logo
رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة

رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة

العربي الجديدمنذ 2 أيام
في مقال تحليلي نُشر أمس الجمعة على موقع (Solidaritet.dk)، قدّم الكاتب والمؤلف الدنماركي جون غراوسغورد مقارنة لافتة بين قصف غزة اليوم وتفجير القنبلة الذرية في
هيروشيما
عام 1945، محذراً من أن
الحروب
الحديثة
، التي تدار عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأقمار الصناعية، ألغت كلياً التمييز بين الجندي والمدني.
يرى غراوسغورد أن القنابل التقليدية التي تزود بها
الولايات المتحدة
حلفاءها، ومنها قنابل ضخمة تزن حوالي ألفي رطل زُوّدت بها
إسرائيل
، تقترب في قدرتها التدميرية من "القنابل الذرية الصغيرة". ويؤكد أن غزة تحولت إلى ما يشبه "لحظة هيروشيما"، إذ أصبح اللامعقول أمراً اعتيادياً، و"قتل المدنيين باسم الضرورة العسكرية" امتدادٌ لإرث قديم يعيد إلى الأذهان مشاهد الإبادة من ناغازاكي وهيروشيما، مشدداً على أن من لا تروقه المقارنة يمكنه النظر إلى تدمير دريسدن وهامبورغ.
الصورة
دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على غزة، 24 يوليو 2025 (رويترز)
وذكر الكاتب أن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما قتلت 70 ألف شخص على الفور، و70 ألفاً آخرين لاحقاً. حينها، احتُفي بها بوصفها وسيلة "ضرورية" لإنهاء الحرب، رغم أنها أصبحت رمزاً للشر البشري. واليوم، بحسب غراوسغورد، تُستخدم الحجة ذاتها في تبرير المجازر في غزة: "لأننا نستطيع، سنفعل"، منبهاً إلى أن التكنولوجيا لم تجعل الحروب أقل دموية، بل زادت من فعاليتها التدميرية. أسلحة ذكية، طائرات مسيّرة، وبرمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، جميعها تُستخدم اليوم في غزة من دون اعتبار لتكلفة بشرية باهظة. ويتابع الكاتب: "اليوم، تواصل إسرائيل هذا النوع من الحرب الشاملة في غزة، حيث تحاول حركة مقاومة مسلحة الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال"، مؤكداً: "يكفي الاشتباه بوجود مقاوم في مبنى لتحويله إلى أنقاض... وجميع السكان ضحايا". ويضيف أن عمليات قصف قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تُنفذ ضمن منطق "هيروشيما الجديد" الذي يدمر بشكل ممنهج من دون اعتبار المجتمع المدني "مقتنعين بأن القصف ضروري لأنّ الإمكانية التقنية موجودة"، وهذا ما يسميه "تعصباً تقنياً" يتم فيه اختبار أسلحة جديدة على بشر حقيقيين من دون شعور تجاه منفذيها أو بمن يدعمهم سياسياً.
رصد
التحديثات الحية
شهادات جنود إسرائيليين لصحيفة دنماركية: أوامر بالقتل العشوائي
