logo
سوريا... إعادة الوطن إلى مساره

سوريا... إعادة الوطن إلى مساره

الشرق الأوسط٢٣-٠٧-٢٠٢٥
في ربيع عام 1977، كانَ لبنانُ علَى شفَا حربٍ أهليَّة، إثرَ اغتيالِ الزَّعيمِ الدُّرزيِّ كمال جنبلاط في كمينٍ نُصِبَ له في أثناءَ تَوجُّهِه إلى بلدةِ بعقلين في منطقة الشوف قادماً من بيروت.
اندلع حينَها الاضطرابُ والتوترُ بين الدُّروز والمَوارنة، وكادَ الجبلُ يشتعل بحربٍ لا يستطيعُ أحدٌ أن يتخيَّلَ نهايتَها، قبلَ أن تنكشفَ خيوطُ الجريمةِ لاحقاً، وأنَّ المتهمَ في تلك الجريمةِ لم يكن أسَاساً من لبنانَ، بل كانَ حافظَ الأسد، الرَّئيسَ السُّوري الأسبقَ الذي قرَّر اغتيال جنبلاط، لأنَّه وقفَ في وجهِ مشروع الوصايةِ السورية.
تلكَ الصُّورة، بكلّ ما فيها من رَمزيةٍ للانفجار الطَّائفي، عادتْ اليوم لتُخيّمَ على الجنوب السوري، مع تصاعدِ الأحداثِ في محافظة السويداء، معقل الدروز فيها، فمَا يجري هناك منذ أسابيعَ لا يشبه خلافاً محليّاً، ولا يُقرأ على أنه حراكٌ احتجاجيٌّ تقليدي، بل يَشي بفتنةٍ تتشكَّلُ على مهل، خرجتْ من تحتِ الرَّماد، وتتمدَّد الآنَ تحتَ عناوينَ مختلفة، لأنَّ هناك مَن يودُّ تسعيرَهَا، ليضعَ سوريا على تخومِ الانقسامِ الأهلي.
السويداءُ ليست هامشاً جغرافيّاً، بل ركيزةٌ وطنيةٌ لطالمَا مثّلت ضمانةً بأنَّ صوتَ العقلِ لا يزال ممكناً في قلبِ العواصف، وكانتِ المدينةُ بطبيعتها الاجتماعيةِ والتاريخية، ترفعُ الكلمةَ فوقَ البندقية، وتتمسَّكُ بالحوار فوقَ التهديد، لكنَّ الواقعَ اليوم يبدو مختلفاً، إذ تُستدرج من بعضِ أصحابِ المصالحِ الضّيقة والمدعومةِ خارجيّاً إلى نزاعٍ دمويّ فوضويّ، تُحرَّكُ فيه العصبياتُ، وتُستفزُّ فيه الهُويات، ويُراد له أن يتجاوزَ الخلافاتِ المحلية ليصلَ إلى إعادةِ تعريف التَّعايشِ السُّوري نفِسه، في محاولةٍ لبناءِ معاقلَ مسلحةٍ خارج سلطةِ الدولة، ومفاقَمةِ الأحداثِ لتحظَى بتغطيةٍ إعلاميةٍ دولية وتحالفات إقليمية، لتقويضِ سيادةِ الدولة وتهديدِ الإطارِ الوطنيّ الشاملِ لجميع الطوائفِ من دون استثناء.
