
هل يستفيد ترمب من تجارب الرؤساء السابقين في صنع السلام؟
حتى الآن لم ينجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صنع السلام الذي تعهده بين روسيا وأوكرانيا، وبدت إدارته محبطة من عدم قبول الطرفين المتحاربين بخطة ترمب لإحلال السلام، وهو ما يثير تساؤلات عن سبب تعثره في الوساطة، بينما نجح رؤساء أميركيون سابقون مثل ثيودور روزفلت في إنهاء الحرب الروسية - اليابانية عام 1905، وجيمي كارتر في إحلال السلام بين مصر وإسرائيل باتفاق "كامب ديفيد" عام 1978، وبيل كلينتون في إنهاء الحروب التي اندلعت بسبب تفكك يوغوسلافيا عبر اتفاقات "دايتون" عام 1995، وفي تحقيق السلام في إيرلندا الشمالية عام 1998، فلماذا نجح هؤلاء وتعثر ترمب؟ وما شروط الوساطة الناجحة؟ وهل يمكن لترمب أن يتعلم من دروس التاريخ أم يفضل نهج الواقعية السياسية التي اتبعها ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته هنري كيسنجر؟
اعتراف بالفشل
طوال حملته الرئاسية لعام 2024 جعل ترمب الحل الدبلوماسي للحرب الأوكرانية - الروسية أولوية قصوى، مشيراً إلى قدرته على إحلال السلام في غضون 24 ساعة، وحتى قبل عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2025، بصفته رئيساً منتخباً، عين مبعوثين وأجرى مناقشات تمهيدية مع مجموعة من القادة، وحين وصل إلى السلطة تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتقى مرتين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأدلى بتصريحات علنية متكررة حول الحرب.
لكنه في النهاية وبعد توقيع اتفاق المعادن الذي طال انتظاره مع كييف، اعترف الرئيس ترمب في حديث لبرنامج "واجه الصحافة" على شبكة "أن بي سي"، أنه قد لا يكون من الممكن للولايات المتحدة التوسط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو ما يعد اعترافاً بالفشل، لكن المؤكد حتى الآن أن جهود الوساطة الأميركية بين الطرفين المتحاربين لم يدرها ترمب بالطريقة التي أدارها رؤساء أميركيون في الماضي حينما لعبوا دور الوسيط في النزاعات الخارجية، فحققوا نجاحات عدة، مع بعض الإخفاقات، ويشير التاريخ إلى طبيعة الجهود الرئاسية والدبلوماسية التي اضطلعت بها الولايات المتحدة منذ بدايات القرن الـ 20 وحتى الآن، وفي ما يلي إضاءة على أبرز هذه الجهود وعوامل النجاح التي رافقتها.
إنهاء الحرب الروسية - اليابانية
اندلعت الحرب الروسية - اليابانية في عامي 1904 و1905 بين روسيا القيصرية، القوة الدولية التي كانت آنذاك تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم، واليابان، القوة الصغيرة الناشئة التي خرجت لتوها من عزلة دامت قرنين ونصف القرن، حيث كانت كل منهما تسعى إلى نفوذ أكبر في آسيا، وخاضت الدولتان المتحاربتان معاركهما على أراضي دولتين محايدتين هما الصين وكوريا، عندما أطلق اليابانيون النار على الروس في بورت أرثر بإقليم منشوريا.
شهد هذا الصراع أعظم معارك التاريخ قبيل الحرب العالمية الثانية من حيث عدد القوات والسفن، إذ كانت أول حرب حديثة يستخدم فيها تليغراف، والهاتف، والرشاشات، والأسلاك الشائكة، وقذائف النجوم المضيئة، وحقول الألغام، والطوربيدات المتطورة، والبوارج المدرعة، ولولا ضبط النفس العسكري الذي أبدته الدول الأوروبية الأخرى، ودبلوماسية الولايات المتحدة الناجحة، لكانت الحرب امتدت لتعجل بموعد الحرب العالمية الأولى.
حافظ اليابانيون على تفوقهم العسكري طوال الصراع، لكن روسيا وعلى رغم تمزقها بالصراعات الأهلية، لم تتوقف عن القتال، ونظراً إلى افتقار اليابان للموارد المالية لمواصلة الحرب، طلبت من الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت التوسط من أجل السلام، ووافق الطرفان.
