
اشتباكات على ضفتي الفرات.. تصعيد جديد بين الجيش السوري و"قسد" يكشف عمق الانقسام شرق دير الزور
فقد اندلعت اشتباكات عنيفة ليل الجمعة - السبت بين قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على ضفتي نهر الفرات، في تطور يحمل دلالات سياسية وعسكرية تتجاوز مجرد التوترات المحلية، ويعكس تعقيدات الصراع المستمر على هوية وسيادة الأرض السورية.
وبحسب مصادر محلية من ريف دير الزور الشرقي، فإن المواجهات جرت في مدينة القورية، بعد أن رصدت وحدات من الجيش السوري تحركات اعتبرتها "مشبوهة" لعناصر من "قسد" على الضفة المقابلة لنهر الفرات. التحركات أثارت استنفاراً سريعاً، تلاه تبادل إطلاق نار استخدمت فيه أسلحة رشاشة متوسطة، واستمرت الاشتباكات لساعات، قبل أن تتراجع حدتها تدريجياً دون أن تتوفر معلومات دقيقة بشأن حجم الخسائر في الأرواح أو المعدات لدى الطرفين.
غير أن شهود عيان تحدثوا عن أجواء توتر شديدة سادت أوساط المدنيين، مع انتشار واسع للحواجز واستنفار أمني في البلدات المجاورة، ما يعكس خشية حقيقية من تطورات ميدانية أوسع في الساعات أو الأيام القادمة.
وفيما لم يصدر تعليق رسمي من الطرفين حول أسباب التصعيد، نقلت وسائل الإعلام الرسمية السورية تصريحات مهمة عن مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية، اعتبر فيها أن ما جرى يأتي في سياق "مماطلة قوات قسد في تنفيذ نموذج مصغر للاندماج مع الدولة السورية في دير الزور".
وقال المسؤول إن "قسد تحاول فرض واقع اجتماعي وثقافي خاص بها، وتستحوذ على موارد المحافظة، وتتصرف كسلطة قائمة بذاتها، ما يعرقل الجهود الرامية إلى استعادة وحدة سوريا وفرض سيادتها على كامل أراضيها".
وربط المصدر الدبلوماسي السوري بين الجمود في تطبيق اتفاق العاشر من مارس/آذار، وبين غياب ما وصفه بـ"الرؤية الموحدة داخل قيادة قسد"، ملمّحًا إلى انقسامات داخلية وتدخلات خارجية تعيق أي خطوة نحو إعادة دمج المؤسسات المحلية في إطار الدولة.
واعتبر أن دمشق ما زالت تفتح الباب أمام الحل السياسي، لكنها في المقابل لن تتهاون مع من يحاول فرض وقائع جديدة على الأرض أو يعيق عودة سيطرة الدولة على مواردها الاستراتيجية، خصوصًا في مناطق تتمتع بثروات نفطية وزراعية ضخمة كريف دير الزور الشرقي.
ما جرى في القورية، وفقًا لمراقبين، لا يمكن فصله عن السياق العام المتوتر الذي تشهده المنطقة الشرقية من سوريا منذ شهور، حيث تتكرر حوادث الاحتكاك بين الجيش السوري و"قسد" في مناطق التماس القريبة من نهر الفرات، وسط تبادل للاتهامات حول تهديد الاستقرار، وتضارب المصالح، وتحركات سرية يُعتقد أنها تُمهّد لعمليات عسكرية أو تحولات ميدانية مفاجئة.
وتُعد محافظة دير الزور من أكثر المناطق حساسية، بالنظر إلى أنها تمثل نقطة التقاء بين مشاريع متنافسة: مشروع الدولة المركزية التي تسعى دمشق لاستعادتها، ومشروع الإدارة الذاتية الذي تتبناه "قسد" بدعم مباشر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ورغم أن "قسد" تبرر سيطرتها على شرق الفرات بمبررات أمنية تتعلق بمحاربة تنظيم داعش وضمان استقرار المناطق المحررة، إلا أن السلطات السورية ترى في تلك السيطرة امتدادًا للنفوذ الأمريكي، ومحاولة لفصل مناطق واسعة عن سلطة الدولة، ما يشكل من وجهة نظر دمشق تهديدًا مباشرًا لوحدة سوريا الجغرافية والسياسية. ويضيف التنافس على الموارد الاقتصادية في المنطقة، لاسيما النفط والغاز والمياه، أبعادًا جديدة لهذا الصراع المعقّد، إذ تتهم الحكومة السورية "قسد" بأنها تستحوذ على الموارد وتمنع وصولها إلى بقية المحافظات، بينما تنفي "قسد" هذه الاتهامات وتقول إنها تدير الموارد بشكل يخدم سكان المنطقة أولاً.
