
خبراء يتوقعون انقراض البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي
فما الذي يحدث حين تصبح الآلة أذكى من الإنسان، ولا تعرف حدودا في قدرتها على التخطيط والتعلم والتكاثر الرقمي؟ وما الذي يمكن أن يردع ذكاء فائقا يرى في البشرية مجرد عائق؟
ومن خلال إجابتها عن هذين السؤالين، حاولت صحيفة تايمز البريطانية، في تقرير علمي، تفكيك هذا المستقبل القاتم الذي بات أقرب مما نظن وفق رؤيتها.
وتفيد الصحيفة بأنه في وقت تتسارع فيه وتيرة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وتتنافس كبرى الشركات التكنولوجية على بلوغ ما يُعرف بـ"الذكاء الاصطناعي الفائق"، تتعالى أصوات من داخل المجتمع العلمي محذرة بشكل غير مسبوق من أن البشرية ربما تكون على مشارف فناء محتوم إذا استمر العالم في تجاهل المخاطر الكامنة وراء هذه التكنولوجيا الناشئة.
وتنبيها لهذه المخاطر، وقفت مجموعة صغيرة من الناشطين يرتدون قمصانا حمراء كُتب عليها "أوقفوا الذكاء الاصطناعي" -وهو اسم حركتهم الذي استوحوه من قضيتهم- أمام مقر شركة (أوبن إيه آي) في سان فرانسيسكو ، في مشهد وصفته التايمز البريطانية بأنه بدا للوهلة الأولى كأنه احتجاج اعتيادي في مدينة اعتادت على مظاهر التعبير السياسي.
لكن خلف هذا التحرك تقبع رؤية سوداوية تشاركهم فيها نخبة من أبرز العلماء والخبراء في العالم، ممن يرون أن استمرار تطوير الذكاء الاصطناعي دون ضوابط قد يقود إلى انقراض البشرية.
ووفقا للصحيفة، فإن هذه التحذيرات لا تقتصر على الهواة أو أصحاب النظريات الهامشية، بل تأتي أيضا من شخصيات بحجم جيفري هينتون، الحائز على نوبل في الفيزياء عن أعماله في مجال الذكاء الاصطناعي، ويوشوا بنجيو، الفائز بجائزة تورينغ لعلوم الحاسوب، إلى جانب الرؤساء التنفيذيين لشركات رائدة مثل "أوبن إيه آي"، و "أنثروبيك"، و "غوغل ديب مايند".
وقد وقعت كل هذه الشخصيات على رسالة مفتوحة جاء فيها: "إن الحد من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أولوية عالمية إلى جانب مخاطر أخرى بحجم المجتمع مثل الجوائح والحروب النووية".
السيناريوهات المحتملة للانقراض متنوعة، تبدأ من إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي أسلحة بيولوجية ذكية تنشر عدوى صامتة في مدن كبرى حول العالم تصيب معظم الناس دون أعراض واضحة، إلى أنظمة خارقة تفوق البشر قدرة وذكاء، فتراهم مجرد كائنات غير ضرورية في معادلة البقاء
وتوضح الصحيفة أن السيناريوهات المحتملة لذلك الانقراض متنوعة، تبدأ من إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي أسلحة بيولوجية ذكية تنشر عدوى صامتة في مدن كبرى حول العالم تصيب معظم الناس دون أعراض واضحة، إلى أنظمة خارقة تفوق البشر قدرة وذكاء، فتراهم مجرد كائنات غير ضرورية في معادلة البقاء.
وينقل التقرير عن نيت سوريس، المهندس السابق في شركة غوغل ورئيس "معهد أبحاث الذكاء الآلي" ومقره في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا ، أن احتمالية انقراض الإنسان بسبب الذكاء الاصطناعي تقترب من 95% إذا استمر الحال على ما هو عليه، ويشبّه الوضع بمن يقود سيارة نحو حافة الهاوية بسرعة جنونية دون أن يحاول الضغط على المكابح.
سوريس: احتمالية انقراض الإنسان بسبب الذكاء الاصطناعي تقترب من 95% إذا استمر الحال على ما هو عليه، والوضع يشبه من يقود سيارة نحو حافة الهاوية بسرعة جنونية دون أن يحاول الضغط على المكابح.
طريق الانقراض
إن ما يثير القلق حقا، برأي التايمز، هو أن الذكاء الاصطناعي الذي نعرفه اليوم ما زال "ضيقا"، أي مخصصا لمهام محددة. لكن العلماء يتوقعون أننا نقترب مما يُعرف بــ"الذكاء الاصطناعي العام" "إيه جي آي" (AGI)، وهي المرحلة التي يتساوى فيها مع الذكاء البشري حيث تصبح الأنظمة الذكية قادرة على التفكير المنطقي والتخطيط واتخاذ القرارات عبر مجالات متعددة، دون أن تكون مقيدة بمهمة واحدة.
ويتميز الذكاء الاصطناعي العام عن الإنسان بمزايا عديدة، منها أنه لا يحتاج إلى النوم أو الطعام، ولا يقضي سنوات في الفصول الدراسية لاكتساب الخبرة، بل ينقل مهاراته ومعرفته ببساطة إلى الجيل التالي من الذكاءات الاصطناعية، عبر آلية النسخ واللصق.
وبعد ذلك، سيصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق "إيه إس آي" (ASI) ، الذي يتفوق على الإنسان في كل المجالات -من الطب إلى الفيزياء إلى السياسة- ويستطيع حينها أداء أشياء يحلم بها البشر، كعلاج السرطان، أو تحقيق الاندماج النووي البارد، أو السفر إلى النجوم.
