
إجماع واشنطن.. هذا ما ينتظر لبنان من المفاوضات مع الصندوق
يعتقد الرأي العام اللبناني أن الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي والمتمثّلة بـ : المعالجة المباشرة للمشكلة الجوهرية المتعلقة بضعف الحوكمة، وتنفيذ استراتيجية للمالية العامة، وإجراء إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي، وإرساء نظام موثوق للنقد والصرف، هي الشروط التي إذا تمّ تنفيذها سيتمّ إقراض لبنان ما يُقارب الثلاثة مليارات دولار أميركي، التي ستُخرج لبنان من أزمته. هذا الإعتقاد هو إعتقاد لا يعكس الحقيقة، بحكم أن هذه الإصلاحات هي تمهيد للمفاوضات التي ستجري بين لبنان والصندوق، لتنفيذ إجراءات
، والتي على أساسها يتم إقراض لبنان الأموال:
.
أول من إستخدم مصطلح
هو الخبير الاقتصادي الأميركي جيمس ويليامسون ، بهدف وصف مجموعة التدابير الهيكلية المصاحبة لقروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبلدان النامية (شروط القروض). و يمكن تلخيص هذا الشروط في ثلاثة مبادئ : التحرير والخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية – والتي تظهر تفاصيلها في الإجراءات العشرة التالية:
– أولاً : يجب أن يكون عجز الميزانية العامّة أقل من 1 أو 2% من الناتج المحلي الإجمالي ، مما يعني خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات بشكلٍ هيكلي ومُستدام.
– ثانيا : يجب أن تكون النفقات العامة موجهة نحو الأنشطة التي تولد آثارا خارجية إيجابية على الإقتصاد، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
– ثالثاً : تخفيف الضرائب، خصوصا على النشاط الإقتصادي ، بهدف تحفيز الإستثمارات.
– رابعاً : يجب أن تكون أسعار الفائدة مُحدّدة من قبل السوق بحسب مبدأ الطلب والعرض.
– خامسا : وإستطرادا يجب أن يكون نظام سعر صرف المُعتمد في البلد مرنا، بما يعني مُحرّرا أو مُحرّرا مع تدخلات محدودة من قبل السلطات النقدية.
– سادساً : إلغاء التدابير الحمائية من كل أنواعيها ، بهدف فتح الإقتصاد على التجارة العالمية بدون أية ضوابط.
– سابعاً : الإنفتاح على الإستثمارات الأجنبية المباشرة، من خلال إلغاء القيود والتعقيدات الإدارية وتحفيز هذه الإستثمارات.
– ثامنا : خصخصة المؤسسات المملوكة من الدولة ، بهدف خفض عجز الميزانية ومنح الثقة لآليات السوق.
– تاسعاً : إلغاء القيود التنظيمية في الأسواق (deregulation)، والتوجّه نحو آليات السوق ضمن إطار الهيئات الناظمة.
– عاشراً : ضمان حقوق الملكية بكل أنواعها، من خلال إعتماد التشريعات اللازمة وتطبيقها.
هذه الإجراءات العشر، يُمكن تصنيفها ضمن ثلاث فئات أو أهداف تتحقق مع مرور الوقت:
– أولاً: فتح الإقتصاد على التجارة الدولية من بابها العريض (تشجيع الصادرات، فتح البلد للاستثمارات الأجنبية المباشرة).
– ثانياً : وضع سياسة نقدية لسعر الفائدة (بنك مركزي مستقل وذو مصداقية، مكافحة التضخم) وإستطرادا تحرير سعر الصرف.
– ثالثاً : إستبدال التنظيم العام بتنظيم السوق (إشارات وحوافز من خلال أسعار السوق، الخصخصة).
ماذا يعني هذا للبنان؟
لمعرفة التداعيات على لبنان من تطبيق إجراءات
، فلنفترض أن الدولة اللبنانية طبّقت الشروط الأربعة لبدء عملية التفاوض، وطبقّت إجراءات
. هذا يعني أن لبنان ذاهب إلى كارثة مؤكّدة، بحكم التجارب السابقة للصندوق في بعض الدول (أنظر لاحقا):
– أولى التداعيات : رفع الضرائب على المواطنين كما حصل منذ يومين مع فرض ضريبة على المحروقات، وهذا الأمر سيأخذ أبعادا اكبر قد تصل إلى حدود الـ 30 إلى 40% من مدخول الفرد (بحسب شهية الحكومة)، بهدف تحقيق التوازن في الموازنة. في المقابل سيتم خفض الإنفاق بشكل كبير من خلال تفكيك القطاع العام والتوجّه نحو الخصخصة.