ومن الناحية الشعبية، يبدو أن المزاج العام في ريف دير الزور يزداد توترًا، وسط تصاعد الشكاوى من الاعتقالات التعسفية والممارسات الأمنية التي تنفذها "قسد" بحق سكان القرى والبلدات ذات الغالبية العربية، الأمر الذي يعمّق الشرخ بين القيادة الكردية في "قسد" وبين المكوّن العربي الذي يشكّل قاعدة شعبية واسعة في شرق الفرات.
هذا التوتر المحلي غالبًا ما يتحول إلى حوادث عنف مفاجئة، ما يفتح الباب أمام احتمال توسع الاشتباكات وتحولها إلى مواجهة أوسع إن لم يتم احتواؤها في الوقت المناسب.
ويرى محللون سياسيون أن التصعيد الأخير قد يكون رسالة مزدوجة من دمشق، موجهة إلى الداخل والخارج في آنٍ معًا. فعلى المستوى المحلي، هو تأكيد على أن الدولة السورية لا تزال تعتبر شرق الفرات جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ولن تقبل باستمرار حالة الانفصال السياسي والعسكري القائمة حاليًا.
أما خارجيًا، فقد يكون هذا التصعيد محاولة للضغط على الجهات الدولية الراعية لـ"قسد"، لا سيما واشنطن، لدفعها نحو الانخراط بجدية في تسوية تضمن عودة مؤسسات الدولة إلى تلك المناطق، خصوصًا في ظل تراجع الحضور العسكري الأمريكي في بعض النقاط، وتزايد المؤشرات على تغيير محتمل في سياسة واشنطن تجاه الملف السوري.
ويري مراقبون أنه في ظل هذه التطورات، تبدو الخيارات أمام الأطراف المتصارعة محدودة، فبين الإصرار على فرض الواقع بالقوة، والسعي لإيجاد تسوية سياسية غير واضحة المعالم، يبقى شرق سوريا مرشحًا لمزيد من التصعيد، خاصة إذا استمر تجاهل المعادلات المحلية المعقّدة، والتي تشمل العشائر العربية، والمصالح الاقتصادية، والخلافات السياسية بين الأكراد والعرب، إضافة إلى الدور المتقلب للفاعلين الدوليين في المنطقة.
وبين كل هذه المعطيات، لا يزال نهر الفرات، بما يحمله من دلالات تاريخية، يشهد انقسامًا جديدًا لا يقل عمقًا عن أي مرحلة سابقة من الصراع السوري، في انتظار لحظة توافق قد تأتي أو لا تأتي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 3 ساعات
- شفق نيوز
الحوثيون يعلنون التصعيد ويهددون باستهداف سفن الشركات المتعاملة مع الموانئ الإسرائيلية
أعلنت جماعة "أنصار الله" الحوثي، يوم الأحد، بدء "المرحلة الرابعة" من عملياتها العسكرية ضد إسرائيل. وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، في بيان متلفز، إن الجماعة قررت تصعيد عملياتها والبدء بتنفيذ المرحلة الجديدة من الحصار البحري، موضحاً أن أي سفينة مرتبطة بشركات تتعامل مع إسرائيل "ستُعد هدفاً مشروعاً"، حتى وإن لم تكن متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وفي أي مكان يمكن للجماعة الوصول إليه. ودعت الجماعة اليمنية المقربة من إيران، جميع شركات الشحن العالمية إلى وقف التعامل مع الموانئ الإسرائيلية ابتداءً من لحظة إعلان البيان، محذّرة من أن تجاهل التحذير سيؤدي إلى "هجمات بصواريخ ومسيرات" على السفن المعنية. ويأتي هذا التهديد في سياق تصعيد مستمر بدأ منذ أواخر عام 2023، حين شنت جماعة الحوثي سلسلة هجمات استهدفت سفناً في البحر الأحمر على خلفية الحرب الإسرائيلية في غزة. وأدى ذلك إلى اضطراب واسع في حركة الملاحة، وانسحاب شركات شحن كبرى من الممرات البحرية القريبة من اليمن. وكانت إسرائيل قد ردّت خلال الأسابيع الماضية بتنفيذ ضربات جوية استهدفت مواقع للجماعة في الحديدة ومحيطها، بعد تقارير عن نقل أسلحة عبر الميناء بدعم إيراني.


