logo
"عصر الضبابية".. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط

"عصر الضبابية".. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط

الجزيرةمنذ 11 ساعات

ماذا يحدث حين يبلغ الإنسان ذروة فهمه للطبيعة، ثم يكتشف أن هذا الفهم نفسه يحمل في أعماقه بذور الكارثة؟ كيف يتحول العقل إلى سلاح ذي حدين: طريق إلى النجاة، وفي الوقت ذاته درب إلى الهلاك؟ وكيف يغدو العلماء -الذين لطالما اعتُبروا مشاعل للنور- شهودا على كوارث صنعوها بأيديهم؟ وهل تكون أكثر لحظات البشرية نورا هي نفسها أشدها عتمة؟
وفي كتابه "عصر الضبابية: سنوات الفيزياء الساطعة والمظلمة 1895-1945" يأخذنا توبياس هورتر في رحلة فريدة تمتد بين مختبرات الفيزياء وأعماق النفس البشرية، بين بريق الاكتشافات النووية والانفجارات الأخلاقية التي رافقتها. ويرسم الكاتب مشهدا لحقبة استثنائية لا تتكرر، ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على حاضرنا حتى اليوم.
وبداية، ليس من السهل -بلا شك- كتابة تاريخ علمي من دون الوقوع في فخ الجفاف الأكاديمي، لكن هورتر ينجح هنا في كتابه بالإمساك بخيط رفيع، ينسج به سردا متماسكا، يمزج به بين الحديث عن البراعة الفيزيائية والعواصف السياسية.
وقد صدر الكتاب في نسخته الأصلية بالألمانية عام 2021، وصدرت ترجمته العربية عن دار عصير الكتب عام 2024، بتوقيع المترجم محمد رمضان حسين.
لكن هذا العمل ليس مجرد حكاية نظريات ومعادلات، بل قصة رجال ونساء عاشوا في قلب الانفجار المعرفي والأخلاقي. فكانت سيرهم شهادة على 50 عاما من العبقرية المتقدة والضمائر القلقة.
أما مؤلف الكتاب فهو كاتب وصحفي ألماني وُلد عام 1972، ويحمل دكتوراه في الفلسفة، ويتميّز بأسلوب تحليلي عميق في تناول القضايا العلمية والفكرية. وقد كتب في مجلات وصحف مرموقة، ويشتهر بقدرته على الربط بين التحولات الكبرى في العلم والفلسفة وبين الأسئلة الإنسانية الوجودية.
ملامح الحقبة: من الأشعة السينية إلى القنبلة الذرية
ينطلق هورتر من 1895 العام الذي اكتُشفت فيه الأشعة السينية على يد رونتغن، وهو الاكتشاف الذي مثل شرارة الدخول في عصر جديد من الفيزياء. وتبع هذا الكشف عن النشاط الإشعاعي، ثم سلسلة من الثورات النظرية التي زعزعت يقين الفيزياء الكلاسيكية، ودفعت البشرية إلى أعتاب عصر الكم والنسبية.
وخلال نصف قرن، تسارعت الاكتشافات بوتيرة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل حيث ظهر ماكس بلانك بنظريته حول الكم، وتبعه نيلس بور، وهايزنبرغ، وشرودنغر، وأخيرا أينشتاين الذي وضع نظرية النسبية الخاصة عام 1905 ثم العامة عام 1915. وهذه الأسماء لم تكتب تاريخ الفيزياء فحسب، بل أعادت تعريف حدود الواقع وإمكانات المعرفة.
العلم بين النبوغ والشك المنهجي
