
ميادة سيف تكتب: القبة الذهبية.. التلوث الفضائي والفوضى القانونية
في ظل الصخب السياسي والإعلامي الذي رافق إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن مشروع 'القبة الذهبية' للدفاع الصاروخي، بتكلفة مبدئية تقدر بـ 175 مليار دولار أمريكي، فيظر العديد من المخاوف تتجاوز الجدوى الأمنية للمشروع، واثاره البيئية، والأهم من ذلك، المخاطر الجيوسياسية التي يفرضها في بيئة فضائية تزداد تنافسيةً وتعقيدًا.
إن ما يبدو للوهلة الأولى ا ن المشروع حصن منيع للأمن القومي الأمريكي، سرعان ما يتكشف عن نقاط ضعف هيكلية قد تجعل منه عبئًا باهظًا، بيئيًا، واقتصاديًا، وامنيا .
فالعبئ المالي الهائل والضبابية الاقتصادية التي تحيط بالمشروع الذي يصل تكلفه الي 175 مليار دولار ليس مجرد مبلغ محدد للمشروع و انما هو مبلغ مبدئي تم وضعه ، بل هو انعكاس لأولوية اقتصادية قد تكون محفوفة بالمخاطر في ظل التحديات الحالية التي يواجهه الاقتصاد الأمريكي.
ففي وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من ارتفاع مستويات التضخم وعجز متزايد في الميزانية العامة، يطرح هذا الاستثمار الضخم تساؤلات حاسمة حول مدى استدامته وتأثيره على قطاعات حيوية أخرى لإن 'التنبؤ بالتكاليف المستقبلية شبه مستحيل، رغم أنه من المرجح أن يكلف بناؤه وصيانته مليارات الدولارات'.
فهذه الضبابية ليست مجرد تفصيل مالي؛ إنها نقطة ضعف جوهرية فمشروع بهذا الحجم يتطلب التزامًا ماليًا طويل الأمد يمتد لسنوات، وربما لعقود، مع تمويل ينعكس في تقديرات الميزانية الجديدة للفترة من 2026 إلى 2030 وما بعدها من صيانات و تشغل و تجديد .
فإن عدم وضوح التقنيات المطلوبة بشكل كامل يجعل هذا الاستثمار محفوفًا بمخاطر مالية كبيرة، حيث قد تتجاوز التكاليف المتوقعة بسهولة، كما حدث في العديد من المشاريع الدفاعية العملاقة في الماضي.
اما التداعيات الاخري من حيث المخاطر البيئية الجسيمة التي ينطوي عليها المشروع فهي كثيره حيث يعتمد مشروع 'القبة الذهبية' بشكل كبير على الأصول الفضائية، مما يعني ضرورة عمليات إطلاق صواريخ وأقمار صناعية متكررة
حيث يشير الملف إلى 'المخاوف البيئية من إطلاق الصواريخ وإعادة دخول الأقمار الصناعية'. هذه العمليات ليست بلا ثمن بيئي؛ فهي تساهم في تلوث الغلاف الجوي وتفاقم مشكلة الحطام الفضائي.
تصف الوثيقة البيئة الفضائية بأنها 'مزدحمة ومتنازع عليها و هناك العديد من التنافسية' بشكل متزايد،و إضافة مشروع بهذا الحجم إلى هذه البيئة المزدحمة يعني زيادة هائلة في الحطام الفضائي، الذي يشكل تهديدًا متزايدًا للمدارات الأرضية.
وهذا الحطام لا يهدد الأقمار الصناعية العسكرية فحسب، بل يهدد أيضًا الأقمار الصناعية المدنية والعلمية التي تعتمد عليها حياتنا اليومية، من الاتصالات إلى التنبؤات الجويةو أي تصادم في المدار يمكن أن يؤدي إلى سلسلة لا يمكن السيطرة عليها من الاصطدامات، مما يجعل أجزاء كبيرة من الفضاء غير صالحة للاستخدام لعقود قادمة، وتلك كارثة بيئية ذات أبعاد كونية.
واخطر النقاط حول هذا المشروع هو هي غياب الأطر القانونية الدولية وضعف الحوكمة الفضائية بسبب عدم وجود اتفاقيات رسمية أو تفاهمات بشأن الردع في مجال الفضاء'.
و هذا الفراغ القانوني يمثل نقطة ضعف حرجة وغير مقبولة في سياق مشروع دفاعي طموح يركز على الفضاء.
