
عن الاختلاف في الرأي
الاختلافُ في الرأي يُفترض ألّا يُفسدَ للودّ قضية. في القضايا السياسية بسبب صِلتها الوثيقة بالمصالح الشخصية، قد لا يتوافر مكانٌ للودّ. الناسُ، أينما كانت، تختلف حول المصالح وتتناحر. ولذلك السبب، تنشأ الأحزاب تحت مختلف الشعارات بهدف حماية مصالح الفئات التي تنتمي إليها، وتخوض من أجلها المعارك.
ليس من مهمة المراقب أو المحلل السياسي تقديم وصفة طبية صالحة لمداواة كل العلل. بل من الضروري حرصه على طرح وجهة نظره على نحو واضح وجليّ ومقنع عقلانياً في آن، وعلى أسس ومعطيات القضية التي يتعرّض لها بالرأي، إما بمحاولة طرح الأسئلة حولها أو محاولة تقديم إجابات مقبولة لأسئلة مطروحة في الساحة، على أن يتركَ البابَ مُوارباً ليتمكن آخرون من الدخول، والمساهمة بما لديهم من آراء في إثراء النقاش، بهدف الوصول إلى حلّ أو توافق في الآراء.
كثيرٌ من اللوم والعتاب وصلني مؤخراً، من ليبيا تحديداً، على ما نشرته في مقالتي الأخيرة «طرابلس واحتمالات الحرب». أغلبه انصبَّ على قولي إن الحرب هي الحلّ المتبقي للخروج من الأزمة في ليبيا. أغلب اللوم تمحور على زعم ما تخلل رأيي من تشاؤم حال بيني وبين رؤية نصف الكأس الملآن، بالتركيز على رؤية نصفه الفارغ فقط.
حرصي على تفهّم ذلك الرأي، وتقديري لأصحابه لا يحول بيني وبين اختلافي معهم. وفي وجهة نظري، لا معنى لكأس بنصف فارغ ونصف ملآن في الحالة الليبية، لأنّه في الأساس لا تُوجد كأس أصلاً، بل فراغٌ سياسي، تتصارع فيه أطراف / عصابات، لا همّ لهم إلا الاستحواذ على السلطة، ليس بهدف خدمة وحماية الخير العام، بل بهدف نهب المال العام.
ومن البديهة القول إن اللصوص لا يبنون دُولاً، ولا يحافظون عليها إن وُجدت. وكذلك القبليون والجهويون والإقليميون، والعقائديون.
الأزمة الليبية منذ بدايتها لم تكن ليبية خالصة. وهذه حقيقة لا يختلف حولها عاقلان. وتورّط أطراف خارجية فيها - عربية وإقليمية وغربية - أدخلها في مسارات معقدة وأنفاق ملتوية ومعتمة، قادت إلى تحالفات بين قوى الداخل المتصارعة وقوى الخارج المتنافسة. تلك الاصطفافات، ما بين الداخل والخارج، ما زالت قائمة إلى اليوم. وتزيد في تعميق الأزمة، حماية لما حققته تلك الأطراف من مصالح على الأرض، خلال السنوات الخمس عشرة.
آخر التطورات في الأزمة يجسدها الصراع هذه الأيام بين حكومة طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح. رئيس حكومة طرابلس لا ينوي التخلّي عن الحكم. علماً بأنه اختِيرَ عام 2021 وفريقه للحكم لمدة سنة واحدة، لتنفيذ مهمة عقد انتخابات نيابية ورئاسية، على ألّا يكون ضمن المترشحين للرئاسة. العام تمدد إلى أربعة، ويسير نحو الخامس. والانتخابات لم تُعقد. وهناك إصرار من رئيس الحكومة على الترشح للرئاسة في حالة عقد انتخابات رئاسية، في انتهاك صريح للتعهد.
