logo
الاستهتار… حين يتحول المجتمع إلى مسرح حوادث

الاستهتار… حين يتحول المجتمع إلى مسرح حوادث

عمونمنذ 2 أيام
ما نراه من حوادث مؤلمة في مجتمعاتنا، من وفيات على الطرقات، إلى جرائم عنف، إلى إهمال في أماكن العمل، أو غش في التعليم، أو تجاوز للأنظمة، ليس مجرد صدفة أو قدر محتوم… بل هو نتاج مباشر لشخصيات تربّت على الاستهتار، ونشأت على أن 'الآخر لا يُهم'، وأن 'القانون قابل للالتفاف'، وأن 'الذكاء هو أن تأخذ دون أن تعطي'.
والمسؤولية هنا ليست بالدرجة الأولى مسؤولية الدولة، ولا التشريعات، ولا القضاء، ولا الأمن العام… فهذه كلها تأتي بعد الفعل، لا قبله. المسؤولية الحقيقية تبدأ من البيت، من المدرسة، من الأستاذ الجامعي، من كل من ساهم في تكوين إنسان لا يرى في الآخرين إلا أدوات، ولا في النظام إلا عائقًا لمزاجه.
من يقطع الإشارة ليس متهورًا فقط، بل مستهترٌ بمن حوله، بحياتهم، بحقهم في الأمان. ومن يغش في الامتحان، أو من يسمح بالغش، لا يغش جامعته فقط، بل يغش المستقبل. أما من يتراخى في تطبيق العدالة، فيرسّخ في الطالب مبدأً خاطئًا في فهم الاستحقاق والإنصاف.
في بعض البيوت، يُزرع الاعتزاز بالعصبيات منذ الصغر، فيكبر الطفل معتقدًا أن 'نحن الأفضل'، و'فلان لا يُضاهي جماعتنا'، و'نحن وليس بعدنا شيء'. تُغذّيه كلمات كهذه بشعور زائف بالفوقية، تُنمّي فيه احتقار الآخرين بدلًا من احترامهم. وعندما يخرج إلى الشارع بهذه العقلية، يعتقد أن كل ما أمامه حق له دون غيره، وأنه مكتسب للحقوق دون أن يعطيها، فيرتكب كل المخالفات والموبقات لتحصيل ما يريد، مما قد يُشكّل أساسًا لشخصية ذات طابع إجرامي تهلك نفسها وغيرَها. وقد قال النبي ﷺ: 'من قاتل تحت راية عُمية، يغضب لعصبة، ويدعو إلى عصبة، ويَنصُر عصبة، فقُتل فقتلته جاهلية' (رواه مسلم).
وفي بعض البيئات الجامعية، يُتساهل مع الطالب تحت غطاء ديني أو إنساني أو رغبة في نيل الرضا، وقد تؤثر المجاملات أو التدخلات غير الأكاديمية على العدالة التعليمية. وهنا لا بد من قول الحقيقة: هذا التساهل، وإن بدا رحيمًا في ظاهره، قد يكون نتيجة تردد في تطبيق المعايير، أو حرصًا مفرطًا على إرضاء الجميع، مما يضر برسالة التعليم.
المُدرس صاحب رسالة، ومؤتمن على الجميع. يجب أن يكون قويًا من داخله بالمبادئ والقيم، وأمينًا على الغريب قبل القريب، ليكون قدوة يُحتذى بها في مجتمعه. فالمسألة لا تحتمل التراخي، لأنها تمس صلب النزاهة وأمان المجتمع ومستقبله. وقد قال الإمام الشافعي: 'من استحيا من الحق فهو أحمق، ومن استحيا من الباطل فهو أخرق'. وقال الله تعالى: 'ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى' (المائدة: 8).
وكذلك الواسطة؛ لا تظلم الطالب المظلوم فحسب، بل تقتل هيبة المؤسسة التعليمية، وتُخرّج كارثة مؤجلة إلى المجتمع.
وحين تصبح مشاعر الأستاذ أعلى من معايير التعليم، واعتبارات 'الظروف' أقوى من العدالة الأكاديمية، يتحول التعليم إلى شكل بلا مضمون، وتُغتال مفاهيم الاستحقاق والكفاءة. وقد قال الفيلسوف إيمانويل كانط: 'العدالة هي الشرط الأول لقيام المجتمع'. أما في الفكر التربوي، فيقول جون ديوي: 'التعليم ليس استعدادًا للحياة، إنه الحياة ذاتها'.
وبمجموع ما سبق، فإننا بذلك لا نقوم بالأمانة التي وُكِلت إلينا، والمتمثلة في إخراج شخصيات قوية، تساهم في بناء المجتمع وخدمة الوطن بحق وعدالة. فخدمة الوطن لا تكون بالشعارات أو التنظير، بل في مجابهة السلوكيات الخاطئة دون مجاملة، والعمل بصمتٍ من أجل الحقيقة، لا من أجل المنصات أو التصفيق. فالمجتمع لا يُبنى بالشكليات، وإنما بالجوهر… والمسألة باختصار غير مخل: هي مسألة وطن.
الرحمة لا تعني إلغاء العدالة، والمواساة لا تبرر الغش، والظروف الخاصة لا تُعطي الحق في ظلم الآخرين. قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 'قيمة كل امرئ ما يُحسن'. وإذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا، فعلينا أن نعيد تعريف الرحمة، ونربطها دومًا بالحق، وأن نُربّي أبناءنا لا ليكونوا 'من جماعتنا'، بل ليكونوا من أهل الصدق والعدل والضمير.
" وقفوهم أنهم مسؤولون "
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سالم القدمان يكتب: صوت من الميدان: تجربتي كعضو في مجلس محافظة العقبة
سالم القدمان يكتب: صوت من الميدان: تجربتي كعضو في مجلس محافظة العقبة

