
الخداع المنسق... كيف تعاون ترمب ونتنياهو لتضليل إيران؟
خديعة معدة سلفاً أم تغييرات لأغراض تكتيكية؟ سؤال برز في الأيام الأخيرة بشأن الخطابين الإسرائيلي والأميركي تجاه إيران، الذي حمل رسائل متضاربة وأحياناً متناقضة خلال الأسابيع الأخيرة، فتارة تتردد تسريبات عن خلافات بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم يخرج الزعيمان مؤكدين التنسيق الكامل بين البلدين، وفي موقف آخر يمنح ترمب أسبوعين للدبلوماسية قبل التدخل في الحرب، ثم يهاجم المفاعلات الإيرانية بعد يومين فقط من تصريحاته، ما دفع مراقبين إلى توقع وجود تنسيق بين واشنطن وتل أبيب، لإرباك طهران عمداً، وتسهيل تحقيق أهدافهما في الحرب الحالية.
وفي الشهر الذي سبق الحرب ركزت وسائل الإعلام في كل من واشنطن وتل أبيب على وجود خلافات عميقة بين ترمب ونتنياهو حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، في ظل جولات التفاوض غير المباشرة التي دعا إليها الرئيس الأميركي بين واشنطن وطهران.
وعقب مكالمة هاتفية بين الزعيمين في الـ 22 من مايو (أيار)، سرّبت "القناة 12" الإسرائيلية تفاصيلها قائلة إنها شهدت خلافات حادة بسبب مطالبة ترمب لنتنياهو بالامتناع عن القيام بأي تحرك يمنع التوصل إلى حل دبلوماسي مع إيران، ووصف موقع "واللا" الإسرائيلي المحادثة بأنها كانت شديدة اللهجة، فيما كشفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية عن إحباط في إدارة ترمب تجاه نهج نتنياهو في التعامل مع القضايا الإقليمية.
وقبل أسبوع من الهجمات الإسرائيلية على إيران، صرّح ترمب بأنه حذر نتنياهو من اتخاذ أي إجراءات قد تعرقل المحادثات النووية مع إيران، "لأننا قريبون جداً من التوصل إلى حل"، لكن الرئيس الأميركي أشار أيضاً إلى أن ذلك الوضع "قد يتغير في أي لحظة"، وهو الباب الذي حرص ترمب على إبقائه مفتوحاً في كل تصريحاته لاحقاً.
لا خلافات بين إسرائيل وأميركا
بعد ساعات من اندلاع الحرب فجر الجمعة الـ 13 من يونيو (حزيران) الجاري، أكد ترمب أنه كان على علم بخطط الضربات الإسرائيلية، ما يتناقض مع ما كتبه على منصة "تروث سوشيال" قبل الهجوم بساعات قائلاً "نحن لا نزال ملتزمين بالتوصل إلى حل دبلوماسي لقضية البرنامج النووي الإيراني"، كما قال في اليوم نفسه إنه من المحتمل أن توجه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، لكنه لا يريد أن يقول إن هذه الضربة ستكون وشيكة، محذراً من نشوب صراع واسع النطاق.
السفير اللبناني السابق في واشنطن مسعود معلوف قال لـ"اندبندنت عربية" إنه من المعروف لدى الجميع أن إسرائيل الأولوية الأولى للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وربما في العالم، ولذلك حتى لو حصل بعض الأحيان خلاف بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء إسرائيل فهذا لا يعني أن هناك خلافاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل. مشيراً إلى أنه أحياناً تبدو الأمور وكأن هناك نوعاً من الاتفاق على إظهار خلاف من أجل خداع الطرف الذي يناهض الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويوضح معلوف، هذا ما حصل في عهد الرئيس السابق جو بايدن عندما كان يدعي بايدن بأنه مختلف مع نتنياهو، ويضغط عليه من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة ونتنياهو يرفض ذلك، بينما كنا نرى أنه في الوقت نفسه كان يستمر بايدن في إرسال الأسلحة والأموال إلى إسرائيل ويدافع عنها في الأمم المتحدة وأيضاً يستعمل حق النقض في مجلس الأمن.
