logo
الحركة المحافظة بأميركا من اختبار الحكم إلى الانقسام الكبير

الحركة المحافظة بأميركا من اختبار الحكم إلى الانقسام الكبير

صباح 20 يناير 1981، كان الصقيع يلفّ ساحة مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، بينما يضع الرئيس المنتخب آنذاك رونالد ريجان يده على الإنجيل لأداء اليمين، معلناً بداية حقبة جديدة للإدارة الأميركية.
لم تكن لحظة القسم مجرد مشهد احتفالي لانتقال السلطة، بل كانت إعلاناً عن دخول الحركة المحافظة إلى اختبارها الحاسم، وهو ترجمة شعارات "السوق الحرة" و"استعادة الهيبة الأميركية" من خطاب الحشود إلى سياسات وقوانين، وبالتالي الانتقال من مقاعد المعارضة إلى مقاعد الحكم.
ومثّل انتخاب ريجان في عام 1980، ذروة المسار الطويل الذي سلكته الحركة المحافظة في الولايات المتحدة، فقد كان ريجان، الممثل الهوليوودي السابق وحاكم ولاية كاليفورنيا، من أشد أنصار المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري باري جولدووتر في حملة 1964، وحمل شعلة أفكاره حتى دخل بها البيت الأبيض.
وبفوزه على الرئيس الديمقراطي الليبرالي جيمي كارتر، دشّن رونالد ريجان عصراً جديداً تُوج بصعود الجناح اليميني داخل الحزب الجمهوري، وجعل من ريجان أول رئيس أميركي محافظ بالمعنى الكامل منذ نحو نصف قرن (منذ كالفن كوليدج الرئيس الثلاثين للولايات المتحدة فترة (1923-1929).
وتحت قيادته، تحوّلت أفكار كانت تُعتبر هامشية داخل التيار الجمهوري إلى سياسات سائدة، إذ دفع ريجان بأجندة محافظة طموحة، تمثلت في خفض حاد للضرائب وللقيود، والحد من نمو الحكومة، وإعادة بناء القوة العسكرية الأميركية.
ريجان و"لحظة الحزم"
في 5 أغسطس 1981، أعلن ريجان إقالة أكثر من 11.000 مراقب جوي من أعضاء اتحاد مراقبي الحركة الجوية المحترفين (PATCO)، بعد أن أضربوا عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة الرواتب، رغم أن القانون الفيدرالي الأميركي يحظر على الموظفين الحكوميين الإضراب، ليمنحهم ريجان 48 ساعة للعودة، ثم نفّذ قراره بلا تردّد.
واستقبلت القاعدة اليمينية الخطوة كبيان حُكم، فيما قرأتها دوائر الأعمال بوصفها إشارة إلى أن الحكومة لن تتسامح مع تعطيل الأسواق والبنى التحتية تحت أي ضغط نقابي.
ارتبط اسم ريجان في الذاكرة السياسية الأميركية بـ"اقتصاد جانب العرض" أو ما عُرف بـ"الريجانوميكس" (Reaganomics)، وهو النهج الذي ربط بين خفض الضرائب وتحفيز النمو، وصولاً إلى زيادة عائدات الدولة على المدى البعيد.
ومع دخول ريجان البيت الأبيض عام 1981، تحوّل الشعار إلى سياسات ملموسة، فأقرّ قانون إنعاش الاقتصاد الذي خفّض الضرائب على مدى 3 سنوات، وقلّص الشريحة الضريبية العليا من 70 إلى 50%، قبل أن يأتي قانون الإصلاح الضريبي لعام 1986 ليبسط النظام ويخفض المعدل الأعلى إلى نحو 28%، في واحدة من أكبر التحولات الضريبية في تاريخ البلاد.
لكن هذه التخفيضات، إلى جانب زيادة الإنفاق الدفاعي، أدّت إلى تضخم العجز، ما دفع الإدارة إلى إقرار زيادات انتقائية في الإيرادات وإصلاحات في الضمان الاجتماعي عام 1983.
داخلياً، سعى ريجان إلى تقليص نمو الإنفاق غير الدفاعي، ونقل بعض البرامج إلى الولايات عبر منح شاملة، ووجّه ضربة قوية للنقابات، كان أبرزها إقالة الآلاف من مراقبي الحركة الجوية المضربين في عامه الأول.
ونجحت سياساته النقدية والمالية في خفض التضخم من مستويات خانقة إلى خانة الآحاد بين عامي 1983و1984، وأطلقت موجة انتعاش اقتصادي، رغم أن البطالة بلغت ذروتها عند 10.8% في 1982 قبل أن تتراجع تدريجياً.
على الصعيد الخارجي، رفع ريجان من حدة المواجهة في الحرب الباردة، واصفاً الاتحاد السوفيتي بـ"إمبراطورية الشر" عام 1983، ومعلناً مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أثارت جدلاً واسعاً، حيث عزّز الوجود العسكري الأميركي في الخارج بنشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا، والتدخل في جرينادا عام 1983 (غزو عسكري للجزيرة الواقعة في جزر الهند الغربية من قبل الولايات المتحدة وحلفاء من منطقة الكاريبي)، وقصف ليبيا عام 1986.