فاز روزفلت بجائزة "نوبل" للسلام لمساهماته في إنهاء الحرب بين روسيا واليابان عبر معاهدة "بورتسموث" (مكتبة الكونغرس)
جهود ثيودور روزفلت
دعا روزفلت الكونت الروسي سيرغي ويت والبارون الياباني جوتارو كومورا إلى الولايات المتحدة لبدء الدبلوماسية الشخصية التي فضلها، وبمجرد وصولهما مع وفديهما، توجه المفاوضون إلى حوض بناء السفن التابع للبحرية الأميركية في بورتسموث بولاية ماين، ثم انتقلوا إلى اليخت الرئاسي الخاص به "ماي فلاور" مع ترحيب وكرم ضيافة أسهمت في إضفاء طابع إنساني لكسر الجمود في المفاوضات، وفي النهاية، وبفضل مهارة روزفلت التفاوضية، اتفق الجانبان على أن تتنازل روسيا عن أي حقوق في بورت أرثر والنصف الجنوبي من جزيرة سخالين، لكنها لن تدفع تعويضات لليابان، وتعهد الجانبان الانسحاب من منشوريا.
شعرت اليابان بأنها المنتصرة في الحرب، واعتقدت أنه كان ينبغي أن تكسب أكثر في السلام، كما شعرت روسيا بأنها منعت اليابان من احتلال منشوريا، وكان هدف روزفلت هو خلق توازن في القوى بين الإمبراطوريتين، وهو ما يعتقد معظم المؤرخين أنه نجح في ذلك، كما رفعت جهود روزفلت الولايات المتحدة إلى مكانة أعلى في الشؤون العالمية، إذ فاز روزفلت بجائزة "نوبل" للسلام لمساهماته في إنهاء الحرب عبر معاهدة "بورتسموث"، الموقعة في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1905، ومثلت هذه الجهود بداية دور الرئيس الأميركي كزعيم عالمي.
أعظم نجاحات جيمي كارتر تحقق في اتفاقات "كامب ديفيد" (رويترز)
أعظم نجاح لجيمي كارتر
على رغم انتكاسات الرئيس جيمي كارتر العديدة خلال دورته الرئاسية الوحيدة (1977-1981) فإن أعظم نجاحاته تحقق في اتفاقات "كامب ديفيد"، وهي إطار السلام الذي تم التفاوض عليه عام 1978 بين إسرائيل ومصر بعد عقود من الصراع، وفي حين لم يفز كارتر بجائزة "نوبل" نتيجة هذا الإنجاز، بينما نالها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، إلا أنها ظلت علامة مضيئة في سجله التاريخي، وشكلت نقطة البداية لسعيه الحثيث بعد خروجه من البيت الأبيض لتحقيق السلام وحلحلة النزاعات الدولية، والذي مكنه بعد ذلك من نيل جائزة "نوبل" عام 2002.
جاءت نقطة الانطلاق لكارتر عندما انتظم في دبلوماسية شخصية مكثفة في "كامب ديفيد"، حيث عزل نفسه مع السادات وبيغن لمدة 13 يوماً، ولإتمام الصفقة، اضطر كارتر إلى التنقل بين الطرفين حاملاً المواقف المتبادلة ساعياً إلى الحلول، وفي مرحلة ما، اضطر إلى توجيه نداء محموم إلى السادات بعدم مغادرة "كامب ديفيد" بسبب تعنت مناحيم بيغن، وتمكن كارتر في النهاية من تحقيق أول سلام بين أول دولة عربية وإسرائيل، والذي كان حجر الأساس لما أعقب ذلك من اتفاقات سلام في المنطقة.
كلينتون واتفاقات "دايتون"
اتسعت جهود الرئيس بيل كلينتون للوساطة الدبلوماسية لإحلال السلام بين الخصوم ثلاث مرات خلال دورتيه الرئاسيتين (1993-2001)، حيث نجح في محاولتين وباءت الثالثة بالفشل في اللحظات الأخيرة في خروجه من البيت الأبيض.
