
هل فبركت أياد خفية الاتهامات لكريم خان؟ ولماذا؟
اضافة اعلان
باريس – يخضع كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق بتهمة "سوء السلوك المزعوم" عقب اتهامات بسلوك جنسي غير لائق تجاه موظفة العام الماضي.وأعلنت المحكمة، ومقرها لاهاي، في مؤخرا أن خان سيتنحى مؤقتا من منصبه إلى حين انتهاء تحقيق يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في الاتهامات الموجهة ضده وإرسال تقريره إلى رئيس الهيئة الإدارية للمحكمة لمراجعة استنتاجاته.وتتزايد الشكوك بشأن صحة وأهداف هذه الاتهامات بسبب تزامنها مع الفترة التي كان يستعد فيها المدعي العام لإصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت في 20 أيار (مايو) 2024.سابقة قضائيةوأعربت رئاسة جمعية الدول الأطراف (وهي الهيئة الرقابية الإدارية والتشريعية للمحكمة)، في بيان صادر أول من أمس، عن ثقتها التامة باستمرار عمل المحكمة لتحقيق العدالة بصورة طبيعية ومن دون أي انقطاع، في ظل قيادة الرئاسة والمسجل ونائبي المدعي العام.وأضاف البيان، أن مكتب الجمعية يتابع التحقيق لضمان إجراء عملية تحقيق مستقلة ومنصفة وعادلة بالكامل، بما يتوافق مع الإطار القانوني الخاص بالجنائية الدولية ونظام روما الأساسي.وعن المدة التي من المتوقع أن يستغرقها التحقيق مع خان، أوضح المحامي عبد المجيد مراري أن ما يحدث هو سابقة قضائية في تاريخ الجنائية الدولية "لم يسبق فتح تحقيق مع أي مدع عام في هذه المحكمة، منذ تأسيسها وأعتقد أن إصدار نتائج التحقيق سيستغرق شهرين كحد أقصى".ويرى مراري، أن بيان جمعية الدول الأطراف، يؤكد أن الجنائية الدولية غير مرتبطة بالأشخاص، وإنما بمكاتب ومؤسسات تعمل باستمرار في إطار ما يُصطلح عليه باستمرارية المرفق العمومي.ومن جهة أخرى، أعرب العضو في الفريق القانوني الذي قاد مذكرات الاعتقال عن استغرابه من توقيت هذه الاتهامات "ونعدها محاولة لإلهاء المحكمة والقضاء الدولي والعدالة الدولية في القيام بمهامها للتحقيق في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".ملف غزة مستمروفي ظل الاضطرابات التي تحوم بالعدالة الدولية، يعد أستاذ القانون الدولي بجامعة ميدلسكس في لندن، والرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويليام شاباس، أن قرار كريم خان التنحي مؤقتا ريثما يُجرى التحقيق، هو القرار الصحيح، قائلا "هذا ما يجب فعله عند وجود ادعاء خطِر كهذا، وعندما يكون التحقيق جاريا. ليس لدي رأي بشأن ما إذا كان قد حدث شيء أم لا".ومن حيث المبدأ، يرى شاباس أن المزاعم الموجهة للمدعي العام لا ينبغي أن تغير من مسار ملف الحرب على قطاع غزة داخل الجنائية الدولية لأن نوابه المنتخبين سيتولون مهمة متابعة القضية التي يجب أن تستمر.وقد أعلن مكتب المدعي العام للجنائية الدولية، أول من أمس تولي النائبين، نزهات شميم خان ومامي ماندياي نيانغ، قيادة المكتب وإدارته، عقب قرار كريم خان أخذ إجازة مؤقتة، لضمان استمرارية أنشطة المكتب في جميع مجالات العمل، خاصة في مهمته المتمثلة بالتحقيق في أخطر الجرائم وملاحقة مرتكبيها باستقلالية وحيادية.كما شدد المكتب على التزامه بمواصلة التنفيذ الفعال لولايته المتمثلة في تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، في جميع الحالات والقضايا على مستوى العالم.وفي هذا السياق، أشار الخبير في القانون الدولي مراري إلى عدم وجود أي تأثير على عمل المحكمة وأن التواصل لم ينقطع بين الفريق القانوني ومكتب المدعي العام، لكن الهدف من الاتهامات -حسب مراري- هو ضرب المحكمة في العمق، معتبرا أن هذا الشق الأخلاقي لموظفي العدالة أمر خطِر جدا قد يصيب العدالة الدولية في مقتل ويفقدها مصداقيتها ومهنيتها.