يشير غراوسغورد إلى تحول الحرب إلى "مختبر" فعلي لاختبار أسلحة ذكية، تدمّر مناطق كاملة بسرعة مذهلة، فيما يتم تغييب العامل البشري عن اتخاذ القرار. ويستشهد بمقال للباحث الأميركي ويليام هارتونغ على موقع (TomDispatch)، يحذّر فيه من أن الأسلحة الموجهة بالذكاء الاصطناعي تتيح تدمير أهداف مدنية بسرعة غير مسبوقة، وتُسند قرارات القتل إلى خوارزميات مبرمجة مسبقاً.
ويُسلط الكاتب الضوء على دور الشركات الأميركية الخاصة في هذا المسار، خصوصاً شركة "بالانتير" (Palantir)، المملوكة للملياردير بيتر ثيل، ورئيسها التنفيذي أليكس كارب. هذه الشركة، بحسب غراوسغورد، على علاقة وثيقة بالبنتاغون والحكومة الإسرائيلية، وتقدم تقنيات تُستخدم حالياً في استهداف الأحياء المدنية في غزة. ويستشهد بتصريح نُسب إلى كارب، مفاده أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "مشروع مانهاتن جديد" لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري، يضمن سيطرة الغرب على "أسلحة القرن"، مثل أسراب الطائرات المسيّرة وأنظمة الاستهداف الآلي.
يعتبر غراوسغورد أن هذه المقاربة تُعيد إنتاج عقلية عنصرية، ترى في شعوب العالم "الأدنى" مادة قابلة للإبادة. فكما لم يُبدِ الغرب في الحرب العالمية الثانية تعاطفاً كبيراً مع المدنيين اليابانيين كما فعل مع ضحايا جرائم النازية في أوروبا، يتجاهل اليوم ما يجري في غزة، متذرعاً باعتبارات أمنية أو تحالفات استراتيجية. ويضيف ساخراً: "حتى رائحة اللحم البشري المحترق لم تعد تزعج منفذي الضربات أو داعميهم السياسيين".
إعلام وحريات
التحديثات الحية
صحيفة دنماركية تنشر صور أطفال غزة: "كي لا يقال لم نكن نعلم"
في هذا السياق، يشير الكاتب إلى أن إسرائيل، وفق تقارير عدة، تستخدم أنظمة مثل "Habsora" لتحليل المعلومات وتسريع اتخاذ القرار في قصف الأهداف، ما يجعل العمليات أكثر "فعالية"، ولكن أقل مراعاة لأي بُعد إنساني. وأمام هذه الأتمتة المتوحشة للحرب، يحذر غراوسغورد من تلاشي الضمير الإنساني، ومن تحوّل الضحية إلى رقم في قاعدة بيانات حربية.
ويختتم الكاتب باقتباس من المفكر الأميركي هنري جيرو، نشره في مجلة (Monthly Review)، قال فيه: "امتلاك المعرفة والنقد والاستعداد للنضال من أجل عالم أفضل يتطلب شجاعة هائلة... في مثل هذه الأوقات، وكما أشارت حنة أرندت، أصبح التفكير بحد ذاته مخاطرة". ثم يعلق غراوسغورد بأن غزة اليوم ليست فقط ميدان معركة، بل مرآة لعصر يختفي فيه الإنسان خلف لوغاريتمات القتل، وتصبح التكنولوجيا سلاح إبادة ممنهجاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تزايد الإشارات الأميركية الملغومة حول مصير غزة بعد التجويع
تزايد الإشارات الأميركية الملغومة حول مصير غزة بعد التجويع

