
الغيرة عند الرجال: دليل حب أم مشكلة ثقة؟
الغيرة شعور طبيعي بين البشر، ولكنها تتجلى بوضوح في العلاقة الزوجية، فعندما يشعر أحد الطرفين بانجذاب الطرف الآخر إلى غيره بأي شكل كان، تبرز الغيرة كتعبير عن الخشية من فقدان الشريك، وإذا كانت هذه المشاعر بالقدر المعقول، اعتبرت الغيرة حميدة، أما إذا زادت وتجاوزت الحد المقبول، فإنها تنقلب للنقيض، لتؤدي بدورها لعديد من المشكلات.
الغيرة عند الرجال
وهناك عديد من الأسباب التي قد تجعل الزوج يشعر بالغيرة على زوجته، فقد تنتج من شعوره بغياب الأمان، أو بأنه غير جدير بها أو بأنها تستحق زوجًا أفضل منه، كما قد تنتج من كثرة علاقاته وتجاربه السابقة قبل الزواج، لذلك يقع على الزوجة عبء كبير في التعامل مع الرجل الغيور، ففي البداية لا بُدَّ أن تكسب ثقته وتقضي على مخاوفه، وتتعامل معه بذكاء وحكمة وتضع له حدودًا لتعديل سلوكه.
خطورة غيرة الرجال
يقول ديفيد بوس، أستاذ علم النفس في جامعة تكساس في أوستن، ومؤلف كتاب "العاطفة الخطرة"، إن أحد أسباب كون الاعتراف بالغيرة مؤلمًا هي أن ذلك يمكن أن يشير إلى اختلال توازن القوى في العلاقة، وهي إشارة إلى أن شريك حياتك له اليد العليا في العلاقة، أو أنك تشعر بالتهديد بشكل عام، أو أنك خائف من أن يتركك، لذلك يحاول الناس عمدًا قمع التعبير عن الغيرة.
كما يشير بوس إلى أن هناك اختلافات مهمة، فغيرة الذكور يمكن أن تكون أكثر خطورة بكثير، ففي البلدان الغربية نسبة 50 إلى 70% من النساء البالغات اللاتي يقتلن، يكون موتهن على يد الزوج أو الصديق الحميم أو صديق سابق، في حين أن 3% فقط من الرجال الذين قتلوا ماتوا على يد شريكاتهم أو شريكاتهم السابقات.
أسباب الغيرة عند الرجال
من جانبها، قالت الدكتورة زينب أحمد نجيب، استشاري العلاقات الأسرية وتطوير الذات، إن الغيرة شعور إنساني طبيعي يظهر عندما يشعر الفرد بتهديد على ما يملكه أو يهتم به، سواء كان ذلك في العلاقات العاطفية أو المهنية أو الاجتماعية.
وعند الرجال، تتخذ الغيرة أبعادًا مختلفة، تتأثر بالتنشئة والثقافة والتوقعات المجتمعية، وقد تكون دافعًا للسلوك الإيجابي أو مصدرًا للمشكلات.
وأضافت استشاري العلاقات الأسرية، أن أسباب الغيرة عند الرجال تتلخص في الخوف من الفقد أو شعور الرجل بتهديد مكانته أو علاقته العاطفية مما يدفعه للشعور بالغيرة، ومن الأسباب الشائعة أيضًا الشك وانعدام الثقة وضعف الثقة بالنفس أو بالآخرين.
علامات الغيرة عند الرجال
كما أوضحت "نجيب" أن بعض الرجال يكون لديهم الرغبة في التملك، فقد يشعر الرجل أن زوجته أو حبيبته جزء من ممتلكاته، فيغار عند شعوره بفقدان السيطرة.
وعلامات الغيرة عند الرجال تتمثل في المراقبة المستمرة والتدخل في الخصوصيات، والمقارنة الدائمة بالآخرين، ومحاولة إثبات الذات بشكل مفرط، بالإضافة إلى الشعور بالغضب والانفعالات الزائدة في أبسط المواقف.
