
كيف يعيش سكان غزة في ظل الحصار وشح المساعدات؟
تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهوراً غير مسبوق، وسط تحذيرات أممية من اقتراب كارثة إنسانية. إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من أن العائلات في غزة "تتضور جوعًا" مع احتجاز المساعدات الغذائية على الحدود، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوقت "ينفد" لإنقاذ الأرواح في ظل انهيار النظام الصحي. من جانبه، اتهم توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، إسرائيل بمعرفة حجم الكارثة، ودعا إلى تحرك عاجل لوقف ما وصفه بـ"الإبادة".
يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل إغلاق المعابر للشهر الثالث على التوالي، وسط اتهامات دولية باستخدام "التجويع سلاحًا".
هذه الأزمة يمكن تلخقيها بالأرقام التالية:
- 10 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد منذ بداية 2025، بينهم 1,397 حالة حرجة تحتاج إلى علاج فوري.
- 39 ألف شاحنة مساعدات عالقة خارج غزة، بينما تنفد الأدوية واللقاحات الأساسية، بما في ذلك تلك المخصصة للأطفال الخدج.
- 80% من المطابخ المجتمعية أُغلقت بسبب عدم توفر المواد الغذائية، وفقاً لبيانات أوتشا.
حتى قبل الحرب الأخيرة، كانت المؤشرات الأممية ترسم صورة قاتمة لواقع القطاع المحاصر، حيث صنفت غزة كواحدة من أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، وصلت نسبة الأسر التي تعاني من نقص الغذاء في نهاية 2022 إلى 68%، فيما تجاوز معدل الفقر عتبة الـ 61%، وارتفعت البطالة إلى 45%، وهي أرقام تتجاوز بكثير المعدلات العالمية والعربية.
شكل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007 عاملًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة، حيث منعت السلطات الإسرائيلية دخول مواد أساسية مثل الأسمدة والأعلاف ومستلزمات الزراعة، تحت حجة "الاستخدام المزدوج". ورغم السماح بدخول كميات محدودة من المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والخضروات، إلا أن القيود المشددة على المعابر جعلت تلك الإمدادات غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مما حوّل القطاع إلى ما يشبه "سجنًا مفتوحًا" يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية.
أظهرت البيانات تراجعًا كبيرًا في القطاع الزراعي، حيث فقدت 40% من الأراضي الزراعية قدرتها على الإنتاج، وانخفض إنتاج الدواجن بنسبة 65%، فيما أصبحت 90% من مصادر المياه غير صالحة للشرب.
هذه المؤشرات تعكس كيف تحولت غزة من منطقة تتمتع بموارد زراعية إلى نموذج صارخ للأزمات الإنسانية، حيث بات 2.3 مليون فلسطيني رهينة لسياسات الحصار التي تتحكم بكل تفاصيل حياتهم اليومية.
كما دمر الجيش الإسرائيلي القطاع الزراعي، واستهدف 37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية و26 مطعمًا خيريًا، بالإضافة إلى قصف وتدمير عشرات شاحنات الإغاثة المحملة بالمواد الغذائية. وأدى الإغلاق الكامل للمعابر منذ 2 مارس/آذار 2025 إلى منع دخول المساعدات الإنسانية، مما دفع برنامج الغذاء العالمي إلى الإعلان عن نفاد مخزوناته بالكامل في القطاع.
وسط هذا الواقع، يجلس أحمد أبو العطا أمام خيمته في مخيم النصيرات، حاملاً كيسًا من العدس المطحون، ويقول: "هذا أصبح دقيقنا الوحيد. نطحن العدس والمعكرونة الجافة لنصنع منه خبزًا".
يحرك أبو العطا وعاءً معدنيًا فوق نار مشتعلة بقطع البلاستيك، مضيفًا: "الغاز اختفى منذ أشهر، نستخدم أي شيء قابل للاشتعال من أخشاب وبلاستيك وأقمشة بالية لأجل الطهي".