ما يجري اليومَ في سوريا يتجاوز البعدَ الأمنيَّ إلى أبعادٍ أكثرَ تعقيداً، ترتبطُ بمستقبلِ التركيبةِ السكانية، والخريطة الاجتماعية، وهُوية الدولة، فالنزاع الديموغرافيُّ في السويداء ليس مجرد تحوّل محليّ، بل ورقة خطرة، وإذا ما جرى استخدامُها، فإنَّ نتائجَها لن تخدم أبناء سوريا، بل ستخدم فقط القوى الإقليمية التي تسعى لتفكيك البلد، وإعادةِ تشكيله على قاعدةِ الطوائف والمناطقِ والولاءات العابرةِ للوطن.
لذا، فإنَّ تأكيد 11 دولةً عربيةً وإسلامية، دعمَ أمنِ سوريا ووحدتَها واستقرارَها وسيادتها، ورفضَ كلّ التَّدخلات الخارجية في شؤونها، كانَ بمثابةِ رسالةٍ بأنَّه لا مكانَ للفتنة في سوريا، وأنَّ تلك الدولَ تدعم دمشقَ في فرضِ سيادتِهَا على كاملِ ترابِهَا. ويقودُ كلُّ هذا إلى محاسبةِ كلّ المسؤولين عن التَّجاوزاتِ ضدَّ المواطنين السوريين في السويداء، ودعمِ كلّ جهودِ بسط الأمنِ وسيادة الدولة والقانونِ على كلّ شِبر من الأرض السورية، ونبذِ العنفِ والطائفية ومحاولاتِ بث الفتنة والتحريضِ والكراهية.
في ظلّ هذا المناخ المتوتر، باتتِ الحكومةُ السورية مطالَبةً أكثرَ من أيّ وقتٍ مضَى بإعادة النَّظر في طريقة تعاطِيها مع الملفاتِ الداخلية ذاتِ الحساسيَّة التاريخية، خصوصاً تلك التي تمسُّ المكوناتِ الاجتماعيةَ.
مراجعة الأداء لا تعني ضعفاً أو تنازُلاً، بل تعكس شجاعةً سياسيةً، والمبادرة إلى استيعابِ الأصواتِ القلقة، والانفتاح على مختلف المكوّنات، لم تعد رفاهيةً سياسية، بل ضرورة وطنية ملحَّة.
الدَّولةُ التي تَسعَى إلى المستقبلِ لا تخشَى التَّهدئة، ولا ترَى في الحِوار ضعفاً، بل تعده أداةً لإعادةِ بناءِ الثّقة، ومتَى ما شَعرتِ الأقلياتُ بأنَّها مصونةٌ، والأكثرياتُ بأنَّها مسؤولة، عادَ الوطن إلى مساره، وهدأتِ الأصواتُ العالية لصالحِ المشروع الجامع.
سوريا اليوم لا تحتملُ فتناً جديدةً، بل تحتاجُ إلى مشروعٍ وطنيّ يتجاوزُ الهوياتِ الضيقة، ويراهنُ على جمعِ السُّوريين لا فرزهم، فالتَّاريخُ لا يرحمُ الدولَ التي لم تتعلَّمْ من دروسِها، والوطنُ الذي لا يتَّسعُ لأبنائِه... سيكون وطناً فارغاً هشّاً وهامشيّاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جلسة "حاسمة" في لبنان حول سلاح حزب الله.. وحلفاؤه يتراجعون
جلسة "حاسمة" في لبنان حول سلاح حزب الله.. وحلفاؤه يتراجعون