موقع كتابات
منذ 5 ساعات
- موقع كتابات
الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار العسكري إلى إدارة الفساد السياسي
المقدمة منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، خضعت الشعوب العربية، وفي مقدمتها العراق، لمراحل متتالية من السيطرة الأجنبية، تارةً عبر الاحتلال العسكري المباشر، وتارةً عبر الانتداب والوصاية ؛ وثالثة عبر أدوات خفية تمثلت في وكلاء سياسيين واقتصاديين واجتماعيين… ؛ وقد بات واضحًا أن ما يُطلق عليه 'الاحتلال الناعم' ليس مجرد نظرية سياسية، بل هو نظام عمل شامل، تقوده قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف بسط النفوذ ونهب الموارد والتحكم بمصير الدول دون الاضطرار لدخول حرب تقليدية. في هذه المقالة ، نحاول تفكيك آليات هذا الاحتلال الناعم في العراق، وبيان كيف تحوّلت أدوات السيطرة من الدبابة إلى البنك، ومن الضابط العسكري إلى السياسي العميل، ومن الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستتباع الإداري-المالي الذي تلبّس ثوب الديمقراطية والاستثمار والرأسمالية . أولًا: من الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستعمار المعولم منذ أن غزت بريطانيا العراق في الحرب العالمية الأولى، وحتى تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، شكّل العراق ساحة اختبار للسياسات الاستعمارية البريطانية… ؛ تم تتويج الملك فيصل بن الحسين كحلّ انتقالي تحت وصاية البريطانيين، ولكن دون تمكين فعلي للشعب العراقي… ؛ وعلى الرغم من أن العراق نال 'استقلاله الرسمي' في عام 1932، إلا أن القرار السياسي ظل مرتهنًا للقوى الأجنبية، بشكل مباشر أو غير مباشر. (1) وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع تراجع الاستعمار التقليدي، لجأت القوى الغربية إلى إعادة إنتاج سيطرتها من خلال أنظمة حليفة، واتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد، وتدخلات استخباراتية، ما بات يُعرف لاحقًا بـ'الاستعمار الجديد' أو النيوليبرالية الاستعمارية.(2) ثانيًا: الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 كنموذج للهيمنة الناعمة حين غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، تحت ذريعة 'أسلحة الدمار الشامل'، كانت الحقيقة أن الغزو كان يهدف إلى فرض نظام إقليمي جديد يضمن السيطرة الأميركية على مفاصل الدولة العراقية: أمنًا، واقتصادًا، وإعلامًا، وتشريعًا. وقد كان بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي، هو الممثل العملي لهذا المشروع، إذ أصدر عشرات القرارات التي أسست لبنية سياسية واقتصادية تتوافق تمامًا مع مصالح واشنطن، من أبرزها: حلّ الجيش العراقي… ؛ خصخصة الاقتصاد… ؛ إنشاء مجلس الحكم الطائفي… ؛ وضع أسس الدستور بطريقة تُكرّس المحاصصة والانقسام … الخ . (3) وقد اعترف بريمر نفسه في مذكراته بأن تشكيل الطبقة السياسية العراقية