logo
التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

الجزيرةمنذ 4 أيام
تواجه سوريا تحديات معقدة في سياق جيوسياسي متغير، حيث سعت الإدارة السورية الجديدة منذ وصولها للحكم إلى وضع خارطة طريق ترتكز على تحقيق توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح المشتركة للأطراف الإقليمية والدولية.
هذه الخطوة أتت في وقت يتطلب فيه الوضع الراهن الابتعاد عن حالة الصدام، وهو ما تجلى بشكل واضح في ملف الطاقة، الذي يعد أحد الملفات الناجحة في هذا الشأن. فقد تمكنت سوريا من تحقيق توازن بين الاستثمارات والتنافس حول إعادة الإعمار، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع جميع الدول.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات داخلية عالقة، أبرزها سلاح المليشيات الانفصالية التي تحاول إسرائيل استثمارها لتحقيق طموحاتها التوسعية وفدرلة سوريا.
في هذا الإطار، شهدت الأشهر الثمانية الماضية تطورات مهمة، بما في ذلك رفع العقوبات وتعنت المليشيات، التي تستقوي بالكيان الصهيوني الذي يسعى لتحقيق مكتسبات جيوسياسية تحت مسمى "الحماية الإنسانية".
في الواقع، يبدو أن أهداف إسرائيل متعددة، حيث تبحث عن مبرر لتوسعها الجيوبوليتيكي نحو دمشق، وقد تمكنت من دخول مساحات جديدة تصل إلى 300 كيلومتر منذ سقوط النظام البائد.
قبل ملف الجنوب، أعلنت إسرائيل عن نيتها تقديم الحماية لمليشيا شمال شرق سوريا الانفصالية (قسد) في تحدٍ واضح لتركيا، التي كانت قد أعلنت في وقت سابق عن خطوات استباقية منها نيتها وضع قواعد عسكرية وسط سوريا.
وكان الرد الإسرائيلي بقصف مطار حماة العسكري ومطار T4، مما يعكس تصاعد التوتر والنفوذ في المنطقة.
بعد عدة أشهر استمرت إسرائيل بسياسة شد الأطراف عبر استمالة الدروز وإقناعهم بطلب الحماية الإنسانية فقامت باستهداف مبنى قيادة الأركان، ومحيط القصر الرئاسي.
في ظل هذه الضغوط، وتسارع الأحداث تحركت العشائر العربية، كرسالة واضحة لمن يريد العبث بالأمن. وفي السياق ذاته، جاء التحرك في الكونغرس الأميركي لتمديد قانون قيصر كإشارة واضحة لدمشق لاتخاذ قرارات جريئة داخلية وعلى الصعيد الخارجي.
على صعيد آخر، أعلنت السعودية عن نيتها استثمار 15 مليار دولار في سوريا، مما يعكس تغيرًا في موازين القوى الإقليمية ورسالة إضافية لحضورها في هذا الشأن.
ومع إدراك دمشق أن الصبر والدبلوماسية لم يعودا كافيين، وربما بات السلاح أهم من الخبز لذا فقد أبرمت الإدارة السورية اتفاقيات دفاعية إستراتيجية مع أنقرة تضمن الاستقرار وتعزز حضورها الإقليمي، الذي تحاول إسرائيل سلبه.
إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والمرونة والدبلوماسية
إن ما بين نية تركيا إنشاء قواعد عسكرية في الوسط السوري، وتدخلات إسرائيل في العمق الإستراتيجي لدمشق، تتبادل رسائل عالية النبرة وضغوط على كافة الأصعدة، تعيق الاستقرار والاستثمار وتهدد الأمن والسلم الدوليين، ومن الواضح أن ملفي الهجري وقسد لا يعدو كونهما أوراقًا استثمارية ضاغطة، بينما تخفي مصالح القوى المحركة الكثير من التعقيدات.
وفي سياق متصل، تتزايد التكهنات بشأن حالة تصادمية بين أنقرة والكيان الصهيوني، حيث أخذ الأخير دور النظام البائد ومحور إيران في اللعب بملف المليشيات.
وإذا لم تكبح الولايات المتحدة طموحات نتنياهو فإن التصادم لا مفر منه باعتقادي الشخصي أو القبول بتقديم تنازلات.
في هذا السياق ليست دمشق وحدها تحت الضغط الإسرائيلي بل الأردن أيضًا إن لم يستعد بخطوات استباقية، حيث يواجه تهديدات لأمنه القومي، بما في ذلك الأمن المائي والغذائي.
إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والمرونة والدبلوماسية في التعامل مع هذه الديناميات المتغيرة.. فالمأزق خطير ومعقد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هكذا تستعد تركيا للحرب المقبلة
هكذا تستعد تركيا للحرب المقبلة