لاحقاً انتقل ريجان إلى مسار دبلوماسي مع الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، عُقدت خلاله قمم بارزة أفضت إلى معاهدة الصواريخ المتوسطة (INF) عام 1987، التي أزالت فئة كاملة من الأسلحة النووية.
ذروة التيار المحافظ الأميركي
ويُنظر إلى ولايتي ريجان الرئاسيتين (1981– 1989) على نطاق واسع باعتبارهما ذروة التيار المحافظ، وإلى جانب نجاحه الانتخابي الكاسح، حقق فوزاً ساحقاً في إعادة انتخابه عام 1984. واستطاع ريجان أن يدفع بالنقاش الوطني في اتجاه اليمين، كما جسّد في ولايتيه المبادئ التي يعتبرها المحافظون جوهر عقيدتهم.
ففي عهده، وقف الجمهوريون على الركائز الثلاث للمحافظة، الحد الأدنى من الحكومة المركزية، واقتصاد السوق الحر، والقيم الأخلاقية التقليدية.
وفي الثمانينيات، رسّخ رونالد ريجان إرثاً قضائياً لا يزال أثره قائماً، فقد عيّن ساندرا داي أوكونور عام 1981، كأول امرأة في تاريخ المحكمة العليا، وأنطونين سكاليا عام 1986، الذي أصبح أبرز الأصوات المدافعة عن القراءة الأصولية للدستور.
لكن محاولته تعيين القاضي روبرت بورك عام 1987، اصطدمت برفض مجلس الشيوخ، في معركة سياسية حادة أدخلت مصطلح Borking إلى القاموس السياسي الأميركي (ويعني حملة منظمة لإفشال ترشيح شخصية لمنصب عام)، لتنتهي بتعيين أنتوني كينيدي عام 1988، الذي لعب لاحقاً دور "الصوت المرجّح" في قضايا مفصلية.
وفي خلفية هذه التعيينات، كانت الجمعية الفيدرالية للمحامين، التي تأسست عام 1982، تبني نفوذها كمؤسسة فكرية وقانونية تزود الإدارات الجمهورية بقوائم المرشحين القضائيين المحافظين، لتصبح ركيزة دائمة في البنية المؤسسية للحركة المحافظة.
انقسامات تحت السطح
سنوات حكم ريجان حملت في طياتها معارك داخلية، كشفت عن تباينات جوهرية داخل الحركة المحافظة، ففي الاقتصاد، أدّت سياسات خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري إلى عجز ضخم في الميزانية، ما أثار انتقادات الجناح المالي المحافظ، الذي رأى أن الانضباط المالي جزء لا يتجزأ من العقيدة المحافظة.
وعلى جبهة السياسة الخارجية، انقسم الصف المحافظ بعدما شرع ريجان في التفاوض مع الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، خصوصاً حول معاهدات الحد من التسلح، إذ رأى صقور الحرب الباردة أن أي تسوية مع موسكو تمثل تنازلاً عن مبدأ المواجهة الحازمة.
وجمع "تحالف ريجان" (Reagan Coalition) أطيافاً متباينة من صقور الدفاع والمُحافظين الجدد الذين أرادوا تصعيد المواجهة مع الاتحاد السوفيتي عبر برامج طموحة مثل "حرب النجوم"، إلى واقعيين في الخارجية رأوا أن التفاوض مع جورباتشوف ومعاهدة خفض الأسلحة النووية عام 1987، هي السبيل لضمان أمن أميركا.
واقتصادياً، ظهر خلاف حول أولويات السياسة المالية، بين أنصار "اقتصاد جانب العرض" الذين دفعوا باتجاه خفض الضرائب مهما كان العجز، مقابل صقور الميزانية الذين قبلوا بزيادات إيرادية محدودة، مثل قانون إصلاح الإيرادات لعام 1982 لضبط العجز المتفاقم.
وعلى جبهة التجارة، وقف المدافعون عن الانفتاح والاتفاقيات، كاتفاقية التجارة الحرة مع كندا (1988) في مواجهة التيار الحمائي، الذي حذّر من فقدان الوظائف الأميركية.
حتى قضايا الهجرة والقيم الاجتماعية لم تسلم من الانقسام، فقد أثار قانون إصلاح الهجرة لعام 1986 جدلاً بين جناح الأعمال والكنائس، الذي رأى فيه تسوية تمنح شرعية للمهاجرين مقابل تشديد الإنفاذ، وبين تيار ضبط الحدود الذي اعتبره "عفواً" يشجع على الهجرة غير النظامية.
وبالمثل، اصطدم اليمين الديني الساعي لتشريعات ضد الإجهاض والإباحية بأنصار الليبرتارية (حرية السوق)، الذين حذّروا من توسيع سلطة الدولة على حساب الحريات الفردية.
وفي عام 1986، تحولت فضيحة "إيران- كونترا" (Iran-Contra) إلى اختبار حقيقي لتماسك التحالف المحافظ في عهد ريجان. كشفت التحقيقات أن الإدارة موّلت ميليشيات "كونترا" المناهضة للشيوعية في نيكاراجوا عبر التحايل على تعديلات قانونية فرضها الكونجرس، وأيضاً بيع أسلحة لإيران بصفقة سرية.
صراع التسعينيات وسقوط الاتحاد السوفيتي
مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، بدا أن الحركة المحافظة في الولايات المتحدة، التي بلغت ذروتها خلال عهد رونالد ريجان، تواجه اختباراً حقيقياً لقدرتها على الاستمرار والتجدد.
