
الأردن: ليس عبئًا بل حارس للتاريخ والجغرافيا
في زمن الالتباس السياسي والانهيارات الأخلاقية لبعض الأنظمة والمواقف التي أصبحت توجع القلب حيال ما يحدث في غزة وفلسطين، يخرج صوت الأردن، صافيًا ثابتًا، صادقًا، ليقول ما لا يجرؤ كثيرون على قوله من تحت الطاولة ومن فوقها : لا تهجير بعد اليوم، ولا وطن بديل، بل عودة ودولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف..
هذا ليس شعارًا عابرًا يقال في المناسبات، بل عقيدة وطنية ترسّخت في ضمير الدولة الأردنية منذ تأسيسها، وتأكدت بدماء الشهداء في اللطرون وباب الواد، وتُروى يوميًا بمواقف القيادة الهاشمية والشعب الأردني العظيم، واستعداد الجيش العربي والأجهزة الأمنية الأردنية لحماية حدودنا..
نعم الأردن: ليس عبئًا بل حارس للتاريخ والجغرافيا
فلم تكن فلسطين يومًا «قضية خارجية» بالنسبة للأردن، بل هي جزء من وجداننا وهويتنا الوطنية، انطلاقا من القدس التي يرعاها الهاشميون، إلى المخيمات التي احتضنت النكبة ولم تنسَ العودة، إلى الجيش العربي الذي سطّر ملحمة الكرامة، فلم يتغيّر موقف الأردن، ولم تنحنِ رايته بعون الله..
اليوم يكثر كلام المتطرفين الصهاينة ودقاقي الطبل من أبناء جلدتنا عن الوطن البديل والتهجير القسري لأهلنا في غزة وفلسطين فكلما ظنّ المتربصون أن الظروف باتت مواتية لفرض مشاريع تصفوية مشبوهة، يخرج الأردن ليعيدهم إلى نقطة الصفر:
«شعارنا الدائم هو الذود عن الأردن وفلسطين ولسان الجميع يقول لا للوطن البديل، لا للتوطين، ولا للتفريط بالحق الفلسطيني، ونعم للعودة والدولة الفلسطينية المستقلة على تراب فلسطين»..
نقول للمتربصين والمشككين وتجار القلم والدولار دروس الكرامة لم تُنس، ومن يروّج أن الزمن قد تجاوز مفاهيم «التحرير» و»الكرامة» و»السيادة» فهو واهم و لم يقرأ جيدًا تاريخ الأردن…
فحرب الكرامة لم تكن مجرّد معركة عسكرية انتصر فيها الجيش الأردني، بل كانت إعلانًا صارخًا أن هذا البلد الصغير بحجمه، كبير بإرادته، لا يقبل المساومة على الأرض ولا على الحقوق ولا على الكرامة..
واليوم، من جديد، يحاول البعض اللعب على وتر «البدائل» و»الحلول الوظيفية»، لكنهم يصطدمون بجدار وطني صلب اسمه الأردن.
من هنا لا تمر الصفقات، ولا تنجح الضغوط، ولا يُباع التاريخ في المزاد السياسي…
فقيادة تقول وتعمل… وشعب يُجسد ذلك على الواقع.
فليس صدفة أن يقف الملك عبد الله الثاني في كل منبر دولي ليذكّر العالم أن القدس خط أحمر، وأن القضية الفلسطينية ليست ورقة للتفاوض، بل جوهر الصراع.
وليس غريبًا أن يحتضن الشعب الأردني إخوته الفلسطينيين دون أن يتنازل أحد عن هويته، ولا عن حلم العودة…
وليس مستغربًا أن يبقى الجيش العربي الأردني على أهبة الاستعداد، لأن المعركة لم تنتهِ، والحق لم يُستوفَ بعد فطريق التحرير رسمت على نهر الأردن..
في الختام أقول قبح الله وجه كل من يراهن على تعب الشعوب أو غفلتها أو قابليتها للتطبيع، ولنا في الأردن نهج دين وديدن :
لا تهجير بعد الآن، ولا وطن بديل، بل عودة ودولة.
ومن لم يتّعظ من الكرامة، فعليه أن يعيد حساباته، لأن التاريخ لا يرحم، والأردن لا يساوم بل يكسر أيادي العابثين…
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 25 دقائق
- الدستور
الأردن صوت الحق الذي لا ينكسر وأرض خيرها ممتدا وظلها وارفا.