– ثاني أكبر التداعيات : تحرير سعر الصرف، بهدف تصحيح الخلل في الميزان التجاري، مما يعني سحب قدرة اللبنانيين على الإستيراد بأكثر من 60% (تقديراتنا)، في مقابل ماكنة إقتصادية غير قادرة على سدّ حاجات السوق الداخلي، وفي ظل فلتان كبير في التسعير.
– ثالث أكبر التداعيات: شطب الودائع لخفض دين الدولة إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وضمان صندوق النقد الدولي إسترداد القروض للبنان. وهذا بحد ذاته كارثة على المُجتمع اللبناني.
– رابع أكبر التداعيات: إلغاء السياسات الحمائية، في وقت تقوم فيه أكبر قوة إقتصادية في العالم بفرض سياسات حمائية غيّرت وجه التجارة العالمية. هذا الأمر سيؤدّي إلى رفع البطالة في لبنان، وإفلاس الكثير من الشركات بحكم عدم قدرة الصناعات الوطنية، على مقاومة المنافسة الشرسة في كل القطاعات بدون إستثناء من قبل الشركات الأجنبية والعربية.
– خامس أكبر التداعيات: خصخصة القطاع العام الذي سيحرم الدولة اللبنانية من أصولها، في وقت يستشري فيه الفساد إلى مستويات غير مسبوقة.
كل ما سبق ذكره سيؤدّي إلى تفقير الشعب اللبناني وخلق مأساة إجتماعية، لن تستطيع قروض البنك الدولي من لجمها.
تجارب فاشلة وإنتقادات حادّة؟
في أعقاب فشل استراتيجيات التنمية المستقلة في الدول النامية، والذي ظهر خلال أزمة ديون الثمانينيات، تدخلت المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد والبنك الدولي، لمساعدتها على تجاوز مشاكلها الهيكلية وسداد ديونها، عبر ربط قروضها بـ»سياسات التكيف الهيكلي». بدأت هذه الخطط كإجراءات قصيرة الأجل لضمان سداد القروض، لكنها تطورت إلى نموذج تنموي ليبرالي يمكن تطبيقه على أي اقتصاد «متخلف»، متعارضا مع النظريات البنيوية ومحييا نموذج «روستو». هدف صندوق النقد إلى إخراج الدول النامية من التخلف بتغيير هياكلها الاقتصادية، بناءً على افتراض أن تدخل الدولة المفرط وضعف الانفتاح التجاري هما سببا المشكلة، مما أدى إلى الدعوة لتبني إجراءات هيكلية تحت مسمى «إجماع واشنطن».
أصبحت سياسات التكيف الهيكلي أساس استراتيجيات التنمية في دول الجنوب، لكن منظمة التجارة العالمية حرمت هذه الدول من المعاملة التفضيلية في فتح التجارة، بالرغم من أن الدول المتقدمة استفادت من حماية أولية قبل الانفتاح. ورغم بعض النجاحات في التسعينيات، عانت هذه البرامج من إخفاقات عديدة، حيث تسببت في تضخم مفرط في أميركا اللاتينية وفشلت في تحقيق النمو، بل أدت أحيانا إلى الفقر والتخلف. فالتفكيك القسري للخدمات العامة وخفض الإنفاق على الصحة والتعليم، أدى إلى تدهور في مؤشرات التنمية البشرية وزيادة الديون.
كانت آثار سياسات التكيف إيجابية في الدول المتقدمة ذات المؤسسات المستقرة، بينما كانت كارثية في الدول الأقل تقدما، حيث أضعفت دولة الرفاه القائمة وزادت الفقر ونمو المافيات. الدول الأكثر التزاما بهذه البرامج شهدت تدهورا أكبر. وبلغت الانتقادات ذروتها خلال أزمات التسعينيات والألفية الثانية، التي هزت دولا كانت تعتبر نماذج تنمية.
فقد ساهم صندوق النقد الدولي في انتشار الأزمات المالية عبر التحرير المالي السريع، وهو ما إنتقده بشدة جوزيف ستيغليتز، نائب رئيس البنك الدولي سابقا والحائز على جائزة نوبل.