يبين هورتر في كتابه أن التصورات التقليدية للعلم، بوصفه نشاطا عقلانيا خالصا قائما على الحتمية واليقين، قد تعرضت لزعزعة عميقة مع نشوء ميكانيكا الكم أوائل القرن العشرين. إذ إن المفاهيم الفيزيائية الكلاسيكية -التي كانت تفترض أن الكون يعمل مثل آلة دقيقة يمكن التنبؤ بحركتها- استُبدلت بنظرة جديدة ترى الواقع بوصفه مجالا غير حتمي، تحكمه قوانين الاحتمال، ومبادئ الشك، والتراكب الكمومي، مما قاد إلى إعادة النظر في أسس المعرفة العلمية ذاتها.
وكان نيلس بور من أبرز المدافعين عن التفسير الاحتمالي للواقع الكمومي، بل إنه وضع أسس ما عُرف لاحقا بـ"تفسير كوبنهاغن". وبحسب هذا التصور، لا يمكن الحديث عن خواص الجسيمات أو مواقعها إلا لحظة رصدها، أما قبل ذلك فهي في حالة "تراكب" احتمالي، تجمع بين جميع الحالات الممكنة في آنٍ واحد. وقد كان لهذا التفسير أثر فلسفي عميق، إذ قبل بأن تكون الجسيمات دون الذرية في أكثر من حالة في آن واحد، إلى أن تُرصَد، وهو ما بدا لكثير من العلماء تجاوزا للمعقول الفيزيائي.
وقد عارض شرودنغر هذا التفسير بمثاله الشهير "قطة شرودنغر" وهي تجربة فكرية تهدف إلى إظهار الطابع المربك لتفسير كوبنهاغن. إذ تُظهر كيف أن القَبول بأن الجسيمات قد توجد في حالتين متراكبتين -كأن تكون القطة حية وميتة في آنٍ واحد- يؤدي إلى نتائج عبثية عند تطبيقها على الواقع العياني. وكان اعتراض شرودنغر تعبيرا عن رفضه لاختزال الواقع إلى مجرد احتمالات لا تكتسب صفة "الواقعية" إلا حين تدخّلِ الراصد.
في حين رفض أينشتاين الطابع الاحتمالي الذي جاءت به ميكانيكا الكم، متمسّكًا بفكرة أن الكون تحكمه قوانين دقيقة، حتى إن لم نستطع رصدها بعد. ولم يكن اعتراضه تعصبا للحتمية الكلاسيكية، بل الإيمان بأن ما يبدو فوضويا في الظاهر قد يخفي نظاما أعمق لم يُكتشف بعد. ولهذا قال عبارته الشهيرة "الله لا يلعب النرد" دلالةً على رفضه لفكرة أن أساس الكون يقوم على المصادفة واللايقين.
الفيزياء والسياسة
في القسم الأشد إثارة من الكتاب، يرصد هورتر تداخل الفيزياء مع السياسة في زمن النازية والحرب العالمية الثانية. فمع صعود الأنظمة الشمولية، وجد العلماء أنفسهم أمام أسئلة وجودية: هل يبقى العالِم في معمله، أم يفر بضميره؟ هل يشارك في سباق التسلح أم يعارض؟ وهل يمكن أصلا الفصل بين "العلم النقي" و"الاستخدام السياسي"؟
فقد انخرط عدد من علماء الفيزياء البارزين في مشاريع عسكرية كبرى خلال القرن العشرين. من بينهم فيرنر هايزنبرغ -الذي قاد البرنامج النووي الألماني في ظل الحكم النازي- في دور لا يزال محط جدل بين المؤرخين حول مدى دعمه الفعلي لصناعة القنبلة، وكذلك روبرت أوبنهايمر الذي أشرف على مشروع مانهاتن الأميركي، فقد مثّل التناقض بأوضح صوره: عالِم بارع، ومثقف إنساني، انخرط في صنع القنبلة بكل طاقته، ثم قضى ما تبقى من عمره محاطا بالندم والتساؤلات.
