logo
الاتحاد الأوروبي... براغماتية سيادية مفقودة وطوباوية قاتلة

الاتحاد الأوروبي... براغماتية سيادية مفقودة وطوباوية قاتلة

الميادينمنذ 21 ساعات
لم يجرؤ الاتحاد الأوروبي على اختبار مدى جدية دونالد ترامب في تطبيق قراره برفع الرسوم الجمركية إلى 30% في الأول من آب الحالي إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق يضمن لدونالد ترامب تطبيق رؤيته لإعادة التوازن إلى العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، إذ سارعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى التوقيع على اتفاق عدّته ودونالد ترامب جيداً لكلا الطرفين، في حين بدا واضحاً أن بعض الدول كفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى التجمعات الصناعية الأوروبية، لم تبدِ حماساً لمندرجات هذا الاتفاق، إذ رأت أنه سيلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الأوروبي على المديين القريب والمتوسط، وبالتالي سيؤثر بشكل حاسم على المشروع الأوروبي على المدى البعيد.
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق قد تم تحت الضغط المباشر للرئيس الأميركي. وبعيداً عن أنه قد يظهر إمكانية تحقيق توازن معيّن بالحدّ الأدنى بين الطرفين في ما يخصّ الرسوم الجمركية، فإن بند إلزام أوروبا بشراء الغاز الطبيعي الأميركي بقيمة 750 مليار دولار مقسمة على 3 سنوات، بالإضافة إلى تعهد الاتحاد الأوروبي بشراء عتاد عسكري أميركي، فضلاً عن استثمار الشركات الأوروبية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة الولاية الحالية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يطرح سؤالاً إشكالياً حول مدى صلابة الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات والأزمات الخارجية، ومدى تأثير هذه الأزمات على تكامله، خصوصاً أن الواقع الأوروبي يعاني أصلاً نتيجة فقدانه التوازن الاقتصادي والمالي بين دوله، ونتيجة عدم قدرته على بلورة توجّه سياسي ودفاعي موحّد في ظل ارتباط أكثر دوله بحلف "الناتو" وبالمظلة الأمنية الأميركية.
يمكن اعتبار الموقفين الفرنسي والألماني بمنزلة بوصلة يمكن من خلالها تقدير مدى تقبّل هذا الاتفاق شعبياً في أوروبا. فإذا كان من الطبيعي أن ينتقد رئيس الوزراء فرنسا، صاحبة التوجّه الساعي دائماً للحفاظ على سيادة أوروبا، الاتفاق ويصفه بأنه خضوع أوروبي للولايات المتحدة الأميركية، فإن موقف المستشار الألماني الذي رأى أن الاتفاق قد جنّب أوروبا حرباً تجارية، إلا أن الاقتصاد الألماني سيعاني من أضرار كبيرة، يعدّ أكثر تعبيراً عن حالة الاستياء من هذا الاتفاق. غير أن هذه السلبية في المواقف لم تكبح توجّه مؤسسات الاتحاد إلى تسريع الإجراءات اللازمة لتنفيذ الاتفاق بما يوحي بأن الواقع الأوروبي الحالي لا يدلل على جدية التوجّه نحو تحويل الاتحاد إلى قوة مستقلة سيدة.
بالطبع، لا يمكن اعتبار الدول الأوروبية فاقدة لأهلية الالتفاف على هذا الاتفاق، إذ إنها تملك مروحة واسعة من العلاقات مع العديد من الدول الأخرى القادرة على تأمين بدائل للبضائع الأميركية. وبالتالي، فإن الأمر يرتبط بالقدرة على اتخاذ قرار بهذا الشأن، بالإضافة إلى مواءمة هذا القرار مع المصلحة الأوروبية الخالصة، وعدم الخضوع لمتطلبات أمنية وإستراتيجية يفرضها الآخرون، كما هي الحال مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تجب الإشارة هنا إلى أن الحق السيادي للولايات المتحدة في فرض ما تراه مناسباً على الدول الأخرى، الحليفة وغير الحليفة، يقابله حتماً حق سيادي لهذه الدول في تقدير ما يناسبها. وبالتالي، يُفترض برد الفعل الأوروبي على انطلاق الرئيس الأميركي من حقيقة اعتباره أن الاتحاد الأوروبي قد أُسّس من أجل ابتزاز الولايات المتحدة وتكريسه لروح هذا الاتفاق على افتراض البحث في كيفية تغيير موازين العلاقة بين الطرفين بحيث تصبح مناسبة للمصلحة الأميركية الخالصة، أن يكون بالمستوى نفسه، أي البحث في ما يناسب مصالح الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى.