كما وجهت استشاري العلاقات الأسرية، نصيحة للزوجات بضرورة التواصل مع الزوج، لأنه مفتاح العلاقات العاطفية، بالإضافة إلى إيجاد مساحة لفهم الطرف الآخر دون وضعه في حالة دفاع عن نفسه باستمرار، وتعزيز الثقة بالنفس من خلال تطوير الذات وتحقيق الإنجازات الشخصية، مؤكدة ضرورة فهم الغيرة كدافع يمكن توجيهه لتحسين الذات بدلًا من إيذاء الآخرين.
الغيرة سلوك طبيعي!
"الغيرة في حد ذاتها سلوك طبيعي، وانعدامها شيء غير مستحب، لأنه يدل ويفسر على أن الرجل غير مهتم بشريكة حياته أو خطيبته، وهذا يعني أنه لا يوجد أي شعور أو حب".. بتلك الجملة بدأت الدكتورة هالة يسري أستاذ علم الاجتماع وعضو لجنة المرأة الريفية بالمجلس القومي للمرأة واستشاري وخبير العلاقات الأسرية حديثها، فيما طالبت بضرورة إيجاد التوازن، لأن غيرة الرجل يمكن أن تصنف بأنها حب زائد أو قلة ثقة، ولذلك فلا بُدَّ أن يكون التوازن هو عنوان حديثنا.
ما هي الغيرة المرضية؟
تُقسم دكتورة هالة الغيرة عند الرجال إلى غيرة عادية وأخرى مَرَضية قد تصل إلى الشك، وغيرة غير مرضية، وتتدرج الغيرة المرضية من شديدة إلى متوسطة، إلى أن تصل إلى غير موجودة، مؤكدة أن خير الأمور الوسط.
فالغيرة عند الرجل، سواء كانت مرضية أم عادية لابد أن تعمل لإحداث التوازن بين المشاعر، حتى لا تشعر الزوجة بالاختناق.
وهناك علامات للغيرة المَرَضية تبرز عندما يعلن أحد الطرفين سواء الرجل أو المرأة عن غضبه وعدم ارتياحه أو تقبله أو رضاه من حالة الغيرة المستمرة التي يشاهدها من الطرف الآخر.
الدكتورة هالة يسري أستاذ علم الاجتماع وعضو لجنة المرأة الريفية بالمجلس القومي للمرأة واستشاري وخبير العلاقات الأسرية- المصدر: الرجل
مظاهر الغيرة
تختلف الغيرة من رجل إلى آخر ومن امرأة إلى أخرى بل ومن مجتمع إلى آخر، لأنها ترجع إلى العادات والتقاليد ومنظومة القيم في المجتمع، فهناك مجتمعات تقبل قدرًا من الغيرة، ومجتمعات أخرى لا تتقبل.
ومظاهر غيرة الرجل على المرأة كثيرة، منها ما قد يكون نتيجة تحدث المرأة مع شخص آخر غريب غير خطيبها أو زوجها، أو أن تكون الزوجة في مركز مرموق عن الرجل أو أنها من طبقة أعلى من الزوج، أو تتمتع بقدر عالٍ من الجمال، أو أن يرى الزوج أن زوجته أو خطيبته تفوقت عنه في أشياء كثيرة، حتى ولو في طريقة كلامها، أو ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للزوجة.
أو أن يكون الزوج ضعيف الشخصية، أو أن يكون الرجل قد مر بتجربة سيئة مع شخص غير جدير بالثقة من الجنس الآخر، وهذه هي أهم أسباب الغيرة بين الزوجين، لذلك أرى، والحديث للدكتور هالة، أن التقارب والتكافؤ بين الزوجين أمر في منتهى الأهمية، فهذا يعمل نوعًا من التوافق بينهما، ويقضي على سوء التفاهم ويقرب وجهات نظرهما.