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

تزايد الإشارات الأميركية الملغومة حول مصير غزة بعد التجويع

قال السيناتور الأميركي، الجمهوري ليندسي غراهام الأحد، إن " إسرائيل تعتزم تغيير تكتيكها لتقوم بما قمنا به في طوكيو وبرلين (في الحرب العالمية الثانية)، بحيث تسيطر بالقوة على غزة بكاملها، ثم تبدأ فيها من جديد، وبما يوفر مستقبلاً أفضل للفلسطينيين، على أمل أن يتولى العرب بعد ذلك أمر الضفة والقطاع". بعده بساعات، وبعد نفيه وجود مجاعة في غزة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 ، إن "على إسرائيل أن تقرر بشأن الخطوة التالية في غزة". في التوقيت والمضمون، كلا التصريحين مثقل بإشارات قاتمة حول مرحلة ما بعد حرب التجويع، خاصة أن هذا الكلام الملغوم يأتي على خلفية انسحاب واشنطن أواخر الأسبوع المنصرم من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والذي قال ترامب إنه لا يدري ما ستكون عليه الأحوال في القطاع بعد انهيار المفاوضات، من دون ولو أي تلميح، إلى احتمال استئنافها، وكأنه بذلك استبعد العودة إليها، على الأقل في المدى المنظور، وكأن الحرب تقرر أن يجري دفعها باتجاه انسداد الحلول، وبالتالي نحو خيارات دراماتيكية. ما كشف عنه السيناتور غراهام المقرّب من الرئيس ترامب، ومن مطبخ القرار الاسرائيلي، مريب وخطير. المقارنة مع طوكيو وبرلين لا تستقيم. ظروف البداية المزمعة في غزة غير متوفرة، كما كانت آنذاك في ألمانيا واليابان. الولايات المتحدة التي أنزلت الخراب بالبلدين هي نفسها التي ساهمت في نهوضهما، عبر مشروع مارشال في أوروبا ومن ضمنها ألمانيا، كما عن طريق المساعدة في إعادة تأهيل اليابان. في حالة غزة هذا غير وارد أصلاً، بل إن إسرائيل، أو على الأقل، الفريق النافذ في حكومتها، يعمل باتجاه الخلاص من فلسطينيي القطاع، عبر حرب "التطهير العرقي"، وهو تعبير صار متداولاً بصورة متزايدة ليس فقط من جانب أكاديميين وصحافيين إسرائيليين، بل أيضاً من يهود أميركيين. تقارير عربية التحديثات الحية إدخال المساعدات إلى غزة... إطالة أمد الحرب ودعاية مضادة والأخطر في طرح السيناتور، أنه يلغي حق الفلسطينيين في تقرير المصير بأي صورة من الصور، إذ يتحدث عن دور عربي "مأمول" لإدارة شؤون الضفة والقطاع، وفي ذلك دعوة ضمنية لمحو الهوية الفلسطينية. قد يكون كلامه غير المسبوق، للإرباك أو لذرّ الرماد في العيون، لحجب ما يتم تحضيره لغزة. لكن صدور طروحات من هذا العيار في هذه اللحظة المصيرية المفتوحة على سيناريوهات نوعية تشمل تحولات محتملة في الخرائط، يفرض أخذه على محمل الجدّ، خصوصاً أن الرئيس ترامب طالب إسرائيل "بأخذ القرار" المطلوب. وكأنه في ذلك يعطي الضوء الأخضر من جديد لوضع "البدائل الأخرى" التي أشار إليها بيان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عند إعلان الانسحاب من المفاوضات، موضع التنفيذ. وهذه "البدائل" ما زالت موضع تكهنات تتراوح بين خيار عسكري نوعي، وبين إجراءات تكون جزءاً من سياسة "تغيير وجه الشرق الأوسط" التي سبق وهدد بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. الواضح حتى اللحظة أن التوافق قائم بين نتنياهو والإدارة بشأن غزة. حتى الآن، الإدانة مفقودة، رغم الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تمارس سياسة التجويع الفاقع. فقط في الكونغرس، جرى إعداد رسالة بتوقيع 20 سيناتوراً لرفعها اليوم الاثنين إلى وزير الخارجية ماركو روبيو حول الوضع في غزة. الإدارة غطّت على الإحراج، إما بالصمت والتجاهل، وإما بالنكران، رغم تزايد الرفض والنقمة ضد إسرائيل، سواء في الإعلام ووسائل التواصل، أو في المداولات والردود التي شارك فيها الأحد وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، خلال استضافة متلفزة أكّد فيها أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية "لإعادة الاعتبار إلى حل الدولتين". صورة الأوضاع المفجعة التي تنقلها الشاشات، خلقت حالة من النفور الواسع، خصوصاً في صفوف الرأي العام، حسب ما كشفته أرقام التبرعات المالية لأعضاء الكونغرس، حيث هبط التمويل العام لحملات المؤيدين لإسرائيل، لكن الإدارة في وادٍ آخر، تُعدّ العدة لترجمة "البدائل" التي لوّحت بها. وبانتظار ذلك، يجري ملء الوقت بهدنات يومية قصير، يتخللها فتح إضافي خفيف لحنفية الإمدادات الإنسانية، بغرض تنفيس الضغوط، وتخفيف درجة الإحراج.

رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة
رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة

في مقال تحليلي نُشر أمس الجمعة على موقع ( قدّم الكاتب والمؤلف الدنماركي جون غراوسغورد مقارنة لافتة بين قصف غزة اليوم وتفجير القنبلة الذرية في هيروشيما عام 1945، محذراً من أن الحروب الحديثة ، التي تدار عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأقمار الصناعية، ألغت كلياً التمييز بين الجندي والمدني. يرى غراوسغورد أن القنابل التقليدية التي تزود بها الولايات المتحدة حلفاءها، ومنها قنابل ضخمة تزن حوالي ألفي رطل زُوّدت بها إسرائيل ، تقترب في قدرتها التدميرية من "القنابل الذرية الصغيرة". ويؤكد أن غزة تحولت إلى ما يشبه "لحظة هيروشيما"، إذ أصبح اللامعقول أمراً اعتيادياً، و"قتل المدنيين باسم الضرورة العسكرية" امتدادٌ لإرث قديم يعيد إلى الأذهان مشاهد الإبادة من ناغازاكي وهيروشيما، مشدداً على أن من لا تروقه المقارنة يمكنه النظر إلى تدمير دريسدن وهامبورغ. الصورة دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على غزة، 24 يوليو 2025 (رويترز) وذكر الكاتب أن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما قتلت 70 ألف شخص على الفور، و70 ألفاً آخرين لاحقاً. حينها، احتُفي بها بوصفها وسيلة "ضرورية" لإنهاء الحرب، رغم أنها أصبحت رمزاً للشر البشري. واليوم، بحسب غراوسغورد، تُستخدم الحجة ذاتها في تبرير المجازر في غزة: "لأننا نستطيع، سنفعل"، منبهاً إلى أن التكنولوجيا لم تجعل الحروب أقل دموية، بل زادت من فعاليتها التدميرية. أسلحة ذكية، طائرات مسيّرة، وبرمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، جميعها تُستخدم اليوم في غزة من دون اعتبار لتكلفة بشرية باهظة. ويتابع الكاتب: "اليوم، تواصل إسرائيل هذا النوع من الحرب الشاملة في غزة، حيث تحاول حركة مقاومة مسلحة الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال"، مؤكداً: "يكفي الاشتباه بوجود مقاوم في مبنى لتحويله إلى أنقاض... وجميع السكان ضحايا". ويضيف أن عمليات قصف قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تُنفذ ضمن منطق "هيروشيما الجديد" الذي يدمر بشكل ممنهج من دون اعتبار المجتمع المدني "مقتنعين بأن القصف ضروري لأنّ الإمكانية التقنية موجودة"، وهذا ما يسميه "تعصباً تقنياً" يتم فيه اختبار أسلحة جديدة على بشر حقيقيين من دون شعور تجاه منفذيها أو بمن يدعمهم سياسياً. رصد التحديثات الحية شهادات جنود إسرائيليين لصحيفة دنماركية: أوامر بالقتل العشوائي يشير غراوسغورد إلى تحول الحرب إلى "مختبر" فعلي لاختبار أسلحة ذكية، تدمّر مناطق كاملة بسرعة مذهلة، فيما يتم تغييب العامل البشري عن اتخاذ القرار. ويستشهد بمقال للباحث الأميركي ويليام هارتونغ على موقع (TomDispatch)، يحذّر فيه من أن الأسلحة الموجهة بالذكاء الاصطناعي تتيح تدمير أهداف مدنية بسرعة غير مسبوقة، وتُسند قرارات القتل إلى خوارزميات مبرمجة مسبقاً. ويُسلط الكاتب الضوء على دور الشركات الأميركية الخاصة في هذا المسار، خصوصاً شركة "بالانتير" (Palantir)، المملوكة للملياردير بيتر ثيل، ورئيسها التنفيذي أليكس كارب. هذه الشركة، بحسب غراوسغورد، على علاقة وثيقة بالبنتاغون والحكومة الإسرائيلية، وتقدم تقنيات تُستخدم حالياً في استهداف الأحياء المدنية في غزة. ويستشهد بتصريح نُسب إلى كارب، مفاده أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "مشروع مانهاتن جديد" لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري، يضمن سيطرة الغرب على "أسلحة القرن"، مثل أسراب الطائرات المسيّرة وأنظمة الاستهداف الآلي. يعتبر غراوسغورد أن هذه المقاربة تُعيد إنتاج عقلية عنصرية، ترى في شعوب العالم "الأدنى" مادة قابلة للإبادة. فكما لم يُبدِ الغرب في الحرب العالمية الثانية تعاطفاً كبيراً مع المدنيين اليابانيين كما فعل مع ضحايا جرائم النازية في أوروبا، يتجاهل اليوم ما يجري في غزة، متذرعاً باعتبارات أمنية أو تحالفات استراتيجية. ويضيف ساخراً: "حتى رائحة اللحم البشري المحترق لم تعد تزعج منفذي الضربات أو داعميهم السياسيين". إعلام وحريات التحديثات الحية صحيفة دنماركية تنشر صور أطفال غزة: "كي لا يقال لم نكن نعلم" في هذا السياق، يشير الكاتب إلى أن إسرائيل، وفق تقارير عدة، تستخدم أنظمة مثل "Habsora" لتحليل المعلومات وتسريع اتخاذ القرار في قصف الأهداف، ما يجعل العمليات أكثر "فعالية"، ولكن أقل مراعاة لأي بُعد إنساني. وأمام هذه الأتمتة المتوحشة للحرب، يحذر غراوسغورد من تلاشي الضمير الإنساني، ومن تحوّل الضحية إلى رقم في قاعدة بيانات حربية. ويختتم الكاتب باقتباس من المفكر الأميركي هنري جيرو، نشره في مجلة (Monthly Review)، قال فيه: "امتلاك المعرفة والنقد والاستعداد للنضال من أجل عالم أفضل يتطلب شجاعة هائلة... في مثل هذه الأوقات، وكما أشارت حنة أرندت، أصبح التفكير بحد ذاته مخاطرة". ثم يعلق غراوسغورد بأن غزة اليوم ليست فقط ميدان معركة، بل مرآة لعصر يختفي فيه الإنسان خلف لوغاريتمات القتل، وتصبح التكنولوجيا سلاح إبادة ممنهجاً.