بقلم الدكتور أيمن أبو هنية رئيس كتلة حزب عزم النيابية هنا على ثرى الكرامة الخالدة وأرثها العظيم وعلى أرض بلغت من المجد ذروته والسؤدد غايته، ولا يزال خيرها ممتداً وظلها وارفاً وسط جبال العز وقلوب الرجال يقف الأردن كالسيف المسلول في وجه الباطل وكالصخر في وجه الريح هنا وطنٌ لا يعرف التلون ولا يساوم على الحق ولا يبيع مواقفه في سوق المزايدات والشعارات الرنانة هجمات وفبركات إعلامية وأخبار زائفة ومضللة وحسابات وهمية مأجورة تتكاثر كالسراب تصرخ بالأكاذيب وتفترش الزيف وتغزل حبال الفتنة… لكن الأردن أكبر من كل افتراء وزور وبهتان. هذا الوطن الذي حمل فلسطين في قلبه كما تحمل الأم طفلها لا ينتظر من أحد تصفيقًا أو شهادة أو كلمات شكر لأن التاريخ نفسه ناطق باسمه والشهداء شهوده ومن فتكت أجسادهم المجاعة واغاثتهم المساعدات الاردتية جنوده ومن بترت أطارفهم في حرب ظالمة لا يوجد للرحمة لها عنوان وضعت لهم شواهد من أطباء اردنيون جازفوا بارواحهم كما الكثير من اخواننا في الجيش العربي من الطياريين والسائقين الذين واصلوا النهار بالليل لإيصال المساعدات لأشقائهم في غزة العزة والكرامة والصمود عملوا إناء الليل وأطراف النهار لنصرة أهلهم هناك. إننا الأردنيين السدّ المنيع و الفجر الذي لا يُطفأ و السواعد التي إذا اشتدت ارتجف الباطل. أما ملكنا الهاشمي فهو صوت الحق الذي يعلو فوق الضجيج وهو راية الكرامة التي ترفرف عاليًا لا تنحني إلا لله ولا تلتفت لأي ناقم يجوب العالم ليلا نهارا للدفاع عن الشعب الفلسطيني الشقيق ووقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية هناك. فليصرخوا ما شاءوا وليكتبوا ما أرادوا… الأردن لا تهزه الكلمات ولا تضعف عزيمته العواصف لأن في كل بيت أردني قلبًا نابضًا بفلسطين وفي كل روح أردنية قسمًا بأن يبقى الحق على حقه. هذا هو الأردن… إذا مشى تبعته القلوب وإذا تكلم أصغت الأرض له وإذا تعهّد أوفى وليعلم كل من حاول النيل من أن هذا البلد وُلد من رحم الكبرياء وأنه سيبقى شامخًا عصيًّا على الانكسار ما دام في عروقه دم أردني واحد فسيبقى الأردن بأهله وعشائره وبواديه وريفه ومدنه ومخيماته نسيجًا واحدًا من العزّ والوفاء تتعانق فيه القلوب كما تتعانق جباله مع سهوله وتلتقي فيه الأصالة مع الإباء. في كل شبر منه حكاية بطولة وفي كل بيت عهد لا ينكسر وحبٌ لفلسطين لا تضعفه الأيام ودفاعٌ عنها كما يدافع المرء عن بيته وأهله دمًا وعرقًا وموقفًا. وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين القائد الهاشمي الذي يحمل الأردن وفلسطين في قلبه وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله يجسدان العزم المتجدد والنهج الثابت على الحق. فالهاشميون الأحرار هم الجذر الراسخ لهذا الوطن ضاربون في عمق التاريخ ظلهم الوارف يحمي الحاضر ويصون المستقبل ويدهم ممدودة لإغاثة الأشقاء ونصرة المظلوم. سلامٌ على الأردن الذي إذا ذُكر الحق كان اسمه حاضرًا وإذا نادى المجد لبّى وإذا استغاثت فلسطين كان أول الواصلين فأرفع رأسك فوق أنت أردني حر وسيبقى الأردن دوما كالجبال الراسخة التي تتحطم عليها على محاولات النيل والعبث بأمنه واستقرارة وتشويه مواقفه الثابته والتاريخية ليكون قاعدة الانطلاق لنصرة القضايا العربية والإسلامية. حفظ الله الأردن وطنا عزيزا آمنا مطمئنا مستقرا نهضويا بقيادة عميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين.

