
في الذكرى الخامسة للإغلاق العام... هل يربكنا كورونا ثانيةً؟
عطسة واحدة كانت كافية لإثارة ذعر العالم. وفي 16 آذار/مارس 2020، أعلنت دول العالم الإغلاق العام، وتبارت السلطات الصحية في دول العالم الأول في اتخاذ الإجراءات الوقائية، والتشدد في تعقب المخالفين، واجتراح الحلول الرقمية لمراقبة حركة الناس بين منازلهم والمتاجر القربية منها، حين يريدون حاجةً تعينهم على الاستمرار، فيما جلست السلطات الصحية في دول العالم الثالث والدول شديدة الفقر عاجزة، لا تفعل شيئاً إلا التبليغ عن ارتفاع عدد الضحايا.
كان هذا أفظع ما في ذلك العام. فالضحايا بالآلاف، والحرب مع الفيروس "الهارب من يوهان الصينية" - كما ذاع حينها – على أشده، وآمال العالم متعلقة على حبال نجاة "مريبة" يمدّها صناع الأدوية والعقاقير الطبية، حين انطلق السباق لتصنيع ترياق أو حتى لقاح.
اجتاح الوباء العالم بسرعة البرق بين عامي 2019 و2020، ممتدًّا من المحيط إلى الخليج. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ الفيروس المسبّب للمرض هو سارس-كوف-2، وتتراوح أعراضه بين خفيفة ومتوسّطة لدى معظم المصابين، بينما يحتاج البعض إلى رعاية طبيّة مكثّفة بسبب المضاعفات الحادّة، فصار القلق مضاعفاً على مسنين أعزاء، يتساقطون كأوراق الشجر في الخريف.
View this post on Instagram
A post shared by Annahar (@annaharnews)
عالم جديد بين ليلة وضحاها
مع تفشّي الجائحة، تبدّلت أنماط الحياة بشكل جذريّ. فالإغلاق العامّ فرض نفسه، والتباعد الاجتماعي أصبح قاعدة، وتحوّلت المكاتب إلى بيئات عمل رقمية، فيما انتقلت الفصول الدراسية إلى الشاشات. خلال فترة قصيرة، تأقلمت المجتمعات مع واقع جديد لم يكن متوقعًا. لكن، بعد خمس سنوات، هل استمرّت هذه التغييرات، أم عاد العالم إلى ما كان عليه؟
شهد المجال الطبي تطوّرات غير مسبوقة؛ إذ تمّ تطوير لقاحات سريعة، وظهرت تقنيات تشخيص وعلاج أكثر تطوّرًا. ورغم سرعة الاستجابة، لم يسلم الطبّ من الجدل؛ إذ أقبل البعض على اللقاحات بحماس، بينما شكّك آخرون في فعاليتها، وربما كان الفريقان على حق، خصوصاً بعدما دلت دراسات متأخرة على أن اللقاح لم يكون خالياً من العيوب.
وأدّت العزلة والتباعد الاجتماعيّ إلى ارتفاع معدّلات القلق والاكتئاب بسبب قلّة التواصل وضعف الدعم الاجتماعيّ. في المقابل، عزّزت الجائحة الوعي بالصحة العامة وغيّرت عادات العمل والتواصل، حيث ازدهر العمل عن بُعد وأصبح أسلوب حياة في العديد من القطاعات.
تحوّلات اقتصادية بارزة
قفزت نسبة العمل عن بُعد عالميًا من 8% قبل الجائحة إلى ما بين 35 و40% في بعض القطاعات بعد 2020، وفقًا لدراسة ماكينزي. وتاثرت ريادة الأعمال الرقميّة، إذ شهدت الشركات الناشئة نموًّا غير مسبوق، حيث جمعت استثمارات بقيمة 621 مليار دولار في 2021، مقارنة بـ 335 مليار دولار في 2020، وفقًا لـ CB Insights.