تأثير الغيرة المرضية على الرجال
الغيرة المرضية توثر على الحالة النفسية للرجل بالسلب، وتسبب له الألم والاكتئاب والتوتر، ويمكن أن تصل عواقب الغيرة إلى القتل، فهي تتدرج من عدم الارتياح إلى الغضب إلى العنف اللفظي إلى العنف البدني إلى القتل وإزهاق الروح.
كيف تتعاملين مع الرجل الغيور؟
لذلك ننصح الفتيات المقبلات على الزواج بضرورة تحري الدقة عند اختيارها لشريك حياتها، وأن تبتعد فورًا عن الاقتران أو الارتباط بالرجل الشكاك، الذي يفتش في تليفونها خلسة، خصوصًا إذا كانت الفتاة من أسرة محافظة متدينة تراعي العادات والتقاليد، فليس كل غيرة معناها حب، وليس كل حب معناه غيرة، ومن ثم على الفتاة ألا تقترن بأي رجل إلا بعد أن تكون متأكدة بنسبة 70% أن لديه من الخصال والصفات ما يجعل منه زوجًا صالحًا.
وعن طريقة تعامل المرأة مع الرجل الغيور تقول الدكتورة هالة: "لا بد من التفرقة بين حالتين، حالة ما إذا كانت المرأة متزوجة ولم تنجب، وحالة ما إذا كانت متزوجة ولديها أطفال".
وأضافت: "إذا وجدت الزوجة التي لم تنجب أن الرجل لا يمكن معاشرته لأن الغيرة لديه وصلت لحد مرضي، فأنا أنصحها في هذه الحالة بالطلاق، أما إذا كان هناك أطفال فأقول لها حاولي أن تتجنبي غضب الزوج بقدر الإمكان، وتعايشي مع هذا العيب، فلا يوجد إنسان خالٍ من العيوب، لكي تستمر الحياة من أجل الأطفال، لأنهم هم من يدفعون ثمن الفراق بين الزوجين، فتبعات الطلاق تصيب الأطفال بأثار نفسية سلبية وسيئة، ومن الممكن إلحاق الزوج بدورات تدريبية لتعديل سلوكه".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 41 دقائق
- الشرق الأوسط
هل تتقدّم الضربة على الاتفاق النووي؟
تصاعد التحذيرات والتسريبات والتقديرات الاستخباراتية حول احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، في حال فشل المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران، يعيد تعريف الخطوط الحمراء بشأن ما تعتبره إسرائيل «تهديداً وجودياً» لها، في ضوء متغيرات إقليمية ودولية عميقة. الحديث عن «ضربة وشيكة» لم يعد مجرد تكهنات صحافية، أو من أدبيات التوتر المعتاد بين الطرفين، بل بات مادة لتقارير استخباراتية، وتصريحات مباشرة وغير مباشرة من مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، ونقاشات مفتوحة في مراكز التفكير حول العالم. والأهم هو ما يرصده خبراء عسكريون من مناورات جوية وتحركات ذخيرة دقيقة، وتموضعات تشير إلى أن إسرائيل قد تكون قادرة على تنفيذ ضربة خلال سبع ساعات من اتخاذ القرار؛ ما يترك هامشاً زمنياً ضيقاً لأي تدخل أميركي محتمل. فهل نحن فعلاً أمام ساعة الصفر، أو أن ما يجري لا يزال جزءاً من لعبة الرسائل المعقدة التي تبعث بها إسرائيل والولايات المتحدة للضغط على إيران؟ وهل السياق الأوسع، لا سيما ما تغير على مستوى موازين القوى في المنطقة، يعزز احتمال الضربة أو يضعفه؟ إيران، رغم استمرارها في تخصيب اليورانيوم بنسبة تقترب من العتبة العسكرية (60 في المائة)، فقدت الكثير من مخالبها بعد الضربات القاسمة التي تعرض لها وكلاؤها الإقليميون، لا سيما «حزب الله» و«حماس»، وأفقدتهم جزءاً كبيراً من قدرات الردع والإسناد. كما أن الضربات الإسرائيلية المركّزة التي استهدفت منشآت عسكرية واستخباراتية إيرانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، والانفجارات الغامضة في ميناء شهيد رجائي في أبريل (نيسان) الفائت التي دمرت مخزون