سرايا الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سرايا الإخبارية

سالم القدمان يكتب: صوت من الميدان: تجربتي كعضو في مجلس محافظة العقبة

بقلم : سالم القدمان منذ اللحظة الأولى التي انتُخبت فيها عضوًا في مجلس محافظة العقبة، كنت مدركًا أن الطريق لن يكون سهلًا. دخلت العمل العام من منطلق الإيمان بأن المشاركة في صنع القرار، خاصة على المستوى المحلي، هي أحد مفاتيح التغيير الحقيقي، وتطبيق فعلي للتوجيهات الملكية السامية بضرورة إشراك المجتمعات المحلية في تحديد أولوياتها التنموية. بحكم القانون، كنا في المجلس نُكلّف بتحديد أولويات المشاريع التنموية في المحافظة، وهي مسؤولية كبيرة ومباشرة. لكن التحدي كان أكبر مما يبدو على الورق، فقد واجهنا واقعًا ماليًا صعبًا تمثل في شح الموازنات المخصصة للمحافظات، إلى جانب قانون لا يمنح المجالس الصلاحيات الكافية لتنفيذ ما تقرره. قانونٌ عقيم – كما يصفه كثيرون – يقيد القدرة على المتابعة والتأثير، ويجعلنا في كثير من الأحيان مجرد وسيط بين حاجات الناس وإمكانات الدولة المحدودة. ومن أبرز الأمثلة على هذا الواقع، لواء القويرة، الذي يحتاج إلى موازنات كبيرة تُقدّر بالملايين ليشهد نهوضًا حقيقيًا، يواكب ما يعيشه من ظروف تنموية صعبة، وبُنى تحتية متواضعة لا تليق بأبناء المنطقة. فرغم الجهود المبذولة، إلا أن حجم الاحتياج يتجاوز بكثير ما يُخصص من موارد. الناس لا تسأل عن الموازنات، ولا تُلام على ذلك. ما يهم المواطن هو نتيجة ملموسة: طريق معبّدة، مدرسة صالحة، مركز صحي يخدمهم بكرامة. وكنت دومًا أحاول أن أكون قريبًا منهم، أستمع لهم، وأتفاعل مع مطالبهم، حتى وإن كانت خارجة عن صلاحياتي، من باب المسؤولية الأخلاقية لا القانونية. كثيرًا ما وجدت نفسي أمام طلبات شخصية عاجلة، وكنت أبذل جهدي – كفرد قبل أن أكون مسؤولًا – لمساعدة من أستطيع، دون وعود كاذبة أو استعراض، بل بواقعية مؤلمة أحيانًا. ورغم رغبتي العميقة في عدم ردّ أحد، إلا أن الواقع كان أقوى من النية. وكنت أُذكّر نفسي والناس دائمًا بأن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها. إن تجربتي في مجلس محافظة العقبة كشفت لي حجم التناقض بين النوايا الحسنة التي يحملها كثير من العاملين في المجالس، وبين الأدوات القانونية والمالية التي لا تواكب طموح الإصلاح واللامركزية الحقيقية. ومع هذا، ما زلت مؤمنًا بأن العمل في الشأن العام، مهما كان متعبًا ومحدودًا، هو أحد أنبل ميادين العطاء، خاصة حين يكون نابعًا من قناعة ومسؤولية لا من رغبة في الظهور. أرجو أن يُعاد النظر في التشريعات الناظمة لعمل مجالس المحافظات، وأن تُعاد هيكلة الموازنات وفق الاحتياج الفعلي، حتى يكون لهذه المجالس الدور الفعلي الذي يتطلع إليه جلالة الملك، والمواطن،.. حفظ الله بلدنا وقائدنا من كل مكروه ليبقى الاردن شامخًا عصيا على كل من تسول له نفسه المساس بأمنه واستقراره..