المستشار عقيلة صالح يجلس على رأس برلمان فاقد الصلاحية، يسعى من جانبه إلى خلع رئيس حكومة طرابلس، وتعيين رئيس حكومة موحّدة في كل البلاد، بدل الحكومتين الحاليتين. وخلال هذا الأسبوع، تمَّ اختيار 11 مترشحاً من بين قائمة طويلة من مترشحين لمنصب رئيس الحكومة، من قبل لجنة برلمانية، واجتمع مجلس النواب في بنغازي، وأتاح فرصة للمترشحين الأحد عشر للحديث عن برامجهم، بغرض اختيار الأنسب. الجلسة البرلمانية لم تكن كاملة النصاب القانوني لتغيّب العديد من النواب. ورئيس المجلس الرئاسي وآخرون طعنوا في أحقّية مجلس النواب في اختيار رئيس الحكومة، لأن الاتفاق السياسي، حسب قولهم، يعطي هذا الحق لرئيس المجلس الرئاسي فقط.
المحللون والمراقبون الليبيون يرون أن الحرب الأخيرة في طرابلس، يوم 12 مايو (أيار) الماضي، دُبّرت وصُمّمت حتى تتمكن الحكومة من الاستحواذ على العاصمة طرابلس، وبذلك يتمكن رئيس الحكومة من تعزيز موقعه في أي مفاوضات مع رئيس البرلمان، ويجعل أمر خروجه من منصبه غير ممكن.
لا أحد يضمن أن المترشح المختار برلمانياً لقيادة حكومة موحّدة سيتولى فور اختياره مهام منصبه، ويدخل مقر رئاسة الحكومة في طرابلس. فالمكتب، فعلياً وواقعياً، لن يكون شاغراً. شاغره الحالي أعلن مسبقاً رفضه التخلي عن المنصب إلا بعد عقد انتخابات نيابية ورئاسية، وكذلك رفضه أي مراحل انتقالية أخرى! وهذا يعني أن الطرق سُدت عمداً أمام أي محاولة لإحداث تغيير سلمي، يهدف إلى توحيد الحكومتين في حكومة واحدة. آخذين في الاعتبار أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بلا أنياب ولا أظافر. فهل تبقّى غير الحرب سبيلٌ؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 4 ساعات
- العربية
الجزائر تمنع تداول "الكاش" بأكثر من نصف مليون دينار
تخطط الحكومة الجزائرية للتوسع في مجالات الدفع الإلكتروني من خلال منع تداول النقود "الكاش" عند تنفيذ المعاملات المالية التي تتجاوز قيمتها 500 ألف دينار. وكشفت وثيقة الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في الجزائر عن 25 هدفًا، في إطار رؤية الجزائر الرقمية 2030، من أبرزها إلغاء كلي لعمليات الدفع نقدًا "كاش" لكافة المعاملات المالية التي تفوق 500 ألف دينار "50 مليون سنتيم" لمكافحة الاقتصاد الموازي. كما تتضمن الاستراتيجية إطلاق 5 مراكز بيانات وطنية، وتصدير خدمات الحوسبة السحابية وتقليص هجرة الكفاءات في المجال الرقمي، ورقمنة الخدمات العمومية بنسبة 100%، وفق موقع جريدة "الشروق" الجزائرية. بالإضافة إلى دعم إنشاء 100 ألف شركة ناشئة في المجال الرقمي، عبر تسهيل إجراءات التمويل والتسجيل، وتوفير منظومة محفزة على الابتكار، ورفع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 20% من الناتج المحلي، وزيادة صادرات مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال إلى 500 مليون دولار، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة مليار دولار في قطاع الرقمنة. وتهدف الاستراتيجية إلى اتصال جميع الأفراد والأسر بنسبة 100% بخدمات الإنترنت بجودة عالية، وتقليص الفجوة الرقمية، وربط الهيئات والمؤسسات العامة ضمن خطة تطوير الخدمات وتحسينها وتعزيز فعالية الإجراءات الإدارية والاتصال الداخلي والخارجي. بالإضافة إلى زيادة عائدات الاستثمارات في مجال الربط بالإنترنت، وتصدير الخدمات الرقمية إلى الدول المجاورة، وامتلاك مراكز بيانات وطنية تستجيب للمعايير الدولية، وتوفير عروض خدمات تنافسية في مجال الحوسبة السحابية وتصديرها نحو الخارج. كما تهدف الاستراتيجية إلى توفير 500 ألف مختص في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وذلك عبر إطلاق برامج تدريب مستمر، والحد من هجرة الكفاءات الرقمية، ورقمنة جميع الخدمات الإدارية الموجهة للمواطنين والمؤسسات.