على بعد أمتار، تجلس أم أحمد أمام منزلها المتضرر، تحاول طهي وجبة من الأرز على نار بالكاد تكفي لإعداده، وتقول: "نعتمد في الوقت الحالي على ما تبقى من المساعدات التي كانت توزع علينا قبل إغلاق المعابر. الخضار موجودة لكنها بأسعار خيالية".
وتضيف: "أصبح العدس والأرز والمعكرونة طعامنا اليومي، وأحيانًا بعض المعلبات إذا وجدناها، مضيفة أن التكيات التي كانت تسعفنا وقت الحاجة لم تعد قادرة على تقديم أي شيء".
في ظل استمرار إغلاق المعابر، يعاني محمد مهنا وأسرته من انعدام المواد الغذائية الأساسية، مما أجبرهم على الاعتماد بشكل كلي على المعلبات التي حصلوا عليها سابقًا من خلال برنامج الإغاثة الطارئ التابع لـ"الأونروا".
ويوضح مهنا أن الأوضاع وصلت إلى حد طحن الأرز والعدس والمعكرونة لصنع بديل للدقيق وإيجاد رغيف الخبز، بينما أصبحت الخضروات، وإن كانت متوفرة في الأسواق، بعيدة عن متناول الأسر الفقيرة بسبب تقلبات الأسعار الجنونية.
ويضيف: "اليوم اضطررتُ لشراء البطاطا والطماطم رغم ارتفاع ثمنها، لأننا لم نعد نطيق طعم المعلبات".
وفي مشهدٍ يعكس عمق الأزمة الإنسانية في غزة، يروي جهاد مهنا - الشقيق الأكبر لمحمد مهنا - كيف تحولت أبسط متطلبات الحياة اليومية، كإعداد كوب شاي أو تسخين ماء، إلى معاناة يومية تهدد صحته.
بحسب حديثه فإن أسرته تُجبر على استخدام الحطب والبلاستيك كوقود بديل، في عملية وصفها بـ"المضنية" التي تستنزف ساعات طويلة، وتخلف آثارًا صحية خطيرة.
ويقول: "أصبت بأمراض تنفسية متكررة وحروق بسبب الدخان الكثيف"، مشيراً إلى أن هذه المعاناة المتفاقمة تأتي نتيجة استمرار إغلاق المعابر منذ مارس/آذار الماضي، و"المنع الإسرائيلي المتعمد لإدخال المواد الأساسية التي كانت تخفف من حدّة الكارثة الإنسانية".
ويضيف بمرارة: "حتى طعامنا صار مقسَّمًا بحسب المعلبات غير الصحية – يوم فاصوليا، يوم بازلاء، يوم تونة – وكأنها قوائم طعام في سجن جماعي".
في ظل استمرار الأزمة الإنسانية الخانقة في غزة، تتعدد أشكال المقاومة اليومية للبقاء بين المساعدات الدولية والمبادرات المحلية. فبينما تواصل "تكية جباليا" المدعومة من الهلال الأحمر تقديم وجباتها اليومية، تنشط مبادرات أهلية أخرى لسد الفجوات الغذائية.
هبة أبو جزر، إحدى المنظمات للمبادرات الإغاثية، توضح: "نسعى عبر تبرعات المحسنين لتوفير سلل غذائية تحتوي خضروات طازجة، حيث تحتوي السلة الواحدة على بطاطا وبندورة وخيار وبصل وملفوف وملوخية بقيمة 100 دولار، تكفي عائلة متوسطة لمدة 3 أيام فقط". وتضيف: "هدفنا تنويع غذاء الأسر بعيدًا عن المعلبات التي سيطرت على موائد الغزيين".
وفي مشهد يعكس عمق الأزمة، يروي أحمد الحواجري - فرّان يعمل بأفران الطين - كيف تحولت أفرانه إلى مطاعم شعبية: "أغلب ما يطهوه الناس هنا هو العدس، بعد أن أصبحت وجبة أساسية بديلة عن اللحوم والخضروات النادرة".