سلوكيات غامضة
بيد أن هذا التقدم يحمل في طياته خطرا هائلا، وهو كيف نضمن أن هذه الكائنات الرقمية ستبقى تحت السيطرة؟ تتساءل الصحيفة لتضيف أن هذا ما يُعرف في أوساط البحث باسم "تحدي المواءمة"، أي جعل الذكاء الاصطناعي يتصرف وفقا للقيم والأهداف البشرية.
لكن الواقع يشير إلى أن ذلك قد يكون مستحيلا من الناحية التقنية، إذ إن الذكاء الاصطناعي، حتى في شكله البدائي، أثبت أنه قادر على الخداع، ولا يمكن دائما التنبؤ بكيفية تصرفه أو تفسير طريقة "تفكيره"، خاصة مع تطور لغاته الداخلية.
ويبدو أن الذكاءات الاصطناعية تطوّر سلوكيات مستقلة وغامضة وتسعى لتحقيقها بوسائل مريبة. فذكاء روبوت المحادثة المعروف باسم "غروك"، الذي طورته شركة (إكس إيه آي) المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، أثار جدلا واسعا بعد إطلاقه تصريحات معادية للسامية، ومدحه الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر.
أما محرك البحث "بينغ" من شركة مايكروسوفت فقد شهد تطورا كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي حيث حاول في إحدى المحادثات، فسخ زواج صحفي في جريدة نيويورك تايمز. هذه الحوادث قد تكون مجرد لمحات أولى لما يمكن أن يكون مستقبلا لا يخضع لأي ضوابط بشرية.
حلم الخلود الرقمي
في المقابل، ثمة من يرى أن المشكلة لا تكمن في الإبادة الشاملة وحدها، بل في تفريغ الإنسان من قدرته على التحكم بمصيره. وفي هذا الشأن، ترى هولي إلمور، مديرة حركة "بوز إيه آي" (PauseAI)، أن الذكاء الاصطناعي قد يقود إلى عالم يهيمن فيه النظام الرقمي على الاقتصاد والسياسة والمعرفة ، ويُقصى فيه البشر إلى هامش لا سلطة لهم فيه ولا فهم لما يحدث حولهم.
إلمور: الذكاء الاصطناعي قد يقود إلى عالم يهيمن فيه النظام الرقمي على الاقتصاد والسياسة والمعرفة ، ويُقصى فيه البشر إلى هامش لا سلطة لهم فيه ولا فهم لما يحدث حولهم
وتشير إلمور إلى دراسة بعنوان "التجريد التدريجي من السلطة"، توقعت أن ينتهي الحال بالبشر ككائنات معزولة تعيش على أطراف المدن وتفتقر لأي تأثير فعلي.
إعلان
ورغم أنها تقدر خطر الانقراض بنسبة 15 إلى 20%، فإنها تدعو إلى تجميد تطوير الذكاء الاصطناعي مؤقتا إلى حين وضع اتفاقات دولية تنظم تطوره، أو على الأقل قوانين محلية تحكم أنشطته في أماكن مثل كاليفورنيا.
إلمور: دافع كثير من هؤلاء ليس علميا أو اقتصاديا فقط، بل هو أقرب إلى الاعتقاد الديني، فبعض المؤيدين لتطويره يؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي سيمنحهم الخلود، حتى إن أحدهم أخبرها بأنه لن يموت أبدا لأن الذكاء الاصطناعي سيُخلِّد وعيه.
لكن التايمز تقول إنه في الوقت الذي تدعو فيه هذه الأصوات إلى الحذر، يواصل قادة التكنولوجيا المضي قدما. فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي عن خطة لتحرير تنظيمات الذكاء الاصطناعي.
كما صرح الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ ، بأن الذكاء الاصطناعي الفائق "بات في مرمى البصر"، كاشفا عن سعيه لاستقطاب أفضل العقول من شركة (أوبن إيه آي) مقابل مكافآت توقيع تبلغ 100 مليون دولار.
بيد أن إلمور ترى أن دافع كثير من هؤلاء ليس علميا أو اقتصاديا فقط، بل أقرب إلى الاعتقاد الديني، فبعض المؤيدين يؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي سيمنحهم الخلود، حتى إن أحدهم أخبرها بأنه لن يموت أبدا لأن الذكاء الاصطناعي سيُخلِّد وعيه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
لماذا يتسابق العالم لتطوير الصاروخ "الصامت"؟
منذ بدء استخدام الطيران العسكري بشكل موسع في الحروب إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1919)، وبشكل أخص خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي شهدت ميلاد الطيران الحربي الحديث، شهد العالم معارك جوية تركت بصمات مميزة في التاريخ العسكري، مثل معركة بريطانيا بين النازيين والإنجليز عام 1940، والمعارك الجوية بين الولايات المتحدة واليابان على جبهة المحيط الهادي ، حين كانت حاملات الطائرات تعج بالمقاتلات التي تفرغ خزائنها وتُعيد ملئها مرات ومرات. وخلال الأيام الأولى للغزو الألماني النازي للاتحاد السوفياتي في يونيو/حزيران 1941، خسر السوفيات أكثر من 2000 طائرة في مواجهة سلاح الجو النازي (اللوفتفافه – Luftwaffe) الأكثر تطورا، معظمها دُمِّرت على الأرض. خلال تلك المعارك ومثيلاتها، نشأ وتطور نمط المعارك الجوية التقليدي القائم