شكوك مشروعةوفي 6 شباط (فبراير) الماضي، أعلن مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على الجنائية الدولية، مبررا ذلك بانخراطها "في أعمال غير مشروعة ولا أساس لها من الصحة تستهدف أميركا وحليفتنا الوثيقة إسرائيل".ولذلك، فقد المدعي العام إمكانية الوصول إلى بريده الإلكتروني وجُمدت حساباته المصرفية، كما تم إبلاغ الموظفين الأميركيين في المحكمة بلاهاي أنهم سيُعرضون أنفسهم لخطر الاعتقال في حال سفرهم إلى الولايات المتحدة.وبالاعتماد على أحداث كثيرة سابقة كان الهدف منها، هو الضغط على عمل الجنائية الدولية، لم يُنكر أستاذ القانون الدولي شاباس المزاعم القائلة، إن الاتهامات الموجهة لخان عملت عليها قوى موالية لإسرائيل.في المقابل، لم يرد التعليق مطولا بشأن هذا الموضوع لأنه لا يستطيع الجزم بأن هذه القوى هي أصل القضية، موضحا "أنا متردد جدا في التكهن نظرا لغياب أدلة قاطعة تثبت ذلك".وإلى حين إثبات العكس، يعتقد المحامي مراري، أن المدعي العام بريء مما نُسب إليه لأن "قرائن فبركة هذا الملف واضحة للجميع، إلا لمن أراد أن يسير في اتجاه الانتصار لإسرائيل وإضفاء الشرعية على جرائمها".أفادت صحيفة الغارديان البريطانية نقلا عن مصادر أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين، متورط شخصيا في مؤامرة سرية للضغط على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا.سيناريو سابقوقد تكون قضية المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا المحرك الرئيسي لهذه الشكوك، إذ تعرضت هي وأسرتها ومستشاروها للتهديد في أثناء عملها على ملفات حساسة، في فترة توليها منصب رئيسة للادعاء بين عامي 2012 و2021.وخلال العام الماضي، أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، أن الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين هدد بنسودا في اجتماعات سرية للضغط عليها والتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.وفي هذا الإطار، يرى القاضي الكندي شاباس، أن احتمال محاولة الموساد والقوات الإسرائيلية التأثير على مكتب المدعي العام كريم خان أمر راسخ، موضحا "لم نتلقَّ أي مزاعم بأنهم فعلوا ذلك حتى الآن، لكن لدينا كل الأسباب للاعتقاد أنهم سيحاولون فعل أشياء مماثلة معه كما فعلوا سابقا مع بنسودا".وتابع "لا أظن أن الإسرائيليين سيتصرفون بطريقة مبنية على المبادئ والصواب لأنهم جماعة شريرة وسيفعلون أي شيء، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل واضح إلا أن كل الاحتمالات واردة".من جانبه، لا يستبعد مراري فبركة وزيف الادعاءات ضد خان الذي تلقى العديد من الضغوط والتهديدات قبل وبعد إصدار مذكرات التوقيف، مؤكدا "نشهد استمرارية نهج التهديد وفبركة الملفات مثلما حدث مع بنسودا التي تم ابتزازها بمقاطع فيديو وصور وتسجيلات مفبركة لزوجها".وعليه، يعتقد الخبير في القانون الدولي، أن عدم تغير الأساليب والخطط لا يستهدف شخص المدعي العام، بل التشكيك في أخلاقيات مؤسسة الادعاء العام، ما يعني القضاء على المحكمة الجنائية الدولية لأنها أصبحت تؤرق إسرائيل والولايات المتحدة.-(وكالات)
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 4 ساعات
- الغد
الدفاع المدني يخمد حريقا واسعا في البلقاء
اضافة اعلان وبين الناطق الإعلامي أن الطواقم المتخصصة منعت وصول النيران إلى داخل المصنع بكل مهنية وحرفية عالية، مؤكدا أنه لم ينتج عن الحريق أي إصابات في الأرواح، وتم فتح تحقيق للوقوف على الأسباب التي أدت لنشوب الحريق.