عمون
منذ 43 دقائق
- عمون
من ماضينا ما يختزل حاضرنا
بين تعابير تاريخنا الممتد، وما صاغه من طباع موصولة حتى اليوم تعابير ما زالت ماثلة، ولكنها تعبر عن سمات شخصية الأردني. قصة واقعية حدثت في سنة (1832م) في الكرك، كتبها الأديب روكس بن زايد العزيزي ونشرت في عدد من الصحف عام (1935م). يقول، إن الزعيم إبراهيم الضمور، كان في خيمته بعد العشاء بين ضيوفه، والكل صامت لا تسمع سوى نقرات إبريق القهوة على الفنجان، وإذا بقادم غريب يصرخ: "دولة، يا جماعة الخير! عساكر تريد بلادنا! والله ما لها إلا القوة! وقطيعتنا من المال، والحلال، والعيال!". حركة ذعر غريبة، وجوه مكفهرة، كلمات هامسة، عيون شاخص.. والصوت يرتفع: دولة ! دولة! الله يقطع الدولة، وساعة الدولة. كان في الواقع، إبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا حاكم مصر، تكاد الأنفاس تقف في صدور القوم إلّا الزعيم إبراهيم الضمور، أخذ يومئ إليهم أن اسكتوا، وإبراهيم هذا رجل مربوع القامة، واسع العينين، في وجهه هيبة الزعامة وجلال المطل. قال بصوت كالهدير : علوم الرجال؟ دولة؟ تخافون الدولة؟ لهم الله! خلوا الرجل يجر الربابة، فيعترض عم إبراهيم، ويظهر قدرة الدولة وأنه لا قبل لهم بها، يقول إبراهيم بغضب: "يا عم الق الخير، هداك الله، والله ما غير قضاء ربك المحتوم، وش ينفع السلاح مع غيبة السعد؟ وش نفع الرجال؟ القوي من غير الله ضعيف، هداك الله يا عم!. وهنا يرتفع صوت صاح بالربابة يا من درى وش مرمى الشيخ عندنا... ما نرتضي بالغلب ونحن حماية تتنكر علينا الأرض، وهي ديره لنا والزرب يصلح للرجال الهلايمة! فيردد الرجال مع الشاعر، الزرب يصلح للرجال الهلايمة، ثم ينصرف القوم إلى مضاربهم واجمين وينام الضيوف إلا إبراهيم الضمور، فينادي ولديه: يا سيد، يا علي، خذوا زوادة الرعيان وأرسلوه لهم، ولا تبطئوا!". يتابع العزيزي: كان ينتظر ولداه ولكن قلبه يحدثه بشر واقع فيحدث نفسه: "إبراهيم! والله ما أنت زين ولا يومك زين!" وإذا بامرأة شرارية تمر من أمامه، يناديها لتكشف له مخبئات الغيب تلقي الحصا فترتجف أناملها ثم تلقيها ثانية فتجمعها بسرعة، وتفر هاربة هي تقول: "يا ويحي، يا ويحي! الدم، الدم، غارة يا ويحي!". تشاءم إبراهيم فصرخ: الرحيل... الرحيل يا عرب إلى الكرك!. وبأسرع من ارتداد الطرف، رفعت الخيام، وسارت الظعون والمدائن إلى الكرك ما عدا إبراهيم، فإنه ظل صامتًا متكئًا على سيفه، في تفكير عميق، ينتظر ولديه وإذا بغراب يمر من فوق رأسه وينعق، فتولى إبراهيم رعب شديد وذكر حالًا ما يقوله البدو: يا سعد من شاف الغرابين بالخلا يا تعس من جاه الغراب وحيد فانسحقت نفسه، وإذا برجل ينهب الأرض مقبلًا على موضع المضارب، فلوح له إبراهيم فما أقبل الرجل حتى عرفه شاهد أحد رعيانه فصرخ إبراهيم: علومك يا ولد؟ هدانا الله شرك! علومك؟ فأجاب الراعي: "علوم الشر! الغنم خذتها الدولة، والسيد علي عند الباشا! وهذا مكتوب الباشا. يقول إن الدولة تريد تدخل الكرك! والغنم ذبايح، والسيد وعلي رهاين قوم لا تشبع ولا تروى، نحرق الحشيش، خلي العرب تتحاشى، لو انقضت صاعقة على رأس إبراهيم لكان وقعها أخف من هذا الخبر. السيد وعلي رهاين عند الباشا، والغنم ذبائح! ولكن البطولة جعلته ينطق بهذه الكلمات: "إيه. الله أعطى والله أخذ، أقدار الله وأحكامه على الرأس والعين، يا هاربًا من قضاي مالك رب سواي". نطق بهذه الكلمات وسار إلى الكرك وهو لا يدري أهو يدوس على الأرض أم على حبات فؤاده، فما وصل حتى رأى الجماعة بانتظاره: "وين السيد؟ وين علي؟ وين الغنم؟ كفى الله شرك يا إبراهيم". فأجاب إبراهيم بهدوء: "لقوا خير، نادوا واحد يقرأ مكتوب الباشا" فلم يجدوا إلّا صانعًا مصريًا قرأ لهم ما يأتي: إلى شيخ الكرك إبراهيم الضمور! تسلم الكرك وتخضع أنت ورجالك وإلّا أحرقت ولديك. هنا قام عراك هائل بين إبراهيم وبين نفسه، إذن الكرك وعرض الكركيات، وحرية جماعتي وعزة نفسي، ونفوسهم في كفة، وحياة السيد وعلي في كفة ثانية. صمم إبراهيم على أن يقاوم حتى النهاية، ولكن لماذا لا يدعو عليا زوجته وأم ولديه، جاءت عليا فقال لها: والله ما أخذتك لبياض خدك، ولكن لأني أعرف أنك أشرف نساء الكرك، وعرفت عمي والدك، رحمه الله، فعرفت فيه البطل الكريم، ولإعجابي هذا تزوجتك، وما تزوجت غيرك على أمل أن يكون لي منك أولاد يصونون عرضي، ويجمعون شرفي، واليوم قدّر الله أن يختبرنا، وهذا الباشا يقول إمّا أن تسلم الكرك، وأنت عرافة معنى تسليم الكرك، فهو تسليم عرضك وعرض الكركيات لجيوش إبراهيم باشا، هذا معنى التسليم يا عليا، يقول تسليم الكرك أو يحرق السيد وعلي. فالناس يطلبون الحياة للشرف وحماية العرض، والباشا يريد أن يسلبنا ما هو أعز من الحياة، والله ما أدري رأيك في هذه القضية. أجابت عليا: "اسمع يا إبراهيم، الرأي رأيك، والله ما على الحياة أسف بعد العرض وألف إهانة للمال ولا إهانة للعيال. وألف إهانة للعيال ولا إهانة للعرض. وألف إهانة للعرض ولا إهانة للدين، فلا والله. شرفك وشرف الكركيات أولى من حياة السيد وعلي، ووالله لو قلت للسيد وعلي أريد خلاصكم بتسليم الكرك والله يرفضون، قل للباشا أن يقتل إن كان لا يقبل الجزية!". وهنا يتقدم شيوخ الكرك إلى خيمة إبراهيم وقد قرروا تسليم الكرك تخليصًا للسيد وعلي وهم ينشدون: يا شيخ حنا عزوتك جلايبك يوم المبيع يدخلون بأسلحتهم فيطلبون إليه تسليم الكرك لإعادة ولديه، فيجب بأنفة: "لا والله، لا والله. زعيم الكرك يتجرّع حلوها ومرّها، زعيم الكرك يحمل ثقيلات حمولها، والله ما أسلم الكرك. العيال! الحياة! ما أعرف لها قيمة، الشرف خير منها، استعدوا للموت. كلنا نموت، السيد وعلي فداء للعرض والشرف، نار الباشا ولا نار الفضيحة والعار!". فارتفعت الزغاريد وأطلقت العيارات النارية. وإذا بالجيوش تتدفق على الكرك فيصرخ إبراهيم: "اقتل! احرق! والله ما تدخل الكرك وإبراهيم الضمور حي. احرق أنا أقدم لك الحطب والقطران!" فتندحر جيوش إبراهيم باشا أمام حماسة أهل الكرك وبطولة زعيمها. وإذا بالمنادي يصرخ: "إبراهيم الضمور! انظر النار تأكل ولديك" وإذا بأكوام الحطب تلتهب فتحرق جثتي السيد وعلي وإبراهيم الضمور مطل من قلعة الكرك، يرى في أمواج النار قلبه الممزق يحترق ويسمع زغاريد زوجته عليا وألوف النساء، وإذا بدمعة حائرة تتدحرج من عينيه فيزجرها ويهيب بالنساء والرجال غنوا، هذا عيدنا! زغردوا! الأردني في هذه القصة، وما تحمله من تعابير تختزل حضورنا، خلق حرا، وصاغ وطنه وحضوره على هذه الأرض، بعبقرية آمن بها، وعلى هذا وضمن مبادئه الوفية، بقي ثابتا، يمرون عليه، ويبقى ثابتا، مؤمنا بما أضاف له التاريخ من شرعية الحضور، وقوة الجذور.