الشرق الأوسط
منذ 13 ساعات
- الشرق الأوسط
«ذكرى النور» يقرأ بواطن الأرض في «متحف سرسق»
لمحبي التجارب التشكيلية، يعرض الفنانان الموهوبان جوانا حاجي توما وخليل جريج، في «متحف سرسق»، خلاصة مشروعاتهما التي أنجزاها طوال السنوات العشر الماضية. معرض استعادي بديع هو «ذكرى النور»، يسترجع فيه الشريكان نخبة من أعمالهما الأغلى إلى قلبيهما، بعد أن جابت مدناً عدّة، وها هي تعود إلى بيروت لتجد مستقرها، ويتاح للبنانيين أن يكتشفوها، خصوصاً أنها تحكي قصصهم وتاريخهم ومعاناتهم، وما دُفن تحت ترابهم. جانب من المعرض (متحف سرسق) معرض بصري يجمع بين السينما والتجهيز والتصوير والنحت والبحث، يتنقل بنا بين بواطن بيروت ونهر البارد وطرابلس وأثينا، ويرينا كيف تعيد الكوارث تشكيل الأشياء والناس والمناظر الطبيعية والعمران، طارحاً احتمالات أخرى لرؤية المادة وفهمها في أزمنة الانهيارات. أين عقلي؟ لعل العمل الأجمل بصرياً في المعرض، والأكثر إمتاعاً، هو الذي يحمل عنوان «أين عقلي؟»، والذي خُصصت له قاعة كاملة، حيث تظهر على شاشة بعرض حائط كبير تماثيل يونانية بيضاء بلا رؤوس، ومن ثَمَّ سرعان ما تختفي الأجساد لتظهر عشرات الرؤوس إلى جانب بعضها بعضاً، كل ذلك على وقع أبيات للشاعر سفيريس. تخبرنا الفنانة حاجي توما أن الفكرة مستوحاة مما نراه في المتاحف من أجساد مبتورة الرؤوس، ورؤوس بلا أجساد، مما يُذكِّر بعالمنا الذي يسرق بيانات وجوهنا منا، ويُهدد هويتنا، تحديداً بعد الجائحة، ونحن مذعنون. أجساد بلا وجوه (الشرق الأوسط) الفكرة الرئيسية التي تدور حولها غالبية الأعمال هي كشف المستور في باطن الأرض، ومحاولة قراءة طبقات التاريخ التي نسير فوقها من دون أن نعي أهميتها أو نفهم مغزاها. واكب الفنانان الشريكان حفريات أثرية، وورشات بناء تدكُّ الأرض قبل تشييد عمائر، وعمليات فحص أعماق مكب نفايات، وتابعا تحوُّل الألوان حين تغوص في قاع البحر، لفهم تأثير اللامرئي على كياناتنا. تلك الأسئلة طاردها الفنانان منذ عام 2016، وجاءا لنا بإجابات فنية محيّرة أحياناً. جرافة تٌطارد عالم آثار ها أنت أمام فيلم يصور عملية بحث أثري تطارد أصحابه جرافة. وكأنما هناك سباق بين عملية البناء المستعجلة، والأثريين الذين لا يُترك لهم الوقت لاكتشاف الكنوز المخبأة. فإذا بهم يحاولون إنقاذ ما يمكنهم بالتصوير، أو الاحتفاظ بعينات من التربة. تلك حالة من حالات كثيرة، لكن الحظ أسعفنا هذه المرة، وسجلت الكاميرا واحدة من تلك الجرائم التي تُرتكب بحق التاريخ من أجل المزيد من البناء الباطوني. في وعاء زجاجي، رمل وبقايا صغيرة تصعب رؤيتها من دون مكبِّر. هي عينة من جوف الأرض، تُمثّل بقايا تسونامي ضرب لبنان عام 500 للميلاد. ما نراه في الوعاء قد يكون رمزياً، لكنه يخبرنا عمّا لا نفكر فيه، رغم أنه يشكل جزءاً من تاريخنا. لوحة بيضاء تظهر فيها