
"إحصاء في بيت لحم" لبروغل: لوحة دينية أم منشور سياسي؟
للوهلة الأولى تبدو هذه اللوحة التي رسمها بروغل عام 1555 وكان في الـ30 من عمره، معبرة عن مشهد طبيعي ينسجم تماماً مع تلك المشاهد التي اعتاد بروغل رسمها في ريفه المفضل في البلاد الواطئة. بل تكاد تكون الأكثر انتماء لتلك المنطقة من العالم بجمهورها وعمران بيوتها وطبيعتها وثلوجها التي تكاد تبدو راسخة شتاء وصيفاً حتى وإن كانت اللوحة تبدو شتائية بامتياز وقد يخلط الناس أحياناً بينها وبين لوحة أخرى لبروغل نفسه مخصصة لفصل الشتاء في رباعيته "الفصول الأربعة".
غير أن هذا كله ليس سوى انطباع الوهلة الأولى بالتأكيد. فتفرس أكثر عمقاً في اللوحة يسبرها في ما وراء مظهرها الخارجي وبدءاً من عنوانها بالطبع، "إحصاء في بيت لحم" سيسارع بنسف الفكرة التي تكون قد تكونت أول الأمر، إذ إن مشاهد اللوحة سينصرف على الفور من اعتبارها مشهداً طبيعياً، إلى النظر إليها بوصفها... لوحة دينية.
كناية عن واقع ما
وذلك تحديداً لأن عنوان اللوحة نفسه يشير مباشرة إلى فكرة بالاسم نفسه منتزعة من الكتاب المقدس تتحدث عن إحصاء تقوم به السلطات الرومانية في فلسطين عند ما قبل تاريخ ظهور المسيحية مباشرة، للبحث عن طفل النبوءة الذي كانت ثمة حكاية عن ولادته كناشر لدين جديد سيقوض الدولة الرومانية بدءاً من فلسطين. ومن هنا، بحسب الحكاية المتوارثة كجزء من طقوس دينية، ها هي السلطات الرومانية تجري إحصاء لسكان مدينة بيت لحم لمعرفة أين هو ذلك الطفل للتخلص منه.
ونعرف طبعاً أن إجراء ذلك الإحصاء كان منطلق الهرب الكبير إلى مصر للجوء من بطش السلطات الرومانية. الهرب الذي خاضته السيدة العذراء مع طفلها وخطيبها يوسف النجار وما إلى ذلك من بقية الحكاية التي نعرف والتي أبدع الفنانون النهضويون في رسمها لوحات رائعة تزين اليوم عديداً من متاحف العالم. فهل يمكننا هنا أن نتساءل عما إذا كان بيتر بروغل، عبر رسمه "إحصاء في بيت لحم" إنما أراد أن يدلي بدلوه، بدوره فنياً في هذا المجال برسمه منطلق الرحلة حين تغادر العائلة المقدسة المدينة الفلسطينية متوجهة إلى مصر؟
من ناحية مبدئية لا شك أن الجواب هو: نعم! لكن بيتر بروغل، الوطني المبدع الذي كان يرى الفن غاية ولكن أيضاً وسيلة لمقاومة الظلم الآتي من الطبيعة أو من ممارسة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، حتى وإن كان من المعروف أنه لم يزر الديار المقدسة في فلسطين، كان يعرف تماماً أنها لا تشبه على الإطلاق تلك الطوبوغرافيا التي رسمها في هذه اللوحة، مصراً على أن تشهد حدث الهرب المقدس. كان يعرف أنه يرسم طوبوغرافيا محلية تنتمي عموماً إلى الشمال الغربي الأوروبي وخصوصاً إلى البلاد الواطئة (هولندا تحديداً) بلاده. فما الحكاية؟
من جغرافية إلى أخرى
لقد أشرنا قبل سطور إلى أن بروغل كان ذا نزعة وطنية لكنها لم تكن صاخبة. وهو كان يؤمن أن للفن دوراً يلعبه في السياسة ولكن من دون اللجوء إلى ذلك الزعيق المعتاد الذي يمارسه أصحاب الرؤوس الحامية الذي يكتفون عادة بالتبشير بين مؤمنين فلا يكون لفنهم أي تأثير حقيقي. بالنسبة إلى بروغل ليس كل فن احتجاجي فناً جميلاً بالضرورة، بل على العكس فهو يرى أن الفن الجميل في حد ذاته هو فن ثوري وسياسي يؤثر إيجاباً على المتلقين ولو عبر إشارات تنثر هنا وهناك.