و إن مبادرة 'القبة الذهبية'، بطبيعتها، تدفع حدود استخدام الفضاء وتسليحه إلى مستويات غير مسبوقة في ظل غياب قانون فضاء دولي قوي ومعايير واضحة لمنع تسليح الفضاء، فإن عسكرة الفضاء المتسارعة يمكن أن تؤدي إلى أضرار بيئية لا رجعة فيها، وتصعيد لمخاطر الصراع في المدار، مما يؤثر على جميع الدول.
فهل يمكن أن نتخيل نظامًا دفاعيًا بهذه الأهمية يعتمد على ساحة تفتقر إلى أبسط قواعد الاشتباك؟ هذا الغياب لا يعرض المشروع نفسه للخطر فحسب، بل يهدد الاستقرار الجيوسياسي العالمي، ويزيد من احتمالية سباق تسلح جديد في الفضاء، حيث تحاول الدول الأخرى مضاهاة هذه القدرات أو تطوير وسائل لمواجهتها مثل الصين و روسيا من خلال حرب استعراضيه للتطور التكنولوجي الفضائي .
أخيرًا، تكمن نقطة ضعف أخرى في خطر سباق تسلح جديد محتمل. على الرغم من أن الهدف المعلن للمشروع هو ردع التهديدات المستقبلية من الدول التي تطور صواريخ باليستية متقدمة، إلا أن التاريخ يثبت أن بناء دفاعات قوية غالبًا ما يؤدي إلى تطوير أساليب هجومية أكثر تطورًا. قد تدفع 'القبة الذهبية' الخصوم إلى الاستثمار في تطوير صواريخ أسرع، أو أكثر قدرة على المناورة، أو حتى أسراب من المقذوفات الصغيرة التي يصعب اعتراضها، مما يخلق حلقة مفرغة من الإنفاق العسكري المتزايد وغير الفعال على المدى الطويل.
في الختام، بينما يمكن فهم دوافع الأمن القومي الكامنة وراء مشروع 'القبة الذهبية'، فإن المقال يوضوح أن هذا المشروع، في شكله الحالي، يعاني من نقاط ضعف جوهرية و سوف ينعكس من خلالها علي التداعيات البيئية الخطيرة في الفضاء والغلاف الجوي، وغياب أطر الحوكمة الدولية و القوانين في الفضاء، كلها عوامل تشير إلى أن 'القبة الذهبية' قد لا تكون الحل الأمني الشامل الذي يهدف إليه الرئيس ترامب ، بل قد تمثل استثمارًا محفوفًا بالمخاطر، يهدد استقرار البيئة الفضائية والأمن العالمي بأسره.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

أخبار السياحة
منذ 8 ساعات
- أخبار السياحة
ماذا ينتظر العالم في ظل التغير المناخي القاتم؟
كشفت دراسة جديدة أن نحو 40% من الأنهار الجليدية الموجودة اليوم محكوم عليها بالذوبان بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري المسببة للاحتباس الحراري. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 75% إذا وصل ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 2.7 درجة مئوية، وهو المسار الحالي للعالم. وحذر الباحثون من أن الخسارة الهائلة للجليد ستؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، ما يعرض ملايين الأشخاص للخطر ويزيد من موجات الهجرة الجماعية، كما سيؤثر بشكل كبير على المليارات الذين يعتمدون على الأنهار الجليدية في تنظيم موارد المياه اللازمة للزراعة. ومع ذلك، فإن خفض الانبعاثات الكربونية والحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، كما هو متفق عليه دوليا، يمكن أن ينقذ نصف كمية الجليد المتبقية. ورغم أن تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال مع استمرار ارتفاع الانبعاثات، إلا أن العلماء أكدوا أن كل جزء من الدرجة المئوية يتم تجنبه سيوفر 2.7 تريليون طن من الجليد. وأظهرت الدراسة أن الأنهار الجليدية في غرب الولايات المتحدة وكندا من بين الأكثر تضررا، حيث أن 75% منها محكوم عليها بالفناء. أما الأنهار الجليدية في جبال هندوكوش وكراكورام المرتفعة والباردة، فهي أكثر مقاومة، لكنها ستتقلص بشكل كبير مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية. واعتمدت هذه الدراسة على نمذجة متطورة لمسار 200 ألف نهر جليدي حول