أخيلة هي كل ما تبقى من المفقود في الحرب (الشرق الأوسط) البحث يطال أيضاً ورش البناء. نقف أمام عينات جوفية محفوظة ومعروضة، جاء بها الفنانان من موقع بناء، بينما كانت تُستخرج بالحفَّارات الآلية من باطن الأرض، لدراستها ومعرفة طبيعتها، وما يمكن بناؤه عليها. تلك أيضاً طبقات تعني للفن ولمن يريد تأمل ما تقوله البواطن المخبأة. النبش في النفايات وفي لوحة غرائبية، نرى طبقات نكاد لا نفهم لماذا تكدَّست هكذا فوق بعضها بألوان مختلفة. لكن الفنانة تشرح لنا أنها تمثل الطبقات التراكمية لمكبِّ نفايات طرابلس، الذي أصبح جبلاً عظيماً يضاهي طوله العمائر المحيطة به. وأن هذه المواد البالية خضعت للاستخراج بترتيبها التراكمي من الأعلى إلى الأسفل، وأُعيد ترتيبها هنا تماماً كما كانت في المكبّ، ليتَّضح أن أكياس النايلون والمواد البلاستيكية هي من بين أكثر المواد مقاومة، وها هي حاضرة وكأنها طُمِرت الآن. إنه النبش المنظم، مع الحفاظ على الترتيب الزمني للمدفونات. لكن بعض هذه الخفايا هي أيضاً كامنة في النفس، ويمكن استخراجها وتحليلها كما طبقات الأرض. نرى هذا في لوحة كبيرة عليها ظلال صغيرة. لوحة تمثل أعماق مكبّ للنفايات في طرابلس (متحف سرسق) هذا فيلم من 180 ثانية صوّره خال الفنان خليل جريج (ألفريد) قبل أن يُختطف ويختفي عام 1985 خلال الحرب الأهلية اللبنانية. هو واحد من 17 ألف شخص اختُطفوا ولم يعودوا في تلك الفترة. وبعد سنين طويلة من غيابه، تناهز 15 عاماً، عهد أهله إلى الفنان هذا الشريط، الذي بعد تحميضه، بدت المشاهد فيه بيضاء تتخللها ظلال كأنها أشباح خافتة، تأبى أن تختفي. هذا الفيلم التالف هو كل ما تبقى من المخطوف الذي فجعت لغيابه العائلة، وها هو حاضر في المعرض، ولو من خلال النبش في أرشيفه، وعرض ما تبقى من ظلال صوره، حيث يعود رمزياً إلى الحياة. رأسي لا يزال يغني إعادة ما تسرقه الحروب، هو جزء من روح عمل آخر، عنوانه «حدّقت في الجمال مطولاً، لكن رأسي لا يزال يغني». تجهيز يستفيد من الزجاج المهشم الذي تساقط في منزل الفنانين بسبب انفجار مرفأ بيروت عام 2020، أُعيد ترميمه وتحويله إلى لوح/ شاشة، تظهر عليها أبيات شعرية تنعكس ظلالها على الأرضية التي خلفها. نقرأ ونسمع شعر أورفيوس، الذي كانت حسرته كبيرة على موت أوريديس، التي صارت سبباً في هلاكه، حيث قُطع رأسه وبُعثرت أشلاؤه، لكن بقي رأس أورفيوس المقطوع يغني. أورفيوس ليس الشاعر الوحيد هنا، يحضر قسطنطين كفافيس، وكذلك نرى إيتل عدنان في فيلم مع الفنانة حاجي توما، تربطهما مدينة أنقرة التي تتحدر منها والدة إيتل عدنان اليونانية الأصل من إزمير، وجدُّ الفنانة حاجي توما اليوناني هو الآخر والمولود في المدينة أيضاً. تتحادث الفنانتان في الفيلم كيف تربيتا وهما تتخيلان مدينة لم ترها أعينهما من قبل. «بمناسبة هذا الفيلم، ذهبتُ إلى إزمير