الغد
منذ 3 ساعات
- الغد
80 عاما بعد القصف.. الأسطورة المقيمة لهيروشيما وناغازاكي
ترجمة: علاء الدين أبو زينة جون لافورج - (كونسورتيوم نيوز) 5/8/2025 بعد القصف الذري الذي نفذته الولايات المتحدة ضد هيروشيما وناغازاكي في 6 و9 آب (أغسطس) 1945، تم إطلاق حملة دعائية أميركية تزعم أن المذبحة التي قتلت أكثر من 200.000 شخص كانت تهدف إلى إنقاذ الأرواح. * * * لم تكن الإبادة الذرية الأميركية لـ140.000 شخص في هيروشيما و70.000 في ناغازاكي "ضرورية" على الإطلاق، لأن اليابان كانت قد سُحقت بالفعل، ولم تكن هناك حاجة إلى غزو بري بينما كانت اليابان تسعى إلى السلام. لم تعد الأسطورة الرسمية التي تقول إن "القنابل أنقذت أرواحًا" من خلال التعجيل باستسلام اليابان، قابلة للتصديق، إلا عند أولئك الذين يحبّون أن يظلوا مستسلمين للخداع. اضافة اعلان لقد تم تدمير السجل التاريخي الطويل لهذه الخرافة من خلال كشف أرشيفات الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي واليابان وبريطانيا –التي أصبحت في معظمها الآن غير سرية– والتي تناولها بالتفصيل وارد ويلسون في كتابه "خمس خرافات عن الأسلحة النووية"، (دار هوتن ميفلين هاركورت، 2013). كما يساعد كتاب غريغ ميتشل "التغطية الذرية" (دار سينكلير، 2011) في تفسير استمرارية خدعة "إنقاذ الأرواح". في زمن الحرب والاحتلال، صادر الرقباء جميع الأفلام والصور الثابتة للمدينتين المقصوفتين بالقنابل الذرية، وأبقت الحكومة الأميركية هذه المواد مخفية لعقود. وحتى في العام 1968، كانت لقطات الأرشيف الإخبارية من هيروشيما، والمحفوظة في الأرشيف الوطني، مختومة بعبارة: "سري – لا يُفرج عنه إلا بموافقة وزارة الدفاع". وكانت الصور التي وصلت إلى العامة تُظهر فقط مباني محترقة أو سُحُبًا نووية على شكل فطر –ونادرًا ما كانت تظهر الضحايا من البشر. رقابة ماك آرثر في كتابهما، "هيروشيما في أميركا: خمسون عامًا من الإنكار" (دار غروست-بوتنام، 1995)، يشير روبرت ليفتون وميتشل إلى أن الجنرال ليزلي غروفز، رئيس مشروع مانهاتن، "لم يترك شيئًا للصدفة". حتى قبل هيروشيما قام بمنع القادة الأميركيين من التعليق على الهجمات الذرية من دون موافقة وزارة الحرب. وقال غروفز: "لم نكن نريد أن يقول ماك آرثر وآخرون أن الحرب كان يمكن كسبها من دون القنبلة". في الواقع، لم يكن ماك آرثر يؤمن بأن القنبلة كانت ضرورية لإنهاء الحرب، لكنه أنشأ هو نفسه برنامجًا للرقابة بصفته قائدًا للاحتلال الأميركي لليابان. وحظر على الصحفيين زيارة هيروشيما أو ناغازاكي، وطرد أولئك منهم الذين تحدوا الحظر، وقال لاحقًا أن أولئك الذين اشتكوا من وجود رقابة في اليابان كانوا منخرطين في "حملة دعائية كاذبة وخبيثة". يعود استمرار اعتقاد معظم الناس في الولايات المتحدة بأن حجة "إنقاذ الأرواح" كانت صحيحة إلى عقود من الرقابة وصناعة الأساطير، بدأت مع الرئيس هاري ترومان، الذي قال في 6 آب (أغسطس) 1945: "قبل ست عشرة ساعة، أسقطت طائرة أميركية قنبلة واحدة على هيروشيما، وهي قاعدة مهمة للجيش الياباني. وقد فعلنا ذلك لأننا أردنا لهذا الهجوم الأول أن يتجنب، قدر الإمكان، قتل المدنيين". في الحقيقة، لم تكن المدينة التي يسكنها 350.000 نسمة ذات قيمة عسكرية تُذكر، وكان الهدف هو المدينة نفسها وليس القاعدة العسكرية الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات. إذا