كانت اتفاقات "دايتون" في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1995 بقاعدة رايت باترسون الجوية بولاية أوهايو هي خط النهاية للحروب التي اندلعت بين 1992 و1995 في البوسنة والهرسك بين الصرب والكروات والمسلمين بسبب تفكك يوغوسلافيا السابقة، ولم تكن الجهود الأميركية تحت رئاسة كلينتون لتنجح لولا الضغط الأميركي الواضح الذي دفع الأطراف إلى هذه النتيجة.
منذ البداية آمنت إدارة كلينتون من خلال وزير الخارجية وارين كريستوفر ونائبه ريتشارد هولبروك بأن السبيل الوحيد لإحلال السلام في البلقان هو من خلال مزيج معقد من القيادة الأميركية، والدبلوماسية القسرية أحياناً والإبداعية أحياناً أخرى، والاستعداد لاستخدام القوة، عند الضرورة، واستخدام سياسة الضغط والتملق والتهديد في مسعاها لوقف القتل والتوصل إلى اتفاق سلام.
ومن خلال المفاوضات الماراثونية التي استمرت أشهراً عدة، أعادت الولايات المتحدة، تأكيد سلطتها الأخلاقية وقيادتها، وأنهت أسوأ حرب في أوروبا منذ أكثر من نصف قرن بعدما خلفت 200 ألف قتيل وأجبرت مليوني شخص على النزوح من ديارهم.
إنهاء صراع إيرلندا الشمالية
توسط كلينتون أيضاً عبر مبعوثه السيناتور الأميركي وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ جورج ميتشل في اتفاق بين الحكومة البريطانية وجمهورية إيرلندا والفصائل المتحاربة في إيرلندا الشمالية، حيث تم توقيع اتفاق "بلفاست"، المعروف أكثر باسم اتفاق "الجمعة العظيمة" في الـ10 من أبريل (نيسان) 1998، والذي أنهى أعمال العنف والاضطرابات الدموية التي استمرت 30 عاماً وأدت إلى مقتل 3532 شخصاً.
وأرسى الاتفاق إجماعاً بين مختلف الطوائف حول السلام ورسم مستقبل المنطقة، بعدما انغمست إيرلندا الشمالية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، في صراع عنيف بين الجمهوريين (وغالبيتهم من الكاثوليك) الذين أرادوا أن تصبح المقاطعة جزءاً من إيرلندا الموحدة، والاتحاديين (وغالبيتهم من البروتستانت) الذين أرادوا بقاءها ضمن المملكة المتحدة.
وفي حين لم يكن تدخل كلينتون في حل قضية إيرلندا الشمالية على المستوى الشخصي، إلا أنه وضع شروط التسوية مبكراً عندما وافق على منح زعيم الحزب الجمهوري الإيرلندي جيري آدامز تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة على عكس رغبة بريطانيا ومستشاري كلينتون أنفسهم.
وعندما زار كلينتون بلفاست لإضاءة شجرة عيد الميلاد عام 1995، جمع قادة من الكاثوليك ملتزمين توحيد إيرلندا وقادة من البروتستانت موالين لبريطانيا، كما أسهمت السيدة الأولى هيلاري كلينتون من خلال لقائها منظمات نسائية إيرلندية من كلا الجانبين، وهو ما عكس اهتمامه الشخصي بالحل السلمي للقضية.
فشل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين
امتدت جهود كلينتون للتوصل إلى اتفاق بين رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" الراحل ياسر عرفات ورؤساء الوزراء الإسرائيليين المتعاقبين طوال فترة رئاسته التي استمرت ثمانية أعوام، وتضمنت في كثير من الأحيان لقاءات شخصية وزيارات متبادلة ومفاوضات، لكنها مثلت في النهاية أكبر إحباطات كلينتون الذي ألقى باللوم في هذا الفشل على تراجع الزعيم الفلسطيني عرفات عن الاتفاق في "كامب ديفيد" بعد جهود حثيثة ضمت أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك عام 2000، حيث انهارت المحادثات، التي كانت تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من خلال حل الدولتين المتفاوض عليه، قبل ستة أسابيع فقط من انتهاء ولاية كلينتون الثانية.