الجديدة تم بتوصيات استخبارية وضغوط أميركية وبريطانية. (4) الفساد لم يكن 'نتيجة عرضية' لفشل الدولة العراقية، بل هو أداة استعمارية معتمدة، تُستخدم لخلق طبقة سياسية تابعة، ضعيفة، وسهلة الابتزاز. تُقدّر الأموال المنهوبة من العراق بعد 2003 بما يزيد عن 400 مليار دولار، ذهبت أغلبها إلى حسابات خارجية في مصارف غربية، بموافقة ضمنية من القوى الدولية التي تراقب كل حركة مالية في العراق. (5) بل إن الإدارات الأميركية نفسها تمتلك معلومات دقيقة عن الفاسدين، وتتحكم بها كورقة ضغط. والدليل أن أي تحقيق دولي في الفساد غالبًا ما يتوقف عندما يقترب من رجال السياسة المحسوبين على واشنطن. (6) رابعًا: الوجود الاستخباراتي والتحكم بالقرار السيادي المخابرات الأميركية تمتلك قدرة لا تُضاهى في تتبع الحوالات المالية، ورصد الاجتماعات السرية، والتجسس على الأجهزة الحكومية… ؛ ومع ذلك، لم يُسجَّل أي تدخل جاد من قبلها لوقف عمليات تهريب الأموال أو تصفية الفاسدين، ما يُشير إلى أنها تغضّ الطرف عنهم لأسباب استراتيجية.(7) فمن الواضح أن الولايات المتحدة لا تسعى لإصلاح النظام، بل لضمان بقائه فاسدًا وخاضعًا لها، لأنها تعلم أن الإصلاح الحقيقي سيُنتج طبقة سياسية وطنية لا يمكن التحكّم بها. من خلال صناديق الاقتراع و'الديمقراطية الموجهة'، تم إنتاج مشهد سياسي هشّ، قائم على:المحاصصة الطائفية… ؛ التبعية الاقتصادية… ؛ التدخل الخارجي في تعيين رؤساء الوزراء والوزراء… ؛ تبنّي أجندات لا تمثّل الشعب العراقي … . (8) هذه 'الدمى السياسية – واقصد الفاسدين والعملاء والفاشلين والمنكوسين منهم- ' التي تحكم العراق اليوم، ليست أكثر من أدوات تُحرّكها قوى خارجية، وتُسند لها مهمة إفراغ الدولة من معناها، وتثبيت الاحتلال الناعم. ما لم يُدرَك الشعب العراقي أن ما يعانيه من فشل سياسي وفساد مالي وتخبط اقتصادي، ليس مجرد إخفاق محلي، بل هو نتيجة احتلال ناعم مُحكم التخطيط، ستبقى أي حلول جزئية عاجزة عن التغيير. والخلاص يبدأ من الاعتراف بأن الديمقراطية المستوردة ليست وطنية، وأن السيادة لا تُشترى من واشنطن، وأن الفاسد ليس سوى واجهة لمشروع أعمق وأكثر خطورة: مشروع الهيمنة الغربية الممتدة عبر أدوات محلية. [1] حنا بطاطو، 'الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية'، الجزء الأول، ص. 112. [2] Kwame Nkrumah, 'Neo-Colonialism: The Last Stage of Imperialism', 1965. [3] Coalition Provisional Authority Orders, No. 1 to No. 100, 2003–2004. [4] L. Paul Bremer, 'My Year in Iraq: The Struggle to Build a Future of Hope', 20. [5] Transparency International Reports on Iraq, 2004– 2023. [6] مقابلة مع الخبير القانوني طارق حرب، قناة العراقية الإخبارية، 2020. [7] تقرير 'ذي انترسبت' The Intercept ، حول نشاط وكالة NSA في العراق، 2015. [8] مركز كارنيغي – تقرير: 'عشر سنوات على ديمقراطية العراق'، 2013.