من المسؤول عن مأساة غزة وحرب إبادتها؟
من المسؤول عن مأساة غزة وحرب إبادتها؟

القدس العربي

timeمنذ 2 أيام

  • القدس العربي

من المسؤول عن مأساة غزة وحرب إبادتها؟

من المفترض أو المطلوب لأي تحليلٍ يريد أن يكون عقلانياً أو موضوعياً أن يتجرد قدر الإمكان من العواطف، خاصةً الجياشة الهادرة منها، وما أكثرها هذه الأيام. نطالب، ممن ينتظرون كلاماً عاقلاً، أو من أنفسنا إذا كنا جادين، ببرودة الثلج لدى التحليل، لكي نصل إلى تصوراتٍ واقتراحاتٍ تطرح حلولاً لما يحيق بنا، خاصةً إزاء مجزرةٍ ودمارٍ لا مثيل لهما، ولكي نتجنب الانسياق بدورنا في المزيد من الإثارة والتهييج، اللذين قد يؤديان إلى إشعال الأمور أكثر مما هي عليه (وإن كان يصعب تصور إمكانية هذا)، ومن ثم إلى الانزلاق إلى المزيد من التهور والدمار في دائرةٍ مفرغة. للإنصاف، يصعب تصور هذا أيضاً في ضوء العجز العربي الشامل والتام، إلا أنني أرى فائدة محاولة التفكير بهدوء، في خضم حمّامات الدم، وفي قلب الصراع المحتدم، للتمكن من طرح الأسئلة الحقيقية، الأهم، ومن ثم محاولة الخروج من تلك الهوة أو الجُرف الذي لم نزل نتردى فيه دون أي مؤشرٍ على قاعٍ قد نصل له، فنأمل بمعاودة الصعود. أسئلةٌ مثل: كيف وصلنا إلى هذه الحال من الضعف والضعة والهوان؟ كيف نخرج من هذا الوضع؟ ما الذي نتوقعه من إسرائيل وأمريكا؟ والأهم من كل هذا هل هما المسؤولان عن هذه المجزرة؟ فإن لم يكونا فمن المسؤول؟ بدايةً لا بد من الإشارة إلى كون جيلي وما تلاه لم يعش (بل لم يشهد مثيلاً ولا شبيهاً ولو من بعيد)، جولةً من الحرب بهذا الطول بيننا وبين كيان الاحتلال مذ زف إلينا الرئيس المؤمن السادات أن أكتوبر آخر الحروب، وهو الأمر الذي لم يلبث أن كذبه الرصاص والنيران، كما حدث في اجتياح كيان الاحتلال للبنان في عملية الليطاني في 1978، على سبيل المثال، والشاهد أن المعارك لم تتوقف من حينها؛ غير أن الأكيد أنه منذ وضعت حرب 73 وتوابعها أوزارها، لم يعرف الصراع العربي الإسرائيلي جولةً بهذا الطول، أما إذا قيس الأمر بحجم الدمار والنية المعقودة على التهجير، فنحن بصدد الكارثة الثالثة بعد نكبة 48 وهزيمة 67. الأنظمة العربية التي لم توقف ولم تهدد بوقف استثماراتها، مهدت الطريق للمأساة والاستخفاف بالدم الفلسطيني، والخروج من هذا المأزق يبدأ بحل استعصائنا العربي، لا الرهان على رحمة الغرب الفارق الرئيسي أن العالم العربي لم يكن يوماً بهذا الموات والتشرذم؛ حتى حين كانت جل دوله لم تزل واقعةً تحت الاحتلال بشتى صيغه، بين انتدابٍ واستيطانٍ كالجزائر مثلاً، لم يكن العرب