وعلى النقيض من الانخراط المباشر في المشاريع العسكرية، فقد اتخذ أينشتاين موقفا أخلاقيا من الحروب والتسلح، وقد غادر ألمانيا مبكرا بعد صعود النازية، وارتبط اسمه لاحقا بالدعوة إلى السلام ونزع السلاح النووي.
ومع ذلك، وفي لحظة فارقة من القلق العالمي، وقع عام 1939 رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت حذر فيها من احتمال أن تكون ألمانيا النازية بصدد تطوير قنبلة ذرية. ولم تكن الرسالة دعوة مباشرة إلى التسلح، بل كانت تحذيرا وقائيا ينبه إلى خطر سباق نووي محتمل. لكنها اشتملت ضمنا على توصية بتسريع الأبحاث الأميركية بهذا المجال، وهو ما مهد لاحقا لانطلاق مشروع مانهاتن.
ورغم أن أينشتاين لم يشارك في المشروع ذاته، فقد شعر بندم عميق إزاء مساهمته غير المباشرة، وصرح لاحقا بأسى "لو كنت أعلم أن الألمان لن ينجحوا، لما كنت وقعت الرسالة قط". لقد مثل موقفه هذا مأزقا أخلاقيا بالغ التعقيد، يعكس التوتر بين الالتزام الإنساني ومخاوف اللحظة التاريخية.
من المعمل إلى العالم: انهيار المسافة بين النظرية والتاريخ
ما يميز الكتاب أنه لا يحصر الفيزياء في إطارها العلمي، بل يرصد تحوّلها إلى قوة حضارية، تؤثر في السياسة، والاقتصاد، وحتى في الفلسفة. فالاكتشافات الذرية لم تبق في المختبر، بل خرجت إلى العالم حقائق لا يمكن تجاهلها، وصارت مصدرا للرهبة والتأمل معا.
ومما يجدر ذكره أن توقف الكتاب عند عام 1945 لم يكن قرارا زمنيا عشوائيا، بل كان اختيارا رمزيا دقيقا. ففي ذلك العام، أُسقطت القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناغازاكي، لتُعلَن نهاية الحرب وبداية عصر جديد. لكنه لم يكن إعلانا عن هذا فحسب بل كان أيضا إعلانا عن نهاية البراءة العلمية إذ لم يعد العلم سعيا خالصا نحو الحقيقة بل صار مشروعا ذا تبعات كونية، قد تنقذ أو تدمر.
ويمتاز أسلوب هورتر بالسرد المتداخل، حيث يربط بين السياق الزمني، والتطورات العلمية، والحكايات الشخصية، دون أن يُفقد القارئ توازنه.
إن "عصر الضبابية" ليس مجرد تاريخ للفيزياء الحديثة، بل هو تأريخ لعصر فاض بالعبقرية، لكنه افتقر إلى الطمأنينة، وأشعل النور من قلب الذرة، لكنه أحرق به نفسه أيضا. إنها إذن دعوة للتفكر في معنى التقدم، وفي ثمن الحقيقة، وفي هشاشة الضمير العلمي حين يُزاح من سياقه الإنساني. إن هذا الكتاب يذكرنا أن وراء كل معادلة عقلا قلقا، ووراء كل اكتشاف مسؤولية قد تغير العالم إلى الأبد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"عصر الضبابية".. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
"عصر الضبابية".. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