ومن هنا نراه في هذه اللوحة بالذات يقدم نوعاً من مرافعة سياسية احتجاجية متكاملة وفاعلة يعرف على أية حال أن مفعولها يحتاج وقتاً طويلاً وثقافة عريضة كي يستقر من أذهان وحياة وفعل أولئك المتلقين. ويقيناً أن هذه اللوحة تمتلئ بذلك النوع من الإشارات التي تكاد تجعلها فريدة من نوعها ولكن عبر إسقاطات لا يتبينها المشاهد إلا تدريجاً. وأيضاً هنا بدءاً من عنوان اللوحة، ولكن مروراً بصورة مباشرة بالصدمة التي يتلقاها مشاهد اللوحة وهو يحملق في المشهد "الفلسطيني" فإذا به مشهد طالع من الأرض والمناخ الهولنديين، ويحملق في عشرات الشخوص في اللوحة نساء ورجالاً وأطفالاً وحيوانات داجنة، فإذا به أمام مشهد من عنده من طوبوغرافية مدينته وزراعاتها وصناعاتها، وممارسات سكانها لحياتهم اليومية، بل حتى ارتداؤهم الثياب المحلية على بشرات وسحنات يصعب تصور أنها فلسطينية من تلك المنطقة من العالم.
وهنا إذ يكون المتلقي عارفاً أن رسامه المفضل غير جاهل للفوارق بين الجغرافيتين، المحلية والفلسطينية، يعمل فكره متسائلاً حول هذه المفارقة... وبصورة خاصة لأنها مفارقة جديرة بأن تلفت نظره وتدفعه إلى... التفكير بعدما يكون جمال اللوحة وانتماؤها إلى الأرض والتقاليد ولعب الأطفال والممارسات اليومية قد مر عبر مرشح القلب والذائقة الجمالية أولاً.
حكاية احتلال أجنبي
وهكذا، بشيء من المقارنات التاريخية التي لا شك أن نخبة النخبة بين صفوف المتلقين تقوم بها، سيجد مشاهد اللوحة نفسه أمام واقع تاريخي لا علاقة حقيقية له برحلة العائلة المقدسة إلى مصر. وأمام واقع جغرافي وتاريخي بالتالي أيضاً، لا علاقة له لا ببيت لحم ولا بفلسطين ولا بالضفة الغربية لنهر الأردن. لكنه في المقابل ينم عن واقع هولندي خالص. ففي وقت رسم فيه بيتر بروغل (1525 –1569) هذه اللوحة كانت إسبانيا تحتل البلاد الواطئة بمعنى أن الشعب الهولندي كان يرزح تحت احتلال أجنبي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الفعل الرئيس للاحتلال يتمثل في فرض المزيد والمزيد من الضرائب على الشعب الهولندي الذي كان يعيش حينها ازدهاراً اقتصادياً كبيراً وتبدلات سياسية ودينية مدهشة، ضرائب يمول بها الإسبان مغامراتهم الاستعمارية الاحتلالية في أنحاء كثيرة من العالم. وكانت الضرائب تفرض انطلاقاً من القيام بإحصاءات مباغتة حتى في القرى والبلدات النائية في المناطق المحتلة، وغالباً ما ترتدي مسوح الواجب الديني بالنسبة إلى من تبقى على الدين البابوي في الأقاليم الهولندية الكاثوليكية، والعقاب الجماعي بالنسبة إلى الهولنديين الذين ساروا على الخط الإصلاحي اللوثري. ويقيناً هنا أن لجوء بروغل إلى موضوع ديني مقدس يجمع عليه البابويون والإصلاحيون معاً على الضد من المحتل الأجنبي الذي كان في جبروته يتذرع بالدين لتحقيق غاياته المالية والاقتصادية، لعبة واضحة لعبت دورها هنا في علاقة المتلقين باللوحة.
مفاهيم تعبر الزمن
في الحقيقة أن هذا كله، وإن كان لا يظهر بكل وضوحه بالنسبة إلى من يشاهد اللوحة للمرة الأولى، فيروح باحثاً عن علاقة الرحلة إلى مصر بالمناخ الهولندي البارد على عكس ما هي الحال في فلسطين المعروفة بارتفاع الحرارة فيها، هو عنصر أساس من اللعبة الفنية، إذ إن المتلقي حين يغوص للبحث عما له علاقة هنا بالعائلة المقدسة، ويكتشف وجودها في وسط مقدمة اللوحة متواكبة مع الحمار المنقذ الذي وضع المخلص فوقه محمياً من برودة الطقس، بينما كان في الرحلة محمياً من حرارة الشمس اللاهبة، يجد نفسه على الفور أمام جملة استعارات تحول لوحة "إحصاء في بيت لحم" إلى عمل فني معاصر يقول السياسة وسياسة التحرر الوطني من دون أن يبدو عليه أنه يفعل ذلك.