مسكونين بالهزيمة إلى هذا الحد. كانت هناك آمالٌ عريضة بالتحرر والغد الأفضل (في سياق تيارٍ عالميٍ عارم للتحرر ما بين موجة الاستقلال عقب الحرب العالمية الثانية، وتفكيك الاستعمار القديم وموجة مظاهرات الطلبة والحرب الفيتنامية)، كما كان هناك تحدٍ وإرادة وتيارات سياسية لديها رؤى وتصورات للنهوض بهذه المجتمعات وتقديم البدائل والحلول. نظرياً، أو رسمياً على الأقل، كل الدول العربية باستثناء فلسطين، مستقلة وفي المجمل تملك الدول العربية ثرواتٍ طائلة (خاصة في مصادر الطاقة)، ولم يتغير موقعها الجغرافي، فما زالت على مفترقات الطرق الأهم في حركة التجارة العالمية، وزاد عدد سكانها وصاروا أكثر تعليماً وزاد توافر الكوادر، فما الذي حدث؟ أزعم أننا جميعاً نعلم الإجابة الحقيقية وإن لم يصرح البعض بها. على الرغم من حيطتي وتحفظي على ما يكتبه الصحافي الراحل هيكل، إلا أنني أجدني لا أتفق معه في شيء بالقدر نفسه حين كان يذكر (نقلاً عن لسان كيسنجر، إذا لم تخني الذاكرة) بأن السادات لم يكن يجيد استخدام أوراقه. وكان هو أيضاً (السادات) من أشاد بالشاه قبل سقوطه في إحدى محاوراته مع أحمد بهاء الدين، حين قال، إن الشاه هو الأفطن والأحكم، إذ أدرك أن كل الأوراق مع أمريكا (فجلس على حجرها وتعلق بجلبابها) في استعارةٍ بتشبث الطفل بأمه. لقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه نتيجة خيار استراتيجيٍ واعٍ بالتسليم لأمريكا، بالاصطفاف معها وفي محورها، «بالجلوس على حجرها» والتسليم أو التنازل طوعاً عن كل الأوراق المهمة لها؛ حتى فزاعة الإسلام السياسي، التي كان أمثال مبارك يلعبون بها، لم تكن أكثر من تحسين شروط القران المقرر سلفاً. لقد سقطت كل المشاريع الكبرى كالتنمية والنهوض إلخ (بفرض أنها وجدت أصلاً) وصار المشروع الأساسي (إن لم يكن الوحيد) للأنظمة هو بقاء النظام نفسه والطبقة المتحلقة حوله والمستفيدة منه؛ نحن لم نزل نعيش في ظل، وندفع ثمن، رثاثة ورداءة البورجوازية العربية المسكونة بالغرب والمهووسة حد الانسحاق به؛ ربما كان من الأدق أو على الأقل الجائز أن ننظر لعبد الناصر بشخصه (وأحياناً بتوابعه وإن بصورةٍ أقل) كجملةٍ اعتراضية ومحاولة للإفلات من هذا الوضع البائس والتبعية التي كانت البورجوازية المصرية والعربية بوجهٍ عام مستسلمةً مستمتعةً به تجاه رأس المال الغربي، إلا أنها ما لبثت أن تسللت ثم سيطرت مرةً أخرى. لقد كان التسليم والهزيمة خياراً واعياً للأنظمة العربية، معادلة مفادها: نسلم في القضايا المصيرية كلها مقابل أن تصبح أمريكا/إسرائيل، الضامن لبقاء النظام، أو على الأقل