العالم، باستثناء غرينلاند وأنتاركتيكا. واستخدم الباحثون ثمانية نماذج محاكاة مختلفة، تم معايرتها بدقة باستخدام بيانات واقعية، لتتبع مصير هذه الكتل الجليدية العملاقة تحت سيناريوهات مناخية متباينة. وما يثير القلق أن الخسائر الجليدية لن تقتصر على القرن الحالي، بل ستستمر لآلاف السنين حتى لو توقف الاحتباس الحراري اليوم. وهذا التأخر الزمني الكبير بين سبب الذوبان ونتائجه الكاملة يجعل من الأنهار الجليدية مؤشرا فريدا على عمق الأزمة المناخية التي نواجهها. وأوضح الدكتور هاري زيكولاري، أحد قادة الفريق البحثي، أن 'كل جزء من الدرجة المئوية التي نتمكن من تجنبها ستنقذ مليارات الأطنان من الجليد'. وهذه الحقيقة العلمية تضع البشرية أمام مسؤولية أخلاقية، حيث أن القرارات التي نتخذها اليوم ستحدد شكل العالم الذي سيعيش فيه أحفادنا بعد قرون. وكان معروفا سابقا أن 20% من الأنهار الجليدية ستختفي بحلول عام 2100، لكن النظرة طويلة الأجل كشفت أن 39% من الجليد العالمي قد حكم عليه بالفناء بالفعل. وتمتد العواقب المتوقعة لهذا الذوبان الجليدي إلى مختلف مناحي الحياة. فبالإضافة إلى مساهمته في ارتفاع منسوب مياه البحار، سيتسبب اختفاء الأنهار الجليدية في اضطراب الأنظمة البيئية، وزيادة مخاطر انهيار البحيرات الجليدية، وتأثيرات خطيرة على المجتمعات التي تعتمد على هذه المصادر المائية للزراعة والشرب. وفي هذا السياق، تحذر الدكتورة ليليان شوستر من جامعة إنسبروك من أن 'ما نراه اليوم من تراجع للأنهار الجليدية هو مجرد بداية لقصة أطول بكثير'. وتضيف أن 'الأنظمة الجليدية تتأخر في استجابتها للتغير المناخي، ما يعني أن الأسوأ لم يأت بعد'. ورغم هذه الصورة القاتمة، تترك الدراسة باب الأمل مفتوحا. فبحسب النماذج، يمكن لالتزام العالم بحدود اتفاقية باريس للمناخ (1.5 درجة مئوية) أن ينقذ نصف كمية الجليد المهددة. هذا الهدف الذي يبدو بعيد المنال في ظل المسار الحالي، يبقى ممكنا مع الإرادة السياسية والتحول الجذري في سياسات الطاقة. ويلخص البروفيسور أندرو شيبرد من جامعة نورثمبريا الموقف بقوله: 'نحن أمام خيارين: إما أن نستمر في مسارنا الحالي لنشهد اختفاء معظم الأنهار الجليدية خلال القرون القادمة، أو نتحرك الآن لإنقاذ جزء مهم من هذا التراث الطبيعي'. ومع انعقاد المؤتمر الدولي رفيع المستوى لحماية الأنهار الجليدية في طاجيكستان، تبرز هذه الدراسة كنداء استغاثة عاجل للبشرية. فمصير هذه العمالقة الجليدية، التي صمدت لعصور جيولوجية، أصبح الآن بين أيدينا. المصدر: الغارديان


بوست عربي
منذ 15 ساعات
- بوست عربي
زيارة ترامب إلى الخليج: شراكات منفصلة لا تؤسس بالضرورة لمركز جيوسياسي دولي
لا تؤسس جولة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأخيرة إلى الخليج، والتي شملت السعودية وقطر والإمارات، لحقبة "إعادة الاندماج الأمريكي في الشرق الأوسط"، بل على العكس، أكدت أن أمريكا لا تخطط للعودة إلى المنطقة بوصفها ضامناً، بل كمزاول أعمال يبحث عن صفقات سريعة، ويقيس قيمة الشراكة بعدد الوظائف لا بدرجة الولاء، دون الحديث عن ضمانات أو أحلاف جديدة. ووفق تقرير نشره موقع " أسباب" للدراسات الجيوسياسية، فقد أشارت الزيارة إلى رؤية واشنطن للخليج باعتباره "محطة مركزية" في النظام العالمي الجديد القائم على التكنولوجيا والمال. وأتاحت الصفقات الكبيرة التي عقدها ترامب مع الدول الثلاث ربط الاقتصاد الخليجي بالمنظومة الأمريكية، ما يقيّد من انفتاح دول الخليج على بكين وموسكو. في المقابل، فإن دول الخليج أكدت أنها تستثمر استراتيجياً في تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة، وتراهن