كان الخلاف يتعلق بالقدس الشرقية بما فيها الحرم القدسي، حيث أصر إيهود باراك على السيادة الإسرائيلية على المنطقة بأكملها، مع إمكان منح الفلسطينيين وصاية، في حين طالب عرفات بالسيادة الفلسطينية الكاملة على الحرم القدسي، وفيما حاول بيل كلينتون التوسط بين الجانبين، فشلت المفاوضات في النهاية بسبب الجمود حول وضع القدس، وتحديداً الحرم القدسي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قواسم مشتركة
وعلى رغم أن هذه الأمثلة تضمنت قيادة وتدخلاً رئاسيين، فإنها لم تتبع نموذجاً واحداً، ومع ذلك فإن هناك بعض القواسم المشتركة كما يشير المتخصص في مجال السياسة العامة في جامعة "تينيسي" أندرو بوش، منها ما يلي:
أولاً: عندما كان الأمر يتعلق بقضايا حساسة تتعلق بحيازة الأراضي أو السيطرة عليها، كان تركيز المفاوضين، بمن فيهم الرئيس أحياناً، ينصب على العلاقات الشخصية والخصوصية في هذه العملية لتجاوز الصعاب.
ثانياً: غالباً ما كانت الوساطات الناجحة تتحقق عندما كانت الولايات المتحدة محايدة، كما في مفاوضات "بورتسموث" بين روسيا واليابان، أو ودودة تجاه كلا الطرفين كما في مفاوضات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، وكذلك في اتفاق "الجمعة العظيمة" الخاصة بالصراع في إيرلندا الشمالية، على رغم أن اتفاق "دايتون" كان استثناءً لأن الولايات المتحدة كانت معادية تماماً للصرب.
ثالثاً: إن مفاوضات السلام اتسمت غالباً بالسرية، حيث كان المفاوضون يتناقشون ويوازنون المكاسب والخسائر والخطوط الحمراء بعيداً من تأثيرات وضغوط القوى الأخرى، سواء الداخلية في بلدانهم أو الخارجية في المحيط العالمي، وهو أمر ضروري لضمان نجاح المفاوضات حتى نهايتها المنشودة.
ترمب على النقيض
لكن على النقيض من هذه القواسم المشتركة، حاول الرئيس ترمب في حرب أوكرانيا التوسط في صراع كثيراً ما دعمت فيه الولايات المتحدة طرفاً ضد الآخر بقوة وحزم، وحينما سعى لمحاولة إظهار التوازن، قدم مقترحاته علناً في انتهاك واضح لقاعدة "لا مفاوضات علنية"، وبدلاً من الامتثال إلى القاعدة الثانية وهي "لا وساطة من دون حياد"، اعتبر الأوكرانيون أن مقترحاته منحازة ضدهم، وبذلك يكون ترمب قد محا إلى حد كبير صورة الولايات المتحدة كمؤيدة لأوكرانيا.
أدت هذه الاستراتيجية المثيرة للجدل والمحفوفة بالأخطار إلى إلحاق الضرر بالعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، وكلفت إدارة ترمب رأس مالها المعنوي في السعي لتحقيق سلام غير مؤكد.
الواقعية السياسية
تدير إدارة ترمب استراتيجية تعرف باسم "الواقعية السياسية"، فالولايات المتحدة ليست مستعدة للمخاطرة بحرب أوسع نطاقاً مع روسيا بأي مستوى من التدخل قد يدفع واشنطن وحلفاءها في صراع عسكري مباشر مع موسكو، مما يخاطر بتصعيد المعارك إلى حرب نووية، وهو ما يجد كثر من صناع السياسة والخبراء في واشنطن صعوبة في تقبلها.