أيمن الشنتير (أبو سند) في ذمة الله
أيمن الشنتير (أبو سند) في ذمة الله

عمون

timeمنذ 6 ساعات

  • عمون

أيمن الشنتير (أبو سند) في ذمة الله

عمون - ينعى المحامي أحمد الخياط رئيس الهيئة الإدارية لجمعية عشيرة النوابلسة في السلط وأعضاء الهيئة فقيدهم المرحوم المأسوف على شبابه أيمن الشنتير "أبو سند" صاحب الفزعة والنخوة والرجولة. نعزي زوجته وأولاده والعائلة الكريمة بهذا الفقيد الجلل وندعو له بالرحمة والمغفرة وان يدخله الله فسيح جناته.. رحمه الله تعالى رحمة واسعه وأسكنه فسيح جناته. إنّا لله وإنّا إليه رَاجعون .

حرب اللا مفر ولا سبيل للخروج
حرب اللا مفر ولا سبيل للخروج

الغد

timeمنذ 7 ساعات

  • الغد

حرب اللا مفر ولا سبيل للخروج

إسرائيل هيوم اضافة اعلان بقلم: العميد احتياط تسفيكا حايموفيتشمنذ ذلك الصباح الأسود لـ7 تشرين الأول (أكتوبر)، مر 22 شهرا من القتال. من ذلك القصور الرهيب لحرب متعددة الجبهات، وعلى الطريق مواجهة مباشرة مع حزب الله. وقبيل تغيير الواقع في الساحة الشمالية -حرب شديدة في ثلاث جولات حيال إيران، آخرها كانت الأشد ولعلها أحدثت تغييرا ذا مغزى في فورية التهديد النووي على إسرائيل. في قطاع غزة، الحرب استمرت مع كثير من الشعارات والتهديدات، وفي هذه الأثناء بلا نصر (مع أننا قبل سنة ونيف كنا على مسافة نحو "خطوة" عنه)، و"بوابات الجحيم" لم تفتح على حماس (رغم أنه منذ شهر آذار (مارس) يكرر وزير الدفاع التهديد إياه تقريبا في كل أسبوعين).منذ بداية الحرب في قطاع غزة وإسرائيل تمتنع عن اتخاذ القرارات وتنجر وراء مبادرات خارجية، وبين الحين والآخر، تطلق الى الهواء أفكارا محلية معظمها عديمة الجدوى وذات احتمالات محدودة وأساسا لا تقدمنا الى الأمام في تحقيق أهداف الحرب. في سياق الحرب، بدأنا "نقدس" المحاور: بداية كان هذ محور فيلادلفيا الذي سمي (من قبل رئيس الوزراء) "محور الشر" و"تهديد وجودي" على إسرائيل. وقد استبدل بمحور موراغ، ولفترة زمنية قصيرة، تسلل الى وعينا محور ماغين عوز (محور يقسم خانيونس). كل واحد من المحاور بدوره كف عن أن يكون ما وصف به وشكل نقاط انسحاب في مفاوضات لم تتقدم الى أي مكان.والأسوأ من ذلك هو أن قرارات الحكومة تقدس تلك الأفكار التي لا تستند الى سياسة، الى استراتيجية أو الى خطة مع منطق مرتب، وفي النهاية الواقع يؤدي الى نتيجة معاكسة بالتأكيد.في آذار (مارس) الماضي، تبلورت فكرة ترجمت الى تعليمات عسكرية. حظر إدخال مساعدات إنسانية الى القطاع. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش شدد حتى على أنه "لن تدخل ولا حتى حبة أرز الى قطاع غزة". لم تمر أربعة أشهر وإذا بوقف المساعدات الإنسانية يتحول الى "إغراق" إنساني، حين يدعو رئيس الوزراء كل دولة لأن تكون شريكا لحملات التموين في الجو وفي البر. وهكذا فقدت إسرائيل إحدى الروافع المهمة حيال حماس.مثال آخر ومقلق بقدر لا يقل، يثير حتى تساؤلات أكثر، هو رفض حكومة إسرائيل من اليوم الأول للحرب البحث في "اليوم التالي" لحماس في القطاع. إسرائيل الرسمية رفضت وردت كل محاولة للبحث في البديل السلطوي والإداري لحماس في قطاع غزة (مبادرة القاهرة، الاقتراح السعودي وغيرها)، وفي الأسبوع الماضي، حصلنا على المبادرة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية. النتيجة: رفض البحث في بديل سلطوي لحماس سيجلب علينا اعترافا بدولة فلسطينية.أنهي بمثال يوجد في لباب الحرب -إدارة المفاوضات لتحرير المخطوفين. إسرائيل هي التي بادرت في أيار (مايو) الماضي بفكرة الاتفاق على دفعات، انطلاقا من الإرادة للامتناع عن إنهاء الحرب -موقف كان حجر عثرة أمام أي تقدم لتحرير مخطوفين. فجأة، يوم الخميس الماضي، "مصدر سياسي كبير لمكتب رئيس الوزراء" (رئيس الوزراء نفسه؟)، أعلن أن هذا هو الوقت لصفقة واحدة لتحرير كل المخطوفين في دفعة واحدة. هل يعرف أحد ما أو يمكنه أن يشرح ماذا حصل في الأيام الأخيرة ما لم يحصل في الأسابيع والأشهر الأخيرة؟ الأمر ونقيضه.من حرب بدأت من وضع اللا مفر، مع شرعية دولية من الحائط الى الحائط بلا تحفظات ولا تلعثمات، وصلنا الى وقع من طريق بلا مخرج. الإصرار على عدم البحث في "اليوم التالي" وعدم المبادرة الى أوضاع نهاية الحرب أدى بالأفكار المختلفة لأن تنقلب علينا، وتجر دولة إسرائيل الى أوضاع تحرف أهداف الحرب الأساسية (هذا لا يقدم في شيء تحرير المخطوفين ولا حسم حماس)، وأكثر من ذلك، هذا يصبح تهديدا على الدولة وعلى المجتمع الإسرائيلي كله: وقف الأموال الأوروبية الى الأكاديمية، للبحث والتطوير، تعاظم موجات اللاسامية في العالم، عزلة دولية من شأنها أن تؤدي الى خطوات تقيد الإسرائيلي العادي في كل أنواع الأماكن، حظر ومقاطعات على أنواع مختلفة من السلاح، وغيرها.هكذا تبدو دولة في ارتباك، وليس دولة توجد على مسافة خطوة عن النصر. مطلوب سياسة واستراتيجية. مطلوب بوصلة توجه كل الأعمال والأفكار، وإلى أن يحصل هذا سننتظر الفكرة غير الناجحة التالية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store