وأحضرت صوراً للمشروع. عرضتُها على إيتل، وكانت سعيدة بها. هذا لنقول إنه بمقدورنا أن نخرج من حزن أهلنا، وأن ننطلق وحدنا»، تقول حاجي توما. المقاومة بالفن في غرفة خاصة، إجابات من نوع آخر: كيف تنبش من ذاتك المقهورة قدرتها على المقاومة والانتصار. فالغرفة مخصصة لأعمال يدوية وأشغال، لمعتقلين لبنانيين عاشوا في زنازين معتقل «الخيام»، الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان خلال سنوات احتلاله له، قبل عام 2000. فيلم يوثِّق شهادات معتقلين قضى كل منهم أكثر من 10 سنوات في الأسر. ما تحكيه الأعمال المعروضة أن الإبرة كانت هي الأداة الأهم، وليس القلم. والعثور عليها لم يكن متاحاً. بعضهم نحت على حَب الزيتون، وكان مجرد تخبئة حجر يعرض السجين للعقاب، وهناك من نَسَل جواربه ليصنع منها ما يمكن أن يُسعف فكره في البقاء حياً. «هذا يُعيد السؤال عن دور الفن، بوصفه حافظاً للحياة، وداعماً للإنسان للبقاء والاستمرار، ومواجهة الألم، ومحاولات القتل والإلغاء»، تقول جوانا حاجي توما، وهي تقودنا إلى غرفة مجاورة لنرى فيلماً يوثق زيارتها مع زوجها وأولادها إلى المتحف الوطني الذي كان غارقاً في الظلام. جانب من المعرض (متحف سرسق) الكهرباء كانت مقطوعة لشهرين، وبدلاً من إلغاء الزيارات، يُرينا الفيلم كيف كانت العائلة ورواد المتحف الآخرون، في تلك اللحظة، يكتشفون الآثار المعروضة على أضواء هواتفهم، مما أعطى هذا المكان الجميل بعداً آخر مع تغير الإضاءة. اكتشاف مدينة أثرية كاملة واحد من أكثر الأعمال تأثيراً في النفس، هو الفيلم التسجيلي الذي يُعرض لمخيم نهر البارد، الذي عاش حرباً شعواء عام 2007 اضطر بسببها سكانه إلى تركه ومغادرة بيوتهم، التي تعرضت بعدها لأذى كبير. نرى الجرافات في الفيلم، بعد انتهاء المعارك، تحاول أن تزيل الردميات، وتهيئ الأرض لإقامة مخيم جديد. كانت المفاجأة أن مدينة أثرية رومانية مهمة اسمها أورثوسيا، كان الأثريون يبحثون عنها ولا يجدونها، تَبيَّن أنها كانت مطمورة تحت المخيم، ولا تزال في حالة ممتازة. وقعت الدولة في حيرة: هل تُعيد 30 ألف لاجئ فلسطيني إلى بيوتهم، أم تُنقذ المدينة الأثرية؟ اتُّخذ قرار بإعادة إعمار المخيم بعد أن تمت حماية المدينة الأثرية بقماش مقوى يُسمى «جيوتكستيل»، وشُيدت فوقه المباني. لهذا صار السكان لا يستطيعون الحفر أو الزراعة لأن الأرض مغطاة ومحمية. وحرص الأثريون على ترك شروحاتهم في المكان لزملائهم الذين سيأتون بعدهم. هذا الخيار، تشرحه لنا الفنانة، أي ترك المدينة الأثرية على حالها، وحمايتها من عوامل التغيير أو التخريب، بانتظار أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بلادهم، عندها يمكن الحفر من جديد، وإخراج المدينة المطمورة من باطن الأرض. هذا يعطي معنى آخر للأولويات، والفن، والمكان، وباطن الأرض، ومستقبل المنطقة.