وتشير السياسة الواقعية وفقاً للمتخصص في العلاقات الدولية في كلية "دورنسيف" بجامعة "جنوب كاليفورنيا" جيفري فيلدز، إلى فلسفة الدول في اتباع سياسات خارجية تعزز مصالحها الوطنية، حتى على حساب القيم الليبرالية الجوهرية سعياً وراء مصالحها الخارجية، وهي سياسة اتبعها الرئيس ريتشارد نيكسون، بتوجيه من مستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته لاحقاً هنري كيسنجر، حين أطلق الرجلان أحداثاً أدت إلى تطبيع العلاقات مع الصين، وتخلى نيكسون بمقتضاها عن ميوله المناهضة للشيوعية لمصلحة نهج كان يأمل في أن يعزز وضع وقيادة الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
وبحسب كيسنجر، لا يمكن إدارة السياسة الخارجية من دون أخذ الظروف الموضوعية في الاعتبار لأن التعامل مع مصير الأمم دون النظر إلى الظروف التي تواجهها هو هرب من الواقع، بالتالي لم تقتصر الواقعية السياسية في سبعينيات القرن الماضي على محاولة دق إسفين بين الصين والاتحاد السوفياتي، بل امتدت إلى دعم أوغستو بينوشيه، منتهك حقوق الإنسان في تشيلي خلال فترة كيسنجر، وحتى بعد كيسنجر، ظلت الواقعية السياسية تعني للسياسيين في الولايات المتحدة دعم الديكتاتوريين اليمينيين المناهضين للشيوعية في أميركا الوسطى خلال إدارة الرئيس رونالد ريغان.
واقعية ضبط النفس
ومع وصول ترمب إلى البيت الأبيض أصبحت الواقعية السياسية في السياسة الخارجية الأميركية تعني ضبط النفس في أوكرانيا، إذ إن المواجهة المباشرة مع روسيا ليست في مصلحة الولايات المتحدة، والقيمة الاستراتيجية لأوكرانيا محدودة باستثناء ما يتعلق بصفقة المعادن الأخيرة، ومن غير المتوقع أن تغير الحرب التي قتل فيها مئات، إن لم يكن آلاف المدنيين الأوكرانيين، موقف الولايات المتحدة، لأن أخطار التصعيد مرتفعة للغاية، بسبب خشية التصعيد النووي، لأن الولايات المتحدة تتفوق بكثير على روسيا من حيث القوات التقليدية مما يمكن أن يدفع روسيا لاستخدام قوتها النووية.
ومن دون مشاركة الولايات المتحدة وحلف "الناتو" عسكرياً في الحرب، اتخذت إدارة ترمب نهجهاً بمحاولة إجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات وقبول بعض الشروط التي تريدها روسيا في أي اتفاق سلام بما في ذلك أن تكون أوكرانيا ذات حدود إقليمية مختلفة وعلاقة أمنية مع روسيا لا تروق لها تماماً.
قد يصعب على البعض، سواء داخل أوكرانيا أو خارجها تقبل طرح إدارة ترمب، كما تمسك الرئيس الروسي بوتين بموقفه ظناً منه أن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستمرار في دعم أوكرانيا إلى الأبد، لكن مهماً كان مقدار الواقعية السياسية في حقبة تاريخية سيطر عليها كيسنجر، فإنها كانت ولا تزال حاضرة في السياسة الخارجية الأميركية المعاصرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
هدنة الـ40 عاما كجسر إلى الممكن