وأشار معلوف إلى أنه بعد مهاجمة المواقع النووية الإيرانية صرح ترمب بوجود تنسيق غير مسبوق مع إسرائيل، ما يؤكد أن البلدين كانا يودان إظهار وجود خلاف بين قياداتهما. وفي الوقت ذاته لم يستبعد الدبلوماسي اللبناني السابق أن يكون نتنياهو استدرج ترمب إلى تلك الحرب، ولا يريد الرئيس الأميركي أن يظهر ذلك، بل يود أن يقول إن هذا كان قراره ليظهر بصورة الزعيم القوي، بالتالي قد تكون هناك خدعة بالفعل وأيضاً قد يكون هناك اختلاف في الرأي على بعض الأولويات وليس خلافاً حقيقياً، لكن في النتيجة اتفق الفريقان والآن ترمب يريد أن يحقق هدفه الأول وهو التوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران تكون أفضل من اتفاقية عام 2015 التي أخرج الولايات المتحدة منها، عبر إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم بعض التنازلات من أجل أن يقول إن الاتفاقية التي حققها الآن هي أفضل بكثير من الاتفاقية السابقة.
تصريحات متضاربة
التصريحات المتضاربة امتدت إلى مناقشة اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، فبعدما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين في الـ 15 من يونيو (حزيران) معارضة ترمب خطة إسرائيلية لتصفية المرشد، قال الرئيس الأميركي، بعد 48 ساعة من ذلك التقرير، إنه لن يقتل خامنئي الآن "على الأقل"، ما أعطى مؤشراً على الانفتاح على فكرة الاغتيال.
كذلك، تضاربت التصريحات الأميركية بشأن تغيير النظام في إيران، بدءاً من تصريح ترمب في أول أيام الحرب أنه "يجب على إيران التوصل إلى اتفاق قبل أن يذهب كل شيء وإنقاذ ما كان يُعرف سابقاً بالإمبراطورية الإيرانية"، ثم تصريحات وزيري الخارجية والدفاع بعد ضرب المفاعلات النووية الإيرانية عن أن تغيير النظام ليس هدفاً للولايات المتحدة، ليخرج ترمب بعد ذلك على "تروث سوشيال"، متسائلاً "إذا كان النظام الإيراني الحالي عاجزاً عن جعل إيران عظيمة مجدداً، فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟"، لكن نائب الرئيس جي دي فانس عقب بعد ساعات من ذلك التصريح مؤكداً أن واشنطن لا تريد تغيير النظام الإيراني.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أكثر التصريحات خداعاً لإيران كان إعلان البيت الأبيض في الـ 19 من يونيو عن أن ترمب سيتخذ قراره بشأن المشاركة في الحرب خلال أسبوعين، لكن الأمر لم يستغرق سوى أقل من 72 ساعة بعد هذا التصريح لتدك الصواريخ الأميركية 3 مواقع نووية إيرانية، وخرج البنتاغون بعد ذلك ليعلن أن التخطيط للعملية استمر على مدار شهور سابقة.
برأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستايت الأميركية، إحسان الخطيب، فإن الخديعة تتركز فقط في الضربة المفاجئة على إيران، لكن ترمب كان يودّ بالفعل التوصل إلى صفقة مع إيران، وحاول تفادي الحرب معها خلال المفاوضات في الأشهر الأخيرة.
وعلى رغم إقرار الخطيب أن كل رؤساء الولايات المتحدة يتبارون حول من الحليف الأفضل لإسرائيل، فإنه قال لـ"اندبندنت عربية" إنه ليس هناك تطابق بين أجندة كل من نتنياهو وترمب. موضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقود التحرك ويحاول الرئيس الأميركي اللحاق به، والمثال الأبرز على ذلك هو الحديث عن تغيير النظام في طهران. ووفق الخطيب فقد أعطى نتنياهو مهلة لترمب للوصول إلى صفقة تقبل بها إسرائيل، وعندما فشل الرئيس الأميركي جاءت الضربات الإسرائيلية. كذلك لم تكن تصريحات ترمب عن ضرب البرنامج النووي مخادعة برأي الخطيب، فقد قال إن هناك مهلة أسبوعين لكن ممكن أن يضرب قبل ذلك، وهو ما وقع بالفعل.
