
السيناريو الفيتنامى فى غزة
بنهاية ابريل الماضى يكون نصف قرن قد مر على نهاية الحرب الفيتنامية أو حرب الإبادة التى شنتها الولايات المتحدة على فيتنام واستمرت ثمانى سنوات كاملة. وكما أيقظت هذه المناسبة ذكريات أليمة وقاسية وحزينة، فقد جددت حديث المقارنة بين الإبادة الأمريكية فى فيتنام والإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ نحو عام ونصف العام فى غزة ضد الفلسطينيين. وهى ليست مقارنة جديدة، لكنها تزداد وضوحا يوما بعد يوم بسبب أوجه التشابه العديدة بين الحربين.
القاسم المشترك بين الجريمتين هو وحشية المعتدى والهوة الواسعة فى القدرات والإمكانيات بين الطرفين المتقاتلين فى الحربين. التشابه الآخر المهم هو تعمد استهدف المدنيين مباشرة والتركيز على تدمير كل أوجه الحياة ومقومات الاقتصاد وتخريب البيئة الطبيعية وتسميمها. باختصار تطبيق حرفى لإستراتيجية الأرض المحروقة، بإبادة كل شيء من بشر وحجر وشجر وحتى حيوانات، أى تحويل الحياة إلى جحيم، وإجبار من بقى حيا من السكان على الفرار فلم يعد من سبيل للعيش.
الاختلاف بين الحربين لم يكن فى تطبيق هذه الإستراتيجية الإجرامية لكن فى أساليب وأدوات تطبيقها وهو اختلاف فرضته عوامل جغرافية تتعلق بطبيعة مسرح العمليات حيث التضاريس الوعرة والجبلية والغابات الكثيفة والأحراش والأنهار فى فيتنام، مقارنة بأرض غزة السهلية المنبسطة والمكشوفة بلا غابات أو موانع طبيعية تتيح مخابئ آمنة للمقاتلين. لذا فإن مهمة المقاومة الفلسطينية تظل أصعب. بسبب هذا الاختلاف الجغرافى اختلفت نوعية الأسلحة والذخائر المستخدمة فى الحالتين. وفى كلتاهما كان احد أهداف التدمير الكامل هو إجبار المقاتلين المختبئين على الظهور. لذا لجأت أمريكا إلى إتلاف مساحات شاسعة من الغابات والأحراش، وألقت أكثر من أربعة ملايين قنبلة على القرى الفيتنامية. وتمثل الأنفاق التى حفرتها المقاومة الفلسطينية فى غزة للاختباء المعادل الموضعى للغابات والكهوف الجبلية التى استخدمها المقاتلون الفيتناميون لنفس الغرض.
يوضح المؤرخ الأمريكى «فان جوس» أن كل ما اقترفته أمريكا من جرائم قتل جماعية فى فيتنام تعيد إسرائيل ارتكابه على نحو مماثل فى غزة. والغريب أن تكتيكات الجيشين واحدة وهى تعتمد أساسا على الغارات الجوية والقصف المدفعى أو الصاروخي، وتجنب الاشتباكات المباشرة لتقليص الخسائر البشرية فى صفوف الجنود حتى لا ينقلب الرأى العام الداخلى ضد الحرب. هكذا طبقت أمريكا مبدأ «ابحث ودمر» من خلال الضربات الجوية دون تمييز بين هدف مدنى أو عسكري. وبتعبير المؤرخ الأمريكى نيك تورس فقد كان شعار أمريكا هو «اقتل أى شيء يتحرك» وهو عنوان كتب له عن الحرب. وبالفعل قتلت ثلاثة ملايين إنسان حتى دون أن يتحركوا، فقد قضى الكثير منهم وهم نائمون أو فى الملاجئ تماما كما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين الذين تقتلهم بالمستشفيات والمخيمات والملاجئ وداخل بيوتهم.
تكتيك تدمير المدن الذى تطبقه إسرائيل وتحاكى فيه ما فعلته أمريكا فى فيتنام ليس جديدا فى تاريخ الحروب، القديم منها والجديد. أمريكا نفسها طبقته بضراوة فى أكثر من بلد، وعلى سبيل المثال كانت اليابان إحدى ضحاياه فى الحرب العالمية الثانية. ويعتقد كثيرون أن الجريمة الأمريكية الوحيدة ضدها كانت إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكى وهذا غير صحيح فقبل ذلك كانت قد ارتكبت مذابح مروعة بمدن يابانية أخرى. وبالعودة إلى ما ذكره المؤرخ الأمريكى «جوس» فإنه قبل إلقاء القنبلتين اشرف الجنرال «كوتس لى ماي» على قصف 63 مدينة وقتل أكثر من مائة ألف مدنى فى طوكيو وحدها.