فخروج ريجان من البيت الأبيض عام 1989 ترك فراغاً قيادياً، وأدّى إلى انتقال الراية إلى نائبه جورج بوش الأب، الذي رغم تقديم نفسه كامتداد طبيعي لعهد ريجان، إلا أنه سرعان ما خيّب آمال القاعدة المحافظة، خاصة بعد قراره عام 1990 بخرق تعهده الشهير "لا ضرائب جديدة"، وهو ما اعتُبر خيانة صريحة لنهج ريجان الاقتصادي المناهض لزيادة الضرائب والرافض لتوسيع الحكومة.
هذا القرار أدّى إلى شرخ داخل التحالف المحافظ، وأثار استياءً واسعاً في أوساط النشطاء والجماعات اليمينية، التي رأت في بوش تجسيداً للعودة إلى ما قبل ريجان، أي إلى نهج جمهوري تقليدي أكثر اعتدالاً وبراجماتية.
وأدّى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 إلى زعزعة الركيزة التي جمعت طيف المحافظين الأميركيين لعقود، وهو العداء للشيوعية.
فخلال الحرب الباردة، شكّل هذا العداء نقطة التقاء بين المحافظين الجدد والقدامى، الليبرتاريون والتقليديون، إذ وحّدهم خطر خارجي مشترك، لكن بزوال "العدو"، تفكك الإجماع، وطفا إلى السطح انقسام أيديولوجي عميق.
المحافظون الجدد الذين كانوا في صعود منذ عهد ريجان، رأوا أن انهيار الشيوعية فرصة لتوسيع النفوذ الأميركي عالمياً، عبر التدخل العسكري، وتصدير الديمقراطية، وتعزيز العولمة.
في المقابل، رفض المحافظون القُدماء (Paleoconservatives) هذا التوجه، واعتبروا أن مرحلة ما بعد الحرب الباردة تستوجب انكفاءً قومياً، ورفضاً لـ"الهندسة العالمية"، وتركيزاً على الدفاع عن الهوية الوطنية، والاقتصاد الحمائي، ومحاربة الهجرة الواسعة.
وفي ذروة الانقسام داخل الحزب الجمهوري، أطلق الإعلامي والمرشح الرئاسي السابق بات بيوكانن في الانتخابات التمهيدية لعام 1992 حملة "قومية– شعبوية"، انتقد فيها نهج بوش الأب ورفع شعار "الحرب الثقافية" لاستعادة هوية أميركا المحافظة، محققاً دعماً كبيراً وصل إلى نحو 40% في ولاية نيوهامبشير.
هذا الزخم الشعبي عبّر عن عمق التوتر داخل الحزب الجمهوري بين جناح النخبة وجناح القاعدة الشعبوية، ومع خسارة بوش الأب للانتخابات أمام بيل كلينتون، بدت الحركة المحافظة وكأنها في حالة تراجع.
الثورة الجمهورية 1994
عاد التيار المحافظ إلى المشهد بقوة عبر انتصار تاريخي في انتخابات الكونجرس عام 1994، مُشكّلاً تحولاً بنيوياً في المشهد السياسي.
فبعد عامين من بدء إدارة الرئيس الأميركي الـ42 بيل كلينتون (1993- 2001)، تراكمت عوامل سخط المحافظين، من سقوط خطته الشاملة لإصلاح الرعاية الصحية، إلى إقرار حزمة الضرائب التي وصفتها المعارضة بأنها ضربة للنمو الاقتصادي، وصولاً إلى شعور متزايد بأن الحزب الديمقراطي يقود البلاد نحو حكومة أكبر وأكثر تدخّلاً.
في هذا المناخ، برز زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب نيوت جينجريتش (أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس النواب) بصفته مهندس الاستراتيجية الجديدة، مطلقاً وثيقة "عقد مع أميركا" (Contract with America) التي حوّلت انتخابات التجديد النصفي إلى استفتاء على أجندة محافظة واضحة المعالم.
وتضمنت وثيقة "عقد مع أميركا" التزامات بميزانية متوازنة، وتقليص البيروقراطية، وإصلاح الرعاية الاجتماعية وفق مبدأ "العمل مقابل الإعانة"، وفرض الانضباط على الكونجرس من خلال إخضاع أعضائه للقوانين نفسها التي تُطبّق على المواطنين، إضافة إلى تحديد عدد دورات شاغلي المناصب التشريعية.
والنتيجة كانت زلزالاً سياسياً في المشهد الأميركي، حيث سيطرت الأغلبية الجمهورية الجديدة على أجندة الكونجرس. كما أنها وضعت نهاية للهيمنة التقليدية للتيار الجمهوري المعتدل، ومهدت الطريق لسيطرة الجناح المحافظ المتشدد على الحزب الجمهوري لاحقاً، إضافة إلى إنهاء 4 عقود من سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
وخلال أول مئة يوم من عمل الكونجرس الجديد، أقرّ مجلس النواب معظم بنود "العقد"، لكن مسار التشريع اصطدم بواقع السياسة الأميركية، بعض القوانين تعثّرت في مجلس الشيوخ، وأخرى واجهت فيتو رئاسي من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وأبرزها فشل تعديل الموازنة في حصد أغلبية الثلثين، وعدم تمرير تحديد الدورات كإجراء دستوري.