خسرت السياحة 1,3 تريليون دولار في 2020، لكنّها بدأت في التعافي، حيث سجلت السياحة الدولية 963 مليون سائح في 2022، أي ضعف الرقم المسجّل في 2021، وفقًا لمنظمة السياحة العالمية. وبذلك، تراجعت إيرادات شركات الطيران بنسبة 60% في 2020، لكنّها تجاوزت 800 مليار دولار في 2023، وفقًا لـ IATA، وهاي يعد تعافياً مشهوداً.
في عالم التجارة بالتجزئة، انخفض الإنفاق على المتاجر التقليدية، بينما نمت التجارة الإلكترونية 27.6% عالميًا في 2020، وفقًا لـ eMarketer.
في النهاية، ورغم التحدّيات التي فرضتها الجائحة، ولّد العالم بعد الـ"كوفيد" واقعًا جديدًا مليئًا بالتغيرات، كما أصبح المرض متوطّنًا مع استمرار ظهوره بين فترات وأخرى. ليبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن مستعدّون لأزمة أخرى تلوح في الأفق؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 10 ساعات
- الديار
تسميم جماعي للكلاب في بيروت - الكرنتينا: من يحاسب القاتل؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب تتزايد في أحياء المدن ظاهرة الكلاب الشاردة التي تعيش ظروفًا قاسية غالبًا ما تفتقر إلى الرعاية الصحية والاهتمام اللازم. هذه الكائنات تواجه يوميًا تحديات كثيرة تؤثر على صحتها وحياتها، ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو حجم المخاطر الصحية التي قد تنجم عن هذه الظروف، والتي لا تؤثر فقط على الكلاب، بل تمتد لتشمل صحة المجتمع بأكمله. وفي منطقة الكرنتينا، التي تعاني من تكدس سكاني وأوضاع بيئية صعبة، يبرز موضوع صحة الكلاب الشاردة كأحد القضايا الصحية والاجتماعية التي تتطلب معالجة عاجلة. هذه الكلاب ليست وحوشًا، بل ضحايا. معظمها وُلد في الشارع أو تخلّى عنها أصحابها، لتجد نفسها مطاردة بالجوع والخوف، وأحيانًا بالعنف. وبرغم جهود بعض المتطوعين والجمعيات في تأمين الغذاء أو الرعاية الأولية، إلا أن الواقع يفوق القدرة الفردية، ويتطلب خطة متكاملة تبدأ من الجهات الرسمية ولا تنتهي عند المجتمع. في حديث لـ"الديار" نقلت رزان الخطيب، مؤسسة جمعية "YARZE PET CLUB"، وقائع صادمة حول ما وصفته بـ"مجزرة ممنهجة" استهدفت أكثر من عشرين كلبًا في أحد مراكز الإيواء المؤقتة بمنطقة بيروت الكبرى، لافتةً إلى أنه "في البداية كان لدينا حوالي 30 كلبًا نرعاهم ضمن مساحة مؤقتة. وبالتنسيق مع بلدية بيروت ووزارة الطاقة، نظّفنا الأرض وزرعنا 70 شجرة، وبدأنا بإيوائهم بطريقة إنسانية." إلا أن الوضع انقلب رأسًا على عقب، بحسب وصفها، بعد سلسلة مضايقات بدأت عقب انتهاء بعض الاتفاقات. وقالت رزان أن مجموعة من الأشخاص دخلت المكان وقطعت الأشجار، ثم بدأنا نلاحظ اختفاء الكلاب... "اختفوا فجأة، ولا حدا عارف وين راحوا." وفي الأيام التالية، وُجدت الكلاب ميتة، يشتبه بتعرضها للتسميم، وحددت الخطيب أنه "في الخامس من كانون الثاني، وجدنا 5 كلاب ميتين، مسممين. وبعد أسبوع، عادوا وسمموا 15 كلب"، مشيرةً إلى اختفاء صور الكاميرات "بشكل غريب" وأكدت أننا "حاولنا نشتكي، ما