الغد
منذ 5 ساعات
- الغد
الخارجية الفرنسية تندّد بإلغاء إسرائيل تصريح سفر لوفدين فرنسيين
اعتبرت فرنسا الثلاثاء أنّ قرار إسرائيل إلغاء تصريح سفر لوفدين فرنسيين "تقودهما جمعيات" قالت إسرائيل إنّها مرتبطة بمنظمات "إرهابية"، "مؤسف وغير مجدي ومضر بالعلاقات الفرنسية الإسرائيلية". اضافة اعلان وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان، إنّ هذه الجمعيات تعمل "من أجل التعاون اللامركزي (جمعية AJPF، وهي جمعية التوأمة بين مخيمات اللاجئين الفلسطينية والمدن الفرنسية)"، مضيفا أنّ "الاتهامات العلنية التي وجهتها السفارة الإسرائيلية في فرنسا بشأن وجود صلة بين هذه الجمعيات ومنظمات إرهابية مرفوضة". أ ف ب


الغد
منذ 5 ساعات
- الغد
تجنب المواجهة بين إسرائيل وسورية (1): مخاطر الاحتلال
ديفيد شينكر* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2025/4/22 العملية العسكرية الإسرائيلية التي تجاوزت الحدود السورية قد تكون مفهومة في ظل الاعتبارات الأمنية، لكنها على الأرجح تخطت الحدود المقبولة، ما يفرض ضرورة تدخل أميركي سريع. على واشنطن أن تتحرك لجمع القوى السورية المتفرقة، وتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، وتنسيق الجهود مع تركيا، واتخاذ خطوات إضافية ضرورية لتحقيق الاستقرار في المنطقة. * * * في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر)، ظهرت لوحة إعلانية في تل أبيب تهنئ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وتطلب منه المساعدة في جعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى. اضافة اعلان وفي الآونة الأخيرة، بدا واضحاً في أماكن غير متوقعة أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عازم على تحقيق هذه العظمة لإسرائيل من جديد -كما يتضح من التحركات العسكرية التي قادت إلى سيطرة إسرائيل على مساحات شاسعة من الأراضي السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أن بعض هذه التحركات قد تكون مبررة أمنياً، فإن اتساع نطاق التدخل الإسرائيلي يبعث على القلق، بل ويشكل خطوة استفزازية قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار على المدى الطويل. مبررات التوغل الإسرائيلي منذ العام 2013؛ أي بعد عامين من اندلاع الحرب الأهلية السورية، بدأت إسرائيل في استهداف الوجود الإيراني في سورية، من خلال غارات جوية مركّزة على شحنات الأسلحة الإيرانية، والمواقع العسكرية، وقواعد "حزب الله" الناشئة قرب الحدود. وطوال عقد من الزمن، حافظت إسرائيل على هذا النمط من العمليات، مقتصرة في الغالب على الهجمات الجوية. ولكن في أيلول (سبتمبر) 2024، قبل شهرين من الهجوم المفاجئ الذي قادته قوات المعارضة بقيادة أحمد الشرع وأطاح بنظام الأسد، نفذت إسرائيل عملية جوية وبرية مشتركة استهدفت "مركز الدراسات والبحوث العلمية" -وهو منشأة سرية لتطوير الصواريخ الدقيقة- ودمرته بالكامل. ومع تصاعد المخاوف من انهيار النظام، بدأت إسرائيل في تشرين الأول (أكتوبر) بنشر قواتها البرية في منطقة فصل القوات التابعة للأمم المتحدة UNDOF، وهي منطقة منزوعة السلاح تم إنشاؤها في العام 1974 للفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في الجولان. كما قامت وحدات من الجيش الإسرائيلي ببناء طرق جديدة وتحسين التحصينات على طول السياج الحدودي، ودفعَت بلواءين مدرعين إلى داخل المنطقة. عقب سقوط دمشق، دخلت إسرائيل مرحلة جديدة من عملياتها في سورية. فمع تفكك جيش النظام وازدياد الخشية من وقوع الأسلحة في أيدي مجموعات معادية، شنت إسرائيل حملة جوية لتدمير ما تبقى من القدرات الاستراتيجية للنظام، (الجزء الثاني سيقدم المزيد من التفاصيل) وسيطرت على مواقع مهجورة تتيح