على اشتباك طائرتين أو أكثر ضمن النطاق البصري المعروف باسم "دوغ فايت" (Dogfight)، حيث يقوم الطيارون بمناورات حادة وسريعة لمحاولة إسقاط طائرات الخصم باستخدام المدافع الرشاشة أو الصواريخ قصيرة المدى. لكن نمط "دوغ فايت" أو حروب "القتال الجوي عن قرب" عموما بدأ يخفت فعليا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديدا منذ حرب الخليج الثانية مع تواري الحروب الجوية بين الدول المتكافئة لصالح حملات القصف الجوي ضد الدول الأضعف والتنظيمات المسلحة وصعود الحروب غير النظامية. إلا أن عجلة التاريخ تدور مجددا لتجلب صراعات الدول إلى الواجهة مرة أخرى، سواء بين الولايات المتحدة والصين أو بين روسيا وأوروبا أو توترات شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، وهو ما يُنذر بعودة المعارك الجوية المباشرة إلى الواجهة مجددا. لكن معارك الجو المستقبلية لن تكون استنساخا لمواجهات "دوغ فايت" القديمة. فمع إدماج تقنيات الذكاء الصناعي في الطيران الحربي، وانتشار الطائرات بدون طيار، وتطوير الصواريخ الجوية بعيدة المدى، والتطور في شبكات الاتصال ونظم الرادارات، من المرجح أن تشهد أنماط القتال الجوي تطورا جذريا، ويُعد صعود "القتال خارج مدى الرؤية" هو الوجه الأبرز لهذا التطور. القتال خارج مدى الرؤية يُعرف القتال فيما وراء الرؤية، المعروف اختصارا في الأدبيات العسكرية باسم "بي في آر" (BVR)، بأنه ذلك القتال الجوي الذي يجري على مسافة تتجاوز قدرة العين البشرية أو المنظار البصري على رؤية الطائرة المعادية (عادة أكثر من 30 كم)، أي إن الطيارين المتحاربين لا يمكنهم رؤية بعضهم بعضا. وأصبح هذا النوع من القتال ممكنا بفضل التطور الهائل لصواريخ "جو-جو" بعيدة المدى التي تمنح الطائرات المقاتلة ميزة استهداف طائرات العدو دون أن تكون في المدى الناري التقليدي لها. ويعود مفهوم القتال خارج مدى الرؤية إلى زمان الحرب الباردة ، لكنه تعرض لتشكيك كبير وقتها بسبب التكلفة الهائلة لتقنيات القتال بعيد المدى، وقد تحول في عالم اليوم إلى الثورة الأهم على صعيد القتال الجوي. ولكي نفهم لماذا يُعد هذا النوع من الصواريخ ثوريا، دعونا نفترض سيناريو بسيطا: طائرتان مقاتلتان من الجيل الخامس تحلقان في سماء المعركة، متطابقتان تقريبا في كل شيء، ففي السرعة كلتاهما أسرع من الصوت، وفي قدرات التخفي تكاد كلٌّ منهما أن تكون غير مرئية للرادارات التقليدية، وحتى في أنظمة الرصد المتقدمة التي تسمح لهما بكشف بعضهما بعضا في الوقت نفسه وفي القدرة على المناورة لتفادي الصواريخ والاشتباك القريب. لكن هناك فارق واحد فقط، إحدى الطائرتين تحمل صاروخ جو-جو طويل المدى، بينما الأخرى تعتمد على صواريخ تقليدية ذات مدى أقصر. كلتا الطائرتين تكشفان وجود بعضهما على شاشات الرادار، لكن الطائرة المزودة بالصاروخ طويل المدى تمتلك القدرة على إصابة خصمها على الفور، في حين لا تمتلك طائرة الخصم الميزة نفسها. ساعتها يتخذ قائد الطائرة قرار الإطلاق، وينطلق الصاروخ بسرعته الهائلة (أسرع من الصوت عدة مرات)، متجاوزا عشرات الكيلومترات في ثوانٍ قليلة. الطائرة الأخرى سرعان ما تدرك أنها مستهدفة، لكنها لم تدخل بعد في نطاق يسمح لها بالرد، ومن ثم فكل ما تستطيع فعله هو محاولة المناورة والدفاع، لكن الصاروخ الذكي مصمم أيضا لتفادي إجراءات التشويش والمراوغات. النتيجة؟ قبل أن تتمكن الطائرة الثانية من الاقتراب بما يكفي لاستخدام أسلحتها، تنفجر قربها شظايا الصاروخ الذي يضرب خارج المدى البصري، وتدمرها أو تجعلها عاجزة عن القتال، ومن ثم يصبح النصر مضمونا لمَن يمتلك المدى الأطول للصواريخ، رغم تكافؤ كل العوامل الأخرى. وإذا نظرنا إلى مثال عملي قريب، فقد شهدت المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان في مايو/أيار الماضي قيام إسلام أباد باستخدام صواريخ "جو-جو" بعيدة المدى، صينية الصنع، من طراز "بي إل-15" ضد المقاتلات الهندية، لتنجح في إسقاط خمس طائرات وفق الرواية الباكستانية، وطائرة واحدة على الأقل حسب الرواية الهندية. يمكن لهذا النموذج أن يفسر سر تنافس الدول الكبرى على امتلاك هذه التقنية، حيث تتمثل الفكرة الرئيسية وراء القتال فيما وراء الرؤية في إمكانية إصابة الخصم من أبعد نقطة ممكنة قبل أن يتمكن هو أن يصيبك، وهو ما يخلق مضمارين للسباق بين الدول، الأول تطوير الصواريخ بحيث يمكنها إصابة أهدافها من مسافة أبعد، وتطوير تقنيات التخفي والمناورة التي تسمح للطائرات