وصلنا لمطرح." ورغم تقديم شكوى رسمية، لكن بحسب الناشطة، لم يتم التحرك الفعلي أو تحميل أي جهة المسؤولية رغم توفر تسجيلات كاميرات في محيط الموقع. "قدمنا فيديوهات، ما تحرك حدا. يومها الكاميرات كلها فجأة ما اشتغلت... والناس اللي كانوا عم يتوعدونا بتسميم الكلاب، ما تم التحقيق معهم بشكل جدي." وتشير رزان إلى أن الناجين من الحادثة كانوا ثلاثة فقط، من أصل 23 كلباً تعرضوا للتسميم، "نقلنا أربعة كانوا على وشك الموت، بس قدرنا ننقذ 3... الباقي راحوا." وأوضحت الخطيب أن "من بين المشاكل الصحية الأكثر خطورة التي تواجه الكلاب الشاردة في الكرنتينا، هناك مرض يتطلب اهتمامًا خاصًا، وهو مرض الديسمتر الكلبي". فداء "الديستمبر الكلبي" هو مرض فيروسي شديد العدوى يصيب الكلاب، ويؤثر على أجهزتها التنفسية والعصبية والهضمية. وعلى الرغم من خطورته، شددت رزان على نقطة أساسية أن "المرض لا ينتقل إلى الإنسان إطلاقاً، وهذا أمر علمي مؤكد. لا خطر على الناس، لكن الكلاب نفسها تموت بصمت". وعن التحديات المالية واللوجستية، أوضحت الخطيب أننا "اليوم نتابع حالة خمسة كلاب موجودة في المستشفى، والتكلفة هائلة. يبلغ سعر الليلة الواحدة لكل كلب خمسين دولارًا، ولا توجد مستشفيات كثيرة توافق على استقبالها. حتى اللحظة، أنفقنا أكثر من سبعة آلاف دولار، من دون أي دعم من أحد." وأضافت أنه "بقي تحت رعايتنا أكثر من خمسين كلبًا، جميعها في خطر. بعضها بدأ يضعف أمام أعيننا يومًا بعد يوم، ونحن غير قادرين على فعل المزيد. فقدنا عددًا منها، لكن لا نملك الموارد الكافية لإنقاذ الجميع". وأشارت إلى غياب الدعم الرسمي بقولها "لا مستشفيات بتستقبل، ولا بلديات بتتحرك"، مضيفةً أنه "ولا حتى جمعيات أخرى دخلت على الخط. كل جهة سحبت يدها، وتركنا وحدنا نواجه أزمة تفوق قدرتنا. الوضع في الكرنتينا مأساوي، الكلاب تُترك لتموت بصمت، ولا أحد يسأل." وتابعت أن "الكلاب التي تعيش في الشوارع في الكرنتينا تكون عرضة للمضايقات بسبب ظروف معيشتها، مثل سوء النظافة، والازدحام، والتعرض المستمر لبعضها البعض. وهذا يسهل انتشار العدوى بينهم." وختمت رزان بأننا "لا نطلب المعجزات، بل الحد الأدنى من التضامن. هذه أرواح تموت أمامنا، ونحن عاجزون عن تقديم أبسط أنواع الرعاية. الكرنتينا باتت منطقة منسية، والكلاب فيها تدفع الثمن." وناشدت بلدية بيروت بالاهتمام أكثر بنهر بيروت حيث ترمى في كثير من الأوقات الحيوانات النافقة والأسماك غير المباعة إضافةً إلى النفايات وغيرها من الملوثات التي تساهم أيضاً في تفشي الفيروسات والأمراض. وأكدت على أن "الوقاية والتوعية هما السبيلان الرئيسيان لمواجهة هذه المشكلة. ونحن نأمل في دعم أوسع من المجتمع والجهات المختصة لكي نستطيع حماية هذه الكائنات والناس على حد سواء." وتطرح هذه الحادثة المأساوية تساؤلات جدية حول مصير الحيوانات الشاردة، والإهمال الذي يطال قضايا الرفق بالحيوان في لبنان، خصوصاً في ظل غياب تشريعات صارمة، وتراخي السلطات المحلية في التعامل مع التبليغات والانتهاكات.