5 اب 10:19
30 تموز 08:48
في هذا الإطار، يجب القول إن نشأة الاتحاد الأوروبي لم تكن نتيجة البحث عن ترف أو رفاهية، وإنما يمكن اعتباره نتيجة منطقية للبحث عن القوة والاستقرار والاستقلالية في مواجهة الأزمات الدولية.
فالتكامل السياسي والاقتصادي الذي مهدت له معاهدة ماستريخت لم يستهدف البحث في تعزيز السلام والأمن والرفاهية وغير ذلك من الأهداف المثالية فقط، وإنما كان يستهدف بالدرجة الأولى تعزيز مكانة الاتحاد على الساحة الدولية، وتعزيز موقعه في مجالات الأمن والطاقة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الاقتصاد والدفاع، أي تعزيز استقلاليته وقدرته على التحرك. وعليه، يفترض البحث في مدى مواءمة ظروف وبنود الاتفاق الأخير الذي وقّعته كل من رئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الأهداف التي سعت الدول الأوروبية إلى تحقيقها من خلال الاتحاد.
وعليه، لم يُعد كافياً حصر تقييم هذا الاتفاق بين اتجاه عبّر عنه بعض القادة الأوروبيين الذين عدّوه تجسيداً للخضوع لدونالد ترامب أو بالحدّ الأقصى وصمة عار، وبين من سوّق له على أنه جنّب أوروبا حرباً تجارية.
فالواقع الدولي الذي يظهر تحوّلاً نحو التعددية، ويؤكد حقيقة أن العلاقات الدولية ليست إلا علاقات قوة ومصلحة، يُسقط الرأي الثاني ويؤكد قصور الرأي الأول عن فهم حقيقة الواقع الدولي الحالي.
فمن خلال مقاربة الواقع الذي حكم العلاقات بين ضفتي الأطلسي، خصوصاً منذ فترة الرئاسة الأولى لدونالد ترامب، أي منذ عام 2017، سيظهر واضحاً أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد في رؤيتها للقوى الدولية على مفاهيم سادت تقليدياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي حلفاء دائمين وأعداء دائمين، وإنما باتت تقارب علاقاتها مع هذه القوى وفق ما يناسب مصالحها وتوجهاتها، أي أميركا أولاً. فالتوجه الذي يتبنى شعار أميركا أولاً يدلل على أن محاولة الحفاظ على ريادة الولايات المتحدة باتت تصطدم بمنافسين أقوياء، وأن حدود القوة الأميركية الحالية لم تعد قادرة على حماية حلفائها أو مراعاة توجهاتهم. وبالتالي، يدفع هذا الواقع إلى البحث في مدى فهم الاتحاد الأوروبي لواقع العلاقات الدولية المعاصرة، ومدى قدرته على مجاراة تحوّلاتها المتطرفة.
فإذا أضفنا إلى الفشل الأوروبي في مجال الأمن والدفاع، أي بناء جيش أوروبي حقيقي، وكذلك في مجال بناء سياسة خارجية مشتركة مستقلة عن الولايات المتحدة من دون أن ننسى فشله في معالجة ملفات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وملفات الهجرة التي واجهته منذ 2010، فشلاً آخر يتمثل في عدم قدرته على استيعاب توجهات القوى الدولية وكيفية مقاربتها لعلاقاتها الدولية، وإظهار عدم القدرة أو عدم الاستعداد لتبني توجهات براغماتية مطلقة تتجسد بالتخلي عن فرضية الحلفاء الدائمين والأعداء الدائمين، فإن ذلك سيطرح البحث في مدى قدرة مشروع طوباوي متجمّد في زمن الحرب الباردة، ومقتنع بسرمدية التحالف مع الولايات المتحدة واعتبارها علاقة لازمة لوجوده، على مواجهة تحديات مستقبلية سيطغى عليها، كما شعار أميركا أولاً، شعار المصلحة القومية لأي قوة أولاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بوتين أبلغ شي بالتطورات المتعلقة بالمحادثات الأميركية-الروسية خلال الاتصال
بوتين أبلغ شي بالتطورات المتعلقة بالمحادثات الأميركية-الروسية خلال الاتصال