في الوقت نفسه الذي يربط فيه الفنان بين الماضي الاحتلالي الروماني في فلسطين، و"الحاضر" الاستعماري الإسباني في هولندا، بشكل يبقيه راسخاً إلى الأبد في ذهن من يسعى لفهم اللوحة والدوافع الحقيقية التي حدت ببيتر بروغل إلى رسمها في زمن كانت بلاده تعاني الاستعمار الإسباني، ضمن إطار منطق يعبر من خلاله الفنان عن وحدة الظلم الاستعماري في كل مكان تقابله وحدة الفعل التحرري في كل زمان أيضاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 4 أيام
- Independent عربية
"إحصاء في بيت لحم" لبروغل: لوحة دينية أم منشور سياسي؟
يمتلك متحف الفنون الجميلة في مدينة الشمال الفرنسي، ليل، لوحة للرسام الذي يكاد يكون ابن تلك المنطقة لكن شهرته غمرت عالم الفن كله بوصفه واحداً من سادة الفنون "الواقعية" في تاريخ الفن الأوروبي وواحداً من كبار رسامي الطبيعة. ونتحدث هنا عن لوحة "إحصاء في بيت لحم" للفنان بيتر بروغل البالغ ارتفاعها 112 سم وعرضها 163 سم، والتي يعرف الجميع أنها اللوحة التي تجتذب في ذلك المتحف الفرنسي أكبر عدد من المتفرجين على الإطلاق. للوهلة الأولى تبدو هذه اللوحة التي رسمها بروغل عام 1555 وكان في الـ30 من عمره، معبرة عن مشهد طبيعي ينسجم تماماً مع تلك المشاهد التي اعتاد بروغل رسمها في ريفه المفضل في البلاد الواطئة. بل تكاد تكون الأكثر انتماء لتلك المنطقة من العالم بجمهورها وعمران بيوتها وطبيعتها وثلوجها التي تكاد تبدو راسخة شتاء وصيفاً حتى وإن كانت اللوحة تبدو شتائية بامتياز وقد يخلط الناس أحياناً بينها وبين لوحة أخرى لبروغل نفسه مخصصة لفصل الشتاء في رباعيته "الفصول الأربعة". غير أن هذا كله ليس سوى انطباع الوهلة الأولى بالتأكيد. فتفرس أكثر عمقاً في اللوحة يسبرها في ما وراء مظهرها الخارجي وبدءاً من عنوانها بالطبع، "إحصاء في بيت لحم" سيسارع بنسف الفكرة التي تكون قد تكونت أول الأمر، إذ إن مشاهد اللوحة سينصرف على الفور من اعتبارها مشهداً طبيعياً، إلى النظر إليها بوصفها... لوحة دينية. كناية عن واقع ما وذلك تحديداً لأن عنوان اللوحة نفسه يشير مباشرة إلى فكرة بالاسم نفسه منتزعة من الكتاب المقدس تتحدث عن إحصاء تقوم به السلطات الرومانية في فلسطين عند ما قبل تاريخ ظهور المسيحية مباشرة، للبحث عن طفل النبوءة الذي كانت ثمة حكاية عن ولادته كناشر لدين جديد سيقوض الدولة الرومانية بدءاً من فلسطين. ومن هنا، بحسب الحكاية المتوارثة كجزء من طقوس دينية، ها هي السلطات الرومانية تجري إحصاء لسكان مدينة بيت لحم لمعرفة أين هو ذلك الطفل للتخلص منه. ونعرف طبعاً أن إجراء ذلك الإحصاء كان منطلق الهرب الكبير إلى مصر للجوء من بطش السلطات الرومانية. الهرب الذي خاضته السيدة العذراء مع طفلها وخطيبها يوسف النجار وما إلى ذلك من بقية الحكاية التي نعرف والتي أبدع الفنانون النهضويون في رسمها لوحات رائعة تزين اليوم عديداً من متاحف العالم. فهل يمكننا هنا أن نتساءل عما إذا كان بيتر بروغل، عبر رسمه "إحصاء في بيت لحم" إنما أراد أن يدلي بدلوه، بدوره فنياً في هذا المجال برسمه منطلق الرحلة حين تغادر العائلة المقدسة المدينة الفلسطينية متوجهة إلى مصر؟ من ناحية مبدئية لا شك أن الجواب هو: نعم! لكن بيتر بروغل، الوطني المبدع الذي كان يرى الفن غاية ولكن أيضاً وسيلة لمقاومة الظلم الآتي من الطبيعة أو من ممارسة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، حتى وإن كان من المعروف أنه لم يزر الديار المقدسة في فلسطين، كان يعرف تماماً أنها لا تشبه على الإطلاق تلك الطوبوغرافيا التي رسمها في هذه اللوحة، مصراً على أن تشهد حدث الهرب المقدس. كان يعرف أنه يرسم طوبوغرافيا محلية تنتمي عموماً إلى الشمال الغربي الأوروبي وخصوصاً إلى البلاد الواطئة (هولندا تحديداً) بلاده. فما الحكاية؟ من جغرافية إلى أخرى لقد أشرنا قبل سطور إلى أن بروغل كان ذا نزعة وطنية لكنها لم تكن صاخبة. وهو كان يؤمن أن للفن دوراً يلعبه في السياسة ولكن من دون اللجوء إلى ذلك الزعيق المعتاد الذي يمارسه أصحاب الرؤوس الحامية الذي يكتفون عادة بالتبشير بين مؤمنين فلا يكون لفنهم أي تأثير حقيقي. بالنسبة إلى بروغل ليس كل فن احتجاجي فناً جميلاً بالضرورة، بل على العكس فهو يرى أن الفن الجميل في حد ذاته هو فن ثوري وسياسي يؤثر إيجاباً على المتلقين ولو عبر إشارات تنثر هنا وهناك. ومن هنا نراه في هذه اللوحة بالذات يقدم نوعاً من مرافعة سياسية احتجاجية متكاملة وفاعلة يعرف على أية حال أن مفعولها يحتاج وقتاً طويلاً وثقافة عريضة كي يستقر من أذهان وحياة وفعل أولئك المتلقين. ويقيناً أن هذه اللوحة تمتلئ بذلك النوع من الإشارات التي تكاد تجعلها فريدة من نوعها ولكن عبر إسقاطات لا يتبينها المشاهد إلا تدريجاً. وأيضاً هنا بدءاً من عنوان اللوحة، ولكن مروراً بصورة مباشرة بالصدمة التي يتلقاها مشاهد اللوحة وهو يحملق في المشهد "الفلسطيني" فإذا به مشهد طالع من الأرض والمناخ الهولنديين، ويحملق في عشرات الشخوص في اللوحة نساء ورجالاً وأطفالاً وحيوانات داجنة، فإذا به أمام مشهد من عنده من طوبوغرافية مدينته وزراعاتها وصناعاتها، وممارسات سكانها لحياتهم اليومية، بل حتى ارتداؤهم الثياب المحلية على بشرات وسحنات يصعب تصور أنها فلسطينية من تلك المنطقة من العالم. وهنا إذ يكون المتلقي عارفاً أن رسامه المفضل غير جاهل للفوارق بين الجغرافيتين، المحلية والفلسطينية، يعمل فكره متسائلاً حول هذه المفارقة... وبصورة خاصة لأنها مفارقة جديرة بأن تلفت نظره وتدفعه إلى... التفكير بعدما يكون جمال اللوحة وانتماؤها إلى الأرض والتقاليد ولعب الأطفال والممارسات اليومية قد مر عبر مرشح القلب والذائقة الجمالية أولاً. حكاية احتلال أجنبي وهكذا، بشيء من المقارنات التاريخية التي لا شك أن نخبة النخبة بين صفوف المتلقين تقوم بها، سيجد مشاهد اللوحة نفسه أمام واقع تاريخي لا علاقة حقيقية له برحلة العائلة المقدسة إلى مصر. وأمام واقع جغرافي وتاريخي بالتالي أيضاً، لا علاقة له لا ببيت لحم ولا بفلسطين ولا بالضفة الغربية لنهر الأردن. لكنه في المقابل ينم عن واقع هولندي خالص. ففي وقت رسم فيه بيتر بروغل (1525 –1569) هذه اللوحة كانت إسبانيا تحتل البلاد الواطئة بمعنى أن الشعب الهولندي كان يرزح تحت احتلال أجنبي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكان الفعل الرئيس للاحتلال يتمثل في فرض المزيد والمزيد من الضرائب على الشعب الهولندي الذي كان يعيش حينها ازدهاراً اقتصادياً كبيراً وتبدلات سياسية ودينية مدهشة، ضرائب يمول بها الإسبان مغامراتهم الاستعمارية الاحتلالية في أنحاء كثيرة من العالم. وكانت الضرائب تفرض انطلاقاً من القيام بإحصاءات مباغتة حتى في القرى والبلدات النائية في المناطق المحتلة، وغالباً ما ترتدي مسوح الواجب الديني بالنسبة إلى من تبقى على الدين البابوي في الأقاليم الهولندية الكاثوليكية، والعقاب الجماعي بالنسبة إلى الهولنديين الذين ساروا على الخط الإصلاحي اللوثري. ويقيناً هنا أن لجوء بروغل إلى موضوع ديني مقدس يجمع عليه البابويون والإصلاحيون معاً على الضد من المحتل الأجنبي الذي كان في جبروته يتذرع بالدين لتحقيق غاياته المالية