تلك المواجهة بين الكونجرس الجمهوري والرئيس الديمقراطي بلغت ذروتها في إغلاقي الحكومة عامي 1995 و1996، قبل أن يعتمد كلينتون استراتيجية التموضع في الوسط، ما أفضى إلى تمرير إصلاحات كبرى في الرعاية الاجتماعية عام 1996، حقق من خلالها المحافظون أحد أبرز أهدافهم.
ومن المفارقات البارزة في التسعينيات أن بعض أهم انتصارات المحافظين لم تأتِ على يد رئيس جمهوري، بل من خلال إدارة ديمقراطية بقيادة بيل كلينتون.
فقد اضطر كلينتون، تحت ضغط الكونجرس الذي سيطر عليه الجمهوريون بعد انتصارهم الساحق عام 1994، إلى تبنّي أجندة محافظة في قضايا محورية، فوافق عام 1996 على قانون إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، واضعاً بذلك حداً لحقبة "الدولة الراعية" (وهي حقبة بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي بسبب الكساد الاقتصادي، في عهد الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت، وقد بدأت هذه الحقبة في التراجع خلال سبعينيات القرن الماضي، وانتهت في التسعينيات مع صعود المحافظين الجدد) والتي طالما انتقدها المحافظون، ومكرساً بدلاً منها مبدأ "العمل مقابل الإعانة".
وفي العام نفسه، وقّع كلينتون قانون الدفاع عن الزواج (DOMA) الذي يعرّف الزواج بأنه بين رجل وامرأة، في انتصار واضح للمحافظين الثقافيين الذين خاضوا "حرباً" ضد ما اعتبروه تهديداً لهوية الأسرة الأميركية.
وأثبت التيار المحافظ قدرته على التأثير في السياسات الوطنية وفرض أجندته، حتى في ظل إدارة ديمقراطية معارضة.
بزوغ الإعلام المحافظ
لطالما اعتقد المحافظون أن وسائل الإعلام التقليدية تتبنى ميولاً ليبرالية، وهو شعور ترسخ منذ حملة السياسي المحافظ باري جولدووتر في عام 1964. ورداً على ذلك، أنشأوا نظاماً إعلامياً موازياً أصبح أحد أعمدة قوتهم.
وكان أبرز هذه التطورات هو انتشاراً واسعاً لبرامج الإذاعة الحوارية المحافظة، ففي عام 1987، ألغت لجنة الاتصالات الفيدرالية ما يُعرف بـ"مبدأ التوازن"، وهو قانون كان يُلزم محطات الراديو بتقديم وجهات نظر متوازنة حول القضايا العامة.
وبعد رفع هذا القيد، ازدهرت البرامج الحوارية ذات التوجه الواحد دون الحاجة لتقديم وجهات نظر معارضة، واستغل المحافظون هذه الفرصة، فإلغاء هذا القانون "يُنسب إليه الفضل في ولادة الإذاعة الحوارية الحديثة"، حيث أتاح للمذيعين تقديم تعليقات محافظة بلا قيود، ولساعات متواصلة.
وسرعان ما أصبح نجوم مثل المذيع المحافظ راش ليمبو يتمتعون بتغطية وطنية، وجذبوا ملايين المستمعين، خاصة في المناطق التي شعرت بالتهميش من إعلام النخبة في واشنطن ونيويورك.
وبحلول التسعينيات، أصبح ليمبو "المذيع الأعلى تصنيفاً في الإذاعة الحوارية" بلا منازع، وسعى قادة الجمهوريين إلى كسب جمهوره.
وبالفعل، سيطرت الإذاعة الحوارية المحافظة على الأثير مقارنة بالبرامج الليبرالية من حيث عدد المستمعين، ولعب هؤلاء المذيعون، مثل ليمبو، شون هانيتي (النجم البارز حالياً في شبكة فوكس نيوز)، ومايكل سافاج، دوراً يفوق الترفيه، فقد وفّروا لمستمعيهم، خصوصاً من الطبقة العاملة أو سكان الأرياف، إحساساً بالهوية والانتماء والغضب المشترك، وعززوا الروايات المحافظة، وحرّكوا الناخبين.
والمحطة الفاصلة الأخرى في المشهد الإعلامي المحافظ، هو تأسيس قناة "فوكس نيوز" عام 1996 على يد إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ.
وأُنشئت الشبكة بهدف صريح يتمثل في تقديم بديل للإعلام التلفزيوني الذي اعتُبر ذا ميول ليبرالية، وسرعان ما أصبحت القناة الأعلى تصنيفاً بين شبكات الأخبار.
وبحلول الألفية الجديدة، باتت "فوكس نيوز" تحتل مكانة فريدة في المشهد الإعلامي الأميركي، خاصة لدى من ينتمون إلى اليمين الأيديولوجي، ولم تتمكن أي وسيلة إعلامية أخرى من مضاهاة شعبيتها لدى الجمهوريين.
وتُظهر الاستطلاعات أن نحو ثلثي الجمهوريين يثقون بـ"فوكس نيوز" كمصدر للأخبار السياسية، وهي نسبة تفوق بكثير أي وسيلة إعلامية أخرى، كما أفاد نحو 6 من كل 10 جمهوريين بأنهم يتابعون الأخبار من القناة أسبوعياً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بوتين: قمة ألاسكا كانت مفيدة وجاءت في الوقت المناسب
بوتين: قمة ألاسكا كانت مفيدة وجاءت في الوقت المناسب