"عصر الضبابية".. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط

ماذا يحدث حين يبلغ الإنسان ذروة فهمه للطبيعة، ثم يكتشف أن هذا الفهم نفسه يحمل في أعماقه بذور الكارثة؟ كيف يتحول العقل إلى سلاح ذي حدين: طريق إلى النجاة، وفي الوقت ذاته درب إلى الهلاك؟ وكيف يغدو العلماء -الذين لطالما اعتُبروا مشاعل للنور- شهودا على كوارث صنعوها بأيديهم؟ وهل تكون أكثر لحظات البشرية نورا هي نفسها أشدها عتمة؟ وفي كتابه "عصر الضبابية: سنوات الفيزياء الساطعة والمظلمة 1895-1945" يأخذنا توبياس هورتر في رحلة فريدة تمتد بين مختبرات الفيزياء وأعماق النفس البشرية، بين بريق الاكتشافات النووية والانفجارات الأخلاقية التي رافقتها. ويرسم الكاتب مشهدا لحقبة استثنائية لا تتكرر، ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على حاضرنا حتى اليوم. وبداية، ليس من السهل -بلا شك- كتابة تاريخ علمي من دون الوقوع في فخ الجفاف الأكاديمي، لكن هورتر ينجح هنا في كتابه بالإمساك بخيط رفيع، ينسج به سردا متماسكا، يمزج به بين الحديث عن البراعة الفيزيائية والعواصف السياسية. وقد صدر الكتاب في نسخته الأصلية بالألمانية عام 2021، وصدرت ترجمته العربية عن دار عصير الكتب عام 2024، بتوقيع المترجم محمد رمضان حسين. لكن هذا العمل ليس مجرد حكاية نظريات ومعادلات، بل قصة رجال ونساء عاشوا في قلب الانفجار المعرفي والأخلاقي. فكانت سيرهم شهادة على 50 عاما من العبقرية المتقدة والضمائر القلقة. أما مؤلف الكتاب فهو كاتب وصحفي ألماني وُلد عام 1972، ويحمل دكتوراه في الفلسفة، ويتميّز بأسلوب تحليلي عميق في تناول القضايا العلمية والفكرية. وقد كتب في مجلات وصحف مرموقة، ويشتهر بقدرته على الربط بين التحولات الكبرى في العلم والفلسفة وبين الأسئلة الإنسانية الوجودية. ملامح الحقبة: من الأشعة السينية إلى القنبلة الذرية ينطلق هورتر من 1895 العام الذي اكتُشفت فيه الأشعة السينية على يد رونتغن، وهو الاكتشاف الذي مثل شرارة الدخول في عصر جديد من الفيزياء. وتبع هذا الكشف عن النشاط الإشعاعي، ثم سلسلة من الثورات النظرية التي زعزعت يقين الفيزياء الكلاسيكية، ودفعت البشرية إلى أعتاب عصر الكم والنسبية. وخلال نصف قرن، تسارعت الاكتشافات بوتيرة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل حيث ظهر ماكس بلانك بنظريته حول الكم، وتبعه نيلس بور، وهايزنبرغ، وشرودنغر، وأخيرا أينشتاين الذي وضع نظرية النسبية الخاصة عام 1905 ثم العامة عام 1915. وهذه الأسماء لم تكتب تاريخ الفيزياء فحسب، بل أعادت تعريف حدود الواقع وإمكانات المعرفة. العلم بين النبوغ والشك المنهجي يبين هورتر في كتابه أن التصورات التقليدية للعلم، بوصفه نشاطا عقلانيا خالصا قائما على الحتمية واليقين، قد تعرضت لزعزعة عميقة مع نشوء ميكانيكا الكم أوائل القرن العشرين. إذ إن المفاهيم الفيزيائية الكلاسيكية -التي كانت تفترض أن الكون يعمل مثل آلة دقيقة يمكن التنبؤ بحركتها- استُبدلت بنظرة جديدة ترى الواقع بوصفه مجالا غير حتمي، تحكمه قوانين الاحتمال، ومبادئ الشك، والتراكب الكمومي، مما قاد إلى إعادة النظر في أسس المعرفة العلمية ذاتها. وكان نيلس بور من أبرز المدافعين عن التفسير الاحتمالي للواقع الكمومي، بل إنه وضع أسس ما عُرف لاحقا بـ"تفسير كوبنهاغن". وبحسب هذا التصور، لا يمكن الحديث عن خواص الجسيمات أو مواقعها إلا لحظة رصدها، أما قبل ذلك فهي في حالة "تراكب" احتمالي، تجمع بين جميع الحالات الممكنة في آنٍ واحد. وقد كان لهذا التفسير أثر فلسفي عميق، إذ قبل بأن تكون الجسيمات دون الذرية في أكثر من حالة في آن واحد، إلى أن تُرصَد، وهو ما بدا لكثير من العلماء تجاوزا للمعقول الفيزيائي. وقد عارض شرودنغر هذا التفسير بمثاله الشهير "قطة شرودنغر" وهي تجربة فكرية تهدف إلى إظهار الطابع المربك لتفسير كوبنهاغن. إذ تُظهر كيف أن القَبول بأن الجسيمات قد توجد في حالتين متراكبتين -كأن تكون القطة حية وميتة في آنٍ واحد- يؤدي