من جهته، يعلق أبو أحمد عسلية، وهو من المتعاونين مع الهلال الأحمر، على الوضع قائلًا: "نعمل ضد الزمن، فالمجاعة تهدد آلاف الأسر، خاصة مع شح المساعدات الداخلة عبر المعابر". بينما تشير هبة أبو جزر إلى أن "المبادرات المحلية تعاني من نقص التمويل رغم الحاجة الماسة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يورو نيوز
منذ 20 ساعات
- يورو نيوز
إشتباكات متصاعدة وكوليرا منتشرة.. الأزمات تخنق السودانيين
تتسارع وتيرة الانهيار في السودان، حيث تتداخل الأزمات الصحية والمعيشية مع تصاعد المخاطر الأمنية، في ظل غياب أي مؤشرات على احتواء الوضع المتدهور. فقد شهدت العاصمة الخرطوم ومحيطها تصاعدًا مقلقًا في انتشار الأوبئة، بالتزامن مع تفاقم أزمة الجوع التي باتت تطال أكثر من 70 في المئة من البلاد، وسط فوضى أمنية عارمة تغذيها الاشتباكات المستمرة وعمليات الاعتقال والنزوح الجماعي. وفي مشهد يُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، تتزايد معدلات الوفيات في مناطق مثل أم درمان وجنوب الخرطوم، حيث تنتشر أمراض غامضة في أجواء مشوبة بمخاوف من تسرّب مواد كيميائية، تزامنًا مع انقطاع واسع في إمدادات المياه، ما أجبر آلاف الأسر على الاعتماد على مصادر ملوثة. الأمم المتحدة أعلنت أن أكثر من 26 مليون سوداني باتوا في مواجهة الجوع، في وقت يشهد إقليم كردفان معارك ضارية ساهمت في تدهور الأوضاع الإنسانية، بينما تشهد الأسواق ارتفاعًا جنونيًا في أسعار المواد الغذائية. وفي ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، حيث خرجت أكثر من 70 في المئة من المستشفيات عن الخدمة، أطلقت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية تحذيرات متكررة من كارثة صحية وشيكة، خصوصًا بعد رصد أمراض جديدة أودت بحياة الآلاف خلال أيام قليلة، في غياب أي تدخل فعّال من السلطات الصحية. ويعود جزء كبير من تفاقم الأوضاع إلى الصراع المسلح الذي اندلع في نيسان / أبريل 2023، وأدى إلى نزوح نحو 13 مليون شخص داخل السودان وخارجه، وفق تقارير أممية. ورغم عودة بعض النازحين إلى مناطق محدودة في ولاية الخرطوم، إلا أنهم وجدوا بيوتًا مهدّمة وبُنى تحتية مدمّرة تفتقر إلى خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وسط استمرار أعمال النهب والقصف العشوائي. أما المناطق الشمالية والغربية والشرقية، فتُعاني من نقص حاد في الغذاء وانعدام شبه تام للخدمات الطبية، فيما تعيش مدينة أم درمان أزمة حادة في مياه الشرب، إذ تجاوز سعر حمولة المياه الواحدة ثلاثة أضعاف الراتب الشهري للعامل، بحسب منظمات طبية محلية. ويقول مرتضى عبد القادر، المشرف على إحدى المنظمات الطوعية العاملة في الميدان، إن المياه المتاحة "غالبًا ما تكون غير صالحة للاستهلاك البشري"، ما يُضاعف من احتمالات تفشي الأمراض. كوليرا وسوء تغذية يهددان حياة الأطفال وفي تقرير صدر الأربعاء، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من تفاقم محتمل لأزمة الصحة العامة في السودان، نتيجة استمرار النزوح وانتشار الأوبئة، لا سيما الكوليرا، التي سجلت أكثر من 7700 إصابة و185 وفاة مؤكدة في ولاية الخرطوم وحدها، من بينها أكثر من ألف إصابة بين أطفال دون سن الخامسة. وفي ظل التدهور المتسارع، يبدو أن السودان يقترب من حافة كارثة شاملة، ما لم تُتخذ إجراءات دولية عاجلة لوقف النزيف الإنساني وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لملايين المدنيين المحاصرين بين الجوع والمرض والنار.