الوقود الصلب المُشغل للصواريخ الباليستية، تركت أثراً واضحاً على جاهزية طهران وقدرتها على التصعيد غير المتكافئ. يشكل هذا التأكُّل في أدوات الردع الإيرانية أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الخيار العسكري الإسرائيلي أكثر احتمالاً، لا سيما مع وجود حكومة إسرائيلية تُعرّف الأمن الوطني بمنطق «الوقاية الوقائية»، وتقدم أحياناً الحسابات العسكرية على الحسابات السياسية. زِد على ذلك أن الإجماعات الإسرائيلية تغيرت جذرياً بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، بحيث باتت الغريزة الحاكمة أن التهديدات الوجودية، مثل البرنامج النووي الإيراني، لا تحتمل الانتظار أو الرهان على المسارات الدبلوماسية البطيئة. وعليه، يُفهم تلويح واشنطن لتل أبيب بسحب التنسيق العسكري والدبلوماسي في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ الضربة خارج الإطار الزمني الذي تحدده الإدارة الأميركية، وعلى نحو يتعارض مع المسار التفاوضي الجاري مع طهران. ويعزز الانطباع أن في الولايات المتحدة من ينظر بجدية بالغة إلى احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران. تلتقي المواقف العربية المحورية مع هذا التوجه؛ إذ أبدت عواصم رئيسية في المنطقة رفضها الصريح لأي خيار تصعيدي إسرائيلي يبدد فرصة الحلول الدبلوماسية، كما نقلت هذه الدول رسائل مباشرة إلى طهران، تحثها فيها على التجاوب مع مسار التهدئة وتجنب الانزلاق إلى مواجهة أوسع، قد تكون مدمرة لجميع الأطراف. يؤمل لهذه المظلة الأميركية - العربية أن تضعف احتمال التصعيد العسكري. فنتنياهو، مهما بدا واثقاً بقدرة بلاده على التحرك المنفرد، يدرك تماماً أن أي خطوة كبرى دون غطاء أميركي، وبالتعارض الحاد مع مصالح دول إقليمية وازنة، قد تكلّف إسرائيل ثمناً استراتيجياً باهظاً. وما يزيد المشهد تعقيداً هو أن الضربة الإسرائيلية، إن حصلت، لن تكون «جراحية» بالمعنى الكلاسيكي؛ فالمعلومات المتداولة تفيد بأنها ستكون عملية تمتد لأيام، تستهدف عدة مواقع ومنشآت في عمق إيران، وهو ما يعني أن احتمال الانزلاق إلى تصعيد مفتوح سيظل قائماً، ويفرض على إسرائيل حسابات أمنية ودفاعية معقدة، حتى لو لم يرتقِ الرد الإيراني المباشر إلى ما يُخشى منه. وإن كان ترمب لا يمانع تسريب تهديدات إسرائيلية عبر الإعلام لإبقاء الضغط على الطرف الإيراني، فإن ذلك لا يعدو كونه التقاءً مؤقتاً بين الحسابات الإسرائيلية والأميركية، لا يتجاوز الاستثمار في التلويح بالخطر. فالأكيد أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يفضل إنجاز اتفاق نووي «جيد» يقي الولايات المتحدة الانجرار إلى مواجهة إقليمية، خدمة لحساباته السياسية الداخلية والانتخابية، وخدمة لحساباته الشخصية، ورغبته في الحصول على أكبر عدد من ميداليات السلام، لا سيما «جائزة نوبل». ولكن، سواء أقدمت إسرائيل على الضربة أو لا، فإن ما يجري حالياً يكشف عن تغيرات جوهرية في قواعد اللعبة: فإيران التي كانت تردع عبر وكلائها، باتت أقل قدرة على ذلك. وإسرائيل التي كانت تنتظر الضوء الأخضر الأميركي، باتت تمتلك هامشاً أكبر للحركة. والولايات المتحدة التي كانت تمسك بكل الخيوط، باتت أسيرة حسابات «أميركا أولاً». إنها لحظة الحقيقة، بكل ما تعنيه من مخاطرة واستشراف. فإما أن تنجح الدبلوماسية في احتواء الانفجار عبر حل حقيقي ومستدام، أو نشهد أول فصول مواجهة قد تغيّر وجه الشرق الأوسط لعقود مقبلة.