الشرق الأوسط

timeمنذ 19 دقائق

  • الشرق الأوسط

بوتين: قمة ألاسكا كانت مفيدة وجاءت في الوقت المناسب

نقل تلفزيون «آر تي» عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله، السبت، إن اجتماع القمة مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في ألاسكا أمس كان مفيداً للغاية وعُقد في الوقت المناسب، مؤكداً احترام روسيا رغبة الإدارة الأميركية بضرورة وقف القتال في أوكرانيا بأسرع ما يمكن. وأكد بوتين أنه ناقش مع ترمب سبل تسوية الأزمة الأوكرانية على أسس عادلة، مشيراً إلى أنه انتهز الفرصة لعرض موقف روسيا بهدوء وبالتفصيل، وأنه ناقش مع ترمب جميع أوجه التعاون بين البلدَيْن. وقال بوتين، في حديثه مع مسؤولين كبار في موسكو غداة اللقاء، إن روسيا تفضّل وقف الأعمال القتالية في أوكرانيا في أقرب وقت، والمضي قدماً نحو التوصل إلى حل لجميع القضايا بالوسائل السلمية. وأوضح الرئيس الروسي أن معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى نشوب الحرب في أوكرانيا يجب أن تكون هي الأساس نحو التوصل إلى تسوية، مشيراً إلى أن الحوار مع ترمب «كان صريحاً وبناءً ويقرّبنا من الحلول المنشودة». وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز»، السبت، أن بوتين طالب بانسحاب أوكرانيا من منطقة دونيتسك الشرقية بوصفه شرطاً لإنهاء الحرب، لكنه أبلغ ترمب بإمكانية تجميد بقية خطوط المواجهة إذا تمت الاستجابة لمطالبه الرئيسية. ونقلت الصحيفة عن أربعة مصادر مطلعة القول إن بوتين أعلن أنه سيجمّد خطوط المواجهة في منطقتي خيرسون وزابوريجيا الجنوبيتَين مقابل السيطرة على دونيتسك. وقال ترمب، السبت، إن أوكرانيا يجب أن تتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مع روسيا؛ لأن «روسيا قوة كبيرة جداً، وهم (الأوكرانيون) ليسوا كذلك».

بوتين «المنتصر» في ألاسكا يرسم ملامح التسوية المحتملة
بوتين «المنتصر» في ألاسكا يرسم ملامح التسوية المحتملة