لماذا الرغبة بتوقيع برنامج
مع صندوق النقد؟
مما لا شكّ فيه ومما تقدّم، يُطرح السؤال الجوهري: لماذا رغبة المسؤولين بتوقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي، خصوصا أن هناك حلولا محلّية وأخرى خارجية (طرحتها أورتاغوس مؤخّرًا)؟ في الواقع لا يوجد أي تبرير إلا الرغبة في المحافظة على السلطة ، عملا بقول الفيلسوف بول فاليري:
.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Elsport
منذ 36 دقائق
- Elsport
نسخة نادرة من Alpine A110 R "فرناندو ألونسو" تُعرض للبيع
ظهرت إحدى النسخ الـ32 فقط من سيارة Alpine A110 R إصدار فرناندو ألونسو للبيع، وهي سيارة مميزة تحمل توقيع بطل العالم مرتين في الفورمولا 1، وتجمع بين الأداء العالي والتفاصيل الحصرية المستوحاة من مسيرته الأسطورية. وتُعرض هذه النسخة التي لم تقطع سوى 530 ميلًا بسعر 129,900 باوند (نحو 165,000 دولار أميركي)، ما يجعلها واحدة من أغلى طرازات A110 في السوق. ورغم أن ألونسو لم يحضر حفل الكشف الرسمي عن السيارة خلال جائزة اليابان الكبرى عام 2022، بسبب انتقاله المرتقب آنذاك إلى فريق استون مارتن، فإن بصمته ظهرت بوضوح في تطوير هذه النسخة. فقد خضع نظام التعليق لتعديلات دقيقة بإشرافه، شملت إمكانية خفض السيارة يدويًا بمقدار 10 ملم وزيادة صلابة النوابض بنسبة 5٪، وهي إعدادات صُممت خصيصًا لحلبة برشلونة. تتميّز السيارة بلمسات بصرية حصرية، أبرزها طلاء خارجي مطفأ مستوحى من الفورمولا 1، مكابح برتقالية اللون، توقيع ألونسو على لوحة القيادة وغطاء المحرك، بالإضافة إلى شعاره الشهير على الأبواب. وتحمل المقاعد الرياضية الكربونية من نوع Sabelt توقيعه مطرزًا على مساند الرأس، مما يعزز من فرادة السيارة. وتعتمد A110 R "ألونسو" على محرك 1.8 ليتر تيربو بقوة 300 حصان، مع عجلات كربونية خفيفة الوزن ومواصفات ميكانيكية مشابهة للطراز الأساسي. لكن ندرتها – حيث أُنتجت بعدد يماثل عدد انتصارات ألونسو الـ32 – تجعلها قطعة جذابة لهواة السيارات الرياضية والسباقات. وبينما يمكن للراغبين توفير نحو 44 ألف باوند بشراء نسخة A110 R عادية بلون مشابه، فإن النسخة الممهورة باسم ألونسو تبقى خيارًا فريدًا لهواة التميز والتاريخ.


التحري
منذ ساعة واحدة
- التحري
سعد الحريري يدخل مجال الذكاء الاصطناعي.
أطلق رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري شركة استثمارية جديدة في أبوظبي، تركز على مجال الذكاء الاصطناعي، وفقا لما ذكرته وكالة بلومبرج اليوم. كشفت سجلات سوق أبوظبي العالمي، أن شركة 'جينيسيس إس بي في' المحدودة، جرى تسجيلها أواخر الشهر الماضي، وكان سعد الحريري المساهم الوحيد فيها. قالت مصادر مطلعة لـ'بلومبرج' إن خطة جينيسيس التي لا تزال في مراحلها الأولى، تسعى للاستثمار في قطاع التكنولوجيا مع إعطاء الأولوية لمجال الذكاء الاصطناعي. اتخذ الحريري من أبوظبي مقرًا رئيسيًا له منذ مطلع عام 2022 بعد سلسلة من الأزمات التي أنهت رئاسته للحكومة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين برز الحريري كأحد الشخصيات المقربة للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، الذي يشرف على امبراطورية استثمارية قيمتها تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار


النشرة
منذ 2 ساعات
- النشرة
أقساط المدارس إلى ارتفاع إضافي: هل تتدخل وزيرة التربية؟