وفى تقرير نشره بمجلة نيشن الأمريكية بعنوان «نحن وإسرائيل وفيتنام» يوضح نفس المؤرخ أن بريطانيا أيضا كان لها نصيب وافر فى جرائم تدمير المدن بل أن لها السبق فى تنفيذ ما يسمى بتكتيك «مدن بلا بيوت» أو «اقتلاع المنازل» وإخلاء المدن منها. طبقت ذلك تحديدا بمدينة دريسدن الألمانية فى الحرب العالمية الثانية. وكانت طائراتها تلقى بالقذائف لتقتل بصورة عشوائية كل البشر دون حتى أن تكلف نفسها مجرد الادعاء كذبا بأنها تستهدف المنشآت العسكرية. كان الهدف هو القتل وتدمير الروح المعنوية للسكان وليس منازلهم فقط. وبحلول 1945 كان طيرانها قد قتل أكثر من 600 ألف مدني.
لا تفعل إسرائيل غير ذلك فى غزة تطبق نفس الجريمة بدقة بالغة. ووفرت لها التكنولوجيا الحديثة مزيدا من الفاعلية لتدمير أكبر عدد من المنشآت. وقد أنجزت مهمتها تقريبا وحولت غزة إلى أنقاض وبقايا مدينة غير قابلة للحياة. استوعبت إسرائيل الدرس الفيتنامى وسارت على هدى حليفتها الكبرى. وعندما لم تجد أحراشا لتسميمها تعمدت أتلاف الأراضى الزراعية القليلة وتدمير الحياة البرية وقتل الماشية. اقترفت كل الجرائم التى ارتكبتها أمريكا بما فيها «الإبادة البيئية» وهو تعبير صكه الإعلام والخبراء فى حرب فيتنام لوصف التدمير الواسع الذى ألحقته أمريكا بالبيئة عبر استخدم المواد الكيماوية والنابالم لإحراق الغابات والمزروعات وإسقاط أوراق الأشجار وقتل كل الكائنات البرية وحتى الأسماك فى الأنهار التى تم تسميمها.
تصف باميلا مكيلوى أستاذة علوم البيئة بجامعة روتجيرس الأمريكية فى نيوجيرسى ما فعلته أمريكا هناك بالحرب الكيماوية الحقيقية، موضحة أنها استخدمت تكنولوجيا تعديل البيئة أو تحويرها بغرض التدمير. فى هذا الإطار ألقت نحو 75 مليون لتر من المواد السامة لتدمير النباتات فى مساحة تقدر بنحو 6.4 مليون فدان. وبالطبع انتشرت هذه المواد فى القرى وسممت آلاف البشر غير الحيوانات والنباتات. والى اليوم هناك حالات ولادة لأجنة مشوهة. كما أن التدمير البيئى الفادح لم يتم تجاوز كل أضراره وأثاره بعد. وتقدر الأستاذة الأمريكية أن جيش بلادها استخدم أكثر من 400 ألف طن من المواد البترولية الثقيلة لانجاز الإبادة البيئية.
مهمة أمريكا فى تنفيذ تلك الإبادات البشرية والبيئية مازالت مستمرة، وتستكملها بكثافة ووحشية حليفتها الصغرى فى غزة.. ذرية بعضها من بعض.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


منذ 31 دقائق
بوتين يزور مقاطعة كورسك لأول مرة منذ طرد القوات الأوكرانية
زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاطعة كورسك، لأول مرة اليوم الأربعاء، منذ أن طردت القوات الروسية القوات الأوكرانية من المنطقة. موضوعات مقترحة وقال الكرملين، إن بوتين التقى بمنظمات تطوعية في المنطقة وزار محطة كورسك 2 النووية، بحسب وكالة "رويترز". وأشار الكرملين إلى أنه خلال جولته، التقى الرئيس بممثلي المنظمات التطوعية، كما اجتمع مع القائم بأعمال حاكم مقاطعة كورسك ألكسندر خينشتاين ، بحسب القاهرة الاخبارية . وفي مدينة كورتشاتوف، عقد بوتين اجتماعًا مع رؤساء بلديات المقاطعة، كما قام الرئيس بزيارة محطة كورسك-2 للطاقة النووية التي يجري إنشاؤها. وقال "بوتين" خلال زيارته التي تعتبر الأولى من نوعها منذ تحرير كورسك بشكل كامل من القوات الأوكرانية، "إن العدو لا يزال يحاول التحرك نحو حدود روسيا". وأضاف أن تدمير القوات الأوكرانية نصب الحرب العالمية الثانية يشير إلى أن روسيا تخوض حربًا ضد النازيين الجدد. وأمر الرئيس بوتين بتعزيز عمل مجموعة إزالة الألغام في مقاطعة كورسك، حتى يتمكن المواطنون من العودة إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن.