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

بوتين «المنتصر» في ألاسكا يرسم ملامح التسوية المحتملة

قد تكون الفكرة الجوهرية التي تعكس مجريات ونتائج القمة الفريدة من نوعها في ألاسكا، هي أن الرئيس فلاديمير بوتين ذهب إلى أول لقاء منذ سنوات مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، وهو يدرك تماماً أن أولويات الأخير لا تتوافق تماماً مع أولويات أوروبا وحاجات أوكرانيا. هذه الورقة الأقوى التي لعب عليها جيداً سيد الكرملين، وهو يطرح رؤيته أمام ترمب وفريقه المقرب، ليس فقط فيما يتعلق بالتسوية المحتملة في أوكرانيا، بل حول آليات إعادة الثقة وفتح أبواب التعاون الواسع مع واشنطن، في إطار صفقات كبرى، وأيضاً في إطار الحديث عن مسؤوليات مشتركة عن الأمن والسلم الدوليين. أيضاً، ذهب بوتين إلى ألاسكا وهو يدرك جيداً عناصر قوته، ولا يتجاهل مناحي ضعفه. وهذا انعكس بشكل مباشر في التحضيرات التي سبقت القمة، سواء على صعيد فحص السيناريوهات المختلفة مع أركان قيادته وتحضير أفكاره بشكل جيد، أو على الصعيد الميداني من خلال التصعيد القوي الذي سبق القمة بأسابيع، ومهد الطريق لفرض أمر واقع ميداني جديد لا يمكن تجاهله عند الحديث عن أي انسحابات أو تنازلات إقليمية محتملة. يسود شعور عارم في موسكو بأن بوتين خرج منتصراً من هذا اللقاء. هذا ما تشي به عناوين الصحف الكبرى وتعليقات السياسيين والخبراء على مستويات مختلفة. كلها وقفت عند أربعة عناصر رئيسية، أبرزها فكرة تقويض أوهام عزلة روسيا، وفتح الأبواب أمام بوتين ليعود لاعباً رئيسياً في العالم في قضايا الحرب والسلام. وبعدما كان ترمب قبل أسابيع قليلة قد قال إن على بوتين أن يضع جهده في تسوية النزاع في أوكرانيا قبل أن يتوسط لإنهاء الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، هاهو يستقبله في قاعدة عسكرية أميركية على السجادة الحمراء، ووسط تصفيق واستعراض ترحيبي مثير للطيران الحربي. ثم يجلس معه نحو 3 ساعات لمناقشة شؤون المنطقة والعالم. حتى الإشارات الخفية ولغة الجسد، كما فسرها محللون روس وغربيون، لفتت الأنظار. بوتين يبدأ الحديث أولاً في مؤتمر صحافي غريب في شكله ومضمونه، في مخالفة لبروتوكولات الاستضافة التي عهد عليها ترمب. وبوتين يبدو واثقاً ومبتسماً وثابتاً في وقفته ومشيته خلافاً للرئيس الأميركي الذي بدا متجهماً بعض الشيء بعد اللقاء، وبوتين هو الذي يعلن التوصل إلى اتفاق غامض ثم يترك لترمب شرح تفاصيل أوفى. العنصر الثاني البارز، تجلى فيما تم الكشف عنه من التفاهمات الخفية، تراجع ترمب عن فكرته التقليدية بضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف النار في أوكرانيا، وبات يطرح على مسامع القادة الغربيين فكرة بوتين حول «السلام النهائي» الذي لا يُخفي فيه ضرورة «إنهاء الجذور الأصلية للنزاع»، منتقلاً بذلك مرة واحدة ليتبنى قناعة بوتين حول آليات التسوية المحتملة. وهذه نقطة جوهرية؛ إذ لن يعود بمقدور ترمب لاحقاً أن يقول إنه مستعد لفرض عقوبات على الكرملين؛ لأن الأخير يواصل القتال. الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد هبوط الطائرة الرئاسية بقاعدة أندروز الجوية بولاية ماريلاند آتيةً من أنكوريدج في ألاسكا (أ.ف.ب) أما العنصر الثالث فقد تمثل في تبني ترمب أيضاً وجهة النظر الروسية حول المخاوف من أن تلعب أوروبا وأوكرانيا دوراً سلبياً لعرقلة السلام المنشود. وهو أمر عبر عنه الرئيس الأميركي مباشرة بعد اللقاء في حديثه مع الصحافيين وخلال اتصالاته مع قادة أوروبيين. ومن المهم هنا التذكير بأن ترمب نفسه كان قد قدم ثلاثة تعهدات للقادة الأوروبيين في اجتماع عبر تقنية «الفيديو كونفرس» سبق القمة، هي: وقف القتال، والتحضير للقاء ثلاثي يجمعه مع بوتين والرئيس فولوديمير زيلينسكي، والضمانات الأمنية لاحقاً لأوكرانيا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في