منذ 16 ساعات
منظمة الصحة العالمية تبحث مستقبل العمل من دون أميركا
يلتقي المئات من المسؤولين بمنظمة الصحة العالمية والمانحين والدبلوماسيين في جنيف بدءا من اليوم الاثنين في اجتماع يهيمن عليه سؤال واحد حول كيفية التعامل مع الأزمات -بداية من مرض الجدري وحتى الكوليرا- من دون الممول الرئيسي، الولايات المتحدة. ويستمر الاجتماع السنوي لأسبوع من جلسات المناقشة وعمليات التصويت والقرارات، ويستعرض عادة حجم قدرات المنظمة التابعة للأمم المتحدة، التي أُقيمت لمواجهة تفشي الأمراض والموافقة على اللقاحات ودعم النظم الصحية في جميع أنحاء العالم. أما هذا العام فإن الموضوع الرئيسي هو تقليص نطاق المنظمة، نظرا لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ عملية تستغرق عاما لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وفق أمر تنفيذي أصدره في أول يوم له في المنصب في يناير/كانون الثاني الماضي. وفي السياق، قال مدير تنسيق تعبئة الموارد في منظمة الصحة العالمية دانييل ثورنتون، لوكالة رويترز، إن 'هدفنا يتمثل في التركيز على العناصر العالية القيمة'، وسيجري النقاش لتحديد هذه 'العناصر ذات القيمة العالية'. وقال مسؤولو الصحة إن الأولوية ستظل لعمل منظمة الصحة العالمية في تقديم إرشادات للبلدان بشأن اللقاحات والعلاجات الجديدة للحالات المرضية المختلفة بداية من السمنة إلى فيروس نقص المناعة البشرية. وفي أحد عروضها التقديمية للاجتماع، الذي تمت مشاركته مع جهات مانحة واطّلعت عليه رويترز، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن مهام الموافقة على الأدوية الجديدة ومواجهة تفشي الأمراض ستبقى دون المساس بها، في حين يمكن إغلاق برامج التدريب والمكاتب في البلدان الأكثر ثراء. وكانت الولايات المتحدة تقدم نحو 18% من تمويل منظمة الصحة العالمية. وقال دبلوماسي غربي -طلب عدم الكشف عن هويته- إنه يتحتم 'علينا أن نتدبر أمورنا بما لدينا'. تقليص واستعد العاملون بتقليص عدد المديرين وحجم الميزانيات منذ إعلان ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي جاء خلال موجة من الأوامر وتخفيضات المساعدات التي عرقلت سلسلة من الاتفاقيات والمبادرات المتعددة الأطراف. ويعني تأجيل الانسحاب الذي يستمر لمدة عام، بموجب القانون الأميركي، أن الولايات المتحدة لا تزال عضوا في منظمة الصحة العالمية وسيظل علمها خارج مقر المنظمة في جنيف حتى تاريخ مغادرتها الرسمي يوم 21 يناير/كانون الثاني 2026. وبعد أيام من تصريح ترامب، تسبب الرئيس الأميركي في حالة من الغموض بقوله إنه قد يفكر في العودة إلى المنظمة إذا 'نظفها' موظفوها. لكن مبعوثي الصحة العالميين يقولون إنه لم تظهر منذ ذلك الحين أي علامة تُذكر على تغيير رأيه. لذا، فإن منظمة الصحة العالمية تخطط للمضي قدما مع وجود فجوة في ميزانية هذا العام تبلغ 600 مليون دولار وتخفيضات بنسبة 21% على مدى العامين المقبلين. وكان ترامب اتهم منظمة الصحة العالمية بأنها أساءت التعامل مع جائحة كوفيد-19، وهو ما تنفيه المنظمة. الصين تأخذ زمام المبادرة بينما تستعد الولايات المتحدة للخروج من المنظمة، من المقرر أن تصبح الصين أكبر الجهات المانحة للرسوم الحكومية، وهي أحد مصادر التمويل الرئيسية لمنظمة الصحة العالمية إلى جانب التبرعات. وسترتفع مساهمة الصين