إلى نتائج عبثية عند تطبيقها على الواقع العياني. وكان اعتراض شرودنغر تعبيرا عن رفضه لاختزال الواقع إلى مجرد احتمالات لا تكتسب صفة "الواقعية" إلا حين تدخّلِ الراصد. في حين رفض أينشتاين الطابع الاحتمالي الذي جاءت به ميكانيكا الكم، متمسّكًا بفكرة أن الكون تحكمه قوانين دقيقة، حتى إن لم نستطع رصدها بعد. ولم يكن اعتراضه تعصبا للحتمية الكلاسيكية، بل الإيمان بأن ما يبدو فوضويا في الظاهر قد يخفي نظاما أعمق لم يُكتشف بعد. ولهذا قال عبارته الشهيرة "الله لا يلعب النرد" دلالةً على رفضه لفكرة أن أساس الكون يقوم على المصادفة واللايقين. الفيزياء والسياسة في القسم الأشد إثارة من الكتاب، يرصد هورتر تداخل الفيزياء مع السياسة في زمن النازية والحرب العالمية الثانية. فمع صعود الأنظمة الشمولية، وجد العلماء أنفسهم أمام أسئلة وجودية: هل يبقى العالِم في معمله، أم يفر بضميره؟ هل يشارك في سباق التسلح أم يعارض؟ وهل يمكن أصلا الفصل بين "العلم النقي" و"الاستخدام السياسي"؟ فقد انخرط عدد من علماء الفيزياء البارزين في مشاريع عسكرية كبرى خلال القرن العشرين. من بينهم فيرنر هايزنبرغ -الذي قاد البرنامج النووي الألماني في ظل الحكم النازي- في دور لا يزال محط جدل بين المؤرخين حول مدى دعمه الفعلي لصناعة القنبلة، وكذلك روبرت أوبنهايمر الذي أشرف على مشروع مانهاتن الأميركي، فقد مثّل التناقض بأوضح صوره: عالِم بارع، ومثقف إنساني، انخرط في صنع القنبلة بكل طاقته، ثم قضى ما تبقى من عمره محاطا بالندم والتساؤلات. وعلى النقيض من الانخراط المباشر في المشاريع العسكرية، فقد اتخذ أينشتاين موقفا أخلاقيا من الحروب والتسلح، وقد غادر ألمانيا مبكرا بعد صعود النازية، وارتبط اسمه لاحقا بالدعوة إلى السلام ونزع السلاح النووي. ومع ذلك، وفي لحظة فارقة من القلق العالمي، وقع عام 1939 رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت حذر فيها من احتمال أن تكون ألمانيا النازية بصدد تطوير قنبلة ذرية. ولم تكن الرسالة دعوة مباشرة إلى التسلح، بل كانت تحذيرا وقائيا ينبه إلى خطر سباق نووي محتمل. لكنها اشتملت ضمنا على توصية بتسريع الأبحاث الأميركية بهذا المجال، وهو ما مهد لاحقا لانطلاق مشروع مانهاتن. ورغم أن أينشتاين لم يشارك في المشروع ذاته، فقد شعر بندم عميق إزاء مساهمته غير المباشرة، وصرح لاحقا بأسى "لو كنت أعلم أن الألمان لن ينجحوا، لما كنت وقعت الرسالة قط". لقد مثل موقفه هذا مأزقا أخلاقيا بالغ التعقيد، يعكس التوتر بين الالتزام الإنساني ومخاوف اللحظة التاريخية. من المعمل إلى العالم: انهيار المسافة بين النظرية والتاريخ ما يميز الكتاب أنه لا يحصر الفيزياء في إطارها العلمي، بل يرصد تحوّلها إلى قوة حضارية، تؤثر في السياسة، والاقتصاد، وحتى في الفلسفة. فالاكتشافات الذرية لم تبق في المختبر، بل خرجت إلى العالم حقائق لا يمكن تجاهلها، وصارت مصدرا للرهبة والتأمل معا. ومما يجدر ذكره أن توقف الكتاب عند عام 1945 لم يكن قرارا زمنيا عشوائيا، بل كان اختيارا رمزيا دقيقا. ففي ذلك العام، أُسقطت القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناغازاكي، لتُعلَن نهاية الحرب وبداية عصر جديد. لكنه لم يكن إعلانا عن هذا فحسب بل كان أيضا إعلانا عن نهاية البراءة العلمية إذ لم يعد العلم سعيا خالصا نحو الحقيقة بل صار مشروعا ذا تبعات كونية، قد تنقذ أو تدمر. ويمتاز أسلوب هورتر بالسرد المتداخل، حيث يربط بين السياق الزمني، والتطورات العلمية، والحكايات الشخصية، دون أن يُفقد القارئ توازنه. إن "عصر الضبابية" ليس مجرد تاريخ للفيزياء الحديثة، بل هو تأريخ لعصر فاض بالعبقرية، لكنه افتقر إلى الطمأنينة، وأشعل النور من قلب الذرة، لكنه أحرق به نفسه أيضا. إنها إذن دعوة للتفكر في معنى التقدم، وفي ثمن الحقيقة، وفي هشاشة الضمير العلمي حين يُزاح من سياقه الإنساني. إن هذا الكتاب يذكرنا أن وراء كل معادلة عقلا قلقا، ووراء كل اكتشاف مسؤولية قد تغير العالم إلى الأبد.