ألاسكا (رويترز) التعهد الأول سقط تلقائياً بعدما غيّر ترمب وجهة نظره واقتنع بموقف بوتين حول مبدأ الهدنة، والتعهد الثاني حصل فيه ترمب على مساحة صغيرة للمناورة، كون بوتين لم يعلن موقفاً محدداً بعد، واللافت هنا أن فريق الكرملين أعلن فور العودة لموسكو أن «موضوع القمة الثلاثية لم يطرح خلال المفاوضات»، وهذه إشارة لافتة للغاية. والتعهد الثالث بدا أن بوتين سار فيه خطوة لملاقاة ترمب، عندما أعلن أنه «يؤيد فكرة الرئيس الأميركي حول الضمانات»، من دون أن يحدد طبيعة الضمانات المقترحة والأطراف المنخرطة فيها ومستوى هذا الانخراط. وهذا أمر مهم للغاية لأن موسكو تعارض بشكل قوي ضمانات قد تؤدي إلى نشر قوات أوروبية في أوكرانيا أو تمنح الأوروبيين عموماً صلاحيات على خطوط التماس، أو في إطار إعادة تسليح الجيش الأوكراني. الرئيس زيلينسكي (رويترز) والعنصر الأخير الذي ركزت عليه التعليقات الروسية في إطار إبراز «انتصار بوتين» تمثل في بدء الحديث عن صفقات كبرى تم التوافق على ملامحها الأولى خلال اللقاء، بينها إشارات إلى استثمارات مشتركة في القطب الشمالي، وحديث عن تعاون في بناء السفن، وفقاً لمصادر روسية قالت إن قطاع الأعمال الروسي يستعد لانفتاحة كبرى على السوق والاستثمارات الأميركية. ولا يغيب هنا حديث عن مشروعات استراتيجية في مناطق الشرق الأقصى، واستثمارات مشتركة في قطاع المعادن النادرة، وهو أمر حيوي للغاية وينعكس مباشرة على آفاق التسوية في أوكرانيا، خصوصاً أن بعض المصادر الروسية تحدثت عن وعود باستثمارات مشتركة في هذا القطاع، ليس فقط داخل أراضي روسيا التي يعترف بها العالم، بل في الأقاليم الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية والتي ضمتها روسيا بشكل أحادي. في هذا السياق، ورغم أن ترمب أعلن أنه سوف يشاور الحلفاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والجانب الأوكراني، لكن بدا أن هذه المشاورات حملت طابع الإبلاغ وتقديم طلبات محددة للجانب الأوكراني، بمعنى أنها لم تكن مشاورات تهدف إلى تنسيق المواقف، وتبني خطوات مشتركة لفرض السلام المنشود أو مواجهة الرؤية الروسية للسلام. وتشي ردود فعل القادة الأوروبيين بعد الاتصالات التي أجراها ترمب بخيبة أمل واسعة، وبمستوى القلق، على الرغم من الترحيب الواسع بفكرة الضمانات التي يمكن أن تقدم لأوكرانيا. في هذا الإطار يقول معلقون روس إن أوروبا وجدت نفسها في موقف الخاسر في القضية الأوكرانية؛ إذ لم يعد لها مكان جدي للمشاركة في المفاوضات المقبلة التي قد تكون ثلاثية أو ثنائية بين موسكو وكييف. الأهم من هذا، أن أوروبا، وفقاً لتعليق نشرته وكالة «نوفوستي»، لم تعد قادرة على طرح مبادرة مستقلة تتجاهل الجهود الأميركية، وباتت تتحرك فقط على هامش هذه الجهود وتقوم بردات فعل عليها. واللافت هنا أن التعليق الأقوى على هذا الموضوع جاء من معسكر «الصقور» الروس الذين قال عنهم ترمب خلال المؤتمر الصحافي مع بوتين، إنه ستتم مواجهتهم وتقليص نفوذهم. وقال نائب سكرتير مجلس الأمن القومي ديمتري مديفيديف الذي تسبب جداله مع ترمب أخيراً بإرسال غواصتين نوويتين إلى مقربة من شواطئ روسيا، إن «النتيجة الأبرز لقمة ألاسكا هي أن موسكو وواشنطن متفقتان الآن على تحميل المسؤولية على أوروبا وأوكرانيا عن مسار مفاوضات التسوية المقبلة»! ماذا يريد الكرملين؟ يرى الكرملين، وفقاً لتصريحات مسؤولين رافقوا بوتين، أن لقاء ألاسكا وفر فرصة ثمينة لدفع جهود التسوية. يدخل في هذا الإطار، من وجهة نظر موسكو، سقوط المطالبة بوقف آني للنار، والعمل على دفع مفاوضات ثلاثية أو ثنائية لتحديد مسار التسوية المقبل، مع الاحتفاظ بفكرتين أساسيتين: لا تنازلات إقليمية، ولا تراجع عن مبدأ إنهاء الجذور الأصلية للصراع، وأي نقاشات مستقبلية حول الضمانات الممنوحة لأوكرانيا يجب أن تناقش وتراعي مصالح روسيا وكل الأطراف الأخرى بما في ذلك أوكرانيا.