والاقتصادية، لعبة واضحة لعبت دورها هنا في علاقة المتلقين باللوحة. مفاهيم تعبر الزمن في الحقيقة أن هذا كله، وإن كان لا يظهر بكل وضوحه بالنسبة إلى من يشاهد اللوحة للمرة الأولى، فيروح باحثاً عن علاقة الرحلة إلى مصر بالمناخ الهولندي البارد على عكس ما هي الحال في فلسطين المعروفة بارتفاع الحرارة فيها، هو عنصر أساس من اللعبة الفنية، إذ إن المتلقي حين يغوص للبحث عما له علاقة هنا بالعائلة المقدسة، ويكتشف وجودها في وسط مقدمة اللوحة متواكبة مع الحمار المنقذ الذي وضع المخلص فوقه محمياً من برودة الطقس، بينما كان في الرحلة محمياً من حرارة الشمس اللاهبة، يجد نفسه على الفور أمام جملة استعارات تحول لوحة "إحصاء في بيت لحم" إلى عمل فني معاصر يقول السياسة وسياسة التحرر الوطني من دون أن يبدو عليه أنه يفعل ذلك. في الوقت نفسه الذي يربط فيه الفنان بين الماضي الاحتلالي الروماني في فلسطين، و"الحاضر" الاستعماري الإسباني في هولندا، بشكل يبقيه راسخاً إلى الأبد في ذهن من يسعى لفهم اللوحة والدوافع الحقيقية التي حدت ببيتر بروغل إلى رسمها في زمن كانت بلاده تعاني الاستعمار الإسباني، ضمن إطار منطق يعبر من خلاله الفنان عن وحدة الظلم الاستعماري في كل مكان تقابله وحدة الفعل التحرري في كل زمان أيضاً.


Independent عربية
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- Independent عربية
"الشوفار"... بوق يضع اليهود بين زمنين منفصلين
داخل المدرسة الدينية "تيفيريت يروشاليم" في مدينة القدس، يتحدث الحاخام الإسرائيلي يهودا غليك زعيم منظمة "هاليبا" الاستيطانية، رئيس مؤسسة "تراث جبل الهيكل" إلى مجموعة من الأطفال اليهود لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام، عن أمور مثل نفخ "الشوفار" وخبز الحلة الدائري، وغمس التفاح في العسل، التي تعتبر جميعها جزءاً مهماً من التقاليد اليهودية، خصوصاً خلال الأعياد الدينية مثل رأس السنة العبرية (روش هاشانا) وعيد الغفران (يوم كيبور). إلا أن "الشوفار" الذي يُصنع عادة من قرن كبش مجوف أو ماعز أو غزال يُعزف عليه كالبوق ويُعرف أيضاً باسم قرن الكبش اليهودي أو القرن اليهودي، كانت له الحصة الكبرى في الشرح والحديث، فالنفخ فيه يتطلب تقنية معينة للحصول على الأصوات المطلوبة، ويحتاج إلى ممارسة وتدريب للوصول إلى مستوى الإتقان الذي قد يتيح لهم فرصة تطبيق ما تعلموه في سياق العبادة، خلال المناسبات الدينية والروحية لإحداث أصوات مميزة لها دلالات ورموز عميقة لدى اليهود. وفقاً للديانة اليهودية فإن النفخ ببوق "الشوفار" يدلل على الانتقال بين زمنين مفصليين، فينفخ فيه في العام مرتين فقط، الأولى يومي رأس السنة العبرية مع شروق شمس اليوم الأول إلى ظهيرة اليوم الثاني إعلاناً ببدء أيام التوبة الـ10 عند اليهود، ويكون عدد النفخات 100 نفخة، والنفخ الثاني يكون في غروب شمس يوم الغفران إعلاناً بانتهاء أيام التوبة. وتذكر الكتب اليهودية أن النفخ يذكر بقصة الذبح التي أمر الله بها نبيه إبراهيم عليه السلام، لكنهم يعتقدون أن الذبيح هو النبي إسحاق عليه السلام، وللنفخ ببوق "الشوفار" نوعان من المعاني، يتعلق الأول بالدلالات التوراتية، واستحضار الموتى وإعلان يوم القيامة، ومعنى الحاجة إلى الغفران والتوبة، واستحضار الحروب التي خاضها بنو إسرائيل وكانوا يستخدمون البوق فيها للإعلان عن الانتصار والسيطرة، في حين يتعلق النوع الثاني من المعاني "بجماعات الهيكل" التي ترى في النفخ بالبوق إيذاناً باقتراب قدوم المسيح المخلص. عهد قديم يفترض بعض العلماء اليهود أن آلة "الشوفار" كانت