العربية

timeمنذ 5 دقائق

  • العربية

جلسة "حاسمة" في لبنان حول سلاح حزب الله.. وحلفاؤه يتراجعون

يحبس أغلب اللبنانيون أنفاسهم اليوم الثلاثاء، موجهين أنظارهم نحو جلسة مجلس الوزارء المزمع عقدها في القصر الجمهوري بغية مناقشة تسليم سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة. فقد وصفت تلك الجلسة التي سيحضرها وزراء من حزب الله وحليفه حركة أمل بالـ "تاريخية" من قبل بعض النواب والسياسيين في البلاد. إذ اعتبر النائب ميشال دويهي في تغريدية على حسابه بمنصة إكس أن" جلسة مجلس الوزراء المرتقبة اليوم ليست جلسة عادية بأي مقياس، ولا يجوز التساهل في توصيفها أو التهوين من وقعها. إنها امتحان تاريخي مصيري يتجاوز السياسة كما نعرفها، ويعلو فوق منطق التشاطر والالتفاف الذي طبع الحياة السياسية اللبنانية منذ عقود. " صار حزب الله خائفًا من جلسة حكومية تنهي خروجه عن الشرعية. آن أوان عودة الجميع إلى سلطة الشرعية. — Mark B. Daou 🅱️➕ (@DaouMark) August 5, 2025 "خارج الشرعية" من جهته، رأى النائب مارك ضو أن "حزب الله صار خائفًا من جلسة حكومية تنهي خروجه عن الشرعية. وأضاف "آن أوان عودة الجميع إلى سلطة الشرعية." في حين قالت النائبة عن حزب القوات، ستريدا جعجع " اليوم مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ويتخذ القرارات اللازمة لتطبيقها، لا سيما في مجال الأمن والدفاع الوطني..". اليوم يجب أن يكون «لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه».... اليوم يجب «احترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه»... اليوم «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»... اليوم «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات… — Sethrida Geagea (@SethridaGeagea) August 5, 2025 أما النائب السابق فارس سعيد فأكد أن الدولة "تقوم بتنفيذ قرار لبناني وطني يقضي ببسط سيادتها على كامل التراب اللبناني، ويدعمه المجتمع الدولي والعربي.." البرلماني اللبناني السابق فارس سعيد: طرق تسليح حزب الله من إيران عبر سوريا جرى قطعها.. وعلى الدولة اللبنانية التفاوض من موقع قوة #نشرة_العاشرة #لبنان #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) August 5, 2025 كما اعتبر في تصريحات سابقة للعربية/الحدث أن "طرق تسليح حزب الله من إيران عبر سوريا قطعت..، وعلى الدولة اللبنانية التفاوض من موقع قوة". حلفاء حزب الله وكان عدد من حلفاء حزب الله أعلنوا صراحة تأييدهم لحصر السلاح، في مواقف اعتبرت لافتة، على رأسهم "التيار الوطني الر" برئاسة الوزير السابق جبران باسيل الذي كان أحد أبرز الداعمين له. فضلا عن تيار المردة، إذ اعتبر النائب ​طوني فرنجية​ أن "على الجميع الالتفاف حول منطق الدولة والجيش"، مشددا على أن "الرهان على الدولة هو ما سينقذ ​لبنان​." وقال النائب الشاب الذي يعتبر والده سليمان فرنجية، حليفا مهما للحزب "ما نحن بحاجة إليه، هو حصر السلاح بيد الدولة والجيش". يأتي هذا فيما انتشرت وحدات الجيش خلال الساعات الماضية في بعض المناطق الحساسة تحسباً لأي توترات أمنية، لاسيما بعد مسيرات مؤيدة لحزب الله ليلاً. "لا تسليم للسلاح" وكان الحزب الذي مني بخسائر فادحة مادية وبشرية خلال المواجهات الأخيرة مع إسرائيل العام الماضي، شدد على أنه لن يسلم سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. فيما أوضح في الوقت عينه أنه منفتح على مناقشة "الاستراتيجية الدفاعية"، وهي عبارة وصفت بالمطاطة من قبل العديد من المراقبين لاسيما قبل سنوات حين أطلقت الرئاسة طاولة حوار بشأن السلاح.

أول فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي في دمشق
أول فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي في دمشق