أخذنا أقوال الرئيس ترومان على محمل الثقة، فإن مقتل 140.000 مدني في هيروشيما يعتبر الحد الأدنى المتوقع عند تفجير سلاح نووي صغير فوق "قاعدة عسكرية". أما اليوم، فإن الرؤوس الحربية "الصغيرة" لصواريخ كروز، التي تفوق قنبلة ترومان الذرية بـ12 مرة من حيث القوة، قد يقتل الواحد منها ما يصل إلى 1.68 مليون شخص. وكانت الرقابة الرسمية على ما فعلته القنبلتان بالناس، وعلى الأسباب الكامنة وراء استخدامهما، ناجحة إلى درجة أن 25 عامًا من تفنيد هذه السردية لم تُفلح في الإطاحة بالرواية الرسمية بشكل عام. أسطورة مصطنعة في العام 1989، كتب المؤرخ غار ألبروفيتز أن "القادة الأميركيين كانوا يعلمون جيدًا، قبل فترة طويلة، أن قصف هيروشيما وناغازاكي لم يكن لازمًا لإجبار اليابان على الاستسلام"، وأضاف لاحقًا، في كتابه الذي يقع في 847 صفحة، والمعنون "قرار استخدام القنبلة الذرية" (راندوم هاوس، 1995): "أعتقد أنه يمكن إثبات أن القنبلة لم تكن غير ضرورية فحسب، بل إنه كان معروفًا مسبقًا أنها غير ضرورية". ويقول ألبروفيتز أن الأسطورة الشعبية عن إنقاذ المدنيين "لم تحدث من تلقاء نفسها"، بل "تم اختراعها". من بين الوثائق التي أُبقيت مخفية لعقود، كان استنتاج "مسح القصف الاستراتيجي الأميركي" للعام 1946، الذي قال إن اليابان كانت ستستسلم على الأرجح في العام 1945 من دون استخدام القنابل الذرية، ومن دون غزو سوفياتي، ومن دون غزو أميركي. وبعد وقت قصير من يوم النصر على اليابان في العام 1945، كتب العميد بوني فيلر: "لا القصف الذري، ولا دخول الاتحاد السوفياتي الحرب، هما ما أجبر اليابان على الاستسلام غير المشروط. كان البلد مهزومًا قبل أن يقع أي من هذين الحدثين". وفي مذكراته، قال الرئيس دوايت آيزنهاور، الجنرال ذو الخمس نجوم والقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، أنه كان يعتقد "أن اليابان كانت مهزومة بالفعل، وأن إسقاط القنبلة لم يكن ضروريًا على الإطلاق". في العام 1950، كتب الأدميرال ويليام ليهي، رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال الحرب: "في رأيي، لم يكن لاستخدام هذا السلاح الهمجي في هيروشيما وناغازاكي أي فائدة مادية في حربنا ضد اليابان. كانت اليابان مهزومة بالفعل ومستعدة للاستسلام". ويلاحَظ أنه تم استبعاد آراء فيلر، وآيزنهاور، وليهي بشكل ملحوظ أو إخضاعها للرقابة في معرض مؤسسة سميثسونيان في العام 1995، حيث تم عرض الطائرة القاذفة الذرية (ب-29) "إينولا غاي". ربما تصلح كلمات الأدميرال ليهي في العام 1950، التي حطمت الأساطير وتحدّت الرقابة بشأن القنبلة، لتكون نقشًا تأبينيًا على شاهدة قبر عصر السلاح النووي. قال تعليقًا على إحراق هيروشيما: "لم يتم تعليمي أن أخوض الحرب بهذه الطريقة. لا يمكن كسب الحروب عن طريق تدمير النساء والأطفال". *جون لافورج John LaForge: كاتب وناشط أمبركي في مجال نزع السلاح النووي والعدالة البيئية. وهو المدير المشارك لمنظمة "مراقبة الأسلحة النووية" Nukewatch، حيث يعمل منذ عقود في مراقبة الأسلحة النووية ونشر الوعي حول مخاطرها. شارك في تنظيم مؤتمرات دولية ونفذ أعمال عصيان مدني سلمية ضد منشآت نووية، ما أدى إلى اعتقاله عدة مرات. *نشر هذا المقال تحت عنوان: ATOMIC BOMBINGS AT 80: The Enduring Myth of Hiroshima & Nagasaki اقرأ المزيد في ترجمات: عن الصمود.. وأطفال فلسطين