من أكثر بقليل من 15% إلى 20% من إجمالي الرسوم الحكومية بموجب إصلاح شامل لنظام التمويل المتفق عليه عام 2022. وقال تشن شو سفير الصين في جنيف للصحفيين الشهر الماضي 'علينا أن نتعايش مع المنظمات متعددة الأطراف بدون الأميركيين. الحياة ستستمر'. وأشار آخرون إلى أن هذا يمكن أن يكون وقتا مناسبا لإجراء إصلاح شامل أوسع نطاقا، بدلا من الاستمرار تحت مظلة تسلسل هرمي للداعمين معاد تشكيله. من جهته، تساءل أنيل سوني الرئيس التنفيذي في 'هو فاونديشن'، وهي مؤسسة مستقلة لجمع التبرعات لمنظمة الصحة العالمية، 'هل تحتاج المنظمة إلى جميع لجانها؟ هل تحتاج إلى نشر آلاف المطبوعات كل عام؟'. وقال إن التغييرات أدت إلى إعادة النظر في عمليات الوكالة، ومنها إذا ما كان ينبغي أن تركز على تفاصيل مثل شراء الوقود في أثناء حالات الطوارئ. وكانت هناك حاجة ملحة للتأكد من عدم انهيار المشروعات الرئيسية خلال أزمة نقص التمويل الراهنة. وقال سوني إن ذلك يعني التوجه إلى الجهات المانحة ذات الاهتمامات الخاصة في تلك المجالات، منها شركات الأدوية والمجموعات الخيرية. وأضاف أن 'إي إل إم إيه فاونديشن'، التي تركز على صحة الأطفال في أفريقيا والتي لها مكاتب في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأوغندا، تدخلت مؤخرا بتقديم مليوني دولار للشبكة العالمية لمختبرات الحصبة والحصبة الألمانية، التي تتضمن أكثر من 700 مختبر تتعقب تهديدات الأمراض المعدية. وتشمل الأعمال الأخرى في منظمة الصحة العالمية المصادقة على اتفاق تاريخي بشأن كيفية التعامل مع الأوبئة في المستقبل وحشد مزيد من الأموال من الجهات المانحة في جولة استثمارية. لكن سيبقى التركيز على التمويل في ظل النظام العالمي الجديد. وفي الفترة التي تسبق الحدث، أرسل مدير منظمة الصحة العالمية رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين يطلب منهم التطوع ليكونوا مرشدين، من دون أجر إضافي.


المنار
منذ 2 أيام
- المنار
'الصحة العالمية' تعتمد اتفاقا دوليا تاريخيا لمواجهة الأوبئة
في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد- 19 وبعد سنوات من المفاوضات الشاقة، اعتمدت منظمة الصحة العالمية الاتفاق 'التاريخي' بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. فما هي أبرز الخطوط العريضة لهذا الاتفاق؟ بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الشاقة، أقرّت جمعية الصحة العالمية الثلاثاء (20 أيار/مايو 2025) في جنيف الاتفاق 'التاريخي' بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في بيان: 'هذا الاتفاق انتصار للصحة العامة والعلوم والعمل المتعدد الأطراف. وسيسمح لنا، على نحو جماعي، بحماية العالم بشكل أفضل من تهديدات الجوائح. ويهدف الاتفاق التي أقرّ خلال جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين إلى التأهّب بشكل أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها وتقرر إعداده في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي. كانت المفاوضات الآيلة إلى النسخة النهائية من النصّ شاقة ومرت بأوقات كانت فيها على وشك الانهيار، لا سيّما في ظلّ الاقتطاعات المالية الشديدة التي تواجهها المنظمة بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها وإحجامها عن دفع اشتراكات العامين 2024 