الرياض
منذ 15 ساعات
- الرياض
السودان: كامل إدريس يؤدي اليمين رئيساً للوزراءصواريخ مضادة للطائرات تتصدى لمسيرات في بورت سودان
أدى الدكتور كامل إدريس, أمس اليمين الدستورية رئيسًا لمجلس الوزراء في السودان، أمام الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان. وأكد كامل إدريس عقب أدائه القسم الدستوري، بأنه سيكرس كل وقته وجهده من أجل تحقيق العيش الكريم للمواطن السوداني. وكان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، أصدر في 19 مايو الماضي مرسومًا دستوريًا بتعيين إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء.من جانب اخر، أفاد شهود عيان أن صواريخ مضادة للطائرات تصدت لتحليق مسيرات في أجواء بورت سودان التي تحولت إلى عاصمة للسودان في زمن الحرب وشكلت ملاذا للنازحين في السابق. وتعرضت بورت سودان، مقر الحكومة المدعومة من الجيش، هذا الشهر لأول هجوم بطائرات مسيرة تم تحميل مسؤوليته لقوات الدعم السريع. واستهدفت غارات الطائرات المسيرة بنى تحتية بينها آخر مطار دولي مدني عامل في البلاد ومحطات لتوليد الطاقة ومستودعات وقود. وتوقفت الغارات شبه اليومية لأكثر من أسبوع حتى السبت، حين أفاد شهود عيان بسماع "دوي صواريخ مضادة للطائرات شمال وغرب المدينة وتحليق طائرات مسيرة في السماء". ومنذ انسحاب الجيش السوداني من العاصمة الخرطوم في بداية الحرب، استضافت بورت سودان وزارات حكومية ووكالات أممية ومئات الآلاف من الأشخاص. وتمر جميع المساعدات تقريبا إلى البلاد التي يعاني فيها نحو 25 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الشديد، عبر بورت سودان. ومع دخول النزاع عامه الثالث، تظل البلاد منقسمة بحكم الأمر الواقع إلى قسمين: الجيش يسيطر على الوسط والشرق والشمال، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على كل دارفور تقريبا وأجزاء من الجنوب. ومنذ خسارتها السيطرة على الخرطوم في مارس، تبنت قوات الدعم السريع استراتيجية من شقين: غارات بعيدة المدى بطائرات مسيرة على المدن التي يسيطر عليها الجيش مصحوبة بهجمات مضادة لاستعادة الأراضي في جنوب البلاد. وأثرت الغارات على البنية التحتية في جميع أنحاء شمال شرق السودان الذي يسيطر عليه الجيش، كما تسببت الهجمات على محطات الطاقة بانقطاع التيار الكهربائي عن ملايين الأشخاص. وأدى انقطاع التيار الكهربائي في الخرطوم إلى انقطاع المياه النظيفة أيضا، وفقا للسلطات الصحية، ما تسبب في تفشي وباء الكوليرا الذي أودى بحياة نحو 300 شخص هذا الشهر. ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب عام 2021، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".