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

أول فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي في دمشق

كشفت وزارة الداخلية السورية عن ملابسات مقتل الفنانة السورية ديالا الوادي بعد مرور ساعات على مقتلها في دمشق. وقالت الوزارة، في بيان لها عبر حساباتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، إن فرع المباحث الجنائية تمكَّن في أقل من 24 ساعة من الكشف عن ملابسات جريمة قتل وقعت في حي المالكي بالعاصمة دمشق، وذلك عقب تلقي بلاغ بالعثور على جثة المدعوة ديالا صلحي الوادي داخل منزلها. ورصدت كاميرات المراقبة دخول المتهم منزل الفنانة الراحلة برفقة قوات الأمن السورية؛ لتمثيل تفاصيل جريمته التي قام بها، وفقاً للتحقيقات. فيديو يظهر قاتل ديالا صلحي الوادي أثناء اقتياده من الأمن الداخلي لتمثيل جريمته في حي المالكي بدمشق — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) August 4, 2025 وأضافت الداخلية السورية: «وفور ورود البلاغ، تحركت الدوريات والفرق المختصة إلى موقع الحادثة، حيث باشرت بجمع الأدلة ومراجعة كاميرات المراقبة ومقاطعة المعلومات، حيث بيّنت التحقيقات الأولية أن المغدورة كانت تستعين بعاملة لأعمال التنظيف، التي اعترفت لاحقاً بتنسيقها مع شخص آخر لقتل الضحية بدافع السرقة». وقالت إن «(ح.م) وزوجته (ج.ب) هما المتهمان اللذان أقدما على قتل المغدورة ديالا صلحي الوادي داخل منزلها في حي المالكي بمدينة دمشق، بدافع السرقة، وتم إلقاء القبض عليهما من قبل فرع البحث الجنائي»، مع صور للمتهمين والمسروقات التي جرى ضبطها. «ح. م.» وزوجته «ج. ب.»، المجرمان اللذان أقدما على قتل المغدورة ديالا صلحي الوادي داخل منزلها في حي المالكي بمدينة دمشق، بدافع السرقة، وتم إلقاء القبض عليهما من قبل فرع البحث الجنائي#الجمهورية_العربية_السورية #وزارة_الداخلية — وزارة الداخلية السورية (@syrianmoi) August 4, 2025 وأثارت الجريمة غضباً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بالقبض على الجناة وإنزال أقسى العقوبات بهم. ويُذكر أن الوادي بريطانية الجنسية، ابنة الموسيقار العراقي المعروف صلحي الوادي. المضبوطات المسروقة من منزل الفنانة الراحلة ديالا الوادي بعد مقتلها (وزارة الداخلية السورية - إكس) ونعت نقابة الفنانين السوريين الفنانة ديالا الوادي التي قُتلت مساء الأحد، في بيتها في حي المالكي بعد أن هاجم منزلها مسلحون بقصد السرقة. يُذكر أن الضحية قُتلت في حي المالكي الراقي حيث تقع مقرات رئاسية وسفارات عربية وأجنبية. وشهد الحي في العاشر من شهر يوليو (تموز الماضي)، مقتل الأكاديمية د.أمل بستاني (80 عاماً) مع خادمتها بدافع السرقة. الفنانة السورية المغدورة ديالا صلحي الوادي (متداولة) وتُعد ديالا صلحي الوادي، خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، من الوجوه الفنية المعروفة في الوسط الثقافي السوري، وشاركت في عدد من العروض المسرحية والأعمال التلفزيونية خلال السنوات الأخيرة، وبرزت بموهبتها اللافتة رغم قلة ظهورها الإعلامي.

المركزي السوري يحارب الفساد: لا هدايا أو مزايا للموظفين
المركزي السوري يحارب الفساد: لا هدايا أو مزايا للموظفين

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

المركزي السوري يحارب الفساد: لا هدايا أو مزايا للموظفين

أعلن مصرف سوريا المركزي اعتماد سياسة رسمية جديدة تحظر على موظفيه قبول أي هدايا أو مزايا، وذلك في إطار التزامه بالنزاهة والشفافية المؤسسية. منعا لتضارب المصالح فقد أوضح حاكم المصرف عبد القادر حصرية في بيان على حسابه الرسمي الثلاثاء، أن السياسة الجديدة تهدف إلى تعزيز القيم المهنية والنزاهة، وضمان أن تكون جميع التعاملات مبنية على الجدارة وخالية من تضارب المصالح. كما شدد على أن هذه السياسة تطبق على جميع موظفي المصرف دون استثناء، موضحا أنه سيتم إتاحة تفاصيلها على الموقع الرسمي. ودعا الموظفين إلى الالتزام بالسياسة الجديدة لدورها المحوري في تعزيز الثقة والمصداقية، مشددا على أهمية هذه الخطوة في حماية المال العام. إصلاح القطاع المالي يذكر أن هذه السياسة الرسمية تندرج في إطار الجهود الحكومية لإصلاح القطاع المالي، وتحسين الأداء المؤسسي بعد عقود من الفساد الذي تفشّى في دوائر الدولة خلال فترة حكم النظام البائد. كما تداول سوريون القرار عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى حد كبير، مشيدين بالإجراءات الجديدة. وأكدت التعليقات أن تلك القرارا ستكون بداية لسوريا خالية من الفساد بعد سنوات طويلة من معاناتهم بهذا الملف في ظل النظام السابق. إلى ذلك، يعتبر مصرف سوريا المركزي، فيعتبر أحد أبرز المؤسسات التي تبنّت مؤخراً خطوات لتعزيز الشفافية، من ضمنها تحديث تعليمات البيوع العقارية وتبسيط خدمات الدفع والتحويل الإلكتروني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store