تستخدم في العصور القديمة، لإصدار أصوات من شأنها تخويف الشياطين، قبل رأس السنة الجديدة، وتم ذكره في كثير من النصوص المهمة في التاريخ اليهودي، في كل من العهد القديم والكتاب المقدس العبري، والتي كُتبت باللغة العبرية بين عامي 1200 و100 قبل الميلاد. وغالباً ما تظهر الآلة في "التناخ"، الذي يتضمن التوراة والتلمود والأدب الحاخامي، وبحسب المصادر كان يستخدم "الشوفار" للإعلان عن الأعياد والاحتفال بالحرب وفي المواكب، وقد ابتكرت مجتمعات يهودية مختلفة أنماطاً فريدة منه ففي شمال أفريقيا، يكون الـ"شوفار" عادةً مستقيماً ويصدر صوتاً عميقاً، فيما يستخدم اليهود في هولندا قرن الماعز عادة، أما المجتمعات اليهودية في بولندا فتميل لاستخدام "شوفار" مسطح ومستقيم يصدر نغمة منخفضة أو منحنياً يصدر نغمة عالية للغاية. وإلى جانب أهميته في اليهودية، يحتفل بعض المسيحيين الصهاينة والمسيحيين الإنجيليين بنفخ الـ"شوفار" كحلقة وصل بتراث إيمانهم القديم. وعلى رغم الجدل حول تاريخيه، فقد تمكن علماء آثار إسرائيليون من استعادة القطع الأثرية التي قد تشير إلى أن بعض قصص الكتاب المقدس كانت روايات تاريخية، ويشير موقع "إسرائيل تتكلم بالعربية" إلى أن الكتاب المقدس ذكر آلة الـ"شوفار" 72 مرة، ويُنظر إليه على أنه "آلة يستخدمها الرب ومظهر من مظاهر صوته المقدس". أصوات ونغمات وللنفخ في البوق (الشوفار) مدة ودرجات معينة، وحسب المعتقدات اليهودية هي أربعة أصوات "التكية" و"الشيفريم" و"التروح" و"التقية جدولة"، وتحمل كل واحدة منها دلالات معينة، فالتكية نغمة طويلة تدعو إلى الاستماع، و"الشيفريم" تتكون من ثلاث نغمات متوسطة الطول، أما "التروحة" السريعة فتتميز بنغمات قصيرة متقطعة، فيما التقية جدولة، هي تكية مطولة تُختتم بها أغنية. ويختلف كل "شوفار" عن الآخر، كذلك فإن الحجم والشكل وعوامل أخرى تسهم جميعها في الصوت الذي يصدره، إلا أنها في المجمل تدعو إلى "التأمل الروحي والاحتفال بالرب"، بحسب المعتقدات اليهودية، ويتمتع أي عازف على آلة موسيقية نفخية مشابهة بأفضلية في البداية، إذ يعد الـ"شوفار" القصير أسهل عزفاً من الطويل، لاستهلاكه هواءً أقل. لكن بالنسبة إلى خبير نفخ الشوفار المقيم في إسرائيل روبرت وينجر، الذي يملك معظم مركز للشوفار في برية الخليل (صحراء يهودا) أصبح يرى نفسه بمثابة سفير لهذه الآلة، وقال لموقع (Jewish News Syndicate) إنه "تاريخياً استُخدم الشوفار كدعوة للمعركة وكإنذار وصرخة نصر. هناك سرٌّ وراءه". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ووصف الحاخام والفيلسوف اليهودي المصري سعديا جاؤون مؤسس الأدب العربي اليهودي، صوت الشوفار "بمثابة صرخة معركة رمزية للشعب اليهودي، وتذكيرهم بالعهد بينهم وبين الله"، في حين قال الفيلسوف اليهودي السفاردي موسى بن ميمون إن الشوفار "تذكير للقيام بالتوبة، وجرس إنذار في التقرّب من الله، وصولاً إلى المعنى والاكتمال لإثبات الولاء والالتزام". معان سياسية في إسرائيل تجاوز النفخ بـ"الشوفار" المناسبات الدينية، إذ ينفخ فيه حين يؤدي رئيس الحكومة اليمين والإعلان عن بدء رأس السنة اليهودية وعند الانتصارات التي تحققها، كما جرى عند احتلال القدس وحائط البراق وكذلك عند احتلال إسرائيل أرض سيناء، حيث نفخ الجنود فوق جبل سيناء لأول مرة في عام 1956. وفي عام 2022 سمحت محكمة إسرائيلية لمتشددين إسرائيليين بنفخ البوق "الشوفار" في مقبرة "باب الأسباط"، شرق المسجد الأقصى. ولم يكتف ما يعرف بـ"المجلس الحاخامي" (السنهدرين) باستعراض البوق الجديد في الأعوام الأخيرة بنفس