الشرق الأوسط
منذ 41 دقائق
- الشرق الأوسط
ثلج الإسكندرية وكويكب الجزائر ولهَب حائل!
من ليل الجمعة وحتى السبت الماضي، اجتاحت الإسكندرية المصرية، عروس البحر الأبيض، عاصفة عاتية غير مألوفة تخللتها أمطار رعدية غزيرة وتساقط للثلوج مع رياح شديدة تجاوزت سرعتها 50 كيلومتراً/الساعة. سارع المُنجّمون والصيادون في مياه الشعبوية أو العداوة السياسية، أو الدروشة، للقول إن ما جرى عقوبة إلهية بسبب ذنوب أهل الإسكندرية، لكن الأمر بسهولة هو أن ما جرى له تفسير علمي مناخي، كما أوضح أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي في تعليقه لـ«العربية»، وهو أنَّ تلك الأجواء غير المسبوقة تعود لحدوث انفجارات شمسية وتوهج شمسي. قبل ذلك بفترة، حيّرت ظاهرةٌ أغربُ في الجزائر، العقولَ، وكانت مادّة شهية للدجّالين، فقد ظهرت يوم 7 مايو 2023 كرة نارية كبيرة عبرت سماء الجزائر في ولاية المسيلة، كانت شديدة اللمَعان غريبة التوهّج، أكثر من لمعان القمر البدر، ثم أحدثت دويّاً مرعباً عقب انفجارها، قُدّر بقوة 176 طنّاً من مادّة «تي إن تي»! لاحقاً - في نجاحٍ علمي - كشف مركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية بالجزائر، أن ما حصل هو عبور جسم فضائي بقطر بضعة أمتار، وانفجاره فوق منطقة البويرة بالجزائر، وانتشار صوته ووهجه خارج الجزائر. لاحظوا أننا في عصر العلم والانكشاف، ومع ذلك ما زال للأباطيل والخرافات باعتها ومشتروها. هذه الحوادثُ أذكرتني حادثةً طريفةً وقعت في جزيرة العرب قبل نحو قرن ونصف القرن. كان ذلك حين روى الرحّالة والعالمُ والسياسي الألماني يوليوس أويتنغ ضمن يومياته، في مدينة حائل، وزيارة أميرها الشهير محمد العبد الله الرشيد. كتب المؤلف التالي ضمن يومية 22 أكتوبر 1883: «كانت الساعة تقارب التاسعة مساءً عندما غادرنا القصر، لمع ضوءٌ أحمر خلال الليل من جهة الغرب، مع أني لم أستطع تحديد الاتجاه إلا خلال النهار، واعتقدتُ في البداية أنه نوع من الضوء الشمالي (قلتُ: أظن المقصود هو الشفَق القطبي) استمرت هذه الظاهرة، التي يصعب تعليلها، للأيام الأربعة عشر التالية، وكانت واضحة للعيان، فتبدأ أولاً ساطعة، ثم يخفُّ ضوؤها تدريجياً». يواصل مُفسّراً: «في هذا الوقت لم أكن أعلمُ عن حدوث انفجار بركان كراكاتاو KRAKATAU في مضيق سوندا، الذي حدث في يوم السابع والعشرين من شهر أغسطس (آب) سنة 1883 والظاهرة التي تبعته بتألّق غروب الشمس». مضيق سوندا الذي انفجر فيه هذا الجبل البركاني الهائل، يقع بين جزيرتي جاوة وسومطرة في الأرخبيل الإندونيسي الكبير، (الرحّالة الأوربيّون في شمال وسط الجزيرة العربية، منطقة حائل) د. عوض البادي. تُرى كيف فسّر الأهالي هذه الظاهرة المخيفة وقتها، وحتى وقتنا، في حائل وكل من رأى هذا الضوء الأحمر؟ لن يُلاموا إنَّ فسّروا الأمر بطريقة خرافية، فهذا منتهى مبلغهم من العلم، كما أن الفرق العلمي بين العرب والمسلمين كلهم، وقتها، مع أوروبا، هائلٌ. لكن هل من عُذرٍ اليوم لمن يمتطي ظهر الظواهر، وهل من عُذرٍ لأتباع الدجاجلة اليوم!؟


الشرق الأوسط
منذ 41 دقائق
- الشرق الأوسط
إيقاع الفرج
في سوريا ولبنان رئيسان جديدان لا يعطيان البروتوكول أي أهمية خارج الضرورة القصوى. خلال بضعة أسابيع قام أحمد الشرع بزيارات فاقت عدد الزيارات التي قام بها بشار الأسد في ربع قرن. وفي الفترة نفسها قام جوزيف عون بزيارات عمل شملت العراق والكويت معاً، وهو ما لم يحدث من قبل، لأن رئيس لبنان كان يحتاج إلى إذن خاص من نظام الأسد للقيام ببعض الزيارات. وذات مرة اضطر ياسر عرفات للعودة من موسكو إلى القاهرة ليطير منها إلى الصين لأن العلاقة بين روسيا والصين كانت «العياذ بالله». تجاهل الرئيسان، الشرع وعون، كل التفاصيل التي لا معنى لها في أيام دقيقة وحالة حرجة، معظم زيارات الرئيس عون تمت في يوم واحد. وكان يعود إلى بيروت ليستأنف عمله. وبعض هذه الأعمال لا علاقة لها بالرئيس، أو بمهامه، لكن تلك الطريقة الوحيدة للقفز فوق البيروقراطيات المهترئة، والمظاهر الفارغة. أمضى الرئيس السابق ميشال عون 6 سنوات بطيئة، باهتة، تردت خلالها علاقات لبنان التاريخية حتى القعر. وقرر أحمد الشرع، الذي لا يعرفه أحد، أن يعرِّف هو بنفسه، وأن يزيل ما استطاع من غموض حول شخصه، وحرص على أن يبعد عن صورته نواب التصفيق في مجلس الشعب. وبرغم انحطاط السياسة في لبنان، فإن هذه الفرقة لم تظهر في بيروت. على الأقل في العلن. بعد 6 سنوات من الحركة البطيئة مع ميشال عون، تغير إيقاع العمل الرسمي في لبنان، وعادت الابتسامة العفوية إلى القصر. ولم يعد رئيس الوزراء يمثل متجهماً في حضرة رئيس جمهورية مكفهر. منذ سنوات، أو عقود، لم تنفرج مظاهر الحكم في دمشق بهذه الطريقة. والرئيس يُحترم، لكنه لا يرعب. والناس تخاف الحكم. وتخاف بعضها، لكنها لا تعتبر الابتسامة مؤامرة على الاستقرار. طبعاً العرب تعلموا (أو تعودوا) عبر السنين، ألا يبالغوا في التفاؤل. لكن سوريا ولبنان دولتان «مفتاحان» عبر العصور. ونادراً ما استدام فيهما التفاؤل. وكل خطوة متفائلة اليوم، يرافقها ألف ميل من الحذر والتردد. وألف عام من الأمل. وبقدر ما نحن معنيون في القطر اللبناني الشقيق، كلما شعرت سوريا بالارتياح، شعرنا بالفرج.