منذ أكثر من سبعة عقود، ونحن عالقون في مربع الدم، ندور حول طاولة مفاوضات هشة، ونراوح ما بين "حل الدولتين" الذي شاخ قبل أن يولد، و"الحل البديل" الذي لا يجرؤ أحد على تسميته أو فرضه… وفي ظل حرب غزة المستعرة والانقسام الفلسطيني وتطرف حكومة نتنياهو، تبدو كل الحلول النهائية غير ممكنة أو مؤجلة إلى أجل غير مسمى. ما يمكن التفكير فيه بجدية اليوم هو هدنة طويلة الأمد لمدة 40 عاماً بضمانات أميركية، تجمد فيها الحرب ويجمد فيها أيضاً وهم التسوية السياسية، هدنة لا تنهي الصراع جذرياً، لكنها توقف النزيف وتمنح الأجيال المقبلة فرصة لصياغة واقع جديد أقل توحشاً وأكثر واقعية وتوفر للجميع فرصة النمو والازدهار. ربما تبدو الهدنة الطويلة خيار اليأس من الحلول، لكنها في حقيقتها صيغة للتهدئة العميقة، تشبه إلى حد كبير ما فعله الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية، حين أدركوا أن الحلول الكبرى مؤجلة، فاختاروا البناء بدلاً من التناحر، والتعاون الاقتصادي بدلاً من ترسيم الحدود… هكذا نشأ الاتحاد الأوروبي، لا من طاولة مفاوضات سلام، بل من مصانع الحديد والفحم. في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية الراهنة، فإن فكرة الدولتين لم تعُد ممكنة، إذ تنهش المستوطنات الضفة الغربية ويُخنق قطاع غزة تحت الحصار، وحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد دولة فلسطينية ولا تعترف بحق العودة ولا ترى في الفلسطيني إلا رقماً أمنياً قابلاً للمراقبة أو الترحيل أو القتل… والفلسطينيون، على رغم انقساماتهم، لم يتنازلوا عن أحلامهم ولم ينسوا نكبتهم، إذاً لا تسوية عادلة في الأفق، ولا انتصار نهائي يبدو ممكناً. ولعل ما يمنح هذه الفكرة اليوم بعض الجدية أن الولايات المتحدة تعيش إحدى أقوى لحظاتها السياسية في جرأة الطرح وصلابة الموقف، فواشنطن لم تعُد تكتفي بإدارة الأزمة، بل باتت تمتلك، للمرة الأولى منذ عقود، الأدوات والنية للضغط من أجل حلّ خاص بها، ولو على حساب بعض الحسابات التقليدية، فتبدو أميركا اليوم ضامناً لا يستهان به، وربما لا يتكرر لمبادرات كهذه، فهي تملك ما تمنحه وتملك ما تمنعه لكلا الطرفين… وما بين الترغيب والترهيب، يمكنها أن تخلق لحظة نادرة من التوازن الإجباري الذي لا يفضي إلى تسوية نهائية، لكنه يفرض هدنة واقعية طويلة تنقذ ما بقي من الأمل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي ظل هذا الانسداد، تصبح الهدنة الطويلة مشروعاً بديلاً للانتقال من اليأس إلى الحياة… ويمكن ربطها بحزمة ضمانات دولية ومشاريع تنموية مشتركة وفتح المعابر ورفع الحصار وتجميد الاستيطان موقتاً وتأمين الحقوق المدنية والاقتصادية لسكان الأراضي المحتلة، من دون الخوض في متاهة الاعتراف أو النفي، ومن دون الحاجة إلى البحث عن صيغة نهائية للحل. وسواء اعترف بعضهم بذلك أو لا، فإن التسريبات تكشف عن أن حركة "حماس"، على رغم خطابها التصعيدي، تبدي انفتاحاً ضمنياً على أي حلّ يخفف عنها وطأة الحصار، فالانهيار الإنساني في غزة والضغوط الداخلية والعزلة الإقليمية وانكسار، وربما تحييد، المشروع الإيراني، جعلت من الواقعية اضطراراً لا خياراً... وهي تؤمن بأن البراغماتية ليست تهمة، بل أحياناً غريزة بقاء، وهي ما ينقذ الحركات قبل أن يبتلعها الانفجار الداخلي. وهذه الهدنة لن ترضي المتشددين من كلا الطرفين الذين يتغذون على العنف، ويخشون من لحظة تعرّي حقيقة أن هذا الصراع لا نهاية له، إن لم نكسر دائرة الدم… وأن 40 عاماً من الصمت أفضل من 40 يوماً من الجنون.