حوض المتوسط وأوروبا يواجهان أسوأ جفاف في يونيو منذ عقد
حوض المتوسط وأوروبا يواجهان أسوأ جفاف في يونيو منذ عقد

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

حوض المتوسط وأوروبا يواجهان أسوأ جفاف في يونيو منذ عقد

تشير بيانات جديدة إلى أن نصف مساحة أوروبا وحوض البحر المتوسط سجلت أعلى مستوى جفاف لشهر يونيو/حزيران منذ بدء الرصد قبل أكثر من عقد، وفق تحليل أجرته وكالة الصحافة الفرنسية استنادا إلى بيانات المرصد الأوروبي للجفاف. وأظهرت البيانات أن المنطقة المذكورة كانت لا تزال تحت تأثير الجفاف في الأيام الأولى من يونيو/حزيران الجاري، وهو أعلى مستوى يسجل لهذا الوقت من العام منذ عقد. وبحسب التقرير، فإن نحو 50% من مساحة القارة وسواحل المتوسط كانت تعاني من الجفاف بين 1 و10 يونيو/حزيران، متجاوزة بوضوح المتوسط المسجل للفترة نفسها بين عامي 2012 و2024، الذي بلغ 33%. ورغم تراجع طفيف مقارنة بمايو/أيار الماضي حين بلغ الجفاف 52%، فإن الأرقام تبقى مقلقة، خصوصا مع استمرار التأثيرات المناخية الحادة. ويعد هذا الوضع المناخي المقلق نتيجة تراكم عدة عوامل، أبرزها شح الأمطار، انخفاض رطوبة التربة، وتدهور الغطاء النباتي، وهي المعايير الثلاثة التي يعتمدها مؤشر الجفاف التابع لبرنامج "كوبرنيكوس" الأوروبي لمراقبة الأرض عبر الأقمار الاصطناعية. شرق أوروبا الأكثر تضررا وسجلت عدة دول ومناطق نسب جفاف مرتفعة للغاية، حيث تخطت نسبة الأراضي المتأثرة بالجفاف 80% في كل من لوكسمبورغ (97%)، وأرمينيا (95%)، شمال قبرص (91%)، بلجيكا (91%)، والمملكة المتحدة (84%). وفي بريطانيا، حيث سجل الربيع ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة، بدأت تداعيات الجفاف تضغط على احتياطات المياه، مما يثير قلقا متزايدا في أوساط المزارعين. وقد دعت النقابات الزراعية إلى تسريع الاستثمار في شبكات وخزانات تخزين مياه داخل المزارع لمواجهة العجز المتزايد. ويشير التقرير إلى أن 15% من الأراضي البريطانية دخلت مرحلة أعلى درجات الجفاف، مما يعني أن الغطاء النباتي يعاني من نمو غير طبيعي، مما قد يؤثر مباشرة على الإنتاج الزراعي خلال الصيف. أما بلجيكا، فكانت من أكثر الدول الأوروبية تضررا، إذ يعاني ثلث أراضيها من درجات جفاف متفاوتة. كذلك سجلت أوكرانيا وبيلاروسيا معدلات جفاف طالت أكثر من ربع مساحتيهما، وسط توقعات بتأثير مباشر على موسم الحصاد واحتياجات المياه. جنوب أوروبا أقل تأثرا في المقابل، نجت دول جنوب أوروبا نسبيا من الجفاف هذا الموسم، بفضل أمطار غزيرة هطلت في بداية الربيع. ففي إسبانيا، تأثرت نحو 8% فقط من الأراضي بالجفاف، بينما كانت النسبة أقل من 1% في البرتغال مطلع يونيو/حزيران. وهي معدلات أقل بكثير من المتوسط المسجل خلال الفترة نفسها بين عامي 2012 و2024، الذي بلغ 38% و33% على التوالي. أما في فرنسا، فاستمر الجفاف متركزا في الشمال، حيث تأثرت 39% من الأراضي القارية بدرجات جفاف مختلفة. أهمية ما يحدث يعد هذا الجفاف المتواصل تحذيرا جديدا من التغيرات المناخية العميقة التي تضرب أوروبا ومحيطها. إذ يتزامن مع اضطرابات في الأنظمة الجوية، وحرائق غابات متكررة، وتزايد الضغط على الموارد المائية، مما يضع السياسات الزراعية والمائية في قلب التحدي المناخي. ويؤكد الخبراء أن الجفاف لم يعد حالة طارئة أو استثنائية، بل يميل ليصبح نمطا موسميا متكررا، مما يتطلب سياسات أكثر جرأة في إدارة المياه، وتحسين البنية التحتية الزراعية، والتوجه نحو زراعات مقاومة للجفاف.

تسلا تطرح "ساير كاب" السيارة الثورية ذات التصميم الفضائي
تسلا تطرح "ساير كاب" السيارة الثورية ذات التصميم الفضائي

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

تسلا تطرح "ساير كاب" السيارة الثورية ذات التصميم الفضائي

حياة ذكية شهد معرض فيفا تك باريس 2025 الكشف عن مجموعة استثنائية من الابتكارات التقنية التي تعد بإعادة تشكيل مستقبل الحياة اليومية، وتنوعت العروض بين وسائل النقل الثورية والأجهزة الطبية المساعدة والحلول الرقمية. اقرأ المزيد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store