مراقبة تحركات قوات الشرع في دمشق، بالإضافة إلى معاقل "حزب الله" في سهل البقاع اللبناني. وفي نهاية المطاف، أنشأ الجيش الإسرائيلي تسعة مواقع عسكرية داخل منطقة الفصل، ووسع انتشاره إلى خارجها من خلال تنفيذ غارات جوية قرب دمشق (في مناطق مثل الكسوة ومعربة)، وكذلك في مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية. كما نفذ عمليات لنزع سلاح القرى الحدودية، واستولى الجيش على أسلحة ثقيلة في عمق الأراضي السورية لمسافة تصل إلى عشرة أميال، وأقام وجوداً دائماً شمال منطقة الفصل بمحاذاة الحدود اللبنانية. هذا التصعيد جاء بدافع الخوف من تكرار سيناريو هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ولكن هذه المرة من الجبهة الشمالية. وترى إسرائيل أن أحمد الشرع، الذي كان في السابق عضواً في تنظيمي القاعدة و"داعش"، ومعه الجماعات الإسلامية التي دعمته في إسقاط النظام، يمثلون تهديداً متصاعداً. كما تخشى إسرائيل من حالة الفوضى التي تعمّ سورية، في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على ضبط الأمن. ومن منظورها القانوني، ترى إسرائيل أن اتفاق فصل القوات الموقّع في العام 1974 مع حافظ الأسد لم يعد سارياً بعد انهيار حكم بشار، إلى حين عودة حكومة مستقرة. وبصورة عامة، يبدو أن إسرائيل تعمل على إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. في 23 شباط (فبراير)، حذر نتنياهو من أن إسرائيل لن تسمح لأي ميليشيات أو قوات حكومية سورية بالتحرك جنوب دمشق، وسرعان ما ترجم هذا التحذير إلى سلسلة من الغارات الجوية. وبالتوازي، سعت حكومته إلى تعزيز العلاقات مع الطائفة الدرزية في منطقة الفصل، وحاولت فتح قنوات تواصل مع قيادات درزية في مناطق شمالية، خصوصاً في جرمانا قرب دمشق. وفي 1 آذار (مارس)، ألمح نتنياهو إلى احتمال تدخل عسكري لحماية الأقلية الدرزية من الجماعات الإسلامية. وبعد ذلك، عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، عن أسفه للمجازر التي تعرض لها العلويون، ما أثار تكهنات بأن إسرائيل ربما تعرض حمايتهم أيضاً. ومع ذلك، فإن هذا التعاطف لا يعني بالضرورة نية حقيقية للتدخل، خاصة وأن إسرائيل لم تتحرك لحماية الدروز طوال سنوات الحرب على الرغم مما تعرضوا له من قمع واضطهاد. أما أحمد الشرع، فقد تخلى عن اسمه الحركي، أبو محمد الجولاني، بعد دخول قواته إلى دمشق، وارتدى بدلة مدنية بدلاً من الزي العسكري. وفي غضون أسابيع، أصدرت حكومته المؤقتة بيانات عدة تؤكد أنها لا تنوي الدخول في مواجهة مع إسرائيل، بل وتعهد في 16 كانون الأول (ديسمبر) بأن الأراضي السورية لن تُستخدم كنقطة انطلاق لأي هجمات ضد دول الجوار. ولكن، على الرغم من هذه الرسائل المطمئنة، ما تزال نوايا الشرع طويلة المدى غير واضحة. صحيح أنه نأى بنفسه عن تنظيمي القاعدة و"داعش"، إلا أن حكومته تضم عناصر معروفة بعدائها لإسرائيل، من الجهاديين والمقاتلين الأجانب. وحتى لو كانت رغبة الشرع في بناء علاقات ودية مع إسرائيل صادقة، إلا أنه لا يملك السيطرة الكاملة على الأراضي السورية أو على مختلف الفصائل المسلحة المنتشرة فيها. ومع استمرار حالة عدم الاستقرار، والغموض الذي يحيط بمستقبل سورية، تبدو الخطوات الاستباقية التي تتخذها إسرائيل لإنشاء منطقة نفوذ في جنوب سورية مفهومة من زاويتها. لكن السؤال الأهم يبقى: هل هذا التهديد، بكل أبعاده، يبرر التوسع الإسرائيلي الحالي داخل الأراضي السورية؟ مهما كانت الإجابة، على الولايات المتحدة وحلفائها أن يضعوا في اعتبارهم سبباً إضافياً لهذا التوسع الإسرائيلي: القلق المتزايد من تعاظم النفوذ التركي في دمشق. التوصيات السياسية حين سُئل الرئيس ترامب في كانون الثاني (يناير) عن التعامل مع سورية بعد الأسد، قال: سورية غارقة في فوضاها وهم لا يحتاجون إلى تدخلنا. وتشير التقارير إلى أن إدارته تخطط لسحب القوة العسكرية الأميركية الصغيرة في شرق سورية، التي كانت تقدم الدعم لشركاء (قسد)، "قوات سورية الديمقراطية" في احتواء تنظيم "داعش"، وضمان أمن مراكز الاحتجاز التي تضم آلاف المقاتلين والمؤيدين وعائلاتهم. على الرغم من هذا الانسحاب، ما تزال لدى واشنطن مصلحة ملحّة في تحقيق الاستقرار وضمان قدرة الحكومة السورية الجديدة على فرض سيادتها، وحماية الحدود، ومحاربة الإرهاب، والتخلي عن سجلّها الطويل في تهديد جيرانها -وإلا فإن العديد من أهداف الإدارة الأميركية الأخرى في الشرق الأوسط ستكون عرضة للخطر. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي على المسؤولين الأميركيين التعاون مع شركائهم لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وذلك من خلال إيجاد توازن دقيق بين الحاجة العاجلة إلى تخفيف العقوبات (ولو بشكل مؤقت) وبين الضغط السياسي. كما يتعين عليهم دعم جهود دمج الفصائل المسلحة ضمن الجيش السوري الجديد -وهي مقاربة أثمرت بالفعل عندما توصلت "قوات سورية الديمقراطية" بقيادة الأكراد إلى اتفاق مبدئي للاندماج مع حكومة الشرع. والأهم من ذلك، تحتاج إدارة ترامب إلى حوار مباشر مع إسرائيل لفهم استراتيجيتها طويلة الأمد في سورية. على سبيل المثال، على الرغم من أهمية تعزيز الشراكات الحدودية لتحسين الأمن، إلا أن أي محاولة لتشكيل قوة وكيلة جديدة في جنوب سورية ستكون خطوة غير حكيمة -كما أظهرت تجربة "جيش لبنان الجنوبي" التي دعمتها إسرائيل في الماضي. يجب أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من مواقعها داخل المنطقة العازلة مع سورية وجبل الشيخ، بالإضافة إلى تنفيذ ضربات جوية عند الحاجة. أما في حال استمر وجود قواتها خارج المنطقة منزوعة السلاح، فقد يؤدي ذلك إلى تنامي التطرف وظهور تهديدات إرهابية مستقبلية، مما يقوض أمن إسرائيل واستقرار سورية على حد سواء. على الرغم من تصريحات الشرع حول تجنب الصدام مع إسرائيل، فإن حكومته المحاصَرة بدأت تشتكي من تمركز قوات الجيش الإسرائيلي، وهناك تقارير عن تشكيل مجموعات مقاومة جديدة مدعومة من إيران لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. على المدى البعيد، قد تحتاج القدس ودمشق إلى اتخاذ خطوة صعبة -لكنها قد تكون ضرورية- وهي التفاوض على نظام أمني جديد على الحدود، لتعديل أو استبدال اتفاق فصل القوات للعام 1974. وبدعم من واشنطن، ينبغي أن يأخذ الاتفاق الجديد بعين الاعتبار التحديات الأمنية الفريدة في سورية ما بعد الأسد، وكذلك ضعف أداء قوات حفظ السلام الأممية في مناطق الصراع العربي - الإسرائيلي. أخيراً، يجب على واشنطن الانخراط بفعالية مع تركيا بشأن تدخلها في شمال سورية وصلاتها بالفصائل الإسلامية هناك. فإذا تحولت سورية إلى دولة ضعيفة ذات مناطق نفوذ دائمة لكل من تركيا وإسرائيل، فإن الوضع سيصبح حافلاً بنقاط التوتر واحتمالات التصعيد بين حليفين أساسيين للولايات المتحدة. وتشير التقارير إلى أن قلق إسرائيل من تزايد النفوذ التركي بلغ حد مطالبتها واشنطن بتسهيل عودة الجيش الروسي إلى سورية -على الرغم من أن انسحاب موسكو كان يعد من أبرز نجاحات واشنطن بعد سقوط الأسد. صحيح أن ترامب قال إن سورية في حالة فوضى، لكن غياب الدبلوماسية الأميركية سيجعل هذه الفوضى أسوأ بكثير، مع تداعيات واسعة على أولويات الرئيس في الشرق الأوسط. *ديفيد شينكر: زميل أقدم في برنامج الزمالة "توب" في معهد واشنطن ومدير برنامج "ليندا وتوني روبين" حول السياسة العربية. شغل سابقا منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. اقرأ المزيد في ترجمات: وهم السخاء الأميركي