يورو نيوز
منذ 2 أيام
- يورو نيوز
كيف يعيش سكان غزة في ظل الحصار وشح المساعدات؟
تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهوراً غير مسبوق، وسط تحذيرات أممية من اقتراب كارثة إنسانية. إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من أن العائلات في غزة "تتضور جوعًا" مع احتجاز المساعدات الغذائية على الحدود، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوقت "ينفد" لإنقاذ الأرواح في ظل انهيار النظام الصحي. من جانبه، اتهم توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، إسرائيل بمعرفة حجم الكارثة، ودعا إلى تحرك عاجل لوقف ما وصفه بـ"الإبادة". يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل إغلاق المعابر للشهر الثالث على التوالي، وسط اتهامات دولية باستخدام "التجويع سلاحًا". هذه الأزمة يمكن تلخقيها بالأرقام التالية: - 10 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد منذ بداية 2025، بينهم 1,397 حالة حرجة تحتاج إلى علاج فوري. - 39 ألف شاحنة مساعدات عالقة خارج غزة، بينما تنفد الأدوية واللقاحات الأساسية، بما في ذلك تلك المخصصة للأطفال الخدج. - 80% من المطابخ المجتمعية أُغلقت بسبب عدم توفر المواد الغذائية، وفقاً لبيانات أوتشا. حتى قبل الحرب الأخيرة، كانت المؤشرات الأممية ترسم صورة قاتمة لواقع القطاع المحاصر، حيث صنفت غزة كواحدة من أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، وصلت نسبة الأسر التي تعاني من نقص الغذاء في نهاية 2022 إلى 68%، فيما تجاوز معدل الفقر عتبة الـ 61%، وارتفعت البطالة إلى 45%، وهي أرقام تتجاوز بكثير المعدلات العالمية والعربية. شكل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007 عاملًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة، حيث منعت السلطات الإسرائيلية دخول مواد أساسية مثل الأسمدة والأعلاف ومستلزمات الزراعة، تحت حجة "الاستخدام المزدوج". ورغم السماح بدخول كميات محدودة من المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والخضروات، إلا أن القيود المشددة على المعابر جعلت تلك الإمدادات غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مما حوّل القطاع إلى ما يشبه "سجنًا مفتوحًا" يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية. أظهرت البيانات تراجعًا كبيرًا في القطاع الزراعي، حيث فقدت 40% من الأراضي الزراعية قدرتها على الإنتاج، وانخفض إنتاج الدواجن بنسبة 65%، فيما أصبحت 90% من مصادر المياه غير صالحة للشرب. هذه المؤشرات تعكس كيف تحولت غزة من منطقة تتمتع بموارد زراعية إلى نموذج صارخ للأزمات الإنسانية، حيث بات 2.3 مليون فلسطيني رهينة لسياسات الحصار التي تتحكم بكل تفاصيل حياتهم اليومية. كما دمر الجيش الإسرائيلي القطاع الزراعي، واستهدف 37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية و26 مطعمًا خيريًا، بالإضافة إلى قصف وتدمير عشرات شاحنات الإغاثة المحملة بالمواد الغذائية. وأدى الإغلاق الكامل للمعابر منذ 2 مارس/آذار 2025 إلى منع دخول المساعدات الإنسانية، مما دفع برنامج الغذاء العالمي إلى الإعلان عن نفاد مخزوناته بالكامل في القطاع. وسط هذا الواقع، يجلس أحمد أبو العطا أمام خيمته في مخيم النصيرات، حاملاً كيسًا من العدس المطحون، ويقول: "هذا أصبح دقيقنا الوحيد. نطحن العدس والمعكرونة