بالاقتراب إلى أقصى حدٍّ ممكن قبل أن تصبح هدفا لصواريخ الخصم. الصواريخ بعيدة المدى تُعد الصواريخ المُطلقة من الطائرات قديمة قدم الطيران الحربي نفسه، حيث استُخدمت صواريخ "جو-جو" منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل. ولكن الجديد أنه على مدى العقود الماضية، سعت الدول لتطوير مدى تلك الصواريخ وقدرتها على إصابة أهدافها، وقد فرض هذا التطوير واقعا جديدا في مجال الهيمنة الجوية، وتحديات تكنولوجية جديدة تبدأ من محركات الصواريخ ولا تنتهي عند مجال الرادارات وشبكات الاتصال. هناك عاملان أساسيان لازمان لنجاح الصاروخ طويل المدى: محرك قوي يُمكّنه من حمل الصاروخ لأطول مسافة مع قدرة على التوجيه، ثم نظام توجيه إلكتروني يستند إلى شبكة اتصالات متقدمة. على صعيد المحركات، يمكن الصواريخ أن تُزوَّد بنوعين من المحركات، الأول هو محرك قذف صاروخي يعتمد على وقود صلب أو سائل، وهذا النوع من المحركات يحتوي في داخله على الوقود والعامل المؤكسِد (المادة الكيميائية التي توفر الأكسجين اللازم لاحتراق الوقود) معا، مما يجعله لا يحتاج إلى الهواء ويُعد مناسبا أكثر للطيران في الفضاء الخارجي. وغالبا ما يتمتع هذا النوع من المحركات بمدى أقصر نسبيا بسبب المساحة التي يشغلها خزان المادة المؤكسدة، لكنه يتمتع على الأرجح بتفوق واضح على صعيد السرعة. أما النوع الثاني فهي المحركات النفاثة، وهذا النوع من المحركات يحتاج إلى الهواء للحصول على الأكسجين اللازم لاحتراق الوقود، مما يجعله مناسبا أكثر للصواريخ التي تطير داخل الغلاف الجوي للأرض. يتميز الصاروخ ذو المحرك النفاث بقدرته على الطيران لمدة طويلة، لأن محركه يعتمد على أكسجين الهواء الخارجي، وبالتالي يمكن تحميله بكمية أكبر من الوقود، وهو ما يجعل المحركات النفاثة أكثر مناسبة لزيادة مدى الصاروخ، رغم أن سرعته تكون أبطأ من الصواريخ المزودة بالوقود التقليدي. في بعض الأحيان، تُصمَّم الصواريخ كي تكون متعددة المراحل، بمعنى أنها تحتوي على أكثر من محرك، وهي محركات مركَّبة بوصفها أجزاء ومنفصلة عن بعضها بعضا بحواجز. ومع إطلاق الصاروخ تعمل هذه المحركات على التوالي، حينما ينتهي وقود المحرك الأول ينفصل عن الصاروخ، ويبدأ المحرك الثاني معطيا دفعة جديدة للصاروخ من أجل زيادة مداه. ومع المسافات الشاسعة التي تقطعها الصواريخ بعيدة المدى، فإنها تحتاج إلى نظام توجيه متقدم، يعتمد على شبكة اتصالات متقدمة توفر معلومات حية وفورية عن مواقع طائرات الخصم. وفي بعض الأحيان، يُوجَّه الصاروخ من خلال رادار الطائرة التي تحمله وتتولى مهمة تحديد مكان الهدف قبل الإطلاق أصلا، أو من خلال رادار مستقل ونظام استشعار مثبت في الصاروخ نفسه يُمكّنه من التحليق دون حاجة إلى توجيه خارجي، وهو ما يُطلق عليه عادة ميزة "أطلِقْ وانسَ"، وفيها تقتصر مهمة الطائرة على إطلاق الصاروخ ليتولى مهمة توجيه نفسه وتعديل مساره. ومن الممكن أن يعتمد الصاروخ بعد إطلاقه على التتبع الحراري للهدف عند مدى معين، دون أن يمتلك رادارا بالمعنى المعروف. بالإضافة إلى تلك السمات الأساسية (مثل المدى ونوع المحرك ونظام التوجيه) هناك عدة عوامل أخرى تسهم في تحديد كفاءة الصاروخ، منها خفة الوزن لكي يسهل تحميله على المقاتلة، وانسيابية التصميم التي تسهل حركته في الهواء، وأيضا التكلفة المالية التي تحدد إمكانية إنتاج أعداد كبيرة منه وتعويض المفقود في ساحات المعركة باستمرار. تنافس عالمي محتدم نظرا للدور الكبير الذي يُرجح أن تلعبه تلك الصواريخ في مجال الهيمنة الجوية، تتسابق الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وعدد من الدول الأوروبية في إنتاج وتطوير وتحسين صواريخ "جو-جو" بعيدة المدى، لا سيما وقد شهدت تكنولوجيا الصواريخ تطورا كبيرا في العقود الماضية. في مطلع القائمة تأتي الولايات المتحدة الأميركية ، وتمتلك في الخدمة الآن أشهر صواريخ "جو-جو" بعيدة المدى، ويُعد بمنزلة النموذج الأوّلي الذي يُحاكَى حينما تنوي دولة ما تصنيع صاروخ من هذا النوع، وهو "أيم-120 أمرام) (AIM-120 AMRAAM)، الذي دخل الخدمة الفعلية في 1992 ومنذ تلك اللحظة ما زال يخضع لتحديثات مستمرة، أسفرت عن زيادة مدى الصاروخ إلى 160 كيلومترا، مع وزن يصل إلى 150 كيلوغراما، وطول 3.66 أمتار تقريبا. ورغم الكفاءة العالية للصاروخ الأميركي فإن هذه الأرقام تضعه في مرتبة أقل -نظريا- من أحدث الصواريخ الصينية المناظرة، وهو صاروخ "بي إل-15" (PL-15)، حيث يُقدَّر أقصى مدى للصاروخ بنحو 200-300 كيلومتر. ولذلك تسعى الولايات المتحدة من خلال مشروعين منفصلين لتطوير طرازين من الصواريخ المحمولة جوًّا، الأول تابع لسلاح الجو وهو الصاروخ "أيم-260" (AIM-260 JATM)، والثاني تابع للبحرية وهو الصاروخ "إيه آي إم-174 بي" (AIM-174B)، وهو نسخة معدلة للإطلاق الجوي من صاروخ البحرية التقليدي "إس إم-6" (SM-6). وقد كشفت الولايات المتحدة عن أول نسخة من الصاروخ علنا في مايو/أيار الماضي خلال فعالية يوم الصداقة التي أُقيمت في قاعدة مشاة البحرية في إيواكوني باليابان. وتأمل واشنطن أن تؤدي النسخة البحرية الخاصة من الصاروخ دورا جيدا في جبهة المحيط الهادي، مع تنامي القوة الصينية وتوقعات أميركية بأن يصل مدى الصواريخ المضادة للطائرات التي يمتلكها خصومها إلى أكثر من ألف ميل بحلول عام 2050. تسير أوروبا فيما يبدو على الخُطى نفسها، بفضل صاروخ "ميتيور" (Meteor)، وهو ثمرة تعاون مجموعة دول أوروبية (بريطانيا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ إسبانيا ـ إيطاليا – السويد)، ويعتمد على محرك نفاث، يصل مداه إلى نحو 200 كيلومتر، كما أنه مزود برادار يمكنه من تحديد مكان هدفه والمسافة بينه وبين الهدف الذي يمرق نحوه بسرعة تصل إلى نحو أربعة أضعاف سرعة الصوت (نحو 5000 كم/ساعة). وتم تجربة تحميله على أشهر المقاتلات الأوروبية، مثل المقاتلة السويدية "ساب-جاس 39″، ومقاتلة "يوروفايتر تايفون" ومقاتلات " رافال الفرنسية"، والمقاتلة الأميركية "إف-35″، وهناك خطة أوروبية لتحديث الصاروخ ليواكب التحديات المعاصرة. أبعد من الغرب بعيدا عن العالم الغربي، هناك منافسة محمومة من جانب كلٍّ من روسيا والصين في هذا المجال. روسيا تحديدا لديها طموح من نوع آخر، حيث تشير تقارير استخباراتية أميركية إلى أن موسكو تعمل على تزويد طائراتها المقاتلة بصواريخ ذات رؤوس نووية، وليس ذلك بمستغرب بالنسبة للروس الذين يُظهرون اهتماما خاصا بالأسلحة غير التقليدية. على الأرجح فإن الصاروخ المقصود هو نسخة من الصاروخ جوّ-جو طويل المدى "آرـ37 إم" (R-37M)، وهو أحد الصواريخ بعيدة المدى الأساسية في الترسانة الروسية، ويصل مداه إلى 300 كيلومتر، وينطلق بسرعة فرط صوتية تصل إلى نحو 6 ماخ (أي 6 أضعاف سرعة الصوت – أكثر من 7300 كم/ساعة)، برادار مستقل ويمكن أن يستهدف أي طائرات بما يشمل المقاتلات والقاذفات وطائرات التحكم والاستطلاع. هناك صاروخ روسي آخر هو الصاروخ "كي-172 نافاتور" (K-172 Novator) المُصمَّم أصلا للهجوم على الطائرات الداعمة، مثل طائرات الاستطلاع والتحكم، وطائرات التزود بالوقود، وطائرات الحرب الإلكترونية، لأجل حرمان الخصم من المعلومات وسائر أشكال الدعم في ساحة المعركة. يمتلك الصاروخ رادارا مستقلا عن رادار الطائرة يصل مداه إلى 300 كيلومتر، ومنحت روسيا من خلاله قُبلة الحياة لمقاتلاتها العتيقة "ميغ-31" بعدما نجحت في تسليحها به. تُعد الصين هي الحصاد الأسود الحقيقي في هذا المجال. لفترة طويلة، كان هناك اعتقاد سائد وسط صفوف المحللين الغربيين بأن الصواريخ الصينية ما هي إلا نسخ رديئة مقلدة من مثيلاتها الغربية. ولكن بحسب منصة "ذا وور زون" المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن الآونة الأخيرة شهدت قبولا واسعا لإمكانية أن تكون النسخ الصينية أفضل من مثيلاتها الغربية. خلال الصراع الهندي الباكستاني الأخير، برز اسم الصاروخ الصيني "بي-15″، وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب، ومزوّد برادار مستقل يعمل عبر مصفوفة مسح إلكتروني نشط تتكون من عشرات الحساسات الصغيرة، التي ترسل الموجات، ثم تستقبلها مرة أخرى، فتستطيع رصد الخصم ثم إطلاق الصاروخ تجاهه بسرعة تصل إلى نحو 4 ماخ (أربعة أضعاف سرعة الصوت). يُزوَّد الصاروخ بمحرك ثنائي الأجزاء (حيث ينفصل الجزء بعد احتراق وقوده)، ويشار إليه أيضا بالمحرك ثنائي النبضات. ويصل مدى النسخة المُخصصة للتصدير منه إلى ما بين 145-150 كيلومترا، وهي غالبا النسخة التي تمتلكها القوات الجوية الباكستانية التي حصلت على الصاروخ لتسليح الطائرة "جي-10 سي" (J-10 C) الصينية، ونجحت عبرها في استهداف المقاتلات الهندية خلال النزاع الأخير. هذا الصاروخ هو النسخة الأخيرة من الصواريخ جو-جو الصينية، وقد طورت الصين نسخة شبحية من هذا الصاروخ تحت اسم "بي إل – 15 إي" (PL – 15E). جدير بالذكر أن مسيرة الصين نحو تطوير صواريخ "جو-جو" بدأت منذ ثمانينيات القرن الفائت، وكانت الصواريخ الصينية