ألا تتآمرا على إسقاطه (أحسب النتيجة واحدة على اختلاف الصياغة والآلية)؛ هذا بالطبع في الخطوط العريضة بما يتحمل ويتيح مساحة للخلاف في صغائر الأمور هنا وهناك. ما أن نتقبل هذا الطرح أو الفرضية، فإن كل تصرفات وتوجهات الأنظمة تصبح مفهومةً ومنطقية، إذ تصير السيطرة على الشعوب ومنعها من الانجراف الصادق والمفهوم والنبيل في دعم الحق والنضال الفلسطينيين، هي الهم والشغل الشاغل للأنظمة، كما يصبح التناقض الرئيسي بين الأنظمة والشعوب لا مع إسرائيل، فبحساب المكسب والخسارة (من وجهة نظر الأنظمة كالمصري وبعض الأسر الحاكمة في الخليج) فإن تصفية القضية الفلسطينية والكتلة البشرية الفلسطينية، يصبح الخيار الأسهل والأرخص بالنسبة لها، وكما كان رابين يود أن يستيقظ فيجد غزة قد غرقت في البحر فإن هؤلاء «القادة» العرب (مع التجاوز في استخدام الكلمة والإقرار بأن كلمة أخرى قريبة هي الأدق والأليق) ربما يتمنون أن يستيقظوا فيجدوا الفلسطينيين نسلاً وسلالةً قد تبخروا كـ»فلسطينيين» وذابت هويتهم وتلاشت تماماً. أن تكون هذه منحة من السماء لهم ونهايةً للصداع بزوال صاحب الحق، ومن ثم نهاية المطالبة به وزوال جهة الادعاء؟ ربما يكون هذا الكلام قاسياً، إلا أننا في وقتٍ ومنعطفٍ لم نعد نملك فيه رفاهية تخفيف نبرة الكلام. كما أننا لا نجد تفسيراً آخر لكيف أن هذه الأنظمة والدول تقف عاجزةً تماماً عن وقف هذه المجزرة وإيصال رغيفٍ، أو مجرد كسرة خبز، دون موافقة كيان الاحتلال الإجرامي (الأمر الكفيل بإثارة الجنون) إلا بأنها سلمت كل أوراقها وإرادتها تماماً. هذه هي الإجابة على السؤال عنوان المقال: إن المسؤول هو تواطؤ الأنظمة العربية التي سحقت شعوبها، وبددت كل القوى السياسية ورؤاها، هو التفكك العربي وعجز الشعوب التي لم تعد تنتظر سوى تغير المزاج الغربي، حين يصل جيل الشباب الذي رأي وفهم وتألم إلى سدة الحكم بعد عقدٍ أو اثنين من الزمان، بعد أن يباد الشعب الفلسطيني لعلهم ينقذون من يتبقى منه. المسؤول هو الهزيمة الشاملة العربية المتمثلة في فقدان أوراق الضغط التي سلمت كاملةً لأمريكا، ربما تكون إسرائيل هي التي تطلق الرصاص بالسلاح الذي توفره لها أمريكا، إلا أن الأنظمة العربية التي لم توقف ولا حتى تهدد بوقف استثماراتها أو توريدات نفطها، أو أي وسيلةٍ أخرى للضغط هي التي مهدت الطريق لهذه المأساة والاستخفاف بالدم الفلسطيني، بطبيعة الحال فإن الخروج من هذا المأزق يبدأ من حل استعصائنا العربي، لا من الرهان على رحمة الغرب وقلبه الحنون. كاتب مصري

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store