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
من يخرب المحادثات الإيرانية- الأميركية إسرائيل أم إدارة ترمب أم ماضي طهران؟
ظلال من الشك والتصريحات المتبادلة بين طهران وواشنطن تشي بأجواء متوترة تحيط بالجولة الخامسة من المحادثات، وما إذا كان من الممكن الوصول إلى اتفاق نووي أو لا. وهذه التصريحات ترتبط بمطلب أميركي بالتخصيب الصفري، في حين تعتبر إيران ذلك خطاً أحمر وإنجازاً وطنياً لن تتخلى عنه. فهل وصلت المفاوضات إلى حد الخلاف؟ ولا سيما أن إيران أعلنت مرات عدة أنها لن تتنازل عن هذا الخط الأحمر وأنه ما من اتفاق إذا استمر الإصرار الأميركي على التخصيب الصفري. فهل السبب في ذلك الخلاف عدم كفاءة إدارة دونالد ترمب؟ أم خبرة إيرانية من الماضي تؤثر في رؤية طهران للمحادثات؟ أم السبب هو فعل إسرائيلي؟ يمكن القول إن السبب عبارة عن تفاعل العوامل الثلاثة، فإيران لديها تجربة من الماضي تدفعها إلى عدم التنازل عن التخصيب وقبول استيراد اليورانيوم المخصب من الخارج، كما أن تدخل إسرائيل بصورة غير مباشرة دفع إدارة ترمب إلى رفع المطلب الأقصى لدرجة التخصيب الصفري وتغيير مطلبها السابق بخفض التخصيب إلى درجة 3.76 في المئة، وكان حينها أقصى مطالب ترمب منع إيران من تملك السلاح النووي، لكن ذلك تغير الآن. فقبل بدء الجولة الخامسة من المحادثات بين واشنطن وطهران، تتناثر التصريحات من الطرفين وتدور حول مسألة تخصيب اليورانيوم، فتعتبر إيران أن الولايات المتحدة تغير اتفاقاتها معها، وأن المعلن غير ما اتُفق عليه خلال الجولات الماضية، إذ يشير الجانب الأميركي إلى التخصيب الصفري الذي ليست طهران في وارد القبول به. وخرجت التصريحات الإيرانية من المرشد ومجلس الخبراء ونائب وزير الخارجية ومدير وكالة الطاقة الإيرانية لتؤكد أن تخصيب اليورانيوم هو حق للدول كما أنه "إنجاز وطني" و"حق للأجيال المقبلة". ويرفض الإيرانيون الآن تصريحات المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف الذي قال "لدينا خط أحمر واضح للغاية، وهو التخصيب، لا يمكننا أن نقبل حتى بنسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب". وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن بلاده وافقت على الاقتراح الذي قدمته سلطنة عمان بعقد جولة أخرى من المحادثات الإيرانية- الأميركية في العاصمة الإيطالية روما، كما أكد أن "الفريق التفاوضي عازم على السعي إلى تحقيق الحقوق والمصالح العليا في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية، بما في ذلك التخصيب ورفع العقوبات الجائرة، ولن يدخر أي جهد أو مبادرة في هذا الصدد". وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن "موقف إيران واضح للغاية، التخصيب سيستمر مع أو من دون اتفاق، ولكن إذا كانت الأطراف ترغب في الشفافية في ما يتعلق بالبرنامج السلمي الإيراني، فيتعين عليهم رفع العقوبات"، مضيفاً "إذا كانت لديهم مطالب أكثر من ذلك ويريدون حرماننا من أشياء هي حقنا، فلا مجال للقبول". في البداية كان هناك تياران داخل إدارة ترمب بالنسبة إلى التعامل مع الملف الإيراني، الأول يحبذ التوصل إلى حل سلمي واتفاق مع طهران، بينما يدعم التيار الآخر الخيار العسكري، وبعدما كان ويتكوف يتحدث عن التخصيب بنسبة 3.67 في المئة، صار المطلب الأميركي على لسانه ولسان وزير الخارجية ماركو روبيو التخصيب الصفري. ومطلب التخصيب الصفري جاء بعد حديث إسرائيل عن نموذج الحل الليبي، أي تفكيك الملف النووي الإيراني. وجاء ذلك المطلب بعدما قلل بعضهم في الإعلام الأميركي من شأن الاتفاق الجديد مع إيران، معتبرين أنه لن يختلف عن اتفاق عام 2015 الذي توصلت إليه إدارة باراك أوباما، وهنا بدأ المفاوض الأميركي يتحدث عن التخصيب الصفري على اعتبار أن هذا المطلب سيجعل اتفاق إدارة ترمب مختلفاً عن الاتفاق القديم مع أوباما. ربما لعبت الدوائر الإعلامية المرتبطة بإسرائيل داخل الولايات المتحدة بهذا الأمر للتقليل من الاتفاق الجديد