الجافة لنصنع منه خبزًا". يحرك أبو العطا وعاءً معدنيًا فوق نار مشتعلة بقطع البلاستيك، مضيفًا: "الغاز اختفى منذ أشهر، نستخدم أي شيء قابل للاشتعال من أخشاب وبلاستيك وأقمشة بالية لأجل الطهي". على بعد أمتار، تجلس أم أحمد أمام منزلها المتضرر، تحاول طهي وجبة من الأرز على نار بالكاد تكفي لإعداده، وتقول: "نعتمد في الوقت الحالي على ما تبقى من المساعدات التي كانت توزع علينا قبل إغلاق المعابر. الخضار موجودة لكنها بأسعار خيالية". وتضيف: "أصبح العدس والأرز والمعكرونة طعامنا اليومي، وأحيانًا بعض المعلبات إذا وجدناها، مضيفة أن التكيات التي كانت تسعفنا وقت الحاجة لم تعد قادرة على تقديم أي شيء". في ظل استمرار إغلاق المعابر، يعاني محمد مهنا وأسرته من انعدام المواد الغذائية الأساسية، مما أجبرهم على الاعتماد بشكل كلي على المعلبات التي حصلوا عليها سابقًا من خلال برنامج الإغاثة الطارئ التابع لـ"الأونروا". ويوضح مهنا أن الأوضاع وصلت إلى حد طحن الأرز والعدس والمعكرونة لصنع بديل للدقيق وإيجاد رغيف الخبز، بينما أصبحت الخضروات، وإن كانت متوفرة في الأسواق، بعيدة عن متناول الأسر الفقيرة بسبب تقلبات الأسعار الجنونية. ويضيف: "اليوم اضطررتُ لشراء البطاطا والطماطم رغم ارتفاع ثمنها، لأننا لم نعد نطيق طعم المعلبات". وفي مشهدٍ يعكس عمق الأزمة الإنسانية في غزة، يروي جهاد مهنا - الشقيق الأكبر لمحمد مهنا - كيف تحولت أبسط متطلبات الحياة اليومية، كإعداد كوب شاي أو تسخين ماء، إلى معاناة يومية تهدد صحته. بحسب حديثه فإن أسرته تُجبر على استخدام الحطب والبلاستيك كوقود بديل، في عملية وصفها بـ"المضنية" التي تستنزف ساعات طويلة، وتخلف آثارًا صحية خطيرة. ويقول: "أصبت بأمراض تنفسية متكررة وحروق بسبب الدخان الكثيف"، مشيراً إلى أن هذه المعاناة المتفاقمة تأتي نتيجة استمرار إغلاق المعابر منذ مارس/آذار الماضي، و"المنع الإسرائيلي المتعمد لإدخال المواد الأساسية التي كانت تخفف من حدّة الكارثة الإنسانية". ويضيف بمرارة: "حتى طعامنا صار مقسَّمًا بحسب المعلبات غير الصحية – يوم فاصوليا، يوم بازلاء، يوم تونة – وكأنها قوائم طعام في سجن جماعي". في ظل استمرار الأزمة الإنسانية الخانقة في غزة، تتعدد أشكال المقاومة اليومية للبقاء بين المساعدات الدولية والمبادرات المحلية. فبينما تواصل "تكية جباليا" المدعومة من الهلال الأحمر تقديم وجباتها اليومية، تنشط مبادرات أهلية أخرى لسد الفجوات الغذائية. هبة أبو جزر، إحدى المنظمات للمبادرات الإغاثية، توضح: "نسعى عبر تبرعات المحسنين لتوفير سلل غذائية تحتوي خضروات طازجة، حيث تحتوي السلة الواحدة على بطاطا وبندورة وخيار وبصل وملفوف وملوخية بقيمة 100 دولار، تكفي عائلة متوسطة لمدة 3 أيام فقط". وتضيف: "هدفنا تنويع غذاء الأسر بعيدًا عن المعلبات التي سيطرت على موائد الغزيين". وفي مشهد يعكس عمق الأزمة، يروي أحمد الحواجري - فرّان يعمل بأفران الطين - كيف تحولت أفرانه إلى مطاعم شعبية: "أغلب ما يطهوه الناس هنا هو العدس، بعد أن أصبحت وجبة أساسية بديلة عن اللحوم والخضروات النادرة". من جهته، يعلق أبو أحمد عسلية، وهو من المتعاونين مع الهلال الأحمر، على الوضع قائلًا: "نعمل ضد الزمن، فالمجاعة تهدد آلاف الأسر، خاصة مع شح المساعدات الداخلة عبر المعابر". بينما تشير هبة أبو جزر إلى أن "المبادرات المحلية تعاني من نقص التمويل رغم الحاجة الماسة".