على تطويرها كخيار دولي أساسي، لكن كشراكات منفصلة، وليس باعتبار الخليج مركزاً جيوسياسياً متكاملاً أو موحداً. وأضاف تقرير "أسباب" أن ترامب تجاهل زيارة تل أبيب خلال جولته الخليجية، وأرسل رسالة واضحة أن مصالح بلاده تقتضي منطقة أكثر استقراراً، وهو ما يتعارض مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مواصلة حرب غزة وشن هجوم عسكري على إيران وتقويض الحكم الجديد في سوريا. ومع هذا، لا ينبغي المبالغة في تقدير التباينات بين ترامب ونتنياهو، إذ تظل الولايات المتحدة حليف إسرائيل الموثوق، ويظل دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل لا يقبل الشك. في 13 مايو/أيار 2025، عاد ترامب إلى الشرق الأوسط رئيساً للولايات المتحدة في ولاية ثانية، وسط تحولات عالمية متسارعة، وصعود للتعددية القطبية، وتراجع نسبي في الثقة بالسياسات الأمريكية. وجاءت الزيارة تحت شعار التعاون الاقتصادي، وحملت في طياتها أبعاداً أعمق: إعادة صياغة موازين النفوذ الإقليمية، وتكريس نهج المعاملة التجارية، وتأكيد أولويات واشنطن الإقليمية. وهيمنت الصفقات الاقتصادية والعسكرية على الزيارة، بما يشمل استثمارات وتعاقدات سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وفي الدوحة، بلغت قيمة الاستثمارات والتعاقدات 1.2 تريليون دولار، بينما التزمت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار على مدى العقد القادم، تركز على الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والطاقة، والتصنيع. وعلى المستوى السياسي، شهدت الزيارة قرارات أبرزها رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ولقاءً تاريخياً مع رئيسها أحمد الشرع. كما برزت دعوة ترامب لإيران للقبول بعرض أمريكي جديد بشأن برنامجها النووي، مع تحذيره من عواقب الرفض. الأرقام الرئيسية للصفقات مبالغ فيها، في ظل رغبة الجانبين في إظهار مدى تعاونهما، كما أن كثيراً من الاتفاقيات عبارة عن مذكرات تفاهم ما زالت غير ملزمة. ومع هذا، فإن هذه الخطط في مجملها تعكس توجهاً استراتيجياً أمريكياً واضحاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية مع دول الخليج في مواجهة التنافس مع الصين وروسيا. ترامب رجل الصفقات منذ أن دخل ترامب المشهد السياسي، وهو يقدم نفسه كرجل صفقات لا كرجل مبادئ أو قيم ومعتقدات. وفي السياسة الخارجية، هذا يترجم إلى نهج براغماتي قائم على مبدأ المقابل المادي المباشر، وليس التحالفات طويلة الأمد. ولذا تختلف رؤية ترامب للعلاقات الدولية عن تقاليد السياسة الأمريكية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تنظر إلى العالم من خلال عدسة "الدور القيادي الأمريكي"، والشراكات المؤسسية المتعددة الأطراف، ونشر "القيم الأمريكية". فترامب يرى أن العالم سوق مفتوح، وأن الدول الأخرى زبائن محتملون. عاد ترامب إلى البيت الأبيض محملاً بوعود بإنهاء الحروب، وتركيز السياسة الخارجية على الصفقات بدلاً من الالتزامات طويلة الأجل. ويأتي الشرق الأوسط ضمن هذه المقاربة الترامبية: تأثير بلا احتلال، وتحالفات وظيفية لا مؤسساتية. وتجلى هذا المنطق في زيارة ترامب للخليج. فالمعارك التي تخوضها واشنطن لم تعد ترتكز إلى مفاهيم من نوعية الالتزام بالأمن الجماعي للخليج، بل ترتكز إلى الربح المباشر. ولذا، كانت الزيارة في الأساس صفقات استثمارية، تؤكد على نهج ترامب بأن "أمريكا قوية حين تتحالف مع من يملك المال والطموح، لا من يستهلك أمنها"، كما أنها تتيح ربط الاقتصاد الخليجي بالمنظومة الأمريكية، ما يقيّد من انفتاح دول الخليج على بكين وموسكو، ويثبت واشنطن كمصدر أول للثقل المالي والتكنولوجي. بدأت جولة ترامب من الرياض، في مواصلة لاتجاه بدأه في ولايته الأولى، حين اختار الرياض كمحطة لزيارته الخارجية الأولى عام 2017. وعلى الرغم من أن السعودية هذه المرة جاءت كمحطة ضمن جولة أوسع، فإن الرياض ظلّت محوراً لزيارة ترامب للمنطقة. وقد استُقبل ترامب بحفاوة بالغة، وشهدت الزيارة الإعلان عن اتفاقيات استثمارية بقيمة 600 مليار دولار، وبالأخص صفقات تسلّح وتعاون تكنولوجي بقيمة 142 مليار دولار، واستثمار 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، وصفقة محتملة لبناء مفاعلات نووية مدنية بإشراف أمريكي جزئي. وتسعى السعودية لبناء سياسة خارجية أكثر توازناً ومتعددة الأقطاب، لا تهمل موسكو أو بكين. ولذلك، فإن الرياض التي تنظر إلى العلاقة مع واشنطن باعتبارها ضمانة استراتيجية، فإنها أيضاً تسعى للاستفادة من فرصة التفاوض مع شريك لم يعد وحده في الساحة. ولذا جاء الرد السعودي فيما يخص التطبيع حذراً ومشروطاً: لا تطبيع دون مكاسب ملموسة للفلسطينيين، وضمانات أمنية حقيقية للسعودية. وعلى الرغم من تمسك الرياض بتطوير الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلا أنها تواصل بالتوازي تنويع علاقاتها الدولية، خاصة مع الصين وروسيا والهند. وأرسلت الزيارة رسالة واضحة حول موقع السعودية في استراتيجية ترامب في المنطقة، وربما على الصعيد الدولي أيضاً، إذ يراهن على المملكة في قيادة المنطقة العربية، وفي التأسيس لتوازن نفوذ إقليمي مع كل من تركيا وإسرائيل، وربما أيضاً إيران إذا توصل لاتفاق معها. وتؤكد مشاركة الرئيس التركي افتراضياً، وعقد المباحثات الجديدة مع روسيا في إسطنبول، أن ترامب يحتفظ لأنقرة بدور إقليمي واسع أيضاً. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تريد من حلفائها الثلاثة (تركيا والسعودية وإسرائيل) التفاهم حول سوريا وتحمل عبء مستقبلها دون صدام. وللمفارقة، فإن الرئيس السوري أيضاً يتبنى نفس النهج؛ إذ يسعى لشراكة استراتيجية مع السعودية يوازن بها شراكته الضرورية مع تركيا، وعقد تفاهمات شاملة مع تل أبيب تجنّب النظام الجديد الصدام معها. ويتضح من ذلك أن واشنطن تراهن على الرياض ليس اقتصادياً فحسب، بل استراتيجياً أيضاً. فبالنظر إلى تقلبات المنطقة، تبرز الحاجة إلى هيكل أمني جديد يُخفف العبء الذي تحملته واشنطن لما يقرب من قرن. قطر: شراكة متعددة الأبعاد كانت الدوحة ثاني محطات ترامب الخليجية، فزار قاعدة العديد العسكرية، كما شهد توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ضخمة، وتعهدات بتبادل اقتصادي بين الولايات المتحدة وقطر بقيمة تصل إلى 1.2 تريليون دولار، ومن ضمنها اتفاقية لشراء 210 طائرات من طراز بوينغ بقيمة 96 مليار دولار، تُعد الأكبر في تاريخ الشركة، وصفقات دفاعية تشمل طائرات مسيّرة وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار بقيمة إجمالية تتجاوز 3 مليارات دولار، واستثمار 200 مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية التكنولوجية. وحرص ترامب على الإشارة إلى الدور القطري في التوسط بين واشنطن وطهران، مما أبرز أهمية دور الدوحة كشريك دبلوماسي يلعب دوراً حيوياً في القنوات الخلفية المعقدة، فهي وسيط رئيسي في ملف غزة، ولديها علاقات مرنة مع إيران وروسيا وأفغانستان ولبنان وسوريا. وبالنسبة للدوحة، فإن رغبة الإدارة الأمريكية في احتواء أزمات المنطقة تمثل فرصة؛ إذ ستكون الحاجة لجهود الوساطة ضرورية ومستمرة، مما يزيد من فرص قطر لتعزيز نفوذها الدبلوماسي، ومواصلة العمل عن قرب مع الولايات المتحدة. الإمارات: البيانات بدلاً من النفط في الإمارات، لا