إرباك طهران
بينما اعتبر عضو الحزب الجمهوري الأميركي، مالك فرانسيس، التناقض بين إعلان ترمب عن مهلة دبلوماسية من جهة، وتنفيذ الهجوم العسكري من جهة أخرى، أنه يعكس استراتيجية معقدة تستهدف إرباك صانع القرار في طهران. فبينما تمنح واشنطن نافذة للحوار، فهي في الوقت نفسه ترفع من سقف التهديد العسكري.
وفي تصريحاته لـ"اندبندنت عربية"، قال فرانسيس إن هناك "معركة استراتيجية دقيقة" تأخذ شكل رسائل متضاربة بين ترمب ونتنياهو، تتخللها خطوات عسكرية مفاجئة تعكس تصعيداً غير مسبوق تجاه إيران، مضيفاً أنه على رغم التباينات الظاهرة بين ترمب ونتنياهو في الخطاب، إلا أن التحالف بينهما يبدو متيناً على أرض الواقع، مع توافق في الأهداف الأساسية، بخاصة في مواجهة الملف النووي الإيراني.
لكن استخدام "رسائل متضاربة" كأداة حرب نفسية تمثل تطوراً نوعياً في أساليب التنسيق بين الدولتين، بحسب عضو الحزب الجمهوري الذي اعتبر ملف إيران النووي اختباراً حاسماً لمدى قدرة التحالف الأميركي- الإسرائيلي على إدارة الأزمة بمنطق القوة والدبلوماسية معاً، إلا أنه أشار أيضاً إلى أن أي خطوة غير محسوبة قد تجر المنطقة نحو مواجهة غير مسبوقة، تجعل من رسائل التضليل والتصعيد التكتيكي سلاحاً ذا حدين، بحسب تعبيره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 30 دقائق
- سعورس
إسرائيل تراجعت عن شن هجوم جديد على إيران
وقال ترامب على حسابه في منصة "تروث سوشيال": "إسرائيل لن تهاجم إيران. جميع الطائرات ستعود أدراجها إلى قواعدها، وستؤدي موجة طائرات ودية تجاه إيران". وتابع: "لن يصاب أحد، وقف إطلاق النار سار! شكرًا على اهتمامكم بهذا الأمر!". وجاء إعلان ترامب بعد اتصال هاتفي أجراه مع نتنياهو وكان "حازما ومباشرا بشكل استثنائي" حول ما يجب فعله للحفاظ على وقف إطلاق النار حسب مصدر في البيت الأبيض. في المقابل، قال مسؤول إسرائيلي رفيع لموقع "أكسيوس" إن ترامب اتصل بنتنياهو وطلب منه عدم شن أي هجوم على إيران ، لكن نتنياهو أجاب بأنه لا يستطيع إلغاء الهجوم بالكامل. وأضاف نتنياهو أن هناك حاجة إلى "رد ما على خرق إيران لوقف إطلاق النار". وبين المسؤول أنه "في نهاية المطاف، تقرر تقليص حجم الهجوم بشكل كبير وإلغاء استهداف عدد كبير من الأهداف". بالتزامن مع ذلك، أفادت القناة ال12 الإسرائيلية بأن تل أبيب أكدت أن مقاتلاتها هاجمت مواقع في طهران. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: "الجيش هاجم موقع رادار قرب طهران" كما قالت وسائل إعلام إيرانية إنه تم سماع دوي انفجارين في شمال العاصمة طهران. وذكرت أيضا: "مدينة بابلسر شمالي البلاد تتعرض لهجوم إسرائيلي". وأعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان أن بلاده "امتنعت" عن توجيه مزيد من الضربات لإيران الثلاثاء في أعقاب مباحثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وذكر البيان أن إيران خرقت اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين الثلاثاء عبر إطلاق صاروخين لكن "عقب اتصال بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتانياهو، امتنعت إسرائيل عن توجيه ضربات إضافية"، مشيرا إلى أن إسرائيل دمرت الثلاثاء منشأة رادار قرب طهران ردا على إطلاق الصواريخ.