يورو نيوز
منذ 5 أيام
- يورو نيوز
تقرير صحي جديد: تضاعف عدد بؤر إنفلونزا الطيور يرفع خطر انتقالها إلى البشر
حذّرت المنظمة العالمية لصحة الحيوان (OMSA)، من أن عدد بؤر إنفلونزا الطيور لدى الثدييات قد تضاعف عالميًا خلال عام 2024، ما يزيد من احتمالية تكيف الفيروس وانتقاله بين البشر، رغم أن خطر العدوى المباشرة ما زال يُعتبر منخفضًا حتى الآن. وذكرت المنظمة، في تقرير جديد، أن عدد الإصابات المسجلة لدى الثدييات، مثل الأبقار والكلاب والقطط، بلغ 1,022 بؤرة في 55 دولة، مقارنة بـ 459 بؤرة فقط خلال عام 2023. يشير التقرير إلى أن الفيروس المسبب لإنفلونزا الطيور، والمعروف باسم H5N1، يُظهر قدرة متزايدة على الانتقال إلى أنواع من الثدييات، خصوصًا بعد تفشّيات واسعة النطاق في مزارع الأبقار الحلوب في الولايات المتحدة، وهو ما يرفع من خطر حصول طفرة وراثية تُسهّل انتقاله بين البشر. وفي حين أن حالات إصابة الإنسان لا تزال نادرة، إلا أن منظمة الصحة العالمية حذرت في أكثر من مناسبة من أن أي انتقال مباشر أو غير مباشر للفيروس من الحيوان إلى الإنسان يحمل خطرًا محتملاً لظهور جائحة مستقبلية. وأكّد التقرير أن إنفلونزا الطيور تتجاوز كونها أزمة صحية بيطرية، حيث باتت تمثل حالة طوارئ عالمية تؤثر على الزراعة والأمن الغذائي والتجارة والتوازن البيئي. ويُقدّر أن أكثر من 630 مليون طائر داجن قد نفقوا أو جرى إعدامهم بسبب الفيروس خلال العشرين سنة الماضية، فيما تكبّدت الطيور البرية خسائر فادحة يصعب إحصاؤها بدقة، نظرًا لعدم وجود آليات رصد شاملة. ويأتي هذا التحذير في وقت تشهد فيه الوكالات الصحية والعلمية في الولايات المتحدة تخفيضات كبيرة في ميزانياتها، شملت إلغاء برنامج وبائي معروف باسم "محققو الأمراض"، ما يُثير قلقًا إضافيًا من التراخي في الرصد المبكر لتطورات الفيروس. وفيروس H5N1، المكتشف لأول مرة في عام 1996 في الصين، يُصنّف من أكثر أنواع الإنفلونزا خطورة، حيث يتسبب بمعدلات نفوق عالية في الطيور، وقد تسبب في وفيات بشرية عند انتقاله من الطيور إلى الإنسان في بعض الحالات. ورغم أن انتقاله بين البشر لم يُسجّل سوى في حالات نادرة ومعزولة، فإن تحوّله إلى نمط قابل للعدوى البشرية الواسعة يُعد من أسوأ السيناريوهات التي تراقبها الهيئات الصحية العالمية عن كثب.