المواصفات المذكورة في "المشناة"، بل لجأت لمسار قانوني في محاولة لانتزاع قرار قضائي يسمح بممارسة هذا الطقس في ساحات المسجد بحجة أن محكمة إسرائيلية اعتبرت عام 2015 أن النفخ في البوق ليس عملاً استفزازياً، بل جزءاً من الوضع القائم الذي فُرض بعد يونيو (حزيران) 1967. وبحسب ناشطين ومتابعين مقدسيين، فقد أعلن الحاخام هيلل فايس برفقة عدد من حاخامات معهد الهيكل، وأعضاء "السنهدرين الجديد"، أنهم جاهزون لتنفيذ "ميتزافوت" الخاصة بـ "الشوفار" داخل المسجد الأقصى، في كل رأس سنة عبرية وأيام التوبة، وهو ما دفع محللين إلى القول إن خطر الشوفار لم يعد يقتصر على نية "جماعات الهيكل" النفخ فيه بداخل باحات المسجد الأقصى، بل قد يمتد الأمر لتكريس فكرة اقتحام الأقصى بالثياب البيضاء، وهي رداء طبقة الكهنة التي تقود الصلوات في الهيكل. وكانت منظمة "سلام أورشليم" التابعة للحاخام يهودا غليك، ومنظمة "جبل الهيكل بأيدينا" "بيدينو" ومديرها "تومي نيساني"، قاما بمبادرة للنفخ بالبوق عند باب الرحمة من الخارج في عام 2022 كإعلان عن بداية عهد البناء (بناء الهيكل) إذ إن المعتقد اليهودي يقول إن بناء الهيكل الثالث ودخول المسيح المنتظر يكون من الباب الشرقي للحرم القدسي، وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر جندياً إسرائيلياً ينفخ "الشوفار" على شواطئ غزة في سبتمبر (أيلول) العام الماضي. أدوات طقسية الباحث المتخصص في شؤون القدس زياد ابحيص، حذّر من سياسة التدرج التي تنتهجها منظمات "الهيكل" في التعامل مع "الشوفار" خصوصاً أنه قد سبقها إدخال أدوات طقوس توراتية إلى المسجد الأقصى، وخلال الأعوام الماضية تمكن حاخامات ومنظمات استيطانية من إدخال شال الصلاة "طاليت"، واللفائف السوداء "تيفلين"، وكتب الأذكار التوراتية "السيدور"، وملابس التوبة، والقرابين النباتية، وسط تواطؤ من الشرطة الإسرائيلية. وأوضح ابحيص في تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس" أن هناك منظمات تسعى إلى إدخال أدوات أكثر رمزية وخطورة، مثل لفائف التوراة والشمعدان والأبواق المعدنية وثياب الكهنة والمذبح، وحتى القربان الحيواني، مما يعني أننا أمام مرحلة جديدة وخطرة من التهويد الصريح. وأكد المتحدث أن نجاح منظمات توراتية في إدخال هذه الأدوات تدريجياً، من دون ردع فعلي، يشجعها اليوم على المضي قدماً بشكل أوسع وأخطر، محذراً من أن "النفخ العلني للشوفار في باحات المسجد الأقصى يعد أكبر وأخطر مرحلة في تاريخه الحديث".


Independent عربية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها الختامي
عام 1985 نشرت مارغريت أتوود روايتها الديستوبية "حكاية الخادمة" [الترجمة العربية للكتاب صدرت بعنوان "حكاية الجارية"] The Handmaid's Tale، التي تدور أحداثها في "غلعاد"، النسخة القمعية التي يسيطر عليها الحكم الديني من الولايات المتحدة، وذلك في وقت كان الرئيس الجمهوري آنذاك رونالد ريغان يدفع بالبلاد نحو الليبرالية الجديدة التي ستهيمن عقوداً تالية. ثم عادت لتنشر جزءاً مكملاً بعنوان "الوصايا" The Testaments عام 2019 - وللقارئ أن يستنتج ما يشاء من هذا التوقيت. والآن، تقترب المعالجة التلفزيونية المستمدة من عالم أتوود من نهايتها، بعد مسيرة دامت ثمانية أعوام تزامنت مع تحولات عميقة ضربت نسيج المجتمع الأميركي. ومع إسدال الستار على "غلعاد"، يبرز السؤال: هل أصبح المسلسل الذي تعرضه قناة "تشانل 4" قريباً إلى حد مؤلم من واقعنا؟ في المشاهد الافتتاحية من الموسم السادس، نجد كلاً من جون (التي تجسدها إليزابيث موس) وسيرينا جوي (إيفون ستراخوفسكي) على متن قطار، متجهتين نحو آخر معقل للولايات المتحدة في ألاسكا. وبينما تعترف سيرينا قائلة: "أنت امرأة قوية بشكل استثنائي"، يتضح سريعاً أن دروبهما ستفترق مرة أخرى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) على الجانب الآخر من الحدود في "غلعاد"، يواصل القائد لورانس (برادلي ويتفورد) دفع مشروعه قدماً لإنشاء "بيت لحم الجديدة" - المجتمع الليبرالي داخل حدود "غلعاد" - بينما أصبح نيك (ماكس منغيلا) ملازماً ذا تأثير كبير. لكن علاقته بجون، التي جعلته يتحول إلى عميل مزدوج ضد النظام، باتت على المحك بسبب وجود زوجها، لوك (أوتي فاغبنل)، الذي انضم إلى الثوار من مجموعة "ماي داي" جنباً إلى جنب مع صديقة جون القديمة، مويرا (سميرة وايلي). لكن هناك أمراً واحداً لم تتمكن جون من معالجته أو إنهائه: ما زالت ابنتها هانا أسيرة في "غلعاد". فبالأصل، تدور أحداث "حكاية الخادمة" في عالم يشهد انخفاضاً في الخصوبة، وهي دراما تتعلق بالجيل القادم والصراع لضمان مستقبل. تقول جون نادبة: "لقد حاولت حقاً إنقاذها... لقد حاولت حقاً إخراجها، ولكن كما تعلم..."، والمشاهدون يعرفون تماماً ما تعنيه. فكلما بدا أن جون قد اجتازت مرحلة من الصراع، يظهر جدار آخر أمامها ويأتي الهرب قبل العودة. وفي النهاية، يبدو أن السلسلة تقول إنه ما لم تُدمر "غلعاد"، فلن تكون جون حرة حقاً. ومع تطور الأحداث في الموسم الأخير، تقترب القصة أكثر من تلك اللحظة الحاسمة. على مدى مواسمه، ظل "حكاية الخادمة" محافظاً بشكل دائم على جودته. تعد إليزابيث موس واحدة من أفضل الممثلات التلفزيونيات، إذ قدمت أداءً رائعاً في دور البطولة الغامض والمثير، وكانت شخصية جون خير فرصة لإبراز مواهبها. ومع تقدم السلسلة، أصبحت موس أكثر تأثيراً في تطور العمل: فقد أخرجت في الموسم الرابع وللمرة الأولى إحدى الحلقات، ومن ثم أخرجت أربع حلقات في هذا الموسم، بما في ذلك الحلقة الختامية. في الوقت نفسه توسع المسلسل بصورة كبيرة عن الخيال الأصلي الذي كتبته أتوود، ليخلق عالماً معقداً مبنياً على قوى قمعية وأمل راديكالي. وعندما سئلت وايلي عما إذا كانت ستنضم إلى جزء مستقبلي من المسلسل، أجابت بالرفض قائلة: "لقد اكتفيت من الصدمة". وقد كان المسلسل صعباً على المشاهدين أيضاً، إذ عرض شخصياته لقسوة لا هوادة فيها ولم يمنحهم أي فترات راحة. إنه عالم حتى الملاذات فيه تكون غير آمنة. مع ذلك وعلى رغم أن الاستمتاع بمشاهدة المسلسل قد يكون صعباً (بالمعنى الصافي لكلمة استمتاع)، فإن ضرورة متابعته قد ازدادت في الوقت نفسه مع تقدم أحداثه. رواية "حكاية الخادمة" هي كتاب يدرس في المدارس منذ أعوام، لكن النسخة التلفزيونية أصبحت دليلاً مفصلاً أكثر للقوى السياسية والبيروقراطية التي تتواطأ في تشكيل نظام استبدادي. في مشهد فلاش باك من حقبة ما قبل "غلعاد"، يقول والد سيرينا، وهو واعظ ديني، لابنته: "هذه أيام مظلمة. يحتاج الناس إلى أن يؤمنوا بشيء ما". تلك هي شمعة الأمل ذات الوميض المتردد التي تضيء طريق الطغيان، وهو موضوع تناولته "حكاية الخادمة" بشكل حيوي وملموس طوال العقد الماضي. كاتب السيناريو بروس ميلر، إلى جانب إليزابيث موس، قدما فصلاً أخيراً قاتماً وحازماً في هذه السلسلة التي تعتبر حكاية تحذيرية لأميركا الحديثة. في لحظات الأزمات السياسية الحادة، يمكن للفن أن يكون بمثابة تحذير. لقد كان "حكاية الخادمة" عرضاً مثيراً يوضح كيف يمكن للخوف أن يتحول إلى فاشية. ربما تمنح نهاية العمل المشاهدين شعوراً بالراحة، لكنها بلا شك ستترك فراغاً كبيراً على الشاشة.