في قرار مثير للجدل.. أمريكا توقف تأشيرات الزيارة للقادمين من غزة
في قرار مثير للجدل.. أمريكا توقف تأشيرات الزيارة للقادمين من غزة

صحيفة سبق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة سبق

في قرار مثير للجدل.. أمريكا توقف تأشيرات الزيارة للقادمين من غزة

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، السبت، إيقاف جميع تأشيرات الزيارة التي تمنح للأفراد القادمين من قطاع غزة، في خطوة قالت إنها تأتي ضمن مراجعة شاملة لآلية إصدار التأشيرات الطبية والإنسانية. وأوضحت الوزارة في منشور عبر منصة "إكس"، أن القرار يشمل إيقاف إصدار التأشيرات المخصصة للعلاج الطبي داخل الولايات المتحدة، وذلك بعد مراجعة العملية والإجراءات التي استخدمت لإصدار تأشيرات محدودة خلال الأيام الأخيرة. وبحسب بيانات وزارة الخارجية الأمريكية، فقد أصدرت واشنطن أكثر من 3,800 تأشيرة زيارة من فئتي "B1" و"B2" لحاملي وثيقة السفر الصادرة عن السلطة الفلسطينية، بينها 640 تأشيرة في مايو الماضي وحده، وفق ما أوردته وكالة "رويترز". ويأتي القرار في وقت يعيش فيه قطاع غزة أزمة إنسانية خانقة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى مقتل ما لا يقل عن 1,760 فلسطينيًا أثناء انتظار المساعدات أواخر مايو، وسط أوضاع إنسانية تُوصف بأنها من بين الأسوأ عالميًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store