LBCI

timeمنذ ساعة واحدة

  • LBCI

بوتين أبلغ شي بالتطورات المتعلقة بالمحادثات الأميركية-الروسية خلال الاتصال

أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل بنظيره الصيني شي جينبينغ لإطلاعه على آخر المستجدات في المحادثات الأميركية الروسية في شأن الحرب في اوكرانيا. وأبلغ بوتين نظيره الصيني "بالنتائج الرئيسية للمحادثات التي أجراها في 6 آب مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف" بينما أعرب شي عن دعمه لحل "طويل الأمد" للنزاع، حسبما أفاد الكرملين قبل أيام من قمة مرتقبة بين بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

5 سيناريوهات... هل ستنتهي حرب أوكرانيا بـ"كارثة" في روسيا؟
5 سيناريوهات... هل ستنتهي حرب أوكرانيا بـ"كارثة" في روسيا؟

ليبانون 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون 24

5 سيناريوهات... هل ستنتهي حرب أوكرانيا بـ"كارثة" في روسيا؟

ذكر موقع "الامارات 24"، أنّ شبكة " سي أن أن"، قالت إنّ الحرب الأوكرانيّة - الروسيّة قد تتخذ عدة أشكال، أبرزها: 1- موافقة بوتين على وقف إطلاق نار غير مشروط واستبعد تقرير "سي أن أن"، موافقة بوتين على وقف إطلاق نار، تبقى فيه خطوط المواجهة على حالها. وأكد خبراء، أنّ "الكرملين يرفض هذا الخيار بسبب تقدم القوات الروسية المستمر في أوكرانيا ، وسيبقى الأمر كذلك بالنسبة لبوتين حتى تشرين الأول المقبل، على الأقل". 2- البراغماتية ومزيد من المحادثات وقد تنتهي الحرب عبر المحادثات، والتي تفضلها روسيا لأهمية عامل الوقت في تحقيق مزيد من المكاسب مع حلول فصل الشتاء، واشتداد القتال على جبهات القتال المتجمدة. وبحلول تشرين الأول، المقبل ربما يكون بوتين قد سيطر على مدن بوكروفسك وكوستيانتينيفكا وكوبيانسك الشرقية، مما يمنحه موقعاً قوياً للانتظار وإعادة تنظيم صفوفه، من أجل العودة للقتال مرة أخرة في 2026. 3- صمود أوكرانيا في هذا السيناريو، تُسهم المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية لأوكرانيا على تقليل التنازلات على خط المواجهة في الأشهر المقبلة، وتدفع بوتين إلى السعي إلى الحوار، حيث فشل جيشه مرة أخرى في تحقيق وعوده. ويرى الخبراء احتمالات سقوط بوكروفسك، وقد تتعرّض معاقل أخرى في شرق أوكرانيا للتهديد، لكن أوكرانيا قد تشهد تباطؤًا في التقدم الروسي، كما حدث سابقاً، وقد يشعر الكرملين حينها بوطأة العقوبات وتضخم الاقتصاد. 4- كارثة لأوكرانيا وحلف الناتو يرجح الخبراء في هذا السيناريو حدوث تصدعات في الوحدة الغربية بعد قمة مع ترامب وبوتين، وإذا ما أدت إلى تحسن العلاقات الأميركية - الروسية، حينها ستترك أوكرانيا وحيدة لتدافع عن نفسها، وقد تبذل أوروبا قصارى جهدها لدعم كييف، لكنها تفشل في قلب الموازين دون دعم أميركي حقيقي. 5- كارثة في روسيا في السيناريو الخامس، يقول الخبراء، إن نهاية حرب أوكرانيا قد تكتب إذا حلت كارثة في روسيا مشابهة لما حلّ بالاتحاد السوفيتي من تفكك وانهيار بعد غزو أفغانستان، حينها ستبدأ القيادة بالتخبط مضحيةً بأرواح آلاف الجنود أسبوعياً، مقابل مكاسب ضئيلة نسبياً، وترى العقوبات تُقوّض تحالفها مع الصين ، وإيراداتها من الهند، وقد تنحسر الاحتياطيات المالية لصندوق الثروة السيادية الروسي، وتنخفض إيراداته، وقد يتصاعد الانشقاق بين النخبة في موسكو بسبب رفض الكرملين للمخارج الدبلوماسية في حربه الاختيارية، مفضلًا الإصرار العسكري وصراعاً بالوكالة غير مستدام مع حلف الناتو. (الامارات 24)

الصين وروسيا تتفقان على تعزيز العلاقات.. وبكين تجدد دعمها للتسوية السياسية في أوكرانيا
الصين وروسيا تتفقان على تعزيز العلاقات.. وبكين تجدد دعمها للتسوية السياسية في أوكرانيا

الميادين

timeمنذ 3 ساعات

  • الميادين

الصين وروسيا تتفقان على تعزيز العلاقات.. وبكين تجدد دعمها للتسوية السياسية في أوكرانيا

أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، أنّ بلاده ستواصل تعزيز محادثات السلام في أزمة أوكرانيا، وتشجّع على الحفاظ على قنوات الاتصال بين روسيا والولايات المتحدة، بما يسهم في دفع التسوية السياسية. وجاء ذلك خلال محادثة هاتفية أجراها شي، اليوم الجمعة، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وفق ما نقلته قناة تلفزيون الصين المركزية. اليوم 14:46 اليوم 10:37 وقال الرئيس الصيني إنّ بلاده "ترحب بالحفاظ على الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة، وتطوير العلاقات، ودفع عجلة التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، مشدداً على أن الصين "سعيدة برؤية موسكو وواشنطن تحافظان على التواصل وتحسنان العلاقات". وأجرى الرئيسان تقييماً إيجابياً لمستوى الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاستراتيجي القائم بين الصين وروسيا، مؤكدَين عزمهما على تعزيز تطوير العلاقات الثنائية بشكل مشترك. واتفق الجانبان على العمل معاً للإعداد لقمة منظمة "شنغهاي" للتعاون المرتقبة في تيانجين، بما يجعلها قمة "ودية وموحدة ومثمرة"، ويسهم في تعزيز التنمية عالية الجودة للمنظمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store