المبكرة نسخا من الصواريخ السوفياتية، وكانت ذات مدى أقصر، ومنذ ذلك الحين خاضت الصين مسيرة بعيدة لأجل تطوير صواريخها المحمولة جوًّا حتى الوصول إلى الصاروخ "بي إل-15". تحديات جديدة في القتال الجوي تفرض الصواريخ بعيدة المدى تحديات كبيرة وغير مسبوقة على الطائرات المقاتلة، وهناك طيف واسع من التقنيات التي يلجأ إليها الطيارون لتفادي الإصابة بصاروخ طويل المدى. وغالبا ما تكون المشكلة الأولى والرئيسية هي تحديد الصديق من العدو، وهو ما تفشل الرادارات الحديثة في فعله بدقة حتى الآن. بالنظر إلى بُعد المسافة وتطور تقنيات التخفي، أصبح من الصعب على الطيار أن يحدد إذا ما كان مَن يقترب منه صديقا أم عدوا يجب إطلاق النار عليه. وتزداد هذه المشكلة تعقيدا حين يحظر الاتصال المباشر بين الطيارين في ساحة المعركة خوفا من اختراق أنظمة الاتصالات وتعرض الطائرات للانكشاف. هذه التعقيدات قد تزيد من زمن اتخاذ القرار لدى الطيارين الذين قد يصبحون في مرمى نيران الخصوم فجأة دون إنذار. في تلك اللحظة، يراهن الطيار على أنظمة الحماية المتوفرة في طائرته، مثل الأسلحة الليزرية والكهرومغناطسية بالإضافة إلى الطعوم التي تطلقها الطائرة، وهي عبارة عن شظايا أو دخان يدفع الصاروخ الموجَّه حراريا لتتبعه عوضا عن الطائرة. وبعيدا عن التحديات العملياتية، فإن انتشار القتال خارج مدى الرؤية ربما يدفع لإعادة النظر في الخيارات التصميمية التي تستهدف زيادة قدرة الطائرات على المناورة وتغيير الاتجاه خلال معارك الاشتباك المباشر "دوغ فايت". وعوضا عن ذلك سوف تسود تكتيكات جوية غير مألوفة مثل نصب الكمائن، حيث تكمن الطائرة على ارتفاع كبير، ومن ثم تنتهز الفرصة لمهاجمة العدو بغتة، وهكذا تلعب الطائرة المقاتلة دور القائد الذي يرسل المسيرات والصواريخ التي ستؤدي دور البيادق أو المشاة في معارك أولية قبل أن يتدخل عندما يشتد وطيس المعركة. التأثير الأكبر أن ذلك النوع الجديد من المعارك الجوية سوف يضطر العديد من الدول إلى إعادة تعريف مجالها الجوي الحيوي، لأنها من الممكن أن تكون عُرضة للتهديد من طائرات خارج مجالها الجوي المعتاد، ومن ثم باتت مضطرة أن تهتم بخلو الأجواء المجاورة من التهديدات أيضا عن طريق تطوير منظومات دفاع جوي بعيدة المدى يمكنها أن تعترض طائرات تقع خارج حدودها. يفتح ذلك التعريف الواسع للأمن الجوي مجالا واسعا لسوء الفهم والصراعات بين الدول، التي ستكون واحدة من التداعيات القليلة للقتال خارج المدى البصري الذي يُعد الثورة الأكبر والأكثر تأثيرا في الطيران الحربي منذ عقود.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
مسؤول في غوغل: ثورة الذكاء الاصطناعي قد تفوق الثورة الصناعية بعشرة أضعاف
تحدث ديميس هاسابيس رئيس شركة "ديب مايند" التابعة لغوغل في لقاء مع صحيفة غارديان البريطانية، عن مستقبل الذكاء الاصطناعي والأثر الذي يقدمه للعالم. ويعد هاسابيس من أهم الشخصيات في عالم الذكاء الاصطناعي المعاصر، ففضلا عن كونه المسؤول عن شركة ديب مايند التابعة لغوغل والمسؤولة عن تطوير غالبية تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فإنه حاز على جائزة "نوبل" عام 2024 في الكيمياء بسبب استخدامه للذكاء الاصطناعي في توقع هياكل البروتين التي لم تكن مفهومة حتى الآن. وكان للذكاء الاصطناعي دور هام في فوز هاسابيس بالجائزة، إذ استطاع نموذج "ألفا فولد" (Alpha Fold) البحثي الخاص بالشركة فهم تركيب البروتينات المعقدة في عام 2024، وتمكن حتى الآن من تحليل 200 مليون بروتين كما جاء في التقرير. وتضمنت المقابلة حديثا عن تاريخ هاسابيس وارتباطه بعالم الحواسيب والذكاء الاصطناعي الذي بدأ منذ نعومة أظافره، إذ طور في صغره لعبة "ثيم بارك" (Theme Park) التي كانت رائجة في تسعينيات القرن الماضي. ويذكر بأن هاسابيس طور هذه اللعة عندما كان يبلغ 17 ربيعا وتحولت إلى لعبة رائجة ومنتشرة جدا لأنها كانت تسخّر مبادئ الذكاء الاصطناعي البدائية آنذاك في عالم اللعبة. كما أسس هاسابيس لاحقا شركة ديب مايند في عام 2010 مع زملائه من الدراسة وهم شين ليج ومصطفى سليمان المسؤول حاليا عن قطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت. وفي 2014 توجهت أعين وادي السليكون للشركة، وذلك لأن ديب مايند عرضت ذكاء اصطناعيا قادرا على إتقان ألعاب "أتاري" دون خبرة سابقة، وعلى الفور بدأ اللاعبون الكبار في وادي السليكون بمحاولة الاستحواذ على الشركة ومستثمرها التقني بيتر ثيل وغوغل