المرصد
منذ ساعة واحدة
- المرصد
"ترمب" يرد على قناة CNN ويصفها بالكاذبة بعد تعليقها على الضربة الأمريكية للمواقع النووية في إيران
"ترمب" يرد على قناة CNN ويصفها بالكاذبة بعد تعليقها على الضربة الأمريكية للمواقع النووية في إيران صحيفة المرصد: رد الرئيس الأمريكية دونالد ترمب، على قناة CNN ، ووصفها بالكاذبة بعد تعليقها على الضربة الأمريكية للمواقع النووية في إيران، وإدعائها بأنها لم تكن ضربة محكمة. وقال ترمب في حديثه للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية في طريقه إلى قمة حلف شمال الأطلسي :"طيارو طائراتنا من طراز بي-٢ جعلوا كل هذا ممكنًا، لقد حققوا ضربةً رائعةً في ظلمة الليل، بلا قمر، ولا ضوء، ولا شيء. لقد أصابوا الهدف بدقةٍ مُحكمة". وأضاف :"رأيتُ قناة سي إن إن الإخبارية الكاذبة تقول: "حسنًا، ربما لم تكن ضربةً مُحكمة..." إنه أمرٌ لا يُحترم لأولئك العباقرة والوطنيين العظماء الذين حلقوا بتلك الطائرات في خطرٍ هائل." وعلق ترماب على إمكانية إعادة تخصيب اليورانيوم في إيران مجدداً، قائلاً :"لن يقوموا بتخصيب اليورانيوم ولن يحصلوا على سلاح نووي، سيتحولون إلى دولة تجارية عظيمة."


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
بعد مكالمة حازمة من ترمب...إسرائيل تراجعت عن شن هجوم جديد على إيران
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم، إن إسرائيل تراجعت عن شن هجوم جديد على إيران. وقال ترامب على حسابه في منصة "تروث سوشيال": "إسرائيل لن تهاجم إيران. جميع الطائرات ستعود أدراجها إلى قواعدها، وستؤدي موجة طائرات ودية تجاه إيران". وتابع: "لن يصاب أحد، وقف إطلاق النار سار! شكرًا على اهتمامكم بهذا الأمر!". وجاء إعلان ترامب بعد اتصال هاتفي أجراه مع نتنياهو وكان "حازما ومباشرا بشكل استثنائي" حول ما يجب فعله للحفاظ على وقف إطلاق النار حسب مصدر في البيت الأبيض. في المقابل، قال مسؤول إسرائيلي رفيع لموقع "أكسيوس" إن ترامب اتصل بنتنياهو وطلب منه عدم شن أي هجوم على إيران، لكن نتنياهو أجاب بأنه لا يستطيع إلغاء الهجوم بالكامل. وأضاف نتنياهو أن هناك حاجة إلى "رد ما على خرق إيران لوقف إطلاق النار". وبين المسؤول أنه "في نهاية المطاف، تقرر تقليص حجم الهجوم بشكل كبير وإلغاء استهداف عدد كبير من الأهداف". بالتزامن مع ذلك، أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية بأن تل أبيب أكدت أن مقاتلاتها هاجمت مواقع في طهران. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: "الجيش هاجم موقع رادار قرب طهران" كما قالت وسائل إعلام إيرانية إنه تم سماع دوي انفجارين في شمال العاصمة طهران. وذكرت أيضا: "مدينة بابلسر شمالي البلاد تتعرض لهجوم إسرائيلي". وأعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان أن بلاده "امتنعت" عن توجيه مزيد من الضربات لإيران الثلاثاء في أعقاب مباحثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وذكر البيان أن إيران خرقت اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين الثلاثاء عبر إطلاق صاروخين لكن "عقب اتصال بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتانياهو، امتنعت إسرائيل عن توجيه ضربات إضافية"، مشيرا إلى أن إسرائيل دمرت الثلاثاء منشأة رادار قرب طهران ردا على إطلاق الصواريخ.