الدستور
منذ 33 دقائق
- الدستور
بوتين: روسيا تخوض حربا ضد النازيين الجدد
أعلنت وكالة تاس الروسية، زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمنطقة كورسك، أمس الثلاثاء. فيما قال بوتين، وفقًا لفضائية القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل، اليوم الثلاثاء، إن تدمير القوات الأوكرانية نصب الحرب العالمية الثانية يشير إلى أن روسيا تخوض حربا ضد النازيين الجدد، كما أمر بزيادة عدد أفراد طاقم إزالة الألغام في منطقة كورسك الروسية الحدودية مع أوكرانيا، مشيرًا إلى أن المسيرات تعد واحدة من المجالات الرئيسية التي نعمل على تطويرها. وقد أعلن الكرملين أن رئيس الدولة عقد اجتماعًا مع ألكسندر خينشتاين، القائم بأعمال حاكم منطقة كورسك. وزار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موقع بناء محطة كورسك-2 للطاقة النووية خلال زيارة لمنطقة كورسك الحدودية في 20 مايو، وفقًا لبيان نشره الكرملين على موقعه الإلكتروني. وذكر البيان: "خلال رحلة عمل، التقى الرئيس بأعضاء المنظمات التطوعية، كما عقد رئيس الدولة اجتماعًا مع ألكسندر خينشتاين، القائم بأعمال حاكم منطقة كورسك، وفي مدينة كورتشاتوف، ترأس فلاديمير بوتين اجتماعًا مع رؤساء البلديات الإقليمية، بالإضافة إلى ذلك، زار الرئيس موقع بناء محطة كورسك-2 للطاقة النووية".


أخبار اليوم المصرية
منذ 10 ساعات
- أخبار اليوم المصرية
سفير الكاميرون: نهتم بالاستفادة من خبرة مصر في إدارة ملف اللاجئين
وردة الحسيني أكد د. محمدو لابارانغ سفير الكاميرون وعميد السلك الدبلوماسي الإفريقي في مصر، علي اهتمام بلاده للاستفادة من خبرة مصر في مساعدة اللاجئين وخاصة مع نجاحها في إدارة هذا الملف. وأضاف أن مصر من أكبر شركاء الكاميرون في المنطقة، مشيرا الى العمل معها بشكل مستمر لتعزيز التعاون في قطاعات الزراعة والاقتصاد والسياحة والتصنيع ودعم الأمن والاستقرار. وأوضح ان هناك شركات مصرية كبري تعمل في الكاميرون في مجالات البنية التحتية والكهرباء، مؤكدا علي التطلع للمزيد منها. وأضاف قائلا : انعقدت اللجنة المشتركة بين البلدين نوفمبر الماضي في القاهرة ومثل الجانب الكاميروني فيها وزير الخارجية مع وفد كبير من رجال الاعمال، وتم خلالها توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجال التدريب. أقرا أيضا انضمام الكاميرون للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وكشف عن انعقاد منتدي اقتصادي مصري كاميروني ضخم بالقاهرة يومي ٤و٥ يونيو المقبل، ويرأس الوفد الكاميروني المشارك بهذا المنتدي، وزير العلاقات الدولية والتنمية مع وفد كبير من رجال الاعمال، وخلال هذه الزيارة لمصر سيعقد الوفد الكاميروني لقاءات مع الوزراء المعنيين وهيئة الاستثمار في مصر لظفع التعاون الثنائي. كما تطرق الي زيارة وزير الداخلية الكاميروني لمصر نوفمبر الماضي حيث تم توقيع اتفاق تعاون مع أكاديمية الشرطة،وقال نهتم بالتدريب هنا في مصر، ونرحب بالخبراء المصريين للتدريب ونقل الخبرات. واختتم سفير الكاميرون حديثه قائلا : سعداء بتعاوننا مع مصر في كل المجالات. جاء ذلك خلال اللقاء الذي عقده سفير الكاميرون اليوم، بمناسبة الاحتفال بالذكرى 53 للوحدة الوطنية التي تمثل يوما لترسيخ الوحدة والاندماج الوطنيين بين أطياف الشعب المنتمين إلى أمة واحدة ودولة قوية بجيشها وشعبها، ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار " الجيش والأمة معا من أجل كاميرون يتجه نحو السلام والازدهار ". يذكر ان الكاميرون قد حصلت علي الاستقلال عام ١٩٦٠،حيث كانت مقسمة بين الاحتلال الفرنسي والبريطاني بعد الحرب العالمية الثانية ،وقبلها كانت تحتل الاحتلال الالماني.