وفيسبوك وإيلون ماسك المدير التنفيذي لشركة "تسلا" و"سبيس إكس" آنذاك. وفي 2014 نفسه اشترت غوغل الشركة مقابل 461 مليون دولار، لينتقل بيتر ثيل وإيلون ماسك لدعم الشركة المنافسة لها آنذاك وهي " أوبن إيه آي". كما شارك هاسابيس العديد من آرائه ووجهات نظره عن الذكاء الاصطناعي وتطوره في المقابلة، ومن بينها تأكيده أن ديب مايند ستمتلك ذكاء اصطناعيا يظهر جميع القدرات المعرفية للبشر خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة. وأكد أن الأثر الذي يملكه الذكاء الاصطناعي على العالم لا يقل عن أثر الثورة الصناعية التي غيرت شكل العالم وجعلته كما نعرفه اليوم، بل ربما يتفوق أثره على الثورة الصناعية بعشرات المرات رغم صعوبة المرحلة الانتقالية.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
هل أصبح "غش الباحثين" ظاهرة تهدد بانهيار العلم؟
في الوقت الذي تعد فيه الأبحاث العلمية ركيزة لتقدم المجتمعات الإنسانية، رصد فريق من علماء جامعة نورث ويسترن الأميركية ظاهرة خطِرة نشأت أخيرا وبدأت في الانتشار، تهدد الثقة في العلوم نفسها، وهي الاحتيال العلمي المنظم. فبحسب الدراسة ، التي نشرها الفريق في دورية "بي إن إيه إس"، لم يعد الأمر يقتصر على حالات فردية من تزوير البيانات أو سرقة الأفكار، بل أصبحنا في نواجه شبكات ممنهجة، تعمل على إنتاج وترويج أبحاث زائفة على نطاق واسع، مدفوعة بالمكاسب المادية التي تحصل عليها هذه الشبكات من جهة، والضغوط الأكاديمية التي يعاني منها الباحثون من الجهة الأخرى. احتيال في العلم يعرف الاحتيال العلمي بأنه تزييف متعمد للمحتوى العلمي بهدف خداع القارئ أو المؤسسة. ويأخذ هذا الاحتيال أشكالًا متعددة، منها التلاعب في البيانات أو الصور البيانية، وسرقة الملكية الفكرية، إضافة أسماء مؤلفين لم يشاركوا في الدراسة. وإلى جانب ذلك ينتشر استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد مقالات علمية وهمية، والنشر في دوريات ضعيفة أو فاسدة، وشراء أبحاث جاهزة من شركات تُعرف بـ "مزارع الأوراق". وتعرف "مزارع الأوراق" بأنها شركات تبيع أوراقا علمية جاهزة للنشر للباحثين أو طلاب الدراسات العليا أو حتى أساتذة جامعيين يريدون تحقيق متطلبات الترقية الأكاديمية أو الشهرة أو التمويل، دون إجراء أبحاث حقيقية. هذه الأوراق البحثية عادة ما تكون معتمدة على اختلاق بيانات أو صور مخبرية، غالبًا ما تكون مزوّرة أو مكررة. تستخدم هذه الأوراق البحثية عادة لغة غريبة أو متكررة بشكل مريب، وتجد بها مؤلفين من أماكن غير مرتبطة فعليًا بالبحث، مع بيانات بلا مصادر واضحة، وبالطبع مجلة غير معروفة أو تم افتراسها (وهو أمر نوضحه بعد قليل)، كما تجد أن البحث يبدو عاما جدا ومليئا بالكلمات "الرنانة" دون عمق أو رصانة أكاديمية. جريمة منظمة لكن الخطير في السنوات الأخيرة هو التحول من الاحتيال الفردي إلى الشبكي والمنهجي، بشكل يشبه الجريمة المنظمة، حيث يتم إدارة أعمال احتيالية منسقة تمتد عبر دول ومؤسسات ومجلات علمية. إعلان وقد أجرى الباحثون من جامعة نورثويسترن فحصا تحليليا اعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة لأكثر من 10 ملايين ورقة علمية منشورة. وبحسب الدراسة، فقد ظهر أن عشرات الآلاف من الأوراق أظهرت نمطًا إحصائيًا غير طبيعي في الاقتباسات والعناوين والمحتوى، وهناك ارتباطات مشبوهة بين مجموعات من الباحثين ودور نشر تتكرر فيها علامات الاحتيال، ما يعني صورة من صور التنظيم والهيكلة لتلك النوعية من الاحتيال. إلى جانب ذلك، وجدت الدراسة أن الاحتيال العلمي ينمو بمعدل أسرع من نمو الأبحاث الأصلية، ويرى المؤلفون، أن هذه النتيجة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع العلمي، الذي يحتاج إلى التحرك قبل أن يفقد الجمهور ثقته في العملية العلمية. أخطر المشكلات وقال لويس أ. ن. أمارال، كبير مؤلفي الدراسة وهو الأستاذ بكرسي إيراستوس أوتيس هافن وأستاذ علوم الهندسة والرياضيات التطبيقية في كلية ماكورميك للهندسة بجامعة نورث وسترن في تصريح حصلت الجزيرة نت، على نسخة منه: "يجب على العلم أن يُراقب نفسه بشكل أفضل للحفاظ على نزاهته". ويضيف: "إذا لم ننشر الوعي عن هذه المشكلة، فسيصبح السلوك أسوأ فأسوأ وأمرًا طبيعيًا. في مرحلة ما، سيكون الأوان قد فات، وستصبح الأدبيات العلمية مُسممة تماما. ويوضح أمارال، أن بعضهم يخشى من أن يكون الحديث عن هذه القضية هجومًا على العلم، مضيفا "لكنني أعتقد اعتقادًا راسخًا أننا