تدور الشراكة مع واشنطن حول الأمن مقابل النفط، بل تُبنى على تفاعل معقد بين التموضع الاقتصادي والانخراط التكنولوجي والأدوار الأمنية. فالإمارات لا تسعى إلى قيادة إقليمية بالمفهوم التقليدي، بل إلى تميز وظيفي يمنحها موقعاً لا يمكن تجاوزه في خرائط واشنطن الجديدة. وتقدم أبوظبي لترامب نموذجاً براغماتياً، تتقاطع فيه المصالح بهدوء. فالإمارات في هذا السياق لا تمثل عبئاً جيوسياسياً، بل أصلاً قابلاً للتداول: دولة صغيرة بحجمها، لكنها كبيرة بوظيفتها في المنظومة. ومنذ سنوات، تقوم استراتيجية أبوظبي على بناء شبكات لوجستية وإعلامية ومالية تتجاوز حجم الدولة، مما يجعلها شريكاً مثالياً لإدارة ترامب، التي تقدّر الكفاءة والموارد والانضباط السياسي. ولذا، لم تركز زيارة ترامب على زيادة التمركز العسكري الأمريكي في الإمارات، بل على تعزيز البنية التحتية للتعاون، خاصة الذكاء الاصطناعي، أمن الموانئ، إدارة سلاسل الإمداد. وضمن هذا السياق، أعلن الرئيس الإماراتي أن بلاده ستستثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة، تشمل شراكة لبناء أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة في أبوظبي، لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي بقدرة 5 جيجاوات. وهو ما يبرهن أن القواعد العسكرية التقليدية لم تعد وحدها محور العلاقة. كذلك برز ملف العلاقات مع إسرائيل خلال الزيارة باعتباره نموذجاً لنجاح السياسة الأمريكية في ولاية ترامب الأولى. وبدا أن إدارة ترامب تنظر إلى الإمارات كحجر زاوية في مساعيها لتوسيع اتفاقات إبراهام، لا بوصفها مجرد طرف موقّع، بل كحاضنة قادرة على تقديم تغطية ناعمة لدول عربية أخرى قد تدخل لاحقاً في حلبة التطبيع. ورغم جاذبية العلاقة مع إدارة ترامب، فإن السياسة الأمريكية مؤخراً تفتقر إلى الاتساق المؤسسي، وقد يجرّ هذا الإمارات إلى مواقف مفاجئة لا تتسق مع سلوكها الحذر. فبحكم موقعها كمحور لوجستي، تحرص الإمارات على التعاون مع الصين في مشاريع كبرى كالموانئ والسكك الحديدية والطاقة، لكنها في الوقت نفسه ستتعرض لضغوط أمريكية مستمرة لفك الارتباط التقني مع بكين. هذا التوازن مرهق، ويجعل من الشراكة مع واشنطن عبئاً في بعض الأحيان، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تتجاوب حتى الآن مع مساعي الإمارات للتوصل إلى اتفاق شراكة دفاعية ملزمة مع الولايات المتحدة.

أخبار السياحة
منذ 18 ساعات
- أخبار السياحة
أسعار العملات العالمية.. ارتفاع الدولار وهبوط اليورو والإسترليني
ارتفع الدولار عالميًا خلال تعاملات اليوم الجمعة، مع ترقب مؤشر التضخم المفضل لدى الفيدرالي، بالتزامن مع تزايد عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية، عقب إعادة محكمة الاستئناف العمل بتعريفات 'ترامب' لحين البت في الطعون. وصعد مؤشر الدولار الذي يعبر عن قيمة العملة الأمريكية مقابل سلة من 6 عملات رئيسية- بنسبة 0.3% إلى 99.58 نقطة، ليتجه إلى تسجيل مكاسب أسبوعية وشهرية. سعر اليورو اليوم وانخفض اليورو بنسبة 0.3% إلى 1.1329 دولار، والجنيه الإسترليني بنسبة طفيفة 0.1% إلى 1.3471 دولار، في حين انخفضت العملة الأمريكية أمام نظيرتها اليابانية بنسبة 0.15% إلى 144.05 ين. وأعادت محكمة الاستئناف الفيدرالية مؤقتا العمل بالرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب يوم واحد فقط من قرار المحكمة التجارية بوقفها فورًا. أسعار نفقات الاستهلاك ويترقب المستثمرون صدور قراءة مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في أبريل، ومن المتوقع تباطؤه إلى 2.5% على أساس سنوي، بعد ارتفاعه بنسبة 2.6% في مارس.