غزة، أعلنت إسرائيل في عطلة نهاية الأسبوع أن الجيش سيوقف عملياته في مدينة غزة، ودير البلح، والمواصي لمدة 10 ساعات يومياً، وستُحدد طرق آمنة لتسليم المساعدات. كما استؤنفت عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات من قبل المجتمع الدولي. لكن وكالات الإغاثة اعتبرت أن هذه الإجراءات غير كافية لمواجهة المجاعة المتزايدة في القطاع. وقال مارتن بينر، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، لوكالة أنباء أسوشييتد برس، إن جميع الشاحنات الـ55 التي دخلت يوم الأحد تم تفريغ حمولتها من قبل الحشود قبل أن تصل إلى وجهتها. وذكر مسؤول آخر في الأمم المتحدة أن الأوضاع على الأرض لم تتغير، ولم يسمح بفتح طرق بديلة. وأكدت إسرائيل أنها ستواصل عملياتها العسكرية بالتوازي مع هذه التدابير الإنسانية الجديدة.


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
"هآرتس" أشارت إلى أن الخطة حظيت بموافقة من الإدارة الأميركية
عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) خطة لضم أجزاء من غزة، في محاولة لإبقاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالحكومة بعد تلويحه بالاستقالة إثر إعلان تل أبيب السماح بإدخال مساعدات للقطاع، وفق ما كشفت صحيفة "هآرتس"، الاثنين. وقال مسؤول إسرائيلي بارز، لم تسمه الصحيفة، إن تل أبيب ستمنح حماس مهلة لعدة أيام للموافقة على وقف النار في غزة، أو تنفيذ الخطة التي تقضي بضم أجزاء من القطاع على مراحل حتى تستسلم الحركة. فيما أشارت الصحيفة إلى أن الخطة حظيت بموافقة من الإدارة الأميركية، لافتة إلى أنها محاولة من نتنياهو لإبقاء سموتريتش في الحكومة. وحسب مراسل "العربية/الحدث"، فإن المناطق المقصودة هي التي تصنّفها إسرائيل "أمنية" مثل المنطقة العازلة شمال غزة بعمق نحو كيلومتر واحد على امتداد الحدود والمحاور داخل القطاع وهي نتساريم وموراغ وفيلادلفي (صلاح الدين)، تليها مناطق شمال غزة القريبة من سديروت وأشكلون، وسيستمر هذا المسار تدريجياً حتى ضم القطاع بالكامل. ضغوط سياسية داخلية يأتي هذا الطرح في وقت يواجه فيه نتنياهو ضغوطاً سياسية داخلية، لا سيما من سموتريتش ، الذي لوّح بالانسحاب من الحكومة إثر تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن فيها السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. لكن سموتريتش عاود بوقت سابق الاثنين، التراجع عن التلويح بالاستقالة. وكان نتنياهو قد دعا سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لحضور اجتماع الكابينيت مساء الاثنين، بعد استبعادهما سابقاً من قرار إدخال المساعدات للقطاع المحاصر. جاءت تلك التطورات بعد إعلان إسرائيل عن إجراءات عدة خلال اليومين الماضيين، منها وقف يومي للقتال في 3 مناطق بغزة لأغراض وصفتها بالـ"إنسانية"، وممرات آمنة جديدة لقوافل المساعدات، وعمليات إنزال جوي، وذلك في أعقاب انهيار محادثات وقف النار الجمعة، وفقاً لوكالة رويترز.