و2025. واعتمد القرار في جلسة مساء الإثنين لإحدى لجنتي الجمعية بـ 124 صوتاً مؤيداً. ولم تصوّت أيّ دولة ضدّه، في حين امتنعت دول مثل إيران وروسيا وإيطاليا وبولندا عن التصويت. وصحيح أن قرار الانسحاب الأميركي من المنظمة لن يصبح سارياً سوى في كانون الثاني/يناير المقبل، إلا أن الولايات المتحدة لا تشارك في المفاوضات منذ أشهر وهي لم ترسل مندوبين لحضور جمعية الصحة العالمية التي تختتم أعمالها في السابع والعشرين من أيار/مايو. 'الفيروسات لا تعترف بالحدود' شكّلت جائحة كوفيد-19 صدمة عالمية، و'ذكّرتنا بمرارة وقسوة بأن الفيروسات لا تعترف بالحدود، وبأن أي بلد، مهما بلغت قوته، لا يستطيع بمفرده مواجهة أزمة صحية عالمية' بحسب ما قالت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. وينصّ الاتفاق الذي أنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في 16 نيسان/أبريل على آلية تنسيق عالمية على نحو أبكر وأكثر فعالية في آن للوقاية والرصد والاستجابة لأيّ مخاطر قد تؤدّي إلى جائحة. ويقضي الهدف منه أيضاً بضمان الإنصاف في الحصول على المنتجات الصحية في حال حدوث جائحة وهو ما طالبت به البلدان الأكثر فقراً خلال كوفيد-19 عندما احتكرت الدول الثرّية اللقاحات وفحوص التشخيص. وهو يقيم خصوصاً آلية لتشارك المعلومات والمنافع، من شأنها أن 'تتيح تشاركاً سريعاً جدّاً ومنهجياً للمعلومات الخاصة ببروز مسببات للمرض قد تؤدّي إلى تفشّي جائحة'، بحسب ما أوضحت أمبرو. وينبغي لكلّ مجموعة صيدلانية تنضمّ إلى الآلية أن تتيح لمنظمة الصحة العالمية في حال حدوث جائحة 'نفاذاً سريعاً إلى نسبة محدّدة بـ20 % من إنتاجها في الوقت الفعلي للقاحات والعلاجات ومنتجات التشخيص الآمنة'، مع 'حدّ أدنى من 10 %' من الهبات والنسبة المتبقية بـ'أسعار معقولة'. وما زال ينبغي التفاوض على التفاصيل الدقيقة للآلية، على أمل اختتام المفاوضات في خلال سنة أو اثنتين، بغية التصديق على الاتفاق. ولا بدّ من جمع 60 مصادقة كي يدخل حيّز التنفيذ. وشكّلت مسائل مثل رصد الجوائح وتشارك المعلومات عن مسببات الأمراض الناشئة والمنافع ذات الصلة، مثل اللقاحات والفحوصات والعلاجات، موضع مناقشات محمومة. ويعزز الاتفاق أيضا الترصّد المتعدّد القطاعات ونهج 'صحة واحدة' على صعيد البشر والحيوانات والبيئة. وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصة، لا سيّما وأن '60 % من الأمراض الناشئة ناجمة عن أمراض حيوانية المصدر، أي عوامل ممرضة تنتقل من الحيوان إلى الإنسان'. ويشجّع الاتفاق على الاستثمار في النظم الصحية كي تتوفّر الموارد البشرية اللازمة في البلدان وتتمتّع الأخيرة بهيئات ناظمة متينة الأسس. هل يحد الاتفاق من سيادة الدول؟ وخلال المفاوضات التي امتدّت على ثلاث سنوات، واجه هذا المشروع معارضة شديدة ممن اعتبروا أن من شأنه أن يحدّ من سيادة الدول. وفي العام 2023، دعا الملياردير الأميركي إيلون ماسك المقرّب من دونالد ترامب البلدان إلى 'عدم التنازل عن سيادتها' في ظلّ هذا المشروع. واتّهمته منظمة الصحة العالمية بنشر 'أخبار زائفة'. وردّ عليه المدير العام للمنظمة بالقول إن 'الاتفاق بشأن الجوائح لن يغيّر الوضع. بل سيساعد البلدان على الاتقاء من الجوائح. وهو سيساعدنا على توفير حماية أفضل للناس أكانوا في البلدان الغنية أو الفقيرة'.