بغية استفزاز ترمب للتفكير في أنه لا بد من أن يأتي بما لم يأتِ به أوباما أو جو بايدن. وما يجعل هذا الأمر مرجحاً ومرتبطاً بإسرائيل، الغائب الحاضر في الملف النووي الإيراني، هو أن أحد الأسباب الرئيسة لإقالة مايك والتز من منصب مستشار الأمن القومي الأميركي هو أن التنسيق بينه ونتنياهو كان أكبر من التنسيق مع ترمب في شأن الملف النووي الإيراني. وربما كان تعقيد سير المحادثات بين طهران وواشنطن إلى حد تخريبها جزءاً من تفاهمات والتز مع نتنياهو. وفي حين اعتبر بعضهم أن ترمب حاول فعلياً إيصال رسالة إلى نتنياهو بأنه لا ينوي منحه شيكاً على بياض وجعل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تابعة لأولويات إسرائيل، فأقال والتز من منصبه، إلا أن رغبة ترمب في تحقيق إنجازات ضمن ملفات عدة تميزه عن إدراتي أوباما وبايدن جعلته يطالب بفرض "التخصيب الصفري"، لتصبح تلك النقطة الخلافية الأهم في سير المفاوضات للوصول إلى اتفاق مع إيران. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) واللافت هو صدور تقرير جديد عبر شبكة "سي أن أن" نقلاً عن مصادر استخباراتية أميركية جاء خلاله أن إسرائيل لديها خطة جاهزة لضرب المنشآت الإيرانية في حال عدم التوصل إلى اتفاق يوقف تخصيب اليورانيوم، في ما يبدو أنه نوع من الحرب النفسية للضغط على إيران. لكن كل ما سبق سواء من التقرير الإخباري لـ"سي ان أن"، أو التردد في الموقف الأميركي، أو الدور الإسرائيلي، تجاهل تماماً عاملاً مهماً عند التعامل مع العقلية الإيرانية وهو خبرات التاريخ، فإيران دولة ذات إطار نفسي يحكمه في جزء كبير ما مرت به في الماضي وتستشهد دائماً بالتاريخ. ودخلت إيران للمرة الأولى ضمن ترتيبات إنتاج الوقود النووي في أوروبا عام 1974، أي قبل عام من توقيع عقد بناء محطة بوشهر للطاقة النووية، مع تأسيس الشركة الفرنسية- الإيرانية لتخصيب اليورانيوم بالانبعاثات الغازية (SOFIDIF)، ثم انضمت إيران إلى اتحاد "يوروديف" وهو المجمع الأوروبي لتخصيب اليورانيوم، ومُنحت 10 في المئة من إجمالي أسهم الاتحاد وكانت بلجيكا وفرنسا وإيران وإيطاليا وإسبانيا من المساهمين فيه لإنتاج الوقود النووي. وقدمت طهران قرضاً بقيمة 1.18 مليار دولار لتطوير "يوروديف". ومع بدء المنشأة بالعمل في فرنسا، كانت الثورة الإيرانية اندلعت، بالتالي لم يُنقل الوقود النووي إليها، وبعد ذلك أكدت فرنسا أن العقد معها انتهى عام 1990 وأن "يوروديف" لم يعُد ملزماً نقل اليورانيوم المخصب إلى إيران. وهنا يتضح سبب رفض إيران التخصيب الصفري واستيراد اليورانيوم من الخارج، وإصرارها على الاحتفاظ بذلك الحق، كما يفسر ذلك سبب اقتراحها تأسيس اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم على أراضيها. لو كانت الإدارة الأميركية على درجة عالية من فهم العقلية الإيرانية ومنطلقات تحركها، لما كرر ماركو روبيو خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي أن "الخيار أمام إيران هو استيراد اليورانيوم المخصب اللازم لمفاعلاتها." وهذا التذبذب في الموقف الأميركي الذي يبدو عائداً للدور الإسرائيلي الهادف إلى تخريب المفاوضات، وضع المحادثات أمام نقطة خلاف رئيسة إذا تراجعت أمامها إدارة ترمب فستضيف إلى كثير من المواقف المتراجعة التي مرت بها منذ مجيئها إلى البيت الأبيض، سواء في ما يخص الصين والتعريفات الجمركية والحرب الأوكرانية وأخيراً ملف إيران. ربما يبدو لنا من زاوية أخرى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة حتى هذه اللحظة، وبصورة عامة، ليس لديها تصور لكيفية التعامل مع إيران في الشرق الأوسط، وهو ما تحتاج دول المنطقة إلى أن تكون أكثر دراية بما تريده هي من إيران.

سعورس
منذ 3 ساعات
- سعورس
إدارة ترمب تبطل حق جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس أنها أبطلت حق جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب في خضم نزاع متفاقم بين سيّد البيت الأبيض والصرح التعليمي المرموق.