مع إنتهاء العام الدراسي الحالي بدأ الحديث من جديد عن إرتفاع في الأقساط المدرسية وهي ليست بسيطة أبداً، واللافت أن هذه "النغمة" بتنا نسمعها كثيراً عند إنتهاء كلّ عام دراسي تحت حجّة إما الزيادة للأساتذة أو الغلاء الكبير في المستلزمات وغيرها من الامور... هذا العام أيضاً سيكون هناك زيادة على الأقساط وهذا ما بدأ الأهل يسمعونه، واللافت أنها بالإجمال عشوائية في أغلب المدارس، وتحمّل الأهل عبئاً يثقل كاهلهم كثيراً، خصوصاً وأن الرواتب التي يتقاضونها لا تتجاوز نصف ما يدفعونه. والبارز أيضا أن المدارس الخاصة "ضربت بعرض الحائط" كل التعديلات على القوانين التي أقرّت، ليبقى السؤال الأهمّ: "أين دور لجان الأهل "؟. "المفارقة هذا العام أن العشوائيّة بالزيادة التي تلوح بها المدارس أصبحت مرفوضة من وزارة التربية". هذا ما تؤكده رئيسة اتحاد لجان الأهل لما الطويل، مشيرة الى أن "وزيرة التربية ريما كرامي وعدتنا بإجراء التدقيق المالي في موازنة المدارس". "النشرة" حاولت التواصل مع وزيرة التربية ولكنها لم تلقَ جواباً. عادت لما الطويل لتتحدث عن تعديل قانون رقم 2 الذي يتحدث عن صندوق المتعاقدين وتنظيم الموازنة المدرسيّة، لافتة الى أنه "يفرض وجود مدقّق مالي وتنفيذ المادة 4 من القانون التي توجب إجراء قطع حساب، وإذا جنت المدارس ارباحا، عليها أن ترد الأموال، وإذا كانت متعثرة فعندها على الأهل أن يدفعوا"، مضيفة: "بحسب هذا القانون فإنّ الزيادات هذا العام ليست بالمنسوب الذي تلوّح به المدارس". بدوره عضو لجنة التربية النيابية النائب ادغار طرابلسي أشار الى أن "المدارس الخاصة درجت منذ ما قبل الأزمة على رفع الأقساط سنوياً، بسبب أو بدون سبب، وعلى سبيل المثال عندما تمّ في الماضي عن ست درجات آتية رفعوا الأقساط تحسباً لهذا الأمر، فأتت الدرجات ولم تُدفع للأساتذة ولكن الأقساط ازدادت". "بالسنوات الماضية رأينا بعد الأزمة أنه كان هناك ضرورة لرفع أجور الأساتذة لتعود كما كانت قبلها". هذا ما يشير إليه طرابلسي، لافتاً الى أن "هذا الامر رتّب زيادة على الاقساط كانت ضروريّة إلا أنه في معظم المدارس لم تُرفع الأجور لتعود كما كانت عليه كما كانت سابقا". لافتا الى أن "هذا العام يرفعون الأسقاط بحجة رفع أجور الاساتذة ولدفع المحسومات لصندوق التعويضات، الا أن المشكلة هي في عدم تطبيق ال قانون 515 ، الذي يحدد الاقساط المدرسية بناء على الموازنة التي توضع بالشراكة بين لجان الأهل والمدارس". هنا تشير لما الطويل الى أن "إحدى المدارس الكبرى كان القسط قبل الأزمة يبلغ 2500 دولار والآن 3500 دولار ويتحدثون أن السنة المقبلة سيصل الى 5000 دولار أميركي". "بالحسابات العلميّة للدائرة الماليّة لاتحاد لجان الأهل فإنه إذا كان عدد تلاميذ مدرسة ما 1000 لا يجب أن تتجاوز الزيادة 30$ في حين أنهم يضعون زيادة مئات الدولارات". هذا ما تشير اليه لما الطويل، لافتة الى أننا "طالبنا الوزيرة بدراسة حول هذا الموضوع وأن تضع الحد الادنى والاقصى للزيادات المترتب عن هذا القانون". ولمعرفة الزيادات هذا العام على الاقساط حاولت "النشرة" التواصل مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الاب يوسف نصر لكنها لم تلقَ جواباً. هنا يعود النائب طرابلسي ليشدد على أن "على الاهل لعب دورهم وعدم الموافقة إذا كانت الزيادة كبيرة، وإذا حصل اعتراض منهم على الموازنة وجب ارسالها الى مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية للاطلاع عليها". إذا بإنتظار الاهل زيادة مضخّمة على الاقساط، والسؤال "هل ستقوم وزارة التربية بدورها وتدقق في موازنات المدارس وصولا الى الحد من الزيادات العشوائية"؟.