ندافع عن العلم من الجهات السيئة. علينا أن ندرك خطورة هذه المشكلة ونتخذ التدابير اللازمة لمعالجتها". إستراتيجيات المحتال وبحسب الدراسة، وجد أمارال ورفاقه أن الشبكات الاحتيالية تستخدم عدة إستراتيجيات رئيسية: تعاون بين مجموعات من الباحثين لنشر أوراق مزيفة: عدد من الباحثين يتفقون بينهم على نشر أبحاث مزيفة في مجلات مختلفة، وعندما تُكتشف هذه الأبحاث لاحقًا، تقوم المجلات بسحبها، لكن الضرر يكون قد حصل فعلا. وجود "وسطاء" لتسهيل النشر الجماعي المزيف: هؤلاء الوسطاء يعملون كجسر بين الباحث والمجلة، ويبيعون خدمات مثل كتابة الورقة، ونشرها في مجلة معيّنة، أو حتى إضافة اسمك كباحث دون أن تكتب شيئًا، والهدف هو تسهيل نشر مئات أو آلاف الأوراق الاحتيالية. التركيز على مجالات علمية "ضعيفة" يسهل اختراقها: الاحتيال يتركّز غالبًا في تخصصات علمية معيّنة، مثل بعض فروع الطب أو الكيمياء الحيوية، وتحديدا في مجلات ضعيفة، حيث المراجعة ضعيفة والمجلات أقل شهرة والرقابة أقل صرامة. تفادي العقوبات بخداع أدوات الجودة: حتى عندما تُكتشف مجلة فاسدة ويتم حذفها من قواعد البيانات، فإن الشبكات الاحتيالية تنقل نشاطها إلى مجلات أخرى جديدة أو تابعة. اختطاف أو افتراس المجلات المتوقفة: في بعض الأحيان تتوقف مجلة علمية محترمة عن النشر (بسبب توقف التمويل، أو إغلاق الناشر، أو لأي سبب إداري)، يبحث المحتالون عن هذه المجلات المتوقفة، لأنها كانت ذات سمعة جيدة ولها تاريخ مشرف، ثم يقومون "بسرقة" اسم المجلة أو موقعها الإلكتروني، أو يصنعون موقعا جديدا يشبه الأصلي تمامًا، ويزعمون أن المجلة لا تزال تعمل، ويبدؤون في استقبال ونشر أبحاث جديدة مزيفة. إعلان ضغوط أكاديمية بهذه الطريقة يواصل هؤلاء المحتالون عملهم دون انكشاف. وبحسب الدراسة، فإن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة يتعلق أبرزها بالضغوط الأكاديمية، فالباحثون وطلاب الدراسات العليا وحتى العلماء مطالبون بنشر عدد معين من الأوراق للترقي أو الحصول على تمويل. يؤدي ذلك إلى نظام تقييم غير دقيق في بعض الجامعات، يتضمن الاعتماد المفرط على عدد الأبحاث بدلا من جودتها. إلى جانب ذلك، فبعض الجامعات تشترط نشر ورقة علمية قبل مناقشة الرسالة، ومن ثم فإن الطالب قد يلجأ للغش تحت الضغط، أو بسبب ضعف إشراف أكاديمي، أو صعوبة البحث. وإلى جانب ذلك، فإن بعض المجلات العلمية تتحايل على القوانين، وتنشر الأبحاث بسرعة دون تدقيق كاف، يأتي ذلك في سياق وجود سوق مربحة لبيع الأبحاث، فكثير من الشركات تبيع أوراقا مزيفة بأسعار تبدأ من 500 إلى 5000 دولار للمقال. الدفاع عن العلم يدرك الباحثون أن ذلك سيدفع من ناحية إلى تآكل خطير للثقة في البحث العلمي، خاصة إذا تم اقتباس الأوراق الزائفة في أبحاث حقيقية، كما أنه يضيّع الموارد، فهناك أموال ومنح تهدر على مشاريع مبنية على أساس خاطئ. وللأمر نتائج أعمق، فقد يؤدي -أو هو بالفعل يفعل- إلى إرباك نماذج الذكاء الاصطناعي التي تُدرب على الأبحاث المنشورة، فتتعلم من بيانات مزيفة وتنتج معرفة غير موثوقة. أما إذا تسللت أوراق زائفة بكثافة إلى مجالات الطب أو التكنولوجيا، فإن ذلك يؤثر مباشرة على صحة الناس، أو اتخاذ القرارات الحكومية في سياق نطاقات متنوعة، مثل البيئة أو المناخ. وللخروج من هذه المشكلة، يقترح الباحثون عدة إجراءات يمكن أن تساعد بقوة على تنظيم العملية العلمية بشكل "صحي": تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لرصد الأنماط الاحتيالية. إلزام المجلات بعمليات تدقيق أكثر صرامة. فرض عقوبات على الباحثين والمؤسسات التي يثبت تورطها. تبنّي مبدأ الشفافية المفتوحة في البيانات والنتائج. دعم مبادرات مجتمعية مثل "باب-بير"و "ريتراكشن واتش" لرصد ومراجعة الأبحاث بعد النشر. ويقول أمارال معلقا على النتائج التي توصل وفريقه إليها: "ربما تكون هذه الدراسة أكثر المشاريع إحباطًا التي شاركتُ فيها طوال حياتي". ويضيف: "منذ صغري، كنت متحمسا للعلم. من المحزن أن نرى الآخرين يتورطون في الاحتيال والتضليل. ولكن إذا كنت تؤمن بأن العلم مفيد ومهم للبشرية، فعليكَ أن تناضل من أجله". في النهاية، يوضح الباحثون أن العلم الحقيقي لا يقوم فقط على الاكتشافات، بل على النزاهة والشفافية، والاحتيال العلمي المنظم لا يهدد فقط الباحثين، بل يمس المجتمعات والقرارات السياسية والصحة العامة، ومن ثم فمن الضروري أن يتكاتف المجتمع العلمي لإرساء معايير أكثر صرامة لحماية المعرفة العلمية.