موقع كتابات
منذ 5 ساعات
- موقع كتابات
مسرور بارزاني يحذر: رواتب كوردستان تُستخدم كورقة ضغط في الصراعات السياسية بالعراق
في تصريحات حادة وصريحة خلال مقابلة مع قناة 'الشرق أطلق رئيس وزراء إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، جرس إنذار جديد بشأن العلاقة المتعثرة بين أربيل وبغداد. لكن هذه المرة، لم يكن الحديث عن النفط أو الحدود أو السلطات، بل عن لقمة العيش. رواتب موظفي الإقليم، كما قال بارزاني، تحوّلت إلى 'ورقة سياسية' تُستخدم في صراع لا يدفع ثمنه سوى المواطن الكوردي . ليست هذه المرة الأولى التي يشتكي فيها الكرد من حجب رواتبهم، لكن تصريحات بارزاني تأتي هذه المرة في سياق أكثر تعقيدًا، حيث تراكمت أزمة الرواتب حتى بلغ التأخير ثلاثة أشهر، في حين لم يُصرف سوى راتب شهر أيار، رغم أننا الآن في نهاية تموز هذه الأرقام لا تعكس مجرد أزمة مالية، بل تُشير إلى واقع سياسي بالغ الحساسية، حيث تُستخدم الرواتب كأداة للضغط، في تجاهل صريح للدستور العراقي، الذي يضمن حق المواطن في راتبه بغض النظر عن التوترات السياسية. وينص المادة 112 من الدستور العراقي (2005) على أن: 'تشترك الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان في إعداد الموازنة العامة، ويتم تخصيص حصص عادلة لكل منهما، ويجب أن تصرف رواتب الموظفين بانتظام ودون تأخير.' وأيضًا، تؤكد المادة 121 حق الإقليم في ممارسة سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل مستقل ضمن اختصاصاته. أكثر من ذلك، أشار بارزاني إلى حكم المحكمة الاتحادية العراقية الصادر بتاريخ 25 يناير 2022، والذي ينص بوضوح على أن رواتب موظفي إقليم كوردستان لا يجوز أن تكون جزءًا من النزاعات السياسية بين المركز والإقليم، وهو حكم بقي، كما قال، 'حبرًا على ورق' وسط تصاعد تدخل وزارة المالية الاتحادية في تفاصيل موازنة الإقليم، وهو ما وصفه بارزاني بأنه 'تجاوز دستوري وقانوني. ما يطرحه رئيس وزراء كوردستان ليس مجرد مطالبات مالية، بل رؤية فدرالية واضحة: أن يكون للإقليم حصة عادلة وثابتة من الموازنة العامة للعراق، تُصرف بعيدًا عن الأهواء السياسية أو الحسابات الضيقة. إنها دعوة لتثبيت مبدأ المشاركة مقابل المسؤولية، بحيث تسهم كوردستان في واردات العراق وتستفيد من موارد الدولة بحسب ما ينص عليه الدستور بحسب (وزارة المالية العراقية، فبراير 2024). في حديثه مع 'الشرق'، لم يقتصر بارزاني على الشأن الداخلي، بل تطرق إلى عدة قضايا إقليمية. فعن الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، أكد أن المدنيين الكرد هم الضحية الأولى لهذا النزاع المستمر، في انتقاد غير مباشر لطرفي الصراع معًا. وعن العلاقة مع واشنطن، وصفها بالتحالف الاستراتيجي، مشيرًا إلى استمرار التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية. أما بخصوص الصراع الإيراني الإسرائيلي، فقد شدد بارزاني على موقف الإقليم المحايد، مؤكدًا أن كوردستان لا تريد أن تكون جزءًا من أي محاور متصارعة في المنطقة، بل تسعى إلى تحقيق السلام والحوار. كما كشف عن اقتراب التوصل إلى اتفاق بشأن استئناف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، في خطوة يُرجى أن تخفف من وطأة الأزمة المالية . في ختام حديثه، أكد بارزاني أن رئاسة الجمهورية العراقية هي 'حق دستوري للكورد'، في تذكير صريح ببنود الشراكة السياسية التي بُني عليها النظام العراقي بعد 2003، والتي يرى الكرد أنها تتآكل تدريجيًا بفعل سياسات الإقصاء والتهميش. هذا الحق مؤكد أيضًا في اتفاق أربيل السياسي لعام 2010، الذي نصّ على المشاركة العادلة في المناصب السيادية تصريحات مسرور بارزاني ليست مجرد تذكير بالأزمة، بل هي دعوة إلى مراجعة شاملة لآليات الحكم في العراق، تعيد الاعتبار إلى الدستور، وتُحجّم منطق الغلبة السياسية الذي يهدد وحدة البلاد ويقوّض ثقة مكون أساسي فيها. فحين تتحوّل رواتب الناس إلى سلاح تفاوضي، تكون الدولة قد تخلت عن أبسط التزاماتها أمام مواطنيها.