الجزيرة

timeمنذ 11 دقائق

  • الجزيرة

هكذا تستعد تركيا للحرب المقبلة

أثارت الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025 اهتماما واسعا لدى صانعي القرار في أنقرة، باعتبارها أول اختبار ميداني لمعادلة القوة الجديدة في الشرق الأوسط ما بعد هجوم 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023 وبوصفها نموذجا حيا للحروب الحديثة التي تُدمج فيها التقنيات السيبرانية بالحرب الجوية والنفسية والدبلوماسية. لكنّ ما يجعل هذه الحرب جديرة باهتمام خاص لدى تركيا، هو أنها تمثل تحذيرا مسبقا لما قد تواجهه في محيطها الإقليمي المتقلب، لذا اهتم الخبراء الأتراك بدراسة مجرياتها بهدف استخلاص دروس مستفادة لتعزيز قدرات البلاد الدفاعية وزيادة قدرتها على الصمود في مواجهة أزمات مماثلة. تكمن أهمية الحرب في نتائجها، وآليات إدارتها، وأنماط الأسلحة المستخدمة، ومستويات الدعم من الحلفاء، وأنظمة الدفاع المدني التي تعكس مدى جاهزية الدولة في مواجهة المفاجآت الإستراتيجية. فالحرب التي افتتحتها إسرائيل بغارات جوية دقيقة، وتضمنت هجمات سيبرانية وعمليات نفسية، ثم خُتمت بقصف أميركي مباشر ضد المنشآت النووية الإيرانية ، شكلت مختبرا متقدما للجيل الجديد من الحروب متعددة المجالات. لقد رأت أنقرة في هذه الحرب صرخة تحذير أكثر من كونها مجرد صراع بين خصمين تقليديين. فموقع تركيا الجغرافي الحساس وسط "حلقة نار" تتسع من شرق البحر المتوسط إلى القوقاز والبلقان والشرق الأوسط، يجعلها مهددة دائما باشتباكات قد تستند إلى نفس النمط العملياتي الذي برز في هذه الحرب: غارات مفاجئة، عمليات تصفية للنخب القيادية، استهداف للبنية التحتية. ولذلك، لم يكن مستغربا أن تتابع المؤسسة العسكرية والأمنية التركية تفاصيل هذه الحرب لحظة بلحظة، وأن تخرج منها بتقييمات معمقة. وضمن هذا السياق نشرت "الأكاديمية الوطنية للاستخبارات دراسة مطولة باللغة التركية بعنوان "حرب الـ12 يوما والدروس المستفادة لتركيا"، وسنستعرض أبرز ما ورد فيها. إسرائيل تختبر نموذج التفوق متعدد المجالات اندلعت الحرب في 13 يونيو/حزيران 2025، بهجوم جوي إسرائيلي واسع النطاق استهدف منشآت نووية ومراكز قيادة إيرانية، وقادة عسكريين، وعلماء نوويين، ورافقته عمليات سيبرانية واستخباراتية معقدة، بالتزامن مع تنفيذ عملاء على الأرض لهجمات باستخدام صواريخ سبايك استهدفت بطاريات ورادات الدفاع الجوي في بداية الحرب مما صعب تنظيم دفاع منسق في مواجهة الهجمات الإسرائيلية. وهدفت تلك الهجمات المتزامنة إلى شل قدرة طهران على الرد الفوري. في اليوم الأول، استخدمت إسرائيل أكثر من 200 طائرة مقاتلة هجومية من طرازات "إف-35″ و"إف-15" و"إف-16″، مما أثبت أن سلاح الطيران الإسرائيلي على مستوى عال من الجاهزية الجوية التي مكنته من تدمير عدد كبير من الأهداف على بعد أكثر من 1500 كيلومتر. كما استخدمت تل أبيب وحدات خاصة عملت داخل إيران، ومسيّرات انتحارية لتدمير بطاريات الدفاع الجوي، ما أدى لاحقا إلى انهيار شبه كامل لمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية في غضون 72 ساعة. وقد ساعدت هذه السيطرة الجوية الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات إستراتيجية بطائرات "بي-2 سبيريت" استهدفت منشآت نووية تحت الأرض في أصفهان وقم. على الجانب الإيراني، جاء الرد عبر وابل من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، بعضها تفوق سرعته سرعة الصوت، لكن أغلبها أُسقط بفعل أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية وبمساعدة من الولايات المتحدة ومن دول أخرى إقليمية. مع ذلك، نجحت بعض الصواريخ في اختراق الدفاعات وضرب أهداف في تل أبيب وحيفا وبئر السبع. شهدت الحرب استخداما واسعا للحرب النفسية، حيث اخترقت إسرائيل شبكات الاتصالات الإيرانية، وأطلقت رسائل تحذيرية كاذبة إلى المواطنين، واتصلت بكبار المسؤولين الإيرانيين لتحثهم على الفرار بدلا من تعرضهم للاغتيال. في المقابل، ركزت إيران على إرباك الخصم بإرسال رسائل كاذبة، واستخدام تقنيات التزييف العميق، وتجييش بوتات الدعاية. وترافقت العمليات النفسية مع عمليات سيبرانية استهدفت البنية التحتية المالية والإعلامية في إيران بهدف إثارة الذعر، ومن أمثلة ذلك اختراق أنظمة بعض البنوك، ما أدى إلى اضطرابات مصرفية واسعة النطاق، وعجز العملاء عن الوصول إلى حساباتهم، فتوقفت في تلك الآونة معاملات أجهزة الصراف الآلي وبطاقات الائتمان، فضلا عن سرقة أموال المودعين بمنصة نوبيتكس الإيرانية للعملات الرقمية بقيمة 81.7 مليون دولار. الدمج بين العمليات الجوية والسيبرانية والدبلوماسية كشفت الحرب عن نموذج متكامل للعمليات متعددة المجالات، فبجوار المواجهات الميدانية اعتمدت على تضافر الأذرع الجوية والسيبرانية والمعلوماتية والدبلوماسية. لقد استعرضت إسرائيل قوتها الجوية بتشكيلة من الطائرات المتطورة أميركية الصنع ذات القدرات التدميرية العالية والمدى الطويل بفضل خزانات الوقود الإضافية. وقد شكلت مقاتلات "إف-35" رأس الحربة في تنفيذ الضربات الدقيقة، بدعم من طائرات الاستطلاع والتشويش الإلكتروني (مثل أورون وشافيت)، وهو ما ضمن تفوقا شبه مطلق في الأجواء الإيرانية خلال الساعات الأولى. وأظهرت الحرب الأهمية الحيوية للقوة الجوية في الصراعات مرتفعة الشدة، وخاصة في الدول التي لا تملك حدودا برية مع خصومها، حيث تتيح لها نقل الحرب إلى أرض الخصم. وما يجعل هذه القدرة الجوية الإسرائيلية جديرة بالتأمل التركي، هو دمجها بمنظومات محلية متقدمة مثل نظام "إليسرا إس بي إس- 3000" (Elisra SPS-3000) للحرب الإلكترونية، ونظام "باوز" (PAWS) للإنذار الصاروخي، ونظام "إيلتا ساتكوم" (Elta SATCOM)، وأنظمة الملاحة الدقيقة التي طورتها شركة رافائيل ، فضلا عن الذخائر الذكية، والتوجيه التكتيكي في الزمن الحقيقي. كذلك برز دور أنظمة الحرب الإلكترونية الجوية، فسلاح الجو الإسرائيلي يضم طائرات متخصصة مثل طائرات "إيتام" للإنذار المبكر والتحكم الجوي، وطائرات من طراز شافيت، وأورون للاستخبارات الإلكترونية، مما أتاح التنصت على الاتصالات الإيرانية ومراقبة ترددات الرادار والانبعاثات الكهرومغناطيسية، وتحديد مواقع رادارات الدفاع الجوي ومراكز القيادة والتحكم بمجرد تشغيلها، ورصد منصات إطلاق الصواريخ، ثم تدميرها، كما بثت تلك الطائرات إشارات خادعة لتضليل الرادارات الإيرانية عبر إخفاء مواقعها أو إنشاء أهداف وهمية. وبالتالي لعبت الطائرات المذكورة دور مضاعفات القوة الصامتة أثناء الحرب. كما شغّلت الطائرات الحربية الإسرائيلية ووحدات الحرب الإلكترونية أجهزة تشويش عالية الطاقة لتعطيل الاتصالات اللاسلكية خلال الحرب. وقد وردت تقارير عن استخدام طائرات انتحارية مسيرة لتدمير هوائيات الاتصالات أو محطات إعادة الإرسال اللاسلكية التي تستخدمها طهران في ساحة المعركة، ما جعل بعض الوحدات الإيرانية معزولة عن مقراتها القيادية، فلم يتمكن القادة الميدانيون من تلقي الأوامر، واضطروا إلى التصرف من تلقاء أنفسهم. وقد لعبت الحرب السيبرانية دورا محوريا منذ الساعات الأولى. فتعطيل شبكة القيادة والسيطرة الإيرانية، واختراق البنى التحتية المالية، وبث رسائل التضليل إلى الهواتف النقالة، شكل مكوّنا من الهجوم المنسق. وقامت وحدات إسرائيلية مثل الوحدة 8200 والكتيبة 5114 بشن هجمات مركبة أحدثت خللا واسعا في الاتصال والتنسيق داخل إيران. وخلصت الدراسة إلى أهمية الضربة الأولى في الحروب، وأن القدرة العملياتية متعددة المجالات -أي الاستخدام المنسق للعناصر الجوية والبرية والبحرية والفضائية والسيبرانية- أمر حاسم للنجاح التكتيكي، وللقدرة على إحداث تأثير فعال إستراتيجيا، وأن الطائرات المقاتلة المأهولة بعيدة المدى لا تزال تلعب دورا لا غنى عنه، وأنها تظل تمثل نقطة مرجعية حاسمة للتخطيط المستقبلي للقوات الجوية والمشتركة، وأن النموذج العملياتي الذي تتبناه إسرائيل يقوم على توليفة من التكنولوجيا المتقدمة، والموارد البشرية القوية، وهيكل قيادة مرن، والتكامل الاستخباراتي. فيما تسببت طبيعة شبكة الدفاع الجوي الإيرانية الثابتة والمركزية وقليلة المرونة، في إضعاف فعاليتها أمام الهجمات الإسرائيلية. البعد الدبلوماسي وتحالفات القوة أبرزت الحرب اعتماد تل أبيب على غطاء سياسي غربي. فقد شاركت الولايات المتحدة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وقدمت أسلحة وذخائر لإسرائيل، ووفرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا معلومات استخباراتية ودعما لوجستيا. أما بالنسبة لإيران، فرغم رهاناتها على الصين وروسيا، فقد وجدت نفسها معزولة دون أي تغطية دبلوماسية أو أمنية أو عسكرية ملموسة من الدول الصديقة لها، ما أكد أن التعاون بين الصين وروسيا وإيران لا يزال بعيدا عن إنشاء آلية أمنية متماسكة. ومن الدروس المستفادة أهمية إدراك الأبعاد الإقليمية للتحالفات، مثل استخدام قبرص كعمق إستراتيجي لإسرائيل، ما يفرض على تركيا مراقبة التداخل الإسرائيلي في محيطها المباشر، وخاصة في دولة شمال قبرص التركية، باعتباره مسألة أمن قومي. وفي ضوء ذلك، توصي الدراسة أنقرة بأن تنظر إلى أمنها القومي من منظور أشمل لا يقتصر على تطوير الصناعات الدفاعية أو عقد الشراكات العسكرية، بل يمتد إلى تعزيز التحالفات مع الدول الأخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فضلا عن دول صديقة مثل باكستان وسوريا وقطر وأذربيجان، وتمتين الجبهة الداخلية وتعزيز السلم الاجتماعي. ومن هنا، تكتسب مبادرات مثل مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" بعدا جديدا، باعتبارها أدوات لتعزيز مناعة الدولة، وردم الثغرات التي قد تستغلها أطراف خارجية في أي صراع مستقبلي. تقييم إستراتيجي أولا: الحاجة إلى قوة جوية متعددة الأذرع إعلان أظهرت حرب الـ12 يوما أن السيطرة الجوية تتطلب بجوار القدرات التقنية وعدد الطائرات الكبير، التكامل بين المنصات الجوية والأنظمة الذكية والاستهداف المدعوم استخباراتيا. فتركيا، رغم تطورها في مجال الطائرات المسيرة، بحاجة إلى تسريع تحديث أسطولها من المقاتلات التقليدية، وتوسيع قدرات الحرب الإلكترونية المحمولة جوا، وتنمية مرونتها في التخطيط العملياتي بعيد المدى. ثانيا: الدفاع السيبراني كأولوية وطنية تُعد الهجمات السيبرانية التي طالت قلب المنظومة الاقتصادية والإعلامية الإيرانية بمثابة ناقوس خطر لأنقرة حيث برز شل النظام المالي كوسيلة لكسب الحرب. ولذا، تدعو الدراسة تركيا لبناء أنظمة حماية سيبرانية للبنية التحتية المدنية والعسكرية، وتطوير قدراتها الهجومية في الفضاء الرقمي، وتنفيذ برامج مكافحة تجسس دورية وعمليات تدقيق منتظمة للشركات العاملة في التقنيات الإستراتيجية، وخاصة شركات الصناعات الدفاعية. ثالثا: أمن المنشآت الحيوية والنخب القيادية واحدة من أبرز المفاجآت التي فجّرتها الحرب هي قدرة إسرائيل على تنفيذ اغتيالات مركزة ضد شخصيات قيادية بالتزامن مع قصف مواقع إستراتيجية. وبالتالي فإن حماية كبار القادة، والمقرات السيادية، ومراكز القيادة والسيطرة، لا يمكن أن تظل ثانوية في ظل هذا النمط من الحروب. ولذا توصي الدراسة تركيا بإعطاء الأولوية لأنظمة الدفاع الجوي منخفضة الارتفاع لحماية المنشآت الإستراتيجية وخاصة مقرات الأجهزة الأمنية من الهجمات بواسط طائرات مسيرة وعملاء على الأرض، وتطبيق بروتوكولات أمنية في المناطق التي تقع فيها المنشآت الحيوية، وتحديث بروتوكولات أمن الشخصيات العليا والأفراد المدنيين والعسكريين المفترض بهم إدارة أي صراع محتمل. رغم الطابع الإستراتيجي للحرب، فإن خسائر المدنيين شكلت فارقا في المشهدين الإيراني والإسرائيلي. فبينما تمتعت إسرائيل بشبكة إنذار مبكر وملاجئ محصنة خفضت من خسائرها حيث بلغت 31 قتيلا، افتقرت إيران إلى بنية دفاع مدني متقدمة، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين في طهران والمدن الكبرى. هذا يطرح تساؤلا أمام صناع القرار في أنقرة حول مدى امتلاك بنية دفاع مدني قادرة على امتصاص صدمة ضربة مفاجئة. ولذا توصي الدراسة بإنشاء أنظمة إنذار مبكر واسع النطاق، وأنظمة إنذار ضد الهجمات الجوية لا سيما في المدن الكبرى، وبناء ملاجئ مزودة بالمتطلبات التقنية اللازمة في المرافق الإستراتيجية مثل المؤسسات الحكومية الحيوية، وتدشين ملاجئ جماعية يسهل الوصول إليها، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان إمكانية استخدام محطات مترو الأنفاق لهذا الغرض في حالات الطوارئ، ورفع الوعي العام للمواطنين عبر حملات متكررة، ودمج الدفاع المدني في التخطيط العسكري باعتباره عنصرا حاسما في استمرارية الدولة وقت الحرب، ورفع جاهزية المؤسسات الإعلامية والأمنية لمواجهة الشائعات، وضبط تدفق المعلومات في أوقات الأزمات، وتعزيز التواصل الفعال مع الرأي العام. في ضوء ما كشفته الحرب، ترى الدراسة أنه يتعين على تركيا استخلاص دروس ترتبط بمستوى الجاهزية الاقتصادية والتكنولوجية في أوقات الحرب. فقد أظهرت التجربة الإسرائيلية أن امتلاك الأنظمة العسكرية المتطورة لا يكفي لتحقيق الصمود ما لم يُدعم بقدرة اقتصادية مرنة وتحمل سياسي واجتماعي فعال. ورغم تفوق إسرائيل التكنولوجي، فإن هشاشتها الجغرافية، واعتمادها الكبير على التجارة الدولية، وحساسية مجتمعها تجاه الخسائر، شكلت نقاط ضعف حقيقية أدت إلى تقويض صلابتها الإستراتيجية. في المقابل، ورغم الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران، فإن قدرة النظام على الصمود السياسي والأمني داخل بيئة مضطربة ومحاصَرة اقتصاديا لسنوات طويلة، سلط الضوء على الدور الحاسم للعوامل غير العسكرية في الصمود. بناء على ذلك، تدعو الدراسة تركيا للتركيز على تطوير بنية ردع مركبة تشمل تعزيز القدرات الجوية والدفاعية، وتوطين تقنيات الأمن والاستخبارات، إلى جانب سياسات داخلية تستهدف ترسيخ التضامن الاجتماعي، وتحقيق استقرار اقتصادي يقلل من فرص الاختراق المعادي، ويعزز مناعة الدولة. لقد رأت أنقرة في حرب الـ12 يوما فصلا ضمن سيناريوهات متشابكة تثير قلقها، حيث عانت لعقود من تداعيات انهيار الدول المجاورة، كالعراق وسوريا، وتدرك أن انهيار إيران أو تحولها إلى دولة فاشلة، سيخلف آثارا كارثية تبدأ بزعزعة الأمن في حدودها الشرقية، ولا تنتهي عند موجات الهجرة المحتملة أو تحركات المليشيات الانفصالية والجماعات المسلحة في دول الجوار. وفي المقابل، فإن استقرار إيران، شريطة تقليص تدخلاتها الإقليمية وضبط أنشطتها النووية، يُعد السيناريو الأقل كلفة لأنقرة، ويفتح باب التعاون في مجال الاقتصاد والطاقة، ويعزز الحوار السياسي بين البلدين. وفي ظل الاحتمالات الثلاثة المطروحة لمستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية، في دراسة أكاديمية الاستخبارات التركية: تسوية دبلوماسية، أزمة مفتوحة، أو صراع شامل، تدعو الدراسة لأن تبني أنقرة سياساتها على أساس الاستعداد للأسوأ، والعمل من أجل الأفضل. ويتطلب ذلك منها مواصلة الوساطة بين طهران وواشنطن بما يحفظ الدور التركي في التوازنات الكبرى، ورفع الجاهزية الأمنية على الحدود الشرقية، وتحصين صناعة الدفاع ومرافقها الحساسة ضد التجسس والاختراق، وتعزيز التعاون مع حكومات العراق وأذربيجان وسوريا، لاحتواء التداعيات المحتملة لأي تصعيد في ملف إيران. وتشدد الدراسة على أن اليقظة الإستراتيجية والتخطيط متعدد الجبهات، هو ما سيحفظ لتركيا أمنها ومكانتها في الإقليم، ويجنبها الانزلاق إلى أتون صراع لا تريده لكنها لا تستطيع تجاهله.

خيارات تركيا بين الجغرافيا والتاريخ
خيارات تركيا بين الجغرافيا والتاريخ

الجزيرة

timeمنذ 11 دقائق

  • الجزيرة

خيارات تركيا بين الجغرافيا والتاريخ

في خضم تحولات متسارعة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، تقف الجمهورية التركية اليوم عند مفترق خيارات حساس؛ تحاول جاهدة توظيف براعتها الدبلوماسية ورصيدها الإستراتيجي لتحقيق توازن بين موروثها التاريخي، وموضعها الجغرافي، ومصالحها الإقليمية. ومن يتابع السياسة التركية منذ عقود يدرك أنها ليست مجرد استجابة آنية لأحداث تقع هنا أو هناك، بل تنطلق من رؤية طويلة الأمد؛ تقوم على إدراك عميق لمكانتها على الساحة الدولية، ببعديها الثقافي والسياسي، وتجذرها الحضاري، وتاريخها الذي لا يزال يرخي بظلاله على قراراتها المعاصرة والمستقبلية. فنراها تتحرك دبلوماسياً من البلقان إلى القوقاز، ومن بحر إيجة إلى بوابة الشام، بعين على المستقبل، وأخرى لا تنفك تلتفت إلى ماضٍ ورثته وتعتز به حتى اليوم. وهنا تظهر الجغرافيا التي روّضتها تركيا، فحوّلتها من واقع محتوم بتجاذباته، إلى مشروع واع ومدروس؛ فهي ليست دولة عادية من حيث الموقع والتأثير، بل إنها قلب نابض بين قارتي آسيا وأوروبا؛ حيث تشرف على ثلاثة بحار إستراتيجية، وتحدها ثماني دول، وتلامس قوس الأزمات، من سوريا والعراق جنوباً، إلى أوكرانيا وروسيا شمالاً، وهذا الموقع لا يتيح لها البقاء على الحياد، بل يفرض عليها دوراً إقليمياً فاعلاً، بحكم الواقع الجغرافي والسياسي، شاءت أنقرة أم أبت. ولأن صانع القرار تعامل مع الحيز الجيوسياسي كرؤية إستراتيجية ناضجة، لا كعبء مثقل بالصعوبات، تدرك تركيا أن أمنها القومي لا يُبنى داخل حدودها فقط، بل في عمقها الإقليمي، لذلك بادرت وتحالفت، وأعادت ترتيب خرائط المصالح، إدراكاً منها أن الدفاع الوقائي عن المجال الحيوي هو حماية للأمن القومي، وإيماناً منها أن أي فراغ سيحوّل الساحة إلى بؤر صراع لا تنتهي، وأنها إن لم تتحرك فستدفع ثمن ذلك آجلاً أو عاجلاً. وإدراكاً منها لأهمية البحار كجزء لا يتجزأ من أمنها الإقليمي، اندفعت تركيا بقوة إلى ساحة شرق المتوسط، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أحد أكثر ميادين التنافس الإستراتيجي سخونة، لا سيما في ظل الاكتشافات المذهلة للثروات الباطنية هناك. ولم يكن هذا التحرك من فراغ؛ بل استند إلى إرث تاريخي طويل في البحر المتوسط، يمتد من أيام "خير الدين بربروس" حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. فمن بيده القرار يدرك أن من يخسر البحر سيطوَّق في اليابسة، وأن الحدود البحرية لا تقل أهمية عن البرية، وأن تهميش أنقرة في شرق المتوسط هو مقدمة لتطويقها اقتصادياً وسياسياً، وهذا ما ترفضه في ظل تنامي قوتها العسكرية، ومخزونها البشري، وصعودها الاقتصادي الذي تجاوزت فيه دولاً وازنة في الإقليم والعالم، وقبل كل شيء حقوقها المشروعة بموجب القانون الدولي. تدرك تركيا أن صيانة الجغرافيا لا تكتمل إلا بتعاون إقليمي يعيد ترتيب الأولويات على أساس المصالح المشتركة، لا على وقع الاستقطاب الدولي المؤقت؛ لذلك تبرز الحاجة الملحة إلى تنسيق أعمق بين الجمهورية التركية ودول الإقليم ومن الطبيعي في ظل هذه الخيارات المعقدة أن تبرز تحديات داخلية وأخرى خارجية، لكن الثابت أن صانع القرار السياسي والعسكري في أنقرة، ومعه شرائح واسعة من النخب التركية، ينطلقون من مسلّمة راسخة: تركيا يجب أن تكون لاعباً لا ملعباً. إن توجهات السياسة التركية الإقليمية ليست نتاج ضغوط لحظية أو انفعالات طارئة؛ بل تأتي في إطار توازن دقيق بين الجغرافيا التي تفرض واقعاً لا مفر منه، والتاريخ الذي يزودها بشرعية الحركة. ورغم العقبات تسير في خط إستراتيجي، تحاول من خلاله أن تكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في ملفات المنطقة ومعادلاتها. ولا يمكن فصل خيارات الدولة التركية عن التطورات والأحداث العالمية التي تعيد تشكيل موازين القوى، ولا عن الأسئلة الكبرى التي تفرضها الجغرافيا المعقدة والتاريخ العميق؛ فتركيا، وهي تخوض غمار هذه المرحلة المضطربة، تبدو عازمة على تجاوز موقع الدولة المتأثرة إلى موقع الدولة المؤثرة، بل وصانعة التوازن في محيطها، عبر بناء شراكات، والدفاع عن مصالحها البحرية والبرية، ومد نفوذ وقائي استباقي يحول دون تهديد أمنها في الإقليم، ورفضها أن تكون محاصَرة داخل حدود ضيقة. وفي خضم هذه التقلبات المتزايدة، تدرك تركيا أن صيانة الجغرافيا لا تكتمل إلا بتعاون إقليمي يعيد ترتيب الأولويات على أساس المصالح المشتركة، لا على وقع الاستقطاب الدولي المؤقت؛ لذلك تبرز الحاجة الملحة إلى تنسيق أعمق بين الجمهورية التركية ودول الإقليم، التي تشترك معها في التهديدات والتحديات المستقبلية، وتستثمر في الجغرافيا؛ وذلك بهدف وقف التيار الجارف الذي يسعى لتفكيك المنطقة. ما لم تدرك الدولة التركية أن الجغرافيا في السياسة المعاصرة لم تعد مجرد خطوط على خرائط، بل صارت أداة سيادية وأفقاً إستراتيجياً، وأن عليها أن تستثمر هذا الإرث في ترسيخ استقرار طويل الأمد، فإنها قد تجد نفسها في مهب تغيرات الإقليم وصراعاته لذا، فإن خيار التوحد الإقليمي ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية شعوب المنطقة من سيناريوهات الفوضى، التي تسعى بعض القوى لجعلها مقدمة لمشروع تقسيمي هدام لتحقيق مصالحها. ختاماً: قد لا تكون خيارات "تركيا" الإقليمية مثالية أو خالية من الأخطاء، لكن ما لا يمكن إنكاره أنها تنبع من فهم راسخ لهوية الدولة وموقعها في عالم مضطرب، وإدراك عميق لخفايا الصراع وأسبابه؛ فتركيا ليست جزيرة معزولة، ولا دولة هامشية، بل وريثة حضارة وقوة إقليمية صاعدة. وما لم تدرك الدولة التركية أن الجغرافيا في السياسة المعاصرة لم تعد مجرد خطوط على خرائط، بل صارت أداة سيادية وأفقاً إستراتيجياً، وأن عليها أن تستثمر هذا الإرث في ترسيخ استقرار طويل الأمد، فإنها قد تجد نفسها في مهب تغيرات الإقليم وصراعاته، بدل أن تكون فاعلة في هندسة توازناته الحالية والمستقبلية.

إسرائيل تبحث احتلال غزة وتحذيرات من خسائر فادحة بصفوف الأسرى والجنود
إسرائيل تبحث احتلال غزة وتحذيرات من خسائر فادحة بصفوف الأسرى والجنود

الجزيرة

timeمنذ 37 دقائق

  • الجزيرة

إسرائيل تبحث احتلال غزة وتحذيرات من خسائر فادحة بصفوف الأسرى والجنود

يبحث المجلس الوزاري المصغر بإسرائيل اليوم الخميس خطة لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، على وقع خلافات بين القيادتين السياسية والعسكرية، ووسط تحذيرات من خسائر فادحة ستلحق بالأسرى والجنود. ويصرّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على احتلال القطاع، وعرض مؤخرا موقفه بشأن الطريقة الدقيقة التي يرغب في تنفيذها. ونقلت صحيفة معاريف أن نتنياهو يطالب باحتلال قطاع غزة كاملا تحت ضغط من التيار اليميني المتطرف في حكومته، وعلى رأسه وزراء المالية بتسلئيل سموتريتش ، والاستيطان أوريت ستروك، والأمن القومي إيتمار بن غفير. وأضافت -نقلا عن مصادر- أن الجيش سيعرض اليوم الخميس على القيادة السياسية الثمن الذي ستدفعه إسرائيل إذا قررت احتلال قطاع غزة. وأضافت الصحيفة وفق مصادرها أن التقديرات تشير إلى ان أغلب الأسرى في غزة سيلقون حتفهم على يد آسريهم أو بسبب الغارات إذا وسع جيش الاحتلال عملياته. ووفق هذه المصادر، فإن عددا كبيرا من الجنود قد يقتلون في قطاع غزة إذا وُسّعت العملية العسكرية. وقدرت مصادر عسكرية لصحيفة معاريف أن السعي لاحتلال قطاع غزة قد يستغرق نحو 3 أشهر على الأقل ويشمل تدمير الأنفاق. كما أضافت الصحيفة -وفق تقديرات المصادر ذاتها- أنه بعد إكمال احتلال قطاع غزة سيكون الجيش مضطرا إلى إقامة حكم عسكري والاهتمام بنحو 2.5 مليون فلسطيني. وحذّرت معاريف من أن الحديث يدور عن منطقة مأهولة ومزدحمة بالسكان، وبحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية فهي بمعظمها مزروعة بالألغام ومفخخة. وذكرت أنه رغم أن خطة نتنياهو هي تنفيذ عملية خاطفة لاحتلال القطاع وحسم المعركة مع حماس ، فإنه لا يعرض حاليا المرحلة التي ستلي الحسم وليس واضحا ما مصير المناطق التي ستُحتل. وقالت "إذا كانت الخطة مدفوعة من قبل وزراء اليمين المتطرف ، فإن احتلال قطاع غزة يهدف إلى إخراج السكان الغزيين من المنطقة وإقامة استيطان إسرائيلي على الأراضي التي سيتم إخلاؤها، وهي خطة لا تعد جزءا من أهداف الحرب الأصلية". إعلان ووفق تسريبات، يعارض رئيس الأركان إيال زامير خطة احتلال غزة ويصفها بالفخ الإستراتيجي، مؤكدا أنها ستنهك الجيش لسنوات وتعرّض حياة الأسرى للخطر. ويطرح رئيس الأركان خطة تطويق تشمل محاور عدة في غزة، بهدف ممارسة ضغط عسكري على حركة حماس لإجبارها على إطلاق الأسرى. وتابعت الصحيفة أن عملية احتلال قطاع غزة ستفرض على المجتمع الإسرائيلي ثمنا ليس هيّنا. وأردفت أن العبء على المجتمع الإسرائيلي، بحسب الجيش، سيتجسد في تعبئة فورية وواسعة لعشرات الآلاف من جنود الاحتياط، واستدعاء جميع الفرق النظامية للعودة إلى القتال في قطاع غزة في الأيام القادمة. وسبق أن احتلت إسرائيل قطاع غزة لمدة 38 عاما بين 1967 و2005. ما وراء التصريحات؟ وإزاء هذه التسريبات، قال الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية سليمان بشارات إن تصريح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأخير لا يمكن قراءته خارج 3 أطر متشابكة. أولها، أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تدرك أن استمرار الحرب قد يعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر، لذا جاء هذا التحذير كنوع من تحميل المسؤولية للمستوى السياسي، ولحماية الجيش من أي مساءلة مستقبلية إن تعرض الأسرى للأذى. وأوضح أن هذا التحذير يعفي هيئة الأركان من المساءلة المباشرة لدى حدوث ضرر للأسرى، ويشكّل حماية مستقبلية من أي لجان تحقيق قد تُفتح لاحقا. وفي الإطار الثاني، أشار بشارات في تصريح للجزرة نت إلى أن هذا الموقف "يستخدم أداة لتهيئة الشارع الإسرائيلي لتقبل الثمن المحتمل"، في ظل إدراك لدى القيادة السياسية والعسكرية أن حياة الأسرى قد تُصبح جزءا من الكلفة السياسية والعسكرية القادمة. وأضاف أن هذا التحذير ليس رفضا للحرب، بل تأكيدٌ ضمني للاستعداد لتنفيذ أي قرار سياسي، كما أشار زامير نفسه الذي قال إنه سينفذ القرار السياسي في نهاية المطاف، وذلك يعني قبولا ضمنيا من المؤسسة العسكرية بخطة الحكومة. أما عن أهداف الحرب المقبلة، فرأى بشارات أن خطة احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط التي يناقشها "الكابينت" تهدف لتحريك الكتلة السكانية نحو الجنوب، تمهيدا لمرحلة تهجير أوسع نحو سيناء. كما أشار إلى أن هذا الضغط السكاني والإنساني يهدف إلى دفع المقاومة إلى الإذعان لشروط إسرائيل، وعلى رأسها تسليم السلاح وإبعاد القيادات وتسليم الأسرى. ولفت إلى أن هذه المرحلة من الحرب تجري تحت "مظلة أميركية واضحة"، مشيرا إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي روبيو، وتصريحات السفير الأميركي في تل أبيب بشأن مضاعفة مراكز توزيع المساعدات، والتي تهدف -وفق بشارات- إلى "سحب ذريعة المجاعة وتحميل المقاومة مسؤولية تعطل